قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

بَاب المخارج
الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ فِيمَا مَرَّ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْرَجَ بَابَ التَّصْحِيحِ وَبَابَ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُنَاسَخَةِ كَمَا فَعَلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، وَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ وَهُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كُلُّ فَرْضٍ بانفراد صَحِيحًا، فَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ عِنْدَ الْحُسَّابِ لَا النُّحَاة.

قَوْله: (الْفُرُوضُ إلَخْ) أَيْ السِّتَّةُ الْآتِيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ خَمْسِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

قَوْلُهُ: (نَوْعَانِ) السَّبَب فِي أَنهم جعلُوا الْفَرْض السِّتَّة نَوْعَيْنِ أَن أقلهَا مِقْدَارًا وَهُوَ الثُّمُنُ الَّذِي مَخْرَجُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالرُّبُعُ وَالنِّصْفُ يَخْرُجَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِلَا كَسْرٍ فَجَعَلُوا الثَّلَاثَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَأَقَلُّ فَرْضٍ بَعْدَهُ السُّدُسُ الَّذِي مَخْرَجُهُ السِّتَّةُ وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ يَخْرُجَانِ مِنْهَا بِلَا كَسْرٍ فَجعلُوا الثَّلَاثَة الاخرى نوعا آخر.
أَفَادَ السَّيِّدُ.

قَوْلُهُ: (وَمَخْرَجُ كُلِّ كَسْرٍ سَمِيُّهُ) أَيْ مَا شَارَكَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ الصَّحِيحَةِ فِي مَادَّةِ اسْمِهِ حَتَّى السُّدُسَ فَإِنَّهُ شَارَكَ مَخْرَجَهُ وَهُوَ السِّتَّةُ فِي ذَلِكَ.
لِأَنَّ أَصْلَ سِتَّةٍ سُدْسَةٍ قُلِبَ كُلٌّ مِنْ الدَّالِ وَالسِّينِ الثَّانِيَةِ تَاءً وَأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي التَّاءِ فَقِيلَ سِتَّةٌ، وَعَبَّرَ بِالْكَسْرِ لِيَشْمَلَ مَا عَدَا الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةِ كَالْخُمُسِ والسبع وَالتسع وَالْعشر من الكسور المنطفة فَأَنَّهَا كَذَلِك، وشكل كَلَامُهُ الْكَسْرَ الْمُفْرَدَ كَالنِّصْفِ وَالْمُرَكَّبَ كَالثُّلُثَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَن الْمخْرج كلما كَانَ أقل كَانَ الْفَرْضُ أَكْثَرَ، وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْفَرْضُ أَقَلَّ، فَإِنَّ
النِّصْفَ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ مَثَلًا وَمَخْرَجُهُ أَقَلُّ مِنْ مَخْرَجِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى التَّضْعِيفِ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الثُّمُنَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ الرُّبُعُ وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ النِّصْفُ، وَكَذَا السُّدُسُ إذَا ضُعِّفَ صَارَ ثُلُثًا وَإِذَا ضُعِّفَ الثُّلُثُ صَارَ ثُلُثَيْنِ.
سَيِّدٌ
قَوْلُهُ: (وَالتَّنْصِيفِ) أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ إذَا نُصِّفَ صَارَ رُبُعًا وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا نُصِّفَ صَارَ ثُمُنًا، وَكَذَا الْحَالُ فِي تَنْصِيفِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ.
سَيِّدٌ.

قَوْلُهُ: (فَتَقُولُ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ وَتَقُولُ كَذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بُدِئَ بِالْأَصْغَرِ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى التَّضْعِيفِ، أَوْ بِالْأَكْبَرِ فَعَلَى التَّنْصِيفِ.

قَوْلُهُ: (وَأَخْصَرُ الْكُلِّ) أَيْ أَخْصَرُ الْعبارَات الَّتِي عبر لَهَا عَنْ النَّوْعَيْنِ.

قَوْلُهُ: (آحَادٌ) أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ مُكَرَّرٌ وَإِنْ ذُكِرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَرَّرَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ كَحَدِيثِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَفَادَهُ السَّيِّدُ.
وَمَا فِي شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ هُوَ أُحَادٌ: أَيْ وَاحِدٌ، إِنَّمَا يَقُولُونَ جاؤوا أُحَادَ أُحَادَ: أَيْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَأُحَادٌ فِي مَوضِع الْوَاحِد خطأ إِ هـ.
لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْمُتَعَدِّدِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَاحِدٍ فَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ أُحَادٌ.
فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ الْمَثْنَى أَوْ الثَّلَاثُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ: أَيْ من النَّوْع

(7/399)


الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ الثَّانِي فَقَطْ بِلَا اخْتِلَاطِ شئ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (لِجُزْءٍ) أَي أقل جزى مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ إلَخْ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الضِّعْفِ مَوْجُودٌ فِي مَخْرَجِ الْجُزْءِ فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ مَخْرَجِ الضِّعْفِ، فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ مَخْرَجِ السُّدُسِ، وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَالنِّصْفِ دَاخِلٌ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ السُّدُسُ وَالثُّلُثَانِ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، أَوْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَيْنِ كَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَمِنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ اجْتَمَعَ الثَّلَاثَةُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا الثُّمُنُ مَعَ النِّصْفِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ أَوْ الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الرُّبُعِ مَعَ الثُّمُنِ وَلَا اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا اخْتَلَطَ النّصْف الخ) مُحْتَرز قَوْله: وهما نَوْعٍ وَاحِدٍ فَمَا مَرَّ كَانَ فِي اخْتِلَاطِ أَفْرَادِ كُلِّ نَوْعٍ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي اخْتِلَاطِهَا مَعَ أَفْرَاد النَّوْعِ الْآخَرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الِاخْتِلَاطِ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، مِنْهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرْعِيَّةٌ وَثَلَاثُونَ
عَقْلِيَّةٌ، وَقَدْ لَخَّصْت الْجَمِيعَ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَمْثِلَةُ اخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ بَعْضِهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (لِتَرَكُّبِهَا من شرب اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لم يكن فِي الْمَسْأَلَة سدس، أما إِذْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِمَخْرَجِهِ، لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَكِلَاهُمَا دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ فَيُكْتَفَى بِهَا ط.

قَوْلُهُ: (فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ زَوْجَةٌ وَمَنْ ذُكِرَ) أَيْ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مِنْ الشَّقِيقَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَالْأُمِّ، وَهَذَا مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ الرُّبُعِ بِكُلِّ الثَّانِي، وَيُعْلَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُهُ بِبَعْضِهِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم نَظِير مَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لِمُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) تَعْلِيلٌ لما أفهمهُ كَلَامه من شرب الْأَرْبَعَةِ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُدُسٌ أَوْ لَا.
أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَرْبَعَةِ مَخْرَجِ الرُّبُعِ بِالنِّصْفِ، وَنِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ فَلِذَا تُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ الثَّانِي) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِطُ مَعَ الثُّلُثَيْنِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَمَعَ السُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، وَأَمَّا اخْتِلَاطُ الثُّمُنِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْن مَسْعُود الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمَحْرُومَ عِنْدَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ فَيَخْتَلِطُ عِنْدَهُ مَعَ الثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنٍ مَحْرُومٍ وَمَعَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَهُمْ وَأُمٍّ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنِ مَحْرُومٍ.

قَوْلُهُ: (إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا كَافِرًا وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمَا من 24 وتعول إِلَى 13 عِنْده اهـ ح أَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنْ 21 وَتَعُولُ إلَى 71.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْوَصَايَا) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُمُنِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثَيْهِ وَلِآخَرَ بِثُلثِهِ وَلآخر بسدسه وَلَا وَارِث لَهُ أَلا كَانَ وَأَجَازَ الْكُلَّ

(7/400)


فَهِيَ مِنْ 24 وَتَعُولُ إلَى 31 نَظِيرَ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَأْتِي إلَّا عَلَى رَأْيِهِ تَأْتِي عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ فِي الْوَصَايَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ دَائِمًا سَوَاءٌ كَانَ سُدُسٌ أَوْ لَا، وَبِهِ يَتَّضِحُ التَّعْلِيلُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى نَظِيرِهِ قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ مُوَافَقَتُهَا بِالنِّصْفِ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُنَا لِلثَّمَانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ) أَيْ غَيْرِ مُكَرَّرَةٍ
فَلَا يَرُدُّ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لابوين وَأُخْت لاب وأختان لَام اهـ ح.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ) بَيَانُهُ: لَوْ مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَعَنْ أَبٍ وَأُمٍّ وجد وَجدّة وَبنت وَبنت ابْن وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ، لَكِنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَوَاتِ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالْجَدَّةُ بِالْأُمِّ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الثُّمُنُ أَوْ الرُّبُعُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ، وَهُوَ الْبِنْتُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ ثَلَاثُ طَوَائِفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَبِنْتُ الِابْنِ فَغَايَتُهُمْ خَمْسُ طَوَائِفَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الرُّبُعُ أَوْ النِّصْفُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ الشَّقِيقَةُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ طَائِفَتَانِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَالطَّوَائِفُ هُنَا خَمْسَةٌ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ فِرَقٍ) لَان لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّوَائِفِ الْخَمْسِ من هُوَ مُنْفَرد كاوب أَوْ الْأُمِّ أَوْ الزَّوْجِ وَلَا تَنْكَسِرُ سِهَامُهُ عَلَيْهِ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ بِلَا كَسْرٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا بَيْنَ السِّهَامِ والرؤوس، وَأَرْبَعَة مِنْهَا بَين الرؤوس والرؤوس.
أما الثَّلَاثَة الَّتِي بَين السِّهَام والرؤوس: فَأَحَدُهَا الِاسْتِقَامَةُ، بِأَنْ تَكُونَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ كَأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الضَّرْبِ، وَثَانِيهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُبَايَنَةِ، بِأَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُنْكَسِرَةً عَلَى طَائِفَة وَاحِدَة وَلَا يكون بَين سِهَامهمْ ورؤوسهم وموافقة فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَثَالِثُهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ بِأَنْ تَنْكَسِرَ السِّهَامُ عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ سِهَامَهُمْ ورؤوسهم مُوَافقَة فَاضْرب وفْق رؤوسهم فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فِيهِ مَعَ عَوْلِهَا.
وَأما الاربعة الَّتِي بَين الرؤوس والرؤوس فَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ فَأكْثر، وَإِنَّمَا لم يعتبروا التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا اعتبروه بَين الرؤوس والرؤوس، بل ردُّوهُ إِلَى الْمُوَافقَة إِن كَانَت الرؤوس أَكْثَرَ، وَإِلَى الْمُمَاثَلَةِ إنْ كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ كَسِتَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلِاخْتِصَارِ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأُصُولَ السَّبْعَةَ بِأَمْثِلَتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، إلَّا
الِاسْتِقَامَةَ فَإِنَّهُ حَذَفَهَا لِظُهُورِهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْفَرِيقِ وَجَمَعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى،
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ عَائِلَةً) أَيْ يَضْرِبُ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَوْلٌ، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَعَوْلَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَن عدد الرؤوس يُضْرَبُ فِيهِمَا كَمَا يُضْرَبُ فِي أَصْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ.

قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ،

(7/401)


وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا سِتَّةٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَانِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فعالت إِلَى سَبْعَة وَبَين سِهَام الاخوات ورؤوسهن مباينة فَاضْرب عدد رؤوسهن خَمْسَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ 7 تَبْلُغُ 53 وَمِنْهَا تَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (وَعَوْلِهَا) أَيْ إنْ كَانَتْ عَائِلَةً، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَسِتِّ إخْوَةٍ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ أَصْلُهَا 21 فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ 3 ولوبوين السُّدُسَانِ 4 وَلِلسِّتِّ بَنَاتٍ الثُّلُثَانِ 8 فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةَ عشر وانكسر 8 سِهَام الْبَنَات على 6 عدد رؤوسهن لَكِن بَينهمَا مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَرددْنَا عدد رؤوسهن إلَى نِصْفِهِ وَهُوَ 3 ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْعَوْلِ وَهُوَ 51 فَحَصَلَ 54 وَمِنْهَا تَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (فَلهم ثَلَاثَة توافقهم بِالثُّلثِ) اعْتبر المرافقة مَعَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ مُدَاخَلَةٌ إشَارَةً إِلَى عدم اعْتِبَار التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا قَدَّمْنَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ بِأَنْ تضرب الاكبر وَهُوَ 6 جَمِيع عدد الرؤوس فِي 4 لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ وَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحٌ فَلِذَا أَرْجَعْنَاهُ إلَى الْمُوَافَقَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْبَنَاتُ 4 فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلْعَائِلَةِ فَلَا تَضْرِبْ الْأَكْبَرَ وَهُوَ 8 جَمِيعَ عَدَدِ سِهَامِهِنَّ لِمَا قُلْنَا، بَلْ يَرْجِعُ إلَى التَّمَاثُلِ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ بِلَا ضَرْبٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَيْنَ الرؤوس والرؤوس.
وَاعْلَمْ أَنَّك أَوَّلًا تَنْظُرُ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ، فَإِنْ تَبَايَنَا فَأَثْبِتْ الْفَرِيقَ كَامِلًا، وَإِنْ تَوَافَقَا فَأَثْبِتْ وَفْقَ الْفَرِيقِ، ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ: فَإِنْ تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تدخلا فَاضْرِبْهُ أَكْبَرَهُمَا فِيهِ وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْت الْوَفْقَ فِي كل الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَر ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ
هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَالْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ لَا أَكثر كَمَا مر.

قَوْله: (وَعدد رؤوسهم مُتَمَاثِلَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَعْدَادُ جَمْعُ عَدَدٍ، قَالَ السَّيِّد: وَالْمرَاد بأعداد الرؤوس مَا يَتَنَاوَلُ عَيْنَ تِلْكَ الْأَعْدَادِ وَوَفْقَهَا أَيْضًا، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَين رُؤُوس طَائِفَة وسهامهم مثلا مُوَافقَة يرد عدد رؤوسهم إلَى وَفْقِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وعولها) كست أَخَوَات شقيقات وَثَلَاثَة أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا 6 وَتَعُولُ إلَى 7 لِلشَّقِيقَاتِ الثُّلُثَانِ 4 لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ 2 لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 1 كَذَلِكَ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ 12 وَمِنْهَا تَصِحُّ.
زَيْلَعِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا إلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ ثُمَّ إلَى الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَكْثَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا الْفرق مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَرْقَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا تَزِيدُ صُوَرُهَا وَيَتَكَرَّرُ الضَّرْبُ لِتَعَدُّدِ الْمُثْبَتَاتِ، لِأَنَّك إذَا نَظَرْت أَوَّلًا بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَسِهَامِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُبَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهَا سِهَامَهُ أَوْ يُوَافِقَهَا أَوْ تُوَافِقَ فَرِيقَيْنِ وَتُبَايِنَ الْآخَرَ أَوْ تُبَايِنَ فَرِيقَيْنِ وَتُوَافِقَ الْآخَرَ.
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَحْوَال، ثمَّ تنظ فِي

(7/402)


كُلِّ حَالٍ مِنْهَا بَيْنَ الْمُثْبَتَاتِ بِالْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَتَبْلُغُ 25 صُورَةً مَحَلُّ بَيَانِهَا الْمُطَوَّلَاتُ كَشَرْحِ التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَاطْلُبْ الْمُشَارَكَةَ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُنَاسَبَةِ ط.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ افْعَلْ كَمَا فَعَلْت فِي الْفَرِيقَيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا تَفْعَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْمُمَاثَلَةَ، وَأَمَّا الْمُدَاخَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُبَايَنَةُ فَسَتَأْتِي، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (أَشَارَ إِلَيْهِ) أَي ضَرْبِ جُزْءِ السَّهْمِ وَإِلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْله: وَإِن انْكَسَرَ على ثَلَاث فرق إِلَخ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ 21 لِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 2 وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ 3 وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي 7 وَبَيْنَ سِهَام كل فريق مِنْهُم وَعدد رؤوسهم مباينة فأخذنا أعداد الرؤوس بِتَمَامِهِ وَهِيَ 4 و 3 و 21 فَوَجَدْنَا الْأَوَّلَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ فِي الثُّلُث وَهُوَ 21 فَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَيْضًا 21 وَمِنْهَا تَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جد إلَخْ) الْأَوْلَى خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْمَسْأَلَةُ أَصْلُهَا مِنْ 42 لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ 3 لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا تُوَافِقُ فَحَفِظْنَا عَدَدَهُنَّ 4 وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُبَايَنُ عَدَدَهُنَّ
وَهُوَ 51 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 81 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 9 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 6 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 4 و 6 و 9 و 51 ثُمَّ طَلَبْنَا الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الاربعة مُوَافق لِلسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الآخر بلغ 21 وَهِي مُوَافقَة للتسع بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بَلَغَ 63 وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ 51 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ أَيْضًا فَضَرَبْنَاهَا فِي ثُلُثٍ 51 وَهُوَ 5 بَلَغَ 810 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ.

قَوْلُهُ: (كَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) أَصْلُهَا 24 لِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ 3 وَبَيْنَهُمَا مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن وَهُوَ 2 وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 10 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 5 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 6 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 3 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 7 فَحَفِظْنَاهُ فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 2 و 3 و 5 و 7 وَكلهَا متباينة فضربنا 2 فِي 3 بلغ 6 ثمَّ ضَرَبْنَا 6 فِي 5 بَلَغَ 03 ثُمَّ ضَرَبْنَا 30 فِي 7 بَلَغَ 120 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ.
وَتَمَامُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَغَيْرِهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَالنِّسَبِ بَين الكليات

(7/403)


الْمَنْطِقِيَّةِ، فَكُلُّ عَدَدَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ مِنْهَا، لِأَنَّ الْعَدَدَيْنِ إمَّا أَنْ يتساويا أَوْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَفْنَاهُ فَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَمُتَوَافِقَانِ وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَانِ.

قَوْلُهُ: (هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ النِّسَبُ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فِي تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ عَلَى أَعْدَادِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا كَسْرٍ بِأَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ فَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ كَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنْ يُسَاوِيَ نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ، كَالْأَرْبَعَةِ مثلا فَإِن حاشيتاها الْقَرِيبَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ الحاشيتين، وحاشيتاها البعيدتان اثْنَان وست أَوْ وَاحِدٌ وَسَبْعَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ مَجْمُوعِهِمَا، وَكَالِاثْنَيْنِ يُسَاوِي نِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسَمَّى عَدَدًا عِنْدَ الْحُسَّابِ.

قَوْلُهُ: (الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّمَاثُلِ بَلْ فِي التَّدَاخُلِ وَمَا بَعْدَهُ، إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَحْدَهُ وَأَشْعَرَ بِهِ فِيمَا
بَعْدَهُ.
سَيِّدٌ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّهُ زَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَمْرَيْنِ آخَرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلُهُ أَوْ أَمْثَالُهُ فَيُسَاوِي الْأَكْثَرَ.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جَزْءَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ يُفْنِيهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَلْقَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ لم يبْق شئ، كالثلاثة والستة، فَإِذا ألقيت الثَّلَاثَة من السِّت مَرَّتَيْنِ فَنِيَتْ السِّتَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا أَلْقَيْتهَا مِنْ التِّسْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ فَإِنَّك إذَا أَلْقَيْت مِنْهَا الثَّلَاثَةَ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ اثْنَانِ فَلَا يُمْكِنُ إفْنَاؤُهَا بِالثَّلَاثَةِ، لَكِنْ إذَا أُلْقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَنِيَتْ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا أَيْضا متداخلان.
سيد.

قَوْله: (يعدهما أَرْبَعَةٌ) وَكَذَا يَعُدُّهُمَا اثْنَانِ فَيَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ، لَكِنْ إذَا تَعَدَّدَ الْعَادُّ اُعْتُبِرَ الْأَكْبَرُ لِيَكُونَ جُزْءَ الْوَفْقِ أَقَلَّ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَةَ يَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ، إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي سُهُولَةِ الْحِسَابِ بِتَوَافُقِهِمَا فِي السُّدُسِ.

قَوْلُهُ: (فَيَتَوَافَقَانِ بِالربعِ) لَان الْعدَد لما مَخْرَجٌ لِجُزْءِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا عَدَّهُمَا الْأَرْبَعَةُ وَهِي مخرج للربع مُتَوَافِقَيْنِ بِهِ.
سَيِّدٌ.

قَوْلُهُ: (كَالتِّسْعَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ) فَإِنَّهُ لَا يعدهما شئ سِوَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَدَدٍ.
تَنْبِيهٌ: زَادَ ابْن الْكَمَال فِي التَّعْرِيف قيد آخَرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْنِيَ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَعُدُّهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ الْمُتَدَاخِلَيْنِ لَا مِنْ الْمُتَبَايِنَيْنِ، وَبِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ يُحْتَرَزُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يعد الاربعة،
قَوْله: (وَإِذ أردْت معرفَة التوافق الخ) لما كَانَت مَعْرفَته التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ ظَاهِرَةً وَفِي مَعْرِفَةِ التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَهُمَا خَفَاءٌ ذَكَرَ لَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ تُسْقِطُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْأَكْثَرُ أَقَلَّ ثمَّ تنقصه عَن الاقل اهـ.
قَاسِمٌ.

قَوْلُهُ: (تَبَايَنَا) أَيْ

(7/404)


حَصَلَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمَا كَالْخَمْسَةِ مَعَ السَّبْعَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطَتْ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّبْعَةِ بَقِيَ اثْنَانِ، فَإِذَا أَسْقَطْتهمَا مِنْ الْخَمْسَةِ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ وَاحِدٌ.

قَوْلُهُ: (فَبِالنِّصْفِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ كَالسِّتَّةِ مَعَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِي الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِيَ اثْنَانِ.

قَوْلُهُ: (فَبِالثُّلُثِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ كَالتِّسْعَةِ مَعَ الِاثْنَيْ عَشَرَ.

قَوْلُهُ: (هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَرْبَعَةِ فَهُمَا متوافقان بِالربعِ كثمانية من الْعِشْرِينَ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ فَبِالْخُمْسِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَة وَعشْرين، أَو سِتَّة فبالسدس كاثني عشرَة ثَمَانِيَة عشر أَو سَبْعَةٍ فَبِالسُّبْعِ كَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعَ
إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ فِي ثَمَانِيَةٍ فَبِالثُّمُنِ كَسِتَّةَ عَشَرَ مَعَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي تِسْعَةٍ فَبِالتُّسْعِ كَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَعَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي عَشَرَةٍ فَبِالْعُشْرِ كَالْعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِينَ.
قَوْلَهُ: (وَتُسَمَّى الْكُسُورَ الْمُنَطَّقَةَ) الْكَسْرُ الْمُنَطَّقُ هُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ حَقِيقَةً بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِهِ، كَالْخُمُسِ فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ فِيهِ خُمُسٌ يُقَالُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ، وَالْأَصَمُّ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَاحِدِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَحَدَ عَشَرَ فَهُمَا متوافقان بِجُزْء من أحد عشر كائنين وَعِشْرِينَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ.

قَوْلُهُ: (وَهَكَذَا) كَمَا إِذا توفقان فِي جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ.
تَنْبِيهٌ: إذَا تَوَافَقَا فِي عَدَدٍ مُرَكَّبٍ وَهُوَ مَا يَتَأَلَّفُ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ شِئْت قُلْت هُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَيْهِ بِكَسْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَتَقُولُ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِثُلُثِ خُمُسٍ أَوْ خُمُسِ ثُلُثٍ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ وَبِالْكُسُورِ الْمُنَطَّقَةِ الْمُضَافَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالْجُزْءِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ وَفِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قِسْمَةَ النَّصِيبِ، بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَة الاخيرة أَنه كَانَ للزوجين مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الَّذِي ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 360 فَهِيَ نَصِيبُ الزَّوْجَاتِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَكَانَ لِلْبَنَاتِ 16 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ تَبْلُغُ 6330 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاضْرِبْهَا فِيهِ أَيْضًا تَبْلُغُ 840 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي 120 فَهِيَ لَهُمْ.

قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَدِ رؤوسهم وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَضْرِبُ فِي جُزْءِ السَّهْمِ، بَيَانُهُ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاقْسِمْهَا عَلَيْهِمَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 513 فَهِيَ لكل زَوجته وَكَانَ للبنات 16 فاقسمها على 10 عدد رؤوسهن يخرج سهم وَثَلَاث أَخْمَاسِ سَهْمٍ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ 336 فَهِيَ لِكُلِّ بِنْتٍ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاقْسِمْهَا عَلَى 6 عَدَدِ رؤوسهن يَخْرُجُ ثُلُثَانِ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ يَبْلُغُ 140 فَهِيَ لكل

(7/405)


جَدَّةٍ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاقْسِمْهُ عَلَى عَدَدِهِمْ 7 يخرج سبع سهم فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوب يبلغ 30 فَهِيَ لِكُلِّ عَمٍّ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْضَحُ طَرِيقُ النِّسْبَةِ إلَخْ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ 3 وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا مِثْلٌ وَنِصْفٌ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَضْرُوب مثل ذَلِك النِّسْبَةِ: أَيْ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْبَنَات 61 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 10 مثل وَثَلَاث أَخْمَاس مثل فاعط كَا وَاحِد مِنْ الْمَضْرُوبِ مِثْلَهُ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْجدَّات 4 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 6 ثلثان فأعط كل وَاحِد ثُلُثَيْ الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ نسبته إِلَى رؤوسهم وَهُوَ 7 سُبُعُ سَهْمٍ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سبه الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْضَحَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قِسْمَةٍ وَضَرْبٍ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ مَلَكَ النِّسْبَةَ مَلَكَ الْحساب، وَلَكِن رُبَّمَا كَانَتْ النِّسْبَةُ أَعْسَرَ فَالْعَمَلُ بِالضَّرْبِ أَيْسَرُ وَثَمَّةَ طُرُقٌ أُخَرُ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَة الخ) لما فرع مِنْ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ ثُمَّ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ بِطَرِيقَيْنِ يَتَوَافَقَانِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ.

قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَنَّ كُلًّا وَحْدَهُ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ من أَن قَوْله كالسراجية والغرماء بِالْوَاو، وَغير صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرِكَةَ إنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِجَمِيعِ الدُّيُون وَبَقِي للْوَرَثَة شئ لَا يحتاح إلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْوَرَثَة وَإِلَّا لم يبْق للْوَرَثَة شئ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ، فَلَفْظُ بَيْنَ مُقَدَّرٌ: أَيْ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، فَالْقِسْمَةُ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ أَحْوَالِهَا لَا وَاحِدَةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قُلْنَا.

قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ إنْ ضَرَبْت فِي كُلِّ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى وَفْقِهِ إنْ ضَرَبْت فِي وَفْقِهَا، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُوَافِقِ لِلسِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَالصَّوَابُ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ يَصِحُّ الضَّرْبُ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُبَايَنَةِ، وَكَذَا فِي الْمُدَاخَلَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الْحِسَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى الضَّرْبُ فِي الْوَفْقِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ وَفِي الْكُلِّ عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ.
مِثَالُ الْمُوَافَقَةِ: زَوْجٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَشَقِيقَتَانِ أَصْلُهَا مِنْ 6 وَتَعُولُ إلَى 9 وَالتَّرِكَةُ 60 دِينَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَلِلزَّوْجِ مِنْ التِّسْعَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 20 وَفْقِ التَّرِكَةِ يَكُنْ 60 فَاقْسِمْهَا عَلَى
وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ 20 هِيَ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَحَدِ الْأَخَوَيْنِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 20 فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ يَخْرُجُ 6 وَثُلُثَانِ هِيَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مِثْلُهُ وَلِإِحْدَى الشَّقِيقَتَيْنِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 40 فَاقْسِمْهَا على الثَّلَاثَة يخرج 31 وَثلث وَهِي لَهَا وَلِأُخْتِهَا مِثْلُهَا وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وشقيقة أَصْلهَا من 6 وتعول إِلَى 8 وَالتّرْك 52 دِينَارًا فَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 25 كُلِّ التَّرِكَةِ تَبْلُغُ 75 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 9 وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ هِيَ لَهُ وَلِلشَّقِيقَةِ مِثْلُهُ وَلِلْأُمِّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي 25 تَبْلُغُ 50 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 6 وَرُبُعٌ هِيَ لَهَا، وَلَوْ ضَرَبْت فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ قَسَمْت الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ التَّصْحِيحِ كَمَا فَعَلْت هُنَا لَصَحَّ ذَلِكَ وَلَكِن فِيهِ تَطْوِيل كَمَا قبنا، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي 24 كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُدَاخَلَةٌ لِدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ

(7/406)


فِي 24 وَيَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْمُبَايَنَةِ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَخْصَرَ عَمَلُ الْمُوَافَقَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْرٍ وَهُوَ الثُّمُنُ مَخْرَجُ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَافِقَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَتَعْمَلُ كَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ نصيب كل فريق مِنْهُم) بِأَن تضرب يَفِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَصِيبَ الْأَخَوَيْنِ وَنَصِيبَ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ضَرَبْت فِيهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ فَالْخَارِجُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الضَّرْبِ هُوَ أَشْهَرُ أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ، وَبَيَانُهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ كَسْرٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا قَضَاءُ الدُّيُونِ) أَيْ طَرِيقُ قِسْمَتِهَا وَتُسَمَّى المحاصة (فَبِهَا) أَيْ بِالتَّوْفِيَةِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَنِعْمَتْ هِيَ.

قَوْلُهُ: (وَتَعَدَّدَ الْغُرَمَاءُ) فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَلَا قسْمَة.

قَوْله: (ينزل مَجْمُوع الدُّيُون كالتصيح إلَخْ) بِأَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَبَقِيَّةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ، فَإِنْ تَوَافَقَا كَمَا إذَا تَرَكَ 12 دِينَارًا وَعَلَيْهِ 18 لِزَيْدٍ 4 وَلِعَمْرٍو 2 وَلِبَكْرٍ 12 فَالْمُوَافَقَةُ بِالسُّدُسِ فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ 2 ثُمَّ اقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَثُلُثَانِ وَلِعَمْرٍو 1 وَثُلُثٌ وَلِبَكْرٍ 8، وَإِنْ تَبَايَنَا كَمَا إذَا فَرَضْنَا التَّرِكَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا 11 فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلٍّ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ وَلِعَمْرٍو 1 وَتُسْعَانِ وَلِبَكْرٍ 7 وَثُلُثٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى 24 دِينَارًا كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَاخَلَةً فَتَعْمَلُ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا وَفِي الْمُوَافَقَةِ كَالْمُبَايَنَةِ كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ:
(ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ) تَفَاعُلٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ تَصَالُحُ الْوَرَثَةِ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمِيرَاث على شئ مِنْ التَّرِكَةِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ.
قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رُبُعَ الثُّمُنِ فَصَالَحُوهَا عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ الدَّرَاهِمِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ عير نَكِير اهـ.
قُلْت: وَلَهُ أَحْكَامٌ وَشُرُوطٌ تَقَدَّمَتْ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوا وَاحِدًا وَأَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ.
1 قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِكَوْنِهِ عَنْ إنْكَارٍ، فَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ فعلى السوَاء فَتَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْغُرَمَاءُ) أَيْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا، فَحُكْمُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّخَارُجِ حُكْمُ الْوَرَثَةِ، وَمِثْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ اطْرَحْ سَهْمَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ صَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُصَالِحِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ اطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ سَيِّدٌ،
قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ

(7/407)


وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي سَهْمٌ وَاحِدٌ.

قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إلَخْ) فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَالَحَ الْعَمَّ عَلَى شئ مِنْ التَّرِكَةِ وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا خَرَجَ نَصِيبُ الْعَمِّ بَقِيَ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَاثْنَانِ لِلْأُمِّ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي أَخْمَاسًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وللام خمسان، وَإِن صالحت الام على شئ وَخَرَجَتْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا طُرِحَ مِنْهَا سَهْمَانِ لِلْأُمِّ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ وَوَاحِدٌ لِلْعَمِّ.
سَيِّدٌ.

قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَنْقَلِبَ فَرْضُ الْأُمِّ إلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَكَانَ الْعَمِّ أَبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الزَّوْجِ فِي التَّصْحِيحِ لِأَنَّ لِلْأُمِّ سَهْمًا وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ نَظَرٌ) أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ يَجْعَل كَأَنَّهُ استوفى نصيب وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ
مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى مَا كَانَ لَهُم من ثَمَانِيَة، لَان أَصْلهَا من سِتَّة تعول إلَى ثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاث بَقِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لكَانَتْ من 6 وَبَقِي سهم للْعصبَةِ اهـ.
وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نسخ الزَّيْلَعِيّ، لَكِن مَا مَرَّ وُجِدَ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا عَصَبَةَ هُنَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِق: فاطرح سهامه من التَّصْحِيح.

قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ أَخَصُّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ مُؤْتَلِفَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمُؤَلَّفِ بِالْفَتْحِ وَجَامِعُهُ مُؤَلِّفٌ بِالْكَسْرِ.

قَوْلُهُ: (الْحَقِيرُ) مِنْ الْحَقْرِ وَهُوَ الذِّلَّةُ.
قَامُوسٌ.

قَوْلُهُ: (الْحِصْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى حِصْنَ كَيْفَا، وَاشْتُهِرَ فِي نِسْبَةِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظُ الْحَصْكَفِيِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّحْتِ.

قَوْلُهُ: (الْعَبَّاسِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى سَيِّدِنَا الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمِّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله.

قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِعَلِيٍّ، لَكِنْ الَّذِي كَانَ إمَامَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ هُوَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا كَانَ مُدَرِّسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ الْقُبَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَرِّسَ التكية السليمة وَلم يشْتَهر وَالِده بشير مِنْ ذَلِكَ،
قَوْلُهُ: (هِجْرِيَّةً) نِسْبَةٌ إلَى الْهِجْرَةِ: أَي هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَنُسِبَ التَّارِيخُ إلَيْهَا، لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْهَا وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَأَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخُرُوجُهُمْ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَبْلَ الْمَحَاضِرِ.

(7/408)


قَوْله: (فِي تلخيصه) التَّلْخِيص: التَّبْيِين وَالشَّرْح وَالتَّلْخِيص.
قَامُوسٌ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ) تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ: تَقْوِيمُهُ، وَالتَّنْقِيحُ: التَّهْذِيبُ.
قَامُوسٌ.

قَوْلُهُ: (لِمَوَاضِعَ) اللَّامُ زَائِد لِلتَّقْوِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَتَصْحِيحِهِ) عَطْفٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (وعَلى مَوَاضِع سَهْو وَأخر) أَيْ مِمَّا فَاتَ الْمُصَنِّفَ تَغْيِيرُهَا.

قَوْلُهُ: (وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ، أَيْ مُجْتَمِعًا.
قَالَ فِي الْقَامُوس: جمل جمع، وأجمل الشئ: جَمَعَهُ عَنْ تَفْرِقَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ وَإِنْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السَّهْوِ فَإِنِّي قَدْ أَسْهُو، لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا
الْأَمْرُ الشَّاقُّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ السَّهْوِ.
أَمْرٌ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ كَيَقِلُّ وَزْنًا وَمَعْنًى: أَيْ يَنْدُرُ أَوْ يَعْسُرُ أَوْ يَضِيقُ أَوْ يَعْظُمُ عَلَى الْبَشَرِ فَلَا يُحَصِّلُونَهُ، لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ.
وَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ، وَفِي هَذَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَعَنْ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ: (فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا كَانَ مَا ذُكِرَ فَالْمَطْلُوبُ السَّتْرُ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ.

قَوْلُهُ: (وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ) الْغَفْرُ: السَّتْرُ فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا إلَخْ) هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْله: (فسد الخللا) الْخلّ: مُنْفَرِجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَهَنُ فِي الْأَمْرِ، وَأمر مختل واه، وأخل بالشئ: أحجف.
قَامُوسٌ.
وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ الضَّمِيرُ، وَلَكِنْ أَتَى بِالظَّاهِرِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ خَلَلٌ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ) * بعد قَوْله: * (من كَانَ عدوا لله) * الْآيَةَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ: سَتْرُهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ.

قَوْلُهُ: (جَلَّ) أَيْ عَظُمَ وَتَعَالَى، فَعَطْفُ عَلَا عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ، وَهَذَا الْكَلَام مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ: أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تفضح، فَإِن كَانَ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ، وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحق جلّ وَعَلَا ط.
وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ، وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرما.
وَلَو قَالَ إِن نجد بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي، أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ: أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا، فَهُوَ اعتذر آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ، وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ: الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ والاثبات، والمبيضة: الَّتِي ينْقل إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا يفتت أَو تعليلية كَقَوْلِه تَعَالَى: * (مِمَّا خطاياهم أغرقوا) * وَقد شبه مَا بِقَلْبِه من مشق البعاد وألم الْفِرَاق اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ واستعارة مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ، أَوْ أَضَافَ الْمُشبه إلَى الْمُشَبَّهِ: أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ.
تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ.
قَامُوسٌ.

قَوْلُهُ: (مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا، وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ

(7/409)


وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ.
قَامُوسٌ.
وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ، لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ، أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا، أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا محَالة فتحركت نَفسه إِلَى الدُّعَاء، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا
قَوْلُهُ: (التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ، وُلِدَ بِهَا سَنَةَ 722، وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ 792 وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا.

قَوْلُهُ: (حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي.
وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا: مَعَ وجود الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ وترامي الْبلدَانِ بِي والاقطار ونوب الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ
قَوْلُهُ: (حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ اعْتَذَرَ.

قَوْلُهُ: (يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ،
قَوْلُهُ: (لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ: أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ، الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ.

قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِن بِالْجَنَانِ.

قَوْلُهُ: (فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ، فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ.

قَوْلُهُ: (مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ: أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (بابتداء تبيضه) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ: قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ.

قَوْلُهُ: (تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ.

قَوْلُهُ: (صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ: أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ:
قَوْلُهُ: (الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ على العقد نَيف وناف
وأناف على الشئ: أَشْرَفَ عَلَيْهِ،
قَوْلُهُ: (تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْن الشريف) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِي غَزَّة وهَاشِم.

قَوْلُهُ: (فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ.

قَوْلُهُ: (عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْقَبُولُ: الرِّضَا بالشئ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقِيلَ: الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا: عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ.
قَامُوسٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

قَوْلُهُ: (فيا شرفي) أَي أحضر فَهَذَا وَقتل لِحُصُولِ مُقْتَضِيك، وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ، وَالضَّمِيرُ فِي قلبته لِلتَّأْلِيفِ ط.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بعدهمْ.
قَوْله:

(7/410)


(رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ: أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك) * أَوْ بِمَعْنَى مِنْ: أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) *.

قَوْله: (فتقبلني) بِالتَّخْفِيفِ: أَي تثنيني وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ.

قَوْلُهُ: (وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أستاذ بِضَم الْهمزَة وَمَعْنَاهُ: الماهر بالشئ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله، فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَن جمعا كوننا جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، لَا الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كالقرب مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَآله.

قَوْلُهُ: (مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ، وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ.
الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا.
الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ.
وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ: مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ لَكَانَ أَسَدَّ.

قَوْلُهُ: (وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ
عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا، وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ شِبْهَ الْفِعْلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ.
قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ
قَوْلُهُ: (دَائِمًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ قَبُولًا أَوْ حَشْرًا أَوْ إسْدَاءً.

قَوْلُهُ: (دَاعٍ) أَيْ وَدَاعٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ وَالِدِنَا.

قَوْلُهُ: (طَالِبِ الرَّشَدْ) أَيْ لَنَا حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
يُقَالُ: رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا: اهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الْحَقِّ، وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُدِيمَنَا عَلَى الْحَقِّ الْقَوِيمِ، وَيُمَتِّعَنَا بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم فِي جَوَاز نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ (آمين) .

(7/411)


حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخبار تَكْمِلَة رد الْمُخْتَار على الدُّرَر الْمُخْتَار شرح تنوير الابصار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أَفَنْدِي نجل الْمُؤلف وَقد وضع الشَّرْح والمتن بأعلا الصحائف ويأسفل الصحائف تقارير لبَعض الْعلمَاء

(7/413)


مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدّين حَدِيث شرِيف الْحَمد الله المتوحد بابداع المصنوعات المتفرد باختراع الْمَخْلُوقَات، المنزه عَن عَن التحيز والسكون والحركات الْمَخْصُوص بقدم الاسماء واصفات اقريب مِمَّن دَعَاهُ لَا بِقرب المسافات الْمُجيب لمن ناجاه بالخلاص الدَّعْوَات الَّذِي يغْفر الذُّنُوب وَيسْتر الْعُيُوب وَيقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات الْعَالم بمكنون الاسرار ومصون الخفيات الْخَبِير فَلَا يخفى عَلَيْهِ فَقَالَ ذرة فِي الارض وَلَا فِي السَّمَاوَات السَّمِيع فَلَا يعزب عَن سَمعه اخْتِلَاف الاصوات ابصير يرى دَبِيب النَّمْل وذرات الرمل فِي الظُّلُمَات الْوَاحِد الاحد فَلَا ثَانِي لَهُ فِي الكائنات، الْفَرد الصَّمد المنزه عَن البنى وَالْبَنَات الْبَاقِي على الابد ويفنى كل اُحْدُ وَيقْضى عَلَيْهِ بالممات فسبحانه من اله لَا يحمد على الْمَكْرُوه سواهُ مميت الاحياء ومحيي الاموات ابكى الاباء والامهات وأيتم الْبَنِينَ وَالْبَنَات يثيب على الطَّاعَات وَالصَّدقَات ويضاعف الاجور على نشر الْعُلُوم النافعات فتح بصائر اوليائه للاعتبار والتفكر فِي الايات وَنور قُلُوبهم بِنور الاخلاص وقدسهم من شواغل الاسباب وشوائب المكدرات تقلبهم يَد الالطاف فِي مهد الكرامات والعنايات فترضعهم ثدي الْعَطف وتفطمهم عَن الشَّهَوَات الْمَانِعَة من الْقرب والمشاهدات وَأهل أذهانهم لفهم مَعَاني الْعبارَات والرموز والاشارات وتنقيح الاحكام والمباني وَحل المشكلات حَتَّى صيروها من اوضح الواضحات مهد لَهُم فرش الاعمال بلين الصفاء فاستعذبوا طيب الْخلْوَة مَعَ الْخَطِيب لتحرير الْعُلُوم وخدمة شَرِيعَة سيد السادات (تتجا فِي جنُوبهم عَن الْمضَاجِع) * السَّجْدَة 16 يتلذذون بالسهر وَترك المستلذات، نزهوا نفوسهمم عَن عبَادَة الْهوى فأضحت أطيار أواحهم تسرح فِي رياض الملكوت بَين جنَّات، لَهُ الشُّكْر على مَا أنعم عَلَيْهَا بمعرفتهم وَخدمَتهمْ وأنعم عَلَيْهِم بِأَن هدَاهُم بعنايته الازلية لاكمل الْحَالَات، بِفَتْح الْقَدِير وَالنعَم المختارات، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد المكمل لامته كل نقص وثلم بأوضح شَرِيعَة ومعجرات، صَاحب الْمِعْرَاج غَايَة الْبَيَان، منحة الْخَالِق السراج الْوَهَّاج، حاوي المقامات الشامخات، وعَلى آله زواهر الْجَوَاهِر ودرر الْبحار، دوِي المناقب والخصوصيات، وَأَصْحَابه البحور الزواخر، وتنوير الابصار الناصرين لَهُ
فِي الاعصر الخاليات، بصفاء النيات، وَحسن الطويات، وَالتَّابِعِينَ النُّجُوم الزواهر وخزائن الاسرار الحائزين أَعلَى الْفضل والكمالات، والائمة الْمُجْتَهدين الاكابر، ذَوي الْفَيْض المدرار، المبرئين من الشُّبُهَات والتبعات والترهات الفاسدات، لَا سِيمَا إمامنا الاعظم ذُو الْفَصْل الاقدام، الْكَوْكَب الزَّاهِر، والامام الباهر، الدّرّ الْمُخْتَار، وَالْعلم الراسخ ذُو الثَّبَات، الْقَائِم بالاوامر والزواجر، راد لهفة الْمُخْتَار صَاحب الكرامات الفاضلات، صَلَاة وَسلَامًا دائمين متلازمين مَا تعاقب اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَرَّتْ الاوقات، وَعَن للسماء نَبِي مِصْبَاح، وَمَا هبت نسمات الاسحار فِي كل السَّاعَات، لَا تَنْقَطِع لَحْظَة من اللحظات، من إِلَه كريم عَظِيم رب رَحِيم مقبل العثرات، وغافر الزلات.

(7/415)


أما بعد فَيَقُول فَقير رَحْمَة ربه، وأسير وصمة ذَنبه: (مُحَمَّد عَلَاء الدّين ابْن السَّيِّد مُحَمَّد أَمِين ابْن السَّيِّد عمر عابدين) غفر الله تَعَالَى ذنوبهم، وملا من زلال الْعَفو ذنوبهم، آمين: إِنَّه لما سبقت الارادة الالهية، والمشيئة الرحمانية، بوفاة سَيِّدي الْوَالِد قبل إِتْمَامه تبيييض حَاشِيَة رد الْمُخْتَار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ونوز ضريحه، وَجعل أعلا الْجنان ضجيعه لما وصل إِلَى أثْنَاء شَتَّى الْقَضَاء من هَذَا الْكتاب، اشتاق إِلَى مُشَاهدَة رب الارباب، فَنقل من دَار الْغرُور إِلَى جوَار مَوْلَاهُ الْغَوْر، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بَدَأَ أَولا فِي التسويد من الاول إِلَى الآخر، ثمَّ شرع فِي التبييض فَبَدَأَ أَولا مِنْ الْإِجَارَةِ إلَى الْآخِرِ، ثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى انْتِهَاءِ هَذَا التَّحْرِيرِ الْفَاخِرِ، وَتَرَكَ عَلَى نُسْخَتِهِ الدُّرَّ بَعْضَ تَعْلِيقَاتٍ، وَتَحْرِيرَاتٍ وَاعْتِرَاضَاتٍ، قَدْ كَادَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي أَنْ يُذْهِبَهَا، لِعَدَمِ من يذهبها مذهبها، وَكَانَ قد جرى الامر بطبعها فِي بولاق المصرية، فجمعتها برمتها بِدُونِ زِيَادَة، حرف بِالْكُلِّيَّةِ، وأرسلتها فطبعت ثمَّة، حرصا على فوائدها الجمة، وَكَانَ كثيرا مَا يخْطر فِي زيادها مَعَ ضم تحريرات، وَبَعض فروع وتقزيرات لَكِن لم تساعد الاقدار، لَا سِيمَا مَعَ شغل الافكار، وَقلة البضاعة فِي هَذِه الصِّنَاعَة، حَتَّى سَافَرت للاستانة الْعلية، دَار الْخلَافَة السّنيَّة، عَام خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ، والالف، من هِجْرَة من تمّ بِهِ الالف، وَزَالَ بِهِ الشقاق وَالْخلف، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَصِحَّته ألفا بعد ألف، ووظفت عضوا فِي الجمعية العلمية، التابعة لديوان، أَحْكَام العدلية، لجمع الْمجلة الشَّرْعِيَّة، تَحت رياسة
حَضْرَة الْوَزير الْمُعظم، والمشير المفخم، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، والحائز لفضيلتي السَّيْف والقلم، صَاحب الدولة، أَحْمد جودت باشا، بلغَة الله تَعَالَى من الْخيرَات مَا شَاءَ، وأسعد أَيَّامه وحرسها، ألْقى محبته فِي الْقُلُوب وغرسها، وَلَا زَالَت أَعْلَام دولته مبتسمة الثغور، وأرقام رفعته منتظمة السطور، على مدى الدهور، آمين.
وَبعد إقامتي مُدَّة تقرب من ثَلَاث سِنِين قدمت الاستعفاء، لما فِي قلبِي من الرمضاء، من فِرَاق الاوطان والاهل واخلان، فَأمرنِي قبل سَفَرِي من أمره مُطَاع، وَاجِب الاستعاع أَن أتمم نَقصهَا، وأتلافى ثلمها حَنى وصولي إِلَى لوطن، وقراري بالسكن.
فَلَمَّا رجعت بعد ثَلَاث سِنِين من سَفَرِي إِلَى وطني دمشق الشَّام، ذَات الثغر البسام، الستخرت الله تَعَالَى الْمرة بعد الْمرة، بعد الكرة، فِي تَكْمِلَة الحزم، مُعْتَمدًا على الله تَعَالَى الحزم ومتوكلا عَلَيْهِ فِي سَائِر الامور فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، والهفوات والزلل، ومتوسلا، إِلَيْهِ بِنَبِيِّهِ النبيه المكرم، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وبأهل طَاعَته من كل مقَام على مُعظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أَن يسهل على ذَلِك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، أَن يعْفُو عَن زللي، ويتقبل مني عَمَلي، وَيجْعَل ذَلِك خلصا لوجهه الْكَرِيم * (يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله تقلب سليم) * الشُّعَرَاء وينفع بِهِ الْعباد، فِي عَامَّة الْبِلَاد، من سَاكن وباد وَأَن يسْلك بِي سَبِيل الرشاد، ويلهمنى الصَّوَاب والسداد، وَيسْتر عوراتي، وَيغْفر خطيناتي، ويسمح عَن هفواتي وزلاتي، فَإِنِّي متطفل على ذَلِك، لست من فرسَان تِلْكَ المسالك، وهيهات المثلى أَن يكون لَهُ اسْم فِي طرس، أَو أَن يكو لَهُ فِي صحيفَة غرس، بل أَن يكون لَهُ فِي النَّاس ذكر، أَو أَن يخْطر فِي بَال أَو يمر على فكر، فقد أَو ثقتني الذُّنُوب والخطيئات وأقعدتني عَن إِدْرَاك أدنى الدَّرَجَات، مَعَ قُصُور باعي واندراس، رباعي وجمود مرمى سِهَام الالس وموقع النّظر الشزر من الاعين، حَيْثُ تجرأت على أَمر غير سهل، مَعَ كوني لست لَهُ بِأَهْل، وتشبهت بالسادات الاعلام، الَّذين هم مصابيح الظلام.
وهيهات أَن يدْرك السِّيَاق مقْعد، أَو

(7/416)


أَن يسْلك الطَّرِيق مصفد، أَو أَن يقرب من عرين الاسد ابْن آوى، يشبه الْحُبَارَى الْبَازِي وَلَو لم
يكن لَهُ فِي الْجِسْم ساوي، وَمَا أشبه قَوْله الْقَائِل بحالتي الَّتِى كَانَ مِنْهَا على مثل هَذَا جراءتي: أَيهَا الْمُدَّعِي وَلَاء سليم * لست مِنْهُم وَلَا قلامة ظهر إِنَّمَا أَنْت فِي سليم كواو * ألحقت بالهجاء ظلما بِعَمْرو وَلَكِن أَخفض على نَفسِي، وأسلبها بالتأسي، وأتمثل بقول الشهَاب السهروردي: فتشبهوا إِن لم تَكُونُوا مثلهم * إِن التَّشَبُّه بالكرام فلاح وَإِنِّي أسأَل الله تَعَالَى من طوله، وأستعد بقوته وَحَوله، فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، وَيحسن ختامي عِنْد مُنْتَهى الاجل وَمَا توفيقي إِلَّا الله الْقَرِيب الْمُجيب، عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب وألتمس من النَّاظر لهَذِهِ التكملة أَن يلحظها، بِعَين الْقبُول والصفاء، لَا بِعَين الْحَسَد والجفاء، فَإِن الْجَسَد لَا يَخْلُو عَن الْحَسَد، وَلَكِن الْكَرِيم يخفيه، واللثيم يبديه، وَأَن لَا ينسى جَامعهَا، وَأَوْلَاده، ومظهرها وكاتبها وقارئها من دعاته المستجاب، وثنائه تحارير سَيِّدي الْوَالِد فَإِنِّي واثق بنفسي أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد، إِلَيْهِ وَإِن لم يكن ثمَّة فَإِنِّي غير واثق بنفسى أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد يطوش، ويغير عَن مجاله النقوش، وَلَا يُبَادر عَليّ بالاعتراض والملام، فَلَيْسَتْ أول قاروه كسرت فِي الاسلام، وَيصْلح مَا كبا بِهِ الْقَلَم، أَو زلت بِهِ الْقدَم، فقد قدمت بَين يديهم عُذْري، وكشفت لَهُم عَن حَقِيقَة أَمْرِي، فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ، وَهُوَ يقبل عثرات المقيلين، وَقد سميت مَا عنيت جمعه من هَذِه التكملة بقرة قُرَّة عُيُون الاخبار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار) .
وَحَيْثُ قلت سَيِّدي فَالْمُرَاد بِهِ سَيِّدي الْوَالِد أَو بعض الافاضل، فَالْمُرَاد، الرحمتي أَو الفتال، والكمال محَال لغير ذِي الْجلَال، وعَلى الله تَعَالَى الاتكال، فِي المبدأ وَالْمَال.
وَكَانَ إِتْمَامهَا فِي عصر حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان الاعظم، الخاقان الاعدل الاكرم، ملك مُلُوك الْعَرَب والعجم، ظلّ الله الْمَمْدُود على الامم، قوانين الْعدْل والانصاف، وموطد دعائم بُنيان المراحم والالطاف، سُلْطَان البرين، وخاقان الْبَحْرين، وخادم الْحَرَمَيْنِ الشريفين، فاروقي السِّيرَة، الشيم، علوي الشهامة والهمم، خلقَة الله تَعَالَى فِي الارض، ناشر، لِوَاء المراحم فِي طولهَا وَالْعرض ملك أَنَام الانام فِي ظلّ أَمَانه، وَشَمل الْعباد بسجال لطفه وإحسانه، حَافظ بَيْضَة الدّين، وحامي
شَرِيعَة سيد لمرسلين، أَمِير الْمُؤمنِينَ، ملجا عَامَّة الْمُسلمين، بل كَافَّة النَّاس أجعين معمر الامصار والبلاد، مدمر أهل الشَّرّ وَالْفساد قامع الْبدع وَالظُّلم، ومؤيد السّنة، بِالْعَدْلِ والحلم، الْمُؤَيد المظفر المعان، والمحفوف بعناية الْملك بالديان، صَاحب العساكر، الْقَاهِرَة، المبيدة كل فِئَة باغية فاجرة بصوارم سيوف تقطف حروفها أَعْنَاق الْمُعْتَدِينَ، أهلة قسي ترسل نُجُوم سهامها على شياطين الْبُغَاة والمتردين، ورايات تخفق قُلُوب الاعداء، لخفقانها، وتخفض رتبهم، لرفع شَأْنهَا، لَا يرتاب متأمله فِي أَنه الْبَحْر العساكر، أمواجه، ومراحمه الدّرّ الَّذِي يظفر بهَا طلاب الْعرف وأفواجه، السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان، السُّلْطَان عبد الْعَزِيز خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان، خلد الله تَعَالَى ملكه، وَجعل الدُّنْيَا بأسرها سَعَادَة أَيَّامه، وَجعل البسيطة قَبْضَة يَدَيْهِ وطوع أَحْكَامه وَلَا زَالَ لِوَاء عدله المنشور إِلَى يَوْم النشور، وَلَا بَرحت الايام عى يَدَيْهِ دَائِرَة، ووجوه السَّعَادَة إِلَى سافرة وَأَجْنِحَة النعم بأبوابه مَقْصُورَة وبأنبائه طائرة وعزائم

(7/417)


التَّوْفِيق لآرائه مسخرة وبأعدائة ساخرة، وبأعدائة ساخرة، مَرْفُوعَة أَعْلَام دولته إِلَى مُحِيط الْقبَّة الخضراء وأوجد لَهُ فِي كل مَكَان وزمان عزا ونصرا، ومسرة وبشرى، وَلَا زَالَت سلسلة سلطنته مسلسة إِلَى انْتِهَاء سلسلة الزَّمَان، رافلا فِي حلل السَّعَادَة السِّيَادَة وَالرِّضَا وَالرِّضَا الرضْوَان، وَلَا زَالَ الْوُجُود بدوام خِلَافَته سنيا عَامِرًا، وَلَا برح الايمان فِي أَيَّام سلطنته قَوِيا ظَاهرا، ووفق وكلاء الفخام، ووزراءه الْعِظَام، وعماله إِلَى السَّعْي فِي صَلَاح الْملك وَالْملَّة فِي كَافَّة بِلَاده وولاياته، وَجمع الْقُلُوب كَافَّة على طَاعَته وَتَحْصِيل مرضاته آمين.
آمين آمين لَا أرضي بِوَاحِدَة * حَتَّى أضم إِلَيْهَا ألف آمينا وَفِي يمن أَيَّام حَضْرَة صَاحب الفخامة والدولة الصَّدْر الاعظم، والمشير، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، مَعَ قُوَّة الْيَقِين والحائز فضيلتي السَّيْف والقلم بالتمكين، ورياستي الدُّنْيَا وَالدّين، قُرَّة عين المملكة، والوزارة، سيف الدولة السُّلْطَانِيَّة، ولسان الصولة، الخاقانية، مؤيد دولة الْمُلُوك والسلاطين، ملجا الْفُقَرَاء والضعفاء المنقطعين، أَلا وَهُوَ حَضْرَة ولي
النعم، المتخلق باخلاق سميَّة، فَخر الْعَالم (ص) الْوَزير الافخم، والصدر الاعظم، السَّيِّد، أَحْمد أسعد باشا الْمُعظم، لَا زَالَت عتبَة بَابه سدر الواردين، وَمَا برح سلَاح جنابه فِي رِقَاب الحاسدين، وَأطَال الله تَعَالَى عمره، وأدام عزة ومجده ودولته آمين.
وَفِي مُدَّة يمن أَيَّام مشيخة سماحة دولة حَضْرَة الْمولى الاعظم، وَالسَّيِّد الْكَبِير الافخم، الْجَامِع بَين الرتبتين، الشريفتين الْعلم وَالْعَمَل بِقُوَّة الْيَقِين، وَالْمَحْفُوظ بعناية الله تَعَالَى من الزلل بالتمكين، الْحَائِز لرياستي الدُّنْيَا، وَالدّين، شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين، ملك الْعلمَاء الْمُحَقِّقين، عين الائمة المدققين نعْمَة، الله تَعَالَى فِي هَذَا الْعَصْر على الانام، ملاذ الافاضل الْكِرَام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، حضرد مَوْلَانَا صَاحب الدولة والاقبال، والسماحة، والافضال، خواجة شهرياري حسن فهمي أَفَنْدِي، لَا زَالَت الْفتيا مشرفة بمحابه وَأَحْكَام الشَّرِيعَة مشيدة وموضحة ببينانه، وأبقاه عقدا فِي جيد الدَّهْر، يتلالا بالدرر، وَأقر عينه بمحابه ونخله الامام الوذعي الابر، سيدنَا السماحة الْهمام السميدعي حيدر، ووقاهما كل حَاسِد ترمي عينه بالشرر، آمين.
وَقد جَاءَت هَذِه التكملة من فيض فَضله تَعَالَى، وجود كرمه الَّذِي بِهِ نتغالى، قُرَّة لعين قاريها، ودرة لتاج داريها، لمعانيها، وخاص فِي بحار مَعَانِيهَا، وكفاية للطالبين، وَحجَّة للمفتين، ومحجة للسمتفتين، حاوية لدرر الْفَوَائِد خارية عَن مستنكرات الزَّوَائِد، جمعتها من معتمدات الْمَذْهَب، الَّتِي إِلَيْهَا يذهب وضعممت إِلَى ذَلِك بعض تحريرات وتأييد، أَو بعض استدراكات أَو تَقْوِيَة أَو تَقْيِيد، فَلَا غرو حِينَئِذٍ أَن تكون الْعُمْدَة فِي الْمَذْهَب، والحري بِأَن تكْتب بِمَاء الذَّهَب، مستعينا بكريم غفار حَكِيم ستار، مقيل العثرات، ومجيب الدَّعْوَات، وقاضي الْحَاجَات، ومستشفعا بمشرع هَذِه المشروعات، من لَا ترد لَهُ شفاعات، عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات وأزكى التَّحِيَّات، وعلينا وعَلى أعزائنا، مَعَه يَا رب البريات.
هَذَا، وَإِنِّي أروي الدّرّ الْمُخْتَار وَمَتنه تنوير الابصار، وحاشية رد الْمُخْتَار) وَكَذَا بَقِيَّة كتب الْفِقْه وَغَيرهَا من سَائِر الْعُلُوم والفنون عَن أَئِمَّة أَخْبَار، من شاميين ومكيين ومصريين وعراقيين وروميين وَغَيرهم من أهل الْفضل والاستبصار، وَمن أَجلهم وَأكْثر هم إِفَادَة لي ومداومة لَدَيْهِ وَقِرَاءَة عَلَيْهِ سَيِّدي الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة، عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول، والمستخرج بغواص فكره مَا يعجز عَنهُ الفحول، الشَّيْخ مُحَمَّد هَاشم أَفَنْدِي التاجي البعلي رحم الله تَعَالَى روحه وَنور مرقده الشريف وضريحه، وَجعل أَعلَى

(7/418)


الْجنان بُلُوغه ومقيله وَمن أَجلهم عَلامَة زَمَانه على الاطلاق، من انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة بِاسْتِحْقَاق، الامام المتقن، والعلامة المتفنن الْعَلامَة الثَّانِي، من لَا يُوجد لَهُ ثَانِي الحسيب النسيب، الْفَاضِل الاديب، الْجَامِع بَين شَرْقي الْعلم وَالنّسب، والمستمسك بمولاه بأقوى سَبَب، وَالْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، وعلوم الْمَعْقُول والمنفول وَالتَّصَرُّف والطريقة أعلم الْعلمَاء العاملين، أفضل الْفُضَلَاء الفاضلين، سَيِّدي وعمدتي عَلامَة الانام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، وَالِدي المرحوم الشَّيْخ السَّيِّد الشريف مُحَمَّد أَمِين عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عمر عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الْعَزِيز عابدين ابْن اسيد الشريف أَحْمد عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الرَّحِيم عابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين ابْن السَّيِّد الشريف الْعَالم الْفَاضِل الْوَلِيّ الصَّالح الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، إِمَام الْفضل والطريقة، مُحَمَّد صَالح الدّين الشهير بعابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين السَّيِّد الشريف حُسَيْن ابْن السَّيِّد الشريف حمة الله ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّانِي مصطفى الشهابي ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف مَحْمُود ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الرَّابِع ابْن السَّيِّد الشريف عبد الله ابْن السَّيِّد الشريف عز الدّين عبد الله الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف قَاسم ابْن السَّيِّد الشريف حسن ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل ابْن السَّيِّد الشريف حُسَيْن النتيف الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الْخَامِس ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف مُحَمَّد ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الاعرج ابْن الامام جَعْفَر الصَّادِق ابْن الامام مُحَمَّد الباقر ابْن الامام زين العابدين ابْن الامام حُسَيْن ابْن البتول، هِيَ الزهراء فامطة بنت الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهَا وعَلى جَمِيع آله وَصِحَّة آمين.
فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ولد فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد الْمِائَة والالف فِي دمشق الشَّام، وَنَشَأ فِي حجر وَالِدَة، وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم عَن ظَهرت قلب وَهُوَ صَغِير جدا، وَجلسَ فِي مَحل تِجَارَة وَالِده اليألف التِّجَارَة ويتعلم البيع والشرأء، فَجَلَسَ مرّة يقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم فَمر رجل لَا يعرفهُ فَسَمعهُ وَهُوَ يقْرَأ، فزجره وَأنكر قِرَاءَته وَقَالَ عَنهُ: لَا يجوز لَك أَن تقْرَأ.
أَولا: لَان هَذَا الْمحل مَحل التِّجَارَة وَالنَّاس لَا يسمعُونَ قراءتك فيرتكبون الاثم بسببك، وَأَنت أَيْضا آثم، وَثَانِيا، قراءتك ملحونة.
فَقَامَ من سَاعَته وَسَأَلَ عَن أقرّ أهل الْعَصْر فِي زَمَنه فدله وَاحِد على شيخ الْقُرَّاء فِي عصره وَهُوَ الشَّيْخ سيعد
المحوي، الميدانية والجزرية وَطلب مِنْهُ أَن يُعلمهُ أَحْكَام الْقِرَاءَة بالتجويد، وَكَانَ وقتئذ لم يبلغ الْحلم، فحفظ الميدانية والجزرية والشاطبية، وَقرأَهَا عَلَيْهِ قِرَاءَة إمعان حَتَّى أتقن فن الْقرَاءَات بطرقها وأوجهها، ثمَّ اشْتغل عَلَيْهِ بِقِرَاءَة النَّحْو وَالصرْف وَفقه الامام الشَّافِعِي، وَحفظ متن الزّبد وَبَعض الْمُتُون من النَّحْو وَالصرْف وَالْفِقْه وَغير ذَلِك، ثمَّ حضر على شيخة عَلامَة زَمَانه وفقيه عصره وأوانه السَّيِّد مُحَمَّد شَاكر السالمي الْعمريّ ابْن الْمُقدم سعد الشهير وَالِدَة بالعقاد الْحَنَفِيّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ علم الْمَعْقُول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير، ثمَّ ألزمهُ بالتحول لمَذْهَب سيدنَا أبي حنيفَة النُّعْمَان الامام الاعظم عَلَيْهِ الرَّحْمَة الرضْوَان، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتب الْفِقْه وأصوله حَتَّى برع وَصَارَ عَلامَة زَمَنه فِي حَيَاة شيخة الْمَذْكُور، وَألف حاشيتين على شرح الْمنَار للعلائي كبرى وصغرى، سمى إِحْدَاهمَا نسمات الاسحار على إفَاضَة الانوار شرح الْمنَار وَالثَّانيَِة لم يخْطر لي اسْمهَا لانها فقدت عِنْد مفتي مصر الشَّيْخ التَّمِيمِي رَحمَه الله تَعَالَى، وَألف ثبتا لاسانيد شَيْخه سَمَّاهُ (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) و (شرح الْكَافِي فِي الْعرُوض والقوافي) وَكتب فِي آخر هَذَا الشَّرْح: ثمَّ فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ سنة سبع عشرَة سنة، ورسالة سَمَّاهَا (رفع الِاشْتِبَاه عَن عبارَة الاشباه) وحاشية على شرح النبذة سَمَّاهَا (فتح رب الارباب على لب الا بَاب شرح نبذة الاعراب)

(7/419)


وَغير ذَلِك، فِي حَيَاة شيخة الموقوم، ثمَّ توفّي شيخة الموقوم فِي الْيَوْم الرَّابِع من محرم الْحَرَام سنة الثِّنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْبَحْر وَالْهِدَايَة وَشَرحهَا، وَالْهِدَايَة وشروحها، وَكَانَت وَفَاته فِي أثْنَاء قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة، وَكَانَ جملَة من حضر مَعَ سَيِّدي الْوَالِد على شَيْخه الْمَذْكُور أكبر التلامذه، وَهُوَ عَلامَة زَمَانه، وفقيه عصره وأوانه، فَقِيه النَّفس الشَّيْخ مُحَمَّد سعيد الْحلَبِي الشَّامي، قاتم سَيِّدي الْوَالِد قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة عَلَيْهِ، وَحضر مَعَه الاتمام الْكتب الْمَذْكُورَة بَقِيَّة التلامذة والطلبة الَّذين كَانُوا يداومون على الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور، ثمَّ شرع فِي تأليف رد الْمُخْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار) وَفِي أَثْنَائِهَا ألف الْعُقُود الدرية فِي تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية) وَله من المؤلفات حَاشِيَة على حَاشِيَة الحللي المداري سَمَّاهَا (رفع الانظار عَمَّا أوردهُ الْحلَبِي على الدّرّ الْمُخْتَار) وحاشية على الْبَيْضَاوِيّ، وحاشية على المطول، وحاشية على شرح الْمُلْتَقى، وحاشية على النَّهر إِلَّا أَنَّهُمَا لم يجردا من الهوامش، وحاشية على الْبَحْر سَمَّاهَا (منحة الخالف على
الْبَحْر الرَّائِق) وَله مَجْمُوع جمع فِيهِ من نفائس الْفَوَائِد النثرية والشعريد، وعرائس النكات وَالْملح الادبية والالغاز والمعميات، وَمَا يروق النَّاظر، وَيسر الخاطر، ومجموع آخر ذكر فِيهِ تَارِيخ عُلَمَاء الْعَصْر وأفاضلهم، جعله ذيلا لتارخ الْمرَادِي الَّذِي هُوَ ذيل لتاريخ جده لامه الْعَلامَة المحبي الَّذِي هُوَ ذيل لريحانة الخفاجي، وَله (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) الْمُتَقَدّم ذكره، وَشرح رِسَالَة لبركوي فِي الْمَحِيض وَالنّفاس، سَمَّاهُ (منهل الواردين من بحار الْفَيْض على ذخر المتأهلين الْمسَائِل الْحيض) وَشرح منظومته (رسم الْمُفْتِي والرحيق الْمَخْتُوم شرح فلائد المنظوم فِي الْفَرَائِض) وَكتاب (تَنْبِيه الْوُلَاة والحكام) وَله رسائل عديدة ناهزت الثَّلَاثِينَ فِي جملَة فنون.
مِنْهَا: نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعرف، ورسالة فِي النَّفَقَات لم يسْبق لَهَا نَظِير اخترع لَهَا ضابطا مَانِعا، والفوائد العجبية فِي إِعْرَاب الْكَلِمَات الغربية، وَإجَابَة الغوب فِي أَحْكَام النُّقَبَاء والنجباء والابدال والغوث، وَالْعلم الظَّاهِر فِي نفع النّسَب الطَّاهِر وذيلها، وتنبيه الغافل والوسنان فِي أَحْكَام هِلَال رَمَضَان، والابانة فِي الْحَضَانَة، وشفاء العليل وبل الغليل فِي الْوَصِيَّة بالختمار والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الايمان مَبْنِيَّة على الالفاظ لَا الْوَصِيَّة بالختمات والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الاغراض، وتحرير الْعبارَة فِيمَن هُوَ أولى بالاجارة، وإعلام الاعلام فِي الاقرار الْعَام، وَجُمْلَة رسائل فِي الاوقات، وتنبيه الرقود وسل الحسام الْهِنْدِيّ، وَغَايَة الْمطلب والفوائد الخصصة، تحبير التَّحْرِير، وتنبيه ذَوي الافهام، وَرفع الِاشْتِبَاه، وتحرير النقول، الْعُقُود الدرية، وَغَايَة الْبَيَان، والدرر المضيئة، وَرفع التَّرَدُّد وذيلها، والاقوال الْوَاضِحَة الجلية، وإتحاف الذكي النبيه، ومناهل السرُور، وتحفه الْمَنَاسِك فِي أدعية الْمَنَاسِك وَغير ذَلِك.
وَله مَجْمُوع أسئلة عويصة، وَله فِي مدح شيخة مقامات كمقامات الحريري، وَله نظم الْكَنْز، وَله قصَّة المولد الشريف النَّبَوِيّ.
وَأما تعاليقه على هوامش الْكتب وحواشيها، وكتابته على أسئلة المستفتين والاوراق الَّتِي سودها بالمباحث الرائقة وَالرَّقَائِق الفائقة، فَلَا يكَاد أَن تحصى وَلَا يُمكن أَن تستقصى.
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ شغله من الدُّنْيَا التَّعَلُّم والتعليم، التفهم والتفهيم، والاقبار على مَوْلَاهُ، وَالسَّعْي فِي اكْتِسَاب رِضَاهُ مقسمًا زَمَنه على أَنْوَاع الطَّاعَات، والعبادات والافادات، من صِيَام وَقيام،
وتدريس وإفتاء وتأليف على الدَّوَام.
وَكَانَ لَهُ ذَوْقٌ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِ الْقَوْمِ، ولهبهم الِاعْتِقَاد الْعَظِيم، ويعاملهم بالاحترام والتكريم.
وَأخذ طَرِيق السَّادة القادرية، عَن شيخة الْمَذْكُور ذِي الْفضل والمزية، حَتَّى أخبر عَنهُ من يوثق بصلاحه وَدينه مِمَّن صَحبه فِي سَفَره من تلامذته.
إِنِّي مَا وجدت عَلَيْهِ شَيْئا يشينه فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي دينه.
وَكَانَ حسن الاخلاف والسمات، مَا سمعته فِي سَفَرِي مَعَه فِي طَرِيق الْحَاج تكلم بِكَلِمَة أغاظ بهَا أحدا

(7/420)


من رفقائه وخدمه، أَو أخدا من النَّاس أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِلَّا رأى مُنْكرا فيغيره من سَاعَته على مُقْتَضى الشَّرِيعَة المطهرة العادلة، وَكَانَت ترد إِلَيْهِ الاسئلة من غَالب الْبِلَاد، وانتفع بِهِ خلق كثير من حَاضر وباد.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى جعل وَقت التَّأْلِيف والتحرير فِي اللَّيْل فَلَا ينَام مِنْهُ إِلَّا ماقل، وَجعل النَّهَار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أَمر ديناه شَرِيكه من غير أَن يتعاطى بنقسه، وَكَانَ فِي رَمَضَان يتخم كل لَيْلَة ختما كَامِلا مَعَ تدبر معانية، وَكَثِيرًا مَا يتسغرق ليله بالبكاء وَالْقِرَاءَة، وَلَا يدع وفتا من الاوقات إِلَّا وَهُوَ على طَهَارَة، ويثابر الْوضُوء.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إِفَادَة النَّاس وجبر خراطرهم، مكرما للْعُلَمَاء والاشراف وطلبة الْعلم، ويواسيهم، بِمَالِه.
وَكَانَ كثير التَّصَدُّق على ذَوي الهيئات من الْفُقَرَاء الَّذين لَا يسْأَلُون النَّاس الاحافا، وَكَانَ غيورا على أهل الْعلم ولاشرف ناصرا لَهُم دافعا عَنْهُم مَا اسْتَطَاعَ.
وَكَانَ مهابا مُطَاعًا نَافِذ الْكَلِمَة عِنْد الْحُكَّام وأعيان النَّاس، يَأْكُل من مَال تِجَارَته بِمُبَاشَرَة شريكة مُدَّة حَيَاته.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ورعا دينا عفيفا حَتَّى أَن عرض عَلَيْهِ خَمْسُونَ كيسا من الدرا هم لاحل فَتْوَى على قَول مَرْجُوح فَردهَا وَلم يقبل، وَقد امْتنع عَن شِرَاء العقارات الْمَوْقُوفَة الَّتِي عَلَيْهَا كدك أَو محاكرة أَو قيمَة أَو بالاجارتين، وَكَانَ وقف جده لَام أَبِيه مَشْرُوطًا ننظره للارشد من ذُرِّيَّة الْوَاقِف، فَامْتنعَ من تَوليته وَسلمهُ لاخية، وَلم يتَّفق لَهُ قبُول هَدِيَّة، من ذِي حَاجَة أَو مصلحَة.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى طَوِيل الْقَامَة شئن الاعضاء والانامل، أَبيض اللَّوْن أسود الشّعْر، فِيهِ قَلِيل الشيب لَو عد شَيْبه لعد مقرون الحاجبين، ذَا ووقار، وهيئة مستحسنة ونضار، جميل الصُّورَة حسن السريرة، يتلالا وَجهه نورا، حسن الْبشر، والصحبة من اجْتمع بِهِ لَا يكَاد ينساد لطلاوة كَلَامه
ولين جَانِبه وَتَمام تواضعه على الْوَجْه الْمَشْرُوع، كثر الْفَوَائِد لمن صَاحبه والمفاكهة، ومجلسه مُشْتَمل على الْآدَاب وَحسن الْمنطق والاكرام للواردين عَلَيْهِ من أَهله ومحبيه وتلامذته ومصاحبية، كل من جالسه يَقُول فِي نَفسه أَنا أعز عِنْده من وَلَده مَجْلِسه مَحْفُوظ من الْفُحْش والغيية والتكلم بِمَا لَا يَعْنِيگي، لَا تَخْلُو أوقاته من اكتابه والافادة والمراجعة للمسائل، صَادِق اللهجة ذَا فراسة إيمانية وَحِكْمَة، لقمانية متين الدّين لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم، صداعا بِالْحَقِّ وَلَو عِنْد الْحَاكِم الجائر، تهابه الْحُكَّام والقضاة وَأهل السياسة.
كَانَت دمشق فِي زَمَنه أعدل الْبِلَاد وللشرع بهَا ناموس عَظِيم، لَا يتجاسر أحد على ظلم أحد وَلَا على إِثْبَات حق بِغَيْر وَجه شَرْعِي وَلَا فِي غَالب الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ إِذا حكم على أحد بِغَيْر وَجه شَرْعِي جَاءَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِصُورَة حجَّة القَاضِي فيفتية بِبُطْلَانِهِ وَيُرَاجع القَاضِي فَينفذ فتواه، وَقل أَن تقع وَاقعَة مهمة أَو مشكلة مدلهمة فِي سَائِر الْبِلَاد أَو بَقِيَّة المدن الاسلامية وقراها إِلَّا ويستفتى فِيهَا مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء الاكابر والمفتين فِي كل مَدِينَة، وَكَانَت أَعْرَاب الْبَوَادِي إِذا وصلت إِلَيْهِم فتواه لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ جهلهم بالشريعة المطهرة، وَكَانَت كَلمته نَافِذَة وشفعته مَقْبُولَة وَكِتَابَة مَيْمُونَة، مَا كتب لَاحَدَّ شَيْئا إِلَّا وانتفع بِهِ لصدق نِيَّته وَحسن سَرِيرَته، وَقُوَّة يقينه، وَشدَّة دينه، وصلابتة فِيهِ.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مغرما بتصحيح الْكتب وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، فَلَا يدع شَيْئا من قيد أَو اعْتِرَاض أَو تَنْبِيه أَو جَوَاب أَو تَتِمَّة فَائِدَة إِلَّا ويكتبه على الْهَامِش وَيكْتب المطالب أَيْضا.
وَكَانَت عِنْده كتب من سَائِر الْعُلُوم لم يجمع على منوالها، وَكَانَ كثير مِنْهَا بِخَط يَده وَلم يدع كتابا مِنْهَا إِلَّا وَعَلِيهِ كِتَابه، وَكَانَ

(7/421)


وَالسَّبَب فِي جُمُعَة لهَذِهِ الْكتب العديمة النظير وَالِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي لَهُ كل كتاب أرادة وَيَقُول لَهُ اشْتَرِ مَا بدا لَك من الْكتب وَأَنا أدفَع أَنا أدفَع لَك الثّمن فَإنَّك أَحييت مَا أمته أَنا من سيرة سلفي، فجزاك الله تَعَالَى خيرا يَا ولدى، أعطَاهُ كتب أسلافه الْمَوْجُودَة عِنْده من أَثَرهم الْمَوْقُوفَة على ذَرَارِيهمْ، وَعِنْدِي بعض مِنْهَا وَالله تَعَالَى الْحَمد.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إصْلَاح الْكتب، لَا يمر على مَوضِع مِنْهَا فِيهِ غلط إِلَّا أصلحه
وَكتب عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبه، وَكَانَ حسن الْخط حسن القشط، قل أَن يرى من يكْتب مثله على الْفَتَاوَى وعَلى هوامش الْكتب فِي الْجَوْدَة وَحسن الْخط وتناسق الاسطر وتناسق الاسطر وتناسبها، وَلَا يكْتب على سُؤال على سُؤال رفع إِلَيْهِ إِلَّا أَن يُغَيِّرهُ غَالِبا.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَقِيه النَّفس انْفَرد بِهِ فِي زَمَنه بخاثا مَا باحثه أحد إِلَّا وَظهر عَلَيْهِ، وَقد حكى تلميده صَاحب الفضلية الْعَلامَة مُحَمَّد أَفَنْدِي جابي زَاده قَاضِي الْمَدِينَة المنورة أَن شيخ االاسلام عَارِف عصمت بك مفتي السلطنه بدار الْخلَافَة الْعلية قَالَ لَهُ: إِنِّي كنت أُؤَمِّل أَن تطلب لي الاجارة من شيخك للتبرك، وَكَانَ تلمية هـ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أفنيي الْحلْوانِي مفتي بيروت يَقُول لي: مَا سَمِعت مثل تَقْرِير سَيِّدي والذك فِي درسه، حَتَّى إِنِّي كثيرا مَا أجتهد فِي مطالعة الدَّرْس، وأطالع عَلَيْهِ سَائِر الْحَوَاشِي والشروح والكتابات على الدَّرْس، وأظن من نَفسِي أَنِّي فهمت سَائِر الاشكالات وأجوبتها، وَحين أحضر الدَّرْس يُقرر شَيخنَا الدَّرْس وَيتَكَلَّم على جَمِيع مَا طالعته مَعَ التَّوْضِيح والتفهيم، ويزيدنا فَوَائِد مَا سمعنَا بهَا وَلَا رأيناها، وَلم يخْطر على فكر أحد ذكرهَا.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بارا بِوَالِديهِ، وَمَات الده فِي حَيَاته سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف، وَصَارَ يقْرَأ كل لَيْلَة عِنْد النّوم مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْعَظِيم ويهدية ثَوَابه مَعَ مَا تقبل لَهُ من الاعمال حَتَّى رأى وَالِده فِي النّوم بعد شهر من وَفَاته وَقَالَ لَهُ: جَزَاك الله تَعَالَى خيرا يَا وَالِدي على هَذِه الْخيرَات الَّتِي تهديها إِلَى قي كل لَيْلَة، وَكَانَت جدة سَيِّدي أم ولدد من بَنَات الشَّيْخ المحبى صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور وَأما وَالِدَة سَيِّدي فقد توفّي فِي حَيَاتهَا، وَكَانَت صَالِحَة صابرة تقْرَأ من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مائَة ألف مرّة سُورَة الاخلاص وتهب ثَوَابهَا لولدها سَيِّدي الْوَالِد، وَتصلي كل لَيْلَة، خمس أقات قَضَاء احْتِيَاطًا، وَكَانَت كَثِيرَة الصَّلَاة وَالصِّيَام، عاشت بعد سنتَيْن، صابرة محتسبة لم تفعل مَا تَفْعَلهُ جهلة النِّسَاء عِنْد فقد أَوْلَادهنَّ، بل كَانَ حَالهَا الرِّضَا بِالْقضَاءِ، وَالْقدر، وَتقول،: الْحَمد الله على جَمِيع الاحوال: وَكَانَت من سلالة طَاهِرَة من ذُرِّيَّة الْحَافِظ الدَّاودِيّ الْمُحدث الشهير، وَكَانَ عَمها الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحَيّ الدَّاودِيّ صَاحب التأليفات الشهيرة: مِنْهَا الْمنْهَج، وحاشية ابْن عقيل، ومجموع الْفَوَائِد وَغَيرهَا.
وعَلى مَا سَمِعت واشتهر أَن نسبتهم إِلَى حَضْرَة سيدنَا الْعَبَّاس إِلَّا أَنه لَيْسَ بِدَرَجَة الثُّبُوت، وَلَيْسَ عِنْدهم نسب عَلَيْهِ شَهَادَة بنته للزواج، فَمَنعه وَالِده من زواجها وَقَالَ لَهُ: أَخَاف عَلَيْك من
غصب شيخك وعقوقه إِن أعضبت ابْنَته يَوْمًا مَا، وَهَذَا مِمَّا لَا تَخْلُو مِنْهُ الجبلة الانسانية غَالِبا.
وَكَانَ وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى شفوقا عَلَيْهِ ويجبه تَامَّة، حَتَّى أَنه لما حج سَيِّدي سنة خمس وَثَلَاثِينَ امْتنع وَالِده من دُخُول دَاره الجوانية مُدَّة غياب سَيِّدي وَلم ينم على فرَاش تِلْكَ الْمدَّة وَهِي أَرْبَعَة أشهر بل بَقِي نَائِما فِي دَاره البرانية.

(7/422)


وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ورعا فِي سَائِر أَحْوَاله، وعَلى الْخُصُوص فِي حَال إِحْرَامه فِي حجَّته الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ تحرى للطام غَايَة التَّحَرِّي مَعَ قلَّة تنَاول الطَّعَام إِلَّا بِقدر الضَّرُورَة.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير الْبر والصلة لارحامه يواسيهم بأفعاله وَمَاله، بالخصوص شقيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي التقي الصَّالح السَّيِّد عبد الْغَنِيّ، وَكَانَ يعتنى ويتفرس الْخَيْر بأكبر أَوْلَاده، وَهُوَ الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الشَّيْخ السَّيِّد أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حَالا، ويهتم بتربيته وَيَقُول الدالدة: دع لي من ولدك السَّيِّد أَحْمد وَأَنا أربيه وأعمله، فَعلمه الْقُرْآن الْعَظِيم وأقرأه مسلسلات الْعَلامَة ابْن عقلية، أجَازه إجازه عَامَّة حَتَّى صَار من أفاضل عصره، وَله تَأْلِيفَات عديدة: مِنْهَا شرح مولد ايْنَ حجر شَرحه شرحا لم سيبق لعى منوالد، وَشرح علم الْحَال الَّذِي ألف صَاحب السماحة والفضيلة، والفضيلة جندي زَاده أَمِين أَفَنْدِي العباسي مُحَمَّد أَبُو الْخَيْر، مسود الْفَتْوَى بِدِمَشْق، وخطيب جَامع برسبايي الشهير بِجَامِع الْورْد ومدرسه.
وَثَانِيهمَا السَّيِّد رَاغِب إِمَام الْجَامِع الْمَذْكُور.
وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ذهب مرّة مَعَ شَيْخه لاسيد مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور لزيارة بعض عُلَمَاء الْهِنْد وصلحائها الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لما ورد دمشق، فَلَمَّا دخلا عَلَيْهِ جلس شيخ سَيِّدي وَبَقِي سَيِّدي وَاقِفًا فِي العتبة بَين يَدي شَيْخه حَامِلا نَعله بِيَدِهِ كَمَا هُوَ عَادَته مَعَ شَيْخه، فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لشيخ سَيِّدي مر هَذَا الْغُلَام السَّيِّد فليجلس فَإِنِّي لَا أَجْلِس حَتَّى يجلس فَإِنَّهُ ستقبل يَده وَينْتَفع بفضله فِي سَائِر الْبِلَاد وَعَلِيهِ نور آل بَيت النُّبُوَّة، فقا لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر اجْلِسْ يالدى وَكَذَلِكَ، وفع لَهُ مَعَ شَيْخه الْمَذْكُور إِشَارَة نَظِير هَذِه من الامام الصُّوفِي الشهير وَالْوَلِيّ الْكَبِير الشَّيْخ طه الْكرْدِي قدس سره، وَمن ذَاك الْوَقْت زَاد اعتناء الشَّيْخ بِهِ والتفاته إِلَيْهِ بالتعليم.
وَكَانَ شيخ الْمَذْكُور كثيرا مَا يَأْخُذهُ مَعَه
ويحضره دروس أشياحه، حَتَّى أَنه أَخذه وأحضره درس شَيْخه الْعَلامَة الْعَامِل الْوَلِيّ الصَّالح شيخ الحدى الشَّيْخ مُحَمَّد الكزبري، واستجازه لَهُ فَأَجَازَهُ وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة ظهر ثبته، مؤرخة فِي افْتِتَاح لَيْلَة غرَّة سنة عشر ومائيتين وَألف، وترجمه سَيِّدي المرحوم فِي ثبته تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه أَيْضا سَيِّدي عِنْد وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة لتسْع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الاول سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصيدة مؤرخا وَفَاته فِيهَا، ومطلعها: خطب عَظِيم بِأَهْل الدّين قد نزلا فحسبنا الله فِي كل الامور وَلَا وَبَيت التَّارِيخ: إمامنا الكزبري نجم أَفلا * قَلِيل جلقه مَا زَالَ منسدلا وَكَذَلِكَ أحضرهُ درس الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ الْكَبِير الْمُحدث الشَّيْخ أَحْمد الْعَطَّار، واستجاره لَهُ فَأَجَازَهُ، وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة على ظهر ثبته بِخَطِّهِ مؤرخة فِي منتصف محرم الْحَرَام سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف.
وَقد تَرْجمهُ سَيِّدي المرحوم الْوَالِد، فِي ثبته عُقُود الآلي تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه عِنْد وَفَاته مَعَ غرُوب الشَّمْس بهار الْخَمِيس التَّاسِع من ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصدة مؤرخان وَفَاته بهَا، ومطلعها: ليقدح الْجَهْل فِي الْبلدَانِ بالشرر * وَليكن الْعلم فِي كتب وَفِي سطر

(7/423)


وَقد أَخذ سَيِّدي عَن مَشَايِخ كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ الامير الْكَبِير الْمصْرِيّ، وَأَجَازَهُ إِجَارَة عَامَّة كبتها لَهُ بِخَطِّهِ الشريف وخمتها بختمه المنيف، وأرسلها لَهُ مؤرخة فِي غَزَّة رَمَضَان الْمُعظم قدره من شهور عَام ثَمَانِيَة وَعشْرين بعد الالف والمائتين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة، وَكَذَا أَخذ عَن مَشَايِخ كثيرين يطول ذكر هم هُنَا من شاميين ومصريين وحجازيين وعراقيين وروميين.
وَكَانَ لَهُ عَم من أهل الصّلاح ومظنة الْولَايَة وَمن أهل الْكَشْف، اسْمه اشيخ صَالح اسْم على مُسَمّى، حَتَّى أَنه بشر أمه بِهِ قبل وِلَادَته، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّد أَمِين حِين كَانَ فِي بطن أمه، يَضَعهُ فِي حَال صغره فِي حجره وَيَقُول لَهُ أَعطيتك عَطِيَّة الاسياد فِي رَأسك.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لَهُ خيرات عَامَّة: مِنْهَا تعمير الْمَسَاجِد، وافتقاد الارامل والفقراء.
وَكَانَت تسْعَى إِلَيْهِ الوزراء والامراء والموالي وَالْعُلَمَاء والمشايخ والكبراء والفقراء وَذَا الْحَاجَات، وعظمت بركته وَعم نَفعه، وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ.
وغالب من أَخذ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أكَابِر النَّاس وأشرافهم وأجلاؤ هم من الموَالِي وَالْعُلَمَاء الْكِبَار والمفتين والمدرسين وَأَصْحَاب، التاليف والمشاهير، وقصده النَّاس من الاقطار الشاسعة للْقِرَاءَة لعيه والاخذ عَنهُ.
فَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ أَخذ عَن شفيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي السَّيِّد عبد الْغَنِيّ الْمَذْكُور وَمِنْهُم ولد أَخِيه الْمَذْكُور الشَّيْخ أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حلا صَاحب التَّأْلِيف الشهيرة.
وَمِنْهُم ابْن ابْن عَمه الشَّيْخ صَالح ابْن السَّيِّد، عابدين، وَمِنْهُم صَاحب الفضيلد والسماحة الْعَالم الْعَلامَة عُمْدَة الموالى الْعِظَام جابي زَاده السَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي قَاضِي الْمَدِينَة المنورة سَابِقًا، وَمن أَصْحَاب بايه إسلامبول الْحَائِز للنشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة من تشريف فِي حَضرته باية إسلامبول، وافتخرت فِيهِ على من نالها بفضائله وَعلمه الَّذِي أقرَّت بِهِ الفحول.
وبكمال علومه وَقدره مَعَ فَضله زَاد فِيهِ.
رفْعَة وَعز النشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة الَّتِي افتخرت فِيهَا أعاظم الرِّجَال وَهِي فِيهِ فاقت وتخترت على أكَابِر أهل الْكَمَال فَإِنَّهُ أَخذ عَنهُ سَائِر الْعُلُوم وَبِه انْتفع.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الزَّاهِد العابد الْوَرع التقي النقى فَقِيه النَّفس الشَّيْخ يحيى السردست أحد أفاضل الصُّوفِيَّة فِي زَمَنه فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الفهامة فَقِيه الْعَصْر الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الغنيمي الميداني شَارِح القدروي وعقيدة الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة ة الشَّيْخ حسن البيطار فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ الْعُقُود الدرية، وَعَلِيهِ تخرج فِي مَذَاهِب السَّادة الْحَنَفِيَّة.
وَمِنْهُم ولد المرقوم الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي البيطار فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج، وَهُوَ أَمِين فَتْوَى دمشق الشَّام حَالا.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة أَحْمد أَفَنْدِي الاسلامبولي محشي الدُّرَر، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَاضِل والعالم الْكَامِل فَرضِي دمشق وَرَئِيس حِسَابهَا السَّيِّد حُسَيْن الرسَالَة، فَإِنَّهُ عَن أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْقدْوَة الفهامة صَاحب التَّأْلِيف المفيدة والتصانيف النفيسة فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين المغربي، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجابي،
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الجقلي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الْمُنِير أحد أَصْحَاب باية أزمير الْمُجَرَّدَة.
وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الخلاصي شَارِح الدّرّ الْمُخْتَار والالفية لِابْنِ مَالك وَغير هما.
وَمِنْهُم عُمْدَة الموَالِي الْكِرَام عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي مقتي دمشق الشَّام.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة، الْعُمْدَة الفهامة، نخبة الموَالِي الفخام عبد الْحَلِيم ملا قَاضِي الشَّام وقاضي عَسْكَر أَنا طولي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ حسن بن خَالِد بك.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد تلو.
وَمِنْهُم الشَّيْخ محيي الدّين اليافي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد المحلاوي الْمصْرِيّ شيخ

(7/424)


الْقُرَّاء فِي زَمَنه.
وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْجمل الْمصْرِيّ.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَيُّوب الْمصْرِيّ.
وَمِنْهُم الشَّيْخ الملا عبد الرَّزَّاق الْبَغْدَادِيّ أحد مشاهير عُلَمَاء بَغْدَاد وأفاضلها.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مصلح قَاضِي جَنِين.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد البزري قَاضِي صيدا.
ومهم أَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي مفتيها.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الآتاسي مفتي حمص وَأَخُوهُ أَمِين فتواه.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد سُلَيْمَان الاروادي وَغَيره مِمَّن يطول ذكرهم وَلَا يُحْصى عَددهمْ من أفاضل وأعيان، فإينهم انتفعوا بِهِ وَأخذُوا عَنهُ وَعَلِيهِ تخْرجُوا.
مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى ضحورة يَوْم الاربعاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي سنة 1252، وَكَانَت مُدَّة حَيَاته قربيا من أَربع وَخمسين سنة، وَدفن بمقبرة فِي بَاب الصَّغِير فِي التربة الفوقانية، لَا زَالَت سحائب الرَّحْمَة تبل ثراه فِي الكبرة والعشية، وَكَانَ قبل مَوته بِعشْرين يَوْمًا قد اتخذ لنَفسِهِ الْقَبْر الَّذِي دفن فِيهِ، وَكَانَ فِيهِ بِوَصِيَّة مِنْهُ لمجاورته لقبر العلامتين: الشَّيْخ العلائي شَارِح التَّنْوِير وَالشَّيْخ صَالح الجينيني إِمَام الحَدِيث ومدرسه تَحت قبه النسْر، وَهَذَا مِمَّا يدل على حيه للشَّارِح العلائي، لَا سِيمَا، وَقد حشى لَهُ شرحيه على الدّرّ والملقتى وَشَرحه على الْمنَار، وسماني ياسمه وأرخ ولادتي على ظهر كِتَابه الدّرّ الْمُخْتَار فِي اليلة الثُّلَاثَاء لثَلَاثَة مضين من شهر ربيع الثَّانِي، 1244 رَحمَه الله تَعَالَى الْعَزِيز االغفار، وَقد مدحه بقصيدة وَهِي قَوْله: عَلَاء الدّين يام مفتي الانام * جَزَاك الله خى على الدَّوَام لقد أبرزت للفتيا كتابا * مُبينًا للْحَلَال وللحرام
لقد أَعْطَيْت فضلا لَا يضاهي * وعلما وافرا كالصب طام فَكنت بِهِ فريد الْعَصْر حتما * كَمثل الْبَدْر فِي وفن التَّمام وَكَانَ بك الزَّمَان خصيب عَيْش * رطيباذا حبور وابتسام وفَاق بدرك الْمُخْتَار عقد * لفقه أبي حنفة ذُو انتظام بِأَلْفَاظ تَرين الصعب سهلا * ومطروحا على طرف الثمام إِذا مَا قلت قولا قيل فِيهِ * على قَول إِذا قَالَت حذام صَغِير الحجم حاوي الجل مِمَّا * تنقح فِي ربى الْكتب الْعِظَام فَكل الصَّيْد فِي جَوف الفرا إِن * تقل ذَا لست تخشى من ملام حوى اسْما قد أُتِي طبق الْمُسَمّى * وَمَا تَأتي كَذَا كل الاسامي وَكَانَت لَهُ جَنَازَة حافلة مَا عهد نظيرها، حَتَّى أَن جنَازَته رفعت على رُؤُوس الاصابع من تزاحم الْخلق، وخوفا من قوعها وإضرار النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صَار حَاكم الْبَلدة وعساكره يفرقون النَّاس عَنْهَا، وَصَارَ النَّاس عُمُوما يَبْكُونَ نسَاء ورجلا كبار وصغارا وَصلى عيه فِي جَامع سِنَان باشا، وعض بهم الْمَسْجِد حَتَّى صلوا فِي الطَّرِيق، وَصلى عَلَيْهِ إِمَامًا باالناس الشَّيْخ سعيد الْحلَبِي، وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة فِي أَكثر الْبِلَاد، وَلم يتْرك أَوْلَادًا ذُكُورا غير هَذَا الحقير الْعَاجِز الْفَقِير الملتجي إِلَى عناية مَوْلَاهُ الْقَدِير جَامع هَذِه التكملة، حعلها الله تَعَالَى خَالِصَة لوجهه الْكَرِيم، ورحم الله تَعَالَى روحه، وَنور مرقده وضريحه، وَجَزَاء الله تَعَالَى عني وَعَن الْمُسلمين خيرا، نَفَعَنِي بِهِ وبعباده الصَّالِحين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

(7/425)


وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، بعون ذِي الْفضل والجود، فَنَقُول بعون الله تَعَالَى: قَول العلائي.

قَوْله: (قَالَ الْمحشِي) هُوَ الشَّيْخ صَالح على مَا يتَبَادَر من سابقه وَمن نَقله عَنهُ كثيرا، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذِه الْعبارَة للاستغناء عَنْهَا بِمَا قبلهَا ط.
مطلب: دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة

قَوْله: (مَعَ قبض) قيد بِهِ، لَان دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة، فَلَا بُد فِي دَعْوَاهَا من ذكر الْقَبْض وَلِهَذَا صور الْمَسْأَلَة شرَّاح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ وَسلمهَا ثمَّ غصبهَا مِنْهُ.
مطلب: الاقرار بِالْهبةِ هَل يكون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ؟ وَذكر الْعِمَادِيّ اخْتِلَافا فِي الاقرار بِالْهبةِ أَيكُون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ، قيل نعم لانه كقبول فِيهَا، والاصح لَا، وَقيد بِذكر التَّارِيخ لَهما لانه لَو لم يذكر لَهما تَارِيخ أَو ذكر لاحدهما فَقَط تقبل لامكان التَّوْفِيق بِأَن يَجْعَل الشِّرَاء مُتَأَخِّرًا اهـ بَحر.
وَفِيه أَيْضا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء أَولا ثمَّ برهن على الْهِبَة أَو الصَّدَقَة، فَإِن وفْق فَقَالَ جحدني الشِّرَاء ثمَّ وَهبهَا مني أَو تصدق قبل وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل وَفِي منية الْمُفْتِي: ادَّعَاهَا إِرْثا ثمَّ قَالَ جحدني فاشتريتها وَبرهن تقبل اهـ.
ذكر مسَائِل من التَّنَاقُض: مِنْهَا لَو ادّعى الشِّرَاء من أَبِيه فِي حَيَاته وَصِحَّته فَأنْكر وَلَا بَيِّنَة فَحلف ذُو الْيَد فبرهن الْمُدَّعِي أَنه ورثهَا من أَبِيه تقبل لامكان التَّوْفِيق.
مطلب: برهن على أَنه لَهُنَّ بالارث ثمَّ قَالَ لم يكن لي قطّ وَلَو داعى الارث أَولا ثمَّ الشِّرَاء لَا تقبل لعدمه.
وَمِنْهَا برهن على أَنه لَهُ بالارث ثمَّ قَالَ: لم يكن لي قطّ أَو لم يزدْ قطّ لم يقبل برهانه وَبَطل الْقَضَاء.
مطلب: دَعْوَى الشِّرَاء بعد الْهِبَة مسموعة مُطلقًا وَالشِّرَاء قبل هبة من غير قبض مسموعة أَيْضا وتقييده بِالْقَبْضِ لَيْسَ للِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الشِّرَاء بَعْدَمَا ادّعى الْهِبَة بِدُونِ التَّسْلِيم أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (فِي وَقت) ظرف لهبة لَا لادعى اهـ ح، وَذَلِكَ كَمَا إِذا ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ فِي رَمَضَان.

قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ: (أَوْ لَمْ يقل ذَلِك) اهـ ح.
مطلب: التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط فِي الِاسْتِحْسَان وَهُوَ الاصح
قَوْله: (بِإِمْكَان التَّوْفِيق) أَي مُطلقًا من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجهه أَو اتَّحد بَحر.
وَفِيه أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الاصح كَمَا فِي منية الْمُفْتِي.

(7/426)


أَقُول: لَكِن نقل فِي نور الْعين عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم، لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شِرَاء بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ.
يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل وَيحكم على مَذْهَب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا، إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
كَذَا فِي نُسْخَتي نور الْعين.
وَالَّذِي يظْهر زِيَادَة لَا فِي قَوْله يَنْبَغِي أَن لَا يقبل كَمَا هُوَ ظَاهر لمن تَأمل، وَسَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا الخ.
مَطْلَبٌ: مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي موضِعين
قَوْله: (وَهُوَ مُخْتَار شيخ الاسلام) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ، بِأَنْ لَا يَكُونَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان كل مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ، فَقَوْلهم: إِن إمْكَانُ التَّوْفِيقِ يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته لَا يقبل إِلَّا فِي موضِعين.
الاول: فِيمَا إِذا اشْترى عبدا وَقَبضه ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فلَان الْغَائِب بِكَذَا وَبرهن يقبل.
الثَّانِي: وهب جَارِيَته وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَسْتَرِدُّهَا والعقر اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه إِن شِئْت.
مطلب فِي ارْتِفَاع التَّنَاقُض أَقْوَال أَرْبَعَة
قَوْله: (من أَقْوَال أَرْبَعَة) الاول: لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان.
الثَّانِي: كِفَايَة الامكان مُطلقًا: أَي من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجه التَّوْفِيق أَو اتَّحد.
الثَّالِث: مَا ذكره الخجندي.
الرَّابِع: كِفَايَة الامكان إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وجوهه.
وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِي كل مَوضِع حصل فِيهِ التَّنَاقُض من الْمُدَّعِي أَو مِنْهُ وَمن شُهُوده أَو من الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْر، وَمثله فِي حَاشِيَة سيد الْوَالِد عَلَيْهِ.
مطلب: هَل يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق لدفع التَّنَاقُض أَو لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ
قَوْله: (أَنه يكفى من الْمُدعى عَلَيْهِ) هَذَا اخْتِصَار.
وأصل عبارَة الخجندي كَمَا فِي الْبَحْر: إِن التَّنَاقُض إِن كَانَ من الْمُدَّعِي فَلَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان، وَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يَكْفِي الامكان، لَان الظَّاهِر عِنْد الامكان وجوده ووقوعه، وَالظَّاهِر حجَّة فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْمُدَّعِي مُسْتَحقّ وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ دَافع، وَالظَّاهِر يَكْفِي فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق.
وَيُقَال أَيْضا: إِن

(7/427)


تعدد الْوُجُوه لَا يَكْفِي الامكان وَإِن اتَّحد يَكْفِي الامكان والتناقض كَمَا يمْنَع الدَّعْوَى لنَفسِهِ يمْنَع الدَّعْوَى غَيره.

قَوْله: (بعد وَقتهَا) كشوال وَهُوَ ظرف للشراء كقبله اهـ ح.

قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا قَالَ جحدنيها أَولا ح.

قَوْله: (وَقَبله) أَي قبل وَقت الْهِبَة كشعبان.

قَوْله: (لوضوح التَّوْفِيق فِي الْوَجْه الاول) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الشِّرَاء بعد وَقت الْهِبَة.
وَهَذَا التَّعْلِيل إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا قَالَ جحدنيها، وَأما إِذا لم يقلهُ فَالَّذِي فِيهِ إِمْكَان التَّوْفِيق.

قَوْله: (وَظُهُور التَّنَاقُض فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وشهوده تشهد لَهُ بِهِ قَبْلَهَا، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا، ومرادهم بالتناقض مَا يكون بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ لانه لم يدع الشِّرَاء سَابِقًا على الْهِبَة، والتناقض يبطل الدَّعْوَى.
مطلب: يكون التَّنَاقُض من مُتَكَلم وَاحِد وَمن اثْنَيْنِ وكما يكون من مُتَكَلم وَاحِد يكون من متكلمين كمتكلم وَاحِد حكما كوارث ومورث ووكيل وموكل.
والاولى (1) فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلم أر الْآن الثَّانِيَة صَرِيحًا وَهِي ظَاهِرَة من الاولى.
بَحر.
مطلب: لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث فِيمَا لَا تسمع دَعْوَى مُوَرِثه فِيهِ قَالَ أَبُو السُّعُود: وَفِي هَذَا دلَالَة ظَاهِرَة على مَا نَقله الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي رِسَالَة الابراء عَن فَتَاوَى الشَّيْخ الشلبي حَيْثُ حكى الاجماع على أَن دَعْوَى الْوَارِث لَا تسمع فِي شئ لَا تسمع فِيهِ دَعْوَى مُوَرِثه أَن لَو كَانَ حَيا، كَمَا إِذا أقرّ مُوَرِثه بِقَبض مَا يَخُصُّهُ من التَّرِكَة وَأَبْرَأ إِبْرَاء عَاما لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث بعده الخ.
وَإِذا عرف هَذَا فِي الابراء فَكَذَا فِي غَيره من بَقِيَّة الْمَوَانِع، كَمَا لَو ترك الدَّعْوَى فِي حق لَا من جِهَة الارث حَتَّى مضى خمس عشرَة سنة، وَقَوْلهمْ لَا تسمع الدَّعْوَى بعد خمس سنة إِلَّا فِي الارث يحمل على مَا إِذا لم تمض الْخمس عشرَة سنة قبل موت مُوَرِثه اهـ ط.
مطلب: هَل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ المتناقضين فِي مجْلِس القَاضِي أَو الثَّانِي فَقَط؟
قَوْله: (وَهل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ) أَي المتناقضين.

قَوْله: (أَو الثَّانِي فَقَط) أَي وَيحْتَاج إِلَى إِثْبَات الاول عِنْد القَاضِي ليدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.

قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَرْجِيح الثَّانِي) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنَحٌ.
وَفِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَونهَا لَدَيْهِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شَرط كَونهمَا فِي مجْلِس يعم الْحَقِيقِيّ والحكمي فِي السَّابِق واللاحق اهـ.
وَهُوَ حسن.
__________
(1)
قَوْله: (والاول) أَي مَسْأَلَة للْوَارِث والمورث اهـ.

(7/428)


لَكِن ذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَاشِيَته على الْبَحْر بعد ذكر نَحْو مَا تقدم: قلت: وَسَيَأْتِي فِي الْوكَالَة أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يَصح إِقْرَاره لَو أقرّ عِنْد القَاضِي لَا عِنْد غَيره، وَلكنه يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة.
وَعند أبي يُوسُف: يَصح إِقْرَاره مُطلقًا، لَان الشئ إِنَّمَا يخْتَص بِمَجْلِس الْقَضَاء إِذا لم يكن مُوجبا إِلَّا بانضمام الْقَضَاء إِلَيْهِ كالبينة والنكول.
وَلَهُمَا: أَن المُرَاد بِالْخُصُومَةِ الْجَواب مجَازًا، وَالْجَوَاب يسْتَحق فِي مجْلِس الحكم فَيخْتَص بِهِ، فَإِذا أقرّ فِي غَيره لَا يعْتَبر لكَونه أَجْنَبِيّا فَلَا ينفذ على الْمُوكل لكنه
يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة لَان إِقْرَاره يتَضَمَّن أَنه لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْخُصُومَة اه.
وَالْحَاصِل: أَن اخْتِصَاصه بِمَجْلِس القَاضِي لكَون لفظ الْخُصُومَة يتَقَيَّد بِهِ، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك، فَالَّذِي يظْهر تَرْجِيح عدم اشْتِرَاط كَون الْكَلَامَيْنِ فِي مجْلِس القَاضِي اهـ.

قَوْله: (يرْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم) أَي بكلاميه المتناقضين.
مطلب: يرْتَفع المتناقض بقول المتناقض تركت
قَوْله: (وَبقول المتناقض تركت الاول الخ) أَقُول: فِيهِ أَنه حِينَئِذٍ لَا يبْقى تنَاقض أصلا، لَان كل متناقض يُمكنهُ أَن يَقُول ذَلِك، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مَخْصُوص بِمَسْأَلَة مَا إِذا ادَّعَاهُ مُطلقًا ثمَّ ادَّعَاهُ بِسَبَب الخ، فَإِذا قَالَ ذَلِك قبل قَوْله: أما لَو قَالَ هَذَا ملك الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ بل ملكي تركت الاول وَادّعى بِالثَّانِي فَلَا قَائِل بِهِ، ويرشدك لذَلِك.

قَوْله: (تركت الاول الخ) .
ثمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى، فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تسمع لانها دَعْوَى مُبتَدأَة، وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَفِيه أَيْضا وبرجوع المتناقض عَن الاول بِأَن يَقُول تركته وَادّعى بِكَذَا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ بعد كَلَام: وَظَاهر مَا ذكره الْمُؤلف فِي الِاسْتِحْقَاق: أَي صَاحب الْبَحْر، أَن مَسْأَلَة رُجُوع المتناقض بحث مِنْهُ.
ثمَّ رَأَيْت البزازي ذكر بعد ذَلِك فِي نوع فِي الدّفع، وَذكر القَاضِي ادّعى بِسَبَب وشهدا بالمطلق لَا يسمع وَلَا تقبل لَكِن لَا تبطل دَعْوَاهُ الاولى، حَتَّى لَو قَالَ أردْت بالمطلق الْمُقَيد يسمع كَمَا مر إِن برهن على أَنه لَهُ.
وَفِي الذَّخِيرَة أَيْضا: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يقبل وَيبْطل الدّفع اهـ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: رُبمَا يشكل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا: ادّعى على زيد أَنه دفع لَهُ مَالا ليدفعه إِلَى غَرِيمه وحلفه ثمَّ ادَّعَاهُ على خَالِد وَزعم أَن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا لَا يقبل، لَان الْحق الْوَاحِد كَمَا لَا يسْتَوْفى من اثْنَيْنِ لَا يُخَاصم مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْه وَاحِد اهـ.
وَوجه إشكاله أَنه لما قَالَ إِن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا فقد ارْتَفع التَّنَاقُض، وَالله تَعَالَى أعلم.
ذكره الْغَزِّي.
وَأَقُول: قد كتب فرقا فِي حاشيتي على جَامع الْفُصُولَيْنِ بَين فرع البزازي وَفرع ذكره فَرَاجعه، وَيفرق هَا هُنَا بِأَن فِيمَا ذكره البزازي امْتنع ارْتِفَاع
التَّنَاقُض لتَعَلُّقه بِاثْنَيْنِ فَلَا تصح الدَّعْوَى لما ذكره من امْتنَاع مخاصمة الِاثْنَيْنِ فِي حق وَاحِد، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْوَاحِد وَهُوَ مَحل مَا فِي هَذَا الشَّرْح فَتدبر اهـ.
مطلب: يرْتَفع التَّنَاقُض بقول المتناقض تركت
قَوْلُهُ: (أَوْ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحكم بِهِ الْحَاكِم وَأخذ الْمَكْفُول لَهُ مِنْهُ الْمَالَ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى

(7/429)


الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ.
كَذَا فِي الْمنح ح.
وَكَذَا إِذا اسْتحق المُشْتَرِي من المُشْتَرِي بالحكم يرجع على البَائِع بِالثّمن وَإِن كَانَ كل مُشْتَر مقرا بِالْملكِ لبَائِعه، لكنه لم حكم ببرهان الْمُسْتَحق صَار مُكَذبا شرعا باتصال الْقَضَاء بِهِ اهـ ط.
وَمثله فِي الانقروي، وَإِنَّمَا احْتَاجَ للدعوى لاثبات كَون الْكفَالَة بالامر لَا لاثبات أصل الْكفَالَة، إِذْ هِيَ من الْمسَائِل الَّتِي يكون الْقَضَاء بهَا على الْحَاضِر قَضَاء على الْغَائِب.

قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) وَعبارَة الْبَحْرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَى، وَهِيَ: إذَا قَالَ تَرَكْتُ أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيبْطل الدّفع اهـ.
فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى، وَمَعَ هَذَا نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ.
وَقَدْ يُقَالُ: ذَلِكَ الْقَوْلُ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ.
تَأَمَّلْ.
وَذَكَرَ سَيِّدِي الْوَالِدُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ تَأْيِيدَ مَا فِي النَّهر.
مطلب: ادّعى بِسَبَب ثمَّ ادَّعَاهُ مُطلقًا وَقَالَ فِي الْخَانِية: رجل ادّعى الْملك بِسَبَبٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ شُهُودُهُ بِذَلِكَ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.
قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَالَ جَدِّي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تقبل بَيِّنَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اه.
مطلب: ادّعى وَقفا ثمَّ ادَّعَاهُ ملكا لنَفسِهِ لَا تقبل

قَوْله: (ثمَّ ادَّعَاهَا لنَفسِهِ) لوُجُود التَّنَاقُض مَعَ عدم إِمْكَان التَّوْفِيق، إِذْ الْوَقْف لَا يصير ملكا ط.

قَوْله: (لم تقبل للتناقض) لَان الانسان لَا يضيف مَال نَفسه إِلَى غَيره.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد ذكر الْمَسْأَلَة فِي الْفَصْل 39 أَقُول: يُمكن أَيْضا فِي هَذَا أَنه أضَاف مَال الْغَيْر إِلَى نَفسه فَلَا تنَاقض حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَقْبُولًا اهـ.

قَوْله: (وَقيل تقبل إِن وفْق) هَذَا رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة دون مَسْأَلَة الْوَقْف، وَمُقْتَضى مَا سبق أَن إِمْكَان التَّوْفِيق بِمَا ذكر كَاف ط.
وَأما مَا ذكر الشَّارِح فَلَيْسَ بكاف بل لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَقد تقدم أَن الِاسْتِحْسَان أَن التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط.
مطلب: ادّعى الْملك ثمَّ ادَّعَاهُ وَقفا تقبل
قَوْله: (ثمَّ ادّعى الْوَقْف عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْر.
وَالَّذِي فِي الْحَمَوِيّ عدم التَّقْيِيد بقوله عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْفَ الْمَارَّ.
قِيلَ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ لِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الثَّانِي الْقَائِلِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ على نَفسه اهـ.
وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِيهِ، لما فِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لصِحَّة الاضافة بالاخصية انتفاعا كَمَا لَو ادَّعَاهَا لنَفسِهِ ثمَّ لغيره اهـ.
تَأمل.

قَوْله: (تقبل)

(7/430)


لاحْتِمَال أَنَّهَا انْتَقَلت لغيره مِنْهُ.

قَوْله: (اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة) أَي وَالْوَاقِع كَذَلِك.

قَوْله: (فَلهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَده المُشْتَرِي.
أَبُو السُّعُود عَن الْحلَبِي بحثا.

قَوْله: (واقترن تَركه بِفعل يدل على الرِّضَا الخ) هَذَا مَا ذكره صَاحب الْهِدَايَة جَازِمًا بِهِ، وَبَعْضهمْ اكْتفى بعزم الْقلب على التّرْك، وَبَعْضهمْ اشْتِرَاط الاشهاد عَلَيْهِ: أَي على مَا فِي قلبه بِلِسَانِهِ، وَقيل مُجَرّد الْعَزْم لَا يفْسخ بِهِ كمن لَهُ خِيَار شَرط.
أُجِيب بِأَن المُرَاد عزم مؤكل بِفعل كإمساكها ونقلها لمحله، إِذْ لَا يحل ذَلِك بِدُونِ فسخ فَكَانَ فسخا دلَالَة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.

قَوْله: (لما تقرر) عِلّة للْمُصَنف.
مطلب: جحود مَا عدا النِّكَاح فسخ لَهُ
قَوْله: (مَا عدا النِّكَاح) فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب، فَلَو ادّعى تزَوجهَا على ألف فأنكرت ثمَّ أَقَامَت الْبَيِّنَة على أَلفَيْنِ قبلت وَلَا يكون إنكارها تَكْذِيبًا للشُّهُود، وَفِي البيع لَا يقبل وَيكون
تَكْذِيبًا للشُّهُود.
وَلَو ادَّعَت عَلَيْهِ نِكَاحا وَحلف عِنْدهمَا أَو لم يحلف عِنْده لَا يحل لَهَا التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ، لَان إِنْكَاره لَا يكون فسخا فَيحْتَاج القَاضِي بعده أَن يَقُول فرقت بَيْنكُمَا أَو يَقُول الْخصم إِن كَانَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق بَائِن.
وَلَو ادّعى على امْرَأَة أَنه تزَوجهَا فأنكرت الْمَرْأَة ثمَّ مَاتَ الزَّوْج فَجَاءَت الْمَرْأَة تَدعِي مِيرَاثه فلهَا الْمِيرَاث كَعَكْسِهِ عِنْدهمَا، وَعند الامام لَا مِيرَاث لَهُ لانه لَا عدَّة عَلَيْهِ، وَلذَا كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج بأختها وَأَرْبع سواهَا.
وَلَو ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالبَة الْمِيرَاث، وكما لَا يكون إِنْكَار النِّكَاح فسخا لَا يكون طَلَاقا وَإِن نوى بِخِلَاف لست لي بِامْرَأَة فَإِنَّهُ يَقع بِهِ إِن نوى عِنْده خلافًا لَهما اهـ ط.
وَمثله فِي الْبَحْر.
وَقد ذكر فِي الْبَحْر فِي خِيَار الْبلُوغ صورا من النِّكَاح تحْتَمل الْفَسْخ.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال: النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ فَلَا يَسْتَقِيم جعله فسخا.
لانا نقُول: المعني بقولنَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ بعد التَّمام وَهُوَ النِّكَاح الصَّحِيح النَّافِذ اللَّازِم، وَأما قبل التَّمام فَيحْتَمل الْفَسْخ، وتزويج الاخ وَالْعم صَحِيح نَافِذ لكنه غير لَازم فَيقبل الْفَسْخ اهـ.
وَيرد ارتداد أَحدهمَا فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعد التَّمام، وَكَذَا إباؤها عَن الاسلام بعد إِسْلَامه فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعده، وَكَذَا ملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه.
مطلب: الْحق أَن النِّكَاح يقبل الْفَسْخ فَالْحق أَنه يقبل الْفَسْخ مُطلقًا إِذا وجد مَا يَقْتَضِيهِ شرعا اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قد يُقَال مُرَاده بِالْفَسْخِ مَا كَانَ مَقْصُودا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ، وَهُوَ فِيمَا ذكره من الصُّور لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ تَابع لَازم لغيره: أعين الارتداد والاباء وَالْملك، وَمثله الْفَسْخ بتقبيل ابْن الزَّوْج وَسبي أَحدهمَا ومهاجرته إِلَيْنَا.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك: أجَاب بعض الْفُضَلَاء بِأَن ذَلِك انْفِسَاخ لَا فسخ اهـ.
وَهُوَ مؤدى مَا قُلْنَا اهـ.

قَوْله: (فَللْبَائِع ردهَا بِعَيْب الخ) أَي وَقد علمه بعد هَذِه الدَّعْوَى وَإِلَّا كَانَت الدَّعْوَى رضَا بِهِ، وَقَيده فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ على البَائِع لاحْتِمَال نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ فَتلْزمهُ فَاعْتبر بيعا جَدِيدا فِي حق ثَالِث، والاشبه أَن يكون هَذَا التَّفْصِيل بعد

(7/431)


الْقَبْض.
وَأما قبله فَيَنْبَغِي أَن يرد مُطلقًا: أَي وَلَو قبل تَحْلِيفه لانه فسخ من كل وَجه فِي غير الْعقار فَلَا
يُمكن حمله على البيع.
مطلب: مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ زَيْلَعِيّ وَغَيره ط.
وَنَحْوه فِي الشلانبلالية.
مطلب مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ بِفَسْخ بل انْفِسَاخ
قَوْله: (أما النِّكَاح فَلَا يقبل أصلا) عبارَة الْفَتْح: وَالنِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب أَي الَّتِي يتعاطاها الزَّوْجَانِ.
وَأما انفساخه بخروجهما عَن أَهْلِيَّة النِّكَاح كارتداد أَحدهمَا وإباء الْمَجُوسِيَّة عَن الاسلام وَملك أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر وَكَذَا مَا قدمه من الْفرْقَة بِأَنَّهَا تَارَة تكون طَلَاقا وَتارَة تكون فسخا فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا.
رَحْمَتي.
أَقُول: وَهُوَ معنى مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن سَيِّدي الْوَالِد.
وَأَقُول: حق ذكر هَذِه الْمسَائِل فِي كتاب الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا ذكرت هُنَا لبَيَان حكم الْقَضَاء فِيهَا.

قَوْله: (يقبل برهانه) لَعَلَّ وَجهه مَعَ أَنه تنَاقض ظَاهر مَا يَأْتِي قَرِيبا من أَن النِّكَاح لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فَيكون جحوده ردا لاقرارها.

قَوْله: (أقرّ بِقَبض عشرَة دَرَاهِم) أطلق فِيهَا، فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي الْفَتْح، وَقيد بِالدَّرَاهِمِ لَان المُشْتَرِي لَو أقرّ أَنه قبض الْمَبِيع ثمَّ ادّعى عَيْبا بِهِ فَإِن القَوْل لبَائِعه لَان الْمَبِيع مُتَعَيّن، فَإِذا قَبضه وَأقر بِأَنَّهُ استوفى حَقه دلَالَة فبدعواه الْعَيْب صَار متناقضا اهـ.
ط عَن الْحَمَوِيّ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد الاقرار بِالْقَبْضِ، لانه لَو أقرّ بالالف وَلم يبين الْجِهَة ثمَّ ادّعى مَوْصُولا أَنَّهَا زيف لم يقْض عَلَيْهِ، وَاخْتلف الْمَشَايِخ: قيل أَيْضا على الْخلاف، وَقيل يصدق إِجْمَاعًا لَان الْجَوْدَة تجب فِي بعض الْوُجُوه لَا على الْبَعْض فَلَا تجب بِالِاحْتِمَالِ.
وَلَو قَالَ غصبت ألفا أَو أودعني ألفا إِلَّا أَنَّهَا زيوف صدق وَإِن فصل.
وَعَن الامام أَن الْقَرْض كالغصب، وَلَو قَالَ فِي الْغَصْب والوديعة إِلَّا أَنَّهَا رصاص أَو ستوقة صدق إِذا وصل، وَلَو قَالَ فِي كرّ حِنْطَة من ثمن مَبِيع أَو قرض إِلَّا أَنه ردئ فَالْقَوْل لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا كدعوى الرداءة لانها فِي الْحِنْطَة لَيست بِعَيْب، لَان الْعَيْب مَا يَخْلُو عَنهُ أصل الْفطْرَة، وَالْحِنْطَة قد تكون رَدِيئَة بِأَصْل الْخلقَة فَلَا يحمل مُطلقهَا على الْجيد وَلذَا لم يجز شِرَاء الْبر بِدُونِ ذكر الصّفة.
أقرّ بِقَبض عشرَة أفلس أَو ثمن مَبِيع ثمَّ ادّعى أَنَّهَا كاسدة لم يصدق وَإِن وصل.
وَقَالا: يصدق فِي الْقَرْض إِذا وصل، أما فِي البيع فَلَا يصدق عِنْد الثَّانِي فِي قَول الاول.
وَقَالَ مُحَمَّد: يصدق فِي
الْمَبِيع وَعَلِيهِ قيمَة الْمَبِيع، وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله عَليّ عشرَة ستوقة من قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلَو قَالَ غصبته عشرَة أفلس أَو أودعني عشرَة أفلس ثمَّ قَالَ هِيَ كاسدة صدق اهـ.
وَقيد باقتصاره على قبض الدَّرَاهِم، لانه لَو قَالَ قبضت دَرَاهِم جيادا لم يصدق فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوف مَوْصُولا ومفصولا.
وَنقل فِي أَنْفَع الْوَسَائِل أَنه إِذا قبض البَائِع الثّمن أَو الْمُؤَجّر الاجرة أَو رب الدّين دينه من الْمَدْيُون وَلم ينْقد الثّمن وَلَا الاجرة وَلَا الدّين ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك وَذكر أَن فِيمَا قَبضه رداءة وَهُوَ الَّذِي تَقوله الْعَامَّة نُحَاس وَرَفعه إِلَى الْحَاكِم فَطلب مِنْهُ الحكم والخصم يُنكر وَيَقُول دراهمي جِيَاد وَمَا أعلم هَل هَذَا مِنْهَا أم لَا، فَهَل

(7/432)


يكون القَوْل قَول الْقَابِض أَو الدَّافِع؟ وتحرير الْكَلَام فِي ذَلِك ذكر فِي الْقنية.
ص: تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغ بَغْدَاد رد بَعْضهَا وَقَالَ هِيَ زيوف أَو ستوقة، فَالْقَوْل لرب الدَّابَّة لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه والجياد فَالْقَوْل لَهُ هَذِه عبارَة الْقنية.
وَذكر فِي الْمَبْسُوط قَالَ: وَإِذا كَانَ أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة مَوْصُوفَة وَأشْهد الْمُؤَجّر أَنه قبض من الْمُسْتَأْجر عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة ثمَّ ادّعى أَن الدَّرَاهِم نبهرجة أَو أَن الطَّعَام معيب فَالْقَوْل قَوْله لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه، فَإِن مَا فِي الذِّمَّة يعرف بِصفة وَيخْتَلف باخْتلَاف الصّفة فَلَا مناقضة فِي كَلَامه، فاسم الدَّرَاهِم يتَنَاوَل النبهرج، وَاسم الْحِنْطَة يتَنَاوَل الْمَعِيب، وَإِن كَانَ حِين أشهد قَالَ قد قبضت من أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة لم يصدق بعد ذَلِك على ادِّعَاء الْعَيْب والزيف، كَذَلِك لَو قَالَ استوفيت أجر الدَّار ثمَّ قَالَ وجدته زُيُوفًا لم يصدق بِبَيِّنَة وَلَا غَيرهَا لانه قد سبق مِنْهُ الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِن أجر الدَّار من الْجِيَاد فَيكون هُوَ مناقضا فِي قَوْله وجدته زُيُوفًا، والمناقض لَا قَول لَهُ وَلَا تقبل بَينته، وَلَو كَانَ ثوبا بِعَيْنِه فَقَبضهُ ثمَّ جَاءَ يردهُ بِعَيْبِهِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجر لَيْسَ هَذَا ثوب فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر، لانهما تصادفا على أَنه قبض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْئا بِعَيْنِه ثمَّ ادّعى الآخر لنَفسِهِ حق الرَّد وَالْمُسْتَأْجر مُنكر لذَلِك فَالْقَوْل قَوْله فَإِن أَقَامَ رب الدَّار الْبَيِّنَة على الْمَعِيب رده سَوَاء كَانَ الْعَيْب يَسِيرا أَو فَاحِشا على قِيَاس البيع.
قلت: فَتحَرَّر لنا من كَلَام شمس الائمة السَّرخسِيّ أَن الْمُؤَجّر مَتى قَالَ استوفيت أجر الدارهم
ثمَّ قَالَ وجدت فِيهِ زُيُوفًا لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، وَلَو قَالَ قبضت من الْمُسْتَأْجر كَذَا من الدَّرَاهِم وَلم يقل الاجرة ثمَّ جَاءَ وَقَالَ هَذِه الدَّرَاهِم نبهرجة فَالْقَوْل قَوْله، فَصَارَ جَوَاب الْمَسْأَلَة أَن الْقَابِض مَتى أقرّ بِقَبض الْحق ثمَّ ادّعى أَنه زيوف لم يصدق لانه نَاقض كَلَامه، لَان إِقْرَاره بِقَبض الْحق إِقْرَار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك هُوَ زيوف أَو بعضه فقد نَاقض كَلَامه والمناقض لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ قبضت عشرَة دَرَاهِم مثلا وَلم يقل من أُجْرَة دَاري ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف فَإِنَّهُ يقبل قَوْله، لانه فِي القَوْل الثَّانِي مُنكر اسْتِيفَاء الْحق، وَمَا سبق مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذَا القَوْل فَيكون القَوْل قَوْله.
هَذَا خُلَاصَة مَا قَالَه فِي الْمَبْسُوط.
وَأما مَا ذكره فِي الْقنية ورمز لَهُ بالصَّاد وَهِي عَلامَة كتاب الاصل فَهُوَ مُوَافق لما قَرَّرْنَاهُ، لانه قَالَ وَدفعهَا إِلَيْهِ وَلم يقل وَأقر بِاسْتِيفَاء الاجرة، وَفِي هَذِه الصُّورَة لَيْسَ الْقَابِض بمناقض فِي قَوْله فَيقبل، وَبَقِيَّة مَا ذكره فِي الْقنية هُوَ من الْمَبْسُوط فَإِنَّهُ رمز بسين وَهُوَ عَلامَة الْمَبْسُوط، وَمعنى مَا ذكره أَنه إِذا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم بِأَن قَالَ مثلا قبضت مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف صدق، وَلَو قَالَ هِيَ ستوقة لَا يصدق، وَذَلِكَ لانه فِي الزُّيُوف مَا نَاقض كَلَامه لَان الزُّيُوف من جنس حَقه، وَفِي الستوقة نَاقض كَلَامه لانه أقرّ أَولا بِالدَّرَاهِمِ وَثَانِيا ادّعى أَنَّهَا ستوقة، والستوق لَيْسَ من الْجِنْس فَكَانَ مناقضا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من تَفْسِير الزُّيُوف والستوق والنبهرج، وَقَوله وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة الخ، هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه فِي الْمَبْسُوط مِمَّا نَقَلْنَاهُ وسنبينه، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة إِلَى آخِره هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه إِلَى تَقْدِيره وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا حَتَّى يتم

(7/433)


الْكَلَام.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيبقى تَقْدِير الْكَلَام تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة دَرَاهِم وَأقر الْآجر بِقَبض الاجرة ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف أَو ستوقة يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَهَذَا خلاف مَا ذكره شمس الائمة فِي الْمَبْسُوط، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة ثمَّ قَالَ وَهِي زيوف لم يقبل قَوْله، والحرف قد بَيناهُ، وَهُوَ الْمُوَافق للفقه لانه تنَاقض كَلَامه بعد ذَلِك والمناقض لَا قَول لَهُ، فَكيف يَقُول فِي الْقنية القَوْل لَهُ فَهَذَا وَالله أعلم سَهْو، فَإِنَّهُ زيف كَلَام الْمَبْسُوط وَمَا يَقُوله مُحَمَّد إِلَى آخِره، فَالَّذِي يجب أَن يعْمل بِهِ هُوَ مَا ذكره فِي الْمَبْسُوط: أَعنِي فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة.
وَأما بَقِيَّة الصُّور فَكلهَا مُوَافقَة لما ذكره فِي الْمَبْسُوط.
فَإِذا تقرر لنا هَذَا فِي الاجارة والاجرة عديناه إِلَى اسْتِيفَاء الاثمان فِي الْبياعَات والديون فِي الْمُعَامَلَات، فَإِن الْعلَّة تجمع الْكل فَنَقُول: إِذا دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَهِي عَن مَتَاع ثمَّ جَاءَ البَائِع وَأَرَادَ أَن يرد عَلَيْهِ شَيْئا يزْعم أَنه مَرْدُود فِي الْمُعَامَلَات بَين النَّاس وَأنكر المُشْتَرِي أَن ذَلِك من دَرَاهِمه الَّتِي دَفعهَا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون البَائِع أقرّ بِقَبض الثّمن أَولا، فَإِن أقرّ بِقَبض الثّمن لم يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَلَا يلْزم المُشْتَرِي بِأَن يدْفع عوض ذَلِك الرَّد، وَلَو اخْتَار البَائِع يَمِين المُشْتَرِي أَنه مَا يعلم أَن هَذَا الرَّد من دَرَاهِمه الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ يَنْبَغِي أَن يُجَاب إِلَى ذَلِك ويحلفه القَاضِي على الْعلم، فَإِن حلف انْقَطَعت الْخُصُومَة وَلم يبْق لَهُ مَعَه مُنَازعَة، وَإِن نكل يَنْبَغِي أَن يردهَا عَلَيْهِ لانه أقرّ بِمَا ادَّعَاهُ بطرِيق النّكُول.
وَإِن كَانَ البَائِع لم يقر بِقَبض الثّمن وَلَا الْحق الَّذِي على المُشْتَرِي من جِهَة هَذَا البيع وَإِنَّمَا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مثلا وَلم يقل هِيَ الثّمن وَلَا الْحق، فَإِن فِي هَذِه الصُّورَة يكون القَوْل قَول البَائِع لانه مُنكر اسْتِيفَاء حَقه وَلم يتَقَدَّم مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذِه الدَّعْوَى فَيقبل قَوْله مَعَ يَمِينه، هَذَا إِذا أنكر المُشْتَرِي أَنَّهَا من دَرَاهِمه أَيْضا، وَكَذَلِكَ الدُّيُون أَيْضا يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهَا كالجواب فِي الاجر وَالثمن فِي بَاب البيع، وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الَّذِي يردهُ زُيُوفًا أَو نبهرجا، فَإِن كَانَ ستوقا فَلَا يقبل قَوْله فَلَا يردهُ لانه نَاقض كَلَامه.
أما فِي صُورَة إِقْرَاره بِقَبض الدَّرَاهِم فَظَاهر لَان الستوق لَيْسَ من جنس الدَّرَاهِم وَقد أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم أَولا ثمَّ قَالَ هِيَ ستوقة فَكَانَ مناقضا، وَكَذَلِكَ فِي إِقْرَاره بِقَبض الاجرة أَو الْحق بل بِالطَّرِيقِ الاولى.
وَعبارَة الْمَبْسُوط خَالِيَة عَن ذكر الستوق وَلَيْسَ فِيهَا مَا يمْنَع مَا قَالَه فِي الْقنية بل يُوَافقهُ من حَيْثُ الْمَعْنى.

قَوْله: (ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف) عبر بثم ليُفِيد أَن الْبَيَان إِذا وَقع مَفْصُولًا يعْتَبر فالموصول أولى بِالِاعْتِبَارِ اهـ.
بَحر.
وَمثله فِي الطَّحَاوِيّ عَن الْمنح.
وَقيد بالزيوف للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا بَين أَنَّهَا ستوقة فَإِنَّهُ لَا يصدق لَان اسْم الدَّرَاهِم لَا يَقع عَلَيْهَا، وَلذَا لَو تجوز بالزيوف والنبهرج فِي الصّرْف وَالسّلم جَازَ، وَفِي الستوق لَا إِن كَانَ مَفْصُولًا، وَإِن كَانَ مَوْصُولا صدق كَمَا فِي النِّهَايَة، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن.
وَالْحَاصِل: أَن ادعاءه إِن مَوْصُولا صَحِيح فِي الْكل سوى صُورَة الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، وَأَن ادعاءه مَفْصُولًا فِي الْبَوَاقِي غير صَحِيح سوى صُورَة الاقرار بِقَبض عشرَة دَرَاهِم، والزيف مَا زيفه بَيت المَال: أَي يردهُ.

قَوْله: (أَو نبهرجة) قَالَ ط: صَوَابه بنهرجة بِتَقْدِيم الْبَاء على النُّون كَمَا يُسْتَفَاد من
الْمغرب.
أَبُو السُّعُود عَن الْحَمَوِيّ.
والزيف: مَا زيفه بَيت المَال.
والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار.
وَقيل الزُّيُوف هِيَ المغشوشة، والبنهرجة هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
وَفِي الايضاح: الزيف: مَا زيفه بَيت المَال لنَوْع قُصُور فِي جودته إِلَّا أَنه تجْرِي فِيهِ الْمُعَامَلَة بَين التُّجَّار.
والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار لرداءة فضته.
والستوقة: الَّتِي وَسطهَا نُحَاس أَو رصاص ووجهها فضَّة، وَهِي مُعرب مِنْهُ توبه اهـ.

(7/434)


وَفِي الْفَتْح مِنْهُ ثَلَاث: يَعْنِي ثَلَاث طَبَقَات الاعلى والاسفل فضَّة والاوسط نُحَاس اهـ.
لَكِن نقل سَيِّدي الْوَالِد عَن الْقَامُوس فِي فصل النُّون: النبهرج: الزيف الردئ اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ: النَّبَهْرَجُ: الدِّرْهَمُ الَّذِي فِضَّتُهُ رَدِيئَةٌ، وَقِيلَ الَّذِي الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلْفِضَّةِ، وَقَدْ اُسْتُعِيرَ لكل ردئ بَاطِلٍ، وَمِنْهُ بُهْرِجَ دَمُهُ: إذَا أُهْدِرَ وَأُبْطِلَ.
وَعَنْ اللِّحْيَانِيِّ: دِرْهَمٌ نَبَهْرَجٌ وَلَمْ أَجِدْهُ بِالنُّونِ إِلَّا لَهُ اهـ.
وَهِي مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ اهـ مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد، قَالَ فِي أَنْفَع الْوَسَائِل عَن الْكَرْخِي: الستوق عِنْدهم مَا كَانَ النّحاس فِيهِ هُوَ الْغَالِب الاكثر.
وَفِي الرسَالَة التوسيعة: النبهرجة: إِذا غلبها النّحاس لم تَأْخُذ.
وَأما الستوقة فَحَرَام أَخذهَا لانها فلوس.
وَحَاصِل مَا قَالُوهُ فِي تَفْسِير الزُّيُوف والنبهرجة والستوقة: أَن الزُّيُوف أَجود من الْكل، وَبعد الزُّيُوف البنهرجة، وَبعدهَا الستوقة، فَتكون الزُّيُوف بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم الَّتِي يقبلهَا بعض الصيارف دون بعض، والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي تسمى مُغيرَة لَكِن الْفضة فِيهَا أَكثر.
والستوقة بِمَنْزِلَة الزغل، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها، فَإِذا عرفنَا (1) هَذَا فالزيوف والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها.
مطلب: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة أَو الْجِيَاد ثمَّ ادّعى أَنَّهَا بنهرجة أَو زيوف لم يصدق، وَإِذا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُطلقَة يصدق.
فَإِذا عرفنَا هَذَا فالزيوف والبنهرجة يكون القَوْل قَول الْقَابِض فِيهَا إِذا لم يقر بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة والجياد، بل يكون أقرّ بِقَبض كَذَا من الدَّرَاهِم ثمَّ يَدعِي أَن بَعْضهَا زيوف أَو بنهرجة كَمَا قدمْنَاهُ
فَيقبل قَوْله ويردا، وَأما إِذا قَالَ إِنَّهَا ستوقة بعد مَا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم لَا يقبل قَوْله وَلَا يردهَا.

قَوْله: (بِخِلَاف الستوقة) بِفَتْح السِّين كَمَا فِي الْفَتْح.
وَنقل الشَّيْخ شاهين عَن شرح الْمجمع جَوَاز الضَّم أَيْضا.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ ط: والاولى حذف هَذِه الْعبارَة والاقتصار على المُصَنّف.

قَوْله: (فالتفصيل) أَي بَين الزُّيُوف والبنهرجة وَبَين الستوقة.

قَوْله: (فِي المفصول) أَي من كَونه يصدق فِيهِ بادعاء الزيافة لَا الستوقة.

قَوْله: (وَلَو مَوْصُولا للتناقض) الْفرق بَينه وَبَين مَا بعده حَيْثُ يصدق فِيهِ إِذا كَانَ مَوْصُولا أَنه فِي الثَّانِي مقرّ بِقَبض الْقدر والجودة بِلَفْظ وَاحِد، فَإِذا اسْتثْنى الْجَوْدَة فقد اسْتثْنى الْبَعْض من الْجُمْلَة فصح، كَمَا لَو قَالَ لفُلَان على ألف لَا مائَة، فَأَما إِذا قَالَ قبضت عشرَة جيادا فقد أقرّ بِالْوَزْنِ بِلَفْظ على حِدة وبالجودة بِلَفْظ على حِدة، فَإِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا زيوف فقد اسْتثْنى الْكل من الْكل فِي حق الْجَوْدَة وَذَلِكَ بَاطِل كَأَنَّهُ قَالَ جِيَاد إِلَّا أَنَّهَا غير جِيَاد، فَهُوَ كمن قَالَ لفُلَان على ألف دِرْهَم ودينار إِلَّا دِينَارا فَإِن الِاسْتِثْنَاء يكون بَاطِلا وَإِن ذكره مَوْصُولا اهـ.
حَلَبِيّ مزيدا عَن الْعِنَايَة ط.

قَوْله: (وَلَو أقرّ الخ) يُشِير إِلَى أَنه لم يقر وَقبض وَهُوَ سَاكِت وَلَو بعد نقد الصَّيْرَفِي يرد.
وَفِي جَامع الْفَتَاوَى: لَو وجد البَائِع الثّمن رصاصا أَو ستوقة أَو مُسْتَحقّا لَا يسْتَردّ الْمَبِيع.
وَفِي
__________
(1) قوه: (فَإِذا عرفنَا هَذَا الخ) كَذَا بالاصل وليحرر.

(7/435)


الْخَانِية: وَإِن قبض وَلم يقر بشئ ثمَّ ادّعى أَنَّهَا ستوقة قبل
قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) الِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحق بالتمام.
سعدية وَابْن كَمَال.

قَوْله: (فِي دَعْوَاهُ الزيافة) وَمثله البنهرجة لِاتِّحَاد الحكم فيهمَا وَكَذَا الستوقة.
قَالَ فِي النِّهَايَة: لَو أقرّ بِقَبض حَقه ثمَّ قَالَ إِنَّهَا ستوقة أَو رصاص يصدق مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا اهـ.
ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَكَذَا إِقْرَاره بِقَبض رَأس مَال كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يذكر الْمُؤلف حكم وَزنهَا عِنْد الاطلاق وَالدَّعْوَى.
وَفِي كَافِي الْحَاكِم: لَو أقرّ بِأَلف دِرْهَم عددا ثمَّ قَالَ هِيَ وزن خَمْسَة أَو سِتَّة وَكَانَ الاقرار مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيهِ مائَة دِرْهَم وزن سَبْعَة فَلَا يصدق على النُّقْصَان إِذْ لم يبين مَوْصُولا، وَكَذَا الدَّنَانِير، وَإِن كَانُوا فِي بِلَاد يَتَعَارَفُونَ على دَرَاهِم مَعْرُوفَة الْوَزْن بَينهم صدق اهـ.
وَأطلق فِي الدَّرَاهِم الْمقر بهَا فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي
فتح الْقَدِير، وَرَأس المَال كَمَا الْبَزَّازِيَّة، وَقيد بِدَعْوَى الْمقر لانه لَو أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُعينَة ثمَّ مَاتَ فَادّعى وَارثه أَنَّهَا زيوف لم يقبل، وَكَذَا إِذا أقرّ بالوديعة أَو الْمُضَاربَة أَو الْغَصْب ثمَّ زعم الْوَارِث أَنَّهَا زيوف لم يصدق لانه صَار دينا فِي مَال الْمَيِّت كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وفيهَا من الرَّهْن: قضى دينه وَبَعضه زيوف وستوقة فرهن شَيْئا بالستوقة والزيوف وَقَالَ خُذْهُ رهنا بِمَا فِيهِ من زيوف وستوق صَحَّ فِي حق الستوق لانها لَيست من الْجِنْس، وَلَا يَصح فِي الزُّيُوف لانها من الْجِنْس فَلَا دين اهـ.
بَحر.

قَوْله: (لَان قَوْله جِيَاد) عِلّة لقَوْله وَلَو أقرّ بِقَبض الْجِيَاد، فالاولى ذكره مَوْصُولا بِهِ اهـ ط.

قَوْله: (مُفَسّر) بِفَتْح السِّين الْمُشَدّدَة من التَّفْسِير مُبَالغَة الفسر وَهُوَ الْكَشْف، وَهُوَ مَا ازْدَادَ وضوحا على النَّص على وَجه لَا يبْقى مَعَه احْتِمَال التَّأْوِيل.
وَحكمه وجوب الْعَمَل بِهِ، وَهَذَا غير مَا قدمْنَاهُ من التَّعْلِيل.

قَوْله: (بِخِلَاف غَيره) أَي من الْمسَائِل الَّتِي بعْدهَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) رَاجِعٌ لِلْأُولَى وَهِيَ قَبْضُ الْحَقِّ أَوْ الثَّمَنِ، وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ غَيْرَ الْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا أَبْعَدَ دُونَ الْمُفَسَّرِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ أصلا اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَصٌّ) رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) .

قَوْلُهُ: (قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ مُضْطَر وَإِن تنَاقض.
سَيِّدي عَن الْقنية.

قَوْله: (قنية عَن عَلَاء الدّين) الَّذِي فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقنية مَسْأَلَة مَا إِذا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعضه رَبًّا أَنه يقبل إِذا برهن، وَذكره عبد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات من الالقاب عَن عَلَاء الدّين اهـ.
أَقُول: وَسَيَأْتِي نَظِيره فِي شَتَّى الاقرار لكنه يُخَالِفهُ مَا يذكر الشَّارِح عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَلَكِن الْمُعْتَمد، مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف ثمَّة والوهبانية، وَأفْتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والحامدي فِي الحامدية من أَنه إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن بعضه رَبًّا تقبل، وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فاغتنمه.

قَوْله: (قَالَ لآخر لَك على ألف دِرْهَم الخ) قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ والطرق وَالْعتاق وَالنّسب وَالْوَلَاء فَإِنَّهَا لَا ترتد بِالرَّدِّ.
أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمولى، بِخِلَاف الاقرار بِالدّينِ وَالْعين حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُمَا إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ من الْوَلَاء أَنه لَا يرْتَد فيهمَا بِالرَّدِّ.
وَأما الاقرار بِالنِّكَاحِ فَلم أره الْآن.

(7/436)


وَحَاصِل مَسَائِلِ رَدِّ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، أَوْ يَرُدَّ الْجِهَةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الْمُقِرُّ وَيُحَوِّلَهَا إلَى أُخْرَى، أَوْ يَرُدَّهُ لِنَفْسِهِ وَيُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَإِنْ لَمْ يكن بَينهمَا مُنَافَاة وَجب المَال كَقَوْل لَهُ أَلْفٌ بَدَلُ قَرْضٍ فَقَالَ بَدَلُ غَصْبٍ، وَإِلَّا بِأَن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة بَطل كَقَوْلِه ثمن عبد لم أقبضهُ وَقَالَ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ فِي الْجِهَةِ أَوْ كَذَّبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ نَحْوَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ فَيُقَالُ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي هَذِهِ.
قَالَ فِي الْمنية: وَإِن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة، بِأَن قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمن عبد باعنيه إِلَّا أَنِّي لم أقبضهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي بدل قرض أَو غصب، فَإِن لم يكن العَبْد فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِبيع عبد لَا بِعَيْنِه، فَعِنْدَ الامام يلْزمه الالف صدقه الْمُدَّعِي فِي الْجِهَة أَو كذبه وَلَا يصدق فِي قَوْله لم أقبضهُ وَإِن وصل، وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن كَانَ الْمقر عين عبدا، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي يُؤمر بِأَخْذِهِ وَتَسْلِيم العَبْد إِلَى الْمقر، كَذَا إِذا قَالَ العَبْد لَهُ وَلَكِن هَذِه الالف عَلَيْهِ من غير ثمن هَذَا العَبْد، وَإِن كذبه وَقَالَ العَبْد لي وَمَا بِعته وَإِنَّمَا لي عَلَيْهِ بِسَبَب آخر من بدل قرض أَو غصب فَالْقَوْل للْمقر مَعَ يَمِينه بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْهِ ألف من غير ثمن هَذَا العَبْد اهـ.
وَإِنَّمَا نقلت عبارَة الْمنية لَان فِي عبارَة الْبَحْر اختصارا كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد.

قَوْله: (فَرده الْمقر لَهُ) كَمَا إِذا قَالَ لَيْسَ لي عَلَيْك شئ أَو قَالَ هِيَ لَك أَو هِيَ لفُلَان اهـ.
فتح: أَي وَلم يصدقهُ فلَان وَإِلَّا فَهُوَ تَحْويل.
بَحر.
وَقيد برد الْمقر لَهُ لَان الْمقر لَو رد إِقْرَار نَفسه كَانَ أقرّ بِقَبض الْمَبِيع أَو الثّمن ثمَّ قَالَ لم أَقبض وأرد تَحْلِيف الآخر أَنه أقبضهُ أَو قَالَ هَذِه لفُلَان ثمَّ قَالَ هُوَ لي وَأَرَادَ تَحْلِيف فلَان أَو أقرّ بدين ثمَّ قَالَ كنت كَاذِبًا لَا يحلف الْمقر لَهُ فِي الْمسَائِل كلهَا عِنْد أبي حنيفَة لانه متناقض، كَقَوْلِه لَيْسَ لي على فلَان شئ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يَحْلِفْ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَحْلِفُ لِلْعَادَةِ.
وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ أَئِمَّة خوارزم، لَكِن اخْتلفُوا فِيمَا إِذا دَعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّة مِنْهُمَا شَيْئا.
قَالَ
الصَّدْر الشَّهِيد: الرَّأْي فِي التَّحْلِيف للْقَاضِي، وَفَسرهُ فِي فتح الْقَدِير بِأَن يجْتَهد فِي خُصُوص الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يقبض حِين أقرّ يحلف لَهُ الْخَصْمَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الاخصام اهـ بَحر.

قَوْله: (ثمَّ صدقه) قيد بِكَوْن التَّصْدِيق بعد الرَّد لانه لَو قبل الاقرار أَولا ثمَّ رده لم يرْتَد، وَكَذَا الابراء عَن الدّين وهبته لانه بِالْقبُولِ قد تمّ، وَكَذَا إِذا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يرْتَد، وَإِن رده قبل الْقبُول ارْتَدَّ، وَقَالُوا: أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ، وَكَذَا إِبْرَاء الْكَفِيل لَا يرْتَد بِالرَّدِّ.
بَحر.
لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَفِي الْبَزَّازِيَّة: الاقرار والابراء لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول ويرتدان بِالرَّدِّ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: لَان لكل أحد ولَايَة على نَفسه وَلَيْسَ لغيره أَن يمنعهُ، وَلَكِن للْمقر لَهُ أَن لَا يقبل صِيَانة لنَفسِهِ عَن الْمِنَّة.
وَفِي التاترخانية نقلا عَن الْكَافِي: وَالْملك يثبت للْمقر لَهُ بِلَا تَصْدِيق وَقبُول وَلَكِن يبطل برده اهـ.
قلت: وَيسْتَثْنى (1) الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ على الْقبُول ليبطلا.

قَوْله: (فِي
__________
(1)
قَوْله: (وَيسْتَثْنى) أَي من قَوْلهم الابراء لَا يتَوَقَّف على الْقبُول اهـ.
مِنْهُ.

(7/437)


مَجْلِسه) قيد بِهِ ليفهم مَا إِذا لم يكن فِي مَجْلِسه بالاولى اهـ ح.
قَالَ فِي الْمنح: بِأَن قَالَ كَانَ لي عَلَيْك فِي مَكَانَهُ أَو بعده.

قَوْله: (فَلَا شئ عَلَيْهِ للْمقر لَهُ الخ) لَان الاقرار هُوَ الاول وَقد ارْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُد من الْحجَّة أَو تَصْدِيق الْخصم: أَي الْمقر، حَتَّى لَو صدقه الْمقر ثَانِيًا لزمَه الالف اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة شروحها.
قَالَ: وَالْمرَاد بِالْحجَّةِ الْبَيِّنَة ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: كَيْفَ تُقْبَلُ حُجَّتُهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ؟ تَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ.
سَعْدِيَّةٌ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا.
وَنَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فِي يَده عبد فَقَالَ رجل هُوَ عَبْدُكَ فَرَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْمُقِرُّ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ لِذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ، وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لآخر هُوَ وَعَبْدك ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَبَرْهَنَ لَا يقبل للتناقض اهـ.
وَهَذَا يُخَالف فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحجَّة فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَماع الدَّعْوَى اهـ.
أَقُول: وَهَذَا وَجهه ظَاهر دون مَا فِي الشَّارِح.
وَيُمكن أَن يحمل على مَا إِذا كَانَ الرَّد بِالنَّفْيِ فَقَط من غير أَن يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان فتزول مُخَالفَته للزازية.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ
اشْتَرَيْتَ وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أحد الْعَاقِدين ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعُمِلَ التَّصْدِيقُ، أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الاقرار فَافْتَرقَا.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.
وناقضه فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ذكر هُنَا أَن أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينفر بِالْفَسْخِ.
وَفِي مَسْأَلَة التجاحد قَالَ: ولانه لما تعذر اسْتِيفَاء الثّمن من المُشْتَرِي فَاتَ رضَا البَائِع فيستبد بِالْفَسْخِ والتوفيق بَين كلاميه صَعب اهـ.
وَأقرهُ عَلَيْهِ فِي فتح الْقَدِير بقوله بعده وَهُوَ صَحِيح، وَيَقْتَضِي أَنه لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ الاقرار بِأَن مَاتَ وَلَا بَيِّنَة أَن لَهُ أَن يفْسخ ويستمتع بالجارية، وَالْوَجْه مَا قدمه أَولا اهـ.
وَأجَاب عَنهُ فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا مناقضة، لانه إِنَّمَا حكم أَولا بِكَوْنِهِ فسخا من جِهَته لَا مُطلقًا، أَو لَان كَلَامه الاول فِيمَا إِذا ترك البَائِع الْخُصُومَة وَالثَّانيَِة فِيمَا إِذا لم يَتْرُكهَا، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي منحة الْخَالِق عَن الْحَوَاشِي اليعقوبية: قَالَ صَاحب الْكِفَايَة: لَا تنَاقض بَين كلاميه فَيحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق لَان مُرَاده بقوله لَان أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا كَانَ لآخر على العقد معترفا بِهِ، كَمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت وَأنكر الآخر لَا يكون إِنْكَاره فسخا للْعقد إِذْ لَا يتم بِهِ الْفَسْخ، وَفِيمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة وَأنكر فالمدعي للْعقد هُوَ البَائِع وَالْمُشْتَرِي يُنكر العقد وَالْبَائِع بِانْفِرَادِهِ على العقد فيستبد بفسخه، وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر أَن قَوْله فِيمَا سبق ولانه لما تعذر إِلَى آخر كَون مُجَرّد اسْتِقْلَال البَائِع فِي الْفَسْخ لتعذر اسْتِيفَاء الثّمن دَلِيلا مُسْتقِلّا لحل الوطئ بِدُونِ اعْتِبَار كَون إِنْكَار المُشْتَرِي فسخ من جَانِبه، حَتَّى لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ عدم الانكار لَا يستبد بِالْفَسْخِ أَيْضا، وَيدل على هَذَا قَول صدر الشَّرِيعَة فِي تَقْرِير حل الوطئ: لَا سِيمَا إِذا جحد المُشْتَرِي الخ كَمَا لَا يخفى، بل غَايَة مَا يُمكن فِي التَّوْفِيق أَن يُقَال: إِن مُرَاده فِيمَا سبق استبداد البَائِع بِالْفَسْخِ لضَرُورَة تعذر اسْتِيفَاء الثّمن وَوُجُوب دفع الضَّرَر، وَهنا لَا ضَرُورَة للْمقر لَهُ بِالشِّرَاءِ إِلَى الْفَسْخ فَلَا يستبد بِهِ، فمراده من قَوْله هَا هُنَا لَان أحد الْعَاقِدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ الخ عدم الِانْفِرَاد عِنْد عدم الضَّرُورَة فَلَا تنَاقض لكنه بعيد لَا يخفى، فَلْيتَأَمَّل اهـ.

قَوْله: (أَو إِقْرَار ثَانِيًا) الاولى ثَان وَيكون صفة للاقرار فَإِنَّهُ نكرَة.

قَوْله: (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ الْحَقُّ لوَاحِد) كَمَا هُنَا فَإِن الْمقر لَهُ ينْفَرد برد الاقرار، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اشْتريت وَأنكر فَإِن لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا ينْفَرد بِالْعقدِ اهـ ح.
وَفِي الْبَحْر: الْحَاصِل أَن كل شئ يكون لَهُمَا جَمِيعًا إذَا رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ

(7/438)


الْآخَرُ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعده اهـ: أَي لَا يَنْفَعهُ رُجُوعه إِلَى التَّصْدِيق.
وَحَاصِل مسَائِل الاقرار تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا موضحا،
قَوْلُهُ: (مَا كَانَ لَكَ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ كَانَ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عِنْدَ وَاقِعَةِ سَمَرْقَنْدَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَال.
أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّه نَص على المتوهم، إِذْ لَو لم يذكرهُ لَا تنَاقض لَان نفي الْحَال لَا يُفِيد نفي الْمَاضِي.
تَأمل.

قَوْله: (قطّ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّفْيَ بِكَلِمَةِ قَطُّ أَو لَا اهـ.
فَيكون الْقَيْد بهَا اتفاقيا اهـ.
حموي.

قَوْله: (على أَن لَهُ عَلَيْهِ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَلْفٍ لَهُ عَلَيْهِ فَافْهَم، وَفِي بعض النّسخ: على أَن لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْإِيفَاءِ، قَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ: فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تقبل.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
بَحر.
أَقُول: يَنْبَغِي تَقْيِيد قَوْله إِذْ لَو ادَّعَاهُ بعد الاقرار بِمَا إِذا كَانَ الاقرار بِلَفْظ لَهُ عَليّ بِدُونِ كَانَ، وَإِلَّا فَلَا تنَاقض كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.
وَقَوله وَإِن ادّعى الايفاء قبل الاقرار: أَي حُصُول الايفاء قبل فَقبل ظرف للايفاء لَا لادعى.
مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى بَقِي مَا إِذا ادّعى إِيفَاء الْبَعْض وَهِي حَادِثَة الْفَتْوَى.
قَالَ فِي مَجْمُوع النَّوَازِل: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأجَاب قَائِلا: إِنِّي آتِي بِالدفع فَقيل أعلي الايفاء أَو الابراء؟ فَقَالَ على كليهمَا يسمع قَوْله إِن وفْق، بِأَن قَالَ أوفيت الْبَعْض وأبرأني عَن الْبَعْض، أَو قَالَ أبرأني عَن الْكل لَكِن لما أنكر أوفيته اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يخفى أَن على القَوْل بِأَن الامكان كَاف يسمع مُطلقًا اهـ.

قَوْله: (وَلَو بعد الْقَضَاء) أَي قَضَاء القَاضِي بِلُزُوم المَال على الْمُنكر.
مطلب: بَيَان وَجه تَسْمِيَة المخمسة وَبَيَان أقوالها
قَوْله: (إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة) سميت بذلك لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ، أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ: الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار أَن الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ.
الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ، فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لم يذكر فِي شئ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ: لَا بُد أَن يَقُولُوا نعرفه باسمه وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَو قَالُوا أودعهُ رجل لَا نعرفه لم تنْدَفع، الرَّابِع قل ابْن أبي شبْرمَة: إِنَّهَا لَا تنْدَفع عَنهُ مُطلقًا.
الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة.
وَتَمَامه فِي الْبَحْر، وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الدَّعْوَى.
أَو لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسَةٌ: وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ، وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ، وغصب،

(7/439)


كأودعنيه فلَان أَو أعارنيه أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ ارْتَهَنْته أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ، أَوْ قَالَ أَخَذْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً مِنْ فلَان، وَهَذَا الْكَرم مُعَاملَة مِنْهُ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَاعْلَم أَن قَوْلهم إِن الدّفع بعد الحكم صَحِيح مُخَالف لما قدمْنَاهُ من أَن القَاضِي لَو قضي للْمُدَّعِي قبل الدّفع ثمَّ دفع بالايداع وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يقبل إِلَّا أَن يخص من الْكُلِّي، فَافْهَم.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: أَقُول يرد عَلَيْهِ مَا فِي الدُّرَر من بَاب دَعْوَى النّسَب، برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ بِخِلَاف الثَّانِي اهـ.
فَيَنْبَغِي أَن تخص هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْكُلية، وَحِينَئِذٍ لَا وَجه لقَوْله إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة اهـ.
تَأمل
قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَي فِي فصل دفع الدَّعَاوَى من كتاب الدَّعْوَى.
حَلَبِيّ.

قَوْله: (قبل برهانه لامكان التَّوْفِيق الخ) مَشى على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف كَمَا تقدم.
مطلب: الدَّعْوَى إِذا فصلت بِوَجْه شَرْعِي لَا تنقض إِلَّا لفائدة قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه فِي جَوَاب سُؤال الدَّعْوَى: إِذا فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ مستوفية
لشرائطها الشَّرْعِيَّة لَا تنقض وَلَا تُعَاد.
أَقُول: لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه، بل هَذَا حَيْثُ لم يزدْ الْمُدَّعِي على مَا صدر مِنْهُ أَولا، أما لَو جَاءَ بِدفع صَحِيح أَو جَاءَ بِبَيِّنَة بعد عَجزه عَنْهَا فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ.
مطلب: يَصح الدّفع وَدفع الدّفع وَدفعه قَالَ مَشَايِخنَا فِي كتبهمْ كالذخيرة وَغَيرهَا: كَمَا يَصح الدّفع يَصح دفع الدّفع، وَكَذَا يَصح دفع دفع الدّفع، وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح وَهُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعد الحكم.
وَفِي الذَّخِيرَة: برهن الْخَارِج عَن نتاج فَحكم لَهُ ثمَّ برهن ذُو الْيَد على النِّتَاج يحكم لَهُ بِهِ اهـ.
فَإِذا كَانَ هَذَا فِي بَيِّنَة مثبتة وَلها اعْتِبَار وَحكم بهَا وَسمع بعْدهَا دَعْوَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبَطل الْقَضَاء على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَكيف لَا تبطل بَيِّنَة ذِي الْيَد فِيمَا ألحق بِالْملكِ الْمُطلق؟ وَإِن حكم القَاضِي لَهُ بِظَاهِر الْيَد الْمُغنيَة لَهُ عَن الْبَيِّنَة فَكيف بَيِّنَة غير مثبتة؟ لَان عَنْهَا غنى بِالْيَدِ وَلَا حَاجَة للْحكم بهَا، إِذْ الْقَضَاء للْمُدَّعى عَلَيْهِ عِنْد عدم بَيِّنَة الْخَارِج قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، فَنَقُول: إِن أعَاد الْخصم الدَّعْوَى وَلَا بَيِّنَة مَعَه بِمَا يَدعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ لانها عين الاولى حَيْثُ لم يقم بَيِّنَة وَلم يَأْتِ بِدفع شَرْعِي، وَقد منع أَولا لعدم إِقَامَتهَا فَمَا أَتَى بِهِ تكْرَار مَحْض مِنْهُ، وَقد منع بِمَا سبق فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يسمع مِنْهُ إِجْمَاعًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بِإِرْث وَبرهن وَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث الْمُدَّعِي أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله (1) أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاجها عِنْده اهـ.
وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم يَصح الدّفع بعد الحكم مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ فِيهِ إبِْطَال الْقَضَاء، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده أَيْضا بِمَا إِذا لم يُمكن التَّوْفِيق.
__________
(1)
قَوْله: (قبله) مُتَعَلق بِشِرَائِهِ اهـ.
مِنْهُ.

(7/440)


مطلب: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل
لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَن شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل، وَلَا يحكم إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ اهـ.
لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مَبْنِيا على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف، أما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ فَلَا تَقْيِيد بِمَا ذكره، وَقد ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ فِي مسَائِل التَّنَاقُض.
وَالَّذِي اخْتَارَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَقَالَ: إِنَّه الاصوب عِنْدِي وَأقرهُ فِي نور الْعين: أَنه إِن كَانَ التَّنَاقُض ظَاهرا وَالتَّوْفِيقُ خَفِيًّا لَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ وَإِلَّا يكف الامكان، ثمَّ أيده بِمَسْأَلَة فِي الْجَامِع، وَهِي لَو أقرّ أَن لم فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ ثُمَّ برهن على الشِّرَاءِ مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ قُبِلَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَن يَشْتَرِيهِ بعد قراره، ولان الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَقْدِ الْمُبْهَمِ (1) تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ اهـ.

قَوْله: (صَحَّ الدّفع) بِخِلَاف لم يكن لي، لَان لَيْسَ لنفي الْحَال وَلم يكن لي لنفيه فِي الْمُضِيّ كَمَا فِي التاترخانية.
قَالَ فِي الدُّرَر: بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شئ صَحَّ الدّفع اهـ.
وَمثله فِي الْعمادِيَّة.
وفيهَا: ادّعى رجل مَالا أَو عينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت فِي حَال جَوَاز إقرارك لَا دَعْوَى لي وَلَا خُصُومَة لي عَلَيْك وَأثبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ تسمع وتندفع دَعْوَاهُ وَإِن كَانَ يحْتَمل أَنه يَدعِي عَلَيْهِ بِسَبَب الاقرار، لَكِن الاصل أَن الْمُوجب والمسقط إِذا تَعَارضا يَجْعَل الْمسْقط آخرا، لَان السُّقُوط يكون بعد الْوُجُوب سَوَاء اتَّصل الْقَضَاء بالاول أَو لم يتَّصل اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه لَو ادّعى رجل على رجل مَالا وَقضى بِهِ للْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ قَالَ الْمُدَّعِي كنت كَاذِبًا فِيمَا ادعيت يبطل الْقَضَاء، وَإِذا قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْقَضَاء الْمقْضِي بِهِ لَيْسَ ملكي لَا يبطل الْقَضَاء، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لم يكن ملكي، وَهَذَا لَان قَوْله لَيْسَ ملكي يتَنَاوَل الْحَال وَلَيْسَ من ضَرُورَة نفي الْحَال انْتِفَاء من الاصل، بِخِلَاف قَوْله لم يكن ملكي، فَلَو ادّعى زيد على عَمْرو مَالا فَأنْكر عَمْرو دَعْوَاهُ ثمَّ إِن زيدا أثبت مدعاه وَحكم الْحَاكِم بِهِ وَأخذ زيد المَال مِنْهُ ثمَّ ادّعى عَمْرو إِنَّك كَاذِب ومبطل فِي دعواك هَذِه حَتَّى إِنَّك أَقرَرت بذلك لَدَى بَيِّنَة شَرْعِيَّة وَأثبت عَمْرو مدعاه فَلهُ اسْتِرْدَاد المَال الْمَذْكُور كَمَا
يُسْتَفَاد مِمَّا ذَكرْنَاهُ.

قَوْله: (فِي فصل الاستشراء) أَي طلب شِرَاء شئ، وَفِيه فَوَائِد جمة تَأتي.

قَوْله: (إِن لم يصالحه) رَاجع إِلَى قَوْله قبل برهانه وَكَانَ مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ادَّعَى على آخر مَالا قَالَ فِي الْمنح: وَهَذَا إِذا لم يُصَالح، أما إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ يسمع
__________
(1)
قَوْله: (على العقد الْمُبْهم) أَي الَّذِي لم يؤرخ اهـ.
مِنْهُ.

(7/441)


برهانه على الايفاء اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُصَالِحْ لِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ.
أَمَّا إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ تسمع دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَة بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الايفاء ثمَّ صَالحه فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ برهانه على الايفاء كَمَا فِي الخزانة، لانه مَتى أمكن التَّوْفِيق فَلَا تنَاقض.
فَمن ذَلِك ادّعى مَالا بِالشّركَةِ ثمَّ ادَّعَاهُ دينا عَلَيْهِ تسمع، وعَلى الْقلب لَا، لَان مَال الشّركَة يَنْقَلِب دينا بالجحود وَالدّين لَا يَنْقَلِب أَمَانَة وَلَا شركَة.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَمن مسَائِل دَعْوَى الايفاء مَا فِي الْمُحِيط من الْمَسْأَلَة المخمسة: ادّعى على آخر مِائَتي دِرْهَم وَأَنه استوفى مائَة وَخمسين وَبَقِي عَلَيْهِ خَمْسُونَ وأثبتها بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ برهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه أوفاه الْخمسين لَا تسمع حَتَّى يَقُولَا هَذِه الْخمسين الَّتِي تَدعِي لَان فِي مائَة وَخمسين خمسين.

قَوْله: (قبل برهانه على الايفاء) وَلَا يكون صلحه مُبْطلًا لدعوى الايفاء، لَان غير الْحق قد يقْضِي دفعا للخصومة، أَو كَأَنَّهُ لم يجد برهانا فَصَالح ثمَّ وجد فأقامه فَلَا يكون إقدامه على الصُّلْح إِقْرَارا، بِخِلَاف الاولى.
تَأمل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَانْظُر لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْبَعْضِ فَقَدْ صَارَتْ حَادِثَة الْفَتْوَى اهـ.
أَقُول: لَا فرق يظْهر بَينهمَا.
تَأمل.

قَوْله: (وَقيل لَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْبَحْر: وليتأمل فِي وَجه عدم السُّقُوط.
وَأجَاب المُصَنّف عَنهُ بِمَا ذكره الشَّارِح.
قَالَ فِي الْمنح: وَالظَّاهِر أَن وَجهه أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لما كَانَ جاحدا فذمته غير مَشْغُولَة بشئ فِي زَعمه فَأنى تقع الْمُقَاصَّة، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
وَنقل عَنهُ الرَّمْلِيّ مَعَ زِيَادَة وَهِي قَوْله: أَو نقُول يَجْعَل تصميمه على الانكار رد لما أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مِمَّا يرْتَد بِالرَّدِّ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمِنَحِ، وَهُوَ جَوَاب لتوقف الْبَحْر فِي عدم السُّقُوط وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج للمقاصصة صَرِيحًا لَا
ضمنا، أَو أَن يصدقهُ فِي الْكل، لَكِن وَجه القَوْل الاول يظْهر لي لَان السُّقُوط يَكْفِي فِي زعم الْمُدَّعِي.

قَوْله: (فَأَيْنَ) الْوَاقِع فِي الْمنح: فَأنى تقع الْمُقَاصَّة فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بثلاثمائة.

قَوْله: (وَإِن زَاد لَا أعرفك) على قَوْله فِيمَا تقدم مَا كَانَ لَك عَليّ شئ قطّ.

قَوْله: (كَمَا رَأَيْتُك) أَو مَا جرى بيني وَبَيْنك مُعَاملَة أَو مُخَالطَة أَو خلْطَة أَو لَا أَخذ وَلَا عَطاء أَو مَا اجْتمعت مَعَك فِي مَكَان كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
بَحر.

قَوْله: (لَا يقبل) أَي برهانه على الْقَضَاء أَو الابراء.

قَوْله: (لتعذر التَّوْفِيق) أَي بَين كلاميه لانه لَا يكون بَين اثْنَيْنِ مُعَاملَة من غير معرفَة ذكره أَصْحَابنَا.

قَوْله: (لَان المحتجب) من الرِّجَال هُوَ من لَا يتَوَلَّى الاعمال بِنَفسِهِ بِقَرِينَة قَوْله: حَتَّى لَو كَانَ الخ وَقِيلَ مَنْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَظَمَتِهِ.

قَوْله: (بالشغب على بَابه) الشغب بِالسُّكُونِ، وَقيل يُحَرك تهييج الشَّرّ.
قَامُوس.

قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فرع هَذَا على ذَلِك القَوْل: أَي التَّقْيِيد بالمحتجب فِي النِّهَايَة تبعا لقاضيخان.
وَفِي إصْلَاح الايضاح: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَبْنَى إمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفسِهِ لَا على أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ اهـ.
وَدَفْعُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي.
بَحر.

(7/442)


مطلب: جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى أَقُول: وَيُؤْخَذ من كَلَام الشَّارِح وَمِمَّا تقدم جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى كَمَا فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة، وَهِي ادّعى أَن مُوَرِثه اشْترى مِنْك ثورا بِكَذَا اقبضه مِنْهُ كَذَا وبقى كَذَا، فَأجَاب بِأَن مورثي لم يشتر مِنْك ثورا قطّ وَلَا كَانَ يعرفك فبرهن على دَعْوَاهُ فبرهن الآخر على دفع جَمِيع الثّمن أَنه يقبل بِلَا شكّ لانه لَا يَصح جَوَابه إِلَّا على نفي الْعلم اهـ.

قَوْله: (نعم لَو ادّعى الخ) هَذَا مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف مَفْهُوم من الْمقَام تَقْدِيره: وَإِذا لم يُمكن التَّوْفِيق لم ينْدَفع التَّنَاقُض، كَمَا لَو قَالَ لم أدفَع إِلَيْهِ شَيْئا ثمَّ ادّعى الدّفع لم يسمع لانه يَسْتَحِيل أَن يكون دافعا وَغير دَافع فِي شئ وَاحِد، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى إلَخْ.
قَالَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُكَ فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ، وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِالْوُصُولِ أَو الايصال تسمع اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْمُتَنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهُنَا لَمْ يَجْمَعْ، وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ذكره التُّمُرْتَاشِيّ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَهُوَ
أَحْسَنُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إقْرَارُ الْمُدعى عَلَيْهِ صَوَابه الْمُدَّعِي بِإِسْقَاط عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَبْنِيّ للْفَاعِل فَيكون مَعْنَاهُ الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ الدّفع.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيّد هَذَا فِي الْمَقْدِسِي حَيْثُ قَالَ: وَقَالُوا فِيمَن قَالَ لم أدفَع ثمَّ قَالَ دفعت لم يقبل للتناقض إِلَّا إِذا ادّعى إِقْرَار الْمُدَّعِي بذلك فَيقبل لَان التَّنَاقُض لَا يمْنَع صِحَة الاقرار، وَعلله بِمَا علل بِهِ الْبَحْر.
مطلب: حَادِثَة أذن لمديونه فِي دَفعه لاخيه الخ وَأجَاب صَاحب الْبَحْر فِي حَادِثَة هِيَ أذن لمن عَلَيْهِ الدّين فِي دَفعه إِلَى أَخِيه ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِهِ، وَأَنه لم يدْفع فَقَالَ دفعت ثمَّ قَالَ لم أدفَع فَحكم بِهِ فجَاء الاخ فَأقر بِالدفع لَهُ فَإِنَّهُ يبرأ، لَان تَصْدِيق الاخ الْمَأْذُون فِي الدّفع إِلَيْهِ كتصديق الْمُدَّعِي اهـ.
وَقد علمت مَا إِذا صدق الْمُدَّعِي.
وَحكى صَاحب الْكَافِي قبُول الْبَيِّنَة على الابراء فِي فصل المحتجب والمخدرة بِاتِّفَاق الرِّوَايَات، لَان الابراء يتَحَقَّق بِلَا معرفَة، لَكِن عبر عَنهُ صَاحب الْبَحْر، والعيني بقيل.

قَوْله: (بالوصول أَو الايصال) بِأَن ادّعى إِقْرَاره بِأَنَّهُ وَصله مِنْهُ كَذَا أَو أوصله وَبرهن.

قَوْله: (لَان التَّنَاقُض) أَي من الْغَرِيم.

قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الاقرار) أَي إِقْرَار الدَّائِن بِالدفع إِلَيْهِ إِذا قَامَت قرينَة قَوِيَّة كَمَا يفهم من سياقهم.

قَوْله: (ثمَّ جَحده صَحَّ) أَي جحوده، وَمعنى صِحَة جحوده أَنه لَا يكون متناقضا وَلَا تسمع الْبَيِّنَة بِإِقْرَارِهِ السَّابِق.
وَفِيه أَن البيع عقد مُتَحَقق من إِيجَاب وَقبُول صادرين مِنْهَا فَكيف صَحَّ جحوده ط.

قَوْله: (بِلَا ثمن بَاطِل) هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا أقرّ بِبيع عَبده بِلَا ثمن وَالْفَرْض الاطلاق، وَالْوَاقِع الَّذِي يكَاد أَن يتَخَلَّف أَن البيع لَا يكون إِلَّا بِثمن، لَان الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَال، فَلَو قيل بِصِحَّة الاقرار ثمَّ بالبحث عَن تعْيين الثّمن لَكَانَ لَهُ وَجه ط.

قَوْله: (لَان الاقرار بِالْبيعِ الخ) فِيهِ مَا تقدم آنِفا من أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أقرّ بِالْبَيْعِ بِلَا مَالٍ.
تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: شهد على إِقْرَار البَائِع بِالْبيعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا تقبل، لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمّى.
وَإِنْ قَالَا: أَقَرَّ

(7/443)


عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يسميا الثّمن جَازَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ
الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثّمن.
وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: شهد أَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يبينوا الثّمن، وَكَذَا لَو شهد بِإِقْرَار البَائِع أَنه بَاعه وَقبض الثّمن اهـ.
مطلب: لَو شهد على البيع وَقبض الثّمن وَإِن لمن يبينوه وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: شَهِدُوا عَلَى الْبَيْعِ بِلَا بَيَانِ الثَّمَنِ، إنْ شَهِدُوا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ تُقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ اهـ.
نور الْعين فِي أَوَائِل الْفَصْل السَّادِس.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أَمَتَهُ مِنْهُ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ مِنْهُ لَان ضمير بَاعه يُغني عَنهُ اهـ ح.
أَي لَان بَاعَ قد استوفى معموله لانه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وبمن، وَقد عداهُ المُصَنّف بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ بَاعه، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره لدفع توهم عود الضَّمِير إِلَى الْمُدَّعِي من أول الامر.
تَأمل.

قَوْله: (عَيْبا) أَي قَدِيما يُوجب الرَّد.

قَوْله: (فبرهن الخ) أما لَو برهن على الْفَسْخ يقبل، لَان الانكار فسخ.
منح.

قَوْله: (أَي المُشْتَرِي) لَو رَجَعَ الضَّمِير إِلَى البَائِع لَكَانَ أولى، لَان الْبَرَاءَة من الْعُيُوب تكون من البَائِع غَالِبا بِأَن يَقُول بعتكه وَأَنا برِئ من الرَّد مِمَّا فِيهِ من الْعُيُوب.
نعم الابراء يكون من المُشْتَرِي ط.

قَوْله: (لم تقبل بَيِّنَة البَائِع) أَي للتناقض، إِذا شَرط الْبَرَاءَة من الْعَيْب تصرف فِي العقد بتغييره عَن اقْتِضَاء صفة السَّلامَة إِلَى غَيرهَا، وتغيير العقد من وصف إِلَى وصف بِلَا عقد محَال، وَإِذا بَطل التَّوْفِيق ظهر التَّنَاقُض.
مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي وَأَرَادَ الرَّد بِالْعَيْبِ فَادّعى البَائِع الْبَرَاءَة عَن عيب لَا يقبل للتناقض
قَوْلُهُ: (لِلتَّنَاقُضِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وجود العقد، إِذْ الصّفة بِدُونِ الْمَوْصُوف لَا تتَصَوَّر وَقد أنكرهُ فَيكون مناقضا.
وَاسْتشْكل بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تقبل الْبَيِّنَة فِيهَا وفَاقا خلافًا لزفَر، لانه صَار مُكَذبا شرعا بِبَيِّنَة الْمُدَّعِي فلحق إِنْكَاره بِالْعدمِ كَمَا تقدّمت نَظَائِره، فَصَارَ كَمَا فِي الْكفَالَة من أَن رجلا لَو برهن أَن لَهُ على الْغَائِب ألفا وَهَذَا كفيله بأَمْره يرجع الْكَفِيل على الْغَائِب وَلَو أنكر الْكفَالَة أصلا، لانه صَار كذبا شرعا
فِي إِنْكَاره فلحق بِالْعدمِ.
قَالَ: وَيُمكن الْفرق بِأَن الحكم بِأَدَائِهِ ثمَّة حكم بِالرُّجُوعِ أَيْضا فَلَا حَاجَة إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة ثَانِيًا على كفَالَته لثبوتها أَولا، وَهنا الحكم بِالشِّرَاءِ لَيْسَ بِحكم الْبَرَاءَة والايفاء فَلَا بُد من الدَّعْوَى فيبطله التَّنَاقُض فَافْتَرقَا.
وَيُمكن بِأَن يرد بِأَن إِنْكَاره لما لحق بِالْعدمِ لما مر لَا يتَحَقَّق التَّنَاقُض لعدم إِنْكَار البيع وَالشِّرَاء فَيَنْبَغِي أَن يَصح الدَّعْوَى على أصل.

(7/444)


مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع الاقالة تسمع قَالَ فِي الْعدة (1) أنكر البيع فبرهن عَلَيْهِ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع إِقَالَة يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن ادّعى إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ اهـ.
وَقد يُجَاب بِأَن الْمقر إِنَّمَا يصير مُكَذبا شرعا إِذا حكم القَاضِي بِمَا يُخَالف إِقْرَاره، وَفِي مَسْأَلَتنَا لم يقْض بِالْبيعِ حَتَّى تنَاقض الْخصم فَلم يكن مُكَذبا شرعا.
بَحر.
قَالَ ط: وَفِيه نظر اهـ.
وَكَذَا نظر فِيهِ الرَّمْلِيّ.
قَالَ سيد الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: أَي تَفْسِير للتنظير، فَإِن الْقَضَاء بِالشِّرَاءِ قَضَاء بِالْبيعِ، فَمَا معنى قَوْله لم يقْض القَاضِي بِالْبيعِ.
مطلب: الْجَواب النافع عَن إِشْكَال جَامع الْفُصُولَيْنِ وَأَقُول: الْجَواب النافع إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا يُسْتَفَاد من كتاب نور الْعين فِي غير هَذَا الْمحل وَفِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ أَن الْكَفِيل لما الْتحق زَعمه بِالْعدمِ وَثَبت خِلَافه وَهُوَ كَونه كَفِيلا لم يسع فِي إِعَادَة زَعمه وَلم يرد نقض الْبَيِّنَة بل رَضِي بموجبها حَتَّى جعله مَبْنِيّ لدعواه الرُّجُوع على الاصيل، وَأما البَائِع فِي مَسْأَلَتنَا فقد سعى فِي إِعَادَة مآل زَعمه وَهُوَ بَرَاءَة ذمَّته بعد التحاقة بِالْعدمِ بِثُبُوت خِلَافه وَأَرَادَ نقض مَا أثبتته الْبَيِّنَة وَهُوَ عدم بَرَاءَة ذمَّته، فَهَذَا فرق وَاضح حق، وَكَذَا يُقَال فِي دَعْوَى الاقالة لانها فسخ للْعقد الَّذِي أثْبته الْخصم بِالْبَيِّنَةِ، فَفِيهِ تَقْرِير لموجبها وَهِي الْمُتَقَدّمَة عَن الْبَحْر عَن الْعدة فِيمَا إِذا ادّعى على آخر أَنه اشْترى مِنْهُ هَذَا الدَّار فَأنْكر الشِّرَاء فَلَمَّا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ردهَا عَلَيْهِ: يَعْنِي أقالها يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن يَدعِي إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف
الْمُتَأَخّرُونَ.
مطلب: ادّعى شِرَاء عَبده فَأنْكر فأثبته فَادّعى البَائِع أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ يقبل وَمثله يُقَال فِي جَوَاب مَسْأَلَة: مَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ شِرَاء عَبده فَأنْكر فبرهن عَلَيْهِ فَادّعى عَلَيْهِ أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ تسمع، لانه صَار مُكَذبا فِي إِنْكَاره البيع فارتفع التَّنَاقُض بتكذيب الشَّرْع كَمَا ارْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم اهـ.
فاحفظه فَإِنَّهُ ينفعك فِي كثير من أَمْثَال هَذِه الْمسَائِل.

قَوْله: (لامكان التَّوْفِيق بِبيع وَكيله) أَي وَكيل البَائِع، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ: أَيْ مُبَاشرَة، وَقَوله إِنَّه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب: أَي إِلَى وَكيله وَفعل الْوَكِيل كَفعل الْمُوكل.

قَوْلُهُ: (وَإِبْرَائِهِ عَنْ الْعَيْبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْوَكِيلِ وَالْفَاعِلُ الْمُشْتَرِي إلَخْ، وَعَلَى مَا قُلْنَا مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَالضَّمِير لوَكِيله وَهُوَ المفوم من عبارَة الْبَحْر.
مطلب: وَاقعَة سَمَرْقَنْد
قَوْله: (وَمِنْه وَاقعَة سَمَرْقَنْد) أَي من جنس مَسْأَلَة المُصَنّف، وَهُوَ مَا وَقع فِيهِ التَّنَاقُض، وَلَو صرح بِهِ لَكَانَ أوضح، لَكِن لَا يظْهر أَن هَذِه الْوَاقِعَة مِنْهُ، لَان عقد النِّكَاح الاب فِيهِ سفير لَا تلْحقهُ عُهْدَة، بِخِلَاف بِبيع الْوَكِيل.
وَأَيْضًا الْخلْع هُنَا ظَاهر فِي أَنه قَائِم بِهِ، بِخِلَاف المبرأ فَإِنَّهُ غير ظَاهر فِي أَنه حَاضر وَقت الْبَرَاءَة، فَافْهَم أسرار الْمقَال وَلَا تكن مِمَّن يعرف الْحق بِالرِّجَالِ.
نعم التَّوْفِيق ظَاهر فِيمَا نذكرهُ فِي القولة الْآتِيَة عَن الْبَحْر، وَلَو قَالَ لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك إِلَى آخر مَا نذكرهُ عَن
__________
(1) اسْم كتاب وَهُوَ عدَّة الْفَتَاوَى اهـ.
مِنْهُ.

(7/445)


سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (ادَّعَت الخ) بدل من وَاقعَة.
مطلب: قَالَ لَا نِكَاح بَيْننَا فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال يقبل
قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَعبارَة الْخُلَاصَة: فَأنْكر الزَّوْج النِّكَاح أصلا اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تقبل بَينته اهـ: أَي لَان نفي الْحَال لَا يلْزم مِنْهُ نفي الْمَاضِي فَلم يُوجد تنَاقض أصلا،
لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ قَول الشَّارِح لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ الخ وَالظَّاهِر أَنه تَعْلِيل لخلاف ظَاهر الرِّوَايَة.
مطلب: لَو قَالَ لم أَتَزَوَّجهَا قطّ أَو لَا نِكَاح قطّ فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال لَا يقبل وَفِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، فَمُقْتَضى مَا مر فِي مَسْأَلَة الْعَيْب على ظَاهر الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَسِيلَة للعيب فَلَا تقبل بَينته، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ، فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَة النِّكَاح فَيتَحَقَّق التَّنَاقُض اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد بِزِيَادَة.

قَوْله: (فبرهنت) أَي على النِّكَاح.

قَوْله: (تقبل) أَي دَعْوَاهُ: أَي وطالب بالبرهان عَلَيْهَا.

قَوْله: (لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ وَهُوَ صَغِير) أَي فإنكاره النِّكَاح يحمل على نفي مُبَاشَرَته إِيَّاه، وَهُوَ لَا يُنَافِي وُقُوعه لَهُ بطرِيق الاجبار مثلا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُنَاقض دَعْوَى الْخلْع على الْمهْر بعد.

قَوْله: (جَمِيع صك) فَارسي مُعرب.
وَالْجمع أصك وصكاك وصكوك اهـ.
وَأَشَارَ بقوله جَمِيع إِلَى أَنه يبطل سَوَاء اشْتَمَل على شئ وَاحِد أَو أَشْيَاء، وَالْخلاف فِي الثَّانِي.

قَوْله: (وَقَالا آخِره) بِالرَّفْع: أَي يبطل آخر الصَّك الْمُشْتَمل على أَشْيَاء، إِذْ الاصل فِي الْجمع الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قصد لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً، كَذَا فِي التَّبْيِين.
وَله أَن الْكل يكون كشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف فَيصْرف إِلَى الْكل كَمَا فِي الْكَلِمَات المعطوفة.
قَالَ الامام: إِذا كتب بيع وَإِقْرَار وَإِجَارَة وَغير ذَلِك ثمَّ كتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى بَطل الْكل قِيَاسا، لما تقدم من أَن الْكل لشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف.
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: بَطل الاخير فَقَط اسْتِحْسَانًا.

قَوْله: (أَن الفرجة) أَي على أَن الفرجة فِي الْخط كالسكوت فِي النُّطْق، فَيكون الانشاء رَاجعا إِلَى مَا بعد الفرجة اتِّفَاقًا كَمَا يرجع فِي السُّكُوت إِلَى مَا بعده.

قَوْله: (وعَلى انْصِرَافه) أَي الانشاء، وَلَو قَالَ: وعَلى الِانْصِرَاف للْكُلّ لَكَانَ أوضح.
مطلب: فَائِدَة نحوية
قَوْلُهُ: (فِي جُمَلٍ) أَيْ قَوْلِيَّةٍ وَإِلَّا نَافَى مَا قبله (1) وَهُوَ مَسْأَلَة كتب الصَّك كَقَوْلِه امْرَأَته طَالِق وَعَبده حر، وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
__________
(1)
قَوْله: (وَإِلَّا نافى مَا قبله) أَي إِن لم تفسره الْجمل بالقولية بل بقيت على مَا يُرَاد بهَا أَولا وَهِي الْجمل فِي الصَّك فَوَقَعت الْمُنَافَاة بَين ذكره الِاتِّفَاق على الرُّجُوع الْكل وَبَين ذكره الْخلاف فِيمَا تقدم بَين الامام وصاحبيه لانه أَولا -

(7/446)


قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَبَطَلَ الْكُلُّ، فَمَشَى أَبُو حنيفَة على أَصله وهما أخرجَا صُورَة.
مطلب: صك كتب فِيهِ بيع وَإِجَارَة وَإِقْرَار وَغير ذَلِك وَكتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلهمَا اسْتِحْسَانًا راجحا على قَوْله، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لم يكن بِالْمَشِيئَةِ اهـ.
وَفِي وكَالَة الْبَزَّازِيَّة: وَعَن الثَّانِي قَالَ امْرَأَة زيد طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بت الله إِن دخل هَذِه الدَّار فَقَالَ زيد نعم كَانَ بكله، لَان الْجَواب يتَضَمَّن إِعَادَة مَا فِي السُّؤَال انْتهى.
وَكَأن الشَّارِح غفل عَن قَوْله وَأَخْرَجَا صُورَة كتب الصَّك فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول وعَلى انْصِرَافه للْكُلّ فِي جمل قولية لم تكْتب.

قَوْله: (وأعقبت بِشَرْطٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ هُوَ الْمَشِيئَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْإِقْرَارِ لِمَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) تَأَمَّلْ.

قَوْله: (وَأما الِاسْتِثْنَاء بإلا الخ) أَي الْوَاقِع لفظا أَو الْوَاقِع خطأ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يعم طلاقين وعتاقين وطلاقا وعتقا.

قَوْله: (فللاخير) أَي اتِّفَاقًا لقُرْبه واتصاله وانقطاعه عَمَّا سواهُ كَمَا علم فِي آيَة رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) لَا إِلَى قَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) أَيْضا، فَلَو أقرّ بمالين لشخصين وَاسْتثنى شَيْئا كَانَ من الآخر.
بَحر.
وَفِيه: وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط إِذا تعقب جملا متعاطفة مُتَّصِلا بهَا فَإِنَّهُ للْكُلّ اهـ.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: لَا يُقَال كَيفَ خَالف أَبُو حنيفَة أَصله، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى الْجُمْلَة الاخيرة على أَصله لَان ذَلِك فِي الِاسْتِثْنَاء بإلا، وَقَوله إِن شَاءَ الله تَعَالَى شَرط شاع إِطْلَاق الِاسْتِثْنَاء عَلَيْهِ فِي عرفهم وَلَيْسَ إِيَّاه حَقِيقَة.
فَتَأمل.

قَوْله: (إِلَّا لقَرِينَة) فَيعْمل بهَا للاول أَو للثَّانِي.

قَوْله: (فللاول) لَو قَالَ إِلَّا دِينَارا
فللثاني.

قَوْلُهُ: (إيقَاعِيَّتَيْنِ) أَيْ مُنَجَّزَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعْلِيقٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا حُرٌّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ح.

قَوْله: (وَبعد طلاقين معلقين) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وفلانة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (أَو طَلَاق مُعَلّق أَو عتق مُعَلّق) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وعبدي حر إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَا فرق بَين الشَّيْئَيْنِ من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ وَالْخلاف، هَذَا فِي النُّطْق.
وَأما فِي الصَّك فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة، وَأفَاد أَن اتِّفَاقهمَا مَعَه إِنَّمَا هُوَ فِي الايقاعيتين، وَأما فِي المعلقتين فمحمد مَعَه، وَخَالف أَبُو يُوسُف ط.

قَوْله: (وَلَو بِلَا عطف) مَفْهُوم قَوْله عطفت: أَي إِذا وَقع الشَّرْط بعد جمل غير متعاطفة أَو متعاطفة لَكِن حصل سكُوت بَينهَا: أَي فِي اللَّفْظ أَو فُرْجَة فِي الْخط.
قَوْله:
__________
- أحكي الْخلاف وَثَانِيا وَحكى التفاق فَلَزِمَ أَن نفسر الْجمل بالقويلة للثّمن اهـ.
مِنْهُ.

(7/447)


(أَوْ بِهِ بَعْدَ سُكُوتٍ) أَيْ إذَا كَانَ السُّكُوتُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا.

قَوْله: (فللاخير اتِّفَاقًا) مُرَاده بالاخير مَا بعد السُّكُوت.

قَوْله: (وَعطفه بعد سُكُوته لَغْو) إِذا كَانَ فِيهِ مَا يُوسع على نَفسه كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وكت ثمَّ قَالَ وَهَذِه الدَّار: أَي فقصد أَن لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بدخولهما.

قَوْله: (إِلَّا بِمَا فِيهِ تَشْدِيد على نَفسه) كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وسكنت ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ الثَّانِيَةَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ وَهَذِهِ الدَّارُ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ هَذِه طَالِقَةٌ ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةَ، وَكَذَا فِي الْعتْق.
بَحر.

قَوْله: (أسلمت بعد مَوته) أَي وَقد مَاتَ وَهِي على دينه فلهَا الْمِيرَاث.

قَوْله: (وَقَالَت ورثته قبله) أَي أسلمت قبل مَوته فَلَا مِيرَاث لَهَا.

قَوْله: (صدقُوا) أَي بِلَا يَمِين إِلَّا إِذا ادَّعَت عَلَيْهِم بكفرها بعد مَوته فَيحلفُونَ على عدم الْعلم.

قَوْله: (تحكيما للْحَال) أَي استصحابا لظَاهِر الْحَال، فَإِن سَبَب الحرمان ثَابت فِي الْحَال فَيثبت فِيمَا مضى.
وَفِي التَّحْرِير: الِاسْتِصْحَاب: الحكم بِبَقَاء أَمر مُحَقّق لم يظْهر عَدمه.
وحرر ابْن نجيم تفاريعه فِي الاشباه والنظائر فِي قَاعِدَة: الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ، وَفِي آخر بَاب التَّحَالُف فِي بحره.

قَوْله: (كَمَا يحكم الْحَال الخ) إِن هَذِه الْعبارَة لَيست مَوْجُودَة فِي أصل المُصَنّف، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قَوْله بعد كَمَا فِي مُسلم الخ وَجعل المُصَنّف وَجه الشّبَه فيهمَا كَون القَوْل للْوَرَثَة فيهمَا، وَأَرَادَ بقوله كَمَا يُحَكَّمُ الْحَالُ فِي مَسْأَلَةِ
جَرَيَانِ مَاءِ الطاحونة وانقطاعه: أَي إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي جَرَيَان مَاء الطاحونة وانقطاعه فَإِنَّهُ يحكم الْحَال ويستدل بهَا على الْمَاضِي، فَإِذا كَانَ المَاء جَارِيا فِي الْحَال حكمنَا بِأَنَّهُ جَار من أول مُدَّة الاجارة إِلَى زمَان النزاع فَيسْتَحق الاجرة، وَإِن لم يجز حكمنَا بالانقطاع كَمَا فِي الْخَانِية.
فَإِن قلت: جَرَيَان المَاء يثبت الِاسْتِحْقَاق وكلامنا فِي عَدمه.
قلت: يُمكن أَن يُقَال: إِن الاقدام على العقد إِقْرَار بالجريان فَكَانَ الاجر ثَابتا ومستحقا من كل وَجه، فَإِذا ادّعى الجريان يكون مُدعيًا اسْتِحْقَاقه الاجر عملا بالاقرار السَّابِق لَا بتحكيم الْحَال اللَّاحِق، فَإِذا لم يسْتَحق بِهَذَا التَّحْكِيم يصير دافعا بِهِ وَهُوَ يصلح للدَّفْع.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ الِاسْتِحْقَاق ثَابتا بِالْعقدِ من كل وَجه يكون ادِّعَاء الْمُسْتَأْجر عدم الجريان وتحكيمه لَهُ حجَّة لاستحقاقه مَا فِي ذمَّته من الاجرة: قلت: يُمكن أَن يُجَاب بِأَن كَون الاقدام على العقد إِقْرَارا إِنَّمَا هُوَ حجَّة غير قَوِيَّة فَلَا يعْمل بِهِ إِذا خَالفه عدم الجريان الْمشَاهد، فَيكون عدم الجريان تحكيما للدَّفْع عَنهُ لَا للاستحقاق.

قَوْلُهُ: (جَرَيَانِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بَلْ الِانْقِطَاعُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ.

قَوْلُهُ: (الطاحونة) أَي الْمُسْتَأْجرَة إِذا قَالَ الْمُسْتَأْجر لم أتمكن من الِانْتِفَاع بهَا لعدم جَرَيَان مَائِهَا وَقَالَ الْمَالِك بل تمكنت فَينْظر إِلَى وصف المَاء فِي الْحَال وَيحكم بِهِ فِيمَا مضى.

قَوْله: (للدَّفْع لَا للاستحقاق) أَي لدفع دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْقَضَاءِ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذَا كَانَ مَاءُ الطَّاحُونَةِ جَارِيًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ.
قُلْنَا: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدَفْعِ مَا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ الْأَجْرِ، أما ثُبُوتُ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لَهُ فَيكون دافعا لَا مُوجبا.

(7/448)


يعقوبية.

قَوْله: (كَمَا فِي مُسلم مَاتَ الخ) ظَاهره أَنه مِثَال للاستحقاق بتحكيم الْحَال، وصنيع الشَّرْح هُنَا لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي، فَلَو أبقى المُصَنّف من غير زِيَادَة مَسْأَلَة الطاحونة لَكَانَ أولى.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ.
وَحَاصِلُهُ: إنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُمْ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنَاءً عَلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ
لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ محتاجة إِلَيْهِ، أما الْوَرَثَة فهم الدافعون وَيشْهد لَهُم ظَاهر الْحُدُوث أَيْضا.

قَوْله: (فإرثه) بِصِيغَة الْمُضَارع.

قَوْله: (لَان الْحَادِث الخ) أَي وَهُوَ الاسلام، وَلَو كَانَ القَوْل قَوْلهَا لَكَانَ تحكيم الْحَال مُوجبا لاستحقاقها الارث، وَكَانَ الاولى للشَّارِح التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ السَّابِقَة، لَان مَا ذكر لَا يصلح تعليلا لما تقدم.

قَوْله: (لاقرب أوقاته) وَأقر بهَا مَا بعد موت الزَّوْج.

قَوْله: (وَقع الِاخْتِلَاف الخ) بِأَن مَاتَ رجل لَهُ أَبَوَانِ ذميان وَولد مُسلم فَقَالَا مَاتَ ابننا كَافِرًا وَقَالَ وَلَده الْمُسلم مَاتَ مُسلما فالميراث للْوَلَد دون الابوين، وَكَذَا لَو قَالَت امْرَأَة مسلمة مَاتَ زَوجي مُسلما وَقَالَ أَوْلَاده الْكفَّار كَافِرًا وَصدق الْمَرْأَة أَخُو الْمَيِّت وَهُوَ مُسلم قضى بِالْمِيرَاثِ للْمَرْأَة والاخ دون الاولاد.
قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَلَا يحْتَاج إِلَى تَصْدِيق الاخ، بل تَكْفِي دَعْوَى الْمَرْأَة أَنه مَاتَ مُسلما، وَتَبعهُ الْمَقْدِسِي، لَكِن استظهر فِيهِ سَيِّدي الْوَالِد أَن تَصْدِيق الاخ شَرط لارثه مشاركا للْمَرْأَة، لانه لَو أكذبها يكون معترفا بِأَن وَلَده وَارثه فيحجب الاخ بِهِ فَلَا يَرث، وَكَأن صَاحب الْبَحْر فهم أَنه شَرط لارث الْمَرْأَة أَيْضا، وَلَيْسَ كَذَلِك فِيمَا يظْهر، فَلَا مُنَافَاة.
تَأمل.
مطلب: مُدَّة التَّلَوُّم فِي دفع المَال للْوَارِث الَّذِي أقرّ بِهِ الْمُودع
قَوْله: (هَذَا ابْن مودعي) مُرَاده بِالِابْنِ مَنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ فَالْبِنْتُ وَالْأَبُ والام كالابن، وَقيد بالابن لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِك.
وَالْفرق أَن اسْتِحْقَاق الاخ مَشْرُوط بِعَدَمِ الِابْنِ، بِخِلَافِ الِابْنِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَال، وكل من يَرث فِي حَال دون حَال فَهُوَ كالاخ.
بَحر مَعَ زِيَادَة.
ثمَّ إِذا تأنى إِن حضر وَارِث آخر دفع المَال إِلَيْهِ لانه خلف عَن الْمَيِّت، وَإِن لم يحضر أعْطى كل مُدع مَا أقرّ بِهِ لَكِن بكفيل ثِقَة، وَإِن لم يجد كَفِيلا أعطَاهُ المَال وَضَمنَهُ إِن كَانَ ثِقَة حَتَّى لَا يهْلك أَمَانَة، وَإِن كَانَ غير ثِقَة تلوم القَاضِي حَتَّى يظْهر أَن لَا وَارِث للْمَيت أَو أكبر رَأْيه ذَلِك ثمَّ يُعْطِيهِ المَال وَيضمنهُ، وَلم يقدر مُدَّة التَّلَوُّم بشئ بل موكول إِلَى رَأْي القَاضِي، وَهَذَا أشبه بِأبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا مُقَدّر بحول، هَكَذَا حُكيَ الْخلاف فِي الْخُلَاصَة عَن الاقضية.
قَالَ: وَعَن أبي يُوسُف مُقَدّر بِشَهْر.

قَوْله: (لَا وَارِث لَهُ غَيره) قيد بِهِ، لانه لَو قَالَ لَهُ وَارِث غَيره وَلَا أَدْرِي أمات أم لَا لَا يدْفع إِلَيْهِ شئ، لَا قبل التَّلَوُّم وَلَا بعده، حَتَّى يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة تَقول لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره،
وَمثل إِقْرَار الْمُودع بِمَا ذكر مَا لَو أقرّ أَن الْمَيِّت أقرّ بِأَن هَذَا ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، بِخِلَاف مَا لَو أخبر عَنهُ بِأَنَّهَا زَوجته أَو أَنه مولى الْمُوَالَاة أَو الْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ أَو بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ لَا يدْفع إِلَيْهِم المَال، لَان

(7/449)


ذَا الْيَد أقرّ بِسَبَب ينْتَقض ط.
وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو ادّعى أَنه أَخُو الْغَائِب وَأَنه مَاتَ وَهُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، أَو ادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، أَو كَانَت امْرَأَة وَادعت أَنَّهَا عمَّة الْمَيِّت أَو خَالَته أَو بنت أُخْته وَقَالَ لَا وَارِث لَهُ غَيْرِي وَادّعى آخر أَنه زوج أَو زَوْجَة للْمَيت أَو أَن الْمَيِّت أوصى لَهُ بِجَمِيعِ مَاله أَو ثلثه وصدقهما ذُو الْيَد وَقَالَ لَا أَدْرِي للْمَيت وَارِثا غَيرهمَا أَو لَا لم يكن لمُدعِي الْوَصِيَّة شئ بِهَذَا الاقرار، وَيدْفَع القَاضِي إِلَى الاب والام والاخ وَمولى الْعتَاقَة أَو الْعمة أَو الْخَالَة أَو بنت الاخت إِذا انْفَرد.
أما عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يزاحم مدعي النُّبُوَّة مدعي الاخوة، لَكِن مدعي هَذِه الاشياء إِذا زاحمه مدعي الزَّوْجِيَّة أَو الْوَصِيَّة بِالْكُلِّ أَو الثُّلُث مستدلا بِإِقْرَار ذِي الْيَد فمدعي الاخوة أَو الْبُنُوَّة أولى بعد مَا يسْتَحْلف الابْن: مَا هَذِه زَوْجَة الْمَيِّت أَو موصى لَهُ، هَذَا إِذا لم تكن بَيِّنَة على الزَّوْجِيَّة وَالْوَصِيَّة، فَإِن أَقَامَ أَخذ بهَا اهـ.
بَحر.
وَفِيه: وَمن دَعْوَى الْمجمع وَإِن كَانَت فِي يَد زيد فجَاء أحد الزَّوْجَيْنِ فَصدقهُ زيد بِإِعْطَاء أقل النَّصِيبَيْنِ لَا أكثرهما اهـ.
قيد بتصديقه لانه لَو برهن وَقَالا لَا نعلم لَهُ وَارِثا آخر فَلهُ أَكثر النَّصِيبَيْنِ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرحه لِابْنِ ملك.

قَوْله: (دَفعهَا إِلَيْهِ وجوبا) لاقراره أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت وَالْعَارِية وَالْعين المغصوة بالوديعة ط.

قَوْله: (كَقَوْلِه هَذَا ابْن دائني) وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا بِأَن قَالَ لَا وَارِث لَهُ سواهُ.

قَوْله: (قيد بالوارث) أَي الَّذِي هُوَ الابْن وَنَحْوه.

قَوْله: (لم يَدْفَعهَا) لانه أقرّ بِقِيَام حق الْمُودع وَملكه فِيهَا الْآن فَيكون إِقْرَارا على ملك الْغَيْر، وَلَا كَذَلِك بعد مَوته لزوَال ملكه فَإِنَّهُ أقرّ لَهُ بِملكه لما فِي يَده من غير ثُبُوت ملك مَالك معِين فِيهِ للْحَال.
وَفِي فصل الشِّرَاء: وَإِن أقرّ بِزَوَال ملك الْمُودع لَكِن لَا ينفذ فِي حذه لَا يملك إبِْطَال ملكه بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كإقراره بِالْوكَالَةِ بِقَبض الْوَدِيعَة ط.
وتوضيح الْفرق بَينهمَا: أَن فِي الْمَسْأَلَة الاولى أقرّ أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ أَنه ملك الْوَارِث وَهُوَ حَيّ أَصَالَة، وَفِي هَذِه الْمسَائِل فِيهِ إبِْطَال حق الْمُودع فِي الْعين
بإزالتها عَن يَده لَان يَد الْمُودع كيد الْمَالِك فَلَا يقبل إِقْرَاره.

قَوْله: (فَإِن أقرّ ثَانِيًا) سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا بالاول بِأَن قَالَ هَذَا ابْنه وَهَذَا الآخر أَيْضا، أَو مُنْفَصِلا بِأَن أقرّ للثَّانِي فِي مجْلِس آخر.
حموي.

قَوْله: (إِذا كذبه الابْن الاول) حكم مَفْهُومه ظَاهر، وَهُوَ مَا إِذا صدقه فيشتركان قَوْله (لانه إِقْرَار على الْغَيْر) لصِحَّة الاقرار للاول لعدم من يكذبهُ
قَوْله: (إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء) وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَة الْبَيَان من أَن الْمُودع لَا يغرم للِابْن الثَّانِي شَيْئا بِإِقْرَارِهِ لَهُ لَان اسْتِحْقَاقه لم يثبت فَلم يتَحَقَّق التّلف.
تَنْبِيه: لَو أقرّ بالوديعة لرجل ثمَّ قَالَ لَا بل وَدِيعَة فلَان أَو قَالَ غصبت هَذَا من فلَان لَا بل من فلَان، وَكَذَا الْعَارِية، فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للاول وَيضمن للثَّانِي قِيمَته، وَكَذَا فِي الاقرار بِالدّينِ، وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان وَهَذَا لفُلَان الْمقر لَهُ إِلَّا نصف الاول فَإِنَّهُ لفُلَان كَانَ جَائِزا، وَكَانَ لَو قَالَ هَذِه الْحِنْطَة وَالشعِير لفُلَان إِلَّا كرا من هَذِه الْحِنْطَة فَإِنَّهُ لفُلَان إِذا كَانَت الْحِنْطَة أَكثر من الْكر كَذَا فِي الاصل لمولانا مُحَمَّد رَحمَه الله من الدَّعْوَى اهـ.
ط عَن الْبَحْر.

قَوْله: (تَرِكَة قسمت بَين الْوَرَثَة) أَي سَوَاء كَانُوا مِمَّن

(7/450)


يحجب أَو لَا.
قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا إلَى الْأَصْلِ الْوَارِثُ لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لَا يُعْطَى شَيْئًا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فِي وَجه جَمِيع الْوَرَثَة الْحَاضِرين أَو يشْهد أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ تُقْبَلُ عِنْدَنَا لَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُمَا جَازَفَا، وَلَنَا الْعُرْفَ.
فَإِنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَقُبِلَتْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ نَفْيًا وَهُنَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهَا عَلَى شَرْطِ الْإِرْثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِأَحَدٍ، فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَقُولَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ يَتَلَوَّمُ الْقَاضِي زَمَانًا رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ وَارِث آخر، فَإِن لم يحضر يقْض لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ، وَلَا يَكْفُلُ عِنْدَ أَبِي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ، وَعِنْدَهُمَا: يَكْفُلُ فِيهِمَا.
وَمُدَّةُ التَّلَوُّمِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَقِيلَ حَوْلٌ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَأَمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَوْ أَثْبَتَ الْوِرَاثَةَ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، فَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يُحْكَمُ لَهُمَا بِأَكْثَرِ النَّصِيبَيْنِ بعد الْعُلُوم.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: بِأَقَلِّهِمَا وَلَهُ الرُّبْعُ وَلَهَا الثّمن اهـ مُلَخَّصًا.
وَإِنْ تَلَوَّمَ وَمَضَى زَمَانُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحْجَبُ كَالْأَخِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالِابْنِ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَاشِر فِي النّسَب والارث.
قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَحَاصِله الْمُدَّعِي لَو برهن أَنه مَاتَ مُوَرِثه وَلم يذكرُوا عدد الْوَرَثَة وَلَا قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا فَإِنَّهُ لَا يقْضى لَهُ، وَإِن بينوا عَددهمْ وَقَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غير مَا ذكر، فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يحجب فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ القَاضِي وَلَا يتأنى وَلَا يكفل، وَإِن كَانَ مِمَّن يحجب بِحَال تأنى ثمَّ قضى، وَإِن شهدُوا أَنه ابْنه أَو وَارثه وَأَنه مَاتَ وَتَركه مِيرَاثه لَهُ وَلم يَقُولُوا لم نعلم لَهُ وَارِثا غَيره تلوم القَاضِي زَمَانا ثمَّ قضى، وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل عِنْد الامام خلافًا لَهَا، وَيدْفَع لَاحَدَّ الزَّوْجَيْنِ أوفر النَّصِيبَيْنِ عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد أقلهما اهـ.
وَرُوِيَ عَن الامام أَنه قَالَ فِي أَخذ الْكَفِيل: هَذَا شئ احتاط بِهِ بعض الْقُضَاة وَهُوَ ظلم، وعنى بِالْبَعْضِ ابْن أبي ليلى قَاضِي الْكُوفَة.
وَأورد أَنه مُجْتَهد والمجتهد مأجور، وَإِن أَخطَأ فَلَا وَجه لنسبته إِلَى الظُّلم.
وَقد قَالَ الامام: كل مُجْتَهد مُصِيب وَالْحق عِنْد الله وَاحِد: أَي مُصِيب فِي اجْتِهَاده بِحَسب مَا عِنْده، وَإِن أَخطَأ الْحق فِي الْوَاقِع.
وَالْجَوَاب مَا قَالَه فِي التَّلْوِيح: الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد لَا يُعَاتب وَلَا ينْسب إِلَى الضلال بل يكون مَعْذُورًا ومأجورا، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بذل الوسع وَقد فعل، فَلم ينل لخفاء دَلِيله إِلَّا أَن يكون الدَّلِيل الْموصل إِلَى الصَّوَاب بَينا فَأَخْطَأَ الْمُجْتَهد لتقصير مِنْهُ وَتَركه الْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ يُعَاتب، وَمَا فعل من طعن السّلف بَعضهم على بعض فِي الْمسَائِل الاجتهادية كَانَ مَبْنِيا على أَن طَرِيق الصَّوَاب بَين فِي زعم الطاعن اهـ: أَي وَمِنْه طعن الامام على ابْن أبي ليلى، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَة.

قَوْله: (كَذَا نسخ الْمَتْن) أَي بِإِسْقَاطِ لَا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكتب.
سَيِّدي.
قَالَ ط: وَلَعَلَّه فِيمَا وَقع لَهُ، وَالَّذِي بِيَدِهِ فِيمَا ذكر لَا، وَكَلَام المُصَنّف فِي الشَّارِح مثله.
وَاعْلَم أَن مَفْهُوم الْمَتْن أَمْرَانِ: سكوتهم، وَقَوْلهمْ لَا نعلم، وَلم يكفلوا فيهمَا عِنْد الامام.
وَقَالَ الصاحبان: يكفلون فِي صُورَة السُّكُوت إِلَّا إِذا قَالُوا لَا نعلم، فَعدم الْكفَالَة فِي الثَّانِي مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مُرَاد الشَّارِح فِي قولولو قَالَ الشُّهُود ذَلِك وَيكون تفريقعا على غير الْمَتْن.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُكَفَّلُوا) مَبْنِيٌّ
لِلْمَجْهُولِ مُضَعَّفُ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ: أَيْ لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا ح.
قَالَ فِي

(7/451)


الدُّرَرِ: أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْد الامام، وَقَالا يُؤْخَذ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ فتوقف فِي أَنَّهَا بِالْمَالِ أَو بِالنَّفسِ اهـ سَيِّدي، فَافْهَم.
وَاقْتصر على نفي التكفيل لَان القَاضِي بعد يتلوم كَمَا ذكره الشَّارِح بعد، وَلَا يدْفع إِلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيره وَلَا غَرِيم لَهُ اتِّفَاقًا، لانه من بَاب الِاحْتِيَاط لنَفسِهِ بِزِيَادَة علم بِانْتِفَاء الشَّرِيك الْمُسْتَحق مَعَه بِقدر الامكان كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان.

قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ وَارِث أَو غَرِيم آخر.

قَوْله: (لجَهَالَة الْمَكْفُول لَهُ) عِلّة لقَوْله لم يكفلوا ولان حق الْحَاضِر ثَابت قطعا أَو ظَاهرا فَلَا يُؤَخر لاجل المرهوم، كَذَا قَالُوا: (ويتلوم القَاضِي) أَي يتأنى فِي تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى الْمدَّة الْمُتَقَدّم بَيَانهَا لَا فِي الدّفع بعد الْقَضَاء.
وَالْمَسْأَلَة على وُجُوه ثَلَاثَة تقدم بَيَانهَا عَن الصَّدْر الشَّهِيد، وَسَيَأْتِي شئ مِنْهَا قبيل بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (مُدَّة) تقدم أَنَّهَا مفوضة إِلَى رَأْي القَاضِي، وقدرها الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ، وَعَلَى عَدَمِ التَّقْدِيرِ حَتَّى يَغْلِبَ على ظَنّه أَنه لَا وَارِث لَهُ غَيره أَو لَا غَرِيم لَهُ آخر،
قَوْله: (وَلَو ثَبت) أَي مَا ذكر من الْوَرَثَة أَو الْغُرَمَاء.

قَوْله: (بالاقرار) أَي بالارث أَو بِالدّينِ وَهُوَ مُحْتَرز قَوْله بِشُهُود.

قَوْله: (كفلوا اتِّفَاقًا) يَعْنِي وَالْخلاف فِيمَا إِذا ثَبت الدّين والارث بِالشَّهَادَةِ وَلم يقل الشُّهُود لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيرهم، أما إِذا ثَبت بالاقرار يُؤْخَذ كَفِيل بالِاتِّفَاقِ.

قَوْله: (وَلَو قَالَ الشُّهُود ذَلِك) أَي لَا نعلم لَهُ وَارِثا أَو غريما غَيره.

قَوْله: (لَا) أَي لَا يُؤْخَذ مِنْهُم كَفِيل سَوَاء كَانَ وَارِثا يحجب بِحَال أَو لَا.

قَوْله: (اتِّفَاقًا) تقدم بَيَان الصُّور فِي الْحَاصِل.

قَوْلُهُ: (ادَّعَى) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ: ادَّعَى عَلَيْهِمَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي بِيَدِكُمَا مِلْكِي فَبَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَوْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِإِرْثٍ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الدَّارِ بِيَدِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِمَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ على أَحدهمَا حكما على الآخر اهـ.

قَوْله: (إِرْثا) قيد بِهِ لانه لَو شِرَاء لَا يكون الْحَاضِر خصما عَن الْغَائِب كَمَا تقدم.
قَوْله:
(مشَاعا) يَعْنِي ينْتَفع بِهِ انْتِفَاع الْمشَاع لَا أَنه يقسمهُ ويفرزه لانه سَيَأْتِي فِي الْقِسْمَة، فَإِنْ بَرْهَنَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَا يُقْسَمُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ اثْنَيْنِ وَلَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرا أَو موصى لَهُ.

قَوْله: (جَحَدَ ذُو الْيَدِ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَجْحَدْ) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَان الْبُرْهَان يسْتَلْزم سبق الْجحْد، وَقد أَجمعُوا أَنه لَا يُؤْخَذ الْكَفِيل فِي صُورَة الاقرار.
وَالصَّوَاب أَنه يُبَدَّلَ قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَثَبَتَ ذَلِكَ فَيشْمَل الثُّبُوت بالاقرار وَلَا كَفِيل فِيهِ اتِّفَاقًا وبالبينة وَفِيه الْخلاف، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ قَوْلُهُ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يجْحَد اهـ ط.
وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد بِأَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَرَكَ بَاقِيه أَشَارَ بِهِ إِلَى الْخلاف، فَافْهَم.
أَقُول: عبارَة الْهِدَايَة وَالْمجْمَع وَالْبَحْر وَغَيرهَا تَسَاوِي عبارَة المُصَنّف وَهِي عبارَة متن الدُّرَر، وَكَأَنَّهُم تساهلوا فِي ذَلِك لوضوح المُرَاد.
وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن قَوْله وَترك بَاقِيه مُسْتَأْنف لَيْسَ من تَمام حكم الْبُرْهَان، وَيكون المُرَاد بَيَان مَسْأَلَة وفاقية وَهِي أَخذ الْمُدَّعِي النّصْف إِذا برهن، وَمَسْأَلَة خلافية

(7/452)


وَهِي ترك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد مُطلقًا، وَأَشَارَ إِلَى الْخلاف بالتعميم بقوله جحد أَو لَا، هَذَا مَا ظهر لي.
نعم الاولى مَا فِي شرح أدب الْقَضَاء حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي يَأْخُذ النّصْف وَيتْرك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: ينْزع مِنْهُ: أَي وَيجْعَل فِي يَد أَمِين، ثمَّ ذكر أَنهم أَجمعُوا أَنه لَو مقرا ينْزع الْبَاقِي مِنْهُ أَيْضا.

قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فِي صُورَة الْجُحُود حَيْثُ قَالَا: إنْ جَحَدَ ذُو الْيَدِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ وَإِلَّا ترك فِي يَده، فَلَا نظر فِي تَركه فِي يَده، فَهُوَ رَاجع إِلَى قَوْله وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد لَا لقَوْله بِلَا كَفِيل فَإِنَّهُ لَا خلاف فِيهِ، وَله أَن الْحَاضِر لَيْسَ بخصم عَن الْغَائِب فِي الِاسْتِيفَاء وَلَيْسَ للْقَاضِي التَّعَرُّض بِلَا خصم، كَمَا إِذا رأى شَيْئا فِي يَد إِنْسَان يعلم أَنه لغيره لَا ينتزعه مِنْهُ بِلَا خصم، وَقد ارْتَفع جحوده بِقَضَاء القَاضِي بِالْكُلِّ.
بَحر.

قَوْله: (خصما للْمَيت) الاوضح عَن الْمَيِّت.

قَوْله: (حَتَّى تقضى مِنْهَا دُيُونه) وتنفذ مِنْهَا وَصَايَاهُ.

قَوْله: (ثمَّ إِنَّمَا يكون خصما) أَي عَن بَقِيَّة الْوَرَثَة فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت.

قَوْله: (بِشُرُوط تِسْعَة) الاولى أَن يَقُول ثَلَاثَة: الاول كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ أَنَّهَا إرْثٌ عَن الْمَيِّت الْمعِين كَمَا فِي الْبَحْر والحموي.

قَوْله: (مبسوطة فِي الْبَحْر) لَيْسَ جَمِيع الْمَذْكُور فِي الْبَحْر شُرُوطًا، بل بعضه شُرُوط وَبَعضه أَحْكَام، وَنَصه: تَنْبِيهَات: (الاول) : إِنَّمَا ينْتَصب الْحَاضِر الَّذِي فِي يَده الْعين خصما عَن البَاقِينَ إِذا كَانَت الْعين لم تقسم بَين الْحَاضِر وَالْغَائِب، فَإِن قسمت وأودع الْغَائِب نصِيبه عِنْد الْحَاضِر كَانَت كَسَائِر أَمْوَاله فَلَا ينْتَصب الْحَاضِر خصما عَنهُ.
ذكره العتابي عَن مَشَايِخنَا.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من السَّابِع وَالْعِشْرين: وَلَو أودع نصِيبه من عين عِنْد وَارِث آخر فَادّعى رجل هَذَا الْعين ينْتَصب هَذَا الْوَارِث خصما إِذْ ينْتَصب أحد الْوَرَثَة خصما عَن البَاقِينَ لَو كَانَ الْعين بِيَدِهِ، بِخِلَاف الاجنبي اهـ.
أَقُول: فَقَوله بِخِلَاف الاجنبي: أَي غير الْوَارِث تكون الْعين فِي يَده فيدعي عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى الْقَضَاء عَلَيْهِ إِلَى غَيره بِأَن تكون شركَة بَينه وَبَين غَيره فَلَا يكون الشَّرِيك الْغَائِب مقضيا عَلَيْهِ.
سَيِّدي الْوَالِد.
(الثَّانِي) : إِنَّمَا لَا تسمع دَعْوَى الْغَائِب إِذا حضر بِشَرْط أَن يصدق أَن الْعين مِيرَاث بَينه وَبَين الْحَاضِر، أما لَو أنكر الارث وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا أَو ورث نصِيبه من رجل آخر لَا يكون الْقَضَاء على الْحَاضِر قَضَاء عَلَيْهِ فَتسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته.
فَالْحَاصِل: أَنه إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إِرْث عَن الْمَيِّت الْمعِين.
(الثَّالِث) : إِنَّمَا يَكْفِي ثُبُوت بعض الْوَرَثَة أَن لَو ادّعى الْجَمِيع وَقضى بِهِ، أما لَو ادّعى حِصَّته فَقَط وَقضى بهَا فَلَا يثبت حق البَاقِينَ.
(الرَّابِع) : ادّعى بَيْتا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّه ملكي ورثته من أبي، فَلَو قضى عَلَيْهِ: أَي على ذِي الْيَد:

(7/453)


أَي ببرهان الْمُدَّعِي يظْهر على جَمِيع الْوَرَثَة، لَان الْعين كلهَا فِي يَده غير مقسومة فَلَيْسَ لَاحَدَّ مِنْهُم أَن يَدعِيهِ بِجِهَة الارث إِذْ صَار مُورثهم مقضيا عَلَيْهِ، فَهُوَ ادَّعَاهُ أحدهم ملكا مُطلقًا تقبل إِذا لم يقْض عَلَيْهِ
فِي الْملك الْمُطلق، فَلَو ادَّعَاهُ ذُو الْيَد ملكا مُطلقًا لَا إِرْثا لَا تصير الْوَرَثَة مقضيا عَلَيْهِم فَلهم أَخذه بِدَعْوَى الارث، لَكِن لَيْسَ لذِي الْيَد حِصَّة فِيهِ إِذا قضى عَلَيْهِ.
(الْخَامِس) : إِذا كَانَ الْوَرَثَة كبارًا غيبا وصغارا نصب القَاضِي وَكيلا عَن الصَّغِير لسَمَاع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت، وَالْقَضَاء على هَذَا الْوَكِيل قَضَاء على جَمِيع الْوَرَثَة.
(السَّادِس) : إِذا أثبت الْمُدَّعِي دينه على بعض الْوَرَثَة وَفِي يَده حِصَّته فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي جَمِيع دينه مِمَّا فِي يَد الْحَاضِر ثمَّ يرجع الْحَاضِر على الْغَائِب بِحِصَّتِهِ.
(السَّابِع) : يحلف الْوَارِث على الدّين إِذا أنكر: أَي على الْعلم وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة.
(الثَّامِن) : يَصح الاثبات على الْوَارِث وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة.
مطلب: وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم إِلَّا إِذا وَكله السُّلْطَان فِي أَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ لَا بِالْجمعِ وَالْحِفْظ (التَّاسِع) : لَو لم يكن للْمَيت وَارِث فجَاء مُدع للدّين على الْمَيِّت نصب القَاضِي وَكيلا للدعوى كَمَا فِي أدب القَاضِي للخصاف، وَظَاهره أَن وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم اهـ بِزِيَادَة.
أَقُول: قَالَ سَيِّدي فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا وَكله السُّلْطَان بجمعه وَحفظه، أما إِذا وَكله بِأَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ أَيْضا تسمع دَعْوَاهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيملك فِي ذَلِك مَا يملكهُ السُّلْطَان لانه فوض إِلَيْهِ مَا يملكهُ، وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع.
وَيتَفَرَّع من ذَلِك أَن الْمزَارِع لَا يصلح خصما لمن يَدعِي الْملك فِي الارض وَكَذَلِكَ المقاطع الْمُسَمّى بلغتهم تيماريا.
تَأمل هَذَا.
وَسُئِلَ شَيخنَا ابْن الحانوتي عَن هَذِه الْمَسْأَلَة، فَأجَاب بِمَا ذكره الشَّيْخ زين هُنَا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْحَقُّ إلَخْ) لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا فِيمَا عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي فتح الْقَدِير بِالْفرقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيع التَّرِكَة، بِخِلَاف مدعي الْعين اهـ قَوْلُهُ (وَالْعَيْنِ) حَيْثُ لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي فِي دَعْوَى الْعَيْنِ إلَّا إِذا كَانَت فِي يَده.
وَأما فِي دَعْوَى الدّين عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ينْتَصب خصما عَنْهُم وَإِن لم يكن فِي يَده غير تَرِكَة، لَان حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْعين الْمُدعى بهَا كَمَا تقدم آنِفا، وَقد علمت أَن ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْوَارِث مدعى عَلَيْهِ.
وَأما إِذا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي إِرْث الْعين على ذِي الْيَد فَإِن أثبت كَانَ الْقَضَاء بالارث لَهُ ولبقية الْوَرَثَة إِذا ادَّعَاهُ إِرْثا لَهُ وَلَهُم، وَإِن لم يثبت وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِأَن مورثك بَاعهَا مني مثلا وَأثبت الشِّرَاء تنْدَفع دَعْوَى الارث فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب، كَمَا أَفَادَهُ الطَّحَاوِيّ عَن أبي السُّعُود.

قَوْله: (فِيمَا ذكر) من أَخذ الْحَاضِر حِصَّته وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد، وَقيل يوضع عِنْد عدل إِلَى حُضُور صَاحبه.

(7/454)


مطلب: هَل ينْزع الْمَنْقُول من يَد ذِي الْيَد؟ وَفِي الْحَمَوِيّ: وَلَو كَانَت الدَّعْوَى فِي مَنْقُول: قيل يُؤْخَذ مِنْهُ اتِّفَاقًا لاحتياج الْمَنْقُول إِلَى الْحِفْظ والنزع من يَده أبلغ فِي الْحِفْظ كي لَا يتلفه، أما الْعقار فمحفوظ بِنَفسِهِ، وَقيل الْمَنْقُول على الْخلاف، وَقَول الامام فِي الْمَنْقُول أظهر لِحَاجَتِهِ إِلَى الْحِفْظ، وَالتّرْك فِي يَده أبلغ فِيهِ، لَان المَال بيد الضمين أَشد حفظا وبالانكار صَار ضَامِنا، وَلَو وضع عِنْد عدل كَانَ أَمينا.
كَذَا فِي الْكَافِي وَالْفَتْح وَغَيرهمَا.
وَبحث الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن النزع من يَد الخائن أبلغ فِي الْحِفْظ بِاحْتِمَال هروبه أَو تحيله بِوَجْه مَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ.

قَوْله: (وَمثله فِي الْبَحْر) فَإِنَّهُ حُكيَ مُقَابل الِاتِّفَاق بقيل ط.

قَوْله: (أَنه لَا يُؤْخَذ) أَي الْمَنْقُول لَو مقرا: أَي كالعقار، وَهَذِه الْعبارَة توهم أَن الْعقار لم يجمعوا على عدم أَخذه لَو مقرا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الحكم فيهمَا وَاحِد كَمَا علم بِمَا سبق.
مطلب: أوصى بِثلث مَاله جَازَ
قَوْله: (أوصى لَهُ بِثلث مَاله) وَكَذَا لَو قَالَ ثُلثي لفُلَان أَو سدسي فَهُوَ وَصِيَّة جَائِزَة، وَقيد بِالْوَصِيَّةِ لانه لَو قَالَ ثلث مَالِي وقف وَلم يزدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة من الْوَصَايَا: إِن كَانَ مَاله دَرَاهِم أَو دَنَانِير
فَقَوله بَاطِل، وَإِن ضيَاعًا صَار وَقفا على الْفُقَرَاء، وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لله تَعَالَى الْوَصِيَّة بَاطِلَة عِنْدهمَا، وَعند مُحَمَّد يصرف إِلَى وُجُوه الْبر، وَلَو صرح بِهِ إِلَى سراج الْمَسْجِد يجوز، وَلَو قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ للغزو، فَإِن أَعْطوهُ حَاجا مُنْقَطِعًا جَازَ.
بَحر.

قَوْله: (يَقع ذَلِك على كل شئ) وَهل تدخل الدُّيُون فِي الْوَصِيَّة؟ فِي الْخَانِية لَا، وَكَلَام الشَّارِح فِي الْوَصَايَا يُفِيد دُخُوله فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لانه يصير مَالا بِالِاسْتِيفَاءِ فتناولته الْوَصِيَّة خُصُوصا.
قَالُوا: إِنَّهَا أُخْت الْمِيرَاث وَهُوَ يجْرِي فيهمَا، وَكَذَا كَلَام الْوَهْبَانِيَّة يُشِير إِلَى الْخلاف.
وَرجح الدُّخُول حَيْثُ قَالَ: وَفِي ثلث مَالِي يدْخل الدّين أَجْدَر.
قَالَ ابْن الشّحْنَة فِي شَرحه الْمَسْأَلَة فِي الْقنية رامزا للبرهان صَاحب الْمُحِيط وَقَالَ: لَو أوصى بِثلث مَاله لَا يدْخل الدّين ثمَّ رمز للاصل وَقَالَ يدْخل.
قَالَ المُصَنّف: وَفِي حفظي من فَتَاوَى قاضيخان رِوَايَة دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة بِثلث المَال، وَالْمرَاد بِدُخُولِهَا أَن يدْخل ثلثهَا فِي الْوَصِيَّة وَلَا يسْقط فَيجْعَل كَأَنَّهَا لم تكن اهـ.
مطلب: هَل يدْخل تَحت الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَا على النَّاس من الدُّيُون؟ قَولَانِ: وَفِي وَصَايَا الْكَنْز: أوصى لَهُ بِأَلف وَله عين وَدين: فَإِن خرج لالف من ثلث الْعين دفع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فثلث الْعين، وَكلما خرج شئ من الدّين لَهُ ثلثه حَتَّى يَسْتَوْفِي الالف، وَهَذِه غير مَسْأَلَتنَا.
وَمَا نَقله عَن حفظ ابْن وهبان يُخَالِفهُ مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية من عدم دُخُول الدّين.
وَرَأَيْت فِي وَصَايَا الظَّهِيرِيَّة: إِذا كَانَ مائَة دِرْهَم عين وَمِائَة دِرْهَم على أَجْنَبِي دين فأوصى لرجل بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَأْخُذ ثلث الْعين دون الدّين، أَلا ترى إِن حلف أَن لَا مَال لَهُ وَله دُيُون على النَّاس لم يَحْنَث، ثمَّ مَا خرج من الدّين أَخذ مِنْهُ ثلثه حَتَّى يخرج الدّين كُله لانه لما تعين الْخَارِج مَالا الْتحق بِمَا كَانَ عينا فِي الِابْتِدَاء.
وَلَا يُقَال: لما لم يثبت حَقه فِي الدّين قبل أَن يتَعَيَّن كَيفَ يثبت حَقه فِيهِ إِذا تعين؟ لانا نقُول: مثل هَذَا غير مُمْتَنع، أَلا ترى أَن الْمُوصى لَهُ بِثلث المَال لَا يثبت حَقه فِي الْقصاص، وَمَتى انْقَلب مَالا يثبت حَقه فِيهِ اهـ.

(7/455)


مطلب: فِي التَّوْفِيق بَين الْقَوْلَيْنِ فِي دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة وَعدم دُخُوله قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُمكن أَن يوفق بَين الْقَوْلَيْنِ بِهَذَا فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
وَيَنْبَغِي التَّأَمُّل
عِنْد الْفَتْوَى، لَان كَلَام كل مُتَكَلم يبْنى على عرفه، فَإِذا كَانَ الْعرف أَن المَال يَقع على مَا سوى الْعقار أَو الدّين أَو يعم الْكل فيفتى بِهِ.

قَوْله: (لانها أُخْت بِالْمِيرَاثِ) أَي وَالْمِيرَاث يجْرِي فِي كل شئ: أَي فِي الدّين وَالْعين.
مطلب: من قَالَ جَمِيع مَا أملكهُ صَدَقَة
قَوْله: (مَالِي أَو مَا أملكهُ صَدَقَة الخ) أما لَو قَالَ لله عَليّ أَن أهدي جَمِيع مَالِي أَو ملكي فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ جَمِيع مَا يملكهُ وَقت الْحلف بالاجماع فَيجب أَن يهدي ذَلِك كُله إِلَّا قدر قوته، فَإِذا اسْتَفَادَ شَيْئا تصدق بِمثلِهِ، وَفِي مَسْأَلَة المُصَنّف يدْخل الْمَوْجُود وَقت القَوْل فِي الْمُنجز.
أما لَو كَانَ مُعَلّقا بِالشّرطِ نَحْو قَوْله مَالِي صَدَقَة للْمَسَاكِين إِن فعل كَذَا دخل المَال الْقَائِم عِنْد الْيَمين والحادث بعده.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: ظَاهره أَنه بِدُونِ التَّنْجِيز لَا يَشْمَل الْحَادِث بعد الْيَمين، وَهَذَا بِخِلَاف الْوَصِيَّة.
مطلب: أوصى بثلثهى لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمم اسْتَفَادَ تصح الْوَصِيَّة لما فِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمَّ اسْتَفَادَ مَالا وَمَات كَانَ للْمُوصى لَهُ ثلث مَا ترك، ثمَّ قَالَ بعده وَلَو قَالَ عَبِيدِي لفُلَان أَو براذيني لفُلَان وَلم يضف إِلَى شئ وَلم ينسبهم يدْخل فِيهِ مَا كَانَ لَهُ فِي الْحَال وَمَا يَسْتَفِيد قبل الْمَوْت اهـ.
لَكِن قد يُقَال: الْوَصِيَّة فِي معنى الْمُعَلق.
وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود: وَقَوله والحادث بعده ظَاهره وَلَو بعد وجود الشَّرْط، لَكِن ذكر الابياري مَا نَصه: لَو علقه بِشَرْط دخل المَال الْمَوْجُود عِنْد الْيَمين والحادث بعده إِلَى وجود الشَّرْط اهـ.
فَظَاهر قَول المُصَنّف مَالِي أَو مَا أملكهُ الخ دُخُول الدّين أَيْضا، وَفِيه مَا قدمْنَاهُ آنِفا من الْخلاف والتوفيق.

قَوْله: (فَهُوَ على جنس مَال الزَّكَاة) أَي أَي جنس كَانَت بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا، وَلَا يتَصَدَّق بِغَيْر ذَلِك من الاموال لانها لَيست بأموال الزَّكَاة.
وَقَالَ زفر: يلْزمه التَّصَدُّق بِالْكُلِّ لَان اسْم المَال يتَنَاوَل الْكل.
وَلنَا أَنه يعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: * (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة) * (التَّوْبَة: 301) وَهُوَ خَاص بالنقدين وعروض التِّجَارَة والسوائم وَالْغلَّة وَالثَّمَرَة العشرية والارض العشرية، لَان الْمُعْتَبر جنس مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة مَعَ قطع النّظر عَن قدرهَا وَشَرطهَا، فَإِن قضى دينه لزمَه أَن يتَصَدَّق بعده بِقَدرِهِ.
عَيْني
وَغَيره.
قَالَ ط: وَلَا تدخل الارض العشرية عِنْد الطَّرفَيْنِ وَلَا الخراجية اتِّفَاقًا اهـ.
وَخرج رَقِيق الْخدمَة ودور السُّكْنَى وأثاث الْمنَازل وَمَا كَانَ من الْحَوَائِج الاصلية.
مطلب: مَالِي أَو مَا أملك سَوَاء فِي الصَّحِيح قَالَ فِي الْبَحْر: وتسوية المُصَنّف بَين قَوْله مَالِي وَبَين قَوْله مَا أملك هُوَ الصَّحِيح لانهما يستعملان اسْتِعْمَالا وَاحِدًا فَكَانَ فيهمَا الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان خلافًا للْبَعْض، وَاخْتَارَهُ فِي الْمجمع وَالْهِدَايَة.
وَذكر القَاضِي الاسبيجابي أَن الْفرق بَين المَال وَالْملك إِنَّمَا هُوَ قَول أَبُو يُوسُف، وَأَبُو حنيفَة لم يفرق بَينهمَا، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ فِي مُخْتَصره اهـ.

قَوْله: (أمسك مِنْهُ قدر مَوته) لم يبين فِي الْمَبْسُوط قدر مَا يمسك،

(7/456)


لَان ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْعِيَال وَبِاعْتِبَار مَا يَتَجَدَّد لَهُ من التَّحْصِيل، فَيمسك أهل كل صَنْعَة قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ.
قَالَ ط: الْمُتَأَخّرُونَ قدرُوا هَذَا الْقدر، فَقَالُوا فِي المحترف يمسك لنَفسِهِ وَعِيَاله قوت يَوْمه، وَصَاحب الْغلَّة وَهُوَ آجر الدَّار وَنَحْوهَا يمسك قوت شهر، وَصَاحب الضَّيْعَة يمسك قوت سنة، وَصَاحب التِّجَارَة يمسك قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ اهـ.

قَوْلُهُ: (تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ.
مطلب: لَو قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فَالْحِيلَةُ فِي الْفِعْل وَعدم الْحِنْث الخ
قَوْلُهُ: (فَحِيلَتُهُ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَث.

قَوْله: (أَن يَبِيع ملكه) أَي مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ.

قَوْله: (فَلَا يلْزمه شئ) يعلم مِنْهُ كَمَا قَالَ الْمَقْدِسِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحلف اهـ.
وَوجه الْمَسْأَلَة أَنه حِين الْحِنْث لَا مَال لَهُ.
أَقُولُ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ.
قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ مدنِي.
أَقُول: الَّذِي يظْهر لي أَنه يدْخل فِي ملكه لكنه غير لَازم وَإِلَّا لزم أَن يخرج البدلان من ملكه، وَلَا قَائِل بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْحِيَلِ آخِرَ الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ يَتَصَالَحُ على تِلْكَ الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي
مِنْدِيلٍ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُود الدّين وَلَا يَحْنَث اهـ.

قَوْله: (لزمَه بِقدر مَا يملك) وَلَا يلْزمه شئ بعد لانه بِمَنْزِلَة النّذر بِمَا لَا يملك، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد.

قَوْله: (وَلَو لم يكن لَهُ شئ لَا يجب شئ) الظَّاهِر أَن التَّعْلِيق لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو نجز النّذر فَقَالَ عَليّ أَن أَتصدق بِأَلف دِرْهَم كَانَ الحكم كَذَلِك، فَإِن كَانَ يملك دونهَا يلْزمه التَّصَدُّق، وَإِن لم يكن عِنْده شئ لَا يلْزمه فراجع.
رَحْمَتي.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَمن نذر نذرا مُطلقًا فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: من نذر وسمى فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِمَا يُسَمِّي وَإِن علق النّذر بِشَرْط فَوجدَ الشَّرْط فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِنَفس النّذر لاطلاق الحَدِيث، ولان الْمُعَلق بِالشّرطِ كالمنجز عِنْده.
وَعَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ: إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي حجَّة أَو صَوْم سنة أَو صَدَقَة مَا أملكهُ أَجزَأَهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة يَمِين، وَهُوَ قَول مُحَمَّد، وَيخرج عَن الْعهْدَة بِالْوَفَاءِ بِمَا سمى أَيْضا، وَهَذَا إِذا كَانَ شرطا لَا يُرِيد كَونه لَان فِيهِ معنى الْيَمين وَهُوَ الْمَنْع، وَهُوَ باظهره نذر فَيتَخَيَّر ويميل إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شرطا يُرِيد كَونه كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي لِانْعِدَامِ معنى الْيَمين فِيهِ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الصَّحِيح اهـ.
وَعَلِيهِ مَشى فِي متن مجمع الْبَحْرين والدرر وَالْغرر، وَأفْتى بِهِ إِسْمَاعِيل الزَّاهِد ومشايخ بَلخ وَبَعض مَشَايِخ بُخَارى، وَاخْتَارَهُ شمس الائمة وَالْقَاضِي الْمروزِي.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ فِي الْفَيْض: والمفتى بِهِ مَا روينَاهُ عَن أبي حنيفَة من رُجُوعه، وَقد أوضح الْمَسْأَلَة الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي رِسَالَة سَمَّاهَا (تحفة التَّحْرِير وإسعاف النَّاذِر الْغَنِيّ

(7/457)


وَالْفَقِير بالتخيير على الصَّحِيح والتحرير) فَلْيُرَاجِعهَا من رام ذَلِك.

قَوْله: (وَصَحَّ الايصاء) أَي من شخص لشخص على صغيره أَو وَصيته (1) .
مطلب: لَا يشْتَرط علم الْوَصِيّ بالايصاء بِخِلَاف الْوَكِيل
قَوْله: (فصح تصرفه) أَي من غير علم بالايصاء، وَإِذا تصرف يعد قَابلا لَهُ فَلَا يتَمَكَّن من إِخْرَاج نَفسه مِنْهُ، وَإِلَّا فَلهُ إِخْرَاج نَفسه إِذا علم لعدم الْقبُول، لانه لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَظَاهِرُ مَا هُنَا تَبَعًا لِلْكَنْزِ، أَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ من 23: غازيا مَاتَ وَبَاعَ
وَصِيُّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يملك عزل نَفسه اهـ.
فَكَانَ على الشَّارِح أَن يَقُول إِن تصرف قَبْلَهُ بَدَلُ قَوْلِهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فَتَنَبَّهْ.

قَوْلُهُ: (لَا يَصح التَّوْكِيل بِلَا علم وَكيل) فَلَو بَاعَ الْوَكِيل قبل الْعلم لم يجز.
بَحر: أَي لم يلْزم فَيكون بيع الْفُضُولِيّ فَيتَوَقَّف على إِجَازَته بعد الْعلم أَو على إجَازَة الْمُوكل كَمَا فِي منحة الْخَالِق لسيدي الْوَالِد.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة عَن الثَّانِي خِلَافه.
مطلب: علم المُشْتَرِي بِالْوكَالَةِ دون الْوَكِيل يَصح وَفِي الْبَحْرِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِع الْوَكِيلُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بعبدي إِلَى زيد فَقل لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْكَ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ يجوز، وَمثله الاذن للْعَبد وَالصَّبِيّ بِالتِّجَارَة فَلَا يثبت إِلَّا بعد الْعلم والامر بِالْيَدِ حَتَّى لَو جعل أمرهَا بِيَدِهَا لَا يصير الامر بِيَدِهَا مَا لم تعلم، فَلَو طلقت نَفسهَا قبل الْعلم لم يَقع.
خَانِية.
وَفِي شرح الْمجمع لِابْنِ مَالك: إِذا قَالَ الْمولى لاهل السُّوق بَايعُوا عَبدِي فلَانا يصير مَأْذُونا قبل الْعلم، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَذِنت لعبدي فلَان وَلم يشْهد بَين النَّاس فَعلم العَبْد بِهِ شَرط كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (خلَافَة) فَلَا تتَوَقَّف على الْعلم كتصرف الْوَارِث ملكا وَولَايَة، حَتَّى لَو بَاعَ الْجد مَال ابْن ابْنه بعد موت الابْن من غير علم بِمَوْتِهِ جَازَ.
لَكِن قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي الْهِدَايَة هُنَا أَن الْوَصِيَّة خلَافَة كالوراثة وَهُوَ مُشكل، فَإِن الْمُصَرّح بِهِ إِن ملك الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بطرِيق الْخلَافَة كملك الْوَارِث.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: إِن الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخليفة عَن الْمَيِّت، وَلِهَذَا لَا يَصح إِثْبَات دين الْمَيِّت عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصح على وَارِث أَو وَصِيّ، وَلَو أوصى لَهُ بِعَبْد اشْتَرَاهُ فَوجدَ بِهِ الْمُوصى لَهُ عَيْبا فَإِنَّهُ لَا يردهُ، بِخِلَاف الْوَارِث، وَيصير الْوَارِث مغرورا لَو اسْتحقَّت الْجَارِيَة بعد الْولادَة كالمورث، بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ اهـ.
وَلم أر أحدا من الشَّارِحين بَينه، وَقد ظهر لي أَن صَاحب الْهِدَايَة أَرَادَ بالخلافة أَن ملك كل مِنْهُمَا يكون بعد الْمَوْت لَا بِمَعْنى أَنه قَائِم مقَامه.
وَمِمَّا يدل على عدم الْخلَافَة مَا فِي التَّلْخِيص بعد بَيَان أَن ملكه لَيْسَ خلَافَة أَنه يَصح شِرَاء مَا بَاعَ الْمَيِّت بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن،
بِخِلَاف الْوَارِث، وَقدمنَا تَعْرِيف المَال أول كتاب الْبيُوع اهـ.
__________
(1)
قَوْله: (أَو وَصيته) هَكَذَا بالاصل، وَالَّذِي فِي ط أَو تركته.

(7/458)


أَقُول: وَقد سبق صَاحب الْبَحْر إِلَى ذَلِك صَاحب الْكِفَايَة حَيْثُ قَالَ: قَوْله لانها خلَافَة كهي: أَي كالوراثة من حَيْثُ إنَّهُمَا يثبتان الْملك بعد الْمَوْت اهـ.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: ثمَّ اعْلَم أَن صَاحب الْهِدَايَة ذكر هُنَا أَن الْوِصَايَة خلَافَة لَا نِيَابَة كالوراثة، وَقَالَ قبله: إِن الْوَصِيَّة خلَافَة كهي، وَقدمنَا مَا فِي الثَّانِي.
وَأما الاول فَالْمُرَاد بِهِ أَنه خَليفَة الْمَيِّت فِي التَّصَرُّف كالوارث لَا فِي الْملك، بِخِلَاف الْخلَافَة فِي الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا فِي الْملك لَا فِي التَّصَرُّف.
وَمِمَّا يدل على أَن الْوَصِيّ خَليفَة الْمَيِّت مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: لَو مَاتَ عَن وَصِيّ وَابْن صَغِير وَدين فَقَبضهُ الْوَصِيّ بعد بُلُوغ الصَّغِير جَازَ إِلَّا إِذا نَهَاهُ.
ثمَّ اعْلَم أَنهم فرقوا بَين الْوَارِث وَالْوَصِيّ فِي مَسْأَلَة: لَو أوصى بِعِتْق عبد ملك الْوَارِث إِعْتَاقه تنجيزا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا التَّنْجِيز وَهِي فِي التَّلْخِيص اهـ.

قَوْله: (وَالْوَكِيل نِيَابَة) أَي عَن الْمُوكل، فالموكل أثبت لَهُ ولَايَة التَّصَرُّف فِي ملكه، لَا يطريق الْخلَافَة لبَقَاء ولَايَة الْمُوكل فَلَا بُد من الْعلم، فَلَو أودع ألفا عِنْد رجل ثمَّ قَالَ الْمَالِك أمرت فلَانا بقبضها مِنْهُ وَلم يعلم فلَان بِكَوْنِهِ مَأْمُورا بِالْقَبْضِ فَقَبضهُ وَتلف عِنْده فالمالك بِالْخِيَارِ فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ، وَلَو علم الْمُودع فَقَط فَدفع للْمَأْمُور الْمَذْكُور فَتلف عِنْده لَا شمان على أحد، لَان الْمُسْتَوْدع دفع بالاذن، وَلَو لم يعل أَحدهمَا فَقَالَ الْمَأْمُور ادْفَعْ لي وَدِيعَة فلَان لادفعها إِلَى صَاحبهَا أَو ادفعها إِلَيّ تكون عِنْدِي لصَاحِبهَا فَدفع فَضَاعَت فللمالك تضمين أَيهمَا شَاءَ عِنْدهمَا.
بَحر عَن الْخَانِية.
مطلب: الْوِصَايَة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان ثمَّ اعْلَم أَن الْوَصِيَّة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان، فيفترقان فِي مَسْأَلَة الْكتاب وَفِي أَن الْوِصَايَة من الْمَيِّت لَا تقبل التَّخْصِيص، بِخِلَاف وَصِيّ القَاضِي فَإِنَّهُ يتخصص، وَالْوكَالَة تقبل التَّخْصِيص، وَفِي أَنه يشْتَرط فِي الْوَصِيّ أَن يكون مُسلما حرا بَالغا عَاقِلا، بِخِلَاف الْوَكِيل إِلَّا الْعقل، وَفِي أَن الْوَصِيّ إِذا
مَاتَ قبل تَمام الْمصلحَة نصب القَاضِي غَيره، وَلَو مَاتَ وَكيل الْغَائِب لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن الْمَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل الْوَصِيّ بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل عَن الْحَيّ، وَفِي أَن الْوَارِث يملك إِعْتَاق الْمُوصى بِعِتْقِهِ تنجزيا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا الاول.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي الحموية على الاشباه من بحث مَا افترق فِيهِ الْوَكِيل وَالْوَصِيّ: إِن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه لَا الْوَصِيّ بعد الْقبُول، وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي الْوكَالَة وَيشْتَرط فِي الْوِصَايَة، ويتقيد الْوَكِيل بِمَا قَيده الْمُوكل وَلَا يتَقَيَّد الْوَصِيّ، وَلَا يسْتَحق الْوَكِيل أُجْرَة عمله بِخِلَاف الْوَصِيّ، وَلَا تصح الْوكَالَة بعد الْمَوْت والوصاية تصح، وَتَصِح الْوِصَايَة وَإِن لم يعلم بهَا الْوَصِيّ، بِخِلَاف الْوكَالَة، وَيشْتَرط فِي الْوَصِيّ: الاسلام وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ وَالْعقل، وَلَا يشْتَرط فِي الْوَكِيل إِلَّا الْعقل.
وَإِذا مَاتَ الْوَصِيّ قبل تَمام الْمَقْصُود نصب القَاضِي غَيره، بِخِلَاف موت الْوَكِيل لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن مَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل وَصِيّ الْمَيِّت بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادّعى المُشْتَرِي أَنه معيب وَلَا بَيِّنَة فَإِنَّهُ يحلف على الثَّبَات، بِخِلَاف الْوَكِيل فَإِنَّهُ يحلف على نفي الْعلم.
وَهِي فِي الْقنية: وَلَو أوصى لفقراء أهل بَلخ فالافضل للْوَصِيّ أَن لَا يُجَاوز أهل بَلخ، فَإِن أعْطى لاهل كورة أُخْرَى جَازَ على الاصح.
وَلَو أوصى بالتصدق على فُقَرَاء الْحَاج يجوز أَن يتَصَدَّق على

(7/459)


غَيرهم من الْفُقَرَاء، وَلَو خص فَقَالَ فُقَرَاء هَذِه السِّكَّة لم يجز، كَذَا فِي وَصَايَا خزانَة الاكمل.
مطلب: الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على جنس فَتصدق على غَيره لَو فعل ذَلِك بِنَفسِهِ جَازَ.
وَلَو أَمر غَيره بالتصدق فَفعل الْمَأْمُور ذَلِك ضمن اهـ.
فَهَذَا مِمَّا خَالف فِيهِ الْوَصِيّ الْوَكِيل.
وَلَو اسْتَأْجر الْمُوصي الْوَصِيّ لتنفيذ الْوَصِيَّة كَانَت وَصِيَّة لَهُ بِشَرْط الْعَمَل، وَهِي فِي الْخَانِية: وَلَو اسْتَأْجر الْمُوكل الْوَكِيل فَإِن كَانَ على عمل مَعْلُوم صحت، وَإِلَّا لَا اهـ.
فَهِيَ خمس عشرَة مَسْأَلَة، فلتحفظ.
مطلب: وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ القَاضِي
ثمَّ اعْلَم أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَن القَاضِي.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أر نقلا فِي حكم وصايته قبل الْعلم.
مطلب: النَّاظر وَكيل لَا وَصِيّ وَكَذَا فِي حكم تَوْلِيَة النَّاظر من الْوَاقِف، وَيَنْبَغِي أَن يكون على الْخلاف، فَمن جعل النَّاظر وَصِيّا قَالَ ثَبت قبل الْعلم، وَمن جعله وَكيلا قَالَ لَا، وصححوا أَنه وَكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله بِلَا شَرط اهـ.
مطلب: تَقْرِير فِي النّظر بِلَا علمه قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا لابي السُّعُود: وَمُقْتَضَاهُ أَن تَقْرِيره فِي النّظر بِلَا علمه لَا يَصح.
مطلب: النَّاظر لَهُ شبه بالوصي وَشبه بالوكيل ثمَّ رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ شرف الدّين الْغَزِّي محشي الاشباه أَنهم لَا يجعلونه وَصِيّا من كل وَجه وَلَا وَكيلا كَذَلِك، بل لَهُ شبه بالوصي حَتَّى صَحَّ تفويضه فِي مرض موت، وَشبه بالوكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله من غير شَرط على قَول أبي يُوسُف.
وَأما على قَول مُحَمَّد فَهُوَ وَكيل عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِم كَمَا ذكره فِي الاشباه.
قلت: وَقَول مُحَمَّد مُشكل، إِذْ مُقْتَضى كَونه وَكيلا عَنْهُم أَن لَهُم عَزله، مَعَ أَن الظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا يَصح، بل لَو عَزله القَاضِي لم يَصح إِذا كَانَ مَنْصُوب الْوَاقِف إِلَّا بخيانة اهـ.
مطلب: النَّاظر وَكيل فِي حَيَاة الْوَاقِف وَصِيّ فِي مَوته قلت: إِنَّه وَكيل مَا دَامَ الْوَاقِف حَيا وَصِيّ بعد وَفَاته، وَالظَّاهِر أَن مُرَاد مُحَمَّد أَنه نَظِير الْوَكِيل فِي سَعْيه لَهُم، لَا وَكيل حَقِيقَة، إِذْ لَيست ولَايَته مِنْهُم.
تَأمل.
مطلب: الْكِتَابَة كالخطاب فَيَقَع بهَا علم الْوَكِيل بِالْوكَالَةِ
قَوْله: (فَلَو علم الخ) وَفِي الْهِدَايَة: الْكتاب كالخطاب.

قَوْله: (وَلَو من مُمَيّز) .
أَقُول: إقحامه لفظ مُمَيّز لَا يظْهر لانه لَا يشْتَرط فِي الْمعلم إِلَّا التَّمْيِيز.

قَوْله: (أَو فَاسق (1)) أَي
__________
(1)
قَوْله: (اخْتَار السَّرخسِيّ قبُول خبر الْفَاسِق فَتجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ لَان الْمخبر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله، وَالْعَدَالَة لَا تشْتَرط
فِي الرَّسُول كَمَا مر وَصَححهُ الزيلعى.
ورده فِي الْفَتْح بِأَن عدم اشْتِرَاط الْعَدَالَة إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّسُول الْخَامِس للارسال وَإِلَّا فَيلْزم على قَوْله أَن لَا تشْتَرط الْعَدَالَة فِي رِوَايَة الحَدِيث مقدسي اهـ.
مِنْهُ.

(7/460)


إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَا يَثْبُتُ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْعَزْلِ، لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا إذَا صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ.
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
يَعْقُوبِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يثبت عَزله الخ) هَذَا قَوْله، وَقَالا: لَا يشْتَرط فِي الْمخبر بِهَذِهِ إِلَّا التَّمْيِيز لكَونهَا مُعَاملَة، وَله أَن فِيهَا إلزاما من وَجه دون وَجه، فَيشْتَرط أحد شطري الشَّهَادَة، إِمَّا الْعدَد أَو الْعَدَالَة.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ، وَهُوَ مُقَيّد بِأَن يكون الْمخبر غير الْخصم وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا وَالرَّسُول يعْمل بِخَبَرِهِ، وَإِن كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه كَمَا ذكر الاسبيجابي، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّسُول صَغِيرا، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك، ومقيد أَيْضا بِمَا إِذا بلغه الْعَزْل إِن كَانَ الْعَزْل قصديا، أما إذَا كَانَ حُكْمِيًّا كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وينعزل قبل الْعلم اهـ.

قَوْله: (إِن صدقه) أَي الْوَكِيل حَتَّى لَو كذبه لَا يثبت كَمَا قدمْنَاهُ على اليعقوبية.

قَوْله: (فِي الاصح) رَاجع للفاسقين، خِلَافًا لِمَا فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْمَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف، لَان تَأْثِير خبر الْفَاسِقين أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ، وبشهادة فاسقين نفذ، فَلَو أخبرهُ بِالْعَزْلِ غَيره من ذكر وَتصرف صَحَّ تصرفه لعدم عَزله كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (كإخبار السَّيِّد بِجِنَايَة عَبده) أَي فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة: أَي الْعدَد أَو الْعَدَالَة عِنْده خلافًا لَهما.

قَوْله: (فَلَو بَاعه كَانَ مُخْتَار للْفِدَاء) يَعْنِي إِذا أخبرهُ أحد من ذكر ثمَّ بَاعه كَانَ مُخْتَارًا للْفِدَاء فَلَا يكون مُخْتَارًا لَهُ بِإِخْبَار غير من ذكر فيدفعه البَائِع أَو المُشْتَرِي إِلَى ولي الْجِنَايَة فِيمَا إِذا بَاعه بعد أَن أخبرهُ فَاسق مثلا بِالْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعهُ إِذا لم يعلم بِجِنَايَتِهِ المُشْتَرِي، أما إِذا علم فَيكون مُخْتَارًا للْفِدَاء لقدومه على شِرَائِهِ مَعَ الْعلم بِعَيْبِهِ، وَأما إِذا أعتق العَبْد كَانَ الطّلب بالارش عَلَيْهِ.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وَالشَّفِيع بِالْبيعِ) وَهُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَإِذا أخبر الشَّرِيك مثلا بِالْبيعِ فَسكت وَلم يطْلب، فَإِن كَانَ الْمخبر عدلا أَو مستورين مثلا سَقَطت شفعته لَا إِن أخبرهُ مَسْتُور فبسكوته لَا يعد
مُسلما للشفعة.

قَوْله: (وَالْبكْر بِالنِّكَاحِ) هُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَلَا يكون سكُوتهَا رضَا إِلَّا إِذا أخْبرهَا عدل أَو مستوران مثلا، أما إِذا أخْبرهَا مَسْتُور بِنِكَاح وَليهَا فَسَكَتَتْ لَا يكون ذَلِك رضَا مِنْهَا.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الامام مُحَمَّد نَص على خَمْسَة مِنْهَا، وَلم يذكر مَسْأَلَة الْبكر وَإِنَّمَا قاسها الْمَشَايِخ اهـ.
مطلب: الْفَاسِق إِذا أخبر من أسلم وَلم يُهَاجر يلْزمه الْعَمَل بالشرائع فِي الاصح
قَوْله: (وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر) أَي الَّذِي أسلم فِي دَار الْحَرْب فَأخْبرهُ أحد من ذكر.

قَوْله: (بالشرائع) فَإِنَّهُ إِذا أخبرهُ مَسْتُور لَا يلْزمه الشَّرَائِع عِنْده خلافًا لَهما، وَإِذا أخبرهُ عدل مَسْتُور إِن لَزِمته حَتَّى إِذا ترك الْفَرَائِض يلْزمه قَضَاؤُهَا.
مطلب: الْبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ والاصح أَنه يَكْفِي فِيهِ خبر الْفَاسِق كَمَا فِي الْمِفْتَاح.
حموي: أَي فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ كَمَا فِي الرَّسُول فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط عَدَالَته، كالبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله

(7/461)


تَعَالَى.

قَوْله: (وَكَذَا الاخبار بِعَيْب لمريد شِرَاء) فَلَو قَالَ لَهُ رجل عدل أَو مستوران هَذِه الْعين مَعِيبَة وَقدم على شِرَائهَا يكون رَاضِيا بِالْعَيْبِ، لَا إِن أخبرهُ فَاسق.

قَوْله: (وَحجر مَأْذُون) فَإِذا أخبر الْمَأْذُون بحجره عدل أَو مستوران حجر، لَا إِذا أخبرهُ فَاسق.

قَوْله: (وَفسخ شركَة) أَي من أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يثبت الْفَسْخ عِنْد الآخر إِلَّا بِإِخْبَار عدل أَو مستورين فَيمْنَع عَن التَّصَرُّف فِي مَاله الشّركَة، لَا إِن أخبرهُ فَاسق.

قَوْله: (وعزل قَاض) فَهُوَ على الحكم السَّابِق.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد أَيْضا عزل القَاضِي وَلم أره اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ ظَاهر لانهم صَرَّحُوا فِي كتاب الْقَضَاء بِأَنَّهُ مُلْحق بالوكيل كَمَا قدمه: أَي صَاحب الْبَحْر فِيهِ اهـ.

قَوْله: (ومتولي وقف) أَي وعزل مُتَوَلِّي وقف: أَي على القَوْل بِصِحَّة عَزله بِلَا شَرط، أَو على قَول الْكل إِن كَانَ شَرط الْوَاقِف اهـ.
بَحر بحثا.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى قبل ورقة عِنْد الْكَلَام على وصّى القَاضِي.

قَوْله: (أحد شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ) أَيْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ.
وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ عَدْلٍ صِفَةُ
رَجُلٍ، قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي الْمُخْبِرِ.

قَوْلُهُ: (سَائِرُ الشُّرُوطِ) أَيْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَة، وَقل من نبه على هَذَا سَيِّدي الْوَالِد.

قَوْلُهُ: (فِي الشَّاهِدِ) أَيْ الْمَشْرُوطَةِ فِي الشَّاهِدِ، وَالْمرَاد بِهِ الْمخبر: أَي من الْحُرِّيَّة وَالْبُلُوغ، وَأَن لَا يكون أعمى وَلَا مَحْدُود فِي قذف مَعَ الْعدَد الْعَدَالَة وَالْمعْنَى، وَيشْتَرط فِي الْمخبر مَا اشْترط فِي الشَّاهِد مِمَّا ذكر إِلَّا لفظ أشهد وَحُضُور مجْلِس القَاضِي عِنْده خلافًا لَهما كَمَا سبق.

قَوْله: (وَقَيده فِي الْبَحْر) أَي قيد عزل الْوَكِيل بِكَوْن الْمخبر لَا بُد أَن يكون فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة بِالْعَزْلِ القصدي احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ حكميا كموت الْمُوكل وجنونه مطبقا فَإِنَّهُ يثبت وينعزل قبل الْعلم.

قَوْله: (وَرُبمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا.
بَحْرٌ.
وَقَدْ مَرَّ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْمُرْسل) سبق قلم، وَصَوَابه كَمَا فِي الْبَحْر غير الْخصم وَرَسُوله فَلَو أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، حَتَّى إِذا أَخّرهُ سقط طلبه.

قَوْله: (فَإِنَّهُ يعْمل بِخَبَرِهِ) أَي الرَّسُول مُطلقًا وَإِن كَانَ فَاسِقًا أَو صَغِيرا أَو كذبه، وَظَاهره أَن ذَلِك يجْرِي فِي مَا ذكر فينعزل بذلك، وَتسقط الشُّفْعَة بِعَدَمِ الطّلب بعده وَيكون سكُوت الْبكر بعده رضَا، وَقس الْبَاقِي مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يَقُول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك كَمَا فِي الْبَحْر.
أَقُول: وَعَلِيهِ فَلَا بُد للرسول أَن يَقُول للمرسل إِلَيْهِ إِنِّي رَسُول إِلَيْك بِكَذَا.
تَنْبِيه: يثبت الْعَزْل بِكِتَاب الْمُوكل إِذا بلغه وَعلم مَا فِيهِ كَمَا فِي ط عَن سري الدّين، وسيذكره الشَّارِح أَوَاخِر بَاب عزل الْوَكِيل.

قَوْله: (كَمَا سيجئ فِي بَابه) أَي بَاب عزل الْوَكِيل حَيْثُ قَالَ: وَيثبت بمشافهته وبإرساله رَسُولا أَو غَيره اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه إِذا قَالَ أَرْسلنِي إِلَيْك لابلغك عَزله إياك الخ.

قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَطْ وَلم يزدْ.

قَوْله: (على الصَّحِيح والولجية) اعْلَمْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا العَبْد،

(7/462)


أما إِذا قَالَ بيع هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الاسلام خُوَاهَر زَادَةْ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ التَّلْخِيص للفارسي.
أَقُول: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي الفتاوي الْوَلوالجِيَّة.
منح.

قَوْله: (عبدا لدين الْغُرَمَاء) أَي أَرْبَاب الدُّيُون، وَلم يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَإِذَا لَمْ يكن فِي التَّرِكَة دين: أَي نقود كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ البيع كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (أَو ضَاعَ) أَي هلك العَبْد من يَد القَاضِي أَو أَمِينه قبل التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي كَمَا فِي الْمنح.
فالانسب زِيَادَة أَو أَمِينه.

قَوْله: (كالامام) وَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل نَائِب الامام كالامام، لَان القَاضِي إِنَّمَا قبل قَوْله بِلَا يَمِين لكَونه نَائِبا عَن الامام وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان على القَاضِي، فعلى هَذَا يقبل قَول أَمِين بَيت المَال بِلَا يَمِين، وَإِنَّمَا لم يضمن من ذكر لانه يُؤَدِّي إِلَى تباعدهم عَن قبُول هَذِه الامانة فتتعطل مصَالح النَّاس عَيْني.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن أَمِينه لَو قَالَ بِعْت وقبضت الثّمن وقضيت الْغَرِيم صدق بِلَا يَمِين وعهدة إِلْحَاقًا بِالْقَاضِي، وَأما الْعَيْب إِذا كَانَ ظَاهرا يرد الْمَبِيع بِهِ بِنَظَر القَاضِي أَو أَمِينه، وَإِذا وَجب يَمِين على مخدرة وَجه لَهَا القَاضِي ثَلَاثَة من الْعُدُول يستحلها وَاحِد وآخران يَشْهَدَانِ على يَمِينهَا أَو نكولها، فعلى هَذَا المستحلف لَيْسَ بأمينه وَإِلَّا قبل قَوْله فِي الْيَمين والنكول وَحده.
ثمَّ أعلم أَن القَاضِي وأمينه لَا تَرْجِعُ حُقُوقُ عَقْدٍ بَاشَرَاهُ لِلْيَتِيمِ إلَيْهِمَا، بِخِلَاف الْوَكِيل والاب وَالْوَصِيّ، فَلَوْ ضَمِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ ثَمَنَ مَا بَاعه للْيَتِيم بعد بُلُوغه صَحَّ بخلافهم، وَقيد بِعَدَمِ ضَمَان القَاضِي عِنْد الِاسْتِحْقَاق، لانه لَو أَخطَأ فِي قَضَائِهِ ضمن، كَمَا إِذا رجم مُحصنا بأَرْبعَة شُهُود وَظهر أحدهم عبدا أَو محدودا فِي قذف فديته على القَاضِي وَيرجع بهَا فِي بَيت المَال بالاجماع.
مطلب: لَو أَخطَأ القَاضِي يضمن والاصل فِي جنس هَذِه الْمسَائِل أَن القَاضِي مَتى ظهر خَطؤُهُ فِيمَا قضى بِيَقِين فَإِنَّهُ يضمن مَا قضى بِهِ وَيرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ كَالْمُودعِ وَالْوَكِيل، وَإِن كَانَ الْخَطَأ فِي المَال: فَإِن كَانَ قَائِما بيد الْمقْضِي لَهُ أَخذه القَاضِي ورده على الْمقْضِي عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُسْتَهْلكا ضمن قِيمَته وَرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي قطع أَو رجم ضمن وَرجع بِمَا ضمن فِي بَيت المَال اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ.
مطلب: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي
أَقُول: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي فِي غير الْجور: إِن كَانَ فِي مَال لَا فِي حد فخطؤه فِي مَال الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي حد: فَإِن ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو فخطؤه فِي بَيت المَال، وَإِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شئ من ذَلِك كالجلد فَهدر، كَذَا عِنْد الصاحبين.
وَعند الامام رَحِمهم الله تَعَالَى: يكون هدرا فِي الْحُدُود ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو أَو لَا، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخَانِية من الْحُدُود وَالسير، وَهَذَا إِذا لم يتَعَمَّد الْجور، وَإِن تعمد الْجور كَانَ ذَلِك فِي مَال القَاضِي، سَوَاء كَانَ فِي مَال أَو حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عضر، وتعمده الْجور يظْهر فِيمَا إِذا أقرّ هُوَ بذلك، وخطؤه بِلَا جوز يظْهر بِإِقْرَار المقضى لَهُ فِي الاموال كَأَن بَان أَن الشُّهُود عبيد مثلا بِإِقْرَار الْمقْضِي لَهُ أَو تقوم الْبَيِّنَة على ذَلِك، هَذَا خُلَاصَة مَا

(7/463)


تحرر من النُّصُوص الْمُعْتَمدَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كشرح السّير الْكَبِير للسرخسي والهندية وَالْخَانِيَّة من الْحُدُود وَالسير والاشباه من الْقَضَاء وحواشي الطَّحَاوِيّ وسيدي الْوَالِد وَأبي السُّعُود.
فَالْحَاصِل: أَن خطأ القَاضِي، تَارَة يكون فِي بَيت المَال وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو، وَتارَة يكون فِي مَال المقضى لَهُ وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي قَضَائِهِ فِي الاموال، وَتارَة يكون هدرا وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد وَلم يَتَرَتَّب على ذَلِك تلف نَفسه أَو عُضْو كَحَد شرب مثلا، وَتارَة يكون فِي مَاله: أَي مَال القَاضِي وَهُوَ إِذا تعمد الْجور.

قَوْله: (بِخِلَاف نَائِب النَّاظر) قيد لقَوْله وَلَا يخلف فَإِنَّهُ يحلف: أَي كَمَا يحلف النَّاظر.
قَالَ فِي الْمنح: إنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ كَهُوَ وَنَائِبَ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْف أَو تَعْرِيفه على الْمُسْتَحقّين فأنكروا القَوْل لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي اهـ.

قَوْله: (وَرجع المُشْتَرِي على الْغُرَمَاء) لَان البيع وَقع لَهُم فَكَانَت الْعهْدَة عَلَيْهِم عِنْد تعذر جعلهَا على الْعَاقِد كَمَا تجْعَل الْعهْدَة على الْمُوكل عِنْد تعذر جعلهَا على الْوَكِيل الْمَحْجُور عَلَيْهِ، كَمَا إِذا كَانَ الْعَاقِد عبدا أَو صَبيا يعقل البيع وَكله رجل يَبِيع مَاله فَإِنَّهُ لَا تتَعَلَّق الْحُقُوق بهما بل بموكلهما، لَان الْتِزَام الْعهْدَة لَا يَصح مِنْهُمَا لقُصُور الاهلية فِي الصَّبِي وَحقّ السَّيِّد فِي العَبْد كَمَا فِي فتح الْقَدِير.

قَوْله: (لتعذر الرُّجُوع على الْعَاقِد) أَي لانه عقد لم ترجع عهدته إِلَى عاقده فَتجب على من
يَقع لَهُ الْعقل وَالْبيع وَاقع للْغُرَمَاء فَتكون الْعهْدَة عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر.
وَفِي فتح الْقَدِير: الاصل أَنه إِذا تعذر تعلق الْحُقُوق بالعاقد تتَعَلَّق بأقرب النَّاس إِلَى الْعَاقِد، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهِ، أَلا ترى أَن القَاضِي لَا يَأْمر بِبيعِهِ حَتَّى يطْلب الْغَرِيم، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهَذَا العقد وَهُوَ الْغَرِيم.

قَوْله: (وَلَو بَاعه الْوَصِيّ) لَا فرق بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي.
مَدَنِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَو بِلَا أمره) هُوَ مَفْهُوم بالاولى، لانه إِذا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الامر فلَان يرجع عَلَيْهِ عِنْد عَدمه بالاولى ط.

قَوْله: (فَاسْتحقَّ العَبْد) أَي من يَد المُشْتَرِي.

قَوْله: (وَإِن نَصبه القَاضِي عاقدا) الاولى حذف هَذَا التَّعْلِيل لانه إِنَّمَا يظْهر فِي وَصِيّ القَاضِي، والاقتصار على قَوْله لانه أَي وَصِيّ الْمَيِّت عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، كَمَا إِذا وَكله حَال حَيَاته كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِيَشْمَلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا نَصَّبَهُ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا مقَام القَاضِي.

قَوْله: (فترجع) حذف الْفَاء.

قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ.

قَوْله: (لانه عَامل لَهُم) وَمن عمل لغيره عملا ولحقه بِسَبَبِهِ ضَمَان يرجع بِهِ على من يَقع لَهُ الْعَمَل.

قَوْله: (وَلَو ظهر بعده للْمَيت مَال رجل الْغَرِيم فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ.

قَوْله: (بديته هُوَ الاصح) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ يُوَضِّحُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِير، فَلَو ظهر للْمَيت مَال يرجع فِيهِ الْغَرِيم بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي؟ فِيهِ خِلَافٌ.

(7/464)


قيل نعم.
وَقَالَ مجد الائمة السرخكتي (1) لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ التَّصْحِيح كَمَا سَمِعت اهـ.
وَقَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (2) لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ (3) إنَّمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ لَا لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ، والاول أصح اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه فِي الاولى الختلف التَّصْحِيحُ فِي الرُّجُوعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عَدَمُهُ، فَتنبه.
وَوجدت فِي نُسْخَة: رَجَعَ الْغَرِيم فِيهِ بِدِينِهِ لَا بِمَا غرم هُوَ الاصح، وَهَذِه لَا غُبَار عَلَيْهَا، قَالَ الْحلَبِي:
وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ أَيْضًا وَصُحِّحَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ الْهَالِك من مَالهم) لانه نَائِب عَنْهُم فِي الْقَبْض.
مطلب: للْقَاضِي إِفْرَاز حِصَّة الْمُوصى لَهُ فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون إِذا كَانَ غَائِبا
وَقَوله: (لِمَا مَرَّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَانَ الْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمْ وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يضمن لانه عَامل لَهُم، والاولى ذكرهَا عِنْد معلومها، وَإِنَّمَا كَانَ الْهَالِك من مَالهم لما يَأْتِي فِي بَاب الْوَصِيّ من قَوْله: وَصَحَّ قسْمَة القَاضِي وَأخذ قِسْطَ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ فَلَا شئ لَهُ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينه، لكنه قَالَ ثمَّة: وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، لِأَنَّهُ إفْرَازٌ، وَفِي غَيرهَا: لَا يجوز لانه بادلة كَالْبيع ومبادلة مَال الْغَيْر لَا يجوز، فَكَذَا الْقِسْمَة اهـ.
فَلْينْظر هَل فرق بَين أَن يكون الْمُوصى لَهُ الْغَائِب معينا أَو مُطلق الْفُقَرَاء أَو يجْرِي الْقَيْد فيهمَا؟ وليحرر.

قَوْله: (أَمرك قَاض عَدْلٌ) أَيْ وَعَالِمٌ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيره.
مدنِي.
وَكَذَا قيد فِي الْكَنْز وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي بعض نسخ الْمَتْن، وَهُوَ قيد لَا بُد مِنْهُ هُنَا بِمُقَابلَة قَوْله الْآتِي: وَإِنْ عَدْلًا جَاهِلًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيُّ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لم يُقَيِّدهُ بهما: أَي الْعَدَالَة وَالْعلم، ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ مَا لم يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَبِه أَخذ مَشَايِخنَا اهـ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَجِبُ زِيَادَةُ عَالِمٍ أَيْضا ليَكُون عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا مُسْتَدْرَكًا، وَحَقُّهُ أَنْ يَقُول: وَقيل يقبل وَلَو لم يكن عدلا عَالما، وَهُوَ مَا فِي الْجَامِع الصَّغِير.
كَذَا أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، وَسَيَأْتِي تَتِمَّة الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (قضى بِهِ) أَي بِمَا ذكر، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن إِفْرَاد الضَّمِير بِاعْتِبَار الْمَذْكُور وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان الْعَطف بِأَو.
__________
(1)
قَوْله: (السرخكتي) بِضَم السِّين وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَفِي آخرهَا التَّاء الْمُثَنَّاة للفوقية نِسْبَة إِلَى سرخكت قَرْيَة بثغر جسان سمر قند ينْسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن فَاعل ذكره عهد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات اهـ.
مِنْهُ.
(2) أَي مَسْأَلَة بيع القَاضِي أَو أَمِينه وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه المُشْتَرِي اهـ.
مِنْهُ.
(3) أَي مَسْأَلَة بيع الْوَصِيّ وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه الْوَصِيّ اهـ.
مِنْهُ.

(7/465)


مطلب طَاعَة أولي الامر وَاجِبَة
قَوْله: (لوُجُوب طَاعَة ولي الامر) بِالْآيَةِ الشَّرِيفَة، وَمن طَاعَته تَصْدِيقه.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ والنظائر عِنْد الْكَلَام على شُرُوط الامامة: ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعقد صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا إباحه الدّين وَهُوَ مَا يعود نَفعه إِلَى الْعَامَّة، كعمارة دَار الاسلام وَالْمُسْلِمين مِمَّا تنَاوله الْكتاب وَالسّنة والاجماع اهـ.
وَفِي النِّهَايَة وَغَيرهمَا: رُوِيَ عَن أبي يُوسُف لما قدم بَغْدَاد صلى بِالنَّاسِ الْعِيد وكلفه هَارُون الرشيد وَكبر تَكْبِير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد هَكَذَا.
وتأويله أَن هَارُون أَمرهمَا أَن يكبرا تَكْبِير جده، ففعلا ذَلِك امتثالا لامره، وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غير مَعْصِيّة.
وَفِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: إِذا أَمر الامير أهل الْعَسْكَر بشئ فَعَصَاهُ فِي ذَلِك وَاحِد فالامير لَا يؤدبه فِي أول وهلة، وَلَكِن ينصحه حَتَّى لَا يعود إِلَى مثل ذَلِك بل يعذرهُ، فَإِن عَصَاهُ بعد ذَلِك أدبه، إِلَّا إِذا بَين فِي ذَلِك عذرا فَعِنْدَ ذَلِك يخلي سَبيله، وَلَكِن يحلفهُ بِاللَّه تَعَالَى لقد فعلت هَذَا بِعُذْر اهـ.
وَقد أَخذ البيري من مَجْمُوع هَذِه النقول أَنه لَو أَمر أهل بَلْدَة بصيام أَيَّام بِسَبَب الغلاء أَو الوباء وَجب امْتِثَال أمره، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَتقدم فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء، وَانْظُر مَا قدمه سَيِّدي الْوَالِد فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمُوَافقَة ح.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) زَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَهُوَ رِوَايَة عِنْده، وَمَعْنَاهُ: أَو يشْهد القَاضِي وَالْعدْل على شَهَادَة الَّذين شهدُوا بِسَبَب الْحَد لَا على حكم القَاضِي وَإِلَّا كَانَ القَاضِي شَاهدا على فعل نَفسه، واستبعده فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَة أخر.
كَذَا ذكره الاسبيجابي.
بَحر.
مطلب: الْقُضَاة إِذا توَلّوا بالرشا أحكامهم بَاطِلَة

قَوْله: (واستحسنوه فِي زَمَاننَا) لَان الْقُضَاة قد فسدوا فَلَا يُؤمنُوا على نفوس النَّاس وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ ح.
قَالَ فِي الْعِنَايَة: لَا سِيمَا قُضَاة زَمَاننَا، فَإِن أَكْثَرهم يتولون بالرشا فأحكامهم بَاطِلَة اهـ.
والتدارك غير مُمكن.
أَقُول: هَذَا فِي قُضَاة زمانهم فَمَا بالك فِي قُضَاة زَمَاننَا، أصلح الله تَعَالَى أحوالنا جَمِيعًا آمين بمنه وَكَرمه.

قَوْله: (وَفِي الْعُيُون وَبِه يُفْتى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوع مُحَمَّد إِلَى قَوْلهمَا، رَوَاهُ هِشَام عَنهُ اهـ.
فَالْحَاصِل: أَن الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقبُول إِخْبَار القَاضِي عَن إِقْرَار الْخصم بِمَا لَا يَصح رُجُوع الْمقر عَنهُ كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف والاموال وَالطَّلَاق وَسَائِر الْحُقُوق، وَإِن مُحَمَّدًا وافقهما أَولا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذكر عَنهُ من أَنه لَا يقبل إِلَّا بِضَم رجل آخر إلَيْهِ ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا.
وَأَمَّا إِذا أخبر القَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَن شئ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَت بذلك وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهَذَا فِي القَاضِي الْمولى.

(7/466)


أما الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ عَدْلٌ كَمَا مر عَن النَّهر أَوَائِل الْقَضَاء.

قَوْله: (إِلَّا فِي كتاب القَاضِي للضَّرُورَة) أَي ضَرُورَة إحْيَاء الْحق، ولان الْخِيَانَة فِي مثله قَلما تقع، وَظَاهر الِاقْتِصَار على كتاب القَاضِي أَن القَاضِي لَا يقبل قَوْله فِيمَا عداهُ: أَي على قَول مُحَمَّد سَوَاء كَانَ قتلا أَو قطعا أَو ضربا، فَلَو قَالَ: قضيت بِطَلَاقِهَا أَو بِعِتْقِهِ أَو بِبيع أَو نِكَاح أَو إِقْرَار لم يقبل قَوْله.
وَفِي التَّهْذِيب: وَيصدق فِيمَا قَالَ من التَّصَرُّف فِي الاوقاف وأموال الايتام والغائبين من أَدَاء وَقبض.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذْ أَطْلَقَ أَوَّلًا الْقَاضِيَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَدْلِ الْعَالِمِ تبعا للجامع الصَّغِير وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الماتريدي الْقَائِل بِاشْتِرَاط كَونه عَالما كَمَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْكَنْز كَمَا مر بَيَانه، وَإِنْ أَرَدْتَ زِيَادَةَ الدِّرَايَةِ فَارْجِعْ إلَى الْهِدَايَةِ، وَحَيْثُ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ ذَلِكَ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ: عَدْلٌ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ من الشَّرْح على مَا رَأَيْنَاهُ، بل الاولى حذف هَذَا القيل لكَونه عين مَا فِي المُصَنّف، ثمَّ إِن هَذَا القيل هُوَ قَائِله أَبُو مَنْصُور، لَان عدم الِاعْتِمَاد إِنَّمَا علل بِالْفَسَادِ والغلط وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَالم الْعدْل.
وَذكر الاسبيجابي أَن الْمَسْأَلَة مصورة عِنْد الامام فِي القَاضِي الْعَالم الْعدْل، لانه إِذا كَانَ غير هَذَا لَا يُولى الْقَضَاء وَلَا يؤتمر بأَمْره بالِاتِّفَاقِ اهـ.
فَمَا قَالَه أَبُو مَنْصُور كشف عَن مَذْهَب الامام اهـ.

قَوْله: (وَإِن عدلا جَاهِلا إِن استفسر فَأحْسن تَفْسِير الشَّرَائِط) بِأَن يَقُول فِي حد الزِّنَا إِنِّي أستفسر الْمُقِرَّ بِالزِّنَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ، وَيَقُولَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ.
وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِفْسَارِ الْجَاهِلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ بِسَبَبِ جَهْلِهِ غير الدَّلِيل دَلِيلا.
كِفَايَة.

قَوْله: (صدق) أَي يجب تَصْدِيقه وَقبُول قَوْله، ثمَّ المُرَاد من جَهله جَهله بوقائع النَّاس لانها فرض كِفَايَة، فَإِنَّهُ يسْأَل الْمُفْتِي وَيحكم بقوله، بِخِلَاف جَهله بِمَا يفترض عَلَيْهِ عينا فَإِنَّهُ يفسق فَلَا يكون عدلا فَيكون من الْقسم الْآتِي بَيَانه.

قَوْله: (فالقضاة أَرْبَعَة) لانه إِمَّا عَالم أَو جَاهِل، وَفِي كل إِمَّا عدل أَو فَاسق.

قَوْله: (أَي سَببا شرعا) للْحكم فَحِينَئِذٍ يقبل قَوْله لانْتِفَاء التُّهْمَة اهـ.
منح.
وَإِنَّمَا أول الْحجَّة بِالسَّبَبِ ليعم الاقرار ط.

قَوْله: (صب دهنا لانسان عِنْد الشُّهُود) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه مقرّ ط.

قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) أَي الضَّمَان بِالْمثلِ لَا بِالْقيمَةِ وَإِلَّا كَانَ مُشكلا، لَان الْمُتَنَجس مَال بِدَلِيل جَوَاز بَيْعه فيجزي فِيهِ التَّمَلُّك وَالتَّمْلِيك فَيكون مَالا مَعْصُوما.
وَأَيْضًا فَإِن ظَاهره أَن القَوْل لَهُ فِي عدم الضَّمَان، وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل قَوْله فِي كَونه متنجسا، وَأما الضَّمَان فَلَا يضمن فيمته متنجسا فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي أَنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُتَنَجِّسَةً، كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الاشباه، وَيدل لَهُ عبارَة الْخَانِية قبيل كتاب القَاضِي من الشَّهَادَات: وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِي إنكاه اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ، وَلَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ زَيْتًا غَيْرَ نَجِسٍ.
وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجعهَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: أراق زَيْت إِنْسَان أَو سمنه وَقد وَقعت فِيهِ فَأْرَة ضمنه، وَحِينَئِذٍ فَتعين أَن المُرَاد

(7/467)


بِعَدَمِ الضَّمَان ضَمَان الْمثْلِيّ لانه الْمُتَبَادر، وَأَن المُرَاد بِالضَّمَانِ الْمُثبت ضَمَان الْقيمَة لانه بالتنجس صَار قيميا، لقَولهم: الْمثْلِيّ مَا حصره كيل أَو وزن وَكَانَ على صفته الاصلية من الطَّهَارَة، فَإِن خرج عَنْهَا بالتنجس صَار قيميا كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام البزازي ثَانِيًا.
وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ: وَإِذا أتلف زَيْت غَيره فِي السُّوق أَو سمنه أَو خله أَو نَحْو ذَلِك وَقَالَ أتلفته لكَونه نجسا لانه مَاتَت فِيهِ فَأْرَة فَالْقَوْل قَوْله، لَان الزَّيْت النَّجس وَنَحْوه قد يُبَاع فِي السُّوق، وَإِن أتلف لحم قصاب فِي السُّوق وَقَالَ: أتلفته لكَونه ميتَة ضمن لَان الْميتَة لَا تبَاع فِي السُّوق، فَجَاز للشُّهُود أَن يشْهدُوا أَنَّهَا ذكية كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.

قَوْله: (وَأمر الدَّم عَظِيم فَلَا يهمل) أَلا ترى أَنه حكم فِي المَال بِالنّكُولِ وَفِي الدَّم حبس حَتَّى يقْرَأ وَيحلف، وَاكْتفى فِي المَال بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَة وبخمسين يَمِينا فِي الدَّم.

قَوْله: (بِخِلَاف المَال) قَالَ فِي الْبَحْر: لَو أتلف لحم طواف فطولب بِالضَّمَانِ فَقَالَ: كَانَت ميتَة فأتلفتها لَا يصدق، وللشهود أَن يشْهدُوا أَنه لحم ذكي بِحكم الْحَال.
وَقَالَ القَاضِي: لَا يضمن، فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَة كتاب الِاسْتِحْسَان الْمُتَقَدّمَة، وَهِي لَو قتل رجلا الخ فَأجَاب عَنهُ بِمَا نَقله الشَّارِح عَن إِقْرَار الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (صدق قَاض) وَكَذَا لَا ضَمَان على الْقَاطِع والآخد لَو أقرّ بِمَا أقرّ بِهِ القَاضِي وَوجه عدم الضَّمَان على القَاضِي أَنَّهُمَا لما توافقا أَنه فعل ذَلِك فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِر شَاهدا لَهُ، إِذْ القَاضِي لَا يقْضِي بالجور ظَاهرا وَلَا يَمِين عَلَيْهِ لانه ثَبت فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق، وَلَا يَمِين على القَاضِي كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (كَذَا لَو زعم) أَي الْمقْضِي عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق: أَي فَيدْفَع قَول القَاضِي الضَّمَان عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ، أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ.
بَحْرٌ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْنَدَ) أَي القَاضِي.
مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى
قَوْله: (إِلَى حَالَة معهودة) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنا مَجْنُون وجنونه مَعْهُود وَمثله المدهوش وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى للخير الرَّمْلِيّ، فَإِذا كَانَت الدهشة معهودة مِنْهُ يقبل قَوْله، وَإِذا لم تكن معهودة لَا يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة، وَلَو أقرّ الْقَاطِع والآخذ فِي هَذَا الْفَصْل بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ
لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ

(7/468)


الضَّمَان عَن غَيره، بِخِلَاف الْفَصْل الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
مطلب: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شئ وَجعل بَعضهم هَذَا أصلا فَقَالَ: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ضَمَان مَا ذكر.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ العَبْد لغيره بعد الْعتْق قطعت يدك وَأَنا عبد فَقَالَ الْمقر لَهُ بل قطعتها وَأَنت حر فَالْقَوْل للْعَبد.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْمولى لعبد قد أعْتقهُ أخذت مِنْك غلَّة كل شهر خَمْسَة دَرَاهِم وَأَنت عبد فَقَالَ الْمُعْتق أَخَذتهَا بعد الْعتْق كَانَ القَوْل للْمولى.
وَمِنْهَا: الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا قَالَ بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل وَقَالَ الْمُوكل بعد الْعَزْل فَالْقَوْل للْوَكِيل إِن كَانَ الْمَبِيع مُسْتَهْلكا، وَإِن كَانَ قَائِما فَالْقَوْل للْمُوكل لانه أخبر عَمَّا لَا يملك الانسائ.
وَكَذَا فِي مَسْأَلَة الْغلَّة لَا يصدق فِي الْغلَّة الْقَائِمَة لانه أقرّ بالاخذ وبالاضافة يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَصِيّ بعد مَا بلغ الْيَتِيم أنفقت عَلَيْك كَذَا وَكَذَا من المَال وَأنكر الْيَتِيم كَانَ القَوْل للْوَصِيّ لكَونه أسْند إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان.
وَأورد فِي النِّهَايَة على هَذَا الاصل مَا إِذا أعتق أمته ثمَّ قَالَ لَهما قطعت يدك وَأَنت أمتِي فَقَالَت هِيَ قطعتها وَأَنا حرَّة فَالْقَوْل لَهَا، وَكَذَا فِي كل شئ أَخذه مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنكر للضَّمَان بِإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان، فَأجَاب بِالْفرقِ من حَيْثُ إِن الْمولى أقرّ بِأخذ مَالهَا ثمَّ ادّعى التَّمْلِيك لنَفسِهِ فَيصدق فِي إِقْرَاره وَلَا يصدق فِي دَعْوَاهُ التَّمْلِيك، وَكَذَا لَو قَالَ لرجل أكلت طَعَامك بإذنك فَأنْكر الاذن يضمن الْمقر.
وَذكر الشَّارِح: أَي الزَّيْلَعِيّ أَن هَذَا الْفرق غير مخلص، وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا فِي الْبَحْر: أَي لعدم جَرَيَانه فِي صُورَة النزاع فِي أَخذ غلَّة العَبْد وَقطع يَد الامة كَمَا لَا
يخفى كَمَا فِي الْحَوَاشِي السعدية.
ثمَّ قَالَ فِي الْبَحْر وَقد خرج هَذَا الْفَرْع وَنَحْوه بِمَا زدناه على الْقَاعِدَة من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن فِيمَا لَو كَانَت مَرْهُونَة أَو مأذونة مديونة فَلم يرد.
وأصل الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع من الاقرار.
مطلب: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يبلغهُ الْخَبَر تَتِمَّة: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يصل إِلَيْهِ الْخَبَر، حَتَّى لَو قضى بقضايا بعد الْعَزْل قبل وُصُول الْخَبَر إِلَيْهِ جَازَ قَضَاؤُهُ.
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يَنْعَزِل وَإِن علم بعزله مَا لم يُقَلّد غَيره مَكَانَهُ ويصل صِيَانة لحقوق النَّاس، وَلَو مَاتَ رجل وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يجوز، وَلَو ظهر وَارِث بعد ذَلِك فَالْبيع مَاض وَلَا ينْقض.
رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم جِيَاد، فقضاه زُيُوفًا وَقَالَ أنفقها، فَإِن لم ترج فَردهَا فَفعل فَلم ترج، قَالَ أَبُو يُوسُف: لَهُ أَن يردهَا عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، لَان مَا قبض من الدَّرَاهِم لَيْسَ هُوَ عين حَقه بل هُوَ مثل حَقه، وَإِنَّمَا يصير حَقًا لَهُ إِذا رَضِي بِهِ، فَإِذا لم يرض بِهِ لم يصر حَقًا لَهُ فَيكون الْقَابِض متصرفا

(7/469)


فِي ملك الدَّافِع بأَمْره فَلَا يبطل حق الْقَابِض، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو اشْترى شَيْئا فَوَجَدَهُ معيبا فَأَرَادَ أَن يردهُ فَقَالَ لَهُ البَائِع بِعْهُ فَإِن لم يبع رده عَليّ، فعرضه على البيع فَلم يشتره أحد لم يردهُ، وَذَلِكَ لَان الْمَقْبُوض عين حَقه إِلَّا أَنه معيب، فَلم يكن قَول البَائِع بعد إِذْنا لَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك البَائِع فَكَانَ متصرفا فِي ملك نَفسه فَيبْطل حَقه فِي الرَّد.
مطلب: إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد لَهُ أَن يشْهد بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ لَا تشهد فَلَا يشْهد عَلَيْهِ إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد عَليّ وَسعه أَن يشْهد عَلَيْهِ، لَا إِذا قَالَ الْمقر لَهُ لَا تشهد عَلَيْهِ بِمَا أقرّ بِهِ لَا يَسعهُ أَن يشْهد، فَلَو رَجَعَ الْمقر لَهُ وَقَالَ إِنَّمَا نهيتك لعذر وَطلب مِنْهُ الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ.
أشباه.

قَوْله: (منافيه لِلضَّمَانِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا زَادَهُ فِي الْبَحْر وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ آنِفا.

قَوْله: (كَونهمَا) أَي الواقعتين.
مطلب: فِي أَخذ القَاضِي الْعشْر من مَال الايتام والاوقاف
قَوْله: (نقل فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا: قَالَ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا لَفْظُهُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا لم يكن للْقَاضِي شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّى مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ ثُمَّ بَالَغَ فِي الانكار اهـ.
وَلم أر هَذَا لاصحابنا اهـ.
وَمَا أَحْبَبْت نَقْلَ الشَّارِحِ الْعِبَارَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ صِحَّةَ هَذَا لنقل مَعَ أَن النافل بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ كَمَا تَرَى.
كَيْفَ وَقَدْ اخْتلفُوا عندنَا فِي أَخذه مبيت المَال، فَمَا ظَنك فِي الْيَتَامَى.
والاوقاف.
قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ.
أَقُولُ: يَعْنِي عَلَى الْجَمَاعَتَيْنِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الانكار واضحه الِاعْتِبَار، لانه لَوْ تَوَلَّى عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مَثَلًا وَلَمْ يلْحقهُ فِيهَا من الْمَشَقَّة شئ بِمَاذَا يَسْتَحِقُّ عُشْرَهَا وَهُوَ مَالُ الْيَتِيمِ وَفِي حُرْمَتِهِ جَاءَتْ الْقَوَاطِعُ؟ فَمَا هُوَ إلَّا بُهْتَانٌ عَلَى الشَّرْعِ السَّاطِعِ، وَظُلْمَةٌ غَطَّتْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم اهـ.
مطلب: إِذا كَانَ للْقَاضِي عمل فِي مَال الايتام لَهُ الْعشْر قَالَ الْحَمَوِيّ: لَا وَجه للْمُبَالَغَة فِي الانكار لجَوَاز أَن يكون ذَلِك مُقَيّدا بِمَا إِذا كَانَ لَهُ عمل، وَأقله حفظ المَال إِلَى أَوَان بُلُوغ الْقَاصِر اهـ.
مطلب: المُرَاد بالعشر أجر الْمثل وَلَو زَاد يرد الزَّائِد قَالَ بِيرِيّ زَادَةْ فِي حَاشِيَتِهَا: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، حَتَّى لَوْ زَاد رد الزَّائِد اهـ.
مدنِي.

قَوْله: (للمتولي الْعشْر فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عمل.
قَالَ ط: هَذِه الْمَسْأَلَة لَا مَحل لذكرها هُنَا على أَنَّهَا غير محررة.

(7/470)


مطلب: لَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل وَفِي الاشباه وَعبارَة الْخَانِية: رجل وقف ضَيْعَة على موَالِيه فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ الْقيم وَجَعَلَ لِلْقَيِّمِ عُشْرَ الْغَلَّاتِ وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا
إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا لَا يجب للقيم عشر الْغلَّة من هَذِه الطاحونة، لَان الْقيم مَا يَأْخُذ إِلَّا بطرِيق الاجر فَلَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل اهـ.
وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: قَاض نصب قيمًا على غلات مَسْجِد وَجعل لَهُ شَيْئا مَعْلُوما يَأْخُذهُ كل سنة حل لَهُ الْعشْرَة لَو كَانَ أجر مثله اهـ.
وَقدم سَيِّدي الْكَلَام على ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف فَرَاجعه.
وَقَالَ فِي فصل: يُرَاعى شَرط الْوَاقِف بعد كَلَام.
ثُمَّ رَأَيْت فِي إجَابَةِ السَّائِلِ: وَمَعْنَى قَوْلِ الْوَلوالجِيَّة بعد أَن جعل الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرُ غَلَّةِ الْوَقْفِ: أَيْ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ، لَا مَا تَوَهَّمَهُ أَرْبَابُ الاغراض الْفَاسِدَة الخ اهـ.
مطلب: للنَّاظِر مَا عينه لَهُ الْوَاقِف وَإِن زَاد على أجر مثله قلت: وَهَذَا فِيمَن لم يشْتَرط لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا.
وَأَمَّا النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ أَقَلَّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِل اهـ.
وَتَمَامه ثمَّة.

قَوْله: (قلت لَكِن الخ) لَا وَجه لهَذَا الِاسْتِدْرَاك لما علمت من أَن مَا نَقله عَن الاشباه هُوَ قَول لبَعض الشَّافِعِيَّة فَكيف يسْتَدرك عَلَيْهِ بِعِبَارَة الْبَزَّازِيَّة الَّتِي هِيَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة.

قَوْله: (لَا يحل لَهما أَخذ الاجر بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ.

قَوْله: (كإنكاح صَغِيرَة) قَالَ فِي الْخُلَاصَة يحل للْقَاضِي أَخذ أُجْرَة على كتبه السجلات وَغَيره بِقدر أُجْرَة الْمثل هُوَ الْمُخْتَار، وَلَا يحل أَخذ شئ على نِكَاح الصغار، وَفِي غَيره يحل، وَلَا يحل أَخذ الاجرة على إجَازَة بيع مَال الْيَتِيم، وَلَو أَخذ لَا ينفذ البيع ط عَن الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (وكجواب الْمُفْتِي بالْقَوْل) لَان أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يحل عندنَا، وَأما الْهَدِيَّة لَهُ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي كتاب الْقَضَاء، فَرَاجعه.
مطلب: للْقَاضِي والمفتي أَخذ أجر مثل الْكِتَابَة إِذا كلفا إِلَيْهَا
قَوْله: (أما بِالْكِتَابَةِ فَيَجُوزُ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَتْبِهِمَا) لِأَنَّ الْكِتَابَة لَا تلزمهما: أَي لَو كلفا للكتابة فَيجوز لَهما أَخذ أجر مثلهمَا وَلَا يجوز لَهما الزِّيَادَة عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ لَا يجوز لَهما قبُول الْهَدِيَّة وَلَا الدعْوَة الْخَاصَّة لانهما فِي معنى الرِّشْوَة وَهِي من أقبح قبائح الْقُضَاة والمفتين فَكيف يجوز لَهما أَن يَأْخُذ زَائِدا على أجر مثلهمَا: أَي على مِقْدَار مَا يسْتَحق كل مِنْهَا من الاجرة على مثل تِلْكَ الخطوط اللَّهُمَّ
ألهمنا الصَّوَاب وجنبنا الْخَطَأ آمين.
مطلب: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر جَوَابه بِاللِّسَانِ هَل يجب عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ؟ قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك مَسْأَلَة سُئِلت عَنْهَا: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا لَا يُمكنهُ أَو عَمَّا يعسر عَلَيْهِ جَوَابه بِاللِّسَانِ وَلَا يعسر عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ، كمسائل المناسخات الَّتِي يدق كسورها جدا وَلَا تثبت فِي حفظ السَّائِل، هَل يفْرض عَلَيْهِ الْكِتَابَة مَعَ تيسرها أَو لَا؟ وَلم أر من صرح بالحكم، لَكِن النّظر الفقهي يَقْتَضِي وُجُوبهَا عَلَيْهِ حَيْثُ تعسر أَو تعذر بِاللِّسَانِ، وَيكون الْجَواب بِالْكِتَابَةِ نَائِبا عَن

(7/471)


الْجَواب بِاللِّسَانِ ليخرج عَن عُهْدَة الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْجَواب بِاللِّسَانِ، فَيكْتب الْمُفْتِي مَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ أَو يتعسر النُّطْق بِلَا كِتَابَة حَيْثُ تيسرت لَهُ آلَة الْكِتَابَة لاجل الْقيام بِالْوَاجِبِ فَيقْرَأ على السَّائِل فَيخرج من الْعهْدَة.
مطلب: لَيْسَ على الْمُفْتِي دفع الرقعة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفهم السَّائِل مَا يصعب وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَلَا يجب عَلَيْهِ دفع الرقعة لَهُ، وَلَا أَن يفهمهُ مَا يشق ويحفظه مَا يصعب عَلَيْهِ، بل كل ذَلِك خَارج عَن التَّكْلِيف، وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَقلة فهمه.
مطلب: على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق كَانَ وَلَو بِالْكِتَابَةِ إِذا تيسرت لَهُ وَالْحَاصِل: أَن على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ، وكل مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ فَهُوَ فرض.
مطلب: إِذا سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر بِاللِّسَانِ ويتيسر بِالْكِتَابَةِ لَا يجب عَلَيْهِ بذل آلتها وَحَيْثُ كَانَ فِي وسع الْمُفْتِي الْجَواب بِالْكِتَابَةِ لَا بِاللِّسَانِ وَجب عَلَيْهِ الْجَواب بهَا حَيْثُ تيسرت إِلَيْهِ بِلَا مشقة عَلَيْهِ بِأَن أحضرها لَهُ السَّائِل، وَلَا يلْزم الْمُفْتِي بذلها من عِنْده لَهُ، وَمُقْتَضى الْقيَاس وجوب تَحْصِيلهَا على الْمُفْتِي كَمَاء الْوضُوء ليحصل بِهِ مَا هُوَ الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله إِذا تعين عَلَيْهِ الافتاء وَلم يكن فِي الْبَلدة من يقوم مقَامه فِي ذَلِك، والافتاء طَاعَة وَالطَّاعَة بِحَسب الِاسْتِطَاعَة، فَمَا يُرَاعى فِي
غَيره من الطَّاعَات يُرَاعى فِيهِ فرضا ووجوبا واستحبابا وندبا، فَلْيتَأَمَّل فِيهِ اهـ.
وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية.
مطلب: الاجر مُقَدّر بِقدر الْمَشَقَّة
قَوْله: (وَتَمَامه فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة) قَالَ فِيهِ: والاصح أَنه: أَي الاجر بِقدر الْمَشَقَّة، وَقد تزيد مشقة الْوَثِيقَة فِي أَجنَاس مُخْتَلفَة بِمِائَة على مشقة ألف ألف فِي النُّقُود وَنَحْوهَا.
مطلب: مَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ قلت فِي الْعمادِيَّة عَن الْمُلْتَقط: وَمَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق ذَلِك بِفقه أَصْحَابنَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي كَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَهُ أجر مثله بِقدر مشقته وبقدر صَنعته وَعَمله كَمَا يسْتَأْجر الحكاك بِأُجْرَة كَثِيرَة فِي مشقة قَليلَة.
مطلب: يجب الاجر بِقدر العناء والتعب وَفِي شرح التُّمُرْتَاشِيّ عَن النّصاب: يجب بِقدر العناء والتعب، وَهَذَا أشبه بأصول أَصْحَابنَا.
مطلب: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره الخ وَفِي كتب السجلات: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره وصعوبته وسهولته اهـ.

قَوْله: (وفيهَا الخ) يُوهم أَن هَذِه الابيات الْمَذْكُورَة من الْوَهْبَانِيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هِيَ

(7/472)


من كَلَام ابْن الشّحْنَة كَمَا أفْصح بِهِ بقوله: لكميل: قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: هَل يسْتَحق القَاضِي الاجر أم لَا؟ قَالَ الزَّاهدِيّ فِي شَرحه للقدوري: لَا يسْتَحق الاجر، وَإِنَّمَا يسْتَحقّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ شئ.
مطلب: إِذا تولى القَاضِي قسْمَة التَّرِكَة لَا يسْتَحق الاجر وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال وَفِي الْقنية عَن ظهير الدّين المرغيناني وَشرف الائمة الْمَكِّيّ القَاضِي: إِذا تولى قسْمَة التَّرِكَة لَا أجر لَهُ وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال.
ثمَّ رقم للمحيط وَشرح بكر خُوَاهَر زَاده وَقَالَ لَهُ: لَا حمرَة إِذا لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال، لَكِن الْمُسْتَحبّ: أَي لَا يَأْخُذ.
قَالَ البديع: مَا أجَاب بِهِ الظهير والشرف
حسن فِي هَذَا الزَّمن لفساد الْقُضَاة، إِذْ لَو أطلق لَهُم لَا يقنعون بِأَجْر الْمثل فَأَحْبَبْت إِلْحَاقه، فَقلت: وَذكر الْبَيْتَيْنِ الاولين ثمَّ ذكر الْبَيْت الاخير بعد كَلَام يتَعَلَّق بالمفتي.

قَوْله: (وَإِن كَانَ قاسما) أَي للتركات مثلا.

قَوْله: (فَالْقَوْل الاول) بوصل همزَة الاول.

قَوْله: (إِذْ لَيْسَ) أَي الْمُفْتِي قَوْله (فِي الْكتب) أَي فِي الْكِتَابَة.

قَوْله: (يحصر) أَي يلْزم وَيجب عَلَيْهِ.
مطلب: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى وَفِي ذَلِك الشَّرْح عَن جلال الدّين أبي المحامد قَالُوا: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى.
مطلب: الْوَاجِب على الْمُفْتِي الْجَواب بِاللِّسَانِ لَا بالبنان وَذَلِكَ لَان الْجَواب على الْمُفْتِي الْجَواب اللِّسَان دون الْكِتَابَة بالبنان، وَمَعَ هَذَا الْكَفّ عَن ذَلِك أولى.

قَوْله: (على قدره) أَي قدر الْخط: أَي والعناء، وَقد سبق مَا فِيهِ من أَن الْكَفِّ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَصِيَانَةً لماء الْوَجْه عَن الابتذال اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.

(7/473)