تحفة الفقهاء

كتاب اللَّقِيط واللقطة
وَجعل الْآبِق قَالَ يحْتَاج إِلَى تَفْسِير اللَّقِيط واللقطة والآبق والضالة وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا على الْخُصُوص
أما الأول فَنَقُول أما اللَّقِيط فَمَا يلتقط وَيُؤْخَذ مِمَّا طرح على الأَرْض من صغَار بني آدم
واللقطة مَا يلتقط مِمَّا يُوجد مطروحا على الأَرْض من الْأَمْوَال من غير الْحَيَوَان
والآبق هُوَ الْمَمْلُوك الَّذِي فر من صَاحبه قصدا
والضالة هِيَ الدَّابَّة الَّتِي ندت وضلت الطَّرِيق إِلَى مربطها
وَأما الثَّانِي فَنَقُول أما حكم اللَّقِيط فَنَقُول إِن اللَّقِيط يُسَاوِي الصَّبِي الَّذِي لَيْسَ بلقيط فِي عَامَّة الْأَحْكَام
وَله أَحْكَام على الْخُصُوص

(3/351)


مِنْهَا أَن الْتِقَاطه وَاجِب على كل من وجده لِأَن فِي تَركه ضيَاعه فَيجب عَلَيْهِ صيانته
وَمِنْهَا أَنه إِذا التقطه فَإِن شَاءَ تبرع بتربيته والإنقاف عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ رفع الْأَمر إِلَى السُّلْطَان ليأمر بتربيته أحدا من مَال بَيت المَال والإنفاق عَلَيْهِ لِأَن بَيت المَال معد لحوائج جَمِيع الْمُسلمين
وَهَذَا إِذا لم يكن لَهُ مَال
فَإِن كَانَ لَهُ مَال بِأَن وجد الْمُلْتَقط مَعَه مَالا فَيكون مَال اللَّقِيط فنفقته من ذَلِك المَال لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج فَلَا يثبت حَقه فِي بَيت المَال
وَلَو أنْفق عَلَيْهِ الْمُلْتَقط ليرْجع عَلَيْهِ بعد بُلُوغه فَإِن كَانَ بِإِذن القَاضِي لَهُ أَن يرجع وَإِلَّا فَيكون مُتَبَرعا
وَمِنْهَا أَن الْولَايَة عَلَيْهِ للسُّلْطَان فِي حق الْحِفْظ وَفِي حق التَّزْوِيج لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ وَلَيْسَ للملتقط ولَايَة التَّزْوِيج
وَإِذا زوجه السُّلْطَان فالمهر فِي بَيت المَال إِلَّا إِذا كَانَ للقيط مَال فَيكون فِي مَاله
وَمِنْهَا الولا فَيكون وَلَاؤُه لبيت المَال حَتَّى إِنَّه إِذا جنى على إِنْسَان خطأ فَإِن ذَلِك يكون فِي بَيت المَال لِأَن عَاقِلَته جَمِيع الْمُسلمين فَيكون عقله من مَالهم وَهُوَ مَال بَيت المَال
وَكَذَلِكَ مِيرَاثه لبيت المَال إِذا لم يظْهر لَهُ وَارِث
وَمِنْهَا حكم الْحُرِّيَّة فَهُوَ حر من حَيْثُ الظَّاهِر لِأَن دَار الْإِسْلَام دَار حريَّة فيبني على الظَّاهِر
وَلَو ادّعى الْمُلْتَقط أَنه عَبده فَإِن لم يقر بِأَنَّهُ لَقِيط فَالْقَوْل قَوْله لِأَن الصَّغِير لَا يَد لَهُ فَهُوَ وَسَائِر الْأَمْوَال سَوَاء فَإِذا كَانَ فِي يَده فَهُوَ

(3/352)


ملكه ظَاهرا فَيكون القَوْل قَوْله
فَأَما إِذا أقرّ أَنه لَقِيط فَلَا يَصح دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ ثبتَتْ حُرِّيَّته ظَاهرا
وَلَو بلغ اللَّقِيط وَأقر أَنه عبد فلَان إِن لم يجز عَلَيْهِ حكم الْأَحْرَار من قبُول شَهَادَته وَضرب قَاذفه وَنَحْو ذَلِك يَصح إِقْرَاره
وَإِن أجْرى عَلَيْهِ من أَحْكَام الْحُرِّيَّة شَيْء لَا يَصح
وَمِنْهَا حكم النّسَب إِذا ادّعى الْمُلْتَقط أَو غَيره أَنه ابْنه وَالْمُدَّعِي مُسلم أَو ذمِّي فَالْقِيَاس أَن لَا يَصح دَعْوَاهُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ
وَفِي الِاسْتِحْسَان يَصح لِأَن فِي هَذَا نفع للصَّغِير
وَلَو ادَّعَاهُ رجلَانِ أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر ذمِّي فَإِنَّهُ يثبت نسبه من الْمُسلم
وَلَو ادّعى الْمُسلم أَنه عَبده وَالذِّمِّيّ أَنه ابْنه فَإِنَّهُ يثبت نسبه من الذِّمِّيّ حَتَّى يثبت لَهُ الْحُرِّيَّة وَيكون مُسلما لِأَن حكمه حكم دَار الْإِسْلَام
وَلَو كَانَا مُسلمين وَأَحَدهمَا عبد مَأْذُون أَو مكَاتب فالنسب يثبت من الْحر
وَلَو كَانَا حُرَّيْنِ مُسلمين فَإِن لم يكن لَهما بَيِّنَة وَلم يذكر أَحدهمَا عَلامَة أَو ذكرا جَمِيعًا الْعَلامَة أَو أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَة فَهُوَ بَينهمَا
وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة أَو ذكر الْعَلامَة وَلم يكن للْآخر ذَلِك فَالْأول أولى لِأَنَّهُ ترجح جَانِبه بمرجح
وَإِن ادَّعَت امْرَأَة اللَّقِيط أَنه ابْنهَا فَإِن لم يكن لَهَا زوج لَا يَصح لِأَن فِي ذَلِك حمل النّسَب على الْغَيْر وَإِن كَانَ لَهَا زوج فصدقها أَو شهِدت لَهَا الْقَابِلَة أَو شَاهِدَانِ يثبت النّسَب بَينهمَا

(3/353)


وَلَو ادَّعَت امْرَأَتَانِ فَإِن لم يكن لَهما بَيِّنَة لَا تقبل
وَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة على أَنه ابْنهَا من فلَان فَعَن أبي حنيفَة أَنه يقبل مِنْهُمَا وَمن الرجل
وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أبي حَفْص يَجْعَل ابنهما وَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان لَا يَجْعَل ابنهما
وَأما حكم الْإِسْلَام فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَصْحَابنَا فَفِي ظَاهر الرِّوَايَات اعْتبر الْمَكَان دون الْوَاجِد فَإِن وجد فِي دَار الْإِسْلَام يكون مُسلما
وَإِن وجد فِي كَنِيسَة الْيَهُود أَو فِي بيعَة النَّصَارَى أَو فِي قَرْيَة كلهم أهل الذِّمَّة فَهُوَ تبع لَهُم
وَفِي رِوَايَة اعْتبر الْوَاجِد كَيْفَمَا كَانَ دون الْمَكَان
وَفِي رِوَايَة اعْتبر جَانب الْإِسْلَام إِمَّا الْوَاجِد أَو الْمَكَان
وَأما حكم اللّقطَة على الْخُصُوص فَمِنْهَا أَن من ظفر على لقطَة فالأخذ أولى
أما التّرْك فَقَالُوا إِن كَانَ يَأْمَن على نَفسه أَنه يعرفهَا ويردها على صَاحبهَا وَلَا محَالة أَو غَالِبا فالأخذ أولى لِأَنَّهُ رُبمَا يَأْخُذهُ فَاسق لَو تَركه
وَأما إِذا كَانَ لَا يَأْمَن على نَفسه فالترك أولى لِأَن صيانه نَفسه عَن الْوُقُوع فِي الْفساد أولى مَعَ احْتِمَال أَن يَأْخُذهُ مصلح فيصل إِلَى صَاحبه أَيْضا
وَإِذا أَخذ وَأَرَادَ أَن يَضَعهَا مَكَانهَا وَنَدم على الْأَخْذ فوضعها هَل يضمن فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يضمن وَفِي بعض الرِّوَايَات يضمن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَلَو دَفعهَا إِلَى غَيره بِغَيْر إِذن القَاضِي فَإِنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ حفظهَا بِنَفسِهِ بالتزامه الْحِفْظ بالالتقاط
وَلَو هكلت فِي يَده فَإِن أشهد على اللّقطَة بِأَن قَالَ للنَّاس إِنِّي

(3/354)


وجدت لقطَة فَمن طلبَهَا فدلوه عَليّ فَإِنَّهُ لَا يضمن
وَلَو لم يشْهد فَعِنْدَ أبي حنيفَة يضمن وَعِنْدَهُمَا لَا يضمن إِذا كَانَ أَخذه ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه وَيحلف على ذَلِك إِن لم يصدقهُ صَاحبه
ثمَّ الْمُلْتَقط إِذا أَخذه ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه وَأشْهد يَنْبَغِي أَن يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِن كَانَت اللّقطَة حَيَوَانا فَالْقَاضِي يَأْمُرهُ حَتَّى يؤاجرها فَتكون نَفَقَتهَا ومؤونتها من الْأُجْرَة إِن رأى الْمصلحَة فِي ذَلِك
وَإِن لم ير الْمصلحَة فِي الْإِجَارَة فَإِن رأى أَن يَأْمُرهُ بِأَن ينْفق عَلَيْهَا بِمَا لنَفسِهِ ليرْجع على صَاحبه فعل وَإِن رأى أَن يَبِيعهَا ويأمره بإمساك ثمنهَا فعل
وَيعرف ذَلِك سنة فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة الْحسن على قدر حَال اللّقطَة فِي النفيس سنة وَفِي الدني الَّذِي قِيمَته زَائِدَة على عشرَة دَرَاهِم لَا ينقص من شهر على هَذَا الِاعْتِبَار
فَإِذا مضى وَقت التَّعْرِيف وَلم يظْهر صَاحبهَا فَإِن كَانَ الرجل مُوسِرًا لَا يحل لَهُ أَن ينْفق على نَفسه وَلَكِن يتَصَدَّق بهَا على الْفُقَرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي يحل
وَإِن كَانَ مُعسرا لَهُ أَن يتَصَدَّق على نَفسه وَإِن شَاءَ يتَصَدَّق بهَا على الْفُقَرَاء
فَإِن ظهر صَاحبهَا فَإِن شَاءَ أمضى الصَّدَقَة وَله ثَوَابهَا وَإِن شَاءَ أَخذ من الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ ضمن الْمُلْتَقط
وَإِن كَانَ شَيْئا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد فَإِنَّهُ يعرفهَا بِقدر مَا لَا يفْسد ثمَّ يتَصَدَّق أَو ينْفق على نَفسه على مَا ذكرنَا
وَإِنَّمَا يدْفع إِلَى من يَدعِي اللّقطَة إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة
فَإِن ذكر عَلَامَات

(3/355)


هِيَ فِيهَا فَإِن شَاءَ الْمُلْتَقط صدقه وَدفع إِلَيْهِ وَإِن شَاءَ امْتنع حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة
وَكَذَا الْجَواب فِي الدَّابَّة الضَّالة من الْغنم وَالْإِبِل وَغَيرهمَا فَأَما إِذا لم تكن ضَالَّة وَلكنهَا نفرت فِي المراعي فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذهَا لِأَن ذَلِك أَمر مُعْتَاد إِذا كَانَ قَرِيبا من الْبَلدة أَو الْقرْيَة أَو الْخيام
فَأَما إِذا كَانَ غَالب ظَنّه أَنَّهَا ضَالَّة فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا
وَأما العَبْد إِذا لم يكن ضَالًّا للطريق وَلكنه آبق من صَاحبه فَالْجَوَاب مَا ذكرنَا
لَا وَلَكِن هَاهُنَا مَتى رده إِلَى الْمَالِك إِن كَانَ من مسيرَة سفر يسْتَحق الْجعل على صَاحبه أَرْبَعِينَ درهما عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجب شَيْء
وَإِن كَانَ الرَّد فِي أقل من مُدَّة السّفر يسْتَحق الرضخ بِقَدرِهِ
وَلَو كَانَ الرَّاد اثْنَيْنِ فَيكون الْجعل بَينهمَا
وَهَذَا إِذا كَانَت قِيمَته أَكثر من أَرْبَعِينَ درهما
فَأَما إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ أَو دون ذَلِك فَإِنَّهُ ينقص من الْجعل درهما عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا ينقص مِنْهُ شَيْء
وَلَو كَانَ الرَّاد من كَانَ فِي عِيَاله لَا يسْتَحق الْجعل
فَأَما من لم يكن فِي عِيَاله فَإِنَّهُ يسْتَحق سَوَاء كَانَ أَجْنَبِيّا أَو ذَا رحم محرم مِنْهُ إِلَّا الْوَالِدين والمولودين فَفِيهِ اخْتِلَاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد

(3/356)