قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الشَّهَادَات
جمعهَا وَإِن كَانَت فِي الاصل مصدرا بِاعْتِبَار أَنْوَاعهَا فَإِنَّهَا تكون فِي حد الزِّنَا وَغَيره.

قَوْله: (أَخّرهَا عَن الْقَضَاء) وَإِن كَانَ الْمُتَبَادر تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ، لَان الْقَضَاء مَوْقُوف عَلَيْهَا إِذا كَانَ ثُبُوت الْحق بهَا.
وَفِي الْحَمَوِيّ: أَخّرهَا لَان القَاضِي يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد الانكار فَكَانَ ذَلِك من تَتِمَّة حكمه، ولان الشَّهَادَة إِنَّمَا تقبل فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا تكون ملزمة بِدُونِ الْقَضَاء اهـ.

قَوْله: (هِيَ لُغَة) الضَّمِير عَائِد للشَّهَادَة المفهومة من الشَّهَادَات.

قَوْله: (خبر قَاطع) تَقول مِنْهُ شهد الرجل على كَذَا، وَرُبمَا قَالُوا: شهد الرجل بِسُكُون الْهَاء للتَّخْفِيف، وَقَوْلهمْ: أشهد بِكَذَا: أَي أَحْلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده شُهُودًا: أَي حَضَره، وَقوم شُهُود: أَي حُضُور.
وَهُوَ فِي الاصل مصدر.
وَشهد أَيْضا مثل رَاكِع وَركع، وَشهد لَهُ بِكَذَا شَهَادَة: أَي أدّى مَا عِنْده فَهُوَ شَاهد، وَالْجمع شهد كصاحب وَصَحب وسافر وسفر، وَبَعْضهمْ يُنكره، وَجمع الشهد شُهُود وأشهاد، والشهيد: الشَّاهِد وَالْجمع الشُّهَدَاء.

قَوْله: (أَخْبَار صدق)
فالاخبار كالجنس، قَوْله: صدق: يخرج الاخبار الكاذبة: وَصدق الْخَبَر: مطابقته للْوَاقِع.
قَوْله: لاثبات حق يخرج قَول الْقَائِل فِي مجْلِس الْقَضَاء أشهد بِكَذَا لبَعض العرفيات.
قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ أَخْبَار عَن مُشَاهدَة وعيان لَا عَن تخمين وحسبان: أَي الشَّهَادَة شرعا، وَصرح الشَّارِح بِأَن هَذَا مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ أَيْضا كَمَا أَفَادَهُ فِي إِيضَاح الاصلاح.
والمشاهدة: المعاينة كَمَا تقدم.
والعيان: المعاينة.
والتخمين: الحدس، وَهُوَ الظَّن، والحسبان بِالْكَسْرِ: الظَّن.
وَأورد على هَذَا التَّعْرِيف الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا لم تكن مُشَاهدَة.
وَأجَاب فِي الايضاح بِأَن جَوَازهَا إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِحْسَان، والتعريفات الشَّرْعِيَّة إِنَّمَا تكون على وفْق الْقيَاس ولكونها أَخْبَارًا عَن مُعَاينَة.
قَالَ فِي الْخَانِية: إِذا قرئَ عَلَيْهِ صك وَلم يفهم مَا فِيهِ لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد بِمَا فِيهِ.
مطلب: لَا تحل الشَّهَادَة بِسَمَاع صَوت الْمَرْأَة من غير رُؤْيَة شخصها وَإِن عرف بهَا اثْنَان وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حل لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهَا اهـ: أَي وَيصِح التَّعْرِيف وَلَو من زَوجهَا وَابْنهَا وَمِمَّنْ لَا يَصح شَاهدا لَهَا، سَوَاء كَانَت الشَّهَادَة لَهَا أَو عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد.

قَوْله: (مجَاز) من حَيْثُ المشابهة الصورية: أَي مجَاز مُرْسل وعلاقته الضدية لَان الزُّور إِخْبَار بكذب.

قَوْله: (كإطلاق الْيَمين على الْغمُوس) فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ عَقْدٌ يَتَقَوَّى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَالْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا.

قَوْلُهُ: (بِلَفْظ الشَّهَادَة) فَلَا يُجزئ التَّعْبِير بِالْعلمِ وَلَا بالبقين فَيتَعَيَّن لَفظهَا كَمَا يَأْتِي.

قَوْله: (فِي مجْلِس القَاضِي) خرج بِهِ إخْبَاره فِي غير مَجْلِسه فَلَا يعْتَبر، وَإِنَّمَا قيد بِالْقَاضِي وَإِن كَانَ الْمُحكم كَذَلِك لَان الْمُحكم لَا يتَقَيَّد

(7/474)


حكمه بِمَجْلِس بل كل مجْلِس حكم فِيهِ كَانَ مجْلِس حكمه.
حموي: أَي بِخِلَاف القَاضِي فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِمَجْلِس حكمه الْمعِين من الامام وبمحل ولَايَته ط.

قَوْله: (كَمَا فِي عتق الامة) وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلَيْسَتْ
الدَّعْوَى شَرط صِحَّتهَا مُطلقًا بل كل شَهَادَة حسبَة كَذَلِك.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يَقُولُوا بعد دَعْوَى لتخلفها عَنْهَا فِي عتق الامة وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلم تكن الدَّعْوَى شرطا لصحتها مُطلقًا، وَقَول بَعضهم: إِنَّهَا إِخْبَار بِحَق الْغَيْر على الْغَيْر، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق على نَفسه للْغَيْر، وَالدَّعْوَى فَإِنَّهَا إِخْبَار بِحَق لنَفسِهِ على الْغَيْر غير صَحِيح لعدم شُمُوله لما إِذا أخبر بِمَا يُوجب الْفرْقَة من قبلهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ شَهَادَة وَلم يُوجد فِيهَا ذَلِك الْمَعْنى كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي إِيضَاح الاصلاح، وَكَأَنَّهُ لاحظ أَنه لم يخبر بِحَق للْغَيْر لَان ذَلِك مُوجب لسُقُوط الْمهْر (1) .
وَجَوَابه: أَن سُقُوطه عَن الزَّوْج عَائِدًا إِلَى أَنه لَهُ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بالابراء عَن الدّين فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق للمديون وَهُوَ السُّقُوط عَنهُ، فَكَذَا هُنَا.
وَجعل الاخبار أَرْبَعَة، وَالرَّابِع إِنْكَار، وَعَزاهُ إِلَى شرح الطَّحَاوِيّ اهـ.

قَوْله: (طلب ذِي الْحق) يَشْمَل الْحق تَعَالَى فِي شَهَادَة الْحِسْبَة فَإِنَّهُ مطَالب فِيهَا بالاداء شرعا والآدميين فِي حُقُوقهم، فَيحرم كتمانها لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه) * (الْبَقَرَة: 382) فَهُوَ نهي عَن الكتمان فَيكون أمرا بضده حَيْثُ كَانَ لَهُ ضد وَاحِد، وَهُوَ آكِد من الامر بأدائها، وَلذَا أسْند الاثم إِلَى رَئِيس الاعضاء وَهُوَ الْآلَة الَّتِي وَقع بهَا أَدَاؤُهَا لما عرف أَن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مَحَله أقوى من الاسناد إِلَى كُله.
وَاسْتدلَّ فِي الْهِدَايَة بِهَذِهِ الْآيَة على فرضيتها مَعَ احْتِمَال أَن يُرَاد نهي المدينين عَن كتمانها كَمَا احْتمل أَن يُرَاد نهي الشُّهُود.
قَالَ القَاضِي: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة) * (الْبَقَرَة: 382) أَيهَا الشُّهُود أَو المدينون، وَالشَّهَادَة شَهَادَتهم على أنفسهم، فعلى الثَّانِي المُرَاد النَّهْي عَن كتمان الاقرار بِالدّينِ، فالاولى الِاسْتِدْلَال على فرضيتها بالاجماع، وَاحْتمل أَن الضَّمِير فِي قَول الْمُؤلف تلْزم عَائِد إِلَى الشَّهَادَة بِمَعْنى تحملهَا لَا بِمَعْنى أَدَائِهَا، فَإِن تحملهَا عِنْد الطّلب والتعين فرض (2) وَأما عِنْد عدم التعين فَفرض كِفَايَة كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (بِأَن لم يعلم بهَا ذُو الْحق) أَي بِشَهَادَتِهِ.

قَوْله: (وَخَافَ) أَي الشَّاهِد، فَلَا يجب عَلَيْهِ الشَّهَادَة بِلَا طلب فِي حق آدَمِيّ إِلَّا إِذا لم يعلم بِشَهَادَتِهِ ذُو الْحق وَخَافَ الشَّاهِد إِن لم يشْهد ضَاعَ حق الْمُدَّعِي فَيجب عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا أَفَادَهُ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي.

قَوْله: (شَرَائِط مَكَانهَا وَاحِد وَهُوَ مجْلِس الْقَضَاء) وَهُوَ من شُرُوط الاداء كَمَا فِي الْبَحْر.
والاولى أَن يَقُول شَرط مَكَانهَا وَلَعَلَّه إِنَّمَا جمعه مَعَ أَنه وَاحِد وَهُوَ مجْلِس القَاضِي للازدواج،
أَي التناسب بقوله: وشرائط التَّحَمُّل.

قَوْله: (الْعقل الْكَامِل) المُرَاد مَا يَشْمَل التَّمْيِيز بدذليل مَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي، فَلَا يَصح تحملهَا من مَجْنُون وَصبي لَا يعقل.

قَوْله: (وَقت التَّحَمُّل) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: لَا
__________
(1) قَالَ الْمَقْدِسِي: وَمَا أورد من الشَّهَادَة على إممرأة بِمَا يُوجب فرقة قبل الدُّخُول وَلَيْسَ لاثبات حق فَجَوَابه أَن سُقُوط الْمهْر من الزَّوْج حق لَهُ كَشَهَادَة بإيراء من دين يثبت بِهِ حق الْمَدْيُون: أَي سُقُوطه عَنهُ انْتهى.
(2)
قَوْله: (فرض) كَذَا بالاصل، وَلَعَلَّه فرض عين بِدَلِيل مُقَابلَة اهـ.
مصححة.

(7/475)


حَاجَة إِلَيْهِ.

قَوْله: (وَالْبَصَر) فَلَا يَصح تحملهَا من أعمى.
وَلَا يشْتَرط للتحمل الْبلُوغ وَالْحريَّة والاسلام وَالْعَدَالَة، حَتَّى لَو كَانَ وَقت التَّحَمُّل صَبيا عَاقِلا أَو عبدا أَو كَافِرًا أَو فَاسِقًا ثمَّ بلغ الصَّبِي وَعتق العَبْد وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق فَشَهِدُوا عِنْد القَاضِي تقبل.
بَحر.
أَقُول: وَلَا يُنَافِيهِ مَا نَقله بعد عَن الْخَانِيَّةِ: صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لم أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل مَسْجده ومحلته أَنه صَالح أَو غَيره اهـ.
فَإِن ذَلِك للتزكية فَقَط لَا لرد شَهَادَته.
تَأمل.

قَوْله: (ومعاينة الْمَشْهُود بِهِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَانا ترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه، وسيصرح بهَا الشَّارِح فِي شَهَادَة الارث.

قَوْله: (إِلَّا فِيمَا يثبت بِالتَّسَامُعِ) كَالشَّهَادَةِ بِالْمَوْتِ وَالنّسب وَالنِّكَاح وَالْوَقْت كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (عَشَرَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالْعَدَالَةُ، لَكِنْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَأَنْ لَا يَجُرَّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَعَكْسُهُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ، خلافًا لَهما فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إِذا لم يكن للشَّاهِد شُبْهَة فِي الْخط يشْهد وَإِن كَانَ فِي يَد الْخصم، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اخْتِيَار.
وَأما مَا يخص بَعْضهَا دون بعض: فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى، فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ
إلَّا إذَا وَفَّقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ (1) ، وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَتَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
كَذَا فِي الْبَحْرِ.
لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ نَوْعَانِ: مَا هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِهَا، وَمَا هُوَ شَرْطُ أَدَائِهَا.
فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يرجع إِلَى الشَّاهِد، وَمَا يرجع للشَّهَادَة، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ.
وَذَكَرَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ السَّبْعَةَ عَشَرَ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ: لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ عُلِمَ مِنْ السَّبْعَةِ الْخَاصَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ، فَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ الاداء سَبْعَة عشر: مِنْهَا عشر شَرَائِط عَامَّة، وَمِنْهَا سبع شَرَائِطَ خَاصَّةٌ.
وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ مَكَانهَا وَاحِد اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرَائِطَ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا.
وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ، وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ الْأَدَاءِ مِنْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ: شَرَائِطُ الشَّاهِدِ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ، وَمِنْهَا ثَلَاث شَرَائِط لنَفس الشَّهَادَة، وَمِنْهَا وَاحِد شَرط
__________
(1)
قَوْله: (وَلم يكن سَكرَان لَا لبعد مَسَافَة) هَكَذَا بالاصل وليتأمل اه.
مصححه.

(7/476)


مَكَانِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِح أَيْضا.

قَوْله: (مِنْهَا) أَي الْعَامَّة الضَّبْط: أَي ضبط الشَّاهِد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون غَيْرك، وَأَن يكون ذَاكِرًا.

قَوْله: (وَالْولَايَة) أَي تكون ولَايَة للشَّاهِد على الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون من أهل دينه أَو مِمَّن دينه حق حرا بَالغا، فَلِذَا فرع عَلَيْهِ بقوله فَيشْتَرط الاسلام الخ.

قَوْله: (لَو الْمُدعى عَلَيْهِ مُسلما) أما لَو كَانَ كَافِرًا فَتقبل شَهَادَة الْمُسلم وَالْكَافِر عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَالْقُدْرَة على التَّمْيِيز) الاولى حذف الْقُدْرَة لَان الشَّرْط التَّمْيِيز بِالْفِعْلِ.

قَوْله: (بِالسَّمْعِ) هَذَا زَائِد على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة.

قَوْله: (وَمن الشَّرَائِط) أَي الْمُتَقَدّمَة: أَي الْعَامَّة.

قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ.

قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ.

قَوْله: (أَو زوجية) أَي: وَعدم الزَّوْجِيَّة فَلَا تقبل شَهَادَة أحد
الزَّوْجَيْنِ للْآخر.

قَوْله: (أَو عَدَاوَة دنيوية) أَي وَعدم عَدَاوَة دنيوية، أما الدِّينِيَّة فَلَا تمنع الشَّهَادَة.

قَوْله: (لفظ أشهد) بِلَفْظ الْمُضَارع، فَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ فِي الْحَال س.

قَوْله: (لَا غير) أَي لَا غَيره من الالفاظ كأعلم وأتحقق وأتيقن.

قَوْله: (لتَضَمّنه) أَي بِاعْتِبَار الِاشْتِقَاق معنى مُشَاهدَة وَهِي الِاطِّلَاع على الشئ عيَانًا.
سَيِّدي.
قَالَ ط: دخل فِي ذَلِك الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا عَن مُشَاهدَة حكما أَو أَنَّهَا خَارِجَة عَن الْقيَاس اه.
وَقدمنَا بَيَانه كَافِيا.

قَوْلُهُ: (وَقَسَمٍ) لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ نَحْوَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا: أَيْ أقسم، وَقد مر فِي الايمان.

قَوْله: (وإخبار للْحَال) بِخِلَاف لفظ الْمَاضِي فَإِنَّهُ مَوْضُوع للاخبار عَمَّا وَقع كَمَا قدمنَا.

قَوْله: (فَكَأَنَّهُ يَقُول أقسم بِاللَّه) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وَقسم.

قَوْله: (لقد اطَّلَعت على ذَلِك) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله لتَضَمّنه معنى مُشَاهدَة.

قَوْله: (وَأَنا أخبر بِهِ) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وإخبار للْحَال.
وَالْحَاصِل أَن فِي كَلَامه نشرا على غير تَرْتِيب اللف قَوْله (فَتعين) فَلِذَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ، وَلَا يَخْلُو عَن معنى التَّعَبُّد إِذْ لم ينْقل غَيره بَحر.

قَوْله: (حَتَّى لَوْ زَادَ فِيمَا أَعْلَمُ بَطَلَ لِلشَّكِّ) لانه يشْتَرط أَن لَا يَأْتِي بِمَا يدل على الشَّك بعد، فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ظَنِّي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا قَدْ عَلِمْتُ، وَلَو ال لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يكون تعديلا، بَحر.
فرع: قَالَ الْمَقْدِسِي: وَلَا بُد من علمه بِمَا يشْهد بِهِ.
وَفِي النَّوَازِل: شهد أَن الْمُتَوفَّى أَخذ من هَذَا الْمُدعى منديلا فِيهِ درام وَلم يعلمَا كم وَزنهَا تجوز شَهَادَتهمَا.
وَله لَهما أَن يشهدَا بالمقدار؟ وَقَالَ: إِن كَانُوا وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرروا فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك.
وَيَنْبَغِي أَن يعتبرا جودتها فقد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه.
وَفِي خزانَة الاكمل: بِيَدِهِ درهما كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا

(7/477)


يدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه.

قَوْله: (وَحكمهَا) أَي صفتهَا لما تقدم فِي أول كتاب الْقَضَاء
أَن من مَعَاني الحكم الاثر الثَّابِت بِالْخِطَابِ كالوجوب وَالْحُرْمَة فَيكون الْمَعْنى هُنَا وصفتها.

قَوْله: (وجوب الحكم) أَي الْقَضَاء.

قَوْله: (بموجبها) بِفَتْح الْجِيم: أَي بِمَا تعلق بهَا، إِذْ الْمُوجب عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظن القَاضِي، فَالَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْمُوجب الشَّهَادَة، وَالْمعْنَى الْمُتَعَلّق بهَا إِلْزَام الْخصم بالمشهود بِهِ.

قَوْله: (بعد التَّزْكِيَة) اشْتِرَاط التَّزْكِيَة قَوْلهمَا، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ.
ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

قَوْله: (افتراضه) أَي الْقَضَاء.

قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث قدمناها) أَي قبيل بَاب التَّحْكِيم، وَهِي رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَإِذا استمهل الْمُدَّعِي وَخَوف رِيبَة عِنْد القَاضِي.

قَوْله: (بعد وجود شرائطها) أَي الْمُتَقَدّمَة.

قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ) نَقَلَهُ فِي أَوَّلِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِبَاكِيرٍ.

قَوْله: (ابْن ملك) فِي شرح الْمجمع فِي مَبْحَث الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور.

قَوْله: (وَأطلق الكافيجي كفره) فِي سَأَلته (سَيْفُ الْقُضَاةِ عَلَى الْبُغَاةِ) حَيْثُ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْحُكْمَ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا قَالُوا إِنَّه يكفر.
كَذَا فِي الْمنح.

قَوْله: (واستهظر المُصَنّف الاول) لما تقدم فِي بَاب الرِّدَّة من الِاعْتِمَاد على عدم تَكْفِير الْمُسلم وَلَو بالرواية الضعيفة.

قَوْله: (وَيجب أَدَاؤُهَا) أَي عينا.

قَوْله: (بِالطَّلَبِ) أَي طلب الْمُدَّعِي.

قَوْله: (وَلَو حكما كَمَا مر) أَي من أَنه لَو خَافَ فَوت الْحق والطالب لَا يعلم بهَا لزمَه أَن يشْهد بِلَا طلب.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا قُلْنَا أَو حكما ليدْخل من عِنْده شَهَادَة لَا يعلم بهَا صَاحب الْحق وَخَافَ فَوت الْحق فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يشْهد بِلَا طلب كَمَا فِي فتح الْقَدِير لكَونه طَالبا لادائه حكما اه.
لَكِن نَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا قدمنَا.

قَوْله: (بِشُرُوط سَبْعَة) ذكر مِنْهَا خَمْسَة، مِنْهَا أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله إِن لم يُوجد بدله، فَإِن لم يتَعَيَّن بِأَن كَانُوا جمَاعَة فَأدى غَيره مِمَّن تقبل شَهَادَته فَقبلت لم يَأْثَم، بِخِلَاف مَا إِذا أدعى غَيره فَلم يقبل، فَإِن من لم يؤد مِمَّن يقبل يَأْثَم بامتناعه.
السَّادِس: أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِبُطْلَان الْمَشْهُود بِهِ، فَلَو شهد عَن الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن الْمُدَّعِي قبض دينه أَو أَن الزَّوْج طَلقهَا ثَلَاثًا أَو أَن المُشْتَرِي أعتق العَبْد أَو أَن الْوَلِيّ عَفا عَن الْقَاتِل لَا يَسعهُ أَن يشْهد بِالدّينِ وَالنِّكَاح وَالْبيع وَالْقَتْل، وَإِن لم يكن الْمخبر عدلا فَالْخِيَار للشُّهُود، إِن شاؤوا شهدُوا بِالدّينِ مثلا وأخبروا القَاضِي بِخَبَر المخبرين، وَإِن شاؤوا امْتَنعُوا عَن الشَّهَادَة، وَإِن كَانَ الْمخبر عدلا وَاحِدًا لَا يَسعهُ
ترك الشَّهَادَة، وَكَذَا لَو عاينا وَاحِدًا يتَصَرَّف فِي شئ تصرف الْملاك وَشهد عَدْلَانِ عِنْدهمَا أَن هَذَا الشئ لفُلَان آخر لَا يَشْهَدَانِ أَنه للمتصرف، بِخِلَاف أَخْبَار الْعدْل الْوَاحِد.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: إِذْ شهد عنْدك عَدْلَانِ بِخِلَاف مَا سمعته مِمَّن وَقع فِي قَلْبك صدقه لم يسعك الشَّهَادَة، إِلَّا إِذا علمت يَقِينا أَنَّهُمَا كاذبان، وَإِن شهد عنْدك عدل لَك أَن تشهد بِمَا سَمِعت، إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك صدقه، وَيَنْبَغِي ذَلِك جَمِيعه فِي كل شَهَادَة اه بِالْمَعْنَى.
السَّابِع: أَن لَا يقف الشَّاهِد على أَن الْمقر أقرّ خوفًا، فَإِن علم بذلك لَا يشْهد، فَإِن قَالَ الْمقر

(7/478)


أَقرَرت خوفًا وَكَانَ الْمقر لَهُ سُلْطَانا وَكَانَ الْمقر فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان وَلم يعلم الشَّاهِد بخوفه شهد عِنْد القَاضِي وَأخْبرهُ أَنه كَانَ فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان اه ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا للجوهرة: وَكَذَا إِذا خَافَ الشَّاهِد على نَفسه من سُلْطَان جَائِر أَو غَيره أَو لم يتَذَكَّر الشَّهَادَة على وَجههَا وَسعه الِامْتِنَاع اه.
مطلب: للشَّاهِد أَن يمْتَنع من أَدَائِهَا عِنْد غير الْعدْل
قَوْله: (مِنْهَا عَدَالَة قَاض) فَلهُ أَن يمْتَنع من الاداء عِنْد غير الْمعدل، لانه رُبمَا لَا يقبل ويجرح، وَلَو غلب على ظَنّه أَنه يقبله لشهرته مثلا يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء، وَكَذَا الْمعدل لَو سُئِلَ عَن الشَّاهِد فَأخْبر بِأَنَّهُ غير عدل لَا يجب عَلَيْهِ أَن يعدله عِنْده.
بَحر.
مطلب: إِذا كَانَ مَوضِع القَاضِي بَعيدا من مَوضِع الشَّاهِد بِحَيْثُ لَا يَغْدُو وَيرجع فِي يومم لَا يَأْثَم بِعَدَمِ الاداء
قَوْله: (وَقرب مَكَانَهُ) أَي أَن يكون مَوضِع الشَّاهِد قَرِيبا من مَوضِع القَاضِي، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالُوا: لَا يَأْثَمُ لانه يلْحقهُ الضَّرَر بذلك.
وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) * (الْبَقَرَة: 282) .

قَوْله: (وَعلمه بقبوله) فَلَو علم أَنه لَا يقبلهَا لَا يلْزمه.
بَحر.
قَالَ الْحَمَوِيّ: فَلَا شكّ ينظر حكمه.

قَوْله: (أَو بِكَوْنِهِ أسْرع قبولا) أَي فَيجب الاداء وَإِن كَانَ هُنَاكَ من تقبل شَهَادَته.
فتح.
وَفِيه تَأمل.
مقدسي.
وَكَأَنَّهُ لعدم
ظُهُور وَجه الوجوبه حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ من يقوم بِهِ الْحق، ط عَن الْحَمَوِيّ.
أَقُول: لكنه بَحثه فِي مُقَابلَة الْمَنْقُول، فقد ذكر الْمَسْأَلَة فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْخَانِية.

قَوْله: (إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) أَيْ بَدَلُ الشَّاهِدِ، وَهَذَا هُوَ خَامِس الشُّرُوط.
وَأما الِاثْنَان الباقيان تَتِمَّة السَّبْعَة فقد قدمناهما آنِفا، وهما: أَنْ لَا يَعْلَمَ بُطْلَانَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَأَنْ لَا يعلم أَن الْمقر أقرّ خوفًا الخ.
وأل فِي الشَّاهِد للْجِنْس فَيصدق بِالْوَاحِدِ والمتعدد.
مطلب: لَو لزم الشَّاهِد الاداء وَلم يؤد ثمَّ أدّى الشَّهَادَة وَلَو لزم الشَّاهِد الاداء بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة فَلم يؤد بِلَا عذر ظَاهر ثمَّ أدّى، قَالَ شيخ الاسلام: لَا تقبل لتمكن الشُّبْهَة، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تَأْخِيره كَانَ لاستجلاب الاجرة.
قَالَ الْكَمَال: وَالْوَجْه الْقبُول، وَيحمل على الْعذر من نِسْيَان ثمَّ تذكر أَو غَيره اه.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَعِنْدِي أَن الْوَجْه مَا قَالَه شيخ الاسلام، لَا سِيمَا وَقد فسد الزَّمَان وَعلم من حَال الشُّهُود التَّوَقُّف بِمُقْتَضى الْقُوَّة، وَهَذَا مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مطرد فِي كل حِرْفَة لَا يتَوَجَّه فِيهَا تَأْوِيل اه.

قَوْله: (لانها فرض كِفَايَة) أَي إِذا قَامَ بهَا الْبَعْض الْكَافِي سقط عَن البَاقِينَ.

قَوْله: (تَتَعَيَّنُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ لِتَحَمُّلٍ أَو أَدَاء) قَالَ الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِنَّه عَام فِي التَّحَمُّل والاداء، لَكِن فِي التَّحَمُّل على الْمُتَعَاقدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا للاشهاد، وَلَا يلْزم الشَّاهِدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا، وَفِي الاداء

(7/479)


يلْزمهُمَا الْحُضُور إِلَى القَاضِي، لَا أَن القَاضِي يَأْتِي إِلَيْهِمَا ليؤديا.
وَيسْتَحب الاشهاد فِي الْعُقُود إِلَّا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ يجب عندنَا، وَكَذَا فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْمُلْتَقط: الاشهاد على المداينة والبيوع فرض.
كَذَا رَوَاهُ نصير.
وَذكر الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن الاشهاد على المبايعات والمداينات مَنْدُوب، إِلَّا النزر الْيَسِير كالخبز وَالْمَاء والبقل، وَأطْلقهُ جمَاعه من السّلف حَتَّى فِي البقل اه.
قَالَ فِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: وَذكر فِي فَتَاوَى أهل سَمَرْقَنْد أَن الاشهاد على المداينة وَالْبيع فرض على الْعباد، إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا حَقِيرًا لَا يخَاف عَلَيْهِ
التّلف، وَبَعض الْمَشَايِخ على أَن الاشهاد مَنْدُوب وَلَيْسَ بِفَرْض اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا بَأْس للرجل أَن يتحرز عَن تحمل الشَّهَادَة، وَلَو طلب مِنْهُ أَن يكْتب شَهَادَته أَو يشْهد على عقد أَو طلب مِنْهُ الاداء: إِن كَانَ يجد غَيره فَلهُ الِامْتِنَاع، وَإِلَّا فَلَا انْتهى.
وَحِينَئِذٍ فالتحمل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مَحْمُول على مَا إِذا لم يُوجد غَيره، وَإِلَّا فالاولى الِامْتِنَاع كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (وَكَذَا الْكَاتِب إِذا تعين) صرح الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن بِأَن عَلَيْهِمَا الْكِتَابَة إِذا لم يُوجد غَيرهمَا إِذا كَانَ الْحق مُؤَجّلا، وَإِلَّا فَلَا اه.
بَحر.

قَوْله: (لَكِن لَهُ أَخذ الاجرة لَا للشَّاهِد) فِي الْمُجْتَبَيْ عَنْ الْفَضْلِيِّ: تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، وَعَلَى هَذَا الْكَاتِب، إِلَّا أَنه يجوز أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ اه.
شَلَبِيٌّ.
اهـ ط.
لَكِن ينظر مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَخْذُ الْأَجْرِ بِهِ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِمَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ غَاسِلَ الْأَمْوَاتِ إذَا تعين لَا يحل لَهُ أَخذ الاجر.
تَأمل.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (حَتَّى لَو أركبه بِلَا عذر) بِأَن كَانَ يقدر على الْمَشْي أَو مَال يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة وأركبه من عِنْده.

قَوْله: (وَبِه) أَي بالعذر، بِأَن كَانَ شَيخا لَا يقدر على الْمَشْي وَلَا يجد مَا يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة، وَهَذَا التَّفْصِيل لصَاحب النَّوَازِل ط.

قَوْله: (لحَدِيث أكْرمُوا الشُّهُود) تَمَامه فَإِن الله تَعَالَى يسْتَخْرج بهم الْحُقُوق وَيدْفَع بهم الظُّلم رَوَاهُ الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس.

قَوْله: (وَجوز الثَّانِي الاكل مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ أَوْ لَا، وَمنعه مُحَمَّد مُطلقًا، وَبَعْضهمْ فصل.
قَالَ فِي الْبَحْر: الشُّهُود فِي الرستاق واحتيج إِلَى أَدَاء شَهَادَتهم هَل يلْزمهُم كِرَاء الدَّوَابّ؟ قَالَ: لَا رِوَايَة فِيهِ، وَلَكِن سَمِعت من الْمَشَايِخ أَنه يلْزمهُم.
وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو وضع للشُّهُود طَعَاما فَأَكَلُوا: إِن كَانَ مهيئا من قبل ذَلِك تقبل، وَإِن صنعه لاجلهم لَا تقبل.
وَعَن مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا.
وَعَن أبي يُوسُف: تقبل فيهمَا للْعَادَة الْجَارِيَة بإطعام من حل مَحل الانسان مِمَّن يعز عَلَيْهِ شَاهدا أَو لَا، ويؤنسه مَا تقدم من أَن الاهداء إِذا كَانَ بِلَا شَرط ليقضي حَاجته عِنْد الامير يجوز.
كَذَا قيل: وَفِيه نظر فَإِن الاداء فرض بِخِلَاف الذّهاب إِلَى الامير اه.
وَجزم
فِي الْمُلْتَقط بِالْقبُولِ مُطلقًا اه.

قَوْله: (وَبِه يُفْتى بَحر) نَقله عَن ابْن وهبان فِي شَرحه لمنظومته.
قَالَ شارحها الْعَلامَة ابْن عبد الْبر بن الشّحْنَة نقلا عَن مُخْتَصر الْمُحِيط للخبازي: أخرج الشُّهُود إِلَى ضَيْعَة اشْتَرَاهَا فاستأجر لَهُم دَوَاب ليركبوها: إِن لم يكن لَهُم قُوَّة الْمَشْي وَلَا طَاقَة الْكِرَاء تقبل شهاتدهم، وَإِلَّا

(7/480)


فَلَا، فَإِن أكل طَعَاما للْمَشْهُود لَهُ لَا ترد شَهَادَته.
وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: الْجَواب فِي الرّكُوب مَا قَالَ، أما فِي الطَّعَام: إِن لم يكن الْمَشْهُود لَهُ هيأ طَعَامه للشَّاهِد بل كَانَ عِنْده طَعَام فقدمه إِلَيْهِم وأكلوه لَا ترد شَهَادَتهم، وَإِن هيأ لَهُم طَعَاما فأكلوه لَا تقبل شَهَادَتهم.
هَذَا إِذا فعل ذَلِك لاداء الشَّهَادَة، فَإِن لم يكن كَذَلِك لكنه جمع النَّاس للاستشهاد وهيأ لَهُم طَعَاما أَو بعث لَهُم دَوَاب وأخرجهم من الْمصر فَرَكبُوا وأكلوا طَعَامه اخْتلفُوا فِيهِ.
قَالَ الثَّانِي فِي الرّكُوب: لَا تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك وَتقبل فِي أكل الطَّعَام.
وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا، وَالْفَتْوَى على قَول الثَّانِي لجري الْعَادة بِهِ، سِيمَا فِي الانكحة ونثر السكر وَالدَّرَاهِم، وَلَو كَانَ قادحا فِي الشَّهَادَة لما فَعَلُوهُ.
كَذَا فِي الفخرية اه.

قَوْله: (وَيجب الاداء) أَي يفترض إِمَّا كِفَايَة أَو عينا.

قَوْله: (لَو الشَّهَادَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى) وَجه قبُول الشَّهَادَة بِلَا طلب فِيمَا ذكر أَنَّهَا حق الله تَعَالَى، وَحقّ الله تَعَالَى يجب على كل أحد الْقيام بإثباته، وَالشَّاهِد من جملَة من عَلَيْهِ ذَلِك فَكَانَ قَائِما بِالْخُصُومَةِ من جِهَة الْوُجُوب وَشَاهدا من جِهَة تحمل ذَلِك فَلم يحْتَج إِلَى خصم آخر اه.
وَبَعْضهمْ جعل الْقَائِم بِالْخُصُومَةِ القَاضِي ط.

قَوْله: (أَرْبَعَة عشر) ذكر مِنْهَا طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة وتدبيرها، وَمِنْهَا الْوَقْف.
قَالَ قاضيخان: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْد الْكل، وَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء أَو على الْمَسْجِد لَا تقبل عِنْده بِدُونِ الدَّعْوَى، وَتقبل عِنْدهمَا بِدُونِهِ، وَبِه أفتى أَبُو الْفضل الْكرْمَانِي وَهُوَ الْمُخْتَار.
عمادية.
وَمِنْهَا هِلَال رَمَضَان.
قَالَ قاضيخان: الَّذِي يَنْبَغِي أَنه لَا تشرط الدَّعْوَى فِيهِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحرَّة.
وَفِي الْعمادِيَّة عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، الشَّهَادَة بِهِلَال عيد الْفطر لَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى.
وَفِي الاضحى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ: قاسه بَعضهم على هِلَال رَمَضَان، وَبَعْضهمْ على هِلَال الْفطر.
وَمِنْهَا:
الْحُدُود غير حد الْقَذْف وَالسَّرِقَة.
وَمِنْهَا: النّسَب، وَفِيه خلاف.
حكى صَاحب الْمُحِيط الْقبُول من غير دَعْوَى لانه يتَضَمَّن حرمات كلهَا لله تَعَالَى: حُرْمَة الْفرج، وَحُرْمَة الامومة والابوة.
وَقيل لَا تقبل من غير خصم.
وَمِنْهَا: الْخلْع فَإِن الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَرْأَة مَقْبُولَة اتِّفَاقًا وَيسْقط الْمهْر عَن ذمَّة الزَّوْج، وَدخُول المَال فِي هَذِه الشَّهَادَة تبع.
وَمِنْهَا: الايلاء وَالظِّهَار والمصاهرة، وَيشْتَرط أَن يكون الْمَشْهُود عَلَيْهِ حَاضرا.
وَمِنْهَا: الْحُرِّيَّة الاصلية عِنْدهمَا.
وَالصَّحِيح اشْتِرَاط الدَّعْوَى فِي ذَلِك عِنْد الامام كَمَا فِي الْعتْق الْعَارِض.
وَمِنْهَا: النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يثبت بِلَا دَعْوَى كَالطَّلَاقِ، لَان حل الْفرج وَالْحُرْمَة حق لله تَعَالَى.
وَمِنْهَا: عتق العَبْد عِنْدهمَا، لَان الْغَالِب عِنْدهمَا فِيهِ حق الله تَعَالَى لَان الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود، وَلذَا لم يجز استرقاق العَبْد بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى.
وَقَالَ الامام لَا بُد فِي عتقه من دَعْوَى وَالْغَالِب فِيهِ حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِد إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصة من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، وَقد تمت الاربع عشرَة مَسْأَلَة.
وَقَوله عد مِنْهَا الخ يُفِيد أَن هُنَاكَ مسَائِل أخر هُوَ كَذَلِك وَهِي الَّتِي ذكرهَا بعد، وَقد أعَاد صَاحب الاشباه ذكر شَهَادَة الْحِسْبَة بعد، فعد حد الزِّنَا وحد الشّرْب مَسْأَلَتَيْنِ، وَزَاد الشَّهَادَة على دَعْوَى مولى العَبْد نسبه اه ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قُلْت: وَيُزَادُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ المُصَنّف فِي بَابه وَتقدم فِي

(7/481)


الْوَقْف.

قَوْله: (بِلَا عذر فسق فَترد) نصوا عَلَيْهِ فِي الْحُدُود وَطَلَاق الزَّوْجَة وَعتق الامة، وَظَاهر مَا فِي الْقنية: أَنه فِي الْكل، وَهُوَ فِي الظَّهِيرِيَّة واليتيمة اه.
أشباه.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقنية: أجَاب بعض الْمَشَايِخ فِي شُهُود شهدُوا بِالْحُرْمَةِ الْمُغَلَّظَة بعد مَا أخروا شَهَادَتهم خَمْسَة أَيَّام من غير عذر أَنَّهَا لَا تقبل إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج، ثمَّ نقل عَن الْعَلَاء الحمامي والخطيب الانماطي وَكَمَال الائمة البياعي: شهدُوا بعد سِتَّة أشهر بِإِقْرَار الزَّوْج بالطلقات الثَّلَاث لَا يقبل إِذا كَانُوا عَالمين بعيشهم عَيْش الازواج، وَكثير من الْمَشَايِخ أجابوا كَذَلِك فِي جنس هَذَا.
وَتَمَامه فِيهِ وَفِي الْحَمَوِيّ.
وَقيل الْمدَار فِي التَّأْخِير على التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي،
وَهل ذَلِك خَاص بالفروج أَو لَا؟.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا طلب الْمُدَّعِي الشَّاهِد لاداء الشَّهَادَة فَأخر من غير ظَاهر لَا تقبل اه.
فإطلاقه يُفِيد عدم الْقبُول مُطلقًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة اه مُلَخصا.
وَأفْتى فِي تَنْقِيح الحامدية بِأَنَّهُ حَتَّى أخر خَمْسَة أَيَّام من غير عذر إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج فَإِنَّهَا لَا تقبل، وَعَزاهُ لمُعين الْمُفْتِي وجامع الْفَتَاوَى.
أَقُول: قد علمت أَن ذكر خَمْسَة أَيَّام أَو سِتَّة أشهر لَيْسَ بِقَيْد، بل المُرَاد التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي وَهُوَ مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، بل هُوَ مطرد فِي كل حُرْمَة لَا يُوجد فِيهَا تَأْوِيل كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (كَطَلَاق امْرَأَة حرَّة أَو أمة، وَقيد الْقبُول فِي النِّهَايَة بِمَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا، أما إِذا كَانَ غَائِبا فَلَا.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَكَذَا يشْتَرط حُضُور الْمولى فِي صُورَة الامة، وَلَكِن لَا يشْتَرط حُضُور الْمَرْأَة وَلَا الامة على الْمَشْهُور، وَتقبل إِن أنكر الزَّوْجَانِ ط.
وَمثله فِي الْعمادِيَّة والفصولين وَالْبَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا غَابَ الرجل عَن امْرَأَته فَأَخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو مَاتَ عَنْهَا فلهَا أَن تَعْتَد وتتزوج بِزَوْج آخر، وَكَذَا إِن كَانَ الْمُخَير فَاسِقًا، لَان هَذَا من بَاب الدّيانَة فَيثبت بِخَبَر الْوَاحِد، بِخِلَاف النِّكَاح وَالنّسب اه.
أَقُول: لكنه فِي التَّنْقِيح ذكر الْعدْل دون الْفَاسِق.
قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت، وَهَذَا عِنْد المعاينة أَو الْمُشَاهدَة لمَوْته أَو جنَازَته.
وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أَي بَائِنا) هَذَا الْقَيْد لم يذكرهُ فِي التَّنْقِيح بل أطلق الطَّلَاق، وَكَذَلِكَ أطلقهُ فِي الاشباه وَلم يُقَيِّدهُ بالبائن، وَكَذَا محشوها، لَكِن قَالَ ط: وَالتَّقْيِيد بِهِ ظَاهر، لانه إِذا طَلقهَا رَجْعِيًا لَا يُنكر بعده معيشتهم معيشة الازواج لانه يعد مراجعا لَهَا.

قَوْله: (وَعتق أمة) أَي عِنْد الْكل لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج وَهِي حق الله تَعَالَى، وَهل يحلف حسبَة فِي طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة؟ أَشَارَ مُحَمَّد فِي بَاب التَّحَرِّي أَنه يحلف.
كَذَا فِي شرح الْقَدُورِيّ.
وَذكر السَّرخسِيّ فِي مقدمه بَاب السلسلة أَنه لَا يحلف، فَتَأَمّله عِنْده الْفَتْوَى.
كَذَا ذكره ابْن الشّحْنَة ط.

قَوْله: (وتدبيرها) جعل ابْن وهبان الْقبُول يخْتَلف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الامة وَالْعَبْد كَمَا فِي عتقهما.
فَتقبل فِي الامة عِنْد الْكل، وَفِي العَبْد
يجْرِي الْخلاف، لَان التَّدْبِير فِيهَا يتَضَمَّن حُرْمَة فرجهَا على الْوَرَثَة بعد موت السَّيِّد ط.

قَوْله: (وَكَذَا عتق عبد) أَي عِنْدهمَا خلافًا لَهُ، فَإِن دَعْوَاهُ شَرط عِنْده، كَمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل بِعِتْق عَبده وَالْعَبْد وَالْمولى ينكران ذَلِك لَا تقبل الشَّهَادَة عِنْد الامام.
وَقَالا: تقبل.

(7/482)


وَفِي الْحَقَائِق: قد تتَحَقَّق الدَّعْوَى حكما بِأَن يقطع العَبْد يَد حر فَقَالَ الْحر أعتقك مَوْلَاك قبل الْجِنَايَة ولي عَلَيْك الْقصاص فأنرك العَبْد وَالْمولى ذَلِك تقبل بَينته وَيقْضى بِعِتْقِهِ، لَان دَعْوَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعتْق قَائِم مقَام دَعْوَى العَبْد حكما.
ثمَّ اعْلَم أَن الشَّهَادَة بِلَا دَعْوَى أحد مَقْبُولَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى، لَان القَاضِي يكون نَائِبا عَن الله تَعَالَى فَتكون شَهَادَة على خصم فَتقبل، وَغير مَقْبُولَة فِي حُقُوق العَبْد، وَهَذَا أصل مُتَّفق عَلَيْهِ، لَكِن الْغَالِب عِنْدهمَا فِي عتق العَبْد حق الله تَعَالَى، لَان سَبَب الْمَالِكِيَّة وَهِي الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا: يَعْنِي كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود وَلذَا لم يجز استرقاق الْحر بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى، فَتقبل بِدُونِ الدَّعْوَى، وَالْغَالِب عِنْده حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِدًا إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصه من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، فَلَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي شرح الْمجمع لِابْنِ ملك.

قَوْله: (وتدبيره) قد علمت أَنه على الْخلاف كَمَا ذكره ابْن وهبان، وَلَا فرق عِنْد الامام بَين أَن يشْهدُوا بِالْعِتْقِ أَو بِالْحُرِّيَّةِ الاصلية، وَالشَّارِح مَشى على قَوْلهمَا وَتبع الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي عدم الْفرق بَين الْحُرِّيَّة الاصلية والعارضة.

قَوْله: (وَهل يقبل جرح الشَّاهِد حسبَة) الْجرْح بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى تجريح، ثمَّ قَوْله حسبَة يحْتَمل أَنه حَال من جرح: يَعْنِي أَن المجرح يفعل ذَلِك حسبَة، وَيحْتَمل أَنه حَال من الْمشَاهد ذكره بَعضهم ط.
والاول أظهر.
قَالَ الْحلَبِي: حسبَة مُتَعَلق بِالْجرْحِ لَا بِالشَّاهِدِ.

قَوْله: (فبلغت ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَيْ بِزِيَادَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ وَتَدْبِيرِهِ وَالرَّضَاعِ وَالْجَرْحِ.
وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَعِتْقُ الْأَمَةِ وتدبيرها فَمن الاربعة عشر ح.
قَالَ ط: وَفِيه أَن عتق العَبْد من جملَة الاربعة عشر اه.
أَقُول: لم يزدْ على مَا فِي الاشباه غير عتق العَبْد وتدبيره وَالرّضَاع وَهِي دَاخِلَة فِي الاربعة عشر، فَعتق العَبْد وتدبيره دَاخل فِي عتق الامة وتدبيرها على قَوْلهمَا، وَالرّضَاع دَاخل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة.
تَأمل.

قَوْله: (وَلَيْسَ لنا مدعي حسبَة) الاولى مُدع حسبَة بِحَذْف يَاء مدعي.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوُقُوف عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالْمُفْتَى بِهِ عدم سماعهَا إِلَّا من الْمُتَوَلِي كَمَا تقدم فِي الْوَقْف.
قَالَ ط: فَإِذا كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَا تسمع دَعْوَاهُ فالاجنبي بالاولى.
أشباه اه.
أَقُول: لَكِن فِي فَتَاوَى الحانوتي أَن الْحق أَن الْوَقْف إِذا كَانَ على معِين تسمع مِنْهُ اه.
فَتَأمل.
لَكِن قَيده سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه بِأَن تكون بِإِذن قَاض على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى
قَوْله: (وسترها فِي الْحُدُود) أَي كتمانها.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالشَّهَادَة يُخَيّر فِيهَا الشَّاهِد فِي السّتْر والاظهار، لانه بَين حسبتين: إِقَامَة الْحَد، والتوقي عَن الهتلك والستر أفضل اه.
قَالَ الكاكي: والحسبة مَا ينْتَظر بِهِ الاجر فِي الْآخِرَة.
وَفِي الصِّحَاح: احتسب كَذَا أجرا عِنْد الله تَعَالَى، وَالِاسْم الْحِسْبَة بِالْكَسْرِ وَالْجمع الْحسب اه.

قَوْله: (أبر) أَفَادَ أَن عَدمه (1) جَائِز إِقَامَة للحسبة لما فِيهِ من إِزَالَة الْفساد أَو تقليله فَكَانَ حسنا، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: * (إِن الَّذِي يحبونَ أَن تشيع *
__________
(1) أَي يزم السّتْر وَهُوَ الشَّهَادَة اه.
مِنْهُ.

(7/483)


لَا لفاحشة فِي الَّذين آمنُوا) * (النُّور: 19) الْآيَة، لَان ظَاهرهَا أَنهم يحبونَ ذَلِك لاجل إِيمَانهم وَذَلِكَ صفة الْكَافِر، ولان مَقْصُود الشَّاهِد ارتفاعها لَا إشاعتها وَكَذَا لَا يُعَارض أَفضَلِيَّة السّتْر آيَة النَّهْي عَن كتمانها لانها فِي حُقُوق الْعباد بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِذْ الْحُدُود لَا مدعى فِيهَا.
ورد قَول من قَالَ إِنَّهَا فِي الدُّيُون بِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب كَمَا ذكره الرَّازِيّ، أَو لانه عَام مَخْصُوص بِأَحَادِيث السّتْر الَّتِي بلغت مبلغا لَا ينحط عَن دَرَجَة الشُّهْرَة لتَعَدد متونها مَعَ قبُول الامة لَهَا، أَو هِيَ مُسْتَند الاجماع على تَخْيِير الشَّاهِد فِي الْحُدُود كَمَا يفهم من الْبَحْر.
وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِيهِ، فَرَاجعه فَإِنَّهُ مُهِمّ.

قَوْله: (وَلِحَدِيث من ستر ستر) الَّذِي فِي الْفَتْح من ستر على مُسلم ستره الله تَعَالَى وَأفَاد أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ.

قَوْله: (إِلَّا لمتهتك بَحر) وَفِيه عَن الْفَتْح.
وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إِلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه لانها فِي رُتْبَة النّدب فِي جَانب الْفِعْل وَكَرَاهَة التَّنْزِيه فِي جَانب التّرْك، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لم يعْتد الزِّنَا وَلم يتهتك بِهِ، أما إِذا وصل الْحَال إِلَى إشاعته والتهتك بِهِ، بل بَعضهم رُبمَا افتخر بِهِ فَيجب كَون الشَّهَادَة
أولى من تَركهَا، لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِش بالخطابات المفيدة لذَلِك، وَذَلِكَ يتَحَقَّق بِالتَّوْبَةِ من الغافلين وبالزجر لَهُم، فَإِذا ظهر حَال الشُّهْرَة فِي الزِّنَا مثلا وَالشرب وَعدم المبالاة بِهِ وإشاعته، فإخلاء الارض الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَال يُقَابله ظُهُور عدمهَا مِمَّن اتّصف بذلك، فَيجب تَحْقِيق السَّبَب الآخر للاخلاء وَهُوَ الْحُدُود، خلاف من زنى مرّة أَو مرَارًا مستترا متخرفا متندما عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحل اسْتِحْبَاب ستر الشَّاهِد، وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لهزال فِي مَاعِز لَو كنت سترته بثوبك الحَدِيث، وَذكره فِي غير مجْلِس القَاضِي بِمَنْزِلَة الْغَيْبَة يحرم مِنْهُ مَا يحرم مِنْهَا وَيحل مِنْهُ مَا يحل مِنْهَا اه.

قَوْله: (والاولى الخ) هَذَا كالاستدراك على قَوْله أبر، لانه رُبمَا يُفِيد عدم التَّعَرُّض بِالشَّهَادَةِ فِي السّرقَة أصلا وَيلْزم مِنْهُ ضيَاع حق الْغَيْر، فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع.
فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَفِيه إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ أَسْبَابِ الْحُدُودِ اه.
وَبِه ظهر الْجَواب.

قَوْله: (أَخذ) الاخذ أَعم من كَونه غصبا أَو على ادِّعَاء أَنه ملكه مودعا عِنْد الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَغير ذَلِك، فَلَا تَسْتَلْزِم الشَّهَادَة بالاخذ مُطلقًا ثُبُوت الْحَد بهَا.
كَمَال.
لَكِن قد يُقَال مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَا إحْيَاء للحق فِيهِ ط.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يَقُول سرق مُحَافظَة على السّتْر، ولانه لَو ظَهرت السّرقَة لوَجَبَ الْقطع وَالضَّمان لَا يُجَامع الْقطع فَلَا يحصل إحْيَاء حَقه.
وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان بِأَن قَوْله أَخذ أولى من سرق، وعَلى هَذَا فَيحمل قَول الْقَدُورِيّ: وَجب أَن يَقُول أَخذ على معنى ثَبت لَا الْوُجُوب الفقهي، وَقَوله فِي الْعِنَايَة: فَتعين ذَلِك مَعَ قَوْله لَا يجوز: أَي أَن يَقُول سرق تسَامح، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الافضل، وكل مِنْهُمَا جَائِز اه.
(وَفِيه لَطِيفَة) حكى الْفَخر الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير: أَن هَارُون الرشيد كَانَ مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُف، فَادّعى رجل على آخر بِأَنَّهُ أَخذ مَاله من بَيته فَأقر بالاخذ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاء فأفتوا بِقطع يَده، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا، لانه لم يقر بِالسَّرقَةِ وَإِنَّمَا أقرّ بالاخذ، فَادّعى الْمُدَّعِي أَنه سرق فَأقر بهَا فأفتوا بِالْقطعِ.
وَخَالفهُم أَبُو يُوسُف فقالو لَهُ: لم؟ قَالَ: لانه لما أقرّ أَولا بالاخذ ثَبت الضَّمَان عَلَيْهِ وَسقط

(7/484)


الْقطع.
فَلَا يقبل إِقْرَاره بعده بِمَا يسْقط الضَّمَان عَنهُ فعجبوا اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا ظَاهر فِي أَنه إِذا ادّعى أَنه أَخذ مَالِي أَو دَابَّتي تسمع، وَإِن لم يبين وَجه الاخذ اه.

قَوْله: (ونصابها) أَي مَا تنصب عَلَيْهِ: أَي تتَوَقَّف عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن الْكَمَال: وَلم يَقُلْ وَشَرْطُهَا: أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْولادَة وأختيها.

قَوْله: (للزِّنَا أَرْبَعَة) وَذَلِكَ يُشِير إِلَى ندب السّتْر، لانه قَلما يشْهد بِهِ أَرْبَعَة بِصفتِهِ الْمُوجبَة، وَالدَّلِيل قَوْله تَعَالَى * (فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم) * النِّسَاء: 15) وَقَوله: * (ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء) * (النُّور: 4) .
فَلَا يجوز بالاقل، وَنحن إِن لم نقل بِالْمَفْهُومِ فالاجماع عَلَيْهِ، وَقدم الِاسْتِدْلَال بالآيتين على قَوْله تَعَالَى: * (اسْتشْهدُوا شهدين من رجالكم) * (الْبَقَرَة: 282) لَان الاول مَانع وَالثَّانِي مُبِيح وَالْمَانِع مقدم، وَالدَّلِيل وَإِن كَانَ فِي النِّسَاء مُثبت فِي حق الرِّجَال للمساواة.
ط أخذا من الْبَحْر بِالْمَعْنَى عَن فتح الْقَدِير.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: عبارَة فتح الْقَدِير: وَأَن النَّص أوجب أَرْبَعَة رجال بقوله تَعَالَى: * (أَرْبَعَة مِنْكُم) * (النِّسَاء: 15) فقبول امْرَأتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَة مُخَالف لما نَص عَلَيْهِ من الْعدَد والمعدود، وَغَايَة الامر الْمُعَارضَة بَين عُمُوم قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَبَين هَذِه فَتقدم هَذِه لانها مَانِعَة وَتلك مبيحة اهـ.
وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِي كَلَامه من الْمُخَالفَة والايهام.
تَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَقدمنَا فِي الْحُدُود أَنه يجوز كَون الزَّوْج أَحدهمَا، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: أَن يقذفها الزَّوْج أَولا ثمَّ يشْهد مَعَ ثَلَاثَة، وَأَن يشْهد مَعَهم على زنَاهَا بِابْنِهِ مطاوعه اهـ.

قَوْله: (لَيْسَ مِنْهُم ابْنُ زَوْجِهَا) أَيْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو أم الابْن حَيَّة، أما إِذا فقد فَيجوز.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ ولاحداهما خَمْسَة بَنِينَ شهد أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ، إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو كَانَت أمّهم حَيَّة اه.
وَالْمَنْع فِي كَون الاب مُدعيًا لَعَلَّه مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بعد قذفه لَهَا لانه يدْفع بِشَهَادَتِهِ عَن أَبِيه اللّعان، وَفِي كَون أمّهم حَيَّة للعداوة الدُّنْيَوِيَّة عَادَة.

قَوْله: (وَلَو علق عتقه بِالزِّنَا) أَي بزنا نفس الْمولى.

قَوْله: (وَلَا حد) أَي على الْمولى ويستحلف إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْعتْق الْمُعَلق بِالزِّنَا يَقع بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَإِن لم يحد الْمولى، ويستحلف الْمولى إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ، وَفِيه خلاف ذكره فِي الْخَانِية وأدب الْقَضَاء للخصاف اه.
مطلب: فِي الشَّهَادَة على اللواطة قَالَ أَبُو السُّعُود: وَاخْتلفُوا فِي الشَّهَادَة على اللواطة: فَعِنْدَ الامام: يقبل فِيهَا رجلَانِ عَدْلَانِ لَان مُوجبهَا التَّعْزِير عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: لَا بُد فِيهِ من أَرْبَعَة كَالزِّنَا.
مطلب: فِي الشَّهَادَة على إتْيَان الْبَهِيمَة وَأما إتْيَان الْبَهِيمَة فالاصح أَنه يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ، وَلَا يقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء اه.

قَوْله: (فَأعْتقهُ القَاضِي) أَي حكم بِعِتْقِهِ، وَكَذَا قَوْله ورجمه.

قَوْله: (ضمن الاولان قِيمَته لمَوْلَاهُ) لاتلاف رقبته

(7/485)


الْمَمْلُوكَة على السَّيِّد.

قَوْله: (دِيَته لَهُ) انْظُر هَل المُرَاد بِالدِّيَةِ هُنَا قِيمَته لانه رَقِيق أَو دِيَة الاحرار لحكم القَاضِي عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَيدل لذَلِك قَوْله لَو وَارثه فَإِن لَو كَانَ رَقِيقا لكَانَتْ الدِّيَة للسَّيِّد وَلَا بُد ط.

قَوْلُهُ: (لَوْ وَارِثَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِلَّا لِوَارِثِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَوَدِ) شَمِلَ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتهم، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى القَاضِي، لَان مُوجب هَذِه الْجِنَايَة المَال فَقيل فِيهِ شَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء اه.
أَقُول: علم بِهِ قبُول شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي طرف الرجل وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وكل مَا لَا قصاص فِيهِ وَكَانَ مُوجبه المَال، وَيعلم بِهِ كثير من الوقائع الحالية.

قَوْله: (وَمِنْه) أَي من الْقود.

قَوْله: (لمآلها) أَي تؤول.

قَوْله: (لقَتله) بِسَبَب ردته: أَيْ إنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الانثى) فَإِنَّهَا لَا تقتل بل تحبس، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ، بَلْ فِي الْمَقْدِسِيَّ: لَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي النَّصْرَانِي كَذَلِك،، فَيجْبر وَلَا يقتل، ورأيته فِي الْوَلوالجِيَّة اه.
سائحاني.
وَإِنَّمَا لَا يقتل لانه لم يشْهد على إِسْلَامه مسلمان.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى إسْلَامِهِ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْله وَالذِّمِّيّ على مثله، وَتقدم فِي بَاب الْمُرْتَد أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لم يتب، إِلَّا من ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجلَيْنِ ثمَّ رجعا.
وَمن ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ على رِوَايَة النَّوَادِر.
وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الاسلام، وَهَذَا كُله قَوْله الْإِمَامِ.
وَفِي النَّوَادِرِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَر كَمَا فِي ح.
وَاعْتمد قاضيخان أَن قَوْلَ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْقَتْلِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَيَّ نَفْسٍ كَانَت لَا تقتل بِشَهَادَة النِّسَاء اهـ.

قَوْله: (وَمثله ردة مُسلم) أَي حكما وَهُوَ تَقْيِيد أَو عِلّة، قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما الشَّهَادَة بردة مُسلم فَلَا يقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء كَمَا ذكره فِي الْعِنَايَة من الْيُسْر اه.

قَوْله: (رجلَانِ) إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَة النِّسَاء لحَدِيث الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله والخليفتين من بعده أَن لَا شَهَادَة للنِّسَاء فِي الْحُدُود وَالْقصاص، ولان فِيهَا شُبْهَة البذلية لقيامها مقَام شَهَادَة الرِّجَال، فَلَا تقبل فِيهَا تندرئ بِالشُّبُهَاتِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.
وَإِنَّمَا لم يكن فِيهَا حَقِيقَة الْبَدَلِيَّة لانها إِنَّمَا تكون فِيمَا امْتنع الْعَمَل بِالْبَدَلِ مَعَ إِمْكَان الاصل، وَلَيْسَت كَذَلِك فَإِنَّهَا جَائِزَة مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِشَهَادَة الرجلَيْن كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَفِي خزانَة الاكمل: لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رفع إِلَى آخر أَمْضَاهُ اهـ.
بَحر.
أَقُول: والاحسن حذف قَوْله أَو لَا يرَاهُ، لَان القَاضِي حِينَئِذٍ يحكم بِمُقْتَضى مذْهبه.

قَوْله: (إِلَّا

(7/486)


الْمُعَلق فَيَقَع) أَي إِذا كَانَ بعض الشُّهُود نسْوَة وَلَا يحد: يَعْنِي مَا علق على شئ مِمَّا يُوجب الْحَد والقود لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَجُلَانِ، بَلْ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بذلك.
وَصورته كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: رجل قَالَ إِن شربت الْخمر يثبت بذلك فمملوكي حر، فَشهد رجل
وَامْرَأَتَانِ أَنه شرب الْخمر عتق العَبْد وَلَا يحد، لَان هَذِه شَهَادَة لَا مجَال لَهَا فِي الْحُدُود، وَلَو قَالَ إِن سرقت من فلَان شَيْئا فعلى قِيَاس مَا ذَكرْنَاهُ يَنْبَغِي أَن يضمن المَال وَيعتق العَبْد وَلَا يقطع اه.
وعزى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخَانِية إِلَى أبي يُوسُف، ثمَّ قَالَ: وَالْفَتْوَى فيهمَا على قَول أبي يُوسُف.
وَفِي خزانَة الاكمل: شَهدا أَنه أعتق عَبده ثمَّ شهد أَرْبَعَة بِأَنَّهُ زنى وَهُوَ مُحصن فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضمن شَاهدا الاعتاق قِيمَته لمَوْلَاهُ وشهود الزِّنَا دِيَته لمَوْلَاهُ أَيْضا إِن لم يكن لَهُ وَارِث غَيره اه.

قَوْله: (كَمَا مر) أَي قَرِيبا عِنْد قَوْله وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالزِّنَا وَقَعَ بِرَجُلَيْنِ وَلَا حد وَمر أَيْضا فِي الزِّنَا إِذا شهد بِهِ رجلَانِ.

قَوْله: (وللولادة) أَي فِي حق ثُبُوت النّسَب دون الْمِيرَاث عِنْده ذكره قاضيخان.
وَهُوَ خبر مقدم لامْرَأَة، وَلم يذكرُوا الْولادَة فِي الاصلاح، لِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ إنَّمَا تَكْفِي عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الاستهلال فَتُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا تقبل عِنْده خلافًا لَهما.

قَوْله: (للصَّلَاة) مُتَعَلق بالاخيرة: أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمنح، وَإِنَّمَا قبلت وَإِن كَانَ يُمكن أَن يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال لكِنهمْ لَا يحْضرُون الْولادَة عَادَة فَألْحق بِمَا لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال.

قَوْله: (وللارث عِنْدهمَا) أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للارث عِنْدهمَا.
قَوْله (والبكارة) أَي الشَّهَادَة عَلَيْهَا، فَإِن شهِدت أَنَّهَا بكر يُؤَجل الْعنين سنة، فَإِذا مَضَت فَقَالَ وصلت إِلَيْهَا وَأنْكرت تري النِّسَاء، فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر تخير، فَإِن اخْتَارَتْ الْفرْقَة فرق للْحَال، وَكَذَا فِي رد الْمَبِيع إِذا اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْبكارَة إِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب يحلف البَائِع لينضم نُكُوله إِلَى قولهن، فالعيب يثبت بقولهن لسَمَاع الدَّعْوَى وللتحليف، إِذْ لَوْلَا شَهَادَتهنَّ لم يحلف البَائِع وَكَانَ القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين لتمسكه بالاصل وَهُوَ الْبكارَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَسَيَأْتِي قَرِيبا أوضح من ذَلِك.

قَوْله: (وعيوب النِّسَاء) كالاماء الْمَبِيعَة من نَحْو رتق وَقرن، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّ بِهَا قَرَنًا أَوْ رَتَقًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى إبَاقًا: أَنَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ يُقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ اه.
وَفِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَن لاصل أَنَّ
الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ، وَأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ، وَإِلَّا تُعْتَبَرُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي بَكَارَتِهَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ: فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ تَثْبُتُ الْخُصُومَةُ لِيَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَيُحَلَّفُ

(7/487)


بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اه مُلَخصا، والاولى حذف قَوْله قَوِيَّة أَو إِبْدَاله بِلَفْظ ضَعِيفَة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: ذكر فِي الدُّرَر وَالْغرر وللولادة واستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ والبكارة وعيوب النِّسَاء امْرَأَة اه.
فَدخل فِي قَوْله: وعيوب النِّسَاء الْحَبل لانه من الْعُيُوب الَّتِي يرد بهَا الْمَبِيع.
قَالَ فِي الْخَانِية: وَفِيمَا لَا ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال كالقرن والرتق وَنَحْوه اخْتلف الرِّوَايَات، وَآخر مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه إِن كَانَ قبل الْقَبْض وَهُوَ عيب لَا يحدث ترد بِشَهَادَة النِّسَاء، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الآخر وَالْمَرْأَة الْوَاحِدَة والمرأتان سَوَاء، والمرأتان أوثق، وَأما الْحَبل فَيثبت بقول النِّسَاء فِي حق الْخُصُومَة، وَلَا ترد بشهادتهن.

قَوْله: (فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) قَالَ الرَّمْلِيّ: قدم: أَي صَاحب الْبَحْر فِي بَاب ثُبُوت النّسَب فِي شرح قَوْله: والمعتدة إِن جحدت وِلَادَتهَا بِشَهَادَة رجلَيْنِ الخ أَفَادَ بقوله بِشَهَادَة رجلَيْنِ قبُول شَهَادَة الرِّجَال على الْولادَة من الاجنبية، وَأَنَّهُمْ لَا يفسقون بِالنّظرِ إِلَى عورتها، إِمَّا لكَونه قد يتَّفق ذَلِك من غير قصد نظر وَلَا تعمد، أَو للضَّرُورَة كَمَا فِي شُهُود الزِّنَا.
وَفِي الْمنح نقلا عَن السراج: وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: تقبل شَهَادَته أَيْضا وَإِن قَالَ تَعَمّدت النّظر إِلَيْهَا.
وَأَقُول: فَثَبت الْخلاف فِي التعمد ظَاهرا.
وَيُمكن التَّوْفِيق بِأَن يحمل كَلَام النَّافِي على التعمد لَا لتحمل الشَّهَادَة، والمثبت على التعمد لَهَا إحْيَاء للحقوق بإيصالها إِلَى مستحقها بِوَاسِطَة أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا.
وَفِي كَلَامهم نوع إِشَارَة إِلَيْهِ، وَرُبمَا أفهم كَلَام الزَّيْلَعِيّ فِي شرح قَوْله وَلَو قَالَ شُهُود الزِّنَا تعمدنا النّظر قبلت أرجحية الْقبُول، وَأَيْضًا عِبَارَته فِي هَذَا الْمحل.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ
تَعَمّدت النّظر.
قَالَ بَعضهم: تقبل كَمَا فِي الزِّنَا لطرحه ذكر مُقَابِله وَقِيَاسه على الزِّنَا وَالرَّاجِح فِيهِ الْقبُول.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت فِي التاترخانية نقلا عَن الْعَتَّابِيَّةِ: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيمَا إِذا ادّعى إِلَى تحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا وَهُوَ يعلم أَنه لَو نظر إِلَيْهَا يَشْتَهِي، فَمنهمْ من جوز ذَلِك بِشَرْط أَن يقْصد بذلك تحمل الشَّهَادَة.
قَالَ شيخ الاسلام: الاصح أَنه لَا يُبَاح ذَلِك ذكره فِي كتاب الْكَرَاهَة.

قَوْله: (امْرَأَة حرَّة مسلمة) بَالِغَة عَاقِلَة عدلة.
زَيْلَعِيّ.
وَدَلِيله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَهَادَة النِّسَاء جَائِزَة فِيمَا لَا تَسْتَطِيع الرِّجَال النّظر إِلَيْهِ وَالْجمع الْمحلى بالالف وَاللَّام يُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيتَنَاوَل الاقل وَهُوَ الْوَاحِد، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط الاربع، ولانه إِنَّمَا سقط الذُّكُورَة ليخف النّظر لَان نظر الْجِنْس أخف فَكَذَا بسقط اعْتِبَار الْعدَد.

قَوْله: (والثنتان أحوط) وَكَذَا الثَّلَاث أحوط لما فِيهِ من معنى الالزام.
بَحر.
وَفِيه عَن خزانَة الاكمل: لَو شهد عِنْده نسْوَة عدُول أَنَّهَا امْرَأَة فلَان أَو ابْنَته وسعته الشَّهَادَة اه.
وفيهَا: يقبل تَعْدِيل الْمَرْأَة وَلَا يقبل ترجمتها.

قَوْله: (والاصح قبُول رجل وَاحِد) إِذا شهد بِالْولادَةِ.
قَالَ وفى الْمِنَحِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ، أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ اه.
وَقدمنَا نَحوه آنِفا.

قَوْله: (وَفِي الرجندي عَن الْمُلْتَقط الخ) ذكر

(7/488)


الْحَمَوِيّ فِي شَرحه عَن الْحَاوِي الْقُدسِي: تقبل شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي التل فِي الْحمام فِي حكم الدِّيَة لِئَلَّا يهدر الدَّم، وَمثله فِي خزانَة الْفَتَاوَى.
وَفِي خير مَطْلُوب خِلَافه قَالَ: شَهَادَة أهل السجْن بَعضهم على بعض فِيمَا يَقع بَينهم لَا تقبل، وَكَذَا شَهَادَة الصّبيان فِيمَا يَقع بَينهم فِي الملاعب، وَشَهَادَة النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجة لعدم حُضُور الْعُدُول فِي هَذِه الْمَوَاضِع، لَان الشَّارِع لما شرع طَرِيقا وَهُوَ مَنعهنَّ من الحمامات وَالصبيان عَن الملاعب والامتناع عَمَّا يسْتَحق بِهِ الْحَبْس كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه.
وَقد تقدم أَن الْمُعْتَمد جَوَاز دخولهن الحما إِذا لم يشْتَمل على مفْسدَة، وَمَعْلُوم أَنه قد يسجن من لَا مَعْصِيّة مِنْهُ كمعسر ومظلوم، وَالصبيان غير مكلفين حَتَّى يتَوَجَّه
خطاب الدّفع عَلَيْهِم.
فَمَا علل بِهِ لَا يظْهر على أَن الْمعْصِيَة لَا تنَافِي إِقَامَة الاحكام، أَلا ترى أَن فِي حانة الْخمر تجْرِي لَهُ وَعَلِيهِ الاحكام، فالاظهر مَا فِي الْحَاوِي وخزانة الْمُفْتِينَ لمسيس الْحَاجة.
قَالَ الْحَمَوِيّ فِي الْمُلْتَقط من كتاب الْمَوَارِيث: إِذا ادَّعَت امْرَأَة الْمَيِّت أَنَّهَا حُبْلَى تعرض على امْرَأَة ثِقَة أَو امْرَأتَيْنِ، فَإِن لم يُوقف على شئ من عَلَامَات الْحمل قسم مِيرَاثه، فَإِن وقف على شئ من عَلَامَات الْحمل يُوقف نصيب ابْنَيْنِ، وَنَحْوه عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد ط.

قَوْله: (ونصابها) أَي الشَّهَادَة.

قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَالُ.
مِنَحٌ.
فَشَمِلَ الْقَتْلَ خَطَأً وَالْقَتْلَ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَكَذَا تقبل فِيهِ الشَّهَادَة عَن الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي.
رَمْلِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.

قَوْله: (سَوَاء كَانَ الْحق مَالا أَو غَيره) أطلقهُ فَشَمَلَ المَال وَغَيره.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَشَمل الشَّهَادَة على قتل الْخَطَأ، وَمَا لَا يُوجب الْقصاص من قبيل الشَّهَادَة على المَال.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إِلَى آخر مَا مر.
مطلب: لَا فرق فِي الشَّهَادَة بَين الْوَصِيَّة والايصاء
قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي الايصاء إِذْ الْكَلَام فِيمَا لَيْسَ بِمَال قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَعَلَّ الْحَال لَا يفْتَرق فِي الحكم بَين الشَّهَادَة بِالْوَصِيَّةِ والايصاء اه.

قَوْله: (واستهلال صبي) هَذَا قَوْله، وَعِنْدَهُمَا يثبت بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَهُوَ الارجح كَمَا سلف.

قَوْله: (وَلَو) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِلَا وَاوٍ، وَالظَّاهِرُ حذفهَا.
تَأمل.

قَوْله: (للارث) أَي وَالْعتاق وَالنّسب عِنْده، فالمصنف جرى على مَذْهَب الامام، وَالشَّارِح فِيمَا تقدم جرى على مَذْهَبهمَا كَمَا ترى.

قَوْله: (إِلَّا فِي حوادث صبيان الْمكتب) هَذَا مُكَرر مَعَ مَا تقدم.
وَالَّذِي فِي الْمُلْتَقط عدم التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب فَيعم صبيان الحرفة، فَالظَّاهِر أَن التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب هُنَا اتفاقي.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (أَو رجل وَامْرَأَتَانِ) لقَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَمعنى الْآيَة على مَا ذكره إِن لم يشهدَا حَال كَونهمَا رجلَيْنِ فليشهد رجل وَامْرَأَتَانِ، وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لما اعْتبر شَهَادَتهنَّ مَعَ وجود الرِّجَال، وشهادتهن مُعْتَبرَة مَعَهم عِنْد الِاخْتِلَاط بِالرِّجَالِ، حَتَّى إِذا شهد رجال ونسوة بشئ يُضَاف الحكم إِلَى الْكل حَتَّى يجب الضَّمَان على الْكل عِنْد الرُّجُوع اه ط.

(7/489)


قَالَ فِي الْبَحْر: والاصل فِي شَهَادَة النِّسَاء الْقبُول لوُجُود مَا يبتني عَلَيْهِ أَهْلِيَّة الشَّهَادَة، وَهِي الْمُشَاهدَة والضبط والاداء، ونقصان الضَّبْط بِزِيَادَة النسْيَان انجبر بِضَم الاخرى إِلَيْهَا فَلم يبْق بعد ذَلِك إِلَى الشُّبْهَة، وَلِهَذَا لَا تقبل فِيمَا يندرئ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِه الْحُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ.
وحقق الاكمل فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا نُقْصَان فِي عقلهن فِيمَا هُوَ منَاط التَّكْلِيف بل فِيمَا هُوَ الْعقل بالملكة، ففيهن نُقْصَان بمشاهدة حالهن فِي تحصل البديهيات بِاسْتِعْمَال الْحَواس الجزئيات وبالنسبة إِن ثبتَتْ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ فِي ذَلِك نُقْصَان لَكَانَ تكليفهن دون تَكْلِيف الرِّجَال فِي الاركان، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: ناقصات عقل المُرَاد بِهِ الْعقل بِالْعقلِ وَلذَلِك.
لم يصلحن للولاية والخلافة والامارة اه مُلَخصا.
وَتَمَامه فِيهِ.

قَوْله: (وَلَا يفرق بَينهمَا) أَي الْمَرْأَتَيْنِ، حُكيَ أَن أم بشر شهِدت هِيَ وَأم الشَّافِعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) * (الْبَقَرَة: 282) فَسَكَتَ الْحَاكِم كَذَا فِي الْبَحْر.
قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ بعد نقل هَذِه الْحِكَايَة: وَهَذَا فرع حسن واستنباط جيد ومنزع غَرِيب، وَالْمَعْرُوف فِي مَذْهَب وَلَدهَا إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم، وكلامها صَرِيح فِي اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الَّذِي ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ اه.
وَمَا ذكره فِي الْبَحْر من الْحِكَايَة الْمَذْكُورَة لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم التَّفْرِيق فِي الشَّهَادَة للنِّسَاء إِذا ارتاب القَاضِي.
ذكره بعض الْفُضَلَاء.

قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى فَتذكر إِحْدَاهمَا الاخرى) وَلَا تذكر إِلَّا مَعَ الِاجْتِمَاع.

قَوْله: (لِئَلَّا يكثر خروجهن) أَي وَلعدم وُرُود الشَّرْع بِهِ.

قَوْله: (وخصهن) أَي خص قبُول شَهَادَتهنَّ.

قَوْله: (وتوابعها) كالاجل وَشرط الْخِيَار.
منح.
وَالدَّلِيل لكل مَذْكُور فِي المطولات.
وَالْحَاصِل: أَن أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة (1) : مَا لَا يقبل إِلَّا بِشَهَادَة أَربع، وَمَا لَا يقبل إِلَّا برجلَيْن، وَمَا يقبل فِيهِ شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة الْمَرْأَة، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن بِحكم الدِّيَة كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (وَلزِمَ) أَي شَرط، وَالشّرط هُنَا مَا لَا بُد مِنْهُ ليشْمل الرُّكْن وَالشّرط.
بَحر.

قَوْله: (من الْمَرَاتِب الاربع) هِيَ الزِّنَا وَبَقِيَّة الْحُدُود وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال، وَالرَّابِع
غَيرهَا من الْحُقُوق.
وَقيل لَا يشْتَرط فِي النِّسَاء وَهُوَ ضَعِيف، وَلَا بُد من شَرط آخر لجميعها وَهُوَ التَّفْسِير، حَتَّى لَو قَالَ أشهد مثل شَهَادَته لَا تقبل، وَلَو قَالَ مثل شَهَادَة صَاحِبي تقبل عِنْد الْعَامَّة، وَقَيده الاوزجندي بِمَا إِذا قَالَ لهَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبِه يُفْتى.
خُلَاصَة.
وَقَالَ الْحلْوانِي: إِن كَانَ فصيحا لَا يقبل مِنْهُ الاجمال، وَإِن كَانَ عجميا يقبل بِشَرْط أَن يكون بِحَال إِن استفسر بَين.
وَقَالَ السَّرخسِيّ: إِن أحس القَاضِي بخيانة كلفه التَّفْسِير، وَإِلَّا لَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَقَالَ الْحلْوانِي: لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَو وَكيله فَقَالَ الشَّاهِد أشهد بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ أَو قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَده بِغَيْر حق يَصح عندنَا اه.
وفيهَا كَتَبَ شَهَادَتَهُ فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلَّ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَو قَالَ هَذَا الْمُدَّعِي الَّذِي
__________
(1)
قَوْله: (أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة) كَذَا بالاصل والمعدود خَمْسَة وليحرر اه.
مصححه.

(7/490)


قُرِئَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِطُولِ الشَّهَادَةِ وَلِعَجْزِ الشَّاهِدِ عَنْ الْبَيَانِ اه.
مطلب: لَا تقبل الشَّهَادَة بِلَفْظ أعلم أَو أتيقن
قَوْله: (لفظ أشهد) حَتَّى لَو قَالَ أعلم أَو أتيقن لَا تقبل شَهَادَته، لَان النُّصُوص ناطقة بِلَفْظ الشَّهَادَة فَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لما فِيهَا من زِيَادَة توكيد، لانها من أَلْفَاظ الْيَمين فَيكون معنى الْيَمين ملاحظا فِيهَا، خلافًا للعراقيين فَإِنَّهُم لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الاول لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا شَرَطَ فِيهِ شَرَائِط الشَّهَادَة من الْحُرِّيَّة ومجلس الحكم وَغَيرهَا.
يعقوبية.

قَوْله: (بِلَفْظ الْمُضَارع بالاجماع) فَلَا يجوز شهِدت لاحْتِمَال الاخبار عَمَّا مضى فَلَا يكون شَاهدا للْحَال.

قَوْله: (كطهارة مَاء) أَي ونجاسته وَنَحْوه حَيْثُ يقبل إِن عدلا، أما الْفَاسِق فخبره فِي الديانَات الَّتِي لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبره: أَي الْفَاسِق، إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، مَحْمُولٌ عَلَى
الْمَسْتُورِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ.
سَيِّدي الْوَالِد من الصَّوْم، وَتَمَامه فِي حَاشِيَته.

قَوْله: (ورؤية هِلَال) أَي هِلَال رَمَضَان.

قَوْله: (فَهُوَ إِخْبَار لَا شَهَادَة) لانه أَمر ديني فَأشبه رِوَايَة الاخبار.
هِدَايَة.
وَأما فِي الْمُعَامَلَات فَيقبل الْخَبَر وَلَو من كَافِر أَو فَاسق أَو عبد أَو صبي إِن غلب على الرَّأْي صَدَقَة كَمَا فِي الْحَظْر والاباحة من الدُّرَر.

قَوْله: (وَالْعَدَالَة لوُجُوبه) أَي وجوب القَاضِي على القَاضِي.
منح.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: أحسن مَا قيل فِي تَفْسِير الْعدْل أَنه المجتنب للكبائر غير الْمصر على الصَّغَائِر، صَلَاحه وَصَوَابه أَكثر من فَسَاده وخطئه، مُسْتَعْملا للصدق، مجتنبا للكذب ديانَة ومروءة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف اه.
وَنَحْوه فِي الذَّخِيرَة.

قَوْله: (وَمِنْه) أَي مِمَّا يطعن بِهِ فِيهِ.

قَوْله: (الْكَذِب) ذكر بَعضهم أَن الْكَذِب من الصَّغَائِر إِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يصيره كَبِيرَة كَأَكْل مَال مُسلم أَو قذفه وَنَحْو ذَلِك ط.

قَوْله: (لَا لصِحَّته) أَي لصِحَّة الْقَضَاء: أَي نفاذه.
منح.
وَاعْلَم أَن صَاحب الْكَنْز تبع صَاحب الْهِدَايَة وَغَيره فِي اشْتِرَاط الْعَدَالَة كَلَفْظِ الشَّهَادَة تَسْوِيَة مِنْهُم بَينهمَا، وَلَيْسَ كَذَلِك لَان لفظ الشَّهَادَة: أَي أشهد شَرط لصِحَّة الاداء بل رُكْنه كَمَا قدمْنَاهُ.
وَأما الْعَدَالَة فَلَيْسَتْ شرطا فِي صِحَة الاداء، وَإِنَّمَا ظُهُورهَا شَرط وجوب الْقَضَاء على الْقَضَاء كَمَا قدمْنَاهُ، وَبِه صرح صدر الشَّرِيعَة وَصَاحب الْبَدَائِع وَالْبَحْر والمنح، وتبعهم الشَّارِح تبعا لما فِي الْهِدَايَة، وَأقرهُ ابْن الْهمام حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَة: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ عندنَا.
زَاد فِي فتح الْقَدِير: وَكَانَ عَاصِيا.

قَوْله: (فَلَو قضى بِشَهَادَة فَاسق نفذ) هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يحفظ.
دُرَر.
وَظَاهر قَوْله وَهُوَ مِمَّا يحفظ اعْتِمَاده.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَاسِقِ: فَإِنْ تَحَرَّى الْقَاضِي الصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ تُقْبَلُ، وَإِلَّا فَلَا اه.

قَوْله: (الامام) أَي الاعظم وَهُوَ السُّلْطَان بِأَن قَالَ لمستنيبه لَا

(7/491)


تقض بِشَهَادَة الْفَاسِق.

قَوْله: (فَلَا ينفذ) أَي الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَاسِق لمنع الامام القَاضِي عَن الْقَضَاء بِهِ.

قَوْله: (لما مر) أَي فِي كتاب الْقَضَاء.

قَوْله: (يتأقت) قِيَاس مادته يتوقت بِالْوَاو.

قَوْله: (وَقَول مُعْتَمد) وَظَاهره أَنه إِذا أطلق أوامره بِالْقضَاءِ بِهِ أَن يجوز الْقَضَاء بِهِ.
وَقد ذكرُوا أَنه لَا يجوز الْعَمَل بالْقَوْل الضَّعِيف إِلَّا للانسان فِي خَاصَّة نَفسه إِذا كَانَ لَهُ رَأْي، وَبَعْضهمْ منع الْعَمَل بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يجوز الْعَمَل
بِهِ عِنْد الاطلاق وَلَا عِنْد التَّصْرِيح، وَيُحَرر.
وَيحْتَمل أَنه رَاجع إِلَى الْقَضَاء فِي ذَاته وَإِن لم يُقيد بذلك الامام ط.
أَقُول: تحريره مَا نقل الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (الْعِقْد الْفَرِيدِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ) : مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْقَضَاءِ والافتاء دون الْعَمَل لنَفسِهِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ عَنْ الْمَرْجُوحِ حَتَّى لِنَفْسِهِ لكَون الْمَرْجُوح صَارَ مَنْسُوخًا اه.
فَلْيُحْفَظْ.
وَقَيَّدَهُ الْبِيرِيُّ بِالْعَامِّيِّ: أَيْ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ يَعْرِفُ بِهِ مَعْنَى النُّصُوصِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؟ نَعَمْ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ.
أَمَّا إذَا كَانَ عَامِّيًّا فَلَمْ أَرَهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِذِي الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ.
قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ مَعْنَى النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُخَالفا لمذهبه اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيْضِ الْبَحْرِ فِي بَحْثِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الائمة: لَو أفتى مفت بشئ من هَذِه الاقوال فِي مَوَاضِع الضَّرُورَة كَانَ حَسَنًا اه.
وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ بَعْدَ فُتُورِ الشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ ضَعِيفٌ.
وَأَجَازُوا الْعَمَلَ بِهِ لِلْمُسَافِرِ أَوْ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ الرِّيبَةَ وَذَلِكَ من مَوَاضِع الضَّرُورَة.

قَوْله: (ذِي الْمُرُوءَة) وَهِي آدَاب نفسانية تحمل على محَاسِن الاخلاق وَجَمِيل الْعَادَات، والهمزة وَتَشْديد الْوَاو فِيهِ لُغَتَانِ، وَالْمرَاد الْفَاسِق ذُو الْمُرُوءَة كمكاس.

قَوْله: (فَقَوْل الثَّانِي بَحْرٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي.

قَوْله: (فِي مُقَابلَة النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم) * (الطَّلَاق: 2) وَقَوله تَعَالَى: * (مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء) * (الْبَقَرَة: 282) أَي فَلَا يقبل، وَأقرهُ المُصَنّف.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى: * (وَأشْهدُوا) * (الطَّلَاق: 2) الْآيَة، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا، وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى
تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْد التَّبْيِين عَن حَاله كَمَا قُلْنَا.
تَأمل.

قَوْله: (وَهِي) أَي الشَّهَادَة.

قَوْله: (على حَاضر) أَي خصم حَاضر، وَالْمرَاد بِهِ جنس الْخصم ليشْمل المتداعيين.

قَوْله: (يحْتَاج الشَّاهِد) أَي فِي قبُول شَهَادَته.

قَوْله: (إِلَى الاشارة) أَي إِشَارَة الشَّاهِد.

قَوْله: (مَوَاضِع) الاولى أَشْيَاء.

قَوْله: (بِأَن لَا

(7/492)


يُشَارِكهُ فِي الْمصر غَيره) لم يشْتَرط هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
شرنبلالية.
مطلب: إِذا عرف باللقب واشتهر بِهِ لَا يلْزم ذكر أَبِيه وجده حَيْثُ لم يشْتَهر بهما
قَوْله: (فَالْمُعْتَبر التَّعْرِيف لَا تَكْثِير الْحُرُوف) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر حُصُول الْمعرفَة وارتفاع الالتباس بِأَيّ وَجه كَانَ.
وَقَالَ فِي أثْنَاء الْفَصْل السَّابِع فِي تَحْدِيد الْعقار ودعواه مَا نَصه: كَمَا لَو كَانَ الرجل مَعْرُوفا مَشْهُورا باسمه أَو بلقبه لَا بِأَبِيهِ وجده يَكْتَفِي بِذكر مَا اشْتهر بِهِ، وجهالة أَبِيه وجده لَا تضر التَّعْرِيف، بل ذكره وَعَدَمه سَوَاء لعدم معرفَة النَّاس بِهِ اه وَنَحْوه فِي نور الْعين.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَقَبِهِ) وَكَذَا بِصِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الحامدية، فِيمَن شهد أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُتِلَتْ فِي سُوقِ كَذَا يَوْم كَذَا وَقْتِ كَذَا قَتَلَهَا فُلَانٌ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ اسْمِهَا وَأَبِيهَا حَيْثُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَمْ يُشَارِكْهَا فِي ذَلِك غَيرهَا.
قَالَ فِي الاشباه: وتكفي النِّسْبَة إِلَى الزَّوْج لَان الْمَقْصُود الاعلام، وَفِي العَبْد اسْمه وَاسم مَوْلَاهُ وَأبي مَوْلَاهُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على الِاسْم إِلَّا أَن يكون مَشْهُورا.

قَوْلُهُ: (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ.

قَوْله: (وَلَا يسْأَل عَن شَاهد) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي لَا يجب على الْحَاكِم أَن يسْأَل عَن الشَّاهِد، بل يجوز لَهُ الِاقْتِصَار على ظَاهر الْعَدَالَة فِي الْمُسلم.

قَوْله: (بِلَا طعن من الْخصم) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَلَو بِالْجرْحِ الْمُجَرّد، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يسمع القَاضِي الشَّهَادَة على جرح مُجَرّد لَان عدم سماعهَا لعدم دُخُوله تَحت الحكم، وَإِلَّا فَالْخَبَر عَن فسق الشُّهُود يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا، فالطعن بِهِ مسموع مِنْهُ قبل التَّزْكِيَة، وسيظهر من مسَائِل الطعْن، وَالله تَعَالَى أعلم اه.

قَوْله: (إِلَّا فِي حد وقود) أَي فَإِنَّهُ يسْأَل عَنْهُم للاحتيال فِي إِسْقَاطهَا فيستقصى، ولان الشُّبْهَة فِيهَا دارئة.
وَالْحَاصِل: أَنه إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكُلِّ، وَإِلَّا سَأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَفِي
غَيْرِهَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ.
وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَان.
بَحر عَن الْهِدَايَة.

قَوْله: (وَعِنْدَهُمَا يسْأَل فِي الْكل) أَيْ وُجُوبًا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا كَمَا أوضحه فِي الْبَحْر: أَي فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا يبطل الحكم اه.
حموي.
قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: لَو قضى بِالْحَدِّ بِبَيِّنَة ثمَّ ظهر أَنهم فساق بعد مَا رجم فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على القَاضِي لانه لم يظْهر الْخَطَأ بِيَقِين اه.
وَهَذَا يدل على أَن القَاضِي لَو قضى فِي الْحُدُود قبل السُّؤَال بِظَاهِر الْعَدَالَة فَإِنَّهُ يَصح وَإِن كَانَ آثِما، فَقَوله فِي الْهِدَايَة: يشْتَرط الِاسْتِقْصَاء مَعْنَاهُ يجب، وَمعنى قَول الامام يقْتَصر الْحَاكِم يجوز اقْتِصَاره لَا أَنه يجب اقْتِصَاره اه.
فرع: فِي الْمُلْتَقط صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل محلته ومسجده أَنه صَالح أَو غَيره اه.

قَوْله: (إِن جهل بحالهم بَحر) وَعبارَته: وَمحل السُّؤَال على قَوْلهمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا

(7/493)


عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُم اه.

قَوْله: (سرا) بِأَن يبْعَث الرقعة وَيُقَال لَهَا المستورة لسترها عَن أعين النَّاس إِلَى الْمُزَكي، وَيكْتب فِي ذَلِك الْبيَاض نسب الشَّاهِد وحليته ومسجده الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، ثمَّ يكْتب الْمُزَكي الَّذِي بعث القَاضِي إِلَيْهِ عَدَالَته، بِأَن يكْتب: هُوَ عدل جَائِز الشَّهَادَة، وَإِن لم يعرفهُ بشئ كتب: هُوَ مَسْتُور، وَمن عرفه بفسق لم يُصَرح بِهِ بل يسكت تَحَرُّزًا عَن هتك السّتْر، أَو يكْتب الله تَعَالَى أعلم بِهِ، إِلَّا إِذا عدله غَيره وَخَافَ أَنه إِن لم يُصَرح بِهِ يقْضِي بِشَهَادَتِهِ يُصَرح بِهِ.
كَذَا فِي البناية.
وَفَائِدَة السِّرّ أَن الْمُزَكي إِذا جرح الشَّاهِد يَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي هَات شَاهدا آخر وَلَا يَقُول إِنَّه مَجْرُوح.
وَفِي هَذَا صِيَانة عَن هتك حُرْمَة الْمُسلم وصيانة حَال الْمُزَكي.
وَلَو تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل، قَالَ الْعَلامَة قَاسم: إِذا جرح وَاحِد وَعدل وَاحِد فعندهما الْجرْح أولى، لَان مَذْهَبهمَا أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل بثبت بقول وَاحِد كَمَا لَو كَانَ فِي كل جَانب اثْنَان.
مطلب: لَو جرحه وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح وَعند مُحَمَّد تتَوَقَّف الشَّهَادَة حَتَّى يجرحه وَاحِد أَو يعدله فَيثبت الْجرْح أَو التَّعْدِيل، فَإِن جرحه
وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل أولى بالاجماع، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح أولى، فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْجرْح أَنا أجئ بِقوم صالحين يعدلونهم.
قَالَ فِي الْعُيُون قبل ذَلِك: وَفِي النَّوَادِر أَنه لَا يقبل، وَهُوَ اخْتِيَار ظهير الدّين.
وعَلى قَول من يقبل إِذا جَاءَ بِقوم ثِقَة يعدلونهم فَالْقَاضِي يسْأَل الجارحين فلعلهم جرحوا بِمَا لَا يكون جرحا عِنْد القَاضِي لَا يلْتَفت إِلَى جرحهم، وَهَذَا ألطف الاقاويل، وَبِه جزم فِي الْخَانِية.
وَكَذَا لَو عدل الْمُزَكي الشُّهُود سرا وَطعن الشُّهُود عَلَيْهِ وَقَالَ القَاضِي سل عَنْهُم فلَانا وَفُلَانًا وسمى قوما يصلحون.
مطلب: لَو عدل شَاهد وَقضي وَمضى مُدَّة وَشهد فِي أُخْرَى وَلَو عدل شَاهد فِي قَضِيَّة وَقضى بِهِ ثمَّ شهد فِي أُخْرَى: إِن بَعدت الْمدَّة أُعِيد التَّعْدِيل، وَإِلَّا لَا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: القَاضِي إِذا عرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ فَسَأَلَهُ عَن صَاحبه فعدله قَالَ نصير لَا يقبل، وَلابْن سَلمَة قَولَانِ.
مطلب: إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة لعِلَّة ثمَّ زَالَت تِلْكَ الْعلَّة وَفِي الْبَزَّازِيَّة: من ردَّتْ شَهَادَته فِي حَادِثَة لَعَلَّه ثمَّ زَالَت الْعلَّة فَشهد لم تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة: الصَّبِي، وَالْعَبْد، وَالْكَافِر على الْمُسلم، والاعمى إِذا شهد وأفردت فَزَالَ الْمَانِع فَشَهِدُوا يقبل، وَقد جمعهَا الْعَلامَة الْمَقْدِسِي فِي قَوْله: إِن زَالَت الْعلَّة فِي شهاده ردَّتْ فَلَا تقبل فِي الاعاده فِي غير مَا أَرْبَعَة فِي الْعد أعمى وَكَافِر صبي عبد مطلب: يفرق بَين الْمَرْدُود بتهمة أَو لشُبْهَة وَفِي الْبَحْر: يفرق بَين الْمَرْدُود لتهمة وَبَين المرود لشُبْهَة، فَالثَّانِي يقبل عِنْد زَوَالهَا، بِخِلَاف الاول فَإِنَّهُ لَا يقبل مُطلقًا إِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِل.
وَذَلِكَ كأجير الوحد لَا تقبل شَهَادَته مَا دَامَت الاجارة قَائِمَة، فَإِذا انْقَضتْ قبلت.

قَوْله: (وعلنا) بِفَتْح اللَّام مصدر علن الامر: ظهر وانتشر.
وَفِي الْمِصْبَاح: علن الامر علونا من بَاب قعد: ظهر وانتشر فَهُوَ عالن، وعلن علنا من بَاب تَعب لُغَة، فَهُوَ علن

(7/494)


وعلين، وَالِاسْم الْعَلَانِيَة، بِأَن يجمع بَين الْمُزَكي وَالشَّاهِد الَّذِي زَكَّاهُ وَيَقُول للمزكي هَذَا هُوَ الَّذِي
زكيته.
حموي.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَو زكى من فِي السِّرّ علنا يجوز عندنَا، والخصاف شَرط تغايرهما.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَلَو قَالَ الْمُؤلف: ثمَّ علنا ليُفِيد أَنه لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَة لَكَانَ أولى، لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ حَتَّى يُزَكَّى فِي السِّرِّ اه.
وَشَمل سُؤال القَاضِي عَن الشَّاهِد الاصلي والفرعي فَيسْأَل عَن الْكل.
كَذَا عَن أبي يُوسُف.
وَعَن مُحَمَّد: يسْأَل عَن الاولين، فَإِن زكيا سَأَلَ عَن الآخرين.
كَذَا فِي الْمُلْتَقط.
تَنْبِيه: لَا تجوز التَّزْكِيَة إِلَّا أَن تعرفه أَنْت أَو وصف لَك أَو عرفت أَن القَاضِي زَكَّاهُ أَو زكى عِنْده.
وَقَالَ مُحَمَّد: كم من رجل أقبل شَهَادَته وَلَا أقبل تعديله، يَعْنِي أَن الشَّهَادَة على الظَّوَاهِر وَلَا كَذَلِك التَّعْدِيل، كَذَا فِي الْمُلْتَقط.
مطلب: يشْتَرط فِي التَّزْكِيَة شُرُوط فَيشْتَرط لجوازها شُرُوط: الاول أَن تكون الشَّهَادَة عِنْد قَاض عدل عَالم.
الثَّانِي أَن تعرفه وتختبره بشركة أَو مُعَاملَة أَو سفر.
الثَّالِث أَن تعرف أَنه ملازم للْجَمَاعَة.
الرَّابِع أَن يكون مَعْرُوفا بِصِحَّة الْمُعَامَلَة فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم.
الْخَامِس أَن يكون مُؤديا للامانة.
السَّادِس أَن يكون صَدُوق اللِّسَان.
السَّابِع اجْتِنَاب الْكَبَائِر.
الثَّامِن أَن تعلم مِنْهُ اجْتِنَاب الاصرار على الصَّغَائِر وَمَا يخل بالمروءة.
وَالْكل فِي شرح أدب الْقَضَاء للخصاب.
وَفِي النَّوَازِل: من قَالَ لَا أَدْرِي أَنا مُؤمن أَو غير مُؤمن لَا تعدله وَلَا تصل خَلفه.
مطلب: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب ثمَّ قدم وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ قدم، وَلَا يدْرِي مِنْهُ إِلَّا الصّلاح لَا يجرحه الْمعدل وَلَا يعدله.
مطلب: لَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب ثمَّ عَاد فَهُوَ على عَدَالَته وَلَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ حضر فَهُوَ على الْعَدَالَة.
والشاهدان لَو عدلا بعد مَا تابا يقْضى بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَو غابا ثمَّ عدلا، وَلَو خرسا أَو عميا لَا يقْضى.
تَابَ الْفَاسِق لَا
يعدله كَمَا تَابَ، بل لَا بُد من مُضِيّ زمَان يَقع فِي الْقلب صدقه فِي التَّوْبَة اه.
بَحر.
وَفِيه: وَشَمل إِطْلَاقه مَا إِذا كَانَ الشَّاهِد غَرِيبا، فَإِن كَانَ وَلَا يجد معدلا فَإِنَّهُ يكْتب إِلَى قَاضِي بَلَده ليخبره عَن حَاله أَو إِلَى أهل بلدته ليعرف حَاله، وَكَذَا غَرِيب نزل بَين ظهراني قوم لَا يعدله حَتَّى تبعد الْمدَّة وَيظْهر حَاله للْقَوْم.
وَكَانَ الامام الثَّانِي يَقُول: إِن الْمدَّة سِتَّة أشهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى سنة، وَمُحَمّد لم يقدره بل على مَا يَقع فِي الْقُلُوب الوثوق، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه مُلَخصا.

قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكل إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ سِرًّا وَعَلَنًا لِئَلَّا يُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ سَيَنْقُلُ أَنَّ الْفَتْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي مَتْنِهِ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَلَانِيَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ بَلْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرّ على الْعَلَانِيَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ آنِفا، فَتنبه.

(7/495)


أَقُول: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا الْآن على تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لوُرُود الامر السلطاني بذلك.

قَوْله: (لانهما كَانَا فِي الْقرن الرَّابِع) بعد تغير أَحْوَال النَّاس، فظهرت الْخِيَانَة وَالْكذب.
وَأَبُو حنيفَة كَانَ فِي الْقرن الثَّالِث وهم نَاس شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْقُرُون قَرْني الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يفشو الْكَذِب حَتَّى يحلف الرجل قبل أَن يسْتَحْلف، وَيشْهد قبل أَن يستشهد اه.
زَيْلَعِيّ.
وَهَذَا بِنَاء على أَن الْقرن خَمْسُونَ سنة كَمَا نَقله الاخضري فِي شرح السّلم اه.
ح.
وَقَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ: يُطلق الْقرن على مُدَّة من الزَّمَان.
وَاخْتلفُوا فِي تحديدها من عشرَة أَعْوَام إِلَى مائَة وَعشْرين، لَكِن لم أر من صرح بالسبعين وَلَا بِمِائَة وَعشرَة، وَمَا عدا ذَلِك فقد قَالَ بِهِ قَائِل اه.
مطلب: تَارِيخ وَفَاة أَئِمَّتنَا الثَّلَاثَة وَذكروا أَن الامام مَاتَ سنة 150 مائَة وَخمسين، وَأَبُو يُوسُف سنة 182 مائَة واثنتين وَثَمَانِينَ،
وَمُحَمّد سنة 187 مائَة وَسبع وَثَمَانِينَ.
فَإِن قلت: هلا قَالَ الشَّارِح فِي الْقرن الثَّالِث عوضا عَن قَوْله فِي الْقرن الرَّابِع لانهم أدركوا أَبَا حنيفَة وَهُوَ من التَّابِعين الَّذين هم أهل الْقرن الثَّانِي، كَمَا أَن الصَّحَابَة هم أهل الْقرن الاول؟ فيجاب: إِن الَّذين كَانُوا يتحاكمون إِلَى الصاحبين هم أهل الْقرن الرَّابِع وهم مَا بعد أَتبَاع التَّابِعين.

قَوْله: (سراجية) عبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: أَو الْفَتْوَى على أَنه يسْأَل فِي السِّرّ.
وَقد تركت التَّزْكِيَة فِي الْعَلَانِيَة فِي زَمَاننَا كي لَا يخدع الْمُزَكي أَو يخوف اه.
وَقد كَانَت الْعَلَانِيَة وَحدهَا فِي الصَّدْر الاول.
ويروى عَن مُحَمَّد تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة بلَاء وفتنة اه.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وتزكية السِّرّ أحدثها شُرَيْح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمرَات وَغَيره.
وَيشكل مَا فِي الِاخْتِيَار أَنه يسْأَل سرا وَعَلَانِيَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه.
قلت: يُمكن إرجاعه إِلَى قَوْله يسْأَل: أَي لَا يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة، فَهُوَ تَرْجِيح لقولهما.
تَأمل.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.

قَوْله: (لثُبُوت الْحُرِّيَّة بِالدَّار دُرَر) وَنَحْوه فِي الْهِدَايَة، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بقول هُوَ عَدْلٌ، لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَة عدل غير جَائِز الشَّهَادَة، وَكَذَا الاب إِذا شهد لِابْنِهِ فَلَا بُد من زِيَادَة جَائِز الشَّهَادَة كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَيَنْبَغِي تَرْجِيحه اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: يَنْبَغِي أَن يعدل قطعا وَلَا يَقُول هم عِنْدِي عدُول لاخبار الثِّقَات بِهِ، وَلَو قَالَ لَا أعلم مِنْهُم إِلَّا خيرا فَهُوَ تَعْدِيل فِي الاصح.

قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ، إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَا يَخْفَى.
فَلْيُتَأَمَّلْ.
يَعْقُوبِيَّةٌ.
لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَدُورِيّ.

قَوْله: (فَهُوَ) أَي لفظ عدل بعبارته: أَي بمنطوقه فِيهِ أَنه لَا يكون كَذَلِك إِلَّا إِذا كَانَت الْحُرِّيَّة تفهم منطوقا من الْعدْل، وَلَا يُطلق على العَبْد عدل مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك ط.

قَوْله: (بعبارته) أَي

(7/496)


بمنطوقه وَهُوَ مَا سيق الْكَلَام لَهُ.

قَوْله: (وبدلالته) هُوَ الحكم الَّذِي يُسَاوِي الْمَنْطُوق لَكِن لم يسق النَّص إِلَيْهِ، وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا يكون عدلا وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلذَا اخْتَار السَّرخسِيّ عدم
الِاكْتِفَاء بقوله هُوَ عدل كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا.
وَقد جعل الْحلَبِي مرجع الضَّمِير فِي
قَوْله: (فَهُوَ بعبارته) إِلَى الْأَصْلُ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة الْمُسَمّى بِدلَالَة النَّص، فَإِنَّهُ بمنطوقه جَوَاب عَن النَّقْض بِالْعَبدِ الْوَارِد على قَول الْمُزَكي هُوَ عدل فَقَط، وبدلالته الَّذِي هُوَ مَفْهُوم الْمُوَافقَة جَوَاب عَن النَّقْص بالمحدود فِي الْقَذْف الْوَارِد على عبارَة الْمُزَكي السَّابِقَة، وَإِنَّمَا دلّ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ أَيْضًا فَهُوَ مُسَاوٍ اه.

قَوْلُهُ: (وَالتَّعْدِيلُ) أَيْ التَّزْكِيَةُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَصْمِ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي بالاولى كتعديل الشَّاهِد نَفسه، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَاذَا عَدَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الدَّعْوَى لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَقْتَ التَّعْدِيلِ وَكَانَ الْفِسْقُ الطَّارِئُ عَلَى الْمُعَدَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالْمُقَارِنِ.
بَحْرٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَصح) أَي لم يَصح مزكيا، لَان فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاذِبٌ فِي الانكار ومبطل فِي الاصرار، وَتَزْكِيَةَ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ، هَذَا عِنْدَ الامام رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا: يَصح إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخر إِلَيْهِ.
دُرَر.
وَمفَاده أَنه لَو كَانَ مقرا يَصح.
قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِذا كَانَ ساكتا غير جَاحد للحق فَقَالَ هم عدُول يقبل بالِاتِّفَاقِ، فَإِن جحد وَقَالَ هم عدُول لَكِن أخطؤوا أَو نسوا فَفِي صِحَة التَّعْدِيل ووايتان اه.
وَهَذَا مَوْضُوع الْمَسْأَلَة.
وَفِي شرح أدب الْقَضَاء للصدر الشَّهِيد أَن يكون مقرا بقوله صدقُوا فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ، وَبِقَوْلِهِ هم عدُول فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ أطلقهُ وَقَيده.
فِي الْبَزَّازِيَّة: بِمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يرجع إِلَيْهِ فِي التَّعْدِيل، فَإِن كَانَ صَحَّ قَوْله.
مطلب: جرح الشَّاهِد نَفسه مَقْبُول قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما جرح الشَّاهِد نَفسه فمقبول لكنه يَأْثَم بذلك حَيْثُ كَانَ صَادِقا فِي شَهَادَته لما فِيهِ من إبِْطَال حق الْمُدَّعِي.
مطلب: تَعْدِيل أحد الشَّاهِدين صَاحبه وتعديل أحد الشَّاهِدين صَاحبه
فِيهِ اخْتِلَاف.
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة: شَاهِدَانِ شهد الرجل وَالْقَاضِي يعرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الآخر فعدله الَّذِي عرفه القَاضِي بِالْعَدَالَةِ.
قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يقبل القَاضِي تعديله.
وَلابْن سَلمَة فِيهِ قَولَانِ: وَعَن أبي بكر الْبَلْخِي فِي ثَلَاثَة شهدُوا وَالْقَاضِي يعرف اثْنَيْنِ مِنْهُم بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الثَّالِث فَإِن القَاضِي يقبل تعديلهما لَو شهد هَذَا الثَّالِث شَهَادَة

(7/497)


أُخْرَى، وَلَا يقبل تعديلهما فِي الشَّهَادَة الاولى وَهُوَ كَمَا قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (وَلَا تنس مَا مر عَنْ الْأَشْبَاهِ) أَيْ قُبَيْلَ التَّحْكِيمِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ لَا تُكَلِّفْ قُضَاتَك إلَى أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك إِن خالفوك أَو سخط الْخَالِق إِذا وافقوك اه ح.
وَأَقُول: وَعبارَة الْبَحْر بعد مَا ذكر عبارَة القلانسي من أَن مُخْتَار ابْن أبي ليلى استحلاف الشُّهُود.
قَالَ قلت: وَلَا يُضعفهُ مَا فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة كالخلاصية وَالْبَزَّازِيَّة من أَنه لَا يَمِين على الشَّاهِد لانه عِنْد ظُهُور عَدَالَته وَالْكَلَام عِنْد خفائها، خُصُوصا فِي زَمَاننَا أَن الشَّاهِد مَجْهُول الْحَال، وَكَذَا الْمُزَكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول، لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد مَا ذكر مَا فِي التَّهْذِيب للقلانسي: لَا يخفى أَنه مُخَالف لما فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة.
وَلَا يُقَال: يجب الْعَمَل بِهِ لَان الشَّاهِد مَجْهُول كالمزكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول.
لانا نقُول: الامر كَذَلِك، لَكِن قَالَ الْفَقِيه: لَو استقصى مثل ذَلِك لضاق الامر وَلَا يُوجد مُؤمن بِغَيْر عيب كَمَا قيل: وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه أَقُول: لَكِن صدر الامر السلطاني أَنه إِذا ألح الْخصم على القَاضِي بِأَن يحلف الشُّهُود قبل الحكم لتقوية الشَّهَادَة وَرَأى الْحَاكِم لُزُوم ذَلِك فَلهُ إجَابَته كَمَا فِي مَادَّة 1727 من الْمجلة.
لَطِيفَة فِي الْمُلْتَقط عَن غَسَّان بن مُحَمَّد الْمروزِي قَالَ: قدمت الْكُوفَة قَاضِيا فَوجدت فِيهَا مائَة وَعشْرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إِلَى سِتَّة ثمَّ أسقطت أَرْبَعَة، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك استعفيت واعتزلت.
تَنْبِيه: قَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد حفيد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَهُوَ من جملَة الائمة.
أَخذ عَن أبي يُوسُف وزاحمه فِي الْعلم، وَلَو عمر لفاق الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، لكنه مَاتَ شَابًّا رَحمَه الله تَعَالَى: أَرْبَعَة من الشُّهُود لَا أسأَل عَنْهُم.
شَاهد غَرِيب: وَهُوَ أَن يجْتَمع الْخُصُوم بِبَاب القَاضِي وَمِنْهُم شخص يَدعِي الغربة والعزم على السّفر وفوت الرفاق بِالتَّأْخِيرِ وَطلب تَقْدِيمه لذَلِك: أَي بِلَا قرعَة كَمَا فِي الْبَحْر، فَلَا يقبل إِلَّا بِشَاهِدين على ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى تزكيتهما لتحَقّق الْفَوات بطول الْمدَّة بالتزكية.
الثَّانِيَة: الْعَدْوى، وَهِي مَا لَو سمى شخصا بَينه وَبَين الْمصر أَكثر من يَوْم وَله عَلَيْهِ دَعْوَى لَا يُرْسل القَاضِي خَلفه حَتَّى يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَا يشْتَرط تعديلها.
وَنقل عَن مُحَمَّد أَنه اشْترط تَعْدِيل هذَيْن لما فِيهِ من الالزام على الْغَيْر، وكل مَا كَانَ كَذَلِك سَبيله التَّعْدِيل، وَإِلَيْهِ مَال الْحلْوانِي وَقَالَ: إِنَّه روى عَن الامام.
الثَّالِثَة: شَاهد رد الطينة، وَهُوَ مَا لَو ادّعى على شخص لَيْسَ بحاضر مَعَه بِحَق وَذكر أَنه امْتنع من الْحُضُور مَعَه أعطَاهُ القَاضِي طِينَة أَو خَاتمًا وَقَالَ أره إِيَّاه وادعه إِلَيّ وَأشْهد عَلَيْهِ، فَإِن أرَاهُ ذَلِك وَقَالَ لَا أحضر وَشهد عِنْد القَاضِي بذلك مستوران لَا يسْأَل عَنْهُمَا.
قَالُوا: وَفِيمَا نقل عَن مُحَمَّد إِشَارَة إِلَى تعديلهما حَيْثُ قيد بِمَا فِيهِ إِلْزَام على الْغَيْر.
وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: إِن عدم التَّعْدِيل أنظر للنَّاس وَبِه نَأْخُذ لخوف اختفاء الْخصم مَخَافَة الْعقُوبَة، فَإِذا شَهدا كتب إِلَى الْوَالِي فِي إِحْضَاره.

(7/498)


الرَّابِعَة: شَاهد تَعْدِيل الْعَلَانِيَة لَا يشْتَرط تزكيته ظَاهرا بعد يؤال القَاضِي عَن الشُّهُود الْمَطْلُوب تعديلهم فِي السِّرّ مِمَّن يَثِق بِهِ من أمنائه وَأخْبرهُ بِعَدَالَتِهِمْ، وَلَا بُد من الْمُغَايرَة بَين شُهُود السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَإِنَّمَا لم تشْتَرط عدالتهم لانها للِاحْتِيَاط إِجَابَة للْمُدَّعِي إِلَى مَا طلب اه.
ذكر الْعَلامَة عبد الْبر فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة، وَمثله فِي شرحها لمصنفها.
وَذكر فِي الْبَحْر أَن ذَلِك فِي شَهَادَة الْعَلَانِيَة مَحْمُول على أَن مزكيها مَعْرُوف الْعَدَالَة لنقل الاجماع على أَن تزكيه الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ، أَو هُوَ مَحْمُول عَن مَا إِذا تقدّمت التَّزْكِيَة سرا، وَلَئِن كَانَ مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبر عَن الامام إِسْمَاعِيل مرَادا فَهُوَ ضَعِيف لنقل الاجماع
على أَن تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ اه.

قَوْله: (بِمَا سمع) أَي إِن كَانَ من المسموعات، وَقَوله: أَو رأى أَي إِن كَانَ من المرئيات، وَقد يكون الشئ مسموعا ومرئيا باعتبارين، وَأَشَارَ بقوله: بِمَا سمع إِلَى أَنه لَا بُد من علم الشَّاهِد بِمَا يشْهد بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّوَازِل عَن رجل ادّعى على وَرَثَة ميت مَالا فالامر بِإِثْبَات ذَلِك فأحضر شَاهِدين شَهدا أَن الْمُتَوفَّى قد أَخذ من هَذَا الْمُدَّعِي منديلا فِيهِ دَرَاهِم وَلم يعلمَا كم وَزنهَا هَل تجوز شَهَادَتهمَا، وَهل يجوز للشاهدين أَن يشهدَا بذلك؟ قَالَ: إِن كَانَ الشُّهُود وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرزوها فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك، وَيَنْبَغِي أَن يعتبروا جودتها فَإِنَّهَا قد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه.
وَفِي خزانَة الاكمل: رجل فِي يَده دِرْهَمَانِ كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ فَإِنَّهُ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه.

قَوْله: (فِي مثل البيع) إِن عقداه بِإِيجَاب وَقبُول كَانَ من المسموعات، وَإِن بتعاط كَانَ من المرئيات: وَفِيهِ يَشْهَدُونَ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ.
بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لانه عاين السَّبَب فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَة كَمَا عَايَنَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهر، وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لانه بيع حكمي لَا حَقِيقِيّ اه.
فِي الْبَحْر عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ حَضَرَ بَيْعًا ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ لِلْمُشْتَرِي، يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاء وَلَا يشْهد لَهُ بِالْملكِ الْمُطلق، لَان الْملك الْمُطلق ملك من الاصل وَالْملك بِالشِّرَاءِ حَادث اه.
وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَمَا سَنذكرُهُ فِي بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (والاقرار) هُوَ بِاللِّسَانِ من المسموعات بِأَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَى كَذَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالْكِتَابَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا مُلَخَّصُهُ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَدَّرًا مَرْسُومًا، وَإِنْ لِغَائِبٍ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَلامَة لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ.
وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لم يكن الْغَائِبِ.
وَإِنْ كَتَبَ
وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ مُطْلَقًا أَوْ قَرَأَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْكَاتِبُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ أَو كتبه عِنْدهم وَقَالَ: اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ وَعَلمُوا بِهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، لَكِنْ جزم بِهِ فِي الْفَتْح وَغَيره، وَأفْتى بِهِ الشَّيْخ سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، إِذا كَانَ على رسم الصكوك واعترف بِأَنَّهُ خطه أَو شهدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَقد شاهدوا كِتَابَته وَعرفُوا مَا كتبه أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِم.
هَذَا حَاصِل مَا أجَاب بِهِ فِي

(7/499)


موضِعين من فَتَاوَاهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِك.

قَوْله: (وَحكم الْحَاكِم) يكون من المسموع إِن كَانَ بالْقَوْل، وَيكون من المرئيات إِن كَانَ فعلا.

قَوْله: (وَالْغَصْب وَالْقَتْل) من المرئيات.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ بدله وَلَو قَالَ: لَا تشهد عَليّ لَكَانَ أَفْوَدَ، لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ اه.
فَيُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا سَكَتَ بِالْأَوْلَى.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ: وَإِذَا سَكَتَ يَشْهَدُ بِمَا علم، وَلَا يَقُول: أشهدني لانه كذب.
وَفِي النَّوَازِل: سُئِلَ مُحَمَّد بن مقَاتل عَن شَرِيكَيْنِ يتحاسبان وَعِنْدَهُمَا قوم فَقَالَا: لَا تشهدوا علينا بِمَا تسمعونه منا ثمَّ أقرّ أَحدهمَا لصَاحبه بشرَاء أَو بَاعَ شَيْئا فَطلب الْمقر لَهُ بعد ذَلِك مِنْهُم الشَّهَادَة، قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا بذلك، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن سِيرِين.
وَأما الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن بن زِيَاد فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: لَا يشْهدُونَ بِهِ.
قَالَ الْفَقِيه: وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا وَبِه نَأْخُذ اه ثمَّ قَالَ بعده: قَالَ الْفَقِيه: إِن كَانَ يخَاف على نَفسه أَنه إِذا أقرّ بشئ صدق وَادّعى أَن شَرِيكه قبض لَا يصدقهُ يَقُول للمتوسط: اجْعَل كَأَن هَذَا المَال على غَيْرِي وَأَنا أعبر عَنهُ ثمَّ يَقُول: قبض كَذَا وَكَذَا فيبين الْجَمِيع من غير أَن يضيف إِلَى نَفسه كي لَا يصير حجَّة عَلَيْهِ اه.

قَوْله: (وَلَو مختفيا يرى وَجه الْمقر ويفهمه) وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا يحل لَهُم الشَّهَادَة إِلَّا إِذا دخل بَيْتا فَرَأى رجلا فِيهِ وَحده فَخرج وَجلسَ على بَابه وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَك غَيره فَسمع إِقْرَاره من الْبَاب من غير رُؤْيَة وَجهه حل لَهُ أَن يشْهد بِمَا أقرّ.
كَذَا ذكره الْخصاف.
وَفِي الْعُيُون: رجل خبأ قوما لرجل ثمَّ سَأَلَهُ عَن شئ فَأقر وهم يسمعُونَ كَلَامه ويرونه وَهُوَ لَا يراهم جَازَت شَهَادَتهم، وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا تحل لَهُم الشَّهَادَة اه.
بَحر.

قَوْله: (لَكِن لَو
فسر) بِأَن قَالَ: إِنِّي شَاهد على المحتجب.

قَوْله: (لَا تقبل) إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة جَوَاز الشَّهَادَة الْقبُول عِنْد التَّفْسِير، فَإِن الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ تقبل فِي بعض الْحَوَادِث، لَكِن إِذا صرح لَا تقبل ط.

قَوْله: (أَو يرى شَخْصَهَا) فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا اه.
بَحر مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ.
وَاحْتَرَزَ بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا عَنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً، إذْ يُمْكِنُ الشَّاهِدَ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُود إِلَى شَهَادَة عَدْلَيْنِ بنسبها.
وَقَالَ قبله: لَو أخبر الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن هَذِه المقرة فُلَانَة بنت فلَان يَكْفِي هَذَا للشَّهَادَة على الِاسْم وَالنّسب عِنْدهمَا، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، أَلا ترى أَنَّهُمَا لَو شَهدا عِنْد القَاضِي يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَضَاء فَوق الشَّهَادَة فَتجوز الشَّهَادَة بإخبارهما بِالطَّرِيقِ الاولى، فَإِن عرفهَا باسمهما ونسبها عَدْلَانِ يَنْبَغِي للعدلين أَن يشْهد الْفَرْع على شَهَادَتهمَا فَيشْهد عِنْد القَاضِي عَلَيْهَا بِالِاسْمِ وَالنّسب وبالحق أَصَالَة اه.
وَفِيه: وَلَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَيْهِمَا بِإِخْبَار الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما لعلهما تسميا وانتسبا باسم غَيرهمَا وَنسبه يُريدَان أَن يزورا على الشُّهُود ليخرجا الْمَبِيع من يَد مَالِكه، فَلَو اعْتمد على قَوْلهمَا نفذ تزويرهما وَبَطل أَمْلَاك النَّاس.

(7/500)


مطلب: مَا يغْفل النَّاس عَنهُ كثيرا من الشَّهَادَة على الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما بأخبارهما وَهَذَا فصل غفل عَنهُ كثير من النَّاس، فَإِنَّهُمَا يسمعُونَ لفظ الشِّرَاء وَالْبيع والاقرار والتقابض من رجلَيْنِ لَا يعرفونهما، ثمَّ إِذا اسْتشْهدُوا بعد موت صَاحب البيع شهدُوا على ذَلِك الِاسْم وَالنّسب وَلَا علم لَهُم بذلك، فَيجب أَن يحْتَرز عَن مثل ذَلِك.
وَطَرِيق علم الشُّهُود بِالنّسَبِ أَن يشْهد عِنْدهم جمَاعَة لَا يتصرر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا: شَهَادَة رجلَيْنِ كَاف كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق.
أَقُول: يحصل للْقَاضِي الْعلم بِالنّسَبِ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَن يحصل للشُّهُود أَيْضا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلهمَا اه.
وَقيد بِرُؤْيَة الشَّخْص لانه لَا يشْتَرط رُؤْيَة الْوَجْه لصِحَّة الشَّهَادَة على المنتقبة كَمَا قَالَ بِهِ بعض مَشَايِخنَا عِنْد التَّعْرِيف.
شرنبلالية وَإِلَى هَذَا مَال خُوَاهَر زَاده.
وَبَعْضهمْ قَالَ: لَا يَصح التَّحَمُّل عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، ذكره سري الدّين.
قَالَ أَبُو السُّعُود: فَتحصل مِنْهُ أَن الْفَتْوَى على عدم اشْتِرَاط رُؤْيَة وَجه الْمَرْأَة.
أَقُول: وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله عِنْد عدم مَعْرفَته لَهَا، أما إِذا عرفهَا فَيشْهد عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، وَلَكِن هَذَا ظَاهر إِذا رأى وَجههَا ثمَّ تنقبت فَشهد على إِقْرَارهَا مثلا فِي حَال تنقبها فَهَذَا لَا شكّ أَنه لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف من غَيره، إِذْ تَعْرِيف غَيره حِينَئِذٍ لَا يزِيد على مَعْرفَته.
وَأما إِذا كَانَت متنقبة وَكَانَ يعرفهَا قبل فعرفها بصوتها وهيئتها وَلم ير وَجههَا وَقت التنقب أَو الاقرار فَهَل يَكْفِي ذَلِك؟ ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا يَكْفِي.
فَفِي الْعمادِيَّة قَالُوا: لَا يَصح التَّحَمُّل بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا: وَبِه يُفْتِي شمس الاسلام الاوزجندي وظهير الدّين المرغيناني اه، وَلم يفصل بَين مَا إِذا عرفهَا بصوتها أَو لَا.
وَفِي البيري على الاشباه: لَا يجوز أَن يشْهد على من سَمعه من وَرَاء حَائِط أَو من فَوق الْبَيْت وَهُوَ لَا يرَاهُ وَإِن عرف كَلَامه، لَان الْكَلَام يشبه بعضه بَعْضًا كَمَا فِي التاترخانية.
وَفِي منية الْمُفْتِي: أقرَّت من وَرَاء حجاب لَا يجوز أَن يشْهد على إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا رأى شخصها، وَلم يشْتَرط فِي النَّوَادِر رُؤْيَة وَجههَا انْتهى.
وَانْظُر كَلَام الْفَتْح فَإِنَّهُ يُفِيد ذَلِك أَيْضا.

قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) مُقَابِله مَا تقدم قَرِيبا من أَنه لَا بُد من شَهَادَة جمَاعَة.
ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ ابْن لمُحَمد بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا؟ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ.
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوكَ يَقُولَانِ: يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، لانه أيسر على النَّاس انْتهى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا كَمَا احْتَاجَا لِلِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ يَحْتَاجَانِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَةَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ هَذِهِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا.
سَائِحَانِيٌّ بِزِيَادَةٍ من الْبَحْر وَغَيره.

قَوْله: (لَان عِنْد الاداء) كَذَا وَقع فِي الْمنح، وَفِيه حذف اسْم إِن وَهُوَ ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا.
قَوْله:

(7/501)


(فَيَضُرُّهُ) أَيْ يَضُرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بُغْضُهُ لِلْفَقِيهِ.

قَوْله: (ظَاهِرَة) معنى دَالَّة فعداه بعلى.

قَوْله: (على أَنَّهُمَا كخط كَاتب وَاحِد) لفظ على معنى فِي أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره تدل، والاولى حذف الْكَاف من كخط كَمَا هُوَ فِي الْمنح، وَهُوَ كَذَلِك فِي بعض النّسخ.

قَوْله: (لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لكنه لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب، فَكَذَا هُنَا.
منح.

قَوْله: (خَانِية) عبارتها من الشَّهَادَات: رجل كتب صك وَصِيَّة وَقَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ وَلم يقْرَأ وَصيته عَلَيْهِم.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: وسعهم أَن يشْهدُوا، وَالصَّحِيح أَنه لَا يسعهم، وَإِنَّمَا يحل لَهُم أَن يشْهدُوا بِأحد معَان ثَلَاثَة: إِمَّا أَن يقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِم وَكتبه غَيره، أَو قرئَ الْكتاب عَلَيْهِ بَين يَدي الشُّهُود فَيَقُول هُوَ لَهُم اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ، أَو يكْتب هُوَ بَين يَدي الشَّاهِد وَيعلم بِمَا فِيهِ وَيَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ: هَذَا إِن لم يكن الْكتاب مَكْتُوبًا على الرسوم، فَإِن كَانَ مَكْتُوبًا على الرَّسْم وَكتب بَين يَدي الشُّهُود وَالشَّاهِد يعلم مَا فِي الْكتاب وَسعه أَن يشْهد، وَإِن لم يقل لَهُ اشْهَدْ عَليّ بِمَا فِيهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَادِر اه.
وَتَمَامه فِيهَا.

قَوْله: (وَاعْتَمدهُ فِي الاشباه) قَالَ فِي أَحْكَام الْكِتَابَة: مِنْهَا: وَذكر القَاضِي ادّعى عَلَيْهِ مَال وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا المَال فَأنْكر أَن يكون خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ فَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة دَالَّة على أَنَّهُمَا خطّ كات وَاحِدٍ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب.
كَذَا هُنَا.

قَوْله: (لَكِن فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة الخ) هَذَا قَول القَاضِي النَّسَفِيّ، والعامة على خِلَافه كَمَا فِي الْبَحْر، وَنَصه: قَالَ القَاضِي النَّسَفِيّ: إِن كتب مصدرا مرسوما وَعلم الشَّاهِد حل لَهُ الشَّهَادَة على إِقْرَاره كَمَا لَو أقرّ كَذَلِك وَإِن لم يقل اشْهَدْ عَليّ بِهِ، وعَلى هَذَا إِذا كتب للْغَائِب على وَجه الرسَالَة، أما بعد ذَلِك فلك عَليّ كَذَا يكون إِقْرَارا لَان الْكتاب من الْغَائِب كالخطاب من الْحَاضِر فَيكون متكلما، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ
لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ للتجربة اه.

قَوْله: (وفتاوى قَارِئ الْهِدَايَة وعبارتها) سُئِلَ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ وَرَقَةً بِخَطِّهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ كَذَا ثُمَّ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَجَحَدَ الْمَبْلَغَ وَاعْتَرَفَ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.
أجَاب إِذا كتب على رَسُول الصُّكُوكِ يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ يَقُولُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ: إنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ يُلْزَمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ اه.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ نَحْوَهُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ عَلَى الرَّسْمِ الْمُتَعَارَفِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَيَسَعُ مَنْ شَاهَدَ كِتَابَتَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ إذَا جَحَدَهُ إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا كِتَابَتَهُ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ اه.

(7/502)


وَحَاصِلُ الْجَوَابَيْنِ: أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا عَايَنُوا كِتَابَته أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَنْوَنًا.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ.
نَعَمْ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا الْمَالُ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ، كَذَا هُنَا.
وَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا، لَكِنْ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي النَّسَفِيِّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة.

قَوْله: (فراجع ذَلِك) أَرَادَ بذلك أَن يبين أَن الْمَسْأَلَة الَّتِي أفتى بهَا قَارِئ الْهِدَايَة غير مَسْأَلَة قاضيخان، فَإِن مَا فِي قاضيخان هُوَ الَّذِي ذكره المُصَنّف كَمَا وقفت عَلَيْهِ.
وَالَّذِي أفتى بِهِ قَارِئ الْهِدَايَة هُوَ مَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة والملتقط كَمَا علمت.
أَقُول: وَالْحَاصِل أَنه اضْطربَ كَلَامهم فِي مَسْأَلَة الْعَمَل بالخط، وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على اخْتِلَاف الرِّوَايَة أَو أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّعْبِير بِلَفْظ قَالُوا كَمَا قدمْنَاهُ، وَالَّذِي قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر يُفِيد أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعلم بالخط، وَأَشَارَ الْعَلامَة البيري إِلَى أَن قَوْلهم لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ إلَخْ يسْتَثْنى مِنْهُ مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم، وَيُشِير إِلَيْهِ مَا قَالَه فِي الاسعاف من أَن ذَلِك اسْتِحْسَان، وَاسْتثنى أَيْضا فِي الاشباه تبعا لما فِي قاضيخان وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا خطّ السمسار والبياع والصراف، وَجزم بِهِ فِي
الْبَحْر وَكَذَا فِي الْوَهْبَانِيَّة، وحققه ابْن الشّحْنَة وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي شرحها، وَأفْتى بِهِ المُصَنّف وَنسبه الْعَلامَة البيري إِلَى غَالب الْكتب، قَالَ: حَتَّى الْمُجْتَبى حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا خَطُّ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِن لم يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس وَكَذَلِكَ مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْعُرْفِ اه.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: صَرَّافٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَخَطُّهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ غَرِيمٌ يَطْلُبُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَعَرَضَ خَطَّ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ عَرَفَ النَّاسُ خَطَّهُ حُكِمَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ حُجَّةً اه مَا قَالَه البيري.
ثمَّ قَالَ بعده، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ: وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْبَيَّاعُ: وَجَدْتُ فِي يار كاري (1) أَي دفتر بخطي أَو كتبت يار كاري بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إِقْرَارا ملزما إِيَّاه.
قلت: وَيُزَادُ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِمُوجب الْعرف لَا بِمُجَرَّد الْخط، وَالله تَعَالَى أعلم، وَأقرهُ الشَّارِح فِي بَاب كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَة كتاب الامان، وَيلْحق بِهِ البراءات ودفتر بياع وصراف وسمسارا الخ.
مطلب فِي الْعَمَل بالدفاتر السُّلْطَانِيَّة وَكتب سَيِّدي نقلا عَن الْمُحَقِّقُ هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الاشباه مَا نَصه: تَنْبِيه: مثل البراءات السُّلْطَانِيَّة الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السُّلْطَانِيَّة فَإِنَّهُ يعْمل بِهِ، وللشارح رِسَالَة فِي ذَلِك *
__________
(1)
قَوْله: (ياركاري) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة آخِره رَاء مركب: مَعْنَاهُ الْمُذكر، وَهُوَ هُنَا الدفتر.
وَفِي بعض الاياركار.
وَفِي بعض فِي تَذَاكر الباعة اه.
مِنْهُ.

(7/503)


حاصلها بعد أَن نقل ماهنا من أَنه يعْمل بِكِتَاب الامان.
وَنقل جزم ابْن الشّحْنَة وَابْن وهبان بِالْعَمَلِ بدفتر الصراف والبياع والسمسار لِعِلَّةِ أَمْنِ التَّزْوِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ والسرخسي وقاضيخان، وَأَن هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْلَى كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ أَهَالِيِهَا حِينَ نَقْلِهَا، إذْ لَا تَحَرُّرَ أَوَّلًا إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَسَاهُلٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ تُعْرَضُ عَلَى
الْمُعَيَّنِ لِذَلِكَ فَيَضَعُ خَطَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَى الْمُتَوَلِّي لِحِفْظِهَا الْمُسَمَّى بِدَفْتَرٍ أَمِينِيٍّ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعَادُ أُصُولُهَا إلَى أَمْكِنَتِهَا الْمَحْفُوظَةِ بِالْخَتْمِ، فَالْأَمْنُ مِنْ التَّزْوِيرِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلِمُ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّوْلَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا، فَلْيُحْفَظْ اه.
فَالْحَاصِل أَن للدَّار على انْتِفَاء الشُّبْهَة ظَاهرا، وَعَلِيهِ فَمَا يُوجد فِي دفاتر التُّجَّار فِي زَمَاننَا إِذا مَاتَ أحدهم وَقد حرر بِخَطِّهِ مَا عَلَيْهِ فِي دفتره الَّذِي يقرب من الْيَقِين أَنه لَا يكْتب فِيهِ على سَبِيل التجربة والهزل يعْمل بِهِ وَالْعرْف جَار بَينهم بذلك، فَلَو لم يعْمل بِهِ لزم ضيَاع أَمْوَال النَّاس إِذْ غَالب بياعاتهم بِلَا شُهُود، فلهذه الضَّرُورَة جزم بِهِ الْجَمَاعَة المذكورون وأئمة بَلخ كَمَا نَقله فِي الْبَزَّازِيَّة، وَكفى بالامام السَّرخسِيّ وقاضيخان قدوة، وَقد علمت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة أَنه لَا يعْمل بالخط، فَلَا يرد مَا مر من أَنه تحل الشَّهَادَة بالخط على مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة، وَيدل عَلَيْهِ تَعْلِيلهم بِأَن الْكِتَابَة قد تكون للجربة، فَإِن هَذِه الْعلَّة فِي مَسْأَلَتنَا منتفية، وَاحْتِمَال أَن التَّاجِر يُمكن أَن يكون قد دفع المَال وَأبقى الْكِتَابَة فِي دفتره بعيد جدا، على أَن ذَلِك: الِاحْتِمَال مَوْجُود، وَلَو كَانَ بِالْمَالِ شُهُود فَإِنَّهُ يحْتَمل أَنه قد أوفى المَال وَلم يعد بِهِ الشُّهُود.
ثمَّ لَا يخفى أَنا حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَمَلِ بِمَا فِي الدفتر فَذَاك فِيمَا عَلَيْهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ عَن خزانَة الاكمل وَغَيرهَا.
أما فِيمَا لَهُ على النَّاس فَلَا يَنْبَغِي القَوْل بِهِ، فَلَو ادّعى بِمَال على آخر مُسْتَندا لدفتر نَفسه لَا يقبل لقُوَّة التُّهْمَة الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد مُلَخصا.
وَتَمَامه فِيهِ.
وَانْظُر مَا قدمه فِي كتاب القَاضِي.

قَوْله: (وَلَا يشْهد على شَهَادَة غَيره) وَلَو سَمعه يشْهد غَيره فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ أَن يشْهد لانه حمل غَيره ط.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الشَّاهِدُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو قَالَ الْمُؤلف كَمَا فِي الْهِدَايَة مَا لم يشْهد عَلَيْهَا لَكَانَ أولى من قَوْله عَلَيْهِ لما فِي الخزانة: لَو قَالَ اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا أَو أشهد على مَا شهِدت بِهِ كَانَ بَاطِلا وَلَا بُد أَن يَقُول اشْهَدْ على شهادتي إِلَى آخِره اه.

قَوْله: (فَلَو فِيهِ جَازَ) لانها حِينَئِذٍ ملزمة وَالتَّعْلِيل يُفِيد أَن القَاضِي قضى بهَا.
حموي، لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَالظَّاهِر أَن المُرَاد من كَونهَا ملزمة: أَي للْقَاضِي الحكم بهَا، إِذْ لَا يجوز لَهُ تَأْخِير الحكم إِلَّا فِي مَوَاضِع تقدّمت فِي الْقَضَاء كَمَا صرح بِهِ فِي النِّهَايَة وَفتح الْقَدِير وتبعهم الشَّارِح.
أَقُول: وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيل من قَضَاء القَاضِي بهَا بِالْفِعْلِ.

قَوْله: (وَيُخَالِفهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لم يسع لَهُ أَن يشْهد على شَهَادَته اه ح.
فَإِن حمل ذَلِك على أَنه قبل الْقَضَاء بِهِ ارْتَفَعت الْمُنَافَاة ط.
أَقُول: وَهُوَ مؤيد لما قُلْنَاهُ آنِفا فِي القولة الَّتِي قبل هَذِه.

قَوْله: (وَقَوْلهمْ) عطف على تَصْوِيره:

(7/504)


أَي وَيُخَالِفهُ قَوْلهم وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ الْإِطْلَاقُ وَعَدَمُ تَقْيِيدِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إِذا كَانَت عِنْد غير القَاضِي.

قَوْله: (لَا بُد من التحميل) مصدر فعل المضعف فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ح.

قَوْلُهُ: (وَقَبُولِ التَّحْمِيلِ) فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أقبل فَإِنَّهُ لَا يصير شَاهدا، حَتَّى لَو شهد بعد ذَلِك لَا تقبل كَمَا فِي الْقنية، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يبطل بِالرَّدِّ لَان من حمل غير شَهَادَة لم تبطل بِالرَّدِّ.
بَحر.

قَوْله: (على الاظهر) وَهُوَ قَول الْعَامَّة، لما فِي الْخُلَاصَة معزيا إِلَى الْجَامِع الْكَبِير: لَو حضر الاصيلان ونهيا الْفُرُوع عَن الشَّهَادَة، صَحَّ النَّهْي عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يَصح، والاول أظهر اه.
بَحر.
قَالَ ط: وَجه الْمُخَالفَة أَن الاولين لم يوجدا، لَان الشَّاهِد عِنْد القَاضِي لم يحمل السَّامع وَالسَّامِع لم يقبل.
وَقد يُقَال: إِن هَذَا بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة بالحكم نَفسه لكَونهَا بعد الْقَضَاء بهَا.
وَيُقَال فِي الثَّانِي أَيْضا: إِن اشْتِرَاطه قَول مُحَمَّد لَا قَوْلهمَا، فَلْيتَأَمَّل اه.

قَوْله: (وَإِن لم يشهدهما القَاضِي عَلَيْهِ) أَي فَتحمل عبارَة النِّهَايَة السَّابِقَة على أَنه سَمعه فِي مجْلِس القَاضِي وَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَيشْهد بِحكم القَاضِي إِلَّا بِشَهَادَة الشَّاهِد، لَان الشَّهَادَة على الحكم لَا تحْتَاج إِلَى الاشهاد وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة تحْتَاج إِلَيْهِ بِلَا قيد، كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لَا يَسعهُ أَن يشْهد على شَهَادَته.
أَفَادَهُ د.

قَوْله: (وَقَيده أَبُو يُوسُف الخ) فِيهِ تَأمل، فَإِن القَاضِي لَا يجوز لَهُ قَضَاء فِي غير مجْلِس قَضَائِهِ إِذا كَانَ معينا لَهُ، فَلَو كَانَ هَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا سمعا القَاضِي يشْهد على قَضَائِهِ لَكَانَ أظهر.
وَفِي حَاشِيَة الشلبي عَن الكاكي: لَو سمع قَاضِيا يشْهد قوما على قَضَائِهِ كَانَ للسامع أَن يشْهد
على قَضَائِهِ بِغَيْر أمره، لَان قَضَاء القَاضِي حجَّة ملزمة، وَمن عاين حجَّة حل لَهُ الشَّهَادَة بهَا، كَمَا لَو عاين الاقرار وَالْبيع اه.
لَكِن قد سبق أَن القَاضِي إِذا حكم فِي غير نوبَة الْقَضَاء وَأَجَازَهُ فِيهَا صَحَّ فَتدبر ط.

قَوْله: (كفى عدل وَاحِد) قيد بِالْعَدْلِ لَان خبر المستور لَا يقبل فِي هَذِه الاشياء وَإِن كَانَ اثْنَيْنِ، وَكَذَا الديانَات كطهارة المَاء ونجاسته وَحل الطَّعَام وحرمته.
وَيقبل خبر الْعدْل أَو المستورين فِي عز الْوَكِيل وَحجر الْمَأْذُون وإخبار الْبكر بإنكاح وَليهَا وإخبار الشَّفِيع بِالْبيعِ وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر.

قَوْله: (فِي اثْنَي عشر مَسْأَلَة) (1) مِنْهَا الاحد عشر الْآتِيَة فِي النّظم قَالَ فِيهَا: وزدت أُخْرَى: يقبل قَول أَمِين القَاضِي إِذا أخبرهُ شَهَادَة شُهُودٍ عَلَى عَيْنٍ تَعَذَّرَ حُضُورُهَا كَمَا فِي دَعْوَى الْقنية.
أشباه.

قَوْله: (مِنْهَا إِخْبَار القَاضِي) من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله: أَي إِخْبَار الْعدْل القَاضِي، والاولى حذفه للاستغناء عَنهُ بِمَا نَقله من النّظم، وَمَعْنَاهُ أَن القَاضِي إِذا حبس شخصا فِي مَال عوض عَن مَال وَقد ادّعى أَنه مُعسر فَإِنَّهُ لَا يصدقهُ ويحبسه مُدَّة يَرَاهَا، فَإِذا أخبرهُ عدل بعد هَذِه الْمدَّة بإفلاسه فَإِنَّهُ يقبل خَبره ويطلقه ط.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْمُدَّةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ حَبَسَهُ الْقَاضِي مُدَّةً يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَقَضَى دَيْنَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ على
__________
(1)
قَوْله: (فِي إثني عشر مَسْأَلَة) كَذَا فِي الشَّرْح وَتَبعهُ الطَّحْطَاوِيّ، وَالصَّوَاب اثْنَتَيْ عشرَة مَسْأَلَة اه.
مصححه.

(7/505)


ذل الْحَبْس كَمَا تقدم.
مدنِي.

قَوْله: (أَي تَزْكِيَة السِّرّ) عِنْدهمَا: ورتب مُحَمَّد تزكيته على مَرَاتِب الشَّهَادَة الاربعة الْمُتَقَدّمَة، فالمزكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد.
شرنبلالية: أَي يشْتَرط فِي تَزْكِيَة الزِّنَا أَرْبَعَة ذُكُور، وَفِي غَيره من الْحُدُود وَالْقصاص رجلَانِ، وَفِي غَيرهمَا من الْحُقُوق رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، وَفِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال امْرَأَة وَاحِدَة ترتيبها على تَرْتِيب الشَّهَادَة لانها كَالشَّهَادَةِ، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة.
وَمحل الِاخْتِلَاف مَا إِذا لم يرض الْخصم بتزكية وَاحِد، فَإِن رَضِي الْخصم بتزكية وَاحِد فزكى جَازَ إِجْمَاعًا.
بَحر عَن الْوَلوالجِيَّة.

قَوْله: (وَأما تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة فَشَهَادَةٌ إجْمَاعًا) الْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَة فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهَا جمع مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا لَفْظَ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَه الْخصاف اه.
وَيشْتَرط فِي الْمُزَكي عَلَانيَة عدم الْعَدَاوَة
للْمُدَّعى عَلَيْهِ، فَلَو زكى أَعدَاء الْمُدعى عَلَيْهِ الشُّهُود لَا تصح التَّزْكِيَة لانها شَهَادَة كَمَا صرح بِهِ فِي التَّنْقِيح.
وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ بِحَدِّ الزِّنَا، فَلَا بُدَّ فِي الْمُزَكِّي فِيهَا من أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَالْعدَد والاربعة إجْمَاعًا، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ لَهَا اه.
قَالَ الدمياطي: أما قَوْله إِجْمَاعًا فَفِيهِ تَأمل، لانه لم يسْبقهُ خلاف يُقَابل بِهِ الاجماع.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يخْتَار فِي مزكي الشُّهُود من هُوَ أخبر بأحوال النَّاس وَأَكْثَرهم اختلاطا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَته عَارِفًا بِمَا يكون جرحا وَمَا لَا يكون غير طماع وَلَا فَقير كي لَا يخدع بِالْمَالِ، فَإِن لم يكن فِي جِيرَانه وَلَا أهل سوقه من يَثِق بِهِ اعْتبر تَوَاتر الاخبار، وَخص فِي الْبَزَّازِيَّة السُّؤَال من الاصدقاء اه.

قَوْله: (وترجمة الشَّاهِد) فَيشْتَرط أَن لَا يكون المترجم أعمى عِنْد الامام، وَهَذَا إِذا لم يعرف القَاضِي لغته، فَإِن كَانَ عَارِفًا بِلِسَان الشَّاهِد والخصم لم يجز تَرْجَمَة الْوَاحِد.
والاولى أَن يُقَال: لَا يحْتَاج القَاضِي إِلَى تَرْجَمَة.
وَذكر بَعضهم أَن الاولى كَون القَاضِي عَارِفًا باللغة التركية، واتخاذ المترجم وَقع فِي الْجَاهِلِيَّة والاسلام.
وَلما جَاءَ سلمَان للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ.
وَآله ترْجم يَهُودِيّ كَلَامه فخان فِيهِ، فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِحَدِيث طَوِيل، وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله زيد بن ثَابت أَن يتَعَلَّم العبرانية فَكَانَ يترجم بهَا وَفِي الْمِصْبَاح: ترْجم فلَان كَلَامه: إِذا بَينه وأوضحه، وَترْجم كَلَام غَيره: إِذا عبر عَنهُ بلغَة غير لُغَة الْمُتَكَلّم، وَاسم الْفَاعِل ترجمان بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم فِي الفصيح، وَقد تضم التَّاء تبعا للجيم وَقد تفتح الْجِيم تبعا للتاء، وَالْجمع تراجم بِكَسْر الْجِيم.
والتزكية: الْمَدْح.
قَالَ فِي الصِّحَاح: زكى نَفسه تَزْكِيَة: مدحها اه.

قَوْله: (والخصم) هُوَ أَعم من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ.

قَوْله: (من القَاضِي) وَكَذَا من الْمُزَكي إِلَى القَاضِي كَمَا فِي الْفَتْح: أَي فَيَكْفِي الْعدْل الْوَاحِد للتزكية والترجمة والرسالة لانها خبر وَلَيْسَت بِشَهَادَة حَقِيقَة، وَلذَا جوزوا تَزْكِيَة العَبْد وَالْمَرْأَة والاعمى والمحدود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ، وَكَذَا تَزْكِيَة من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كتزكية أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وتزكية الْوَالِد لوَلَده وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ وَصدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (وَجَاز تَزْكِيَة عبد) أَي لمَوْلَاهُ.

قَوْله: (ووالد) لوَلَده وَعَكسه وَأحد الزوجي للْآخر.

قَوْله: (فِي تقوم) أَي تقوم الصَّيْد الَّذِي أتْلفه الْمحرم، وَكَذَا فِي متْلف، بِأَن كسر شخص لشخص شَيْئا

(7/506)


فَادّعى أَن قِيمَته مبلغ كَذَا فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يكون ذَلِك الْقدر فَيَكْفِي فِي إِثْبَات قِيمَته قَول االعدل الْوَاحِد.
وَذكر فِي الْبَزَّازِيَّة من خِيَار الْعَيْب أَنه يحْتَاج إِلَى تَقْوِيم عَدْلَيْنِ لمعْرِفَة النُّقْصَان فَيحْتَاج إِلَى الْفرق بَين التقويمين، وَيسْتَثْنى من كَلَامه تَقْوِيم نِصَاب السّرقَة فَلَا بُد فِيهِ من اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَة ط.

قَوْله: (وَأرش يقدر أَي فِي نَحْو الشجاج.

قَوْله: (وَالسّلم) بِسُكُون اللَّام للضَّرُورَة بِمَعْنى الْمُسلم فِيهِ ح: أَي إِذا اخْتلفَا فِيهِ بعد إِحْضَاره.
بَحر.

قَوْله: (وإفلاسه) أَي إِذا أخبر القَاضِي عدل بإفلاس الْمَحْبُوس بعد مُضِيّ الْمدَّة أطلقهُ مكتفيا بِهِ.
حموي.

قَوْله: (الارسال) أَي رَسُول القَاضِي للمزكي.

قَوْله: (وَالْعَيْب يظْهر) أَي إِذا اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي إِثْبَات الْعَيْب يَكْتَفِي فِي إثْبَاته بقول عدل، وَيظْهر من الاظهار (1) ضَمِيره إِلَى الْعدْل، وَالْعَيْب مفعول مقدم.

قَوْله: (وَصَوْم عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنه يقبل الْعدْل الْوَاحِد فِي الصَّوْم بِلَا عِلّة.

قَوْله: (أَو عِنْد عِلّة) من غيم أَو غُبَار وَنَحْوه على ظَاهر الْمَذْهَب.

قَوْله: (وَمَوْت) أَي موت الْغَائِب.

قَوْله: (إِذْ للشاهدين يُخْبَرُ) أَيْ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَوته.

قَوْله: (والتزكية للذِّمِّيّ الخ) وَهل يَكْفِي فِيهِ تَزْكِيَة الْكَافِر الْوَاحِد، يحرر.
حموي.
أَقُول: مُقْتَضى مَا مر فِي تَزْكِيَة السّير أَنَّهَا تقبل لَان الْمُزَكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد، وَحَيْثُ قبل الاصل فالمزكي مثله من بَاب أولى على مَا ظهر لي، فَتَأَمّله.

قَوْله: (بالامانة فِي دينه) بِأَن يكون محافظ على مَا يَعْتَقِدهُ شَرِيعَة على مَا هُوَ الظَّاهِر ط.

قَوْله: (وَلسَانه) بِأَن لم يعْهَد عَلَيْهِ كذب.

قَوْله: (وَيَده) لَعَلَّ المُرَاد بهَا الْمُعَامَلَة، أَو أَن لَا يكون سَارِقا ط.

قَوْله: (وَأَنه صَاحب يقظة) أَي لَيْسَ بمغفل وَلَا معتوه.

قَوْله: (سَأَلُوا عَنهُ عدُول الْمُشْركين) قَالَ أَبُو السُّعُود: من هُنَا يعلم أَن الْعَدَالَة لَا تَسْتَلْزِم الاسلام اه: أَي فِي حق الْكَافِر، والاولى أَن يَقُول: سَأَلَ: أَي القَاضِي.
وَفِي الْبَحْر: يسْأَل: أَي القَاضِي عَن شُهُود الذِّمَّة عدُول الْمُسلمين وَإِلَّا سَأَلَ عَنْهُم عدُول الْكفَّار، كَذَا فِي الْمُحِيط وَالِاخْتِيَار.

قَوْله: (عدل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول.

قَوْله: (قبلت شَهَادَته) وَلَا يحْتَاج إِلَى تَعْدِيل جَدِيد بِعْ الاسلام، بِخِلَاف الصَّبِي الَّذِي احْتَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يقبل القَاضِي شَهَادَته مَا لم يسْأَل عَنهُ أهل محلته، ويتأنى بِقدر مَا يَقع فِي قُلُوب أهل مَسْجِد، كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قدمْنَاهُ عَن
الْبَحْر والظهيرية.

قَوْله: (وَلَو سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل) لَان السكر من الْمُحرمَات الَّتِي ذكرت فِي الانجيل فَيكون بذلك فَاسِقًا فِي دينه.

قَوْله: (وَلَا يشْهد من رأى خطه
__________
(1) أَي من بَاب اافعال مزِيد الثلاثي بِهَمْزَة اه.
مِنْهُ.

(7/507)


إِلَخ) أَي لَا يحل للشَّاهِد إِذا رأى خطه أَن يشْهد حَتَّى يتَذَكَّر، وَكَذَا القَاضِي إِذا وجد فِي ديوانه مَكْتُوبًا شَهَادَة شُهُود وَلَا يتَذَكَّر وَلَا للراوي أَن يروي اعْتِمَادًا على مَا فِي كِتَابه مَا لم يتَذَكَّر، وَهُوَ قَول الامام، فَلَا بُد عِنْده للشَّاهِد من تذكر الْحَادِثَة والتاريخ ومبلغ المَال وَصفته، حَتَّى إِذا لم يتَذَكَّر شَيْئا مِنْهُ وتيقن أَنه خطه وخاتمه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْهد، وَإِن شهد فَهُوَ شَاهد زور.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَا يَكْفِي تذكر مجْلِس الشَّهَادَة.
وَفِي الْمُلْتَقط وعَلى الشَّاهِد أَن يشْهد وَإِن لم يعرف مَكَان الشَّهَادَة ووقتها اه.
وَجوز مُحَمَّد للْكُلّ الِاعْتِمَاد على الْكتاب إِذا تَيَقّن أَنه خطه وَإِن لم يتَذَكَّر توسعة على النَّاس.
وَجوزهُ أَبُو يُوسُف للراوي وَالْقَاضِي دون الشَّاهِد.
وَفِي الْخُلَاصَة: أَن أَبَا حنيفَة ضيق فِي الْكل حَتَّى قلت رِوَايَته الاخبار مَعَ كَثْرَة سَمَاعه، فَإِنَّهُ روى أَنه سمع من ألف ومائتي رجل غير أَنه يشْتَرط الْحِفْظ وَقت السماع وَفِي وَقت الرِّوَايَة اه.
وَمحل الْخلاف فِي القَاضِي إِذا وجد قَضَاءَهُ مَكْتُوبًا عِنْده: وَأَجْمعُوا أَن القَاضِي لَا يعْمل بِمَا يجده فِي ديوَان قَاض آخر وَإِن كَانَ مَخْتُومًا.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَقَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: يَنْبَغِي أَن يُفْتِي بقول مُحَمَّد، وَهَكَذَا فِي الاجناس، وَجزم فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَفِي المبتغى: من وجد خطه وعرفه وَنسي الشَّهَادَة وَسعه أَن يشْهد إِذا كَانَ فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ اه.
وَعَزاهُ فِي الْبَزَّازِيَّة إِلَى النَّوَازِل.
بَحر.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد نَاقِلا عَن الْجَوْهَرَة من أَن عدم حل الشَّهَادَة إِذا رأى خطه وَلم يتَذَكَّر الْحَادِثَة هُوَ قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ، لِأَنَّ مَا فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ
الْعِلْمُ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَزْدَوِيِّ: الصَّغِيرُ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنه خطه وَعلم أَنه لم يرد فِيهِ شئ بِأَن كَانَ مخبوءا عِنْده أَو علم بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ، فَعِنْدَهُمَا: لَا يَسَعُهُ أَن يشْهد وَعَن أَبِي يُوسُفَ: يَسَعُهُ.
وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ: قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيح اهـ مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
ثمَّ إِن الشَّاهِد إِذا اعْتمد على خطه على القَوْل الْمُفْتى بِهِ وَشهد وَقُلْنَا بقبوله فللقاضي أَن يسْأَله هَل شهد عَن علم أَو عَن خطّ إِن قَالَ عَن علم قبله، وَإِن قَالَ عَن الْخط لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَظَاهر كَلَام الْمُؤلف كمسكين أَن الصاحبين متفقان، وَقد علمت مَا قدمْنَاهُ، وَنَحْوه فِي الْعَيْنِيّ والزيلعي.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَيُمكن دفع التَّنَافِي بِأَن عَن الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ.

قَوْله: (وجوازه لَو فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ) تقدم فِي كِتَابِ الْقَاضِي عَنْ الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ، لَان التَّغَيُّر نَادِرٌ وَأَثَرَهُ يَظْهَرُ، فَرَاجِعْهُ.
وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ مَا ذكره الشَّيْخ وَذكر لَهُ حِكَايَة تؤيده.

قَوْله: (بِمَا لم يعاينه) أَي بِمَا لم يقطع بِهِ جِهَة المعاينة بِالْعينِ أَو بِالسَّمَاعِ.
ط عَن الْكَمَال.
وَمِثَال الثَّانِي الْعُقُود.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي عَشْرَةٍ) كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا آخِرُهَا قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَده شئ الخ ح.

(7/508)


قلت: بل الْعَاشِر قَوْله وشرائطه وَفِي الطَّبَقَاتِ السَّنِيَّةِ لِلتَّمِيمِيِّ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ نَظْمِهِ: افْهَمْ مَسَائِلَ سِتَّةً واشهد بهامن غَيْرِ رُؤْيَاهَا وَغَيْرِ وُقُوفِ نَسَبٌ وَمَوْتٌ وَالْوِلَادُ وناكح وَولَايَة القَاضِي وأصل وقُوف
قَوْله: (مِنْهَا الْعتْق) ذكر السَّرخسِيّ أَن الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي الْعتْق لَا تقبل بالاجماع.
وَذكر شَيْخه الْحلْوانِي أَن الْخلاف ثَابت فِيهِ.
فَعَن أبي يُوسُف الْجَوَاز، فَالْمُعْتَمَد عدم الْقبُول فِيهِ كَالَّذي بعده.
وَفِي الْبَحْر: شَرط الْخصاف للقبول فِي الْعتْق عِنْد أبي يُوسُف أَن يكون مَشْهُورا وللعتق أَبَوَانِ أَو ثَلَاثَة فِي الاسلام وَلم يَشْتَرِطه مُحَمَّد فِي الْمَبْسُوط.
وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر: التَّاسِعَة: الشَّهَادَة فِي
الْعتْق.
قَالُوا: لَا يحل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ، ثمَّ نقل عَن الْحلْوانِي مَا تقدم.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه: وَالْعَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة.
وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى.
وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة: وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْط.
وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيْسَ بِشَرْط خُلَاصَة: أَي لانها شَهَادَة بحريّة أمة فَهِيَ شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج.
وَتَمَامه فِيهِ.

قَوْله: (وَالْوَلَاء عِنْد الثَّانِي) أَي فِي القَوْل الاخير لَهُ، وَالْقَوْل الاول لَهُ كالامام أَنَّهَا لَا تحل مَا لم يعاين إِعْتَاق الْمولى، وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَالظَّاهِر أَن الْمُعْتَمد قَول الامام لعدم تَصْحِيح قَول الثَّانِي.
على أَن بَعضهم جعل ذَلِك رِوَايَة عَنهُ لَا مذهبا، وَالدَّلِيل للامام كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ أَن الْعتْق يَنْبَنِي على زَوَال الْملك وَلَا بُد فِيهِ من المعاينة، فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ط.

قَوْله: (وَالْمهْر على الاصح) أَي من رِوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد لانه من تَوَابِع النِّكَاح فَكَانَ كَأَصْلِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمن ذَلِك الْمهْر، فَظَاهر التَّقْيِيد أَنه لَا تقبل فِيهِ بِهِ، وَلَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة والظهيرية والخزانة أَن فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، والاصح الْجَوَاز اه.
وَمثله فِي الْخُلَاصَة والشرنبلالية، فَإِن حمل مَا فِي هَذِه الْكتب على أَن الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد فَلَا مُنَافَاة.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْخَارِجِينَ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فِي بَيْتِ عقد النِّكَاح بِأَن الْمهْر كَذَا تقبل لَا مِمَّن سمع من غَيرهم اه.

قَوْله: (وَالنّسب) سَوَاء جَازَ بَينهمَا النِّكَاح أَو لَا.
بَحر.
فَجَاز أَن يشْهد أَنه فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ من سمع من جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد الامام وَإِن لم يعاين الْولادَة.
وَعِنْدَهُمَا: إِذا أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ يَكْفِي، وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْعمادِيَّة.
وَفِي التاترخانية: عَن الْمُحِيط: وَإِذا قدم عَلَيْهِ رجل من بلد آخر وانتسب إِلَيْهِ وَأقَام مَعَه دهرا لم يَسعهُ أَن يشْهد على نسبه حَتَّى يشْهد لَهُ رجلَانِ من أهل بَلَده عَدْلَانِ أَو يكون النّسَب مَشْهُورا.
وَذكر الْخصاف هَذِه الْمَسْأَلَة وَشرط لجَوَاز الشَّهَادَة شرطين: أَن يشْتَهر الْخَبَر.
وَالثَّانِي أَن يمْكث فيهم سنة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَقع معرفَة ذَلِك فِي قُلُوبهم، وَذَلِكَ بِأَن يُقيم مَعَهم سنة، وَإِن وَقع فِي قلبه معرفَة ذَلِك قبل مُضِيّ السّنة لَا يجوز أَن يشْهد.
روى عَن أبي يُوسُف أَنه قدر ذَلِك بِسِتَّة أشهر.
وَالصَّحِيح أَنه إِذا سمع من أهل بَلَده من رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ حل لَهُ أَدَاء
الشَّهَادَة، وَإِلَّا فَلَا، أما إِذا سمع ذَلِك مِمَّن سمع من الْمُدَّعِي لَا يحل لَهُ أَن يشْهد وَإِن اشْتهر ذَلِك فِيمَا بَين النَّاس، لكنه إِن شهد عِنْده جمَاعَة حَتَّى تقع الشُّهْرَة حَقِيقَة وَعرف وَوَقع عِنْده أَنه ثَابت النّسَب من

(7/509)


فلَان أَو شهد عِنْده عَدْلَانِ حَتَّى ثَبت الاشتهار شرعا حل لَهُ أَن يشْهد اه.
وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: وَفِي دَعْوَى العمومة لَا بُد أَن يُفَسر أَن عَمه لامه أَو لابيه أَو لَهما، وَيشْتَرط أَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، فَإِن برهن على ذَلِك أَو على أَنه أَخُو الْمَيِّت لابويه لَا يعلمُونَ أَن لَهُ وَارِثا غَيره يحكم لَهُ بِالْمَالِ، وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية، (1) إِلَى أَن قَالَ: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابيه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن يقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى لَو حضر الاب وَأنكر لَا تقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة، لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب، وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على الاب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ، وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْحَاضِر وَالْغَائِب جَمِيعًا، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى على رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو على امْرَأَة أَنَّهَا زَوجته أَو ادَّعَت عَلَيْهِ أَنه زَوجهَا أَو ادّعى العَبْد على عَرَبِيّ أَنه مَوْلَاهُ عتاقة أَو ادّعى عَرَبِيّ على آخر أَنه مُعْتقه أَو ادَّعَت على رجل أَنَّهَا أمته أَو كَانَ الدَّعْوَى فِي وَلَاء الْمُوَالَاة وَأنْكرهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فبرهن الْمُدَّعِي على مَا قَالَ يقبل ادّعى بِهِ حَقًا أَو لَا، بِخِلَاف دَعْوَى الاخوة لانه دَعْوَى الْغَيْر، أَلا ترى أَنه لَو أقرّ أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو زوجه أَو زَوجته صَحَّ أَو بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا لكَونه حمل النّسَب على الْغَيْر.
وَتَمَامه فِيهَا.
وَحَاصِل مَا ينفعنا هُنَا: أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال إِلَّا فِي الاب وَالِابْن اه.
وَأَرَادَ بِدَعْوَى المَال النَّفَقَة أَو الارث أَو دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَنَحْوهَا.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضَاء بِالنّسَبِ مِمَّا لَا يقبل النَّقْض لكَونه على الكافة كَالنِّكَاحِ وَالْحريَّة وَالْوَلَاء كَمَا فِي الصُّغْرَى، وَقد كتبنَا فِي الْفَوَائِد أَن الْقَضَاء عى الكافة فِي هَذِه الاربعة، لَكِن
يسْتَثْنى من النّسَب مَا فِي الْمُحِيط من بَاب الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: شَهدا أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَهَذَا ابْن أَخِيه ووارثه قضى بِالنّسَبِ والارث ثمَّ أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَنه ابْن الْمَيِّت ووارثه ينْقض الاول وَيَقْضِي للثَّانِي، لَان الابْن مقدم على ابْن الاخ.
وَلَا تنَافِي بَين الاول وَالثَّانِي لجَوَاز أَن يكون لَهُ ابْن وَابْن أَخ فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب (2) حَتَّى يبْقى الاول وَابْن عَم لَهُ حَتَّى يَرث مِنْهُ إِذا مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا آخر أقرب مِنْهُ، فَإِن أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَن الْمَيِّت فلَان بن فلَان وَنسبه إِلَى أَب آخر غير الاب الَّذِي نسبه إِلَى الاول فَإِنَّهُ ينظر، إِن ادّعى ابْن أَخِيه لَا ينْقض الْقَضَاء الاول لانه لما أثبت نَفسه من الاول خرج عَن أَن يكون محلا لاثباته فِي إِنْسَان آخر، وَلَيْسَ فِي الْبَيِّنَة الثَّانِيَة زِيَادَة إِثْبَات إِلَى آخر مَا ذكره.
وَالْمرَاد بقوله من يَثِق بِهِ غير الْخصم، إِذْ لَو أخبرهُ رجل أَنه فلَان بن فلَان لَا يَسعهُ أَن يعْتَمد على
__________
(1)
قَوْله: (وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَفِي آخر الْفَصْل الثَّانِي من جَامع القصولين فِي دَعْوَى الحكم بِلَا تَسْمِيَة القاضى بعد كَلَام قدمه: فالحلصل أَنه فِي دَعْوَى للْفِعْل وَالشَّهَادَة على الْفِعْل هَل تشرط تَسْمِيَة الْفَاعِل فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى وأدلة الْكتب فِيهَا متعرضة ثمَّ ذكر مسَائِل وَقَالَ: وَهَذِه الْمسَائِل كلهَا تدل على أَن تَسْمِيَة الْفَاعِل لَيست بِشَرْط لصِحَّة الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى اه.
مِنْهُ.
(2)
قَوْله: (فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب) هَذَا منَاف لقَوْله لَكِن يسْتَثْنى من النّسَب إِلَخ اه.
مِنْهُ و

(7/510)


خَبره وَيشْهد بِنَفسِهِ، لانه لَو جَازَ لَهُ ذَلِك جَازَ للْقَاضِي الْقَضَاء بقوله.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
وَشرط فِيهَا للقبول فِي النّسَب أَن يُخبرهُ عَدْلَانِ من غير استشهاد الرجل، فَإِن أَقَامَ الرجل شَاهِدين عِنْده على نسبه لَا يَسعهُ أَن يشْهد اه.

قَوْله: (وَالْمَوْت) فَإِذا سمع من النَّاس أَن فلَانا مَاتَ وَسعه أَن يشْهد على ذَلِك وَإِن لم يعاين الْمَوْت، وللزوجة أَن تعْمل بِالسَّمَاعِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ رجل لامْرَأَة: سَمِعت أَن زَوجك مَاتَ لَهَا أَن تتَزَوَّج إِن كَانَ الْمخبر عدلا اه.
وَلَو شهد رجل بِالْمَوْتِ وَآخر بِالْحَيَاةِ فالمرأة تَأْخُذ بقول من كَانَ عدلا مِنْهُمَا، سَوَاء كَانَ الْعدْل أخبر بِالْحَيَاةِ أَو الْمَوْت، وَلَو كَانَ كِلَاهُمَا عَدْلَيْنِ تَأْخُذ بقول من يخبر بِالْمَوْتِ إِن لم يؤرخا، فَإِن أرخا وَتَأَخر تَارِيخ شَهَادَة الْحَيَاة فَهِيَ أولى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهَا.
وَفِي الْمُحِيط: لَو جَاءَ خبر موت إِنْسَان فصنعوا لَهُ مَا يصنع على الْمَيِّت لم يَسعهُ أَن يخبر بِمَوْتِهِ حَتَّى يُخبرهُ ثِقَة أَنه عاين مَوته، لَان المصائب قد تتقدم على الْمَوْت إِمَّا خطأ أَو غَلطا أَو حِيلَة لقسمة المَال اه.
وَلَو قَالَ الْمخبر إِنَّا دفناه وَشَهِدْنَا جنَازَته تقبل لانها تكون شَهَادَة على الْمَوْت، لَكِن قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّانِي عشر: لَو أخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا مَاتَ أَو طَلقهَا ثَلَاثًا فلهَا التَّزَوُّج، وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت.
وَفِي إِخْبَار العَبْد بِمَوْتِهِ إِنَّمَا يعْتَمد على خَبره لَو قَالَ عاينته مَيتا أَو شهِدت جنَازَته لَا لَو قَالَ أَخْبرنِي مخبر بِهِ اه.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو أخبر وَاحِد بِمَوْت الْغَائِب وَاثْنَانِ بحياته، وَإِن كَانَ الْمخبر عاين الْمَوْت أَو شهد جنَازَته وَعدل لَهَا أَن تتَزَوَّج، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا وَكَانَ تَارِيخ الْمَوْت آخرا، وَإِن كَانَ تَارِيخ الْحَيَاة آخرا فشاهد الْحَيَاة أولى.
وَفِي وَصَايَا عِصَام: شَهدا بِأَن زَوجهَا فلَانا مَاتَ أَو قتل وَآخر على الْحَيَاة فالموت أولى اه.
قَالَ فِي الْبَحْر.
وَظَاهر إِطْلَاقه فِي الْمَوْت أَنه لَا فرق فِي الْمَوْت بَين أَن يكون مَشْهُورا أَو لَا، وَقَيده فِي الْمِعْرَاج معزيا إِلَى رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ بِأَن يكون عَالما أَو من الْعمَّال.
أما إِذا كَانَ تَاجِرًا أَو مثله فَإِنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بالمعاينة اه.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَلَا نظفر بِهَذِهِ الرِّوَايَة فِي شئ من الْكتب فِي غير فَتَاوَاهُ اه.
وَمثله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ ط: فَكَأَنَّهُ لم يسلم لَهُ هَذَا الْقَيْد لانه لم يسْتَند إِلَى نَص اه.
فَتَأمل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّنْقِيح عازيا لصور الْمسَائِل: وَالنّسب وَالنِّكَاح يُخَالف الْمَوْت، فَإِنَّهُ لَو أخبرهُ بِالْمَوْتِ رجل أَو امْرَأَة حل لَهُ أَن يشْهد، وَفِي غَيره لَا بُد من إِخْبَار عَدْلَيْنِ.
وَأما فِي الْمَوْت فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْعدْل وَلَو أُنْثَى، هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا أَن يكون الْمخبر مِنْهُمَا كوارث وموصى لَهُ، كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة شرح الْمُلْتَقى للعلائي من الشَّهَادَة: شهد أَنه شهد: أَي حضر دفن زيد أَو صلى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَاينَة، حَتَّى لَو فسر للْقَاضِي يقبله إِذْ لَا يدْفن إِلَّا الْمَيِّت وَلَا يُصَلِّي إِلَّا عَلَيْهِ دُرَر آخر الشَّهَادَات اه.
وَالْقَتْل كالموت فيترتب عَلَيْهِ أَحْكَامه من جَوَاز اعْتِدَاد الْمَرْأَة إِذا أخْبرت بقتْله كموته للتزوج كَمَا نبه عَلَيْهِ العلامتان صَاحب الْبَحْر والمقدسي لَا من جِهَة ترَتّب الْقصاص.

قَوْله: (وَالنِّكَاح) فَلِمَنْ سمع بِهِ من جمع عِنْد الامام وعدلين عِنْدهمَا أَن يشْهد بِهِ.
قُهُسْتَانِيّ.
وَفِي الْقنية: نِكَاح حَضَره رجلَانِ ثمَّ أخبر أَحدهمَا جمَاعَة أَن فلَانا تزوج فُلَانَة بِإِذن وَليهَا والآن
يجْحَد هَذَا الشَّاهِد يجوز للسامعين أَن يشْهدُوا على ذَلِك: وَفِي الْعمادِيَّة: وَكَذَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع فِي النِّكَاح، حَتَّى لَو رأى رجلا يدْخل على امْرَأَة وَسمع من النَّاس أَن فُلَانَة زَوْجَة فلَان

(7/511)


وَسعه أَن يشْهد أَنَّهَا زَوجته وَإِن لم يعاين عقد النِّكَاح اه.
وَيشْهد من رأى رجلا وَامْرَأَة بَينهمَا انبساط الازواج أَنَّهَا عرسه اه.
دُرَر.
وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا شهد تعريسه وزفافه أَو أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ حل لَهُ أَن يشْهد أَنَّهَا امْرَأَته.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الشُّهْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَمثله فِي الظَّهِيرِيَّة.

قَوْله: (وَالدُّخُول بِزَوْجَتِهِ) فَإِنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ.
ذكر فِي الْخُلَاصَة خلافًا فِي الدُّخُول، فَفِي فَوَائِد أستاذنا ظهير الدّين: لَا يجوز لَهُم أَن يشْهدُوا على الدُّخُول بالمنكوحة بِالتَّسَامُعِ، وَلَو أَرَادَ أَن يثبق الدُّخُول يثبت الْخلْوَة الصَّحِيحَة اه.
لَكِن أَفَادَ الْعَلامَة عبد الْبر أَنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ، وَيَتَرَتَّب على قبُولهَا أَحْكَام كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب اه.

قَوْله: (وَولَايَة القَاضِي) أَي كَونه قَاضِيا فِي نَاحيَة كَذَا، فَإِنَّهُ لم سَمعه من النَّاس جَازَ أَن يشْهد بِهِ، قُهُسْتَانِيّ.
وَإِن لم يعاين تَقْلِيد الامام اه.
عبد الْبر.
وَفِي الْبَحْر وَظَاهر مَا فِي الْمِعْرَاج أَن الامير كَالْقَاضِي فيزاد الامرة اه.
وَصرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا يجوز الشَّهَادَة على أَنه قَاضِي بلد كَذَا أَو وَالِي بلد كَذَا وَإِن لم يعاين التَّقْلِيد والمنشور اه.
وَصرح بِهِ فِي الْخُلَاصَة أَيْضا: قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا إِذا رأى شخصا جَالِسا مجْلِس الحكم يفصل الْخُصُومَات جَازَ لَهُ أَن يشْهد على أَنه قَاض.
مطلب: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ
قَوْله: (وأصل الْوَقْف) بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف على مَوضِع أَو جمَاعَة كَذَا، وَهل ذكر الْمصرف شَرط؟ فِي الْكَافِي عَن المرغياني نعم.
وَفِي الخزانة: لَا يشْتَرط على الْمُخْتَار إِن كَانَ وَقفا قَائِما ينْصَرف إِلَى الْفُقَرَاء.
وَذكر الشَّيْخ ظهير الدّين المرغيناني: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه ط.
وَفِي فَتَاوَى قَارِئ الْهِدَايَة: صُورَة الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ على أصل الْوَقْف أَن يشْهدُوا أَن فلَانا وَقفه على الْفُقَرَاء أَو على الْقُرَّاء أَو على أَوْلَاده من غير أَن يتَعَرَّضُوا إِنَّه شَرط فِي وَقفه كَذَا وَكَذَا، فَإِن شهدُوا على شَرط
الْوَاقِف وَأَنه قَالَ للجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا وللجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا فَلَا تسمع بِالتَّسَامُعِ على شُرُوط الْوَاقِف، لَان الَّذِي يشْتَهر إِنَّمَا هُوَ أصل الْوَقْف وَأَنه على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة، أما الشُّرُوط فَلَا تشتهر فَلَا تجوز الشَّهَادَة على الشُّرُوط بِالتَّسَامُعِ اه.
وَتقدم فِي الْوَقْف أَنه تقبل الشَّهَادَة فِيهِ من غير بَيَان الْوَاقِف لَو قَدِيما عِنْد أبي يُوسُف وَأَن الْفَتْوَى عَلَيْهِ، فَرَاجعه.
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لنَفس الْوَقْف.
أما الدَّعْوَى بِهِ بِأَن ادّعى أَن هَذِه الارض وقف وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَيَّ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ وَيَقُولُ هِيَ ملكي فَيشْتَرط بَيَان الْوَاقِف وَأَنه وَقفه وَهُوَ يملكهُ.

قَوْله: (قيل وشرائطه على الْمُخْتَار) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَلَا وَجه لذكر قيل فَإِنَّهُمَا قَولَانِ مصصحان.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من الْعَاشِر: الْمُخْتَار أَن لَا تقبل الشَّهَادَة بالشهرة على شَرَائِط الْوَقْف اه.
وَفِي الْمُجْتَبى: الْمُخْتَار أَن تقبل على شَرَائِط الْوَقْف اه.
وَاعْتَمدهُ فِي الْمِعْرَاج، وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ وَعَزاهُ إِلَى الْعَلامَة قَاسم، وَقواهُ فِي الْفَتْح بقوله: وَأَنت إِذا عرفت قَوْلهم فِي الاوقاف الَّذِي انْقَطع ثُبُوتهَا وَلم يعرف لَهَا مصارف وشرائط أَنه يسْلك بهَا مَا كَانَت فِي دواوين الْقُضَاة لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اه.
أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ

(7/512)


يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُجْهَلْ مِنْهَا يُعْمَلُ بِمَا عُلِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْعِلْمُ قَدْ لَا يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْوَاقِفِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قِوَامَهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اه.
فَهَذَا عَيْنُ الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ.
وَفِي الْخَيْرِيَّة: إِذا كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالسِّجِلِّ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اُتُّبِعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سبق من الزَّمَان من أَن قوامه كَيفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فِيمَا سَبَقَ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ بِالْبُرْهَانِ
حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ اه.
لَكِنْ قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَصَرُّفِ الْقُوَّامِ لَا يُرْجَعُ إلَى مَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ، وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ.
أَقُول: ثمَّ إِن المُرَاد من الشَّرَائِط والجهات كَمَا وَقع فِي عبارَة الاسعاف وأوضحه الرَّمْلِيّ أَن يَقُول: إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِل إِلَى كَذَا بعد بَيَان الْجِهَة، وَلَيْسَ معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لانه لَا بُد مِنْهُ فِي إِثْبَات أصل الْوُقُوف كَمَا تقدم آنِفا.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْمرَاد بِأَصْل الْوَقْف أَن هَذِه الضَّيْعَة وقف على كَذَا، فبيان الْمصرف دَاخل فِي أصل الْوَقْف.
أما الشَّرَائِط فَلَا يحل فِيهَا الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ، وَهُوَ معنى قَوْله فِي فتح الْقَدِير: وَلَيْسَ فِي معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ اه.
وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَحْر: ومسأل الشَّهَادَة بِالْوَقْفِ أصلا وشروطا لم تذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَأَنَّهَا قاسها الْمَشَايِخ على الْمَوْت.
وَقد اخْتلف فِيهَا الْمَشَايِخ: بَعضهم قَالَ يحل وَبَعْضهمْ قَالَ لَا يحل، وَبَعْضهمْ فصل كَمَا سبق، وَلَكِن نقل الشلبي عَن شرح الْمجمع للْمُصَنف فِي كتاب الْوَقْف أَن قبُول الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فِي أصل الْوَقْف قَول مُحَمَّد، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَهُوَ الْمُخْتَار اه.

قَوْله: (فِي بَابه) أَي بَاب الْوَقْف فِي فصل يُرَاعى شَرط الْوَاقِف، وَتقدم هُنَاكَ تَحْقِيقه فِي الْحَاشِيَة، فَرَاجعه.

قَوْله: (هُوَ كل مَا تعلق بِهِ صِحَّته) كَأَن يكون مُنجزا مُسلما مجعولا آخِره لجِهَة لَا تَنْقَطِع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ذكر فِي شُرُوط صِحَّته.
قَالَ المُصَنّف فِي الْوَقْف: وَبَيَان الْمصرف من أَصله: أَي لتوقف صِحَة الْوَقْف عَلَيْهِ: أَي فَتقبل شَهَادَة على الْمصرف بِالتَّسَامُعِ كَأَصْلِهِ، وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا من الاصل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَلَعَلَّه هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ
وَالْخَانِيَّةِ: لَا تجوز الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اه.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَينهمَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا.

(7/513)


وَفِي التاترخانية: وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بالاستفاضة من غير الدَّعْوَى، وَتقبل الشَّهَادَة الْوَقْف وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اه.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو ذكر الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اه.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ على مُجَرّد الْوَقْف، فَإِن ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذكرهم كَمَا علم من عبارَة التاترخانية والفصولين.
وَقد ذكر الْخَيْر الرَّمْلِيّ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ، بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ، بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُور مَعَ علته وَجَازَت إِذا قَدَّمَ.
قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بذلك اه مُلَخصا.

قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِلَّا تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته كذكر الْجِهَات من إِمَام ومؤذن أَو تأبيد، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ فِي رِوَايَة عَن الثَّانِي، وَعَلَيْهَا الافتاء كَمَا تقدم آنِفا.

قَوْله: (بذلك) أَي بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَعَ عدم المعاينة إِذا أخبرهُ بهَا من يَثِق بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج وتعطيل الاحكام إِذْ لَا يحضرها إِلَّا الْخَواص، فَالنِّكَاح لَا يحضرهُ كل أحد، وَالدُّخُول لَا يقف عَلَيْهِ أحد، وَكَذَا الْمَوْت لَا يعاينه كل أحد وَسبب النّسَب الْولادَة وَلَا يحضرها إِلَّا الْقَابِلَة.
وَسبب الْقَضَاء التَّقْلِيد وَلَا يعاين ذَلِك إِلَّا الْوَزير وَنَحْوه من الْخَواص، وَكَذَا الْوَقْف تتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا بِمَا مر أَحْكَام تبقى على مر الدهور، فَلَو لم يقبل فِيهَا التسامع أدّى إِلَى الْحَرج وتعطيل الاحكام.
وَتَمَامه فِي الْحَمَوِيّ
ط.

قَوْله: (مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الشَّهَادَة بالشهرة فِي النّسَب وَغَيره بطرِيق الشُّهْرَة الْحَقِيقِيَّة أَو الْحكمِيَّة.
فالحقيقية أَن يشْتَهر وَيسمع من قوم كثيرين لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب، وَلَا يشْتَرط فِي هَذَا الْعَدَالَة بل يشْتَرط التَّوَاتُر.
والحكمية أَن يشْهد عِنْده عَدْلَانِ من الرِّجَال أَو رجل وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة، لَكِن الشُّهْرَة فِي الثَّلَاثَة الاول: يَعْنِي النّسَب وَالنِّكَاح وَالْقَضَاء لَا تثبت إِلَّا بِخَبَر جمَاعَة لَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب أَو خبر عَدْلَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة وَفِي بَاب الْمَوْت بِخَبَر الْعدْل الْوَاحِد وَإِن لم يكن بِلَفْظ الشَّهَادَة.
كَذَا فِي بَاب النّسَب من شَهَادَات خُوَاهَر زَاده وَكَذَا ذكر عَدَالَة الْمخبر فِي الْمَوْت صَاحب الْمُخْتَصر.
شرنبلالية.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَلَا يشْتَرط فِي الْمَوْت لفظ الشَّهَادَة لانه لَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد فَكَذَا لفظ الشَّهَادَة.
وَفِي شَهَادَة الْوَاحِد بِخَبَر الْمَوْت قَولَانِ مصححان.
وَوجه الْقبُول أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، فَلَو قُلْنَا إِنَّه لَا تسمع الشَّهَادَة إِلَّا بِعَدَد لضاعت الْحُقُوق ط.

قَوْله: (لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب) هَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر عِنْد الاصوليين، فَإِنَّهُ كَمَا فِي الْمنَار: الَّذِي رَوَاهُ قوم لَا يُحْصى عَددهمْ وَلَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب.
قَالَ شَارِحه: وَلَا يشْتَرط فِي التَّوَاتُر عدد معِين خلافًا للْبَعْض.

قَوْله: (بِلَا شَرط عَدَالَة) أَي لَا يشْتَرط الْعَدَالَة والاسلام فِي المخبرين حَتَّى لَو أخبر جمع غير مَحْصُورين من

(7/514)


كفار بَلْدَة بِمَوْت ملكهم حصل لنا الْيَقِين كَمَا فِي شرح الْمنَار.

قَوْله: (أَو شَهَادَة عَدْلَيْنِ) بِالْجَرِّ عطف على خبر جاعة: يَعْنِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدْلٌ وَعَدْلَتَانِ كَمَا فِي الْمُلْتَقى: يَعْنِي أَن الشُّهْرَة لَهَا طَرِيقَانِ: حَقِيقِيّ وَهُوَ بالمتواتر، وحكمي وَهُوَ مَا كَانَ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فقد ذكر ظهير الدّين أَن الاشتهار بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة بِدُونِ اشتهار وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَقد تقدم عَن الصُّغْرَى.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمَوْتِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شهد أَن أَبَاهُ مَاتَ وَتَركه مِيرَاثًا لَهُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا الْمَوْتَ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ بِسَمَاعٍ فَلم تجز اه.

قَوْله: (فَيَكْفِي الْعدْل) أَي بِالنِّسْبَةِ للشَّهَادَة.
وَأما الْقَضَاء فَلَا بُد فِيهِ من شَهَادَة اثْنَيْنِ، لقَولهم: وَفِي الْمَوْت مَسْأَلَة عَجِيبَة، هِيَ إِذا لم يعاين الْمَوْت إِلَّا وَاحِد، وَلَو شهد عِنْد القَاضِي لَا يقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحده مَاذَا يصنع؟ قَالُوا: يخبر
بذلك عدلا مثله، وَإِذا سمع مِنْهُ حل لَهُ أَن يشْهد على مَوته فَيشْهد هُوَ مَعَ ذَلِك الشَّاهِد فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا اه.
وَلَا بُد أَن يذكر ذَلِك الْمخبر أَنه شهد مَوته أَو جنَازَته وَدَفنه حَتَّى يشْهد الآخر مَعَه كَمَا قدمْنَاهُ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَلَا يشْتَرط أَن يتَلَفَّظ الْمخبر بِالْمَوْتِ بِلَفْظ الشَّهَادَة عِنْد من يشْهد.
أما الَّذِي يشْهد عِنْد القَاضِي يتَلَفَّظ الشَّهَادَة.
وَأما الْفُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي يشْتَرط فِيهَا شَهَادَة العدلين يَنْبَغِي أَن يشْهد عِنْده بِلَفْظ الشَّهَادَة.
قَالَ أستاذنا ظهير الدّين فِي الاقضية: وَهَذَا اخْتِيَار الصَّدْر الامام الشَّهِيد برهَان الائمة.
وَفِي مُخْتَصر الْقَدُورِيّ: إِنَّمَا تجوز الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ إِذا أخبرهُ من يَثِق بِهِ، فَهَذَا يدل على أَن لفظ الشَّهَادَة لَيْسَ بِشَرْط اه.
وَفِي شرح ابْن الشّحْنَة: وَالْجَوَاب فِي الْقَضَاء وَالنِّكَاح نَظِير الْجَواب فِي النّسَب، فقد فرقوا جَمِيعًا بَين الْمَوْت والاشياء الثَّلَاثَة فاكتفوا بِخَبَر الْوَاحِد فِي الْمَوْت دونهَا.
وَالْفرق أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، بِخِلَاف الثَّلَاثَة لَان الْغَالِب كَونهَا بَين جمَاعَة.
وَمن الْمَشَايِخ من لم يفرق.
وَتَمَامه فِيهِ.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالصَّحِيح أَن الْمَوْت كَنِكَاح وَغَيره لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَة الْوَاحِد، وَمن الْمَشَايِخ من قَالَ لَا فرق بَين الْمَوْت وَالثَّلَاثَة، وَإِنَّمَا اخْتلف الْجَواب لاخْتِلَاف الْمَوْضُوع، مَوْضُوع مَسْأَلَة الْمَوْت إِذا أخبرهُ وَاحِد عدل وَلم يذكر الْعدْل فِي الثَّلَاثَة، فَلَو كَانَ الْمخبر فِي الثَّلَاثَة عدلا أَيْضا حل لَهُم أَن يشْهدُوا، ثمَّ فِي الثَّلَاثَة إِذا ثَبت الشُّهْرَة عِنْدهَا بِخَبَر عَدْلَيْنِ يجب الاخبار بِلَفْظ الشَّهَادَة، وَفِي الْمَوْت لما ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد بالاجماع لَا يجب بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد الاخبار.

قَوْله: (وَلَو أُنْثَى) قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: إِنَّهَا تجوز إِذا سمع من مَحْدُود فِي قذف أَو النسوان أَو العبيد إِذا كَانَ الصدْق ظَاهرا، وَلَا يجوز من الصّبيان إِلَّا إِذا كَانَ مُمَيّزا كَلَامه مُعْتَبر اه.

قَوْله: (وَهُوَ الْمُخْتَار) لانه قد يتَحَقَّق فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَاحِدَة.
بِخِلَاف غَيره.
عَيْني.

قَوْله: (وَقَيده شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) عبد الْبر نقلا عَن السّير الْكَبِير.

قَوْله: (كوارث وموصى لَهُ) كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (وَمن فِي يَده شئ) نَقْدا كَانَ أَو عرضا أَو عقارا، وَقد تقدم أَن هَذِه تَمام الْعشْرَة، لَكِن فِي عدهَا من الْعشْرَة نظر.
ذكره فِي الْبَحْر وَالْفَتْح، وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (سوى رَقِيق) يعم العَبْد والامة.

قَوْلُهُ: (عُلِمَ رِقُّهُ) صَوَابُهُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُ كَمَا

(7/515)


هُوَ ظَاهر لمن تَأمل.
مدنِي.
قَالَ ط: إِلَّا وَجه لهَذِهِ الْجُمْلَة، وَالَّذِي أوقعه: أَي الشَّارِح فِي ذكرهَا عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَنَصهَا: قَوْله سوى الرَّقِيق الْمعبر: يَعْنِي إِذا لم يعرف أَنه رَقِيق لَا يشْهد بِهِ بمعاينة الْيَد، وَفِي غير الْمعبر شهد برقه اه: أَي بمعاينة الْيَد، وَمرَاده أَن الَّذِي يعبر عَن نَفسه لَا يشْهد برقه بمعاينة الْيَد إِلَّا إِذا علم رقّه لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى لم يفده الْمُؤلف، فَلَو قَالَ سوى رَقِيق يعبر عَن نَفسه وَلم يعلم رقّه ثمَّ يَأْتِي بمفومه لاصاب.
فَالْحَاصِل: أَن الْمَعْنى فِيهِ أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد فِي رَقِيق لم يعلم رقّه ويعبر عَن نَفسه إِذا رَآهُ فِي يَد غَيره أَنه ملكه، لَان للرقيق يدا على نَفسه تدفع يَد الْغَيْر عَنهُ فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى إِذا ادّعى أَنه حر الاصل كَانَ القَوْل قَوْله، وَلَا يُمكن أَن يعْتَبر فِيهِ التَّصَرُّف وَهُوَ الِاسْتِخْدَام، لَان الْحر يستخدم طَائِعا كَالْعَبْدِ، إِلَّا إِذا علم رقّه أَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه فَإِنَّهُ كالمتاع لَا يَد لَهُ، فَلهُ أَن يشْهد فِيهِ لذِي الْيَد أَنه ملكه، وَهَذَا هُوَ المُرَاد كَمَا يظْهر من عبارَة الْبَحْر وَغَيرهَا، لَكِن الَّذِي أوقع الشَّارِح مَا نَقَلْنَاهُ.

قَوْله: (ويعبر عَن نَفسه) أَي سَوَاء كَانَ بَالغا أَو غير بَالغ وَهَذَا تَفْسِير للكبير الْوَاقِع فِي عبارتهم سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى كَمَا فِي النِّهَايَة.
وَالْوَجْه فِيهِ أَن لَهما: أَي العَبْد والامة الكبيرين يدا على أَنفسهمَا تدفع يَد الْغَيْر عَنْهُمَا فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى لَو ادّعَيَا الْحُرِّيَّة الاصلية يكون القَوْل قَوْلهمَا.
وَعَن أبي حنيفَة أَنه يحل لَهُ أَن يشْهد فيهمَا أَيْضا اعْتِبَارا بالثياب، وَالْفرق مَا بَيناهُ، وَإِن كَانَا صغيرين لَا يعبران عَن أَنفسهمَا كالمتاع لَا يَد لَهما فَلهُ أَن يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لغيره كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (فلك أَن تشهد بِهِ) أخرج المُصَنّف عَن مُرَاده وَإِن كَانَ الحكم ظَاهرا، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة بالشئ لواضع الْيَد لَان الْيَد أقْصَى مَا يسْتَدلّ بِهِ على الْملك إِذْ هِيَ مرجع الدّلَالَة فِي الاسباب كلهَا فكيتفي بهَا.
صورته رجل رأى عينا فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رأى تِلْكَ الْعين فِي يَد آخر والاول يَدعِي الْملك يَسعهُ أَن يشْهد أَنَّهَا للْمُدَّعِي ط.

قَوْله: (أَنه لَهُ) أَي لمن فِي يَده بِلَا مُنَازع.

قَوْله: (إِن وَقع فِي قَلْبك ذَلِك) أَي
إِذا شهد بذلك قبلك وَصدقه، وَأسْندَ هَذَا الْقَيْد فِي الظَّهِيرِيَّة إِلَى الصاحبين.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن يَقع فِي قلبه أَنه قَالُوا لَهُ: يَعْنِي الْمَشَايِخ، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا تَفْسِيرا لاطلاق مُحَمَّد فِي الرِّوَايَة.
قَالَ فِي فتح الْقَدِير: قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَبِه نَأْخُذ، فَهُوَ قَوْلهم جَمِيعًا اه.
قَالَ الرَّازِيّ: هَذَا قَوْلهم جَمِيعًا إِذْ الاصل فِي حل الشَّهَادَة الْيَقِين، فَعِنْدَ تعذره يُصَار إِلَى مَا يشْهد لَهُ الْقلب، لَان كَون الْيَد مسوغا بِسَبَب إفادتها ظن الْملك، فَإِذا لم يَقع فِي الْقلب ذَلِك الظَّن لم يفد مُجَرّد الْيَد، وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ من هُوَ أهل لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ، فَعُرِفَ أَن مُجَرّد الْيَد لَا يَكْفِي.
شرنبلالية.
وَيشْتَرط أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهَا لغيره، فَلَو أخبرهُ لم تجز الشَّهَادَة بِالْملكِ خُلَاصَة، بِخِلَاف مَا إِذا شهد بِهِ عدل وَاحِد، لَان شَهَادَة الْوَاحِد لَا تزيل مَا كَانَ فِي قَلْبك أَنه للاول، فَلَا يحل لَك أَن تمْتَنع عَن الشَّهَادَة إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك أَن هَذَا الْوَاحِد صَادِق، فَحِينَئِذٍ لَا يحل لَك أَن تشهد أَنه للاول اه.
شلبي.
فِي الْحَاشِيَة عَن الْخَانِية: وكما جَازَ لَهُ أَن يشْهد أَنه ملك بِوَضْع الْيَد جَازَ لَهُ شِرَاؤُهُ إِن لم يكن رَآهُ قبله فِي يَد غَيره، فَإِن كَانَ وَأخْبرهُ بانتقال الْملك إِلَيْهِ أَو بِالْوكَالَةِ مِنْهُ حل الشِّرَاء، وَإِلَّا لَا، كَمَا إِذا رأى جَارِيَة فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رَآهَا فِي بَلْدَة أُخْرَى وَقَالَت أَنا حرَّة الاصل لَا يحل لَهُ أَن ينْكِحهَا اه.
وَأفَاد المُصَنّف بعبارته أَنه

(7/516)


عاين الْيَد وواضعا ليد، فَلَو لم يعاينهما وَإِنَّمَا سمع أَن لفُلَان كَذَا فَلَا يجوز لَهُ الشَّهَادَة لانه مجازفة، كَمَا لَو عاين الْمَالِك لَا الْملك لانه لم يحصل لَهُ الْعلم بالمحدود.
تَنْبِيه: نقل الصَّدْر حسام الدّين فِي شرح أدب القَاضِي أَنه إِن عاين الْملك دون الْمَالِك، بِأَن عاين محدودا ينْسب إِلَى فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ وَهُوَ لم يعاينه بِوَجْهِهِ وَلَا يعرفهُ بِنَفسِهِ الْقيَاس أَن لَا تحل.
وَفِي الِاسْتِحْسَان: تحل لَان النّسَب مِمَّا يثبت بِالتَّسَامُعِ والشهرة فَيصير الْمَالِك مَعْرُوفا بِالتَّسَامُعِ وَالْملك مَعْرُوف فترتفع الْجَهَالَة، وَكَذَا إِذا أدْرك الْملك وَلم يعاين الْملك، وَالْمَالِك امْرَأَة لَا يَرَاهَا الرِّجَال وَلَا تخرج، فَإِن كَانَ ذَلِك مَشْهُورا عِنْد الْعَوام وَالنَّاس فالشهادة على ذَلِك جَائِزَة، يُرِيد بِهِ إِذا عاين الْملك وَوَقع فِي قلبه أَن الامر كَمَا اشْتهر، وَهَذَا قَاصِر على هَذِه الصُّورَة.
ذكره عبد الْبر.
وَلم يسمع مثل هَذَا لضاعت
حُقُوق النَّاس لَان فيهم المحجوب وَلَا يبرز أصلا وَلَا يتَصَوَّر أَن يرَاهُ متصرفا فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا إِثْبَات الْملك بِالتَّسَامُعِ وَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَات النّسَب بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضمنه إِثْبَات الْملك بِهِ وَهُوَ لَا يمْتَنع إثْبَاته قصدا.
عَيْني تبعا للزيلعي.
وَعَزاهُ فِي الْبَحْر إِلَى النِّهَايَة، وَهَذَا هُوَ النَّص، وَقد بحث فِيهِ الْكَمَال بِأَن مُجَرّد ثُبُوت نسبه بِالشَّهَادَةِ عِنْد القَاضِي لم يُوجب ثبوب ملكه لتِلْك الضَّيْعَة لَوْلَا الشَّهَادَة بِهِ، وَكَذَا الْمَقْصُود لَيْسَ إِثْبَات النّسَب بل الْملك فِي الضَّيْعَة اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة، لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه وَلَا رآياه فِي يَد الْمُدَّعِي، وَلَو شهد دَابَّة تتبع دَابَّة وترضع مِنْهَا لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اه ط.
وَفِي الْبَحْر: وَلَو رَآهُ على حمَار يَوْمًا لم يشْهد أَنه لَهُ لاحْتِمَال أَنه رَكبه بالعارية، وَلَو رَآهُ على حمَار خمسين يَوْمًا أَو أَكثر وَوَقع فِي قلبه أَنه لَو وَسعه أَن يشْهد أَنه لَهُ، لَان الظَّاهِر أَن الانسان لَا يركب دَابَّة مُدَّة كَثْرَة إِلَّا الْملك اه.

قَوْله: (أَي إِذا ادَّعَاهُ الْمَالِك) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُتَابعًا لصَاحب الْبَحْر.
وَقد ذكره مجيبا بِهِ عَن التَّنَافِي الْوَاقِع بَين قَول من قَالَ إِنَّه يقْضِي بمعاينة وضع الْيَد كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة، وَبَين قَول الشَّارِح أَن القَاضِي لَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِسَمَاع نَفسه وَلَو تَوَاتر عِنْده وَلَا بِرُؤْيَة نَفسه فِي يَد إِنْسَان، فَحمل صَاحب الْبَحْر كَلَام الاولين على مَا إِذا حصلت دَعْوَى وَكَلَام الشَّارِح على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى.
ورده الْمَقْدِسِي وَحمل كَلَام الشَّارِح على أَن القَاضِي لَا يقْضِي قَضَاء محكما مبرما، بِحَيْثُ لَو ادّعى الْخصم لَا يقبل مِنْهُ، فَلَا يُنَافِي أَنه يقْضِي قَضَاء ترك، بِمَعْنى أَنه يتْرك فِي يَد ذِي الْيَد مَا دَامَ خَصمه لَا حجَّة لَهُ، وَقد صرح بذلك الشَّارِح أول كَلَامه.
وَأما حمله على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى فَغير صَحِيح، لَان الْقَضَاء بِغَيْر دَعْوَى لَا يَقع أصلا فَلَا يتَوَهَّم إِرَادَته.
قَالَ السَّيِّد أَبُو السُّعُود: وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ يبتنى على قَول الْمُتَأَخِّرين من أَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ.
وَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة يبتنى على مُقَابِله.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَا يتَوَهَّم الْمُخَالفَة بَين مَا ذكر الزَّيْلَعِيّ وَمَا فِي النِّهَايَة، فَإِن مَا فِي شرح الْكَنْز هُوَ مَا إِذا رأى القَاضِي قبل حَال الْقَضَاء ثمَّ رأى حَال قَضَائِهِ فِي يَد
غَيره كَمَا لَا يخفى اه.

قَوْله: (وَإِن فسر الشَّاهِد الخ) أَي فِيمَا يشْهد فِيهِ بِالتَّسَامُعِ.
وَقَالُوا: يَنْبَغِي

(7/517)


للشَّاهِد بِهِ أَن يُطلق الشَّهَادَة وَلَا يُفَسِّرهَا.
حموي.

قَوْله: (بِالتَّسَامُعِ أَو بمعاينة الْيَد) أَي بِأَن يَقُول أشهد لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْملاك وَالشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ كَمَا يذكرهَا الشَّارِح أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ.

قَوْله: (إِلَّا فِي الْوَقْف) لما تقدم من أَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إلَى وَجهه فِي الدُّرَر بقوله: حفظا للاوقاف الْقَدِيمَة عَن الِاسْتِهْلَاك.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَإِنْ صَرَّحَا بِالتَّسَامُعِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بالعيان، فَإِذن لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ إلَيْهِ ظهير الدّين المرغياني، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهُمَا إِذا صرحا بِهِ لَا تقبل اه: أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَيُفَرق بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا اسْتِثْنَاءَ الْوَقْفِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ حِفْظُ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ لَا يزدْ على الافصاح بِهِ، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (على الاصح) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ الشَّهَادَاتِ.
فَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ القَاضِي وأصل الْوَقْف، فَلهُ أَن يشْهد بهَا إِذْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَمَنْ فِي يَده شئ سوء الرَّقِيق لَك أَن تشهد أَنه لَهُ، وَإِن فسر للْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ.
قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يشْهد بِالتَّسَامُعِ فِي مَوضِع يجوز بالتسمع أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَد، يَعْنِي بِرُؤْيَة فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَزِيدُ عِلْمًا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يحكم الخ، وَمثله فِي الزَّيْلَعِيّ.
مَبْسُوط.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ فِيهَا خلاف، والمتون طاطبة قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يشْهد بِالسَّمَاعِ لَا تقبل، وَبِه صرح قاضيخان وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا اه.
وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى
شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ اه مُلَخصا من مَجْمُوعَة ملا عَليّ التركماني.
أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ آنِفا من التَّصْحِيح فِي الْوَقْف حفظا لَهُ عَن الِاسْتِهْلَاك.

قَوْله: (بل فِي العزمية) أَي حَاشِيَة عزمي زَاده على الدُّرَر، وَنَقله المُصَنّف عَن الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (معنى التَّفْسِير) أَي الَّذِي ترد بِهِ الشَّهَادَة فِي غير الْوَقْف وَالْمَوْت.

قَوْله: (وَلكنه اشْتهر عندنَا) أَفَادَ الْعَلامَة نوح فِي كتاب الْوَقْف أَن الشُّهْرَة للشئ بِكَوْنِهِ مَشْهُورا مَعْرُوفا اه.
وَهَذَا يَقْتَضِي شهرته عِنْد كل النَّاس أَو جلهم.
وَأما السماع من النَّاس الَّذِي وَقع فِي الْعبارَة الاولى لَا يُفِيد ذَلِك، لَان كَقَوْل الشَّاهِد أَنا أشهد بِالسَّمَاعِ، وَفَسرهُ فِي الدُّرَر بِأَن يَقُولُوا عِنْد القَاضِي نشْهد بِالتَّسَامُعِ.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاس وَنَحْوه اه.
وَفسّر الشَّارِح الشُّهْرَة بِالسَّمَاعِ فَأفَاد أَنَّهُمَا شئ وَاحِد كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله

(7/518)


تَعَالَى.
وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ أَنْ يَدعِي الْمُتَوَلِي أَن هَذِه الضَّيْعَة وف عَلَى كَذَا مَشْهُورٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ.
وَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَادَّة، فَافْهَم.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (جَازَت فِي الْكُلِّ) أَيْ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا فِي الْخَانِية.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُولُ: بَقِيَ لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّسَامُعِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مِنْهُ اه.
وَعبارَة الْبَحْر: وَفِي الْيَنَابِيع: تَفْسِيره أَن يَقُول فِي النِّكَاح لم أحضر العقد، وَفِي غَيره أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَو سَمِعت وَنَحْوه.
وَحَاصِل مَا يُقَال أَنه إِن أطلقا بِأَن يَقُولَا نشْهد على موت رجل فَإِنَّهُ يقبل، وَإِن قَالَا لَمْ نُعَايِنْ مَوْتَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا مِنْ النَّاس: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَشْهُورًا فَلَا تُقْبَلُ بِلَا خلاف، وَإِن كَانَ مَشْهُور اذكر فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تُقْبَلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تقبل، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد.
وَفِي الغياثية: هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ لانه أخبرنَا من شهد مَوته مِمَّن نثق بِهِ جَازَت.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز كَمَا فِي
الحامدية.

قَوْله: (وَصَححهُ شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) أَي الْعَلامَة عبد الْبر فِي شَرحه عَلَيْهَا، وَقد نظم جَمِيع مَا تجوز بِهِ الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع بقوله: وَقد جوزوها فِي النِّكَاح بسمعه وَإِن بَينا ردَّتْ وَتقبل أظهر كَذَا نسب ثمَّ الطَّرِيق سَمَاعه من الْجمع مَا كذب لَهُم يتَصَوَّر وأفتوا بِمَا قَالَا بعدلين يكْتَفى قَضَاء وَفِي موت كفى الْعدْل يخبر وَقيل لكل والمصحح أَن ذاكما مر والاخبار فِيهِ مُؤثر وَفِي غَيره فَالشَّرْط لفظ شَهَادَة بِهِ أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد الْمصدر وَإِن أطلقا سمعا وَنفى عيانه ترد إِذا مَا الْمَوْت لم يَك يشهر وَأطلق بعض (1) ردهَا ثمَّ صححو اقبولا إِذا قَالَ الموثق يخبر وَبَعض يقلبها بِالسَّمَاعِ بِمَوْت من غَدا غير مَشْهُور وَلَا بُد ينظر وَقد جوزوها فِي الدُّخُول ورجحوا جَوَاز الْمهْر ثمَّ فِي الْوَقْف يذكر خلاف شُيُوخ وَالصَّحِيح جَوَازهَا على الاصل دون الشَّرْط فِيمَا يحرر وجوزها الثَّانِي أخيرا على الولا وَفِي الْعتْق بعض قَالَ وَالْبَعْض يُنكر وَفِي الْملك محدودا ويعزى لمَالِك وَلم يدر عينا إِذْ الامر أشهر ويعزى إِلَى الْخصاف فِي ذَا جَوَازهَا وَمن دائن والخصم حَيّ وموسر فضمير بَينا لشاهدي التسامع أَي بَينا أَن شَهَادَتهمَا بِالتَّسَامُعِ ردَّتْ: أَي الشَّهَادَة وَضمير تقبل أَيْضا لَهَا، وَقَوْلِي أظهر إِشَارَة إِلَى تَصْحِيح الْقبُول، وَضمير سَمَاعه لمن يشْهد، وَضمير أفتوا للمشايخ، وَضمير قَالَا للصاحبين، وَالْمرَاد بِكُل كل الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة، والاشارة بذا إِلَى الْمَوْت كَمَا مر فِي أَنه لَا بُد * (عامش) * (1)
قَوْله: (وَأطلق بعض إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وَلَعَلَّه وَأطلق بعض ردهَا ثمَّ صححوا، وَقَوله وَبَعض يقبلهَا هَكَذَا بالاصل أَيْضا وَهُوَ غير مُسْتَقِيم الْوَزْن فاليحرر

(7/519)


من إِخْبَار عَدْلَيْنِ، وَضمير فِيهِ للْمَوْت وَترد للشَّهَادَة، وَضمير قَالَ للشَّاهِد، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ فِي الْقنية بعد أَن رقم لنجم الائمة البُخَارِيّ وَالْقَاضِي البديع: تقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لرب الدّين.
وَفِي الْمُحِيط: وَلَا تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه إِذا كَانَ مُفلسًا.
وشمس الائمة الْحلْوانِي ووالد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا.
وَفِي شرح الْجَامِع للعتابي: لَا تقبل بعد الْمَوْت لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِأَلف مُرْسلَة أَو شئ بِعَيْنِه لانه يزْدَاد بِهِ مَحل الْوَصِيَّة أَو سَلامَة عينه، ثمَّ رمز لقاضيخان وَقَالَ: إِنَّه يجوز شَهَادَته للحي دون الْمَيِّت، هَذَا خُلَاصَة مَا فِي الْقنية، وَقد ذكر فِيهَا فِي مَوضِع بعد أَن رقم لبرهان الدّين صَاحب الْمُحِيط: ادّعى الْكَفِيل عَلَيْهَا الْكفَالَة فأنكرت تقبل شَهَادَة البَائِع بكفالتها كرب الدّين إِذا شهد لمديونه.
وَحَاصِله الْقبُول إِذا كَانَ مُوسِرًا حَيا.
وَالْقَوْلَان فِي الْمُفلس وَعدم الْقبُول بعد الْمَوْت قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ، لَكِن رَأَيْت فِي جَامع الْفَتَاوَى لحافظ الدّين البزازي تَقْيِيد الْجَوَاز بِمَا إِذا شهد بِمَا سوى جنس حَقه، وَهَذَا لَا إِشْعَار للنظم بِهِ كَمَا لَا إِشْعَار بالاختلاف فِي صُورَة الْمُفلس، بل مَفْهُوم عدم الْقبُول فِي انعدام الْحَيَاة واليسار.
وَالله تَعَالَى أعلم اه.
نقل الطَّحْطَاوِيّ عَن الْحَمَوِيّ أَن مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فِيهَا، وَمن كَانَ بعرضية أَن ينْتَصب خصما وَلم ينْتَصب تقبل، وَشَهَادَة أجِير الوحد لاستاذه لَا تجوز فِي تِجَارَته وَغَيرهَا وَإِن كَانَ عدلا وَإِن كَانَ أجِير مياومة أَو مشاهرة أَو مسانهة اسْتِحْسَانًا، وَلَو مَضَت الاجارة وَأعَاد شَهَادَته تقبل، بِخِلَاف الاجير الْمُشْتَرك حَيْثُ تقبل شَهَادَته لانه غير مَمْلُوك لَا رَقَبَة وَلَا مَنْفَعَة، وَتجوز شَهَادَة الدَّائِن لمديونه وَلَو مُفلسًا بِمَا هُوَ من جنس دينه، وَلَو شهد لمديونه بعد مَوته لم تقبل.
لَان الدّين لَا يتَعَلَّق بِمَال الْمَدْيُون حَال حَيَاته وَيتَعَلَّق بِهِ بعد وَفَاته، وَتقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لدائنه اه.
وَالله تَعَالَى أعلم.