تحفة الفقهاء

كتاب الْخُنْثَى
قَالَ الْخُنْثَى من يكون لَهُ آلَة الرِّجَال وَآلَة النِّسَاء
والشخص الْوَاحِد لَا يكون ذكرا وَأُنْثَى وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون ذكرا وَآلَة النِّسَاء فِي حَقه نُقْصَان بِمَنْزِلَة مَوضِع شجة لم تلتئم وَيحْتَمل أَن يكون أُنْثَى وَآلَة الرِّجَال فِي حَقّهَا زِيَادَة بِمَنْزِلَة الْأصْبع الزَّائِدَة
وَالشَّرْع جعل الْعَلامَة الفاصلة بَينهمَا قبل الْبلُوغ هُوَ المبال على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الْخُنْثَى يُورث من حَيْثُ يَبُول فَلَمَّا جعل الأمارة هَذَا فِي حق الْإِرْث فَكَذَا فِي حق الْأَحْكَام الَّتِي تخْتَص بالخنثى يجب أَن يكون هُوَ الْعَلامَة
فَإِن كَانَ يَبُول من مبال الرِّجَال فَهُوَ ذكر
وَإِن كَانَ يَبُول من مبال النِّسَاء فَهُوَ أُنْثَى وَإِن كَانَ يَبُول مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْحكم للأسبق مِنْهُمَا
وَإِذا اسْتَويَا فِي السَّبق قَالَ أَبُو حنيفَة أتوقف فِيهِ
وَقَالا يعْتَبر الْأَكْثَر فِي ذَلِك ثمَّ إِذا اسْتَويَا فِي الْكَثْرَة والقلة توقفا فِيهِ أَيْضا كَمَا توقف أَبُو حنيفَة
والتوقف فِي مَوضِع عدم الدَّلِيل وَاجِب وَهُوَ الْخُنْثَى الْمُشكل
وَإِنَّمَا يظْهر الْحَال وَيَزُول الْإِشْكَال بِالْبُلُوغِ بِظُهُور الْحيض وَالْحَبل ونهود الثديين ونبات اللِّحْيَة والاحتلام وَنَحْوهَا فَيجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الذّكر أَو الْأُنْثَى

(3/357)


فَأَما فِي حَال كَونه مُشكلا فَلهُ أَحْكَام مَخْصُوصَة مِنْهَا الْخِتَان يَنْبَغِي أَن يشترى لَهُ جَارِيَة ختانة من مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَمن مَال الْأَبَوَيْنِ إِن كَانَ وَإِلَّا فَالْقَاضِي يَشْتَرِي لَهُ من مَال بَيت المَال جَارِيَة ختانة فتختنه فَإِن كَانَ ذكرا فَهِيَ جَارِيَته وَإِن كَانَ أُنْثَى فالأنثى قد تختن الْأُنْثَى عَن الْحَاجة إِلَيْهِ
وَلَا يلبس الْحَرِير احْتِيَاطًا
وموقفه فِي الصَّلَاة خلف صف الذُّكُور قبل صف النِّسَاء
وَكَذَا فِي تَرْتِيب الْجَنَائِز عِنْد الِاجْتِمَاع تقدم جنَازَته على جَنَازَة الْإِنَاث
وتغسله زَوجته إِن كَانَت وَإِلَّا فَلَا يغسل وَلَكِن ييمم إِن كَانَ لَهُ ذُو رحم محرم ييممه بِلَا خرقَة وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا فَمَعَ الْخِرْقَة
وَأما حكم الْمِيرَاث فَعِنْدَ أَصْحَابنَا يكون لَهُ أقل الْأَنْصِبَاء وَهُوَ نصيب الْأُنْثَى إِن كَانَ أقل
وَأَن كَانَ أَكثر فِي بعض الْأَحْوَال يكون لَهُ نصيب الذُّكُور
وعَلى قَول الشّعبِيّ يكون لَهُ نصف مِيرَاث الرِّجَال وَنصف مِيرَاث النِّسَاء
بَيَانه
إِذا ترك ابْنا مَعْرُوفا وَخُنْثَى للِابْن الثُّلُثَانِ وللخنثى الثُّلُث لِأَنَّهُ أقل
وَإِذا ترك خُنْثَى وعصبة فللخنثى النّصْف وَهُوَ مِيرَاث الْبِنْت وَالْبَاقِي للْعصبَةِ
وَلَو ترك اختا لأَب وَأم وَخُنْثَى لأَب وعصبة يَجْعَل أُنْثَى أَنه ترك أُخْتا لأَب وَأم وأختا لأَب وعصبة فللأخت للْأَب وَالأُم

(3/358)


النّصْف وللخنثى السُّدس وَالْبَاقِي للْعصبَةِ
وَإِن تركت زوجا وأختا لأَب وَأم وَخُنْثَى لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُخْت لأَب وَأم النّصْف وَلَا شَيْء للخنثى وَيجْعَل ذكرا لِأَن هَذَا أَسْوَأ حَالَة لأَنا لَو جَعَلْنَاهُ أُنْثَى يكون نصِيبه السُّدس وتعول الْمَسْأَلَة وَلَو جَعَلْنَاهُ ذكرا لَا يَرث شَيْئا كَمَا إِذا تركت زوجا وأختا لأَب وَأم وأخا لأَب على هَذَا الْقيَاس
وَبَيَان قَول الشّعبِيّ وَتَفْسِير قَول أبي يُوسُف وتخريجه لَهُ وَتَخْرِيج مُحَمَّد على وَجه آخر يذكر فِي الْفَرَائِض إِن شَاءَ الله تَعَالَى ونشير إِلَيْهِ هَاهُنَا إِذا ترك ابْنا وَخُنْثَى فعلى تَخْرِيج أبي يُوسُف يَجْعَل المَال بَينهمَا على سَبْعَة أسْهم للِابْن الْمَعْرُوف أَرْبَعَة وَله ثَلَاثَة
وعَلى تَخْرِيج مُحَمَّد الْمِيرَاث بَينهمَا على اثْنَي عشر سَهْما بطرِيق تَنْزِيل الْأَحْوَال فَيكون للِابْن الْمَعْرُوف سَبْعَة وللخنثى خَمْسَة وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

(3/359)