تحفة الفقهاء

كتاب السَّبق
قَالَ لَا بَأْس بالمسابقة فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء فِي النصل والحافر والخف والقدم لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ كل لعب حرَام إِلَّا ثَلَاث ملاعبة الرجل أَهله ورميه عَن قوسه وتأديبه فرسه
وَتَفْسِير الْمُسَابقَة فِي النصل هُوَ الرَّمْي بِالسِّهَامِ والرماح وكل سلَاح يُمكن أَن يرْمى بِهِ
فَكَانَت الْمُسَابقَة بذلك من بَاب تعلم أَسبَاب الْجِهَاد فَكَانَ مرخصا وَإِن كَانَ فِي الأَصْل من اللّعب
وَتَفْسِير الْمُسَابقَة بالحافر هُوَ عَدو الْفرس وَالْحمار والبغل
وَالْمرَاد بالخف هُوَ الْإِبِل وَالْبَقر لِأَنَّهُ قد يركب عَلَيْهَا فِي بَاب الْجِهَاد بعض النَّاس
وَالْمرَاد بالمسابقة بالقدم هُوَ الْمَشْي بالقدم وَهَذَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ للكر وللفر فِي الْجِهَاد
فَكَانَ من رياضة النَّفس
وَأَصله مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت سابقت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فسبقته فَلَمَّا حملت اللَّحْم سابقته فَسَبَقَنِي فَقلت هَذِه بِتِلْكَ
ثمَّ الْمُسَابقَة على أَرْبَعَة أوجه فَثَلَاثَة أوجه مِنْهَا حَلَال وَالرَّابِع حرَام
أما أحد الْأَوْجه الْحَلَال بِأَن كَانَ السُّلْطَان أَو أحد من الرؤساء إِذا

(3/347)


قَالَ لجَماعَة من الفرسان أَو لاثْنَيْنِ من سبق مِنْكُم فَلهُ كَذَا أَو إِن سبق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَمن سبق جعل لَهُ خطر
وَكَذَا إِذا قَالَ لجَماعَة من الرُّمَاة إِلَى الهدف من أصَاب مِنْكُم الهدف فَلهُ كَذَا لِأَن هَذَا تحريض لَهُم على فعل هُوَ سَبَب الْجِهَاد فِي الْجُمْلَة
وَالتَّرْجِيح من الإِمَام فِي الْغَنِيمَة لبَعض الْغُزَاة تحريضا لَهُم على الْجِهَاد جَائِز بِأَن قَالَ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن دخل الْحصن أَولا فَلهُ من النَّفْل كَذَا مَعَ أَن الْغَنِيمَة حق الْغُزَاة فِي الْجُمْلَة فَهَذَا يُعْطي من مَاله فأحق بِالْجَوَازِ
وَالثَّانِي أَن يسابق رجلَانِ أَو يسابق جمَاعَة فِي السِّهَام أَو فِي الْفرس أَو الْمَشْي بالقدم وَقَالَ لصَاحبه إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء عَلَيْك فَهَذَا مُبَاح لِأَن الْخطر فِيهِ من أحد الْجَانِبَيْنِ
وَالثَّالِث إِن كَانَ الْخطر من الِاثْنَيْنِ أَو من الْجَمَاعَة وَمَعَهُمْ مُحَلل يَأْخُذ خطرهم إِن سبق وَلَا يغرم وَإنَّهُ سبق فَهَذَا جَائِز
الرَّابِع أَن يكون الْخطر من كل وَاحِد على أَنه إِن سبق فَلهُ الْخطر وَإِن سبق فَيغرم لصَاحبه مثله فَهَذَا لَا يجوز لِأَن هَذَا من بَاب الْقمَار وَإِن حرَام
ثمَّ إِنَّمَا يجوز الرِّهَان والمسابقة فِيمَا يجوز أَن يسْبق أَحدهمَا ويسبق الآخر
فَأَما إِذا كَانَ فِي مَوضِع يعلم من حَيْثُ الْغَالِب أَنه يسْبق أَحدهمَا فَإِن ذَلِك لَا يجوز لِأَن هَذَا إِيجَاب المَال للْغَيْر على نَفسه بِشَرْط لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك فِي الْفَصْل الأول لِأَنَّهُ تحريض على مُبَاشرَة سَبَب الْجِهَاد فِي الْجُمْلَة

(3/348)