تحفة
الفقهاء كتاب الشُّفْعَة
يحْتَاج فِيهِ إِلَى بَيَان مَا تجب بِهِ الشُّفْعَة وَإِلَى بَيَان
شَرَائِط الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان
الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِالشُّفْعَة
أما الأول فَنَقُول سَبَب اسْتِحْقَاق الشُّفْعَة أحد الْأَشْيَاء
الثَّلَاثَة الشّركَة فِي الْبقْعَة وَالشَّرِكَة فِي الْحُقُوق والجوار
على سَبِيل الملاصقة وَهَذَا عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يسْتَحق إِلَّا بِالشّركَةِ فِي الْبقْعَة وَهِي
مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
ثمَّ إِنَّمَا تسْتَحقّ الشُّفْعَة بهَا على التَّرْتِيب فالشريك فِي
الْبقْعَة أَولا ثمَّ الشَّرِيك فِي الْحُقُوق ثمَّ الْجَار الملاصق لِأَن
الشُّفْعَة إِنَّمَا تجب لدفع ضَرَر الدخيل عَن الْأَصِيل وَالضَّرَر على
هَذَا التَّرْتِيب فِي الْعرف
فَإِن سلم الشَّرِيك فِي الْبقْعَة ثبتَتْ للشَّرِيك فِي الْحُقُوق وَإِن
سلم هُوَ تثبت للْجَار الملاصق
وَلَا يثبت للْجَار الْمُقَابل لِأَن ضَرَره دون ضَرَر هَؤُلَاءِ
وَالشَّرْع ورد بِالشُّفْعَة فِي حق هَؤُلَاءِ فَلَا يُقَاس عَلَيْهِم
غَيرهم مَعَ التَّفَاوُت فِي الضَّرَر
(3/49)
وَأما شَرَائِط الْوُجُوب فَمِنْهَا عقد
الْمُعَاوضَة عَن المَال بِالْمَالِ فَإِنَّهَا لَا تجب بِهَذِهِ
الْأَسْبَاب إِلَّا عِنْد عقد البيع أَو مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ من
الصُّلْح وَالْهِبَة بِشَرْط الْعِوَض إِذا وجد قبض الْبَدَلَيْنِ فَأَما
إِذا قبض أَحدهمَا دون الآخر فَلَا شُفْعَة وَهَذَا عندنَا خلافًا ل زفر
إِنَّهَا تجب بِنَفس العقد وَهَذَا فرع مَسْأَلَة بَينهم أَن الْهِبَة
بِشَرْط الْعِوَض عقده عقد هبة وجوازه جَوَاز البيع فَمَا لم يتقابضا لَا
يكون فِي معنى البيع وَعِنْده عقده عقد بيع وَهِي مَسْأَلَة كتاب الْهِبَة
وَلَو وهب ثمَّ عوض بعد العقد فَلَا يجب الشُّفْعَة فِيهِ وَلَا فِيمَا
هُوَ عوض عَنهُ بِأَن جعل الْعِوَض دَارا لِأَن هَذَا لَيْسَ فِي معنى
البيع لِأَنَّهُ لَيْسَ بمشروط فِي العقد
وَلِهَذَا لَا يجب فِي الْمَمْلُوك بِمُقَابلَة الْمَنَافِع بِأَن جعل
الدَّار مهْرا أَو أُجْرَة
وَلِهَذَا لَا يجب فِي الدَّار الْمَمْلُوكَة بِغَيْر بدل كَالْهِبَةِ
وَالصَّدَََقَة وَالْوَصِيَّة أَو بِبَدَل لَيْسَ بِمَال كبدل الْخلْع
وَالصُّلْح عَن دم الْعمد
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن من تزوج امْرَأَة على دَار
على أَن ترد عَلَيْهِ ألفا فَلَا شُفْعَة فِي شَيْء من الدَّار
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تجب الشُّفْعَة
وَاسْتِحْقَاق الشُّفْعَة فِي البيع بِشَرْط الْخِيَار قد ذكر فِي الْبيُوع
وَفِي البيع الْفَاسِد إِذا ملك عِنْد الْقَبْض لَا يسْتَحق الشُّفْعَة مَا
لم يبطل حق الْفَسْخ إِمَّا لاتصال الْمَبِيع بِزِيَادَة أَو بِزَوَال ملك
المُشْتَرِي لِأَن حق الْفَسْخ ثَبت لحق الشَّرْع
(3/50)
وَإِذا أَخذ الشَّفِيع المُشْتَرِي شِرَاء
فَاسِدا بِالشُّفْعَة يَأْخُذهُ بِقِيمَتِه يَوْم قبض لِأَن الْقيمَة فِيهِ
بِمَنْزِلَة الثّمن فِي الشِّرَاء الصَّحِيح
وَمِنْهَا أَن يكون الْمَبِيع عقارا أَو فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالك يثبت
فِي الْمَنْقُول الَّذِي هُوَ نَظِيره وَهُوَ السفن وَلِهَذَا قَالَ إِذا
بِيعَتْ الضَّيْعَة ببقرها ومماليك يعْملُونَ فِيهَا يجب الشُّفْعَة فِي
الْكل
وَعِنْدنَا لَا يسْتَحق فِيمَا لَيْسَ بعقار من الْبَقر وَالْعَبِيد
وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا
شُفْعَة إِلَّا فِي ربع أَو حَائِط
وَيَسْتَوِي الْجَواب عندنَا فِي الْعقار الَّذِي تجوز قسمته وَالَّذِي لَا
تجوز قسمته كالحمام والرحى والبئر وَالنّهر والدور الصَّغَائِر
وَعند الشَّافِعِي لَا يجب فِيمَا لَا يقسم
وَإِذا بيع سفل عقار دون علوه أَو علوه دون سفله تجب الشعفة أما فِي بيع
السّفل فَلَا يشكل لِأَنَّهُ عقار
وَأما فِي بيع الْعُلُوّ وَحده فَقِيَاس واستحسان لِأَنَّهُ لَيْسَ بعقار
وَلَكِن فِي مَعْنَاهُ لِأَن حق التعلي يتَعَلَّق بالبقعة على التأييد
فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْبقْعَة
وَأما بَيَان كَيْفيَّة الْوُجُوب فَنَقُول إِن حق الشُّفْعَة يجب على
طَرِيق الْفَوْر عندنَا نظرا من الْجَانِبَيْنِ
وَعند الشَّافِعِي يجب وجوبا ومؤبدا
وَاخْتلف الرِّوَايَة فِي تَفْسِير الْفَوْر فِي بَعْضهَا أَنه إِذا علم
بِالْبيعِ
(3/51)
يَنْبَغِي أَن يطْلب الشُّفْعَة ساعتئذ
فَإِذا سكت وَلم يطْلب بطلت شفعته وَفِي بَعْضهَا أَنه على الْمجْلس فَإِن
مُحَمَّدًا ذكر فِي الأَصْل إِذا بلغ الشَّفِيع البيع إِن لم يطْلب
الشُّفْعَة مَكَانَهُ بطلت الشُّفْعَة
وَذكر الْكَرْخِي أَن هَذَا لَيْسَ باخْتلَاف رِوَايَة وَإِنَّمَا هُوَ على
الْمجْلس كَخِيَار المخيرة وَالْقَبُول
ثمَّ الطَّالِب نَوْعَانِ أَحدهمَا طلب مواثبة وَهُوَ مَا ذكرنَا فَكَمَا
علم بِبيع الدَّار يطْلب الشُّفْعَة فَيَقُول طلبت الشُّفْعَة وَأَنا
طالبها أَو قَالَ ادعيت الشُّفْعَة وَأَنا على شفعتي وَيشْهد على ذَلِك
حَتَّى يتَأَكَّد الْوُجُوب بِالطَّلَبِ على الْفَوْر وَيعلم أَنه لَيْسَ
بمعرض حَتَّى يحصل الْمُطَالبَة من الْخصم بعد ذَلِك من غير اشْتِغَال
بِشَيْء مَعَ الْقُدْرَة على الْمُطَالبَة
وَلَيْسَ الْإِشْهَاد بِشَرْط لصِحَّة الطّلب وَلَكِن للتوثيق حَتَّى إِذا
أنكر المُشْتَرِي طلب الشُّفْعَة حِين علم فَيَقُول لم تطلب الشُّفْعَة
حِين علمت بل تركت الشُّفْعَة وَقمت عَن الْمجْلس وَالشَّفِيع يَقُول طلبت
فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي فَلَا بُد من الْإِشْهَاد وَقت الطّلب توثيقا
لحقه
وَلَو لم يكن الشُّهُود حاضرين فَبعث فِي طَلَبهمْ وَمكث فِي الْمجْلس لَا
تبطل شفعته كَمَا فِي خِيَار المخيرة
وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ أَنه قَالَ إِذا طلب الشُّفْعَة ثمَّ قَامَ عَن
الْمجْلس إِلَى الشُّهُود وأشهدهم على ذَلِك جَازَ لِأَن الطّلب يحْتَاج
إِلَيْهِ لثُبُوت الشُّفْعَة فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَالشُّهُود يحْتَاج
إِلَيْهَا للتوثيق الَّذِي ذكرنَا
والطلب الثَّانِي الْمُطَالبَة من الْخصم لِأَن الْمُطَالبَة لَا بُد لَهَا
من مطَالب ومطلوب
فَإِن كَانَ الْمَبِيع لم يقبض بعد فالشفيع بِالْخِيَارِ بَين مُطَالبَة
البَائِع أَو
(3/52)
المُشْتَرِي أَو الطّلب عِنْد الْمَبِيع
وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ لِأَن المُشْتَرِي مَالك وَالْبَائِع صَاحب يَد
فَيصح من الشَّفِيع الْمُخَاصمَة مَعَهُمَا لنقل الْملك وَالْيَد فَأَما
الْمَبِيع
فَيتَعَلَّق الشُّفْعَة بِهِ فَيقوم الطّلب عِنْده مقَام الطّلب مِنْهُمَا
بِاعْتِبَار الْحَاجة
فَأَما إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي لم يَصح الْإِشْهَاد على
البَائِع لِأَنَّهُ خرج من أَن يكون خصما لزوَال يَده وَملكه وَلَكِن لَهُ
الْخِيَار فِي الْإِشْهَاد على المُشْتَرِي أَو عِنْد الْعقار
ثمَّ مَا ذكرنَا من الِاخْتِيَار إِذا كَانَ الشَّفِيع حَاضرا عِنْد وُقُوع
البيع بِحَضْرَة الدَّار وَالْبَائِع وَالْمُشْتَرِي
وَأما إِذا عقد البيع فِي غير الْموضع الَّذِي فِيهِ الدَّار وَالشَّفِيع
حَاضر فَلم يطالبهما بِالشُّفْعَة وَحضر مَوضِع الدَّار وَأشْهد ثمَّ بطلت
شفعته حَيْثُ ترك الْمُطَالبَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا
وَإِن كَانَ الشَّفِيع غَائِبا عَن مجْلِس البيع فَعلم فَحَضَرَ مَوضِع
الدَّار وَلم يطْلب الشُّفْعَة وَذهب حَتَّى يجد البَائِع أَو المُشْتَرِي
تبطل شفعته لِأَنَّهُ ترك الطّلب مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ
فَأَما إِذا بِيعَتْ الدَّار فِي الْمصر الَّذِي هِيَ فِيهِ وَالشَّفِيع
فِي مصر آخر فَعلم بذلك فَالْجَوَاب فِي حَقه وَالْجَوَاب فِي حق الْحَاضِر
سَوَاء فِي أَنه يطْلب على الْفَوْر وَيشْهد ثمَّ يشْتَغل بِالطَّلَبِ من
البَائِع أَو المُشْتَرِي أَو الْإِشْهَاد عِنْد الدَّار إِلَّا أَن لَهُ
الْأَجَل بِمِقْدَار الْمسَافَة الَّتِي بَينه وَبَين الْمصر الَّذِي وَقع
فِيهِ البيع من الْمُتَعَاقدين حَتَّى يذهب إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فيطلب
الشُّفْعَة أَو يبْعَث وَكيلا لطلب الشُّفْعَة وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ
وَذَلِكَ الْأَجَل من وَقت الْعلم بِالْبيعِ وَطلب المواثبة فَإِذا مضى
الْأَجَل وَلم يذهب بِنَفسِهِ وَلَا بعث وَكيلا لمطالبته الشُّفْعَة تبطل
شفعته
(3/53)
وَإِذا وجد كلا الطلبين وَصَحَّ
الْإِشْهَاد على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا فَبعد ذَلِك لَهُ أَن يشْتَغل
بالمرافعة إِلَى بَاب القَاضِي وَالْخُصُومَة لأخذ الدَّار بِالشُّفْعَة
فَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع فَالْقَاضِي يحضر البَائِع
وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا وَلَا يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة حَتَّى يحضرا
لِكَوْنِهِمَا خصمين أَحدهمَا بِيَدِهِ وَالْآخر بِملكه لِأَن الْقَضَاء
لَا يجوز بِدُونِ حَضْرَة الْخصم
وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي فَالْقَاضِي يحضرهُ لَا غير
وَيَقْضِي عَلَيْهِ لِأَن البَائِع خرج من أَن يكون خصما لزوَال يَده
فَإِذا قضى القَاضِي بِالشُّفْعَة وَالدَّار فِي يَد البَائِع انْتقض البيع
الَّذِي بَينه وَبَين المُشْتَرِي وَينْعَقد البيع بَينهمَا فِي
الْمَشْهُور من الرِّوَايَة وينتقل الصَّفْقَة إِلَيْهِ
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن البيع لَا ينْتَقض
فعلى الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة يسلم الشَّفِيع الثّمن إِلَى البَائِع
وَيكون عَهده الشَّفِيع على البَائِع وَهِي الرُّجُوع بِالثّمن عِنْد
الِاسْتِحْقَاق وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِن نَقده
ثمَّ الشَّفِيع يَأْخُذ الدَّار بِالثّمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ البيع من
الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والمكيل وَالْمَوْزُون فِي الذِّمَّة لِأَن
تِلْكَ الصَّفْقَة انْتَقَلت إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ الثّمن من الْعرُوض فَيَأْخُذ بِقِيمَتِه
ثمَّ القَاضِي يقْضِي بِالشُّفْعَة سَوَاء أحضر الشَّفِيع الثّمن أَو لَا
فِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله
وَيَأْمُر الشَّفِيع بِتَسْلِيم الثّمن إِلَيْهِ للْحَال فَإِن لم يسلم
يحْبسهُ وَلَا ينْقض الْأَخْذ بِالشُّفْعَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة
الشِّرَاء فَإِن طلب مِنْهُ حَتَّى يذهب ويحضر الثّمن فَالْقَاضِي لَا
يحْبسهُ لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ المطل
وَإِن طلب الْأَجَل يَوْمًا أَو
(3/54)
يَوْمَيْنِ فَالْقَاضِي يؤجله إِن رَضِي
الْخصم وَإِلَّا فيحبسه
وَقل مُحَمَّد لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يقْضِي بِالشُّفْعَة حَتَّى
يحضر الثّمن
فَإِذا أحضر الثّمن يقْضِي بِالشُّفْعَة وَيَأْمُر الشَّفِيع بِتَسْلِيم
الثّمن إِلَى المُشْتَرِي
فَإِن قضي القَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَة قبل إِحْضَار الثّمن إِلَيْهِ من
سَاعَته فَقَالَ لَا أنقده إِلَى يَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو إِلَى شهر وأبى
المُشْتَرِي أَن يقبل ذَلِك لَا يفْسخ قَضَاؤُهُ وَلَا ينْقض الْأَخْذ
بِالشُّفْعَة وَلَكِن يحْبسهُ
وَالِاحْتِيَاط من القَاضِي أَن لَا يقْضِي بِالشُّفْعَة مَا لم يُؤَجل
للشَّفِيع أَََجَلًا وَيَقُول لَهُ إِن لم تأت بِالثّمن إِلَى هَذَا
الْأَجَل فَلَا شُفْعَة لَك حَتَّى إِذا امْتنع وفرط فِي الْأَدَاء تبطل
شفعته فَأَما بِدُونِ ذَلِك إِذا قضي بِالشُّفْعَة لَا تبطل شفعته
بِالتَّأْخِيرِ
وَلَو أَن الشَّفِيع بعد وجود الطلبين وَالْإِشْهَاد إِذا أخر المرافعة
إِلَى بَاب القَاضِي وَلم يُخَاصم هَل تبطل شفعته فقد اخْتلفت الرِّوَايَات
عَن أَصْحَابنَا وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لم تسْقط
الشُّفْعَة بِالتَّأْخِيرِ بعد الإشهادين إِلَّا أَن يُسْقِطهَا
بِلِسَانِهِ فَيَقُول تركت الشُّفْعَة
وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف وَفِي رِوَايَة أُخْرَى
عَنهُ إِذا ترك الْمُخَاصمَة إِلَى القَاضِي فِي زمَان يقدر على
الْمُخَاصمَة فِيهِ بطلت شفعته وَلم يُوَقت
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر إِذا أخر الْمُطَالبَة بعد الْإِشْهَاد شهرا من غير
عذر بطلت شفعته
وَعَن الْحسن أَنه قَالَ وَهَذَا قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَزفر وَبِه نَأْخُذ
(3/55)
وَذكر الْكَرْخِي أَنه إِذا حَال بَين
الشَّفِيع وَبَين الْإِشْهَاد عِنْد الدَّار أَو على البَائِع أَو
المُشْتَرِي حَائِل لَا يَسْتَطِيع الشَّفِيع أَن يصل إِلَى ذَلِك مَعَه
وَلَا أَن يبْعَث وَكيلا فَهُوَ على شفعته إِلَى أَن يَزُول الْحَائِل
الْمَانِع لَهُ ثمَّ يعود الْأَمر بَينهم على مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ ترك
الْمُطَالبَة مَعَ الْمَانِع لَا يدل على الْإِعْرَاض وَلِهَذَا قَالُوا
إِن حق الشُّفْعَة يجب عِنْد البيع
ويتأكد بِالطَّلَبِ وَيثبت الْملك بِهِ بِقَضَاء القَاضِي أَو
بِالتَّرَاضِي من الْخَصْمَيْنِ
وَأما الْأَحْكَام فكثيرة نذْكر بعض الْمَشْهُور مِنْهَا فَمن ذَلِك بَيَان
مَا تبطل بِهِ الشُّفْعَة وَمَا لَا تبطل مِمَّا يحدث من الشَّفِيع
بَيَان ذَلِك إِذا اشْترى الرجل دَارا لَهَا شَفِيع فساوم الشَّفِيع
المُشْتَرِي فِي الدَّار لنَفسِهِ أَو لغيره أَو سَأَلَهُ أَن يوليه
إِيَّاهَا أَو يشركهُ فِيهَا أَو يؤاجرها مِنْهُ أَو كَانَت أَرضًا فَطلب
مِنْهُ الْمُزَارعَة أَو نخلا أَو كرما فَسَأَلَهُ الْمُعَامَلَة وَذَلِكَ
كُله بَعْدَمَا علم بِالشِّرَاءِ فَذَلِك كُله تَسْلِيم للشفعة لِأَن ذَا
دلَالَة الْإِعْرَاض عَن طلب الشُّفْعَة لِأَن حكمهَا يُنَافِي حكم أَخذ
الدَّار بِالشُّفْعَة
وَلَو بَاعَ الشَّفِيع دَاره الَّتِي يشفع بهَا بعد الشِّرَاء للْمُشْتَرِي
تبطل شفعته سَوَاء علم بِالشِّرَاءِ أَو لم يعلم لِأَنَّهُ بَطل الْجوَار
الَّذِي هُوَ سَبَب الِاسْتِحْقَاق قبل أَخذ الدَّار بِالشُّفْعَة
وَلَو سلم الشُّفْعَة قبل البيع لَا يكون تَسْلِيمًا لِأَن الشُّفْعَة لم
تثبت بعد فَلَا يَصح إِبْطَاله
وَلَو سلم بعد الشِّرَاء تبطل الشُّفْعَة سَوَاء علم أَو لم يعلم
(3/56)
بِخِلَاف المساومة والاستئجار
وَلَو أخبر الشَّفِيع أَن الشِّرَاء بِأَلف دِرْهَم فَسلم الشُّفْعَة ثمَّ
ظهر أَن الثّمن أَكثر أَو أقل أَو على خلاف جنسه فَالْأَصْل فِي هَذِه
الْمسَائِل أَنه إِذا لم يحصل غَرَض الشَّفِيع على الْوَجْه الَّذِي سلم لم
يَصح التَّسْلِيم وَإِن حصل صَحَّ فَإِذا ظهر أَن الثّمن أَكثر مِمَّا أخبر
بِهِ لم يبطل التَّسْلِيم لِأَن الشَّفِيع إِذا لم يصلح لَهُ الشِّرَاء
بِالْألف فَأولى أَن لَا يصلح بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يفوت غَرَضه بِمَا
ظهر بِخِلَاف مَا أخبر
وَلَو ظهر أَن الثّمن أقل لَا تبطل الشُّفْعَة لِأَن التَّسْلِيم يكون
لِكَثْرَة الثّمن عِنْده وَأَنَّهَا لَا تَسَاوِي بهَا وَيصْلح لَهُ
الدَّار بِالْأَقَلِّ
وَلَو أخبر أَن الثّمن ألف دِرْهَم فَإِذا هُوَ مائَة دِينَار فَإِن كَانَ
قيمتهَا ألف دِرْهَم أَو أَكثر صَحَّ التَّسْلِيم وَإِن كَانَ أقل فَلهُ
الشُّفْعَة عندنَا خلافًا لزفَر لما قُلْنَا
وَلَو أخبر أَن الثّمن ألف دِرْهَم أَو مائَة دِينَار ثمَّ ظهر أَنَّهَا
بِيعَتْ بمكيل أَو مَوْزُون قِيمَته مثل ذَلِك أَو أقل فتسليمه بَاطِل
لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سلم لِأَنَّهُ لَا يقدر على ذَلِك الْجِنْس
الَّذِي أخبر وَهُوَ يقدر على الْجِنْس الَّذِي بِيعَتْ بِهِ
وَكَذَا إِذا أخبر أَنَّهَا بِيعَتْ بِالْحِنْطَةِ ثمَّ ظهر أَنَّهَا
بِيعَتْ بشعير قِيمَته مثل الحنظة أَو أقل فَلهُ الشُّفْعَة لما ذكرنَا
وَلَو أخبر أَن الثّمن دَرَاهِم أَو دَنَانِير ثمَّ ظهر أَن الثّمن عرض من
الْعرُوض الَّذِي تجب الشُّفْعَة بِقِيمَتِه فَإِن كَانَ مثله أَو أَكثر
فالتسليم صَحِيح وَإِن كَانَ أقل فَلَا يصلح لِأَن الْقيمَة دَرَاهِم أَو
دَنَانِير
(3/57)
وَإِن أخبر أَنَّهَا بِيعَتْ بِعرْض ثمَّ
ظهر أَنَّهَا بِيعَتْ بِجِنْس آخر من الْعرُوض فَهُوَ على شفعته لما ذكرنَا
وَلَو بلغه أَنَّهَا بِيعَتْ نصفهَا فَسلم ثمَّ ظهر أَنه بَاعَ الْكل فَلهُ
الشُّفْعَة
وَإِن كَانَ على عكس هَذَا فَلَا شُفْعَة لَهُ لِأَن الْإِنْسَان رُبمَا
لَا يرضى مَعَ الشَّرِيك فَكَانَ التَّسْلِيم بِنَاء عَلَيْهِ ويرضى
بِالدَّار كلهَا
وَفِي رِوَايَة الْجَواب على ضد مَا ذكرنَا
وَلَو أخبر أَن المُشْتَرِي زيد فَسلم ثمَّ ظهر أَنه عَمْرو فَلهُ
الشُّفْعَة
وَإِن كَانَا قد اشترياها جَمِيعًا أَخذ نصيب الَّذِي لم يسلم الشُّفْعَة
فِيهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يرضى بشركة وَاحِد وَلَا يرضى بشركة غَيره
وَلَو اشْترى الرجل دَارا صَفْقَة وَاحِدَة فَأَرَادَ الشَّفِيع أَن
يَأْخُذ بَعْضهَا دون بعض أَو يَأْخُذ مَا يَلِيهِ من الدَّار لَيْسَ لَهُ
ذَلِك وَإِنَّمَا لَهُ أَن يَأْخُذ الْكل أَو يدع لِأَن فِيهِ تَفْرِيق
الصَّفْقَة على المُشْتَرِي
وَلَو اشْترى دارين صَفْقَة وَاحِدَة فَأَرَادَ شفيعهما أَن يَأْخُذ
إِحْدَاهمَا وَيتْرك الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك سَوَاء كَانَت الداران
متلاصقتين أَو لَا وَسَوَاء كَانَتَا فِي مصر وَاحِد أَو فِي مصرين لِأَن
فِيهِ تَفْرِيق الصَّفْقَة على المُشْتَرِي
وَقَالَ زفر لَهُ الْخِيَار بَين أَن يأخذهما أَو يَأْخُذ إِحْدَاهمَا
وَلَو كَانَ الشَّفِيع شَفِيعًا لإحداهما دون الْأُخْرَى وَقد وَقع البيع
صَفْقَة وَاحِدَة فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَهُ أَن يأخذهما
وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ الَّتِي تجاوره بِالْحِصَّةِ وَقَالَ مُحَمَّد
يَأْخُذ الَّتِي تليه بِالشُّفْعَة وَلَا شُفْعَة لَهُ فِي الْأُخْرَى لما
ذكرنَا
(3/58)
وَلَو أَن الشَّفِيع وجد الدَّار
الْمَبِيعَة منقوضة بعد الشِّرَاء أَو مهدومة فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ
بِفعل المُشْتَرِي أَو الْأَجْنَبِيّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ
الْعَرَصَة بِالْحِصَّةِ وَإِن شَاءَ ترك
وَإِن انتقضت أَو انْهَدَمت بِنَفسِهَا فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذهَا
بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك لِأَن أَخذ الدَّار بِالشُّفْعَة
بِمَنْزِلَة الشِّرَاء فَيثبت الْملك بِالشُّفْعَة فِي الْعَرَصَة
وَالْبناء جَمِيعًا لكَونه تبعا لَهَا والأتباع لَا حِصَّة لَهَا من الثّمن
إِذا فَاتَت لَا بصنع أحد فَأَما إِذا فَاتَت بصنع المُشْتَرِي أَو
الْأَجْنَبِيّ فَصَارَ مَقْصُودا بِالْإِتْلَافِ وَالْقَبْض فَيصير لَهَا
حِصَّة من الثّمن وَقد تغير الْمَبِيع فَكَانَ لَهُ الْخِيَار على الْوَجْه
الَّذِي ذكرنَا
وَإِن كَانَ الْمُشْتَرى كرما وَفِيه أَشجَار وثمار فَقطع المُشْتَرِي
شَجَرهَا أَو جد ثَمَرهَا أَخذ بِحِصَّة الْكَرم ويحط قيمَة مَا أَخذ
مِنْهُ
وَإِن ذهبت بِآفَة سَمَاوِيَّة أَخذهَا بِجَمِيعِ الثّمن أَو ترك لما
قُلْنَا
فَإِن لم يكن فِي وَقت الشِّرَاء فِيهِ ثَمَر ثمَّ أثمرت فجدها المُشْتَرِي
فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذهَا بِجَمِيعِ الثّمن إِن شَاءَ أَو يتْرك وَلَا
يدفعل لَهُ بِحِصَّة الثَّمر لِأَنَّهُ لم يكن فِي أصل البيع فَإِن كَانَ
الثَّمر فِي أصل البيع فَهُوَ كَمَا ذكرنَا من الْبناء وَالنَّخْل
وَإِن كَانَ المُشْتَرِي أَرضًا فِيهَا زرع فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا الشَّفِيع
بزرعها بقلا كَانَ أَو مستحصدا لِأَنَّهُ تبع الأَرْض فَإِن حصد
المُشْتَرِي الزَّرْع ثمَّ جَاءَ الشَّفِيع فَإِنَّهُ أقسم الثّمن على
قيمَة الأَرْض وعَلى قيمَة الزَّرْع وَهُوَ بقل يَوْم وَقع عَلَيْهِ العقد
فَيَأْخُذ الشَّفِيع الأَرْض بِمَا أَصَابَهَا من الثّمن وَلَا يقسم الثّمن
على قيمَة الزَّرْع وَهُوَ مستحصد هَذِه رِوَايَة عَن أبي يُوسُف
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أقوم الأَرْض وفيهَا الزَّرْع وأقومها
لَيْسَ
(3/59)
فِيهَا ذَلِك الزَّرْع فَمَا كَانَ بَين
ذَلِك فَهُوَ قيمَة الزَّرْع وَلَا أقوم الزَّرْع وَهُوَ بقل محصود
وَلَو كَانَ للدَّار شُفَعَاء بِسَبَب الشّركَة فَحَضَرُوا فَهِيَ بَينهم
على عد الرؤوس عندنَا
وَعند الشَّافِعِي على قدر الْأَنْصِبَاء وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
فَإِن سلم الشُّرَكَاء إِلَّا وَاحِد فَلهُ أَن يَأْخُذ الدَّار كلهَا
وَإِن سلم الْبَعْض دون الْبَعْض فالدار كلهَا بَين من لم يسلم على قدر
عَددهمْ
فَإِن سلم الشُّرَكَاء كلهم فللجيران الشُّفْعَة على عَددهمْ
وعَلى هَذَا إِذا بِيعَتْ دَار فِي زقاق غير نَافِذ فأهله جَمِيعًا
شُرَكَاء فِي الشُّفْعَة وهم أولى من الْجِيرَان المتلاصقين الَّذين لَا
طَرِيق لَهُم فِي الزقاق لِأَن الشَّرِيك فِي الطَّرِيق أولى
فَإِن سلم الشُّرَكَاء فِي الطَّرِيق فَالشُّفْعَة للجوار المتلاصقين
وَلَو اخْتلف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي
اشْتَرَيْتهَا بِأَلفَيْنِ وَقَالَ الشَّفِيع بِأَلف فَالْقَوْل
للْمُشْتَرِي فِي الثّمن مَعَ يَمِينه وعَلى الشَّفِيع الْبَيِّنَة فَإِن
أَقَامَ الشَّفِيع الْبَيِّنَة يقْضِي بِبَيِّنَتِهِ وَإِن أَقَامَا
جَمِيعًا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الشَّفِيع عِنْد أبي حنيفَة
وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْبَيِّنَة بَيِّنَة المُشْتَرِي وَهِي
تعرف فِي الخلافيات
وَلَو اشْترى الرجل ساحة فبناها ثمَّ جَاءَ شفيعها وَطلب الشُّفْعَة
فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بالعرصة وَيُقَال للْمُشْتَرِي اقلع بناءك وَسلم
الساحة إِلَى الشَّفِيع عندنَا وَرُوِيَ فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف أَنه
يُقَال للشَّفِيع خُذ الدَّار بِالثّمن وبقيمة الْبناء أَو اترك وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
(3/60)
وَلَو أَخذ الشَّفِيع الدَّار بِالشُّفْعَة
فبناها ثمَّ اسْتحقَّت الدَّار فَإِن الْمُسْتَحق يَأْخُذ الدَّار وَيُقَال
للشَّفِيع اهدم بناءك وَلَا يرجع على المُشْتَرِي بِقِيمَة الْبناء إِن
كَانَ أَخذ الدَّار من يَده وَلَا على البَائِع إِن كَانَ أَخذهَا مِنْهُ
لِأَنَّهُ لَيْسَ بمغرور وَلَكِن يرجع على المُشْتَرِي بِالثّمن لِأَنَّهُ
لم يسلم لَهُ الْمَبِيع
وَلَو اشْترى الرجل دَارا بِثمن مُؤَجل فالشفيع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ
أَخذهَا بِثمن حَال وَإِن شَاءَ انْتظر إِلَى مُضِيّ الْأَجَل فَإِذا مضى
الْأَجَل أَخذهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ بِثمن مُؤَجل لِأَن الْأَجَل
إِنَّمَا يثبت بِالشّرطِ وَلم يُوجد بَين المُشْتَرِي وَالشَّفِيع
وَلَو مَاتَ الشَّفِيع بعد طلب الشُّفْعَة وَالْإِشْهَاد على المُشْتَرِي
قبل أَن يقْضى لَهُ بِالشُّفْعَة تبطل الشُّفْعَة عندنَا وَلَا تثبت
للْوَرَثَة
وَعند الشَّافِعِي يثبت للْوَرَثَة
فَحق الشُّفْعَة لَا يُورث عندنَا كالخيار وَعِنْده يُورث
وَلَو اشْترى رجل دَارا لم يرهَا فبيعت بجنبها دَار فأخذا بِالشُّفْعَة لم
يبطل خِيَاره وَلَو كَانَ لَهُ فِيهَا خِيَار الشَّرْط يبطل خِيَاره
لِأَنَّهُ لَو قَالَ أبطلت خياري قبل الرُّؤْيَة لم يبطل خِيَار الرُّؤْيَة
فَلَا يبطل بِدلَالَة الْإِبْطَال وَلَو قَالَ أبطلت خِيَار الشَّرْط يبطل
فَكَذَا بِالدّلَالَةِ
ثمَّ الْحِيلَة فِي إبِْطَال الشُّفْعَة هَل هِيَ مَكْرُوهَة رُوِيَ عَن
أبي يُوسُف أَنَّهَا لَا تكره
وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أكره ذَلِك أَشد الْكَرَاهَة
وعَلى هَذَا الْخلاف فِي إِسْقَاط الزَّكَاة قبل مُضِيّ الْحول وَالله أعلم
(3/61)
|