درر
الحكام شرح غرر الأحكام [كِتَابُ الصَّوْمِ]
[أَنْوَاع الصِّيَام]
(كِتَابُ الصَّوْمِ) (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى
بَعْضِ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الشَّاهِدِ وَسَكَتَ عَنْ
الْخَامِسِ، وَهُوَ الْحَجُّ، وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَامِسُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ
شَيْءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ إحْدَاهُمَا بِدُونِ الْأُخْرَى
فَالْخَامِسُ الْحَجُّ ثُمَّ إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَشْيَاءَ،
وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الصَّوْمَ لِفَوَائِدَ
أَعْظَمُهَا إيجَابُهُ شَيْئَيْنِ يَنْشَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ
سُكُونُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَكَسْرُ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ،
وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي
مَحْسُوسَاتِهَا؛ وَلِذَا قِيلَ: إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ
الْأَعْضَاءِ فَإِذَا شَبِعَتْ النَّفْسُ جَاعَتْ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا
وَمِنْ فَوَائِدِهِ اقْتِضَاؤُهُ الرَّحْمَةَ وَالْعَطْفَ عَلَى
الْمَسَاكِينِ لِذَوْقِ أَلَمِ الْجُوعِ فَإِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي
بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ بِهِ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ جَمِيعَ
الْأَوْقَاتِ فَيُسَارِعُ إلَى رَحْمَتِهِ وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي
حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيَتَدَارَكُ مَنْ حَالُهُ
هَذِهِ دَائِمًا بِإِيصَالِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ بِذَلِكَ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا: تَرْكُ الْأَكْلِ. . . إلَخْ) هَذَا الْحَدُّ صَادِقٌ
بِمَنْ أَدْخَلَ شَيْئًا إلَى دِمَاغِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا
وَخَرَجَ بِهِ (فَإِنْ) مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَنَّهُ صَائِمٌ وَالْحَدُّ
الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ عَمْدًا بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ
حُكْمُ الْبَاطِنِ، وَعَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِنِيَّةٍ فِي وَقْتِهَا
مِنْ أَهْلِهِ هَذَا وَسَبَبُ وُجُوبِ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ
الشَّهْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ؛
لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَرِّقَةٌ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ
أَشَدُّ لِتَخَلُّلِ زَمَانٍ لَا يَصِحُّ لِلصَّوْمِ أَصْلًا وَهُوَ
اللَّيْلُ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ جَمْعِ السَّبَبَيْنِ فَشُهُودُ جُزْءٍ
مِنْ الشَّهْرِ سَبَبٌ لِكُلِّهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ؛
وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ. وَسَبَبُ صَوْمِ
الْكَفَّارَاتِ: الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ؛ وَسَبَبُ الْمَنْذُورِ
وَالنَّذْرُ؛ وَلِذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ
شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ
السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ وَشَرْطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْإِسْلَامُ
وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ
وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالْخُلُوُّ عَمَّا
يُنَافِيهِ أَوْ يُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ
ثَوَابِهِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي قَالَ
الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ: الْعِلْمُ
بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ
الْإِدْرَاكُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ
الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ
لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ
الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ
وَاحِدٍ عَدْلٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَلَا
الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ
بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى
مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا) أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ قَدْ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ أَوْ لِسَانِ
الْفُقَهَاءِ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فِي
(1/196)
فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ (مِنْ
أَهْلِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ
(وَهُوَ) إمَّا (فَرْضٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ (كَصَوْمِ رَمَضَانَ
أَدَاءً وَقَضَاءً) وَفَرْضِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَالْإِجْمَاعِ.
(وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ نَحْوُ (الْكَفَّارَاتِ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ
وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي
الْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى (وَ) إمَّا
(وَاجِبٌ كَالنَّذْرِ) الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ.
(وَ) إمَّا (نَفْلٌ كَغَيْرِهَا) ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ صَوْمَ
رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
[البقرة: 183] وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا
يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا
بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ
أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ أَيْضًا فَرْضًا لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ
وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ
صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ
الْمَنْذُورَ إذَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ كَالصَّلَاةِ
وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلُزُومُهُ ثَابِتٌ
بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ، وَإِنْ كَانَ سَنَدُ
الْإِجْمَاعِ ظَنِّيًّا وَهُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ فَرْضًا أَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ
هَاهُنَا الْفَرْضُ الِاعْتِقَادِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا
يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالْفَرْضِيَّةُ بِهَذَا
الْمَعْنَى لَا تَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ
عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي صَوْمِ
رَمَضَانَ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ
عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ
فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ
يُفِيدُ الْوُجُوبَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا فِي
الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
(صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بِنِيَّةٍ
مِنْ اللَّيْلِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا عِنْدَهَا) فَإِنَّ
النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالضَّحْوَةُ
الْكُبْرَى مُنْتَصِفَهُ فَوَجَبَ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ قَبْلَهَا
لِتَكُونَ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ فَتُوجَدُ فِي كُلِّهِ
حُكْمًا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لَا مَا قِيلَ إلَى الزَّوَالِ؛
لِأَنَّهُ مُنْتَصَفُ نَهَارٍ اُعْتُبِرَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى
غُرُوبِهَا.
(وَ) صَحَّ الصَّوْمُ (بِمُطْلَقِهَا) أَيْ النِّيَّةِ (وَبِنِيَّةِ
النَّفْلِ وَبِخَطَإِ الْوَصْفِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) لِمَا تَقَرَّرَ
فِي الْأُصُولِ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لِسَانِ الْفُقَهَاءِ خَاصَّةً حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ
الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اهـ.
وَلَكِنْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا هُوَ أَعَمُّ حَيْثُ قَالَ النَّهَارُ
عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانٍ مُمْتَدٍّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ،
وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ
وَيَنْتَهِي اللَّيْلُ بِطُلُوعِ الصُّبْحِ الصَّادِقِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ إمَّا فَرْضٌ وَهُوَ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَصَوْمِ
رَمَضَانَ أَدَاءً وَقَضَاءً) أَقُولُ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ قَضَاءَ
رَمَضَانَ مُعَيَّنًا فَنَاقَضَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَشَرْطٌ
لِلْبَاقِي وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَى أَنْ قَالَ إذْ لَيْسَ لَهَا
وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، اهـ. وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّعْيِينِ فِي قَضَاءِ
رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الْكَفَّارَاتِ) لَا يَظْهَرُ لِلَفْظَةِ
نَحْوُ فَائِدَةٌ غَيْرُ الْإِقْحَامِ (قَوْلُهُ وَإِمَّا وَاجِبٌ
كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ) هَذَا غَيْرُ الْأَظْهَرِ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ صَوْمَ الْمَنْذُورِ فَرْضٌ كَالْكَفَّارَاتِ لِمَا
سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَنَفْلٌ كَغَيْرِهَا) صَادِقٌ بِصَوْمِ الْمَسْنُونِ
وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّ أَقْسَامَ الصَّوْمِ فَرْضٌ
وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا
وَتَحْرِيمًا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالْمَسْنُونُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ
ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ
يَعْنِي الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ
وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ
كَصَوْمِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَحْوِهِ،
وَالنَّفَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ
وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ
يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ، وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
وَالْعِيدَيْنِ اهـ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي عَنْ أُسْتَاذِهِ
نَقْلًا عَنْ الْوَاقِعَاتِ يَجُوزُ صَوْمُ الْمِهْرَجَانِ بِلَا
كَرَاهَةٍ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ إنْ وَافَقَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ
مُعْتَادَهُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. .
وَفِي الْمُجْتَبَى يُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إنْ
تَعَمَّدَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ
فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصُومَ اهـ.
فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ
وَالْوَلْوالِجِيَّة عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ
قِيلَ فَوَجَبَ. . . إلَخْ) لَيْسَ مِنْ الْهِدَايَةِ بَلْ مِنْ
الْمُحَشَّيْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ
نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي
مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَيْ صَوْمُ النَّذْرِ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى
لُزُومِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ نُقِلَ إلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ
الْمَنْذُورِ، وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: وَفُرِضَ صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ،
وَكَذَا فُرِضَ الْمَنْذُورُ فِي الْأَظْهَرِ وَقِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ. . . إلَخْ) لَيْسَ
الْمُدَّعَى مِمَّا ثَبَتَ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ بِتَوَاتُرِ نَقْلِ
الْإِجْمَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى
الْغُرُوبِ) أَقُولُ، وَكَذَا اللُّغَوِيَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
دِيوَانِ الْأَدَبِ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ) أَيْ
لَزِمَ إيجَادُ النِّيَّةِ قَبْلَهَا لِتَكُونَ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ
النَّهَارِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَاحِدًا
بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ فِي أَكْثَرِهَا
بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا؛
لِأَنَّهُمَا أَرْكَانٌ فَإِذَا لَمْ تُقَارِنْ الْعَقْدَ خَلَا بَعْضُ
الْأَرْكَانِ عَنْهَا فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً كَمَا فِي
الْفَتْحِ، وَهَذَا عَلَى
(1/197)
الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لِصَوْمِ رَمَضَانَ
وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيِّنِ تَعْيِينٌ وَالْخَطَأُ فِي الْوَصْفِ
لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ
نَظِيرُهُ الْمُتَوَحِّدُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا نُودِيَ بِيَا
رَجُلُ أَوْ بِاسْمٍ غَيْرِ اسْمِهِ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَضَاءِ
رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَعْيِينَ فِي وَقْتِهِ (إلَّا) إذَا وَقَعَ
النِّيَّةُ (مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ) حَيْثُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى
التَّعْيِينِ، وَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ (بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى)
لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْوَقْتِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا (وَالنَّذْرُ
الْمُعَيَّنُ) يَقَعُ (عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ مُطْلَقًا) أَيْ إذَا نَذَرَ
صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَنَوَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبًا آخَرَ
يَقَعُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا
صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا (وَشُرِطَ لِلْبَاقِي) وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ
وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالْكَفَّارَةُ (التَّبْيِيتُ) مِنْ
الْبَيْتُوتَةِ وَالْمُرَادُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ (وَالتَّعْيِينُ)
إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي
الِابْتِدَاءِ.
(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ
مِنْ شَعْبَانَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ،
وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ،
وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»
الْحَدِيثَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ
قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ
الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَمِنْ قَوْلِهِ «لَا يُصَامُ
الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا» لَا أَصْلَ لَهُ.
(وَكُرِهَ فِيهِ الْوَاجِبُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ (وَيَقَعُ عَنْهُ فِي
الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقَعُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
فَلَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ (فَإِنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَوْ
وَاجِبًا وَظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَهُمَا) أَيْ التَّطَوُّعُ
وَالْوَاجِبُ (يَقَعَانِ عَنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ
لَمْ تَظْهَرْ (فَعَمَّا نَوَى) أَيْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ
التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبِ.
(وَنُدِبَ النَّفَلُ إنْ وَافَقَ مُعْتَادَهُ) بِأَنْ يَعْتَادَ صِيَامَ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَهُ يَوْمُ
الشَّكِّ، وَكَذَا إذَا صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ
أَوْ عَشْرَةً مِنْ آخِرِهِ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ
تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ
رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَعْيِينَ فِي وَقْتِهِ) رُجُوعٌ إلَى مَا هُوَ
الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا
إذَا وَقَعَ النِّيَّةُ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ:
الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ
وَفِي رِوَايَةٍ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ النَّفْلِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
وَإِذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ
الْوَاجِبِ رِوَايَةً وَاحِدَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ عَنْ
رَمَضَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَمَّا إذَا نَوَى الْمَرِيضُ نَفْلًا
فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ
وَالْبُرْهَانِ وَأَمَّا إنْ نَوَى الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ
اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ وَمَبْسُوطِ
شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَقَاضِي خَانْ أَنَّهُ
يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ الْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ حَيْثُ قَالَ:
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ
وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ اهـ.
وَقَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ
الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ
الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ
فِي التَّحْقِيقِ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَمْسَ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمَا
قَالَا: إذَا نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قُلْت: وَأَمَّا إذَا
أَطْلَقَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ كَذَا
فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ فَنَوَى فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ) يَعْنِي فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا
لِيَصِحَّ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ
تَبْيِيتُ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ مَتْنًا وَشُرِطَ لِلْبَاقِي التَّبْيِيتُ)
شَامِلٌ لِقَضَاءِ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي
أَنْ لَا يَخُصَّ الْمَتْنَ بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ
النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ) أَقُولُ الشَّرْطُ عَدَمُ تَأْخِيرِهَا عَنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَصِحُّ مُقَارَنَةً لِطُلُوعِهِ وَمِنْ فُرُوعِ
لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ
النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا هَلْ يَقَعُ نَفْلًا فِي فَتَاوَى
النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ: هَذَا
إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ نِيَّتُهُ مِنْ
النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ كَمَا
فِي الْمَظْنُونِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَظْنُونُ صَوْمُ
الشَّكِّ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فَإِذَا أَفْطَرَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ
مِنْ شَعْبَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
[صوم يَوْم الشَّكّ]
(قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ. . . إلَخْ) أَقُولُ الْمُرَادُ
(وَيَصُومُ) أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ
فَالنِّيَّةُ يَوْمُ الشَّكِّ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ شَامِلٌ
لِلْمَقَادِيرِ اهـ.
وَإِذَا أَفْرَدَهُ بِالصَّوْمِ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقِيلَ
الصَّوْمُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ
غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ
لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا إلَّا بِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
بَعْدَ نَقْلِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ
الصِّيَامِ صَوْمُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ
الْكُلُّ ثُمَّ قَالَ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ فِيهِ الْوَاجِبُ) أَيْ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَيَقَعُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ بِأَنْ يَعْتَادَ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَقُولُ صَوْمُ
الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا، وَكَذَا السَّبْتُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْبُرْهَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُعْتَادُهُ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ أَوْ
الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ) أَقُولُ: وَصَوْمُ الْخَمِيسِ
وَالِاثْنَيْنِ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ
ثَلَاثَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ آخِرِ أَخِيرِهِ كَذَا فِي
(1/198)
(وَيَصُومُ فِيهِ الْخَوَاصُّ)
كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ (وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ
بَعْدَ الزَّوَالِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ
(لَا صَوْمَ إنْ نَوَى أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ مِنْ رَمَضَانَ
وَإِلَّا فَلَا) لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزْمِ فَلَمْ تُوجَدْ
النِّيَّةُ (كَذَا) إنْ نَوَى (إنْ لَمْ أَجِدْ غَدَاءً فَأَنَا صَائِمٌ
وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَكُرِهَ إنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ
مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ
أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ: نِيَّةِ الْفَرْضِ وَنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ
(أَوْ) قَالَ (أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا
فَعَنْ نَفْلٍ) ، وَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ
وَجْهٍ (فَإِنْ ظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَعَنْهُ) لِوُجُودِ مُطْلَقِ
النِّيَّةِ (وَإِلَّا فَنَفْلٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ
أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي الْوَاجِبِ الْآخَرِ
فَلَا يَقَعُ عَنْهُ فَبَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ النَّفْلِ
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ أَيْضًا (غَيْرَ
مَضْمُونٍ عَلَيْهِ) بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ
قَصْدًا بَلْ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ.
(لَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ ضَمُّ إنْ شَاءَ اللَّه) يَعْنِي إذَا قَالَ
نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ) هِلَالَ (الْفِطْرِ وَحْدَهُ وَرُدَّ
قَوْلُهُ) أَيْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ لِانْفِرَادِهِ (صَامَ) فِي الْأَوَّلِ
وَالْآخِرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وَقَدْ
رَآهُ ظَاهِرًا وَأَمَّا الثَّانِي فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ،
وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ
تُفْطِرُونَ» (وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي الْوَقْتَيْنِ (قَضَى فَقَطْ) بِلَا
كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ
وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ
تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْقَاضِي
شَهَادَتَهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ
أَكْمَلَ رَائِي هِلَالِ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا
مَعَ الْقَاضِي، وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
(وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى وَلَفْظُ أَشْهَدُ لِلصَّوْمِ بِعِلَّةٍ) أَيْ
إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ كَغَيْمٍ وَغُبَارٍ (خَبَرُ عَدْلٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
التَّبْيِينِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ قِيلَ:
لِكَرَاهَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التُّحْفَةِ اهـ. لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ وَقَوْلِهِ
لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ» اهـ. قَالَ
فِي الْفَوَائِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا تَقَدَّمُوا. . . إلَخْ التَّقْدِيمُ عَلَى قَصْدِ أَنْ
يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ
إنْ نَوَى بِهِ قَبْلَ حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِهِ وَزَمَانِهِ،
وَشَعْبَانُ وَقْتُ التَّطَوُّعِ فَإِذَا صَامَ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَأْتِ
بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ وَأَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا
تَقَدُّمًا عَلَيْهِ اهـ. كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَبِهَذَا يَنْتَفِي كَرَاهَةُ صَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ
كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ
الْخَوَاصِّ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ
الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ أَيْ التَّرْدِيدِ، وَمُلَاحَظَةُ كَوْنِهِ
عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ) يَعْنِي يَأْمُرُ
الْمُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ إذَا ذَهَبَ
وَقْتُ النِّيَّةِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ
(قَوْلُهُ كَذَا إنْ نَوَى إنْ لَمْ أَجِدْ غَدَاءً. . . إلَخْ) مِثْلُهُ
إنْ لَمْ أَجِدْ سُحُورًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ لَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ ضَمُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . .
إلَخْ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يُذْكَرُ لِطَلَبِ
التَّوْفِيقِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا لِبُطْلَانِهَا
بِالثُّنْيَا كَالتَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلُهُ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ
السَّمَاءِ بِعِلَّةٍ فَلَمْ يُقْبَلْ لِفِسْقِهِ أَوْ رُدَّتْ لِصَحْوِهَا
وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ لُزُومَ صِيَامِهِ، وَإِنْ لَمْ
يَشْهَدْ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الرَّائِي
مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَوْ كَانَ الْإِمَامَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ
إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا فِي
الْفِطْرِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ.
وَسَوَّى بَيْنَ الْفِطْرِ وَرَمَضَانَ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ لَوْ رَآهُ أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ
الْقَاضِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَشْهَدُ
عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا
رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالٍ
فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ
بِالْخُرُوجِ، وَلَا يُفْطِرُ لَا سِرًّا، وَلَا جَهْرًا وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إنْ تَيَقَّنَ أَفْطَرَ سِرًّا اهـ.
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي
اللَّيْثِ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ
أَيْ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ، وَلَا
يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ
لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَهُ اهـ.
وَإِلَى رَدِّ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ
بِالرُّؤْيَةِ أَفْطَرَ سِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ
وَالْخَانِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى) أَقُولُ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ
قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا جَزَمَ بِهِ أَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي
أَنْ لَا تُشْتَرَطَ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ
فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ
عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ خَبَرُ عَدْلٌ) حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى
مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُقْبَلُ
خَبَرُ الْعَدْلِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ
شَهِدَ عَبْدٌ عَلَى شَهَادَةِ مِثْلِهِ وَيَلْزَمُ الْعَدْلَ أَنْ
يَشْهَدَ بِالرُّؤْيَةِ لَيْلَتَهُ وَالْفَاسِقُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ
الْقَاضِيَ رُبَّمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ
كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَبُولَ وَلَمْ
يُقَيِّدْهُ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَةِ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَارَ الْفَضْلِيُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا
فَسَّرَهُ وَقَالَ انْقَشَعَ الْغَيْمُ
(1/199)
فَاعِلُ قُبِلَ (وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا
أَوْ أُنْثَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ
بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ
الْفَاسِقِ لَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ (وَشُرِطَ لِلْفِطْرِ) إذَا
كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ (نِصَابُ الشَّهَادَةِ) وَهُوَ رَجُلَانِ أَوْ
رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (وَلَفْظُ أَشْهَدُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ
نَفْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ (لَا
الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّهُ كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا
تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ تَابَ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً
(وَبِلَا عِلَّةٍ) بِالسَّمَاءِ (شُرِطَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّوْمِ
وَالْفِطْرِ (جَمْعٌ عَظِيمٌ) يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَيَحْكُمُ
الْعَقْلُ بِعَدَمِ تَوَاطُئُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ (وَبَعْدَ صَوْمِ
ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ حَلَّ الْفِطْرُ) لِوُجُودِ نِصَابِ
الشَّهَادَةِ (لَا) بِقَوْلِ (عَدْلٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَا
يَثْبُتُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَالْأَضْحَى
كَالْفِطْرِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ.
(اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَأَبْصَرْت الْهِلَالَ يُقْبَلُ أَمَّا بِلَا تَفْسِيرٍ فَلَا تُقْبَلُ
اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُبُوتَ رَمَضَانَ
بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ:
وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ
ثَلَاثِينَ اهـ.
وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ
الْهِلَالُ بِقَوْلِ الْمُوَقِّتِينَ، وَلَا يَجِبُ بِقَوْلِهِمْ
الصِّيَامُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ وَقَوْلُ أُولِي
التَّوْقِيتِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَقِيلَ نَعَمْ، وَالْبَعْضُ إنْ كَانَ
يُكْثِرُ وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ: فَإِذَنْ
اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا النَّادِرَ وَالشَّافِعِيَّ
أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فِي هَذَا
وَلِمُتَأَخِّرِ الشَّافِعِيَّةِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفٌ مَالَ فِيهِ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِ
الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ اهـ.
وَإِنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ
وَقَاضٍ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ وَفِي
الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَيْ
وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا قَالَهُ قَاضِي خَانْ
وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَاعِلُ قُبِلَ) هَذَا عَلَى
وَجْهِ التَّجَوُّزِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَهُوَ خِلَافُ
الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ أَوْ
مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ
عَدْلٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا
شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ
الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ لَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ)
أَقُولُ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرْحِ
الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ إنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ
مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ لَا لِلدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ
كَعِتْقِ الْأَمَةِ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرْحِ
الْمَنْظُومَةِ عَنْ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى
كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ
تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي
عِتْقِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُحَرَّرُ (قَوْلُهُ وَبِلَا عِلَّةٍ شُرِطَ
فِيهِمَا جَمْعٌ عَظِيمٌ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى
رَدِّ مَا فِي الْمُغْنِي مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالسَّمَاءِ
عِلَّةٌ أَوْ لَا وَإِلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ الْبَعْضُ مِنْ تَقْيِيدِ رَدِّ
شَهَادَتِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْخَارِجِ وَالسَّمَاءُ
مُصْحِيَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْبَلْدَةِ، وَإِنْ
اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَإِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكْتَفِي
بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ
حَلَّ الْفِطْرُ) أَيْ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ وَصَحَّحَ هَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ
السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ
وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ السَّيِّدُ الْأَجَلُّ نَاصِرُ الدِّينِ ذَكَرَهُ فِي
التَّجْنِيسِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ يُبْعِدْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ
قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرَ،
وَالتَّحْقِيقُ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي
وَالِاشْتِرَاكُ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ
كَالْوَاحِدِ (قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ) هَذَا فِيمَا رَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَقَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ
قَبِلَهُ لِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ
وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ الشَّاهِدُ
لَوْ تَمَّ الْعَدَدُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَمْ يُرَى الْهِلَالُ
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَيْ مَا رَوَاهُ
الْحَسَنُ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ لِغَيْمٍ أَخَذَ
بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا
إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَأَمَّا إذَا
كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَهُ
ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَضْحَى
كَالْفِطْرِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ قَالَ صَاحِبُ
الْبَحْرِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ
الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ بَقِيَّةِ
الْأَهِلَّةِ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ
رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ
اهـ. يَعْنِي إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةٌ فَبِجَمْعٍ عَظِيمٍ
يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي
مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ
حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا لِلْكُلِّ أَيْ لِلْأَهِلَّةِ
الثَّلَاثَةِ اهـ.
وَكَانَ
(1/200)
يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ
يُعْتَبَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ إذَا رَأَى
الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ
يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ
لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ
اعْتَبَرَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا
تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا
يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ
مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ
الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ
الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا أَقُولُ يُؤَيِّدُهُ مَا
مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ
وَالْوِتْرِ لَا تَجِبُ لِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا.
(بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ)
أَيْ مَا يُوجِبُ الْإِفْسَادَ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
وَنَحْوِهِمَا (وَمُوجَبُهُ) أَيْ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ مِنْ
الْأَحْكَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَوْ الْقَضَاءِ فَقَطْ:
اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ مِنْ الصَّائِمِ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ - مَا
يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لَهُ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَالثَّانِي - مَا
يُفْسِدُهُ، وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَالثَّالِثُ - مَا يُفْسِدُهُ
وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ
وَذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ
نَاسِيًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ احْتَلَمَ أَوْ
أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ احْتَجَمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَنْبَغِي لَهُ إجْرَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِ الْكُلِّ فِي الشُّهُورِ
جَمِيعًا لِصِدْقِهِ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ: أَهْلُ
الْمَحَلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَمَا فِي
الْقَسَامَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى يَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ مِنْ كُلِّ
جَانِبٍ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخِيِ قَلِيلٌ،
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَا وَقَالَ فِي
الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ أَيْ حَدُّ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ
إلَى رَأْي الْإِمَامِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ صِدْقًا
(قَوْلُهُ يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ) اخْتَارَهُ
صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ
مَعْنَاهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَوْهُ أَهْلُ
أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ عِنْدَ مَنْ لَمْ
يَرَهُ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ لَمْ يَرَ
أَهْلَ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ
شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا، وَقَضَى الْقَاضِي
بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا؛
لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ، وَقَدْ شَهِدَا بِهِ أَمَّا لَوْ
شَهِدَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَكُمْ
بِيَوْمٍ، وَهَذَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي تِلْكَ
اللَّيْلَةِ، وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ غَدًا، وَلَا
يُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا
بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا
رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ
مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ
أُخْرَى وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ) هُوَ
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَلَى
الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا عِبْرَةَ
بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا
قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِنَحْوِهِ وَرَدَ
الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ
الْمَاضِيَةِ اهـ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ،
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مَجْرَاهُ أَمَامَ الشَّمْسِ، وَهِيَ
تَتْلُوهُ فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا
فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ: إنْ غَابَ قَبْلَ
الشَّفَقِ فَلِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَهُ فَلِلرَّاهِنَةِ كَمَا
فِي الْبُرْهَانِ
[بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ فِي الِصَوْمِ]
(بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ)
يَجُوزُ كَسْرُ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ لِلْفِطْرِ وَفَتْحُهَا
بِمَعْنَى الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْإِفْسَادِ (قَوْلُهُ إنْ
أَكَلَ) الضَّمِيرُ فِي أَكَلَ لِلصَّائِمِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ وَقَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ
الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ نَاسِيًا) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ الْكَمَالُ إلَّا فِيمَا
إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ صَائِمٌ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ
وَاسْتَمَرَّ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ،
وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ
أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ نَاسٍ اهـ.
قُلْتُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِعَدَمِ
الْفَرْقِ اهـ.
وَإِذَا رَآهُ أَحَدٌ يَأْكُلُ نَاسِيًا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ
إنْ كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ، وَإِنْ
كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ قَالَ
صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ
الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ
فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ:
يُخْبِرُهُ إنْ كَانَ قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا اهـ.
فَلَمْ يَنْظُرْ لِلشَّيْخُوخَةِ بِذَاتِهَا، وَلَا لِلشُّبُوبَةِ، وَكَذَا
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ
الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ
أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) أَقُولُ أَوْ فِكْرٍ، وَإِنْ أَدَامَ
النَّظَرَ وَالْفِكْرَ حَتَّى أَنْزَلَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ
احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسٍ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا
سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ اكْتَحَلَ) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ وَسَوَاءً
وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا، وَلَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَ
الدَّمِ فِيهِ، وَقَدْ بَلَغَ شَيْئًا مِنْ بُزَاقِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ يُفْطِرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُحْمَلَ عَلَى مَا قَالَ
(1/201)
أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (أَوْ
دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَلَوْ) كَانَ
(ذَاكِرًا) لِلصَّوْمِ (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَوْ صَبَّ فِي إحْلِيلِهِ
مَاءً أَوْ دُهْنًا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ) فِي (أُذُنِهِ مَاءً)
احْتَرَزَ عَنْ الدُّهْنِ فَإِنَّ صَبَّهُ فِيهَا يُفْطِرُ نَقَلَهُ
الزَّيْلَعِيُّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ (أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ
فَاسْتَشَمَّهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ، وَلَوْ عَمْدًا) كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ (لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ أَكَلَ. . .
إلَخْ.
وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) وَهُوَ أَنْ
يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَأَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ كَمَا
إذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ (أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَاضِي خَانْ إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، وَالْبُزَاقُ
غَالِبٌ فَابْتَلَعَهُ وَلَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ
وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا
فَسَدَ احْتِيَاطًا اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ) أَيْ، وَلَوْ غُبَارَ
الطَّاحُونِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يُفْطِرُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ
أَثَرُ طَعْمِ الْأَدْوِيَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ
عَنْهَا اهـ. لِدُخُولِهِ مِنْ الْأَنْفِ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ كَمَا فِي
الْفَتْحِ قُلْت فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بُدًّا مِنْ تَعَاطِي
مَا يَدْخُلُ غُبَارُهُ فِي حَلْقِهِ أَفْسَدَ لَوْ فَعَلَ (قَوْلُهُ أَوْ
دُخَانٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ
وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ
الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ
وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ، وَإِنْ
كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ
لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي
فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ اهـ. .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ إذَا دَخَلَ الْحَلْقَ
لَا يُفْسِدُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ دُخُولِهِمَا
مِنْ الْأَنْفِ إذَا طُبِّقَ الْفَمُ اهـ.
قُلْتُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْخَلَ الدُّخَانَ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ
أَيَّ دُخَانٍ كَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ فَآوَاهُ إلَى
نَفْسِهِ وَاشْتَمَّ دُخَانَهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ
أَفْطَرَ، سَوَاءٌ كَانَ عُودًا أَوْ عَنْبَرًا أَوْ غَيْرَهُمَا
لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إدْخَالِ الْمُفْطِرِ جَوْفَهُ، وَهَذَا
مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَلَا يُتَوَهَّمُ
أَنَّهُ كَشَمِّ الْوَرْدِ وَمَائِهِ وَالْمِسْكِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ
بَيْنَ هَوَاءٍ تَطَيَّبَ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَشِبْهِهِ وَبَيْنَ جَوْهَرِ
دُخَانٍ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ صَبَّ فِي
إحْلِيلِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ
وَالْجَوْفِ مَنْفَذُ أَوْ لَا؟ وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى
التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ، وَإِنَّمَا
يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرَشُّحِ كَذَا تَقُولُ الْأَطِبَّاءُ.
اهـ. وَالْإِقْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا أَيْضًا هُوَ عَلَى
هَذَا الِاخْتِلَافِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسِدُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ
بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي أُذُنِهِ مَاءً. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا
قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ
بِنَفْسِهِ فِي أُذُنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِانْعِدَامِ
الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ إصْلَاحُ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ
بِالدِّمَاغِ اهـ.
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ
مُعَلِّلًا بِمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ خَاضَ نَهْرًا فَدَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَهُ لَا
يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ
فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَر
أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي
- رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.
وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ حَكَّ أُذُنَهُ
بِعُودٍ فَأَخْرَجَ الْعُودَ وَعَلَى رَأْسِهِ دَرَنٌ ثُمَّ أَدْخَلَهُ
ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ. . . إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ
مَا لَوْ ظَهَرَ الْمُخَاطُ عَلَى رَأْسِ أَنْفِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ
كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ
الْمَنْظُومَةِ مِنْ عَدَمِ الْفِطْرِ بِبُزَاقٍ امْتَدَّ وَلَمْ
يَنْقَطِعْ مِنْ فَمِهِ إلَى ذَقَنِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ بِجَذْبِهِ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى
أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ، وَلَوْ خَرَجَ
رِيقُهُ مِنْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ
مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ
لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَ أَفْطَرَ
وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ اهـ
لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى لَوْ بَلَعَ بُزَاقَ
صَدِيقِهِ كَفَّرَ اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكَمَالِ عَلَى
غَيْرِ الصَّدِيقِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ أَيْ
الْبُزَاقُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ، وَلَا يُفْطِرُ اهـ.
وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِقَوْلِهِ
الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ الْمُخَاطُ أَنْفَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ
اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي
كَفِّهِ فَيَبْلَعَهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ
فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمَهُ
اهـ.
قُلْتُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ
الظُّهُورِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ
نَزَلَ الْمُخَاطُ إلَى رَأْسِ أَنْفِهِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ثُمَّ
جَذَبَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَفْسُدْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ
الشِّحْنَةِ وَذَكَر فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَسْأَلَةَ الْمُخَاطِ
وَعَقَّبَهَا بِكَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ
بِجَرْيِ النُّخَامَةِ مِنْ فَضَاءِ الْفَمِ فِي جَوْفِهِ، وَإِنْ جَرَتْ
فِيهِ مِنْ مَجْرَاهَا وَقَدَرَ عَلَى مَجِّهَا أَفْطَرَ فِي أَصَحِّ
الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي النُّخَامَةِ
حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَالَ ابْنُ
الشِّحْنَةِ أَحْبَبْت التَّنَبُّهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْغَمِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مَا تَخَلَّصَ
بِالتَّنَحْنُحِ مِنْ حَلْقِهِ إلَى فَمِهِ وَلَعَلَّهُ كَالْمُخَاطِ
فَلْيُنْظَرْ ثُمَّ وَجَدْتهَا بِحَمْدِ اللَّهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة
سُئِلَ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ ابْتَلَعَ الْبَلْغَمَ قَالَ: إنْ كَانَ
أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَا يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مِلْءَ
فِيهِ يَنْتَقِضُ صَوْمُهُ عِنْدَ
(1/202)
مُكْرَهًا) وَفِي لَفْظِ أَفْطَرَ إشَارَةً
إلَى فَسَادِ صَوْمِهِ (أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ فِطْرُهُ
فَأَكَلَ عَمْدًا أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ
فِي أَنْفِهِ فَوَصَلَ إلَى قَصَبَتِهِ (أَوْ أَفْطَرَ فِي أُذُنِهِ) أَيْ
دُهْنًا (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) أَيْ جِرَاحَةً بَلَغَتْ الْجَوْفَ (أَوْ
آمَّةً) هِيَ شَجَّةٌ بَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ (فَوَصَلَ) أَيْ
الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ
لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ صَوْمًا، وَلَا فِطْرًا أَوْ أَصْبَحَ
غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ
ثَلْجٌ أَوْ وَطِئَ) امْرَأَةً (مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً أَوْ فَخِذًا)
أَيْ أَمْنَى فِي الْفَخِذِ (أَوْ بَطْنًا) أَيْ أَمْنَى فِي الْبَطْنِ
(أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَطِئَ إلَى
آخِرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْزِلْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ
الْقَضَاءُ (أَوْ أَفْسَدَ غَيْرَ) صَوْمِ (رَمَضَانَ) يَعْنِي أَدَاءَهُ
حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَهُ أَوْ أَدَاءَ غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ تَجِبْ
الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ إذْ لَا
يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الزَّمَانِ
(أَوْ وُطِئَتْ مَجْنُونَةٌ) بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ
جُنَّتْ فِي النَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ وَإِلَّا
فَكَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَبِي يُوسُفَ،.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُنْتَقَضُ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا. . . إلَخْ) أَقُولُ وَسَوَاءً بَلَغَهُ
الْخَبَرُ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا
عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَالْخَبَرُ
قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ
وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا
أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ
الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا
لَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ
يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِنْ نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ
فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ. اهـ.
وَكَذَا لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْيَوْمِ مُقِيمًا
صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَكِنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَ) بِفَتْحِ التَّاءِ، وَلَا
يُقَالُ بِضَمِّهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ أَيْ صَبَّ
الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ السَّعُوطِ، وَعَلَى مَا
قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي إقْطَارِ الْمَاءِ فِي الْأُذُنِ لَا
يَخْتَصُّ السَّعُوطُ بِالدَّوَاءِ فِي الْحُكْمِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي
الْبُرْهَانِ أَوْ اسْتَعَطَ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ اهـ. .
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى
دِمَاغِهِ أَفْطَرَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ قَاضِي خَانْ: الْحُقْنَةُ تُوجِبُ الْقَضَاءَ،
وَكَذَا السُّعُوطُ وَالْوُجُورُ وَالْقُطُورُ فِي الْأُذُنِ أَمَّا
الْحُقْنَةُ وَالْوُجُورُ؛ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ
صَلَاحُ الْبَدَنِ وَفِي الْقُطُورِ وَالسُّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى
الرَّأْسِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي
السُّعُوطِ وَالْوُجُورِ وَالْحُقْنَةِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ
إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ
الْأَكْلِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ
الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. كَمَا فِي الْكَافِي
أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ
الْإِفْطَارِ صُورَةً وَهُوَ الِابْتِلَاعُ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ
نَفْعُ الْجَسَدِ بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ النَّفْعُ وَبِهِ لَا يَجِبُ
إلَّا الْفِطْرُ دُونَ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ دُهْنًا) تَقَدَّمَ
مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) هِيَ مَا تَكُونُ فِي
اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ وَلَا تَكُونُ فِي الْعُنُقِ وَالْحَلْقِ قَالَهُ
تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ فَوَصَلَ أَيْ الدَّوَاءُ) أَطْلَقَهُ
فَشَمِلَ الْيَابِسَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالرَّطْبِ كَالْقُدُورِيِّ؛
لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا
أَوْ رَطْبًا، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ
الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
أَقُولُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا
يُقَيَّدُ بِالرَّطْبِ؛ لِأَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقًا بَيْنَ
الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ اهـ.
وَيُعَلَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ
الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي
الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ
الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ
وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ
يَصِلْ لَا يَفْسُدُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى
(قَوْلُهُ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذَا كُلُّ
مَا لَا يُتَغَذَّى وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ
وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ
وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ
فُرُوعًا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ) هَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءً أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ
خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَبَتْ
الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ
مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ) وَفَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي
الْكَافِي، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْتَلِعْهُ بِأَنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ
أَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ
كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً) أَقُولُ أَمَّا إذَا
وَطْءُ صَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَمْ يَفُضَّهَا يَنْبَغِي
أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ. اهـ.
وَلَوْ أَدْخَلَ الْأُصْبُعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا
يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ
عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ كَمَا
فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ
فَجَامَعَهَا رَجُلٌ) أَيْ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فُعِلَ،
وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ
فِي الْكَافِي تَأْوِيلُ الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ تُفِيقَ فَلَا يَسْتَوْعِبُ
جُنُونُهَا الشَّهْرَ فَصَارَ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَقَالَ عِيسَى
بْنُ أَبَانَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ
الْمَجْنُونَةُ فَقَالَ: لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ أَيْ الْمُكْرَهَةُ
فَقُلْت: أَلَا تَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ،
وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ
التَّأْوِيلِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ
ضَعِيفٌ اهـ. أَيْ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ وَإِلَّا)
(1/203)
وَهِيَ مَجْنُونَةٌ (أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ
تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ (أَوْ أَفْطَرَ) فِي آخِرِ النَّهَارِ
(يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا) أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ يَظُنُّ
الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فِي الْأَوَّلِ وَالشَّمْسُ لَمْ
تَغْرُبْ فِي الثَّانِي (قَضَى فَقَطْ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ
أَفْطَرَ خَطَأً إلَى آخِرِهِ (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ مَنْ تَسَحَّرَ
وَمَنْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا (يُمْسِكَانِ بَقِيَّةَ
يَوْمِهِمَا كَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ
وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمَرِيضٍ صَحَّ وَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ
وَكُلُّهُمْ يَقْضُونَ إلَّا الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي صَبِيًّا وَكَافِرًا
أَسْلَمَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِهَذَا لَمْ يَسْتَقِمْ ظَاهِرُهُ؛
لِأَنَّهَا كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً، وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَيْ قَبْلَ
الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ
الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي
النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ
جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي
نَوَتْهُ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَوَى (قَوْلُهُ أَوْ
تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ
فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ
السُّحُورَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي إلَى الْفَجْرِ وَقَالَ؛
لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ
اهـ. ثُمَّ السُّحُورُ مُسْتَحَبُّ لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبُو
دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ:
الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ
أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَا مُنَافَاةَ
فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ،
وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي
أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ
جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي
الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمُ الْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ
بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ
الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا
بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ إلَى مَا لَمْ
يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ
وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ» (قَوْلُهُ يَظُنُّ الْيَوْمَ
لَيْلًا) الظَّنُّ قَيْدٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ
الشَّكُّ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَيْدًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ الشَّكُّ
كَافٍ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ
أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ الْفِطْرَ وَالسُّحُورَ يَظُنُّ
الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ قَضَى فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ
كَفَّارَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ الْقَوْلِ لِيَتَّضِحَ أَمَّا فِي
السُّحُورِ فَحَلَّ الْقَضَاءُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا
طَلَعَ الْفَجْرُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ
شَيْءٌ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ
فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا
لَمْ يَتَبَيَّنْ الطُّلُوعَ وَقْتَ أَكْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ
بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ
مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْفَجْرَ،
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ
يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ: يَقْضِيهِ
احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَالَهُ
الزَّيْلَعِيُّ وَمَا نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ جَزَمَ بِهِ فِي
الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَكَلَ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ
أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ
الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا
قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا
تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ اهـ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةِ قِيلَ:
وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ
الْأَتْقَانِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ نَقَلَ تَصْحِيحَهَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ عَنْ
الْإِيضَاحِ، وَتَحْقِيقُ الدَّلِيلِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا
شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا
بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ
وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا
إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ
الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا -
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ
فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ
أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ
وَالْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
أَكَلَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدْ
تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: فَسَادَ الصَّوْمِ
وَالْكَفَّارَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمَ
الْإِثْمِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ
لُزُومًا وَعَدَمًا لِتَكْمُلَ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ كَمُسَافِرٍ) أَيْ
فِي رَمَضَانَ أَقَامَ أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَمَا
أَكَلَ أَمَّا لَوْ قَدِمَ قَبْلَهُمَا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ
أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ،
وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ فَنَوَتْ لَمْ تَكُنْ
صَائِمَةً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي أَوَّلَ
الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَذَا فِي الْجَوْهَرِيِّ، وَلَا يَخْفَى
أَنَّ النُّفَسَاءَ مِثْلُ الْحَائِضِ (قَوْلُهُ وَمَجْنُونٌ أَفَاقَ)
يَعْنِي بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ
رَمَضَانَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ تَعَاطَى
مُفْطِرًا فَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ يَكُونُ
بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَكَانَ وُجُودُ
النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي
قَاضِي خَانْ وَالْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ بَلَغَ) أَقُولُ، وَلَوْ
نَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ كَانَ نَفْلًا لَا فَرْضًا وَفُرِّقَ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ بِمَا
قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ
وَكَافِرٌ أَسْلَمَ) أَقُولُ، وَهُوَ كَالصَّبِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ،
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالصِّبَا قَبْلَ
الزَّوَالِ لَزِمَ الْقَضَاءُ وَلِإِدْرَاكِ وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقْتَ النِّيَّةِ وَنَوَى
النَّفَلَ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ
الْقَضَاءُ
(1/204)
حَالَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَوْ كَانَ
عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ
الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ
كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ الْأَخِيرَانِ،
وَإِنْ أَفْطَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ هُوَ الْجُزْءُ
الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا هُوَ الْجُزْءُ
الْمُقَارَنُ بِالْأَدَاءِ أَوْ جُزْءٌ يَسَعُ مَا بَعْدَهُ الطَّهَارَةَ
وَالتَّحْرِيمَةَ.
وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جَامَعَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ)
احْتِرَازٌ عَنْ قَضَائِهِ (أَوْ جُومِعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ
أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ
التُّرَابِ وَالْحَجَرِ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ
جَامَعَ إلَى هُنَا (أَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ
عَمْدًا قَضَى وَكَفَّرَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ جَامَعَ. . . إلَخْ،
وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الِاحْتِجَامِ؛ لِأَنَّ
فَسَادَ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ: الزَّوَالُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ
أَوَّلِ النَّهَارِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَكَذَا فِي حُكْمِ
الْأَهْلِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ)
هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ
التَّشَبُّهُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ
وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ التَّشَبُّهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ
عَمْدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
رَمَضَانُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ) أَيْ عَمْدًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنْ بَدَأَ
بِهِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ،
وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ
قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ
نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ
بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ،
وَلَوْ جَامَعَ عَمْدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي
الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ
ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يَفْسُدُ كَالِاحْتِلَامِ اهـ.
وَمَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِيمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ
لَيْلًا وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ
لِلْفِطْرِ فَإِذَا نَوَاهُ نَهَارًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُبْتَغَى
وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَوْ
أَكْرَهَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ
نَفِسَتْ، وَقَدْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ سَقَطَتْ
الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا تَسْقُطُ
لَوْ مَرِضَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ
حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ
فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ
كَرْهًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَأَسْقَطَهَا زُفَرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ
فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ جَامَعَ وَجُومِعَ وَلُزُومُ
الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي
الْكَافِي وَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا
كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ
قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ غِذَاءً) أَيْ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى
التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ
وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ
نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ
لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ
الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى
هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ
فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا
نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيُنْقِصُ عَقْلَهُ،
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ
وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي
شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا مَضَغَ لُقْمَةً بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ
فَابْتَلَعَهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا
مِنْ فِيهِ بَعْدَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَلَا
كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو
اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا، وَإِذَا
أَخْرَجَهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُعَافُ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ بُزَاقِ الصَّدِيقِ لَا تَتَمَشَّى عَلَى تَفْسِيرِ
التَّغَذِّي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ
التُّرَابِ وَالْحَجَرِ) أَقُولُ وَذَلِكَ كَالسَّفَرْجَلِ الَّذِي لَمْ
يُدْرِكْ وَهُوَ غَيْرُ مَطْبُوخٍ وَالْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ وَالطِّينُ
الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَادُ أَكْلُ هَذَا
الطِّينِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي
خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَفْهُومِ
وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدْ أَكْلُهُ لَا كَفَّارَةَ بِهِ وَفِي
الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَفِي
الْمِلْحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ
الْمِلْحِ الْقَلِيلِ لَا الْكَثِيرِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا
تَنَاوَلَ الْكَثِيرَ دُفْعَةً فَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَهُ قَلِيلًا
قَلِيلًا رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ
إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى انْتِهَاءِ الْفِعْلِ
فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ
أَوْ احْتَجَمَ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ مَا
اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا
كَانَ أَيْ سَوَاءً بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ
تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتَ؛
لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ، وَهُوَ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ
الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ
الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ
أَخَذَ
(1/205)
يُوجَدْ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ
بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ
الْفَتْوَى شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فِي نَفْسِهَا،
وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَاعْتَمَدَ عَلَى
ظَاهِرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ
الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ أَدْنَى
دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَهُوَ إذَا صَلَحَ عُذْرًا فَقَوْلُ
الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَأَمَّا
الْحَدِيثُ فَقَدْ أَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ آخَرَ فَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَيْ ذَهَبَ ثَوَابُ صَوْمِهِمَا
بِالْغِيبَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- سَوَّى بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا
يَفْسُدُ صَوْمُ الْحَاجِمِ (كَالْمُظَاهِرِ) وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ
رَقَبَةٍ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
(ذَرَعَهُ) أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ (قَيْءٌ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ
مَرَّةً وَخَرَجَ لَمْ يُفْطِرْ مُلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ
مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ (فَإِنْ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمِ (وَعَادَ
وَهُوَ ذَاكِرٌ) أَنَّهُ صَائِمٌ (لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ
قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إذْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ
الْإِفْطَارِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ، وَلَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى
بِهِ عَادَةً (أَوْ أَعَادَ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِوُجُودِ
الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْإِفْطَارِ
(وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ فَاهُ لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِنْ
أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَ الْقَلِيلَ فَسَدَ
صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ (اسْتَقَاءَ مِلْءَ الْفَمِ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِمَا
رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ؛
لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ
أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى
عَلَى قَوْلِهِ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ (وَلَا) يُفْطِرُ (فِي
الصَّحِيحِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَيَتَأَتَّى
التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِذَا قَالَ (فَإِنْ عَادَ) الْقَيْءُ
بِفِيهِ (لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ أَعَادَ فَفِيهِ
رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَفِي
أُخْرَى يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ (وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَلَا
يُفْطِرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يُفْطِرُ إذَا كَانَ مِلَاءَ الْفَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ مِثْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ
كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ
امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ
أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا
تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ، وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ
عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ
بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ
احْتَلَمَ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ
عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَكْلَ
نَاسِيًا لَا يُفَطِّرُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ أَنَّ
عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ بَلَغَهُ
الْخَبَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ)
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِهِ فَقِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ
وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ
كَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ
سَمِعَ الْحَدِيثَ وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ) يَعْنِي وَهُوَ غَيْرُ
عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ. . . إلَخْ قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ
بِالْفُقَهَاءِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ ثُمَّ أَكَلَ تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ) أَقُولُ وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ
يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ
ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ مِلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا لَكِنَّهُ
أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ
فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ أَعَادَ مَا ذَرَعَهُ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ
لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ لَكَانَ أَوْلَى اهـ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ عَادَ الْقَلِيلُ بِلَا صُنْعِهِ، وَلَا يُفْطِرُ
بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَقَاءَ
عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مَلْءُ الْفَمِ وَدُونَهُ) أَقُولُ
هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ
تَصْحِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ
الْفَمِ إنَّمَا تَصْحِيحُ بَعْضِهِمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ
أَقَلّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ) أَيْ إذَا اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ
فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ
الظَّاهِرُ.
وَفِي الْكَافِي هُوَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُفْطِرُ
فِي الصَّحِيحِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ
الْكَمَالُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ
ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ
قَوْلُهُ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ
وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ
الْإِطْلَاقُ فِيهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ عَادَ) أَيْ مَا اسْتَقَاءَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ
فَمِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
(1/206)
بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي
انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ.
(أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ قَضَى) ، وَلَا
كَفَّارَةَ (وَفِي الْأَقَلِّ لَا إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ، أَكَلَ
مِثْلَ سِمْسِمَةٍ يُفْطِرُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ) بِحَيْثُ تَلَاشَتْ.
(كُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا كَرَاهَةُ
الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ
أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ
بِذَوْقِهَا بِلِسَانِهَا، قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي
التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَضْغِ فَلِمَا فِيهِ
أَيْضًا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ
لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِمَّنْ
لَا يَصُومُ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ
بِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْضُوغُ (عِلْكًا) فَإِنَّ فِيهِ
أَيْضًا تَعْرِيضًا لَهُ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ فَإِنَّ
مَنْ رَآهُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) كَذَا
قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي
يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ
أَيْ فَقَوْلُهُمَا هُنَاكَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ
بِمَا يَدْخُلُ وَبِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَتِهِ
وَنَجَاسَتِهِ فَلَا فَرْقَ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ.
قُلْتُ وَالْخِلَافُ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالْبَلْغَمِ فِيمَا إذَا
صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ لَا فِي النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ هُنَا
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ) كَذَا
فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةُ الْفَاصِلُ مِقْدَارُ
الْحِمَّصَةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ الْفَاصِلُ بَيْنَ
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ
مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ
مَعْفُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مَعْفُوًّا فِي
غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَأَمَّا
هَاهُنَا فَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَا يَبْقَى فِي فُرَجِ الْأَسْنَانِ
غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالرِّيقِ فَصَارَ كَثِيرًا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْفَاصِلُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ
بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ
مَا ذَكَرُوهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّقْدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ
أَمْكَنَهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ
الْكَثِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ
عَلَامَةُ الْقَلِيلِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ حَسَنٌ وَذَكَرَ
وَجْهَهُ (قَوْلُهُ قَضَى، وَلَا كَفَّارَةَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛
لِأَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ
يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ
قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا
بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ،
وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ
فَيُنْظَرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ
ذَلِكَ أُخِذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ
لِذَلِكَ عِنْدَهُ أُخِذَ بِقَوْلِ زُفَرَ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ
الْكَمَالِ عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِبَلْعِ بُزَاقِ غَيْرِهِ مِنْ
غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَشَمِلَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ
رَمَزَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْتَلَعَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ لَا
كَفَّارَةَ ثُمَّ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ وَقَالَ كَفَّرَ اهـ.
وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِبُزَاقِ الْحَبِيبِ قَوْلُ الْإِمَامِ
الْحَلْوَانِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ
شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ
لَا) أَيْ لَا قَضَاءَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ فَيَقْضِي بِلَا
كَفَّارَةٍ، وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ بِإِعَادَةِ الْكَثِيرِ الَّذِي
أَخْرَجَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَكَلَ
مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ
يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَبِالْأَكْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ
مِنْ الْقَضْمِ وَالْهَشِمِ لِيَشْمَلَ الِابْتِلَاعَ إلَّا أَنَّهُ إذَا
ابْتَلَعَ السِّمْسِمَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ خَارِجٍ فَالْمُخْتَارُ
وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ
بِنَحْوِهَا مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ
أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ وَمَضَغَهُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ
فَكَذَلِكَ أَيْ فَطَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ اهـ.
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ:
وَتَجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ
مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي. اهـ.؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِعَدَمِ
الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِطْرُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا
مَضَغَهُ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ) أَقُولُ أَيْ فَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ إشَارَةٌ
إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهَا طَعْمًا فِي حَلْقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
الْكَافِي فَقَالَ، وَإِنْ مَضَغَهَا أَيْ السِّمْسِمَةَ لَا يَفْسُدُ
إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ جِدًّا فَلْيَكُنْ
الْأَصْلَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) كَذَا
الْأَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.
وَهَلْ الْأَجِيرُ كَذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ
بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضَغُ. . . إلَخْ) بَيَانٌ
لِلْعُذْرِ فَلَيْسَ غَيْرُهُ عُذْرًا وَلَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ:
يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَذُوقَ الْعَسَلَ أَوْ الدُّهْنَ يَعْرِفُ
الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا يُغْبَنَ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَمْضُوغُ عِلْكًا) الْعِلْكُ هُوَ
الْمُصْطَكَا: وَقِيلَ: اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ كَذَا
فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا) هَذَا وَقَالَ فِي
الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ أَيْ لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّ
مَضْغَهُ يَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُ،
وَإِذَا لَمْ يَأْنِ وَقْتُ الِاشْتِهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ
بِمَا لَا يُفِيدُ اهـ.
وَأَمَّا مَضْغُهُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا
يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ
السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ: إذَا
لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ
التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ قَالَ الْكَمَالُ: أَيْ وَلَا يُكْرَهُ فَهُوَ
مُبَاحٌ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ
سِوَاكُهُنَّ ثُمَّ قَالَ
(1/207)
بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا قِيلَ: هَذَا
إذَا كَانَ مَمْضُوغًا إذْ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ مَمْضُوغٍ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ
إلَى جَوْفِهِ.
. (وَ) كُرِهَ (الْقُبْلَةُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ
وَالسِّوَاكُ، وَلَوْ) كَانَ السِّوَاكُ (عَشِيًّا) ، وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ عَشِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ خُلُوفَ الْفَمِ.
(فَصْلٌ) (حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدهَا
وَمَرِيضٌ خَافَ الزِّيَادَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ اهـ. .
وَفِي الْمِعْرَاجِ كُرِهَ لِلرِّجَالِ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ بِعُذْرٍ
كَذَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ وَمَضْغُهُ يُورِثُ
هُزَالَ الْجَنِينِ. اهـ.
(قَوْلُهُ قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا) جَزَمَ بِهِ فِي
الْجَوْهَرَةِ فَقَالَ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا
يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ،
وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ اهـ.
وَفِي الْكَافِي قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْعِلْكُ مُلْتَئِمًا ثُمَّ
قَالَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ؛
لِأَنَّهُ مِمَّا يَذُوبُ بِالْمَضْغِ بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا يَصِلُ رَائِحَةً اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا فُرِضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ
الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ
كَالْمُتَيَقَّنِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْقُبْلَةُ. . . إلَخْ) كَذَا الْمُبَاشَرَةُ
الْفَاحِشَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ) الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ
الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ،
وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الدُّهْنِ، وَكَذَا الْكُحْلُ حُكْمًا
وَضَبْطًا وَيُسَنُّ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ
الزِّينَةَ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ
اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَمَا
فِي الْبُرْهَانِ وَالْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ
وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ
اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ
اللِّحْيَةِ، وَهِيَ دُونَ الْقُبْضَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ
الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ وَأَخْذُ
كُلِّهَا فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ وَالْيَهُودِ وَالْهُنُودِ وَبَعْضِ
أَجْنَاسِ الْإِفْرِنْجِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالسِّوَاكُ
سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ بِالْمَاءِ) وَكَذَا لَا
تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا التَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ الْمُبْتَلِّ وَلَا
الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالِاغْتِسَالُ
لِلتَّبَرُّدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ
[فَصْلٌ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدهَا مِنْ
الصَّوْم]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ حَامِلٌ) هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا
حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ وَلَدٌ وَالْحَامِلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَى
ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ ذَكَرَهُ تَاجُ
الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُرْضِعٌ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُرْضِعَةُ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا
أُرِيدَ الْحُدُوثُ بِأَنْ يُقَالَ مُرْضِعَةٌ الْآنَ (قَوْلُهُ خَافَتْ)
الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ
طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَقِيلَ عَدَالَتُهُ
شَرْطٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ:
وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
أَفْطَرَ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ الْخَوْفِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْهَلَاكِ لِمَا
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ
وَلَدِهَا نُقْصَانَ الْعَقْلِ أَوْ الْهَلَاكَ أَفْطَرَتْ (قَوْلُهُ أَوْ
وَلَدِهَا) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا لِإِطْلَاقِ قَوْلُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ
الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى
وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَمَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ فَمَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ
الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ
الزَّوْجُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى اسْتِئْجَارِ ظِئْرٍ فَالْأُمُّ
كَالظِّئْرِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِالْخَوْفِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي
الْبُرْهَانِ وَلِحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى النَّفْسِ أَوْ
الْوَلَدِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ
خَوْفَهَا عَلَى وَلَدِهَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَيُّنِهَا
لِلْإِرْضَاعِ لِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى
اسْتِئْجَارِهَا أَوْ لِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِهَا فَسَقَطَ
مَا قِيلَ: حِلُّ الْإِفْطَارِ يَخْتَصُّ بِمُرْضِعَةٍ آجَرَتْ نَفْسَهَا
لِلْإِرْضَاعِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْوَالِدَةِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا
إرْضَاعٌ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الظِّئْرُ الْمُسْتَأْجَرَةُ
كَالْأُمِّ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ وَمَرِيضٌ خَافَ
الزِّيَادَةَ) وَكَذَا لَوْ خَافَ بُطْءَ الْبُرْءِ كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُرُّ مَرِيضًا لَكِنَّهُ أَجْهَدَ
نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ حَتَّى مَرِضَ فَأَفْطَرَ قِيلَ: تَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ
وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى الْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ الَّذِي يُخَافُ
مِنْهُ الْهَلَاكُ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِتْعَابِ
نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ أَوْ
عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ وَقِيلَ لَا اهـ. .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ رَضِيعٌ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِ
الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الطَّبِيبُ أَنَّ أُمَّهُ تَشْرَبُ ذَلِكَ لَهَا
الْفِطْرُ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي يُخْشَى أَنْ يَمْرَضَ
بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا
خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ اهـ.
وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الِائْتِمَارِ بِأَمْرٍ الْمَوْلَى إذَا
كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ وَالْعَبْدُ كَالْأَمَةِ كَذَا
فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ
بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ
الْمُبِيحَ هُوَ الْمَرَضُ لَا الضَّعْفُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ مِنْ
الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ اهـ.
فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلزَّيْلَعِيِّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخَوْفِ فِي
كَلَامِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ وَفِي كَلَامِ
الزَّيْلَعِيِّ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ
رَأَيْت صَاحِبَ الْبَحْرِ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْته، وَكَذَا
يُفْطِرُ مَنْ ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي
الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ
وَنُقْصَانَ الْعَقْلِ، وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمِ نَوْبَةِ الْحُمَّى
أَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَادَةِ حَيْضِهَا
(1/208)
وَالْمُسَافِرُ أَفْطَرُوا) هَذَا خَبَرٌ
لِقَوْلِهِ حَامِلٌ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِفْطَارُ لِوُجُودِ
الْعُذْرِ (وَقَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَيْ لَزِمَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ صَوْمِ
أَيَّامٍ مَضَتْ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكُوا مِنْ أَيَّامِ زَوَالِ الْعُذْرِ،
وَفَائِدَةُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ
عِنْدَ فَقْدِ الْقَضَاءِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ
بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ) ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْفِدْيَةُ
نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ (وَنُدِبَ
صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا
خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَمَحْمُولٌ
عَلَى حَالَةِ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ
الْعُذْرِ (فَلَا فِدْيَةَ) أَيْ لَا يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ
(وَلَوْ) مَاتُوا (بَعْدَ زَوَالِهِ) أَيْ الْعُذْرِ (فَدَى عَنْهُ) أَيْ
عَنْ الْمَيِّتِ (وَلِيُّهُ بِقَدْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) الْمَيِّتُ
(وَفَاتَ عَنْهُ) فَإِنَّ الْفَائِتَ إذَا كَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ
أَقَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ
صَحِيحًا فِي أَيَّامِ الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ تِلْكَ
الْأَيَّامِ دُونَ مَا سِوَاهَا (إنْ أَوْصَى) الْمَيِّتُ مُتَعَلِّقٌ
بِقَوْلِهِ فَدَى عَنْهُ (فَيَكُونُ) أَيْ مَا فَدَاهُ الْوَلِيُّ (مِنْ
الثُّلُثِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ) أَيْ بِمَا فَدَاهُ (جَازَ،
وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ لَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي
أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
(كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) يَعْنِي
إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
وَالْقَتْلِ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ
مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
(يَقْضِي رَمَضَانَ، وَلَوْ بِفَصْلٍ) يَعْنِي يَجُوزُ فِيهِ الْفَصْلُ
وَالْوَصْلُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْوَصْلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ
الْوَاجِبِ (وَإِنْ جَاءَ) رَمَضَانُ (آخَرُ صَامَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ
(ثُمَّ قَضَى الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (بِلَا فِدْيَةٍ)
؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ
يَتَطَوَّعَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ الْفِدْيَةُ (وَفِدْيَةُ كُلِّ
صَلَاةٍ حَتَّى الْوِتْرُ كَصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ
فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفِدْيَةِ صَوْمِ يَوْمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَلَمْ يُحَمَّ وَلَمْ تَحِضْ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا
وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ
يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ حَالَ الْقِتَالِ حَلَّ لَهُ
الْفِطْرُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَكَذَا لَوْ لَسَعَتْهُ
حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ لِشُرْبِ الدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ) عَرَّفَهُ وَنَكَّرَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا
قَبْلَهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا إذَا اتَّصَفَ بِمَا وَصَفَهُ
بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذْ لَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّ إفْطَارِهِ إلَى
زِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى السَّفَرِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِطْرِ
لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ أَمَّا لَوْ
سَافَرَ فِي يَوْمٍ أَنْشَأَ فِيهِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ
الْفِطْرُ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا
لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَتَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ
فَدَخَلَ مِصْرَهُ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ كَمَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ
قَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ: بِوُجُوبِ
قَضَاءِ جَمِيعِ الشَّهْرِ بِصِحَّةِ يَوْمٍ أَوْ إقَامَتِهِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ
الْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقِيٌّ. وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ
فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ
جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ
شَهْرًا فَمَاتَ،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ
كَرَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ،
وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ
بِقَدْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى
الْفَوْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى
الْقَضَاءِ، وَلَا إثْمَ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ فِي
آخِرِ عُمُرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ عَلَى
الْفَوْرِ، وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا لِعُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي
الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا
يَضُرُّهُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ
أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ
كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ
لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ.
(قَوْلُهُ فَدَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ
فِي مَالِهِ فَشَمِلَ الْوَصِيَّ (قَوْلُهُ إنْ أَوْصَى) أَقُولُ
وَيُجْزِئُهُ فِي إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ جَزْمًا كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ جَازَ) هَذَا قَوْلُ
مُحَمَّدٍ قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ عَنْهُ يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا
بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ
مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا، وَكَذَا
كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ
كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) أَقُولُ لَا يَصِحُّ
تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءً عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يَصِحُّ
إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ (كَمَا ذَكَرَهُ) وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ
عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ
(قَوْلُهُ حَتَّى إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ) أَقُولُ: كَفَّارَةُ الْقَتْلِ
لَيْسَ فِيهَا إطْعَامٌ، وَلَا كِسْوَةٌ فَجَعْلُهَا مُشَارِكَةً
لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا سَهْوٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ. . . إلَخْ) هَذَا اخْتِيَارُ
الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ حَتَّى الْوِتْرُ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ
الْوَصِيَّةُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ نَقَلَ فِيهَا عَنْ
الْفَتَاوَى أَنَّ إعْطَاءَ فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ جُمْلَةً جَائِزٌ
بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ.
وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا
بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ
رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى
بُرْؤُهُ جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ
(1/209)
(وَالشَّيْخُ الْفَانِي) الَّذِي لَا
يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ (أَفْطَرَ وَفَدَى) أَيْ أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ
مِسْكَيْنَا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ (وَقَضَى إنْ قَدَرَ) عَلَى
الصَّوْمِ إذْ يَبْطُلُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ (يَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ
قَصْدًا) قَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ (أَدَاءً
وَقَضَاءً) أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ
الْقَضَاءُ (إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ
فِيهَا غَيْرُ مُلْزِمٍ وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ: عِيدُ الْفِطْرِ
وَالْأَضْحَى مَعَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْأَضْحَى
(وَلَا يُفْطِرُ) الشَّارِعُ فِي النَّفْلِ (بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) ؛
لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّ
الْقَضَاءَ خَلَفُهُ فَلَا إبْطَالَ (وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى
الْأَظْهَرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِعُذْرٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْمُضِيفَ وَالضَّيْفَ.
(نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ وَأَقَامَ فَنَوَى الصَّوْمَ فِي
وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا
قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَعَمُّ مِنْ الْفَرْضِ
وَالنَّفَلِ وَلِهَذَا قَالَ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي
الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ.
(وَ) إذَا كَانَ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ يَجِبُ الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّ
السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ (كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ
إتْمَامُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (سَافَرَ فِيهِ) أَيْ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي إقَامَةِ
الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ (بِالْإِفْطَارِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ
وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ
بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّبْهَةِ
(يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ) كَانَتْ (كُلَّ الشَّهْرِ) ؛
لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقَوِيَّ، وَلَا يُزِيلُ الْعَقْلَ
فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلَا الْأَدَاءَ (إلَّا يَوْمًا حَدَثَ
الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ
لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ
حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ
مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ
لَهُ الْفِطْرُ وَيُطْعِمُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى
قَضَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ
يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيَسْتَقِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ
الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ
يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ
حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي
الْعِنَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا
يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ
فَانِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ
عَنْ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي. . . إلَخْ) هَذَا، وَلَوْ كَانَ
الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ قِيلَ:
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ
يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) كَذَا
فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي
وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ
عَرَضَ الْحَيْضُ لِلْمُتَطَوِّعَةِ بِالصَّوْمِ اهـ.
وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ
(قَوْلُهُ وَفِي رَاوِيَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهِيَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ
الْكَمَالُ وَرِوَايَةُ الْمُبْتَغَى يُبَاحُ أَيْ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ
ثُمَّ قَالَ: وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُبْتَغَى أَوْجَهُ أَيْ
مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ،
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا دَعَاهُ وَاحِدٌ مِنْ إخْوَانِهِ إلَى الطَّعَامِ
يُفْطِرُ وَيَقْضِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفِ يَوْمٍ
وَمَتَى قَضَى يَوْمًا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفَيْ يَوْمٍ» اهـ.
(قَوْلُهُ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ كَذَا قِيلَ
مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ
إلَّا إذْ كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ
الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ
بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا
يُحَنِّثُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي
الْفَتْحِ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ رَضِيَ بِمُجَرَّدِ
حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ
يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ اهـ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى، وَهَذَا أَيْ
التَّفْصِيلُ فِي صَاحِبِ الطَّعَامِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ
(قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِعُذْرٍ) الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلضِّيَافَةِ
(قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الضَّيْفَ وَالْمُضِيفَ) كَذَا
قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِمَا إذَا
تَأَذَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا
(قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ
وَسَفَرِ الْمُقِيمِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ
وَالْكَافِي، وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ
صَرِيحٍ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي
الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
(قَوْلُهُ يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ)
هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ
شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا إذَا اسْتَوْعَبَهُ فَلَا
يَقْضِي كَمَا فِي الْجُنُونِ (قَوْلُهُ إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ
فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ
نَوَى أَوَّلًا أَمَّا إذَا عُلِمَ حَالُهُ فَظَاهِرٌ كَمَا فِي النَّهْرِ
عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى
الصَّلَاحِ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ
بِالتَّبْيِيتِ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا
يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي شَعْبَانَ) صَوَابُهُ فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ
مَنْصُوصٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ
مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَإِنَّهُ يَقْضِي جَمِيعَ أَيَّامِ إغْمَائِهِ
(1/210)
قَضَى رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعَدَمِ
النِّيَّةِ وَوُجُودِ السَّبَبِ.
. (وَ) يَقْضِي (أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ) ؛
لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّهْرُ قَدْ وُجِدَ وَأَهْلِيَّةُ نَفْسِ
الْوُجُوبِ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ بِلَا مَانِعٍ وَإِذَا
تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِلَا مَانِعٍ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ (، وَلَا)
يَقْضِي (كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ) أَيْ بِالْجُنُونِ؛
لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ كَثِيرًا
(مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ.
(نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) ؛
لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ
تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ.
(وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَهَا) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ
الْمُجَاوِرَةِ (وَقَضَاهَا) إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ (وَإِنْ صَامَهَا
أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا
الْتَزَمَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ
صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا (أَوْ نَوَى النَّذْرَ
فَقَطْ) دُونَ الْيَمِينِ (أَوْ النُّذُورَ) نَوَى (أَنْ لَا يَكُونَ
يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ، وَقَدْ
قَرَّرَ بِعَزِيمَتِهِ (وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ
نَذْرًا كَانَ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ،
وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ
أَفْطَرَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْيَمِينِ (وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ
الْيَمِينَ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا) حَتَّى
لَوْ أَفْطَرَ يَجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَيَقْضِي أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا) خَاصٌّ
بِالْعَارِضِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ فِي
الْوَقْتِ) قَيَّدَ بِهِ لُزُومَ قَضَاءِ أَيَّامِ الْجُنُونِ فَلَا
يَلْزَمُ الْقَضَاءُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ
يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْقَوْلَةِ
الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ)
أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَنْ
جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ
اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ
جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ
كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ.
وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ
ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ
أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛
لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي
لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ
الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ
مِنْ قَوْلِهِ كُلُّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ
حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ
رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ
كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَكَذَا فِي
الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ
وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ قَضَاءَ كُلِّ الشَّهْرِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْعَبِ
فِيهِمَا أَيْ الْعَارِضِ وَالْأَصْلِيِّ قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَخَصَّ
الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَعَلَهُ
فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا.
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ
وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَحْفُوظُ
عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الْقَضَاءِ يَعْنِي لِمَا مَضَى فِي الْأَصْلِيِّ،
وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ
عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ
الْمَاضِي مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ
وَالْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ
الْأَصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) هَذَا عَلَى
الْمُخْتَارِ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا
فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) أَقُولُ إنْ كَانَ
الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْحَاضِرَةَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ السَّنَةُ
فَيَخْرُجُ مَا لَوْ نَكَّرَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لِمَا
سَنَذْكُرُهُ فَإِذَا عَرَّفَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ
السَّنَةَ لَزِمَهُ سَوَاءً أَرَادَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: صَوْمَ
يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ أَوْ أَرَادَ كَلَامًا غَيْرَهُ
فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ
كَالْجِدِّ وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةِ وَيَقْضِيهَا، وَلَوْ
كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ
حَيْضِهَا، وَهَذَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ
فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ
وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ
ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
مِنْ تَسْهِيَةِ الْغَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدَّهُ الْكَمَالُ
وَأَمَّا إذَا نَكَّرَ السَّنَةَ وَذَكَرَ التَّتَابُعَ فَهِيَ
كَالْمُعَرَّفَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِئُهُ
صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛
لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ
مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ
الْمَنْهِيَّةُ، وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ
السَّنَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا
نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلَةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا
يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَقْضِي قَدْرَهُ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ
عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فِي
الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ
أَفْطَرَهَا) أَيْ وَجَبَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ (قَوْلُهُ:
وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ) أَيْ مَعَ ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ
الْحَاصِلَةِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ
كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرَ بَلْ
الْقَضَاءُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُمَا) كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا
هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا (قَوْلُهُ أَوْ
الْيَمِينُ بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
(1/211)
الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ
بِصِيغَتِهِ وَيَمِينٌ بِمُوجِبِهِ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ مَشْهُورٌ
مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هَاهُنَا.
(نُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتَّةِ فِي شَوَّالٍ) يَعْنِي أَنَّ صَوْمَ
الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ الْإِفْطَارِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ
كَرِهَهُ وَهُوَ مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ، وَإِنْ
فَرَّقَهَا فِي شَوَّالٍ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ
بِالنَّصَارَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
(نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا
يَسْتَقْبِلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ (لَا فِي مُعَيَّنٍ) أَيْ
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ
وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي
الْكَافِي
(لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ
وَفَقِيرٍ) أَمَّا الزَّمَانُ فَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أَصُومَ رَجَبًا أَوْ أَعْتَكِفَ رَجَبًا فَصَامَ أَوْ اعْتَكَفَ شَهْرًا
قَبْلَهُ أَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ عَنْ
النَّذْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ جَازَ
عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ
أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَكَّةَ
فَفَعَلَ فِي غَيْرِهَا جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا
الدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ
بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ
أَوْ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (بِخِلَافِ)
النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ جَاءَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ
عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ أَوْ أَعْتَكِفَ
فَفَعَلَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي
الْحَالِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ
التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ
الْقُرْبَةُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ
كَوْنَهُ سَبَبًا فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ.
(نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ) رَجَبٌ (وَهُوَ مَرِيضٌ لَا
يَسْتَطِيعُهُ) أَيْ الصَّوْمَ (إلَّا بِضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى
كَرَمَضَانَ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ بِفَصْلٍ. |