حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح

ص -726-     كتاب الحج
هو زيارة بقاع مخصوصة بفعل مخصوص في أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الحج
بفتح الحاء وكسرها لغة القصد إلى معظم لا مطلق القصد كما ظنه بعضهم در واختلف هل كان في شريعة من قبلنا واجبا أم لا والصحيح أنه لم يجب إلا على هذه الأمة وفي حاشية العلامة نوح اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج والمشهور أنها سنة ست وهو الصحيح وقيل سنة خمس وقيل سنة تسع وصححه القاضي عياض وقيل فرض قبل الهجرة وهو بعيد وأبعد منه قول بعضهم أنه فرض سنة عشر أخرج البخاري عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بعدما هاجر حجة واحدة وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن بها عمرة وكانت حجته بعدما هاجر سنة عشر وحج أبو بكر الصديق في السنة التي قبلها سنة تسع وأما سنة ثمان وهي عام الفتح فحج بالناس قبلها عتاب بن أسيد ا هـ وهو الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا بمكة بعد الفتح وذكر منلا علي أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حججا لا يعلم عددها وقال ابن الأثير كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر يعني إلا أن يمنع منه مانع وينبغي لمريد الحج أو الغزو أن يستأذن أبويه فإن خرج بدون أذن مع الاحتياج إليه للخدمة أثم وقيل يكره والأجداد والجدات كالأبوين عند فقدهما وللأب منعه إذا كان صبيح الوجه حتى يلتحي وإن استغنى عن خدمته كذا يستفاد من النوازل وفي الفتاوى الغلام إذا كان صبيح الوجه لا يخرجه الأب من بيته وإن كان بالغا كما لا يخرج بنته لأن البنت يشتهيها الرجال فقط والأمرد إن كان صبيح الوجه يشتهيه الرجال والنساء معا فالفتنة فيه من الجانبين وينبغي أن يستأذن رب الدين والكفيل ويستخير في هل يشتري أو يكتري وهل يسافر برا أو بحرا وهل يرافق فلانا أو فلانا لأن الاستخارة في الواجب والمكروه والحرام لا محل لها نهر ويبدأ بالتوبة مراعيا

 

ص -727-     ذي الحجة فرض مرة على الفور في الأصح وشروط فرضيته ثمانية على الأصح الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والوقت والقدرة على الزاد ولو بمكة بنفقة وسط والقدرة على راحلة مختصة به أو على شق محمل بالملك أو الإجارة لا الإباحة والإعارة لغير أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شروطها من رد المظالم إلى أهلها عند الإمكان وقضاهما قصر فيه من العبادات والندم على تفريطه والعزم على أن لا يعود والاستحلال من ذوي الخصومات والمعاملات ا هـ من السيد ملخصا قوله: "بقاع مخصوصة" هي الكعبة وعرفات قوله: "بفعل مخصوص" بأن يكون محرما بنية الحج سابقا وطائفا في زمن من ابتداء طلوع فجر النحر ويمتد إلى آخر العمر واقفا في زمن من زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر قوله: "وهي شوال الخ" فائدة التوقيت بها أنه لو فعل شيئا من أفعال الحج خارجها لا يجزيه وأنه يكره الإحرام قبلها وإن أمن على نفسه من المحظور لشبهه بالركن وإطلاقها يفيد التحريم در قوله: "وذو القعدة" بفتح القاف وكسرها درر قوله: "فرض مرة على الفور" عند أبي يوسف وفي العمر عند محمد اعلم أن وقت الحج في اصطلاح الأصوليين يسمى مشكلا لأن فيه جهة المعيارية والظرفية فمن قال بالفور لا يقول بأن من أخره عن العام الأول يكون فعله قضاء ومن قال بالتراخي لا يقول بأن من أخره لا يأثم أصلا كما إذا أخر الصلاة عن الوقت الأول بل جهة المعيارية راجحة عند القائل بالفور حتى أن من أخر يفسق وترد شهادته لكن إذا حج بالأخرة كان أداء لا قضاء وجهة الظرفية راجحة عند القائل بخلافه حتى إذا أداه بعد العام الأول لا يأثم بالتأخير لكن لو مات ولم يحج أثم أيضا عنده در قوله: "الإسلام" فلا يجب على الكافر حتى لو ملك ما به الاستطاعة ثم أسلم بعد ما افتقر لا يجب عليه شيء بتلك الاستطاعة بخلاف ما لو ملكه مسلما فلم يحج حتى افتقر حيث يتقرر وجوبه دينا في ذمته ذكره العلامة نوح عن الفتح وهذا على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وقال العراقيون بخاطبهم فيكون على قولهم من شرائط الصحة قوله: "والعقل والبلوغ والحرية" إنما اشترطت هذه لما روي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى" واعلم أنه لا يجب عليه وأن أذن له مولاه فلو حج بإذن مولاه أو بغيره لا يقع عن حجة الإسلام أفاده العلامة نوح قوله: "والوقت" أي وقت الطواف والوقوف ويحتمل أن المراد الوقت الذي يحصل فيه الحج وهو يختلف باختلاف البلدان قوله: "والقدرة على الزاد" الذي يصح به بدنه فالمعتاد للحل ونحوه إذا قدر على خبز وجبن لا يعد قادرا در قوله: "بنفقة وسط" أي من غير إسراف ولا تقتير قوله: "على راحلة مخصة به" فإن لم يقدر على ركوب المقتب اشترط القدرة على المحارة قال صاحب البحر عند ذكر الراحلة أنه لو قدر على غير الراحلة من بغل أوحمار لم يجب ولم أره وإنما صرحوا بالكراهة قال أبو السعود

 

ص -728-     مكة و من حولهم إذا أمكنهم المشي بالقدم والقوة بلا مشقة وإلا فلا بد من الراحلة مطلقا. وتلك القدرة فاضلة عن نفقته ونفقته عياله إلى حين عوده وعما لا بد منه - كالمنزل وأثاثه وآلات المحترفين - وقضاء الدين ويشترط العلم بفرضية الحج لمن أسلم بدار الحرب والكون بدار الإسلام وشروط وجوب الأداء خمسة على الأصح: صحة البدن وزوال المانع الحسي عن الذهاب للحج وأمن الطريق وعدم قيام العدة وخروج محرم ولو من رضاع أو مصاهرة مسلم مأمون عاقل بالغ أو زوج لا امرأة في سفر والعبرة بغلبة السلامة برا وبحرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حاشية الأشباه تصريحهم بالكراهة يدل على عدم الوجوب إذ لو كان واجبا لما كره لأن الواجب لا يتصف بالكراهة وتمامه فيه قوله: "لا الإباحة" فلو وهب له ابنه ما لا يحج به لم يجب قبوله لأن شرائط الوجوب لا يجب تحصيلها قوله: "لغير أهل مكة" مرتبط بقوله والقدرة على راحلة قوله: "إذا أمكنهم المشي" فيجب عليهم لشبهه بالسعي إلى الجمعة قوله: "إلى حين عوده" وقيل بعده بيوم وقيل بشهر در قوله: "كالمنزل" أي ومرمته ولا يلزم بيع ما استغنى عنه من بعض منزله ليحج به نعم هو الأفضل وكذا لا يلزمه لوكان عنده ما لو اشترى به مسكنا وخادما لا يبقى بعده ما يكفي للحج كما في الخلاصة وقالوا: لو لم يحج حتى أتلف ماله وسعه أن يستقرض ويحج ولو غير قادر على وفائه ويرجى أن لا يؤاخذه الله بذلك أي لو ناويا وفاءه إذا قدر كما قيده به في الظهيرية قوله: "أو الكون بدار الإسلام" وإن لم يعلم فيكون وجوده في دار الإسلام علما وحكما سواء نشأ على الإسلام أو لا ذكره السيد قوله: "صحة البدن" أي مع البصر قوله: "وزوال المانع الحسي عن الذهاب" كالحبس وكذا يشترط أن لا يكون خائفا من سلطان يمنع منه قوله: "وأمن الطريق" بأن يكون الغالب السلامة ولو بالرشوة وقتل بعض الحجاج عذر قوله: "وعدم قيام العدة" من طلاق بائن أو رجعي أو وفاة لقوله تعالى:
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] والحج يمكن أداؤه في وقت آخر غاية البيان قوله: "وخروج محرم" ولو عبدا أو ذميا لا امرأة ولو عجوزا وتجب نفقة المحرم عليها لأنه محبوس عليها وليس لزوجها منعها عن حجة الإسلام ولو حجت بلا محرم جاز مع الكراهة در قوله: "مسلم" الأولى أن يقول غير مجوسي كما في التنوير لما مر أنه يكفي الذمي قوله: "مأمون" خرج الفاسق فإنه لا يحفظ كالمجوسي قوله: "بالغ" المراهق كالبالغ جوهرة قوله: "أو زوج لامرأة في سفر" اختلف في أن الزوج أو المحرم شرط الوجوب أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الوصية وفي وجوب نفقة المحرم وراحلته إذا أبى أن يحج معها لا بالزاد منها والراحلة وفي وجوب التزوج عليها ليحج بها إن لم تجد محرما فمن قال هو شرط الوجوب وصححه في البدائع قال لا يجب عليها شيء لأن شروط الوجوب لا يجب تحصيلها ولذا لو أبيح له المال كان له الامتناع من القبول حتى لا يجب الحج عليه

 

ص -729-     على المفتى به ويصح أداء فرض الحج بأربعة أشياء للحر الإحرام والإسلام وهما شرطان ثم الإتيان بركنيه وهما الوقوف محرما بعرفات لحظة من زوال يوم التاسع إلى فجر يوم النحر يشرط عدم الجماع قبله محرما والركن الثاني هو أكثر طواف الإفاضة في وقته وهو ما بعد طلوع فجر النحر وواجبات الحج إنشاء الإحرام من الميقات ومد الوقوف بعرفات إلى الغروب والوقوف بالمزدلفة فيما بعد فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس ورمي الجمار وذبح القارن والمتمنع والحلق وتخصيصه بالحرم وأيام النحر وتقديم الرمي على الحلق ونحر القارن والمتمتع بينهما وإيقاع طواف الزيادة في أيام النحر والسعي بين الصفا والمروة في أشهر الحج وحصوله بعد طواف معتد به والمشي فيه لمن لا عذر له وبداءة السعي بين الصفا والمروة في أشهر الحج وحصوله بعد طواف معتد به والمشي فيه لمن لا عذر له وبداءة السعي من الصفا وطواف الوداع وبداءة كل طواف بالبيت من الحجر الأسود والتيامن فيه والمشي فيه لمن لا عذر له والطهارة من الحدثين وستر العورة وأقل الأشواط بعد فعل الأكثر من طواف الزيارة وترك المحظورات كلبس الرجل المخيط وستر رأسه ووجهه وستر المرأة وجهها والرفث والفسوق والجدال وقتل الصيد والإشارة إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن قال أنه شرط الأداء أوجب عليها جميع ذلك قوله: "وهما شرطان" أي للصحة قوله: "بشرط عدم الجماع قبله محرما" فإن فعل ذلك فسد حجه وعليه أن يمضي فيه كالصحيح وأن يقضي من قابل قوله: "هو أكثر طواف الإفاضة" وهو أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجبة يجبر تركها بالدم قوله: "وهو ما بعد طلوع فجر النحر" إلى آخر العمر والواجب فعله أيام النحر قوله: "إلى الغروب" الغاية داخلة في المغيالان الواجب إدراك لحظة من الليل إن وقف نهارا قوله: "والحلق" أي أو التقصير قوله: "وتخصيصه" أي الحلق قوله: "وتقديم الرمي" أي عند الإمام قوله: "بينهما" أي بين الرمي والحلق فهو على ترتيب حروف رذح قوله: "وحصوله" أي السعي قوله: "وبداءة السعي من الصفا فلو بدأ بالمروة لا يعتد بالشوط الأول في الأصح" قوله: "وطواف الوداع" أي للآفاقي قوله: "وبداءة كل طواف بالبيت من الحجر الأسود" قيل فرض للمواظبة وقيل سنة قوله: "والطهارة من الحدثين" على المذهب قيل والخبثية من ثوب وبدن ومكان طواف والأكثر على إنها سنة مؤكد قوله: "وستر العورة" وبكشف ربع العضو فأكثر يجب الدم ومن الواجب صلاة ركعتين لكل أسبوع من أي طواف كان فلو تركها هل عليه دم قيل نعم فيوصي به ومنه كون الطواف وراء الحطيم قوله: "وترك المحظورات الخ" الضابط أن كل ما يجب بتركه دم فهو واجب قوله: "كلبس الرجل المخيط" وجاز للمرأة قوله: "وستر رأسه" هو وما بعده بالجر بالعطف على لبس قوله: "والرفث" ذكر الجماع بحضرة النساء قوله: "والفسوق" أي الخروج عن طاعة الله فإنه من المحرم أشنع قوله: "والجدال" أي المخاصمة مع المكارين والرفقة قوله: "والإشارة" أي في الحاضر.

 

ص -730-     والدلالة عليه وسنن الحج منها الاغتسال ولو لحائض ونفساء أو الوضوء إذا أراد الإحرام ولبس أزار ورداء جديدين أبيضين والتطيب وصلاة ركعتين والإكثار من التلبية بعد الإحرام رافعا بها صوته متى صلى أو علا شرفا أو هبط واديا أو لقي ركبا وبالأسحار وتكريرها كلما أخذ فيها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الجنة وصحبة الأبرار والاستعاذة من النار واغسل لدخول مكة ودخولها من باب المعلاة نهارا والتكبير والتهليل تلقاء البيت الشريف والدعاء بما أحب عند رؤيته وهو مستجاب وطواف القدوم ولو في غير أشهر الحج والاضطباع فيه والرمل إن سعى بعده في أشهر الحج والهرولة فيما بين الميلين الأخضرين للرجال والمشي على هينة في باقي السعي والإكثار من الطواف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والدلالة عليه" أي في الغائب قوله: "والحائض ونفساء" فهو للنظافة والتيمم له عند العجز ليس بمشروع وينوي به الإحرام ليحصل الأجر التام وشرط لنيل السنة أن يحرم وهو على طهارة وهو أفضل من الوضوء قوله: "ولبس إزار ورداء" أولهما الستر العور وثانيهما الستر الكتفين فإن الصلاة مع كشفهما أو كشف أحدهما مكروهة منلا علي قوله: "جديدين" تشبيها بكفن الميت وهما أفضل من الغسيلين وقوله أبيضين هو أفضل من لون آخر وهذا بيان للسنة وإلا فستر العورة كاف قوله: "والتطيب" أي لبدنه لا ثوبه وله أن يتطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام خلافا لمحمد قوله: "وصلاة ركعتين" ينوي فيهما سنة الأحرام ليحرز فضيلة السنة يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص لحديث ورد بذلك ولما فيهما من البراءة عن الشرك وتحقيق التوحيد ويقول بعد الصلاة اللهم إني أريد الحج أو العمرة أو الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني وفي الأفراد يفرد قوله: "رافعا بها صوته" أي رفعا وسطا قوله: "وتكريرها" أي ثلاثا وقوله كلما أخذ فيها أي شرع فيها قوله: "والصلاة" عطف على التلبية قوله: "وصحبة الأبرار" أي في جنة النعيم قوله: "ودخولها من باب المعلاة" أي من ثنية كداء بالفتح والمد الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة ولا ينصرف للعلمية والتأنيث وتسمى تلك الجهة المعلى ا هـ مصباح ذكره السيد وفي نسخ المعلى وهو الأولى وترك الحاج ذلك في هذه الأيام قوله: "والتكبير والتهليل" أي حين مشاهدة البيت المكرم ومعناه الله أكبر من الكعبة والتوحيد لئلا يقع نوع شرك در قوله: "وطواف القدوم" أي للآفاقي قوله: "والاضطباع" هو أن يجعل قبل شروعه فيه رداءه تحت إبطه الأيمن ملقيا طرفه على كتفه الأيسر وهو سنة قوله: "والرمل" هو المشي بسرعة مع تقارب الخطأ وهز الكتفين في الثلاثة الأول استنانا فلو تركه أو نسيه في الثلاثة الأول لم يرمل في الباقي ولو زحمه الناس وقف حتى يجد فرجة قوله: "إن سعى بعده" فظاهره أنه لا يطلب الرمل في طواف القدوم إلا لمن أراد السعي بعده وسيأتي له ذلك في الفصل الآتي قوله: "الميلين الأخضرين" المتخذين في جدار البيت قوله: "للرجال" راجع إلى الرمل والهر وله قوله:

 

ص -731-     وهو أفضل من صلاة النفل للآفاقي والخطبة بعد صلاة الظهر يوم سابع الحجة بمكة وهي خطبة واحدة بلا جلوس يعلم المناسك فيها والخروج بعد طلوع الشمس يوم التروية من مكة لمنى والمبيت بها ثم الخروج منها بعد طلوع الشمس يوم عرفة إلى عرفات فيخطب الإمام بعد الزوال قبل صلاة الظهر والعصر مجموعة جمع تقديم مع الظهر خطبتين يجلس بينهما والاجتهاد في التضرع والخشوع والبكاء بالدموع والدعاء للنفس والوالدين والإخوان بما شاء من أمر الدارين في الجمعين والدفع بالسكينة والوقار بعد الغروب من عرفات والنزول من مزدلفة مرتفعا عن بطن الوادي بقرب جبل قزح والمبيت بها ليلة النحر والمبيت بمنى أيام منى بجميع أمتعته وكره تقديم ثقله إلى مكة إذ ذاك ويجعل منى عن يمينه ومكة عن يساره حال الوقوف لرمي الجمار وكونه راكبا حالة رمي جمرة العقبة في كل الأيام وماشيا في الجمرة الأولى التي تلي المسجد والوسطى والقيام في بطن الوادي حالة الرمي وكون الرمي في اليوم الأول فيما بين طلوع الشمس وزوالها وفيما بين الزوال وغروب الشمس في باقي الأيام وكره الرمي في اليوم الأول والرابع فيما بين طلوع الفجر والشمس وكره في الليالي الثلاث وصح لأن الليالي كلها تابعة لما بعدها من الأيام إلى الليلة التي تلي عرفة حتى صح فيها الوقوف بعرفات وهي ليلة العيد وهي ثلاث فإنها تابعة لما قبلها أو المباح من أوقات الرمي ما بعد الزوال إلى غروب الشمس من اليوم الأول وبهذا علمت أوقات الرمي كلها جوازا أو كراهة واستحبابا ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وهو أفضل الخ" وعكسه للمقيم بالحرم زمن الموسم وفي غيره الأفضل له الطواف أيضا ذكره صاحب البحر قوله: "والخطبة" الخطب تخص الإمام أو نائبه قوله: "بعد صلاة الظهر" وكره قبله در قوله "والخروج" عطف على السنن قوله: "يوم التروية" هو ثامن ذي الحجة قوله: "إلى عرفات" من طريق ضب قوله: "مجموعة" حال من العصر قوله: "خطبتين" يعلم فيهما المناسك التي هي إلى الخطبة الثالثة وهي الوقوف بعرفة والمزدلفة والإفاضة منهما ورمي جمرة العقبة يوم النحر والذبح وطواف الزيارة والحلق قوله: "في الجمعين" متعلق بقوله والاجتهاد الخ قوله: "والنزول بمزدلفة" وكلها موقف الإبطن محسر وهو معلوم قوله: "بقرب جبل" بضم ففتح لا ينصرف للعلمية والعدل عن قازح بمعنى مرتفع والأصح أنه المشعر الحرام قوله: "وكره تقديم ثقله" بفتحتين متاعه وخدمه وكذا يكره للمصلي جعل نحو ثقله خلفه لشغل قلبه وهذا إذا أمن في إبقائه في منى وإلا فلا كراهة أي في تقديمه قوله: "إذ ذاك" أي أيام الرمي والمبيت بها وظاهر كلامهم أن كراهة التقديم تحريمية لأن عمر أدب عليه ولا يؤدب على المكروه تنزيها ا هـ ذكره السيد قوله: "التي تلي المسجد" أي مسجد الخيف قوله: "التي تلي عرفة" أي تأتي بعد يوم عرفة.

 

ص -732-     السنة هدي المفرد بالحج والأكل منه ومن هدي المتطوع والمتعة والقران فقط ومن السنة لخطبة يوم النحر مثل الأولى يعلم فيها بقية المناسك وهي ثالثة خطب الحج وتعجيل النفر إذا أراده من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر وإن أقام بها حتى غربت الشمس من اليوم الثاني عشر فلا شيء عليه وقد أساء وإن أقام بمنى إلى طلوع فجر اليوم الرابع لزمه رميه ومن السنة النزول بالمحصب ساعة بعد ارتحاله من منى وشرب ماء زمزم والتضلع منه واستقبال البيت والنظر إليه قائما والصب منه على رأسه وسائر جسده وهو لما شرب له من أمور الدنيا والآخرة ومن السنة التزام الملتزم وهو أن يضع صدره ووجهه عليهم والتشبث بالأستار ساعة داعيا بما أحب وتقبيل عتبة البيت ودخوله بالأدب والتعظيم ثم لم يبق عليه أعظم القربات وهي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فينويها عند خروجه من مكة من باب شبيكة من الثنية السفلى وسنذكر للزيارة فصلا على حدته إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والمتعة والقران" أي إلا كل منهما قوله: "فقط" أما هدي الجنايات فلا يأكل منه قوله: "لزمه رميه" وإن قدم الرمي فيه على الزوال جاز فإن وقت الرمي فيه من الفجر إلى الغروب وأما في الثاني والثالث فمن الزوال إلى طلوع الشمس در قوله: "بالمحصب" بضم ففتحتين الأبطح وليست المقبرة منه وهو موضع بقرب مكة يقال له الأبطح ذو حصى والتحصب النزول فيه وذكر في المبسوط أنه سنة عندنا حتى لو تركه يصير مسيئا منلا مسكين قوله: "والتضلع" أي الامتلاء منه فإنه علامة الإيمان قوله: "واستقبال البيت والنظر إليه" أي حال الشرب قوله: "التزام الملتزم" وهو ما بين الحجر وباب البيت قوله: "والتشبث" أي التعلق بالأستار كالمستجير المتشفع بها والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

فصل: في كيفية تركيب أفعال الحج
إذا أراد الدخول في الحج أحرم من الميقات كرابغ فيغتسل أو يتوضأ والغسل أحب وهو التنظيف فتغتسل المرأة الحائض والنفساء إذا لم يضرهم ويستحب كمال النظافة كقص الظفر والشارب ونتف الإبط وحلق العانة وجماع الأهل والدهن ولو مطيبا ويلبس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في كيفية تركيب أفعال الحج
قوله: "كرابغ" هو بكسر الموحدة واد بين الحرتين قريب من البحر وهو قبل الجحفة بشيء قليل على يسار الذاهب إلى مكة قوله: "ولو مطيبا" ولا يضر بقاء أثر الطيب بعد.

 

ص -733-     الرجل إزار أو رداء جديدين أو غسيلين والجديد الأبيض أفضل ولا يزره ولا يعقده ولا يخلله فإن فعل كره ولا شيء عليه وتطيب وصل ركعتين وقل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبل مني ولب دبر صلاتك تنوي بها الحج وهي لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ولا تنقص من هذه الألفاظ شيئا وزد فيها لبيك وسعديك الخير كله بيدك لبيك والرغبة إليك والزيادة سنة فإذا لبيك ناويا فقد أحرمت فألق الرفث وهو الجماع وقيل ذكره بحضرة النساء والكلام الفاحش والفسوق والمعاصي والجدال مع الرفقاء والخدم وقتل صيد البر والإشارة إليه والدلالة عليه ولبس المخيط والعمامة والخفين وتغطية الرأس والوجه ومس الطيب وحلق الرأس والشعر ويجوز الاغتسال والاستظلال بالخيمة والمحمل وغيرهما وشد الهميان في الوسط وأكثر التلبية متى صليت أو علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت ركبا بالأسحار رافعا صوتك بلا جهد مضر وإذا وصلت مكة يستحب أن تغتسل وتدخلها نهارا من باب المعلى لتكون مستقبلا في دخولك باب البيت الشريف تعظيما. ويستحب أن تكون ملبيا في دخولك حتى تأتي باب السلام فتدخل المسجد الحرام منه متواضعا خاشعا ملبيا ملاحظا جلالة المكان مكبرا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم متلطفا بالمزاحم داعيا بما أحببت فإنه يستجاب عند رؤية البيت المكرم ثم استقبل الحجر الأسود مكبرا مهللا رافعا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا يزره" أي بأزراره وقوله و يعقده بأن يعقد طرفيه ببعضهما وقوله ولا يخلله بنحو مخيط يدخله خلاله قوله: "تنوي بها الخ" بيان للأكمل وإلا فيصح الحج بمطلق النية ولو بقلبه بشرط مقارنتها لذكر يقصد به التعظيم كتسبيح وتهليل ولو بالفارسية وإن أحسن العربية والتلبية على المذهب در قوله: "وهي لبيك" أي أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءك مرة بعد أخرى منلا علي والتثنية للتكرير وانتصابه بفعل مضمر مأخوذ من ألب بالمكان ولب إذا أقام به قوله: "إن الحمد" بكسر الهمزة وتفتح در قوله: "ولا تنقص من هذه الألفاظ شيئا" فإنه مكروه ويكون مسيأ بتركها وبترك رفع الصوت بها قوله: "وسعديك" أي أطيعك إطاعة بعد إطاعة قوله: "والرغبى إليك" أي الضراعة والمسئلة قاموس قوله: "والزيادة سنة" في النهر أنها مندوبة فإن أريد بالسنة مطلقها فلا تنافي أفاده السيد قوله: "والمعاصي" عطف تفسير قوله: "والخفين" إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين عند معقد الشراك قوله: "بالخيمنة والمحمل" من غير إصابة لوجهه ورأسه فلو أصاب أحدهما كره قوله: "وشد الهميان" بكسر الهاء ما توضع فيه الدراهم ومثله المنطقة والسيف والسلاح والتختم والاكتحال بغير مطيب والختان والفصد والحجامة قوله: "متى صليت" ولو نفلا قوله: "أو لقيت ركبا" أو مشاة قوله: "فإنه مستجاب عند رؤبة" عن عطاء إنه صلى الله عليه وسلم كان إذ

 

ص -734-     يديك كما في الصلاة وضعهما على الحجر وقبله بلا صوت فمن عجز عن ذلك إلا بإيذاء تركه ومس الحجر بشيء وقبله أو أشار إليه من بعيد مكبرا مهللا حامدا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم طف آخذا عن يمينك مما يلي الباب مضطبعا وهو أن تجعل الرداء تحت الإبط الأيمن وتلقي طرفيه على الأيسر سبعة أشواط داعيا فيها بما شئت وطف وراء الحطيم وإن أردت أن تسعى بين الصفا والمروة عقب الطواف فارمل في الثلاثة الأشواط الأول وهو المشي بسرعة مع هز الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين فإن زحمه الناس وقف فإذا وجد فرجة رمل لأنه لا بد له منه فيقف حتى يقيمه على الوجه المسنون بخلاف استلام الحجر الأسود لأن له بدلا وهو استقباله ويستلم الحجر كلما مر به ويختم الطواف به وبركعتين في مقام إبراهيم عليه السلام أو حيث تيسر من المسجد ثم عاد فاستلم الحجر وهذا طواف القدوم وهو سنة للآفاقي ثم تخرج إلى الصفا فتصعد وتقوم عليها حتى ترى البيت فتستقبله مكبرا مهللا ملبيا مصليا داعيا وترفع يديك مبسوطتين ثم تهبط نحو المروة على هينة فإذا وصل بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سعيا حثيثا فإذا تجاوز بطن الوادي مشى على هينة حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا يستقبل البيت مكبرا مهللا ملبيا مصليا داعيا باسطا يديه نحو السماء وهذا شوط ثم يعود قاصدا الصفا فإذا وصل إلى الميلين الأخضرين سعى ثم مشى على هينة حتى يأتي الصفا فيصعد عليها ويفعل كما فعل أولا وهذا شوط ثان فيطوف سبعة أشواط يبتدأ بالصفا ويختم المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل أولا وهذا شوط ثان فيطوف سبعة أشواط يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى في بطن الوادي في كل شوط منها ثم يقيم بمكة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأى البيت يقول أعوذ برب البيت من الدين والفقر ومن ضيق الصدر وعذاب القبر زيلعي وفي الفتح من أهم الأدعية طلب دخول الجنة بلا حساب أوصى الإمام رجلا أن يدعو عند مشاهدة البيت باستجابة دعائه ليصير مستجاب الدعوة قوله: "ثم طف الخ" لأنه تحية المسجد الحرام قوله: "آخذا عن يمينك" فتكون الكعبة عن يسارك وجوبا قوله: "في مقام إبراهيم" هو حجر كان يقوم عليه عند نزوله عن الإبل وركوبه عند إتيانه هاجر وولده ظهر فيه أثر قدميه قوله: "فاستلم الحجر" واستلام الركن اليماني حسن ولا يسن في ظاهر الرواية ولا يستلم غيرهما من العراقي والشامي قوله: "ثم تخرج إلى الصفا" من أي باب شئت وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا لا لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا أنه سنة قوله: "على هينة" الهينة بكسر الهاء من الهون بفتح الهاء وهو السكينة فأصلها هونة فلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ذكره العلامة نوح قوله: "يستقبل البيت" هذا باعتبار ما كان وإلا فقد حال البناء بين المروة والبيت الآن ولكنه يقف مستقبلا.

 

ص -735-     محرما ويطوف بالبيت كلما بدا له وهو أفضل من الصلاة نفلا للآفاقي فإذا صلى الفجر بمكة ثامن ذي الحجة تأهب للخروج إلى منى فيخرج منها بعد طلوع الشمس ويستحب أن يصلي الظهر بمنى ولا يترك التلبية في أحواله كلها في الطواف ويمكث بمنى إلى أن يصلي الفجر بها بغلس وينزل بقرب مسجد الخيف ثم بعد طلوع الشمس يذهب إلى عرفات فيقيم بها فإذا زالت الشمس يأتي مسجد نمرة فيصلي مع الإمام الأعظم أو نائبه الظهر والعصر بعد ما يخطب خطبتين يجلس بينهما ويصلي الفرضين بأذان وإقامتين ولا يجمع بينهما إلا بشرطين الإحرام والإمام الأعظم ولا يفصل بين الصلاتين بنافلة وإن لم يدرك الإمام صلى كل واحدة في وقتها المعتاد فإذا صلى مع الإمام يتوجه إلى الموقف وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ويغتسل بعد الزوال في عرفات للوقوف ويقف بقرب جبل الرحمة مستقبلا مكبرا مهللا ملبيا داعيا مادا يديه كالمستطعم ويجتهد في الدعاء لنفسه ووالديه وإخوانه ويجتهد على أن يخرج من عينيه قطرات من الدمع فإنه دليل القبول ويلح في الدعاء مع قوة رجاء الإجابة ولا يقصر في هذا اليوم إذ لا يمكنه تداركه سيما إذا كان من الآفاق والوقوف على الراحلة أفضل والقائم على الأرض أفضل من القاعد فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم وإذا وجد فرجة يسرع من غير أن يؤذي أحدا ويتحرز عما يفعله الجهلة من الاشتداد في السير والازدحام والإيذاء فإنه حرام حتى يأتي مزدلفة فينزل بقرب جبل قزح ويرتفع عن بطن الوادي توسعة للمارين ويصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة واحدة ولو تطوع بينهما أو تشاغل أعاد الإقامة ولم تجز المغرب في طريق المزدلفة وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر ويسن المبيت بالمزدلفة فإذا طلع الفجر صلى الإمام بالناس الفجر بغلس ثم يقف الناس معه والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ويقف مجتهدا في دعائه ويدعو الله أن يتم مراده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويطوف بالبيت كلما بدا له" من غير رمل وسعي قوله: "فيصلي مع الإمام الأعظم أو نائبه الخ" هو شرط عند الإمام لا عندهما فقالا لا يشترط الصحة جمع الظهر والعصر إلا الإحرام وبه قالت الثلاثة وهو الأظهر برهان قوله: "ولا يفصل بين الصلاتين بنافلة" أي غير سنة الظهر كما في منلا مسكين تبعا للذخيرة والمحيط والكافي وهو ينافي إطلاقهم التطوع والإطلاق ظهار الرواية أفاده في النهر وكذا لا يتنفل بعد صلاة العصر قوله: "وإن لم يدرك الإمام" هذا عند الإمام قوله "إلا بطن عرنة" فلا يجزىء الوقوف فيه وهو واد بحذاء عرفات عن يسار الموقف وقد رأى صلى الله عليه وسلم الشيطان فيه وأمر أن لا يقف فيه أحد قوله: "كالمستطعم" أي كالذي يطلب الطعام وهيئته كالدعى قوله: "ما لم يطلع الفجر" فإن طلع عادت إلى الجوار قوله: "محسر" بضم الميم وفتح الحاء وتشديد السين المكسورة سمي به

 

ص -736-     وسؤاله في هذا الموقف كما أتمه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أسفر جدا أفاض الإمام والناس قبل طلوع الشمس فيأتي إلى منى وينزل بها ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخزف ويستحب أخذ الجمار من المزدلفة أو من الطريق ويكره من الذي عند الجمرة ويكره الرمي من أعلى العقبة لإيذائه الناس ويلتقطها التقاطا ولا يكسر حجرا جمارا ويغسلها ليتيقن طهارتها فإنها يقام بها قربة ولو رمى بنجسة أجزأه وكره ويقطع التلبية مع أول حصاة يرميها. وكيفية الرمي أن يأخذ الحصاة بطرف إبهامه وسبابته في الأصح لأنه أيسر وأكثر إهانة للشيطان والمسنون الرمي باليد اليمنى ويضع الحصاة على ظهر إبهامه ويستعين بالمسبحة ويكون بين الرامي وموضع السقوط خمسة أذرع ولو وقعت على ظهر رجل أو محل وثبتت أعادها وإن سقطت على سننها ذلك أجزأه وكبر بكل حصاة ثم يذبح المفرد بالحج إن أحبه ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ويكفي فيه ربع الرأس والتقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة وقد حل له كل شيء إلا النساء ثم يأتي مكة من يومه ذلك أو من الغد أو بعده فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواط وحلت له النساء وأفضل هذه الأيام أولها وإن أخره عنها لزمه شاة لتأخير الواجب ثم يعود إلى منى فيقيم بها فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر ومن الجمار الثلاث يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف فيرميها سبع حصيات ماشيا يكبر بكل حصاة ثم يقف عندها داعيا بما أحب حامدا الله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه في الدعاء ويستغفر لوالديه وإخوانه المؤمنين ثم يرمي الثانية التي تليها مثل ذلك ويقف عندها داعيا ثم يرمي جمرة العقبة راكبا ولا يقف عندها إذا كان اليوم الثالث من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال كذلك وإذا أراد أن يتعجل نفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الفيل حسر وأعيا فيه فلا يجوز الوقوف فيه قوله: "كما أتمه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي دعاءه بغفران الدماء والمظالم لأمته قوله: "مثل حصا الخزف بالزاي المعجمة كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاموس والذي في التنوير ورمي جمرة العقبة من بطن الوادي سبعا خذفا ا هـ قال في القاموس الخذف بالذال المعجمة كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذ بين سبابتيك تخذف به والمراد الرمي برؤس الأصابع كما في الدر وسيذكره المصنف قوله: "ويكره من الذي عند الجمرة" لأنها مردودة لحديث من قبلت حجته رفعت جمرته در قوله: "وأكثر إهانة للشيطان" لأنه لم يلتفت إليه حيث لم يرمه بكل يده بل حقره ولم يعتن به حتى رماه بأطراف أصابعه قوله: "ويضع الحصاة الخ" هذه كيفية أخرى في الرمي قوله: "وإن سقطت على سننها ذلك أجأزه" إن وقعت بقرب الجمرة وإلا لا وثلاثة أذرع بعيد وما دونها قريب جوهرة قوله: "ثم يأتي من يومه ذلك الخ" أي وجوبا موسعا.

 

ص -737-     إلى مكة قبل غروب الشمس وإن أقام إلى الغروب كره وليس عليه شيء وإن طلع الفجر وهو بمنى في الرابع لزمه الرمي وجاز قبل الزوال والأفضل بعده وكره قبل طلوع الشمس وكل رمي بعده رميا ترميه ماشيا لتدعو بعده وإلا راكبا لتذهب عقبه بلا دعاء وكره المبيت بغير منى ليالي الرمي ثم إذا رحل إلى مكة نزل بالمحصب ساعة ثم يدخل مكة ويطوف بالبيت سبعة أشواط بلا رمل وسعي إن قدمهما وهذا طواف الوداع ويسمى أيضا طواف الصدر وهذا واجب إلا على أهل مكة ومن أقام بها ويصلي بعده ركعتين ثم يأتي زمزما فيشرب من مائها ويستخرج الماء منها بنفسه إن قدر ويستقبل البيت ويتضلع منه ويتنفس فيه مرارا ويرفع بصره كل مرة ينظر إلى البيت ويصب على جسده إن تيسر وإلا يمسح به وجهه ورأسه وينوي بشربه ما شاء. وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه قال: "اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء" وقال صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له" ويستحب بعد شربه أن يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ثم يأتي إلى الملتزم وهو "ما بين الحجر الأسود والباب" فيضع صدره ووجهه عليه ويتشبث بأستار الكعبة ساعة يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء بما أحب من أمور الدارين ويقول "اللهم إن هذا بيتك الذي جعلته مباركا وهدى للعالمين اللهم كما هديتني له فتقبل مني ولا تجعل هذا آخر العهد من بيتك وارزقني العودة إليه حتى ترضى عني برحمتك يا أرحم الراحمين" والملتزم من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء بمكة المشرفة. وهي خمسة عشر موضعا نقلها الكمال بن الهمام عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويسمى أيضا طواف الصدر" بفتح الدال الرجوع ومثله الصدر بسكون الدال قوله: "ويتنفس فيه" أي حال الشرب قوله: "ماء زمزم لما شرب له" فينبغي أن يشربه بنية قطع ظمأ يوم العطش الأكبر كما نقله بعضهم قوله: "وهي خمسة عشر موضعا نقلها الكمال بن الهمام الخ" وقد ذكرها نظما العلامة العصامي مقيدا لها بساعات مخصوصة وزاد فيها بعض مواطن لم تذكر في تلك الرسالة فقال موافقا لما ذكره النقاش في مناسكه:

قد صرح النقاش في المناسك.                  وهي لعمري عدة للناسك.

أن الدعا في خمسة عشرة.                     يقبل حقا صاح ممن ذكره.

وهي المطاف مطلقا والملتزم.                  بنصف ليل فهو شرط ملتزم.

وداخل البيت بوقت العصر.                         بين يدي خدعيه فلتستقر.

وتحت ميزاب له وقت السحر.                    وهكذا خلف المقام المفتخر.

ثم لدى الجمار والمزدلفة.                        عند طلوع الشمس ثم عرفه.

ثم الصفا ومروة والمسعى.                       بوقت عصر فهو قيد يرعى.

 

ص -738-     رسالة الحسن البصري رحمه الله بقوله: "في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وخلف المقام وعلى الصفا وعلى المروة وفي السعي وفي عرفات وفي منى وعند الجمرات انتهى. والجمرات ترمى في أربعة أيام يوم النحر وثلاثة بعده كما تقدم وذكرنا استجابته أيضا عند رؤية البيت المكرم ويستحب دخول البيت الشريف المبارك إن لم يؤذ أحدا وينبغي أن يقصد مصلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهو قبل وجهه وقد جعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قرب ثلاثة أذرع ثم يصلي فإذا صلى إلى الجدار يضع خده عليه ويستغفر الله ويحمده ثم يأتي الأركان فيحمده ويهلل ويسبح ويكبر ويسأل الله تعالى ما شاء ويلزم الأدب ما استطاع بظاهره وباطنه وليست البلاطة الخضراء التي بين العمودين مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وما تقوله العامة من أن العروة الوثقى وهو موضع عال في جدار البيت بدعة باطلة لا أصل لها والمسمار الذي في وسط البيت يسمونه" سرة الدنيا "يكشف أحدهم عورته وسرته ويضمها عليها فعل من لا عقل له فضلا عن علم كما قاله الكمال وإذا أراد العود إلى أهله ينبغي أن ينصرف بعد طوافه للوداع وهو أن يمشي إلى ورائه ووجهه إلى البيت باكيا أو متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد ويخرج من مكة من باب بني شيبة من الثنية السفلى والمرأة في جميع أفعال الحج كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها وتسدل على وجهها شيئا تحته عيدان كالقبة تمنع مسه بالغطاء ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل ولا تهرول في السعي بين الميلين الأخضرين بل تمشي على هينتها في جميع السعي بين الصفا والمروة ولا تحلق وتقصر وتلبس المخيط ولا تزاحم الرجال في استلام الحجر وهذا تمام حج المفرد وهو دون التمتع في الفضل والقران أفضل من التمتع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كذا منى في ليلة البدر إذا.                      يستنصف الليل فخذ ما يحتذى.

وعند بئر زمزم شرب الفحول.                   إذا دنت شمس النهار للأفول.

بموقف عند مغيب الشمس قل.                ثم لدى الدرة ظهرا وكمل.

وقد روى هذا الوقوف طرا.                         من غير تقييد بما قد مرا.

بحر العلوم الحسن البصري عن.               خير الورى ذاتا ووصفا وسنن.

صلى عليه الله ثم سلما.                        وآله والصحب ما غيث همى.

قوله: "من أن العروة الوثقى الخ" الأولى حذف أن أو حذف الواو من قوله وهو موضع قوله: "أو متباكيا" أي متشبها بالباكي قوله: "ولا ترفع صوتها" بل تسمع نفسها للفتنة قوله: "وتلبس المخيط" والخفين والحلي وحيضها لا يمنع نسكا إلا الطواف والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

 

ص -739-     فصل القران
هو أن يجمع بين إحرام الحج والعمرة فيقول بعد صلاة ركعتي الإحرام: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني ثم يلبي فإذا دخل مكة بدأ بطواف العمرة سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأولى فقط ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يخرج إلى الصفا ويقوم عليه داعيا مكبرا مهللا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يطوف طواف القدوم للحج ثم يتم أفعال الحج كما تقدم فإذا رمى النحر جمرة العقبة وجب عليه ذبح شاة أو سبع بدنة فإذا لم يجد فصيام ثلاثة أيام قبل مجيء يوم النحر من أشهر الحج وسبعة أيام بعد الفراغ من الحج ولو بمكة بعد مضي أيام التشريق ولو فرقها جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل القران.
هو مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما قوله: "ثم يطوف الخ" فإن أتى بطوافين متواليين ثم سعى سعيين لهما جاز وأساء ولا دم عليه فإن وقف القارن بعرفة قبل أكثر الطواف لها بطلت عمرته وقضيت ووجب دم الرفض وسقط دم القران قوله: "فصيام ثلاثة أيام" آخرها يوم عرفة فإن فاتت الثلاثة تعين الدم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

فصل التمتع
هو أن يحرم بالعمرة فقط من الميقات فيقول بعد صلاة ركعتي الإحرام: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني ثم يلبي حتى يدخل مكة فيطوف لها ويقطع التلبية بأول طوافة ويرمل فيه ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يسعى بين الصفا والمروة بعد الوقوف على الصفا كما تقدم سبعة أشواط ثم يحلق رأسه أو يقصر إذا لم يسبق الهدى وحل له كل شيء من الجماع وغيره وإن ساق الهدى لا يتحلل من عمرته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل التمتع
هو من المتاع أو المتعة لأنه يتمتع أي يرتفق بارتفاقات الحلال بين العمرة والحج قوله: "هو أن يحرم بالعمرة" ويطوف ولو أكثر أشواطها في أشهر الحج قوله: "وإن ساق الهدي" أي هدي المتعة معه وقوله لا يتحلل من عمرته أي إلا بعد الفراغ من الحج قوله:

 

ص -740-     فإذا جاء يوم التروية يحرم بالحج من الحرام ويخرج إلى منى فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر لزمه ذبح شاة أو سبع بدنه فإن لم يجد صام ثلاثة أيام قبل مجيء يوم النحر وسبعة إذا رجع كالقارن فإن لم يصيم؟؟ الثلاثة حتى جاء يوم النحر تعين عليه ذبح شاة ولا يجزئه صوم ولا صدقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"يحرم بالحج" أي في سفر واحد حقيقة أو حكما بأن يلم بأهله إلماما غير صحيح وإحرامه يكون يوم التروية وقبله أفضل قوله: "لزمه ذبح شاة" شكرا لما أنعم الله تعالى عليه حيث وفق لأداء النسكين قوله: "صام ثلاثة أيام" بعد إحرامها في أشهر الحج وتأخيره بحيث يكون آخرها يوم عرفة أفضل رجاء وجود الهدى والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

فصل العمرة
سنة وتصح في جميع السنة وتكره يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وكيفيتها أن يحرم لها من مكة من الحل بخلاف إحرامه للحج فإنه من الحرم. وأما الآفاقي الذي لم يدخل مكة فيحرم إذا قصدها من الميقات ثم يطوف ويسعى لها ثم يحلق وقد حل منها كما بيناه بحمد الله.
"تنبيه" وأفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة رواه صاحب معراج الدراية بقوله وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة" ذكره في تجريد الصحاح بعلامة الموطأ وكذا قال الزيلعي شارح الكنز. والمجاورة بمكة مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لعدم القيام بحقوق البيت الحرام ونفى الكراهة صاحباه رحمهما الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل العمرة سنة
أي مؤكدة على المذهب وصحح في الجوهرة وجوبها وهي إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير فالإحرام شرط ومعظم الطواف ركن وغيرهما واجب هو المختار ويفعل فيها كفعل الحاج قوله: "وتكره يوم عرفة" وجازت في غير ما ذكر وندبت في رمضان قوله: "وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة" ويغفر لكل من الواقفين بغير واسطة قوله: "لعدم القيام بحقوق البيت والحرم" فمن يثق من نفسه بالقيام بالحقوق فلا كراهة عليه والمجاورة بالمدينة كالمجاورة بمكة قوله: "ونفى الكراهة صاحباه" في شرح السيد عن العلامة نوح وقالا المجاورة بها مستحبة وعليه الفتوى وحج الغني أفضل من حج الفقير وحج الفرض.

 

ص -741-     ....................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولى من طاعة الوالدين بخلاف النفل وبناء الرباط أفضل من حج النفل واختلف في الصدقة ورجح في البزازية أفضلية الحج لمشقته في المال والبدن جميعا قال وبه أفتى أبو حنيفة حين حج وعرف المشقة ولا يجوز شراء الكسوة من بني شيبة بل من الإمام أو نائبه وله لبسها ولو جنبا أو حائضا ولا يقتل في الحرم إلا إذا قتل فيه ولو قتل في البيت لا يقتل فيه ويكره الاستنجاء بماء زمزم لا الاغتسال ولا حرم للمدينة عندنا ومكة أفضل منها على الراجح إلا ما ضم أعضاءه صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل حتى من الكعبة والعرش والكرسي ا هـ من الدر المختار آخر الكتاب.

باب الجنايات
هي على قسمين: جناية على الإحرام وجناية على الحرم والثانية لا تخص المحرم وجناية المحرم على أقسام: منها ما يوجب دما ومنها ما يوجب صدقة وهي نصف صاع من بر ومنها ما يوجب دون ذلك ومنها ما يوجب القيمة وهي جزاء الصيد ويتعدد الجزاء بتعدد القاتلين المحرمين فالتي توجب دما هي ما لو طيب محرم بالغ عضوا أو خضب رأسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الجنايات
جمع جناية وهي ما يجنيه من شيء أي يحدثه إلا أنه خص بما يحرم من الفعل وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر وهو مصدر وأريد به الحاصل بالمصدر بدليل جمعها والمصدر لا يجمع منلا مسكين والمراد هنا خاص منه وهي ما تكون حرمته بسبب الإحرام أو الحرم نهر قاله السيد قوله: "منها ما يوجب دما" وقد يجب بها دمان كجناية القارن والدم حيث أطلق يراد به الشاة وهي تجزىء في كل شيء إلا في موضعين الأول إذا جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق والثاني إذا طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء فإن الواجب في هذين الموضعين البدنة قوله: "هي نصف صاع من بر" كل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع إلا ما يجب بقتل القمل والجراد فإنه يطعم ما شاء ذكره السيد وأشار إلى ذلك بقوله ومنها ما يوجب دون ذلك.
قوله: "ويتعدد الجزاء بتعدد القاتلين المحرمين" قال في التنوير وشرحه ولو قتل محرمان صيدا تعدد الجزاء لتعدد الفعل ولو حلالان صيد الحرم لا لاتحاد المحل قوله: "هي ما لو طيب محرم بالغ عضوا" ولو ناسيا أو جاهلا أو مكرها وشمل العضو الفم ولو بأكل طيب كثير وما يبلغ عضوا لو جمع والبدن كله كعضو واحدان اتحد المجلس وإلا فلكل طيب كفارة ولو ذبح ولم يزله لزمه دم آخر لتركه وأما الثوب المطيب أكثره فيشترط

 

ص -742-     بحناء أو ادهن بزيت ونحوه أو لبس مخيطا أو ستر رأسه يوما كاملا أو حلق ربع رأسه أو محجمه أو أبعد إبطيه أو عانته أو رقبته أو قص أظافر يديه ورجليه بمجلس أو يدا أو رجلا أو ترك واجبا مما تقدم بيانه وفي أخذ شاربه حكومة والتي توجب الصدقة بنصف صاع من بر أو قيمته هي ما لو طيب أقل من عضو أو لبس مخيطا أو غطى رأسه أقل من يوم أو حلق أقل من ربع رأسه أو قص ظفرا وكذا لكل ظفر نصف صاع إلا أن يبلغ المجموع دما فينقص ما شاء منه كخمسة متفرقة وطاف للقدوم أو الصدر محدثا وتجب شاة ولو طاف جنبا أو ترك شرطا من طواف الصدر وكذا لكل شوط من أقله حصاة من إحدى الجمار وكذا لكل حصاة فيما لم يبلغ رمي يوم وإلا إن لم يبلغ دما فينقص ما شاء أو حلق رأس غيره أو قص أظافره وإن تطيب أو لبس أو حلق بعذر تخير بين الذبح أو التصدق بثلاثة أصوع على ثلاثة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. والتي توجب أقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للزوم الدم دوام لبسه يوما وأخرج بالبالغ الصبي فلا شيء عليه والطيب كل جسم له رائحة طيبة مستلذة ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والعود والغالية وهي المجموع من هذه الأربعة وأخرج بالمحرم الحلال لأن الحلال لو طيب عضوا ثم أحرم فانتقل منه إلى مكان آخر من بدنه فلا شيء عليه اتفاقا وقيد بالعضو لأن تطييب ما دونه فيه صدقة قوله: "أو خضب رأسه بحناء" رقيق أما المتلبد ففيه دمان در قوله: "ونحوه" كشيرج وإن كان خالصا قوله: "أو لبس مخيطا" أي لبسا معتادا فلو اتزر به أو وضعه على كتفيه فلا شيء عليه قوله: "أو ستر رأسه" أي بمعتاد فلو ستره بحمل إجانة أو عدل فلا شيء عليه قوله: "يوما كاملا" أي أو ليلة كاملة والزائد على اليوم كاليوم وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا ما لم يعزم على ترك لبسه عند النزع فإن عزم عليه ثم لبس تعدد الجزاء كفر للأول أو لا قوله: "أو حلق ربع رأسه الخ" أي أزال ربع رأسه أو ربع لحيته قوله: "أو محجمه" عطف على ربع أي واحتجم وإلا فصدقة در.
قوله: "وفي أخذ شاربه حكومة" أي حكومة عدل كذا في السيد والذي في التنوير أن فيه صدقة ولعل مراده بالحكومة أن ينظر العدل ما مقداره من ربع اللحية فيؤخذ من الدم بحسابه قوله: "بنصف صاع" الباء للتصوير أو الصدقة بمعنى التصدق والباء للتعدية قوله: "أو طاف للقدوم أو للصدر محدثا" وفي الفتح ولو طاف للعمرة جنبا أو محدثا فعليه دم وكذا لو ترك من طوافها شوطا لأنه لا مدخل للصدقة في العمرة.
قوله: "أو ترك شوطا من طواف الصدر" عطف على ما تجب فيه صدقة قوله: "وكذا لكل شوط من أقله" أي الصدر وكذا لكل شوط من السعي قوله: "فيما لم يبلغ رمى يوم" أما إذا بلغه أو أكثره ففيه دم قوله: "أو حلق رأس غيره" محرما كان ذلك الغير أو حلالا

 

ص -743-     من نصف صاع فهي ما لو قتل قملة أو جرادة فيتصدق بما شاء. والتي توجب القيمة فهي ما لو قتل صيدا فيقومه عدلان في مقتله أو قريب منه فإن بلغت هديا فله الخيار إن شاء اشتراه وذبحه أو اشترى طعاما وتصدق به لكل فقير نصف صاع أو صاع عن طعام كل مسكين يوما وإن فضل أقل من نصف صاع تصدق به أو صام يوما وتجب قيمة ما نقص بنتف ريشه الذي لا يطير به وشعره وقطع عضو لا يمنعه الامتناع به وتجب القيمة بقطع بعض قوائمه ونتف ريشه وكسر بيضه ولا يجاوز عن شاة بقتل السبع وإن صال لا شيء بقتله ولا يجزئ الصوم بقتل الحلال صيد الحرم ولا بقطع حشيش الحرم وشجره النابت بنفسه وليس مما ينبته الناس بالقيمة وحرم رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر والكمأة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا بخلاف ما لو طيب عضو غيره أو ألبسه مخيطا فإنه لا شيء عليه إجماعا قوله: "فهي ما لو قتل قملة" من بدنه أو ألقاها أو ألقى ثوبه في الشمس لتموت ويجب في الكثير منه وهو ما زاد على ثلاثة نصف صاع ويجب الجزاء في القمل بالدلالة عليه كالصيد قوله: "وذبحه" أي في الحرم قوله: "وتصدق به" أي أين شاء قوله: "لكل فقير نصف صاع" حكمه كالفطرة.
قوله: "أو صام عن طعام كل مسكين يوما" ولو متفرقا قوله: "أو صام يوما" وكذا لو كان الواجب أقل من الصدقة ابتداء قوله: "وتجب قيمة ما نقص بنتف ريشه" فيقوم الصيد سليما وجريحا فيغرم ما بين القيمتين وهذا إذا برىء وبقي أثره وإلا فلا يضمن لزوال الموجب قوله: "ونتف ريشه" أي الذي يخرج به من حيز الامتناع قوله: "وكسر بيضة" أي غير المذر قوله: "بقتل السبع" المراد به حيوان لا يؤكل ولو خنزيرا أو فيلا.
قوله: "النابت بنفسه" لكن إن كان ذلك في غير ملك وجبت قيمة واحدة وإلا فقيمتان قيمة لمالكه وأخرى لحق الشرع وتجب القيمة إلا فيما جف أو انكسر أو ذهب بحفر كانون أو ضرب فسطاط در واعلم أن شجر الحرم أربعة أنواع ثلاثة منها يحل قطعها والانتفاع بها بلا جزاء وواحدة منها لا يحل قطعها ولا الانتفاع بها بدون الجزاء أما الثلاثة الأول فكل شجر أنبته الناس وهو من جنس ما ينبته الناس وكل شجر أنبته الناس وهو ليس من جنس ما ينبته الناس وكل شجر نبت بنفسه وهو من جنس ما ينبته الناس وأما الواحدة فهي كل شجر نبت بنفسه وهو ليس من جنس ما ينبته الناس ذكره السيد.
قوله: "وليس مما ينبته الناس" فلو كان من جنسه فلا شيء عليه در قوله: "وحرم رعى حشيش الحرم" أي بدابة قوله: "وقطعه" أي بنحو منجل قوله: "والكمأة" لأنها كالشجر الجاف والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

 

ص -744-     فصل ولا شيء بقتل غراب
واحد وعقرب وفأرة وحية وكلب عقور وبعوض ونمل وبرغوث وقرد وسلحفاة وما ليس بصيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل قوله: "ولا شيء بقتل غراب"
إلا العقعق در قوله: "وحدأة" بكسر ففتحتين قوله: "ونمل" لكن لا يحل قتل ما لا يؤذى وقالوا: لا يحل قتل الكلب الأهلي إذا لم يؤذ والأمر بقتل الكلاب منسوخ قوله: "وسلحفاة" بضم ففتح فسكون قوله: "وما ليس بصيد" فليس بقتل جميع هوام الأرض شيء لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن ومثله الفراش والذباب والوزغ والزنبور والقنفذ والصرصر والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

فصل الهدي
أدناه شاة وهو من الإبل والبقر والغنم وما جاز في الضحايا جاز في الهدايا والشاة تجوز في كل شيء إلا في طواف الركن جنبا ووطء بعد الوقوف قبل الحلق ففي كل منها بدنة وخص هدي المتعة والقران بيوم النحر فقط وخص ذبح كل هدي بالحرم إلا أن يكون تطوعا وتعيب في الطريق فينحر في محله ولا يأكله بمنى وفقير الحرم وغيره سواء وتقلد بدنة التطوع والمتعة والقران فقط ويتصدق بجلاله وخطامه ولا يعطي أجر الجزار منه ولا يركبه بلا ضرورة ولا يحلب لبنه إلا إن بعد المحل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل الهدى
هو في اللغة والشرع ما يهدى إلى الحرم قوله: "أدناه شاة" بنت سنة قوله: "وهو من الإبل" ويكون مما مضى عليه خمس سنين ومن البقر ما مضى عليه سنتان ولو قال وأعلاه إبل وبقر لكان أولى قوله: "وما جاز في الضحايا جاز في الهدايا" فكل ما يشترط في الضحايا من السلامة عن العيوب التي تمنع الجواز كالعور والعرج يشترط هنا ذكره السيد قوله: "بيوم النحر فقط" أي وقت النحر وهو الأيام الثلاثة در قوله: "بالحرم" ولا يشترط له متى قوله: "ولا يأكله بمنى" لأن حل الأكل من هدى التطوع مشروط ببلوغه محله قوله: "وفقير الحرم وغيره سواء" لكن فقيره أفضل وغيره بالجر قوله: "وتقلد بدنة التطوع" ندبا ومثله بدنة النذر وقيدنا بالبدنة لأن الشاة لا تقلد قوله: "والمتعة والقران فقط" لأن الإشهار بالعبادة أليق والستر بغيرها أحق قوله: "وخطامه" أي زمامه قوله: "ولا يعطى أجر الجزار منه" فلو أعطاه ضمنه

 

ص -745-     فيتصدق به وينضح ضرعه إن قرب المحل بالنقاح. ولو نذر حجا ماشيا لزمه ولا يركب حتى يطوف للركن فإن ركب أراق دما وفضل المشي على الركوب للقادر عليه وفقنا الله تعالى بفضله ومن علينا بالعود على أحسن حال إليه بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما لو تصدق عليه جاز قوله: "ولا يركبه بلا ضرورة" فإن دعت الضرورة إليه ونقص ضمن ما نقص بركوبه وحمل متاعه وتصدق به على الفقراء در قوله: "فيتصدق به" عطف على محذوف أي فيحلبه ويتصدق به قوله: "وينضح ضرعه" في القاموس نضح البيت ينضحه رشه وقاعدته إنه إذا ذكر الآتي بلا تقييد فهو على مثال ضرب قوله: "بالنقاخ" بالخاء المعجمة بوزن غراب الماء البارد والعذب الصافي قاموس والمراد الأول قوله: "لزمه" لأن من جنسه واجبا وهو مشى المكي الفقير القادر على المشيء والمشي في الطواف والسعي إلى الجمعة نهر ثم قيل يمشي من حين يحرم وقيل من بيته وهو الأصح زيلعي قوله: "فإن ركب" أي في كل الطريق أو أكثره أراق دما ولو ركب في نصفه أو أقله فبحسابه من الدم قوله: "للقادر عليه" أي على المشي وقيل الأفضل الركوب لأنه أحفظ لنفسه وأبعد عن السآمة قوله: "إليه" أي إلى الحج والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

فصل: في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
على سبيل الاختصار تبعا لما قال في الاختيار لما كانت زيارة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القرب وأحسن المستحبات بل تقرب من درجة ما لزم من الواجبات فإنه صلى الله عليه وسلم حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال:
"من وجد سعة ولم يزرني فقد جفاني" وقال صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" وقال صلى الله عليه وسلم: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي" إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا: إن كان الحج فرضا قدمه عليها وإلا تخيرو الأولى في الزيارة تجريد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقيل ينوي زيارة المسجد أيضا نهر لأنه من المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال قوله: "حرض" أي حث عليها قال في القاموس حرضه تحريضا حثه فعطف قوله وبالغ عطف مغاير قوله: "وبالغ في الندب إليها" أي في طلبها والمبالغة بذكر الوعيد على الترك والوعد على الفعل قوله: "من وجد سعة" بفتح السين وربما كسرت وفي حديث ذكره القاري من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني رواه ابن عدي بسند حسن قوله: "وجبت له شفاعتي" أي ثبتت له شفاعتي والمراد شفاعة غير شفاعة المقام المحمود فإنها عامة قوله: "فكأنما زارني في حياتي" المراد أن له أجرا كأجر من زارني حيا والمشبه لا يعطي حكم

 

ص -746-     غير ذلك من الأحاديث ومما هو مقرر عند المحققين أنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق ممتع بجميع الأعمال والعبادات غير أنه حجب عن أبصار القاصرين عن شريف المقامات ولما رأينا أكثر الناس غافلين عن أداء حق زيارته وما يسن للزائرين من الكليات والجزئيات أحببنا أن نذكر بعد المناسك وأدائها ما فيه نبذة من آداب تتميما لفائدة الكتاب فنقول ينبغي لمن قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة عليه فإنه يسمعها أو تبلغ إليه وفضلها أشهر من أن نذكره فإذا عاين حيطان المدينة المنورة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن علي بالدخول فيه واجعله وقاية لي من النار وأمانا من العذاب واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه تعظيما للقدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدخل المدينة المنورة ماشيا إن أمكنه بلا ضرورة بعد وضع ركبه واطمئنانه على حشمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشبه به من كل وجه قوله: "إلى غير ذلك" أي واعمد أو انته إلى غير ذلك قوله: "ممتع" أي منتفع قوله: "عن شريف المقامات" متعلق بالقاصرين قوله: "من الكليات" أي الأمور المشتركة بينها وبين غيرها كتحية المسجد قوله: "والجزئيات" أي الخاصة بالزيارة كهيئة الوقوف المذكورة فيما يأتي قوله: "بعد المناسك" أي بعد ذكر المناسك وقوله وأدائها الأولى حذفة إذ قد تكون الزيارة قبل الأداء قوله: "نبذة" أي شيء يسير قليل قاموس قوله: "فإنه يسمعها" أي إذا كانت بالقرب منه صلى الله عليه وسلم قوله: "وتبلغ إليه" أي يبلغها الملك إليه إذا كان المصلى بعيدا قوله: "وفضلها أشهر من أن يذكر" فمنها ما ذكره العارف بالله سنان أفندي رحمه الله تعالى في تبيين المحارم قال صلى الله عليه وسلم:
"من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح" رواه الطبراني وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي عشر مرات صلى الله عليه مائة مرة ومن صلى علي مائة مرة كتب بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء" رواه الطبراني أيضا وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة" رواه ابن شاهين وفي رواية "من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا وشوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوب تلك الليلة وذلك اليوم" رواه الطبراني ا هـ قوله: "المنورة" أي بساكنها صلى الله عليه وسلم ولها أسماء كثيرة تدل على شرفها قوله: "هذا حرم نبيك" أي مسجده أو ما يحترم لأجله قالوا: المدينة لا حرم لها قوله: "واجعله وقاية" أي حفظا أي سببا لذلك قوله: "يوم المآب" أي المرجع إليه تعالى قوله: "بعد وضع ركبه" أي بعد استقرار من معه من الركاب ليعرف محلهم في العود قوله: "واطمئنانه على حشمه" الحشم محركة للواحد والجمع وهو العيال والقرابة وخاصته الذين يغضبون له من أهل أو عبيد أو جيرة أفاده في القاموس والمراد الأول.

 

ص -747-     وأمتعته متواضعا بالسكينة والوقار ملاحظا جلالة المكان قائلا بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد إلى آخره واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك ثم يدخل المسجد الشريف فيصلي تحيته عند منبره ركعتين ويقف بحيث يكون عمود المنبر الشريف بحذاء منكبه الأيمن فهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وقال: "منبري على حوضي"فيسجد شكرا لله تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد شكرا لما وفقك الله تعالى ومن عليك بالوصول إليه ثم تدعو بما شئت ثم انهض متوجها إلى القبر الشريف فتقف بمقدار أربعة أذرع بعيدا عن المقصورة الشريفة بغاية الأدب مستدبرا القبلة محاذيا لرأس النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه الأكرم ملاحظا نظره السعيد إليك وسماعه كلامك ورده عليك سلامك وتأمينه على دعائك وتقول: السلام عليك يا سيدي يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا شفيع الأمة السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا مزمل السلام عليك يا مدثر السلام عليك وعلى أصولك الطيبين وأهل بيتك الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته أشهد أنك رسول الله قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "جلالة المكان" هي بمن حله من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قوله: "قائلا" أي حال الدخول قوله: "باسم الله" أي دخلت قوله: "وعلى ملة رسول الله" أي عقدت نيتي على اتباعها قوله: "رب أدخلني" أي المدينة قوله: "مدخل صدق" أي إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره قوله: "وأخرجني مخرج صدق" أي إخراجا مرضيا لك بحيث لا يكون علي فيه مؤاخذة قوله: "من لدنك" أي من عندك قوله: "سلطانا نصيرا" أي قوة تنصرني بها على أعدائك قوله: "الخ" أي إلى آخر صلاة التشهد قوله: "وافتح لي أبواب رحمتك" أي هيىء لي الأسباب المقتضية للرحمة والإحسان قوله: "روضة من رياض الجنة" أي أنه يصير كذلك يوم القيامة أو أنه لما يحصل فيه من الثواب والأجر كله كذلك أو لأنه يوصل إليها قوله: "وقال منبري على حوضي" لا مانع من حمله على الحقيقة قوله: "شكرا لما وفقك" بدل من شكر الأول قوله: "ثم تنهض" أي تقوم بالأدب والمراد أنه لا يتراخى وإن كان بالتأني والتمهل قوله: "مستدبر القبلة" أي كما هو السنة في زيارة الأموات قوله: "ملاحظا نظره السعيد إليك" أي تلاحظ أنه ناظر إليك قوله: "يا مزمل" أصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي له خوفا منه لهيبته جلالين ومثله المدثر أصلا ومعنى قوله: "وعلى أصولك" يعم الذكور والإناث قوله: "الرجس" أي الإثم.

 

ص -748-     بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وأوضحت الحجة وجاهدت في سبيل الله حق جهاده وأقمت الدين حتى أتاك اليقين صلى الله عليك وسلم وعلى أشرف مكان تشرف بحلول جسمك الكريم فيه صلاة وسلاما دائمين من رب العالمين عدد ما كان وعدد ما يكون بعلم الله صلاة لا انقضاء لأمدها يا رسول الله نحن وفدك وزوار حرمك تشرفنا بالحلول بين يديك وقد جئناك من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة نقطع السهل والوعر بقصد زيارتك لنفوز بشفاعتك والنظر إلى مآثرك ومعاهدك والقيام بقضاء بعض حقك والاستشفاع بك إلى ربنا فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والوسيلة وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سننك وأن يحشرنا في زمرتك وأن يوردنا حوضك وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى الشفاعة الشفاعة الشفاعة يا رسول الله - يقولها ثلاثا - ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وتبلغه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأديت الأمانة" أي الصلاة وغيرها مما في فعله ثواب وتركه عقاب أي بلغت ذلك قوله: "وأوضحت الحجة" هي بالضم البرهان قاموس قوله: "حق جهاده" أي جهاده الحق أو أعظم جهاده قوله: "حتى أتاك اليقين" أي الموت قوله: "بعلم الله" متعلق بيكون وحذف من كان نظيره قوله: "لا مدها" بفتح الميم الغاية والمنتهى قاموس قوله: "نحن وفدك" أي الوافدون والواردون عليك قوله: "شاسعة" أي بعيدة يقال شسع المنزل كمنع شسعا وشسوعا بعد فهو شاسع قاموس قوله: "السهل" هو من الأرض ضد الحزن قوله: "والوعر" ضد السهل كالوعر والواعر والوعير قوله: "إلى مآثرك" جميع مأثرة وهي المكرمة المتواترة قوله: "ومعاهدك" جمع معهد المنزل المعهود به الشيء قوله: "قصمت" القصم الكسر مع الإبانة أو عدمها قوله: "وكاهلنا" جمع كاهل الحارك أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرأ وما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب قاموس قوله: "المشفع" أي مقبول الشفاعة قوله: "والمقام المحمود" عطف مرادف قوله: "والوسيلة" هي منزلة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله عليه وسلم قوله: "واستغفر لهم الرسول" فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه صلى الله عليه وسلم قوله: "على سنتك" أي على موافقة طريقتك قوله: "في زمرتك" أي فوجك وجماعتك قوله: "بكأسك" الكأس الإناء الذي يشرب فيه أو ما دام الشراب فيه والمراد كؤس حوضك قوله: "الشفاعة" أي نطلب منك الشفاعة قوله: "غلا" أي حقدا.

 

ص -749-     سلام من أوصاك به فتقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يتشفع بك إلى ربك فاشفع له وللمسلمين ثم تصلي عليه وتدعو بما شئت عند وجهه الكريم مستدبرا القبلة ثم تتحول قدر ذراع حتى تحاذي رأس الصديق أبي بكر رضي الله عنه وتقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله وأنيسه في الغار ورفيقه في الأسفار وأمينه على الأسرار جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماما عن أمة نبيه فلقد خلفته بأحسن خلف وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك وقاتلت أهل الردة والبدع ومهدت الإسلام وشيدت أركانه فكنت خير إمام ووصلت الأرحام ولم تزل قائما بالحق ناصرا للدين ولأهله حتى أتاك اليقين سل الله سبحانه لنا دوام حبك والحشر مع حزبك وقبول زيارتنا السلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم تتحول مثل ذلك حتى تحاذي رأس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا مظهر الإسلام السلام عليك يا مكسر الأصنام جزاك الله عنا أفضل الجزاء نصرت الإسلام والمسلمين وفتحت معظم البلاد بعد سيد المرسلين وكفلت الأيتام ووصلت الأرحام وقوي بك الإسلام وكنت للمسلمين إماما مرضيا وهديا مهديا جمعت شملهم وأعنت فقيرهم وجبرت كسيرهم السلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم ترجع قدر نصف ذراع فتقول: السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام بالدين والقائمين بعده بمصالح المسلمين جزاكما الله أحسن الجزاء جئناكما نتوسل بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل الله ربنا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وتبلغه سلام من أوصاك" ذكروا أن تبليغ السلام واجب لأنه من أداء الأمانة قوله: "مستدبر القبلة" قدمه وإنما ذكره هنا إشارة إلى أنه يستمر على الحال الأول من الاستدبار قوله: "أبي بكر" هو عبد الله بن عثمان أسلم أبوه وصارت له صحبة وتأخر بعد موت الصديق ولم يسجد الصديق لصنم أصلا قوله: "فلقد خلفته" أي كنت خليفته وبقيت بعده قوله: "بأحسن خلف" يقال هو خلف صدق من أبيه إذا قام مقامه أي فقمت بعده بأحسن قيام قوله: "مسلك" أي سلوك قوله: "وشيدت أركانه" أي رفعتها شبه الإسلام ببيت له أركان قوله: "ووصلت الأرحام" أي أرحامه صلى الله عليه وسلم وهذا رد على من أثبت عداوة بين فاطمة والصديق فحاشاهما الله من ذلك قوله: "مثل ذلك" أي قدر ذراع قوله: "وكفلت الأيتام" أي علتهم وواليتهم قوله: "وقوي بك الإسلام" فقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي مختفيا هو ومن أسلم معه في دار الأرقم حتى أسلم عمر فصلى في الحرم قوله: "وهاديا" في ذاتك مهديا لغيرك أي هداك الله لهم ثم يرجع قدر نصف ذراع فيكون متوسطا بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة قوله: "يا ضيجعي رسول الله" أي رفيقيه في مدفنه قوله: "ووزيريه" الوزير المعين فعطف ما بعده عليه عطف تفسير.

 

ص -750-     يتقبل سعينا ويحيينا على ملته ويميتنا عليها ويحشرنا في زمرته ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين ثم يقف عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك إليك اللهم ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ويزيد ما شاء ويدعو بما حضرته ويوفق له بفضل الله ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط بها نفسه حتى تاب الله عليه وهي بين قبره والمنبر ويصلي ما شاء نفلا ويتوب إلى الله ويدعو بما شاء ويأتي الروضة ويصلي ما شاء ويدعو بما أحب ويكثر من التسبيح والتهليل والثناء والاستغفار ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كانت به تبركا بأثر الرسول صلى الله عليه وسلم ومكان يده الشريفة إذا خطب لينال بركته صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويسأل الله ما شاء ثم يأتي الأسطوانة الحنانة وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر حتى نزل فاحتضنه فسكن ويتبرك بما بقي من الآثار النبوية والأماكن الشريفة ويجتهد في إحياء الليالي مدة إقامته واغتنام مشاهدة الحضرة النبوية وزيارته في عموم الأوقات ويستحب أن يخرج إلى البقيع فيأتي المشاهد والمزارات خصوصا قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه ثم إلى البقيع الآخر فيزور العباس والحسن بن علي وبقية آل الرسول رضي الله عنهم ويزور شهداء أحد وإن تيسر يوم الخميس فهو أحسن ويقول: سلام عليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "سعينا" أي عملنا قوله: "على ملته" أي على اتباعها قوله: "وقد جئناك" أي يا ألله أي فالخطاب بها أولا أي فيما تقدم لحضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وثانيا لحضرة الحق سبحانه وتعالى قوله: "ولآبائنا وأمهاتنا" أي جميع أصولنا ذكورا وإناثا قوله: "ويتوب إلى الله" أي فعسى الله أن يقبل توبته كما قبل توبة أبي لبابة قوله: "ويأتي الروضة" أي ثانيا قوله: "على الرمانة" لا أثر لها اليوم قوله: "حتى نزل" أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "فسكن" أي لما ضمن له أن يغرس في الجنة تأكل منه أولياؤه تعالى فيها قوله: "في عموم الأوقات" المراد به في غالب الأوقات قوله: "فيأتي المشاهد والمزارات" قيل إنه مات بالمدينة المنورة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عشرة آلاف غير أن غالبهم لا يعرف مكانه بالخصوص قوله: "وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم" وفي مشهده رقية بنته صلى الله عليه وسلم وعثمان بن مظعون وهو الأخ الرضاعي للنبي صلى الله عليه وسلم

 

ص -751-     بما صبرتم فنعم عقبى الدار ويقرأ آية الكرسي والإخلاص إحدى عشر مرة وسورة يس إن تيسر ويهدي ثواب ذلك لجميع الشهداء ومن بجوارهم من المؤمنين ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب: يا صريخ المستصرخين يا غياث المستغيثين يا مفرج كرب المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين صل على سيدنا محمد وآله واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك حزنه وكربه في هذا المقام يا حنان يا منان يا كثير المعروف والإحسان يا دائم النعم يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما دائما أبدا يا رب العالمين آمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص كلاهما من العشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن مسعود وهو من أجل الصحابة وأفقههم بعد الأربعة قوله: "والإخلاص إحدى عشرة مرة" قد تقدم بيان فضيلة ذلك في الجنائز كسورة يس قوله: "مسجد قباء" بضم القاف ممدودا هو أفضل المساجد أي بعد المساجد الثلاثة أي المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى قوله: "يا صريخ الخ" الصريخ والصارخ المغيث والمستغيث ضد قاموس والمراد الأول والمستصرخين جمع مستصرخ طالب الإغاثة قوله: "يا غياث" هو اسم على تأويل مغيث أو ذي غوث قوله: "في هذا المقام" أي المحل فإن أول قدومه من الهجرة نزل هناك قوله: "يا حنان" هو الرحيم أو الذي يقبل على من أعرض عنه قاموس قوله: "يا منان" هو المعطى ابتداء قال تعالى:
{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير محسوب ولا مقطوع قوله: "يا أرحم الراحمين" روى الحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين فمن قالها ثلاثا قال له الملك إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل" وروى الحاكم عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل العبادة الدعاء فأبسطوا أكف الذل راغبين وفيما عند ربكم طامعين" وقد ختم المصنف دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ابتدأه بها لما قال بعض الأكابر إن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم وأسأل الله تعالى أن يصلي على نبيه محمد وآله وأن يميتنا على الإيمان ويرحم فاقتي بذلك وأن يسعدني بلقائه وأن يتقبل هذه الحاشية وينفع بها عباده المؤمنين ويغفر لي ما فرط مني فيها وفي غيرها أنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين.