قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الْعَارِية
مشروعيتها بِالْكتاب، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَيمْنَعُونَ الماعون) * (الماعون: 7) والماعون: مَا يتعاورونه فِي الْعَادة، وَقيل الزَّكَاة، فقد ذمّ الله تَعَالَى على منع الماعون وَهُوَ عدم إعارته فَتكون إعارته محمودة.
وبالسنة: وَهِي مَا روى البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتعَار من أبي طَلْحَة فرسا يُسمى الْمَنْدُوب فَرَكبهُ حِين كَانَ فزع فِي الْمَدِينَة، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأينَا من شئ وَإِن وَجَدْنَاهُ لبحرا وبالاجماع فَإِن الامة أَجمعت على جَوَازهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي كَونهَا مُسْتَحبَّة، وَهُوَ قَول الاكثرين أَو وَاجِبَة وَهُوَ قَول الْبَعْض انْتهى شمني.

قَوْله: (لَان فِيهَا تَمْلِيكًا) أَي وإيداعا فَتكون من الْوَدِيعَة بِمَنْزِلَة الْمُفْرد من الْمركب والمركب مُؤخر عَن الْمُفْرد، وَيحْتَمل أَن يكون إِشَارَة إِلَى مَا قدمنَا فِي الْوَدِيعَة من أَنه من بَاب الترقي، والانسب فِي التَّرْكِيب أَن يَقُول ذكرهَا بعد الْوَدِيعَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الامانة وأخرها لَان فِيهَا تَمْلِيكًا.

قَوْله: (النِّيَابَةُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ) أَي إِن الْمُسْتَعِير مُضْطَر وَقَالَ تَعَالَى: * () * (النَّمْل: 26) وَقد أغاثه الْمُعير فَكَأَنَّهُ نَائِب عَن الله تَعَالَى فِي إغاثته، وَإِن كَانَ فعل الْمُعير من الله تَعَالَى فَلَا نِيَابَة فِي الْحَقِيقَة ففاعلها قد تخلق بِهَذَا الْخلق، وَورد تخلفوا بأخلاق الله.

قَوْله: (لانها لَا تكون إِلَّا لمحتاج) أَي غَالِبا.

قَوْله: (وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر) حقق بَعضهم أَن ثَوَاب الصَّدَقَة أَكثر، وَأَن إفرادها أَكثر كيفا وَإِن كَانَت فِي الْقَرْض أَكثر كَمَا قَالَ الْمَنَاوِيّ نقلا عَن الطَّيِّبِيّ: الْقَرْض اسْم مصدر والمصدر بِالْحَقِيقَةِ الاقراض، وَيجوز كَونه بِمَعْنى المقروض.
قَالَ البُلْقِينِيّ: فِيهِ أَي فِي الحَدِيث أَن دِرْهَم الْقَرْض بدرهمي صَدَقَة، لَكِن الصَّدَقَة لم يعد مِنْهَا شئ وَالْقَرْض عَاد مِنْهُ دِرْهَم فَسقط مُقَابِله وَبَقِي ثَمَانِيَة عشر، وَمن ثمَّ لَو أَبْرَأ مِنْهُ كَانَ عشرُون ثَوابًا بالاصل، وَهَذَا الحَدِيث يُعَارضهُ حَدِيث ابْن حبَان من أقْرض درهما مرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجر صَدَقَة مرّة وَجمع بَعضهم بِأَن الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة ابْتِدَاء، فامتيازه عَنْهَا يصون وَجه من لم يعْتد السُّؤَال، وَهِي أفضل انْتِهَاء لما فِيهَا من عدم رد الْمُقَابل.
وَعند تقَابل الخصوصيتين ترجح الثَّانِيَة بِاعْتِبَار الاثر الْمُتَرَتب.
وَالْحق أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الاشخاص والاحوال والازمان، وَعَلِيهِ ينزل الاحاديث
المتعارضة اهـ ط.

قَوْلُهُ: (مُشَدَّدَةً) كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِّ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌّ وَعَيْبٌ صِحَاحٌ.
وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ (ص) بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ، فَلَوْ كَانَ الْعَارَّ فِي طَلَبِهَا لما بَاشَرَهَا، وعول عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهَا اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِّ الْعَيْبِ خَطَأٌ اهـ.
وَمثله فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.
وَذكر فِي البدرية أَنه يحْتَمل أَن تكون الْعَارِية اسْما مَوْضُوعا لَا نسبيا كالكرسي والدردي نَظِيره كعيت وكميت صِيغَة تَصْغِير وَلَيْسَ بتصغير.
وَفِي الْمَبْسُوط: قيل الْعَارِية مُشْتَقَّة من التعاور وَهُوَ التناوب كَأَنَّهُ يَجْعَل للْغَيْر نوبَة فِي الِانْتِفَاع بِملكه على أَن تعود النّوبَة إِلَيْهِ بالاسترداد مَتى شَاءَ، وَلِهَذَا كَانَت الاعارة فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون قرضا لانه لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا بالاستهلاك فَلَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي عنيه ليَكُون إِعَارَة حَقِيقَة وَإِنَّمَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي

(8/522)


مثله، وَمَا يملك الانسان الِانْتِفَاع بِهِ على أَن يكون مثله مَضْمُونا عَلَيْهِ يكون قرضا انْتهى.
وَمثله فِي الْكَافِي.

قَوْله: (وتخفف) قَالَ الْجَوْهَرِي وَقد تخفف مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ.
وَرَدَّهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْعَارَ يائي وَالْعَارِية واوي وبالمشتقات يُقَال استعاره مِنْهُ واستعار الشئ على حذف من
قَوْله: (إِعَارَة الشئ قَامُوس) قَالَ فِي الْمنح عَنهُ: أعارة الشئ وأعاره مِنْهُ وعاوره إِيَّاه وتعور واستعار: طلبَهَا، واعتوروا الشئ وتعوروه: تداولوه اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ تَمْلِيكُ الثِّمَارِ بِلَا عوض، ورده المطرذي لانه يُقَال استعاره مِنْهُ فأعاره واستعاره الشئ على حذف من، وَالصَّوَاب أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الْعَارَةُ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ، وَيجوز أَن يكون من التعاور التناوب.
قُهُسْتَانِيّ.

قَوْله: (تمْلِيك الْمَنَافِع) أَشَارَ بِهِ إِلَى رد مَا قَالَه الْكَرْخِي من أَنَّهَا إِبَاحَة نفع، وَمَا فِي الْمَتْن مُخْتَار أبي بكر الرَّازِيّ وَهُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن السراج وَعَلِيهِ الْمُتُون وَأكْثر الشُّرُوح، وَيشْهد لما فِي الْمَتْن كثير من الاحكام من انْعِقَادهَا بِلَفْظ التَّمْلِيك وَجَوَاز أَن يعير مَالا يخْتَلف بِالْمُسْتَعْملِ، وَلَو كَانَ إِبَاحَة لما جَازَ لَان الْمُبَاح لَهُ لَيْسَ لَهُ أَن يُبِيح لغيره كالمباح لَهُ الطَّعَام لَيْسَ لَهُ أَن يُبِيحُ لِغَيْرِهِ، وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ للتَّمْلِيك كَمَا فِي الْبَحْر وَإِنَّمَا لَا يفْسد هَذَا التَّمْلِيك الْجَهَالَة لكَونهَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لعدم لُزُومهَا.
كَذَا قَالَ الشارحون، وَالْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا جَهَالَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ
اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ بِهِ يضمن إِذا هلك، وَلَو قَالَ لَهُ خُذ أَحدهمَا أَيهمَا شِئْت لَا يضمن كَمَا فِي الْمنح.

قَوْله: (مجَّانا) أَي بِلَا عوض.
قَالَ فِي الْقَامُوس: المجان مَا كَانَ بِلَا بدل.

قَوْله: (لُزُوم الايجاب وَالْقَبُول وَلَو فعلا) أَي كالتعاطي كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى الْقَبُولِ.
وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ الْمَوْلَى خُذْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا نَقَلَ عَن الْهِنْدِيَّة ركنها الْإِيجَابُ مِنْ الْمُعِيرِ.
وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ بِشَرْط عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة اهـ.
أَيْ الْقَبُولُ صَرِيحًا غَيْرُ شَرْطٍ، بِخِلَافِ الْإِيجَابِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التاترخانية: إِن الاعارة لَا تثبت بِالسُّكُوتِ اهـ.
وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَخْذُهَا قَبُولًا.

قَوْله: (وَحكمهَا كَونه أَمَانَة) فَإِن هَلَكت من غير تعد لم يضمن، وَإِن تعدى ضمن بالاجماع وَلَو شَرط الضَّمَان فِي الْعَارِية هَل يَصح.
فالمشايخ مُخْتَلفُونَ فِيهِ.
وَفِي خُلَاصَة الْفَتَاوَى: رجل قَالَ لآخر أعرني فَإِن ضَاعَ فَأَنا لَهُ ضَامِن قَالَ لَا يضمن.
هندية عَن غَايَة الْبَيَان، وَمثله فِي الانقروي عَن الْمُضْمرَات،
قَوْله: (قابلية الْمُسْتَعَار) أَي يُمكن الِانْتِفَاع بالمعار مَعَ بَقَاء عينه، فَلَو أَعَارَهُ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا باستهلاكه كَانَ كِنَايَة عَن الْقَرْض.
وَلَا يَصح إِعَارَة الامة للوطئ وَلَا من تَحت وصايته للْخدمَة لعدم قابلية المعار لذَلِك الِانْتِفَاع، لَان الاباحة لَا تجْرِي فِي الْفروج، وَلَا يجوز التَّبَرُّع بمنافع الصَّغِير، وَلم تجْعَل عَارِية الامة نِكَاحا كَمَا جعل فِي عَارِية الْمكيل وَالْمَوْزُون قرضا للمشاكلة بَين الْقَرْض وَالْعَارِية، لَان كلا مِنْهُمَا تبرع غير لَازم لصَاحبه أَن يرجع بِهِ مَتى شَاءَ وَالنِّكَاح لَازم فَلَا ينْعَقد بِلَفْظ مَا يدل على اللُّزُوم، وَمن لَازم النِّكَاح الْبَدَل وَهُوَ الْمهْر.
وَشرط الْعَارِية عدم ذكر الْبَدَل.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَمن شرائطها الْعقل، فَلَا تصح الاعارة من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل.
وَأما الْبلُوغ فَلَيْسَ بِشَرْط حَتَّى تصح الاعارة من الصَّبِي الْمَأْذُون.
وَمِنْهَا الْقَبْض من الْمُسْتَعِير، وَمِنْهَا أَن

(8/523)


يكون الْمُسْتَعَار مِمَّا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ بِدُونِ استهلاكه، فَإِن لم يكن فَلَا تصح إِعَارَة.
كَذَا فِي الْبَدَائِع.
قَالَ الْحَاكِم الشَّهِيد فِي الْكَافِي: وعارية الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس قرض، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ
أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عدا مثل الْجَوْز وَالْبيض وَكَذَلِكَ الاقطان وَالصُّوف والابريسم والكافور وَسَائِر مَتَاع الْعطر، والصنادلة الَّتِي لَا تقع الاجارة على مَنَافِعهَا قرض وَهَذَا إِذا أطلق الْعَارِية، أما إِذا بَين الْجِهَة كَمَا إِذا اسْتعَار الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير ليعاير بهَا ميزانا أَو يزين بهَا دكانا أَو يتجمل بهَا أَو غير ذَلِك مِمَّا لَا يَنْقَلِب بِهِ عينه لَا يكون قرضا بل يكون عَارِية تملك بهَا الْمَنْفَعَة الْمُسَمَّاة دون غَيرهَا، وَلَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا على وَجه آخر غير مَا سَمَّاهُ.
كَذَا فِي غَايَة الْبَيَان.
إِذا اسْتعَار آنِية يتجمل بهَا أَو سَيْفا محلى أَو سكينا محلى أَو منْطقَة مفضضة، أَو خَاتمًا لم يكن شئ من هَذَا قرضا هَكَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَو قَالَ لآخر أعرتك هَذِه الْقَصعَة من الثَّرِيد فَأَخذهَا وأكلها عَلَيْهِ مثلهَا أَو قيمتهَا وَهُوَ قرض، إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا مباسطة حَتَّى يكون ذَلِك دلَالَة الاباحة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح فِي أثْنَاء الْكتاب عَن الصيرفية فِي الْعُيُون: اسْتعَار من آخر رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبَةً يُدْخِلُهَا فِي بنائِهِ أَو آجرة فَهُوَ ضَامِن لَان هَذَا لَيْسَ بعارية بل هُوَ قرض، وَهَذَا إِذا لم يقل لاردها عَلَيْك، أما إِذا قَالَ لاردها عَلَيْك فَهُوَ عَارِية.
كَذَا فِي الْمُحِيط انْتهى.

قَوْله: (لانها تصير إِجَارَة) الاولى لانها تصير بِهِ إِجَارَة، وَقد نصوا أَن الاجارة تَنْعَقِد بِلَفْظ الاعارة.

قَوْله: (وَصرح فِي الْعمادِيَّة الخ) أَشَارَ إِلَى إِيرَاد وَجَوَاب، وَهُوَ أَن الْعَارِية إِذا كَانَت تمْلِيك الْمَنْفَعَة فَكيف يَصح إِعَارَة الْمشَاع فَإِنَّهُ مَجْهُول الْعين، فَأَشَارَ إِلَى الْجَواب بِأَن الْجَهَالَة الْمَانِعَة من التَّمْلِيك الْجَهَالَة المفضية إِلَى الْمُنَازعَة وجهالة الْعين لَا تُفْضِي إِلَيْهِ، وَلذَا جَازَ بيع الْمشَاع وإيداعه.
وَقد نقل فِي الْبَحْر أَن الَّذِي لَا يضر فِي الْعَارِية جَهَالَة الْمَنَافِع.
أما جَهَالَة الْعين فمضرة إِذا كَانَت تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة، لما فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ بِهِ يضمن إِذا هلك اهـ.
وَقدمنَا تَمَامه قَرِيبا.
وَفِي الْعِنَايَة من الْهِبَة: وَعقد التَّمْلِيك يَصح فِي الْمشَاع وَغَيره كَالْبيع بأنواعه: يَعْنِي الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَالصرْف وَالسّلم، فَإِن الشُّيُوع لَا يمْنَع تَمام الْقَبْض فِي هَذِه الْعُقُود بالاجماع.

قَوْلُهُ: (وَبَيْعِهِ) وَكَذَا إقْرَاضُهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إيجَارُهُ مِنْ الشَّرِيكِ لَا الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا وَقَفَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَة، وَإِلَّا فَجَائِز اتِّفَاقًا وَأفْتى الْكثير بقول مُحَمَّد، وَاخْتَارَ مَشَايِخ بَلخ قَول أبي يُوسُف.
وَأما وديعته فجائزة وَتَكون مَعَ الشَّرِيك.
وَأما قرضه فَجَائِز كَمَا إِذا دفع إِلَيْهِ ألفا وَقَالَ خَمْسمِائَة قرض وَخَمْسمِائة شركَة.
كَذَا فِي النِّهَايَة هُنَا.
وَأما غصبه فمتصور.
قَالَ البزازي: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَذكر لَهُ فِي الْفُصُول صورا: وَأما صدقته فكهبته فَإِنَّهَا لَا تجوز فِي مشَاع يقسم إِلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ على الاصح.
وَتَمَامه فِي أَوَائِل هبة الْبَحْر، وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (لَا تُفْضِي للْجَهَالَة) كَذَا فِي بعض النّسخ وَفِي بَعْضهَا للمنازعة وَهِي أولى.
وَفِي الْمَقْدِسِي مَا يُفِيد رد هَذَا التَّعْلِيل حَيْثُ قَالَ: وَشَرطهَا تعْيين الْمُسْتَعَار، حَتَّى لَو قَالَ لي حماران فِي الاصطبل إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الْخُلَاصَة قَوْله:

(8/524)


(لعدم لُزُومهَا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ إِذْ جَهَالَة عين الْمشَاع لَا تمنع فِي اللُّزُوم أَيْضا وَلذَا جَازَ بَيْعه مَعَ أَن البيع لَازم.
وَالْحَاصِل: أَن إِعَارَة الْمشَاع تصح كَيْفَمَا كَانَ أَي فِي الَّذِي يحْتَمل الْقِسْمَة أَو لَا يحتملها من شريك أَو أَجْنَبِي، وَكَذَا إِعَارَة الشئ مِنْ اثْنَيْنِ أَجْمَلَ أَوْ فَصَّلَ بِالتَّنْصِيفِ أَوْ بالاثلاث كَمَا فِي الْقنية.

قَوْله: (وَقَالُوا علف الدَّابَّة على الْمُسْتَعِير) لَان نَفعه لَهُ فنفقته عَلَيْهِ.

قَوْله: (وَكَذَا نَفَقَة العَبْد) أَي مُطلقَة كَانَت أَو مُؤَقَّتَة كَمَا فِي الْمنح.
قَوْله: أما كسوته فعلى الْمُعير لَان الْعَارِية غير لَازِمَة، وللمعير الرُّجُوع عَنْهَا فِي كل حِين فَكَانَ زَمَنهَا غير مستطيل عَادَة، وَالْكِسْوَة تكون فِي الزَّمَان المستطيل، أَلا يرى أَنه شَرط فِي ثوب الْكسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن يُمكن بَقَاؤُهُ ثَلَاثَة أشهر فَصَاعِدا، وَالْمَنَافِع تحدث فِي كل آن وتتجدد فِي آن غير آن، وبقاؤه غير لَازم وَإِن ذكر لَهَا مُدَّة، فَلَو لَزِمت الْعَارِية بِقَدرِهَا لَخَرَجت عَن موضوعها، وَلَو صَحَّ رُجُوعه لتضرر الْمُسْتَعِير بذهاب كسوته من غير حُصُول انتفاعه.

قَوْله: (وَهَذَا) يَعْنِي إِنَّمَا يكون تمْلِيك مَنَافِع العَبْد عَارِية، وَنَفَقَته على الْمُسْتَعِير لَو قَالَ لَهُ أَعْطِنِي عَبدك ليخدمني أَو أعرني عَبدك، أما لَو قَالَ الْمَالِك خُذْهُ واستخدمه كَانَ إيداعا مَأْذُونا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعَبْد وَدِيعَة فنفقته على الْمُودع كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا.

قَوْله: (لانه وَدِيعَة) الاقرب أَنه إِبَاحَة للِانْتِفَاع، إِذْ لَو كَانَ وَدِيعَة لما جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا.
أَو يُقَال إِنَّهَا وَدِيعَة أَبَاحَ لَهُ الْمَالِك الِانْتِفَاع بهَا.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْقنية: دفعت لَك هَذَا الْحمار لتستعمله وتعلفه من عنْدك عَارِية اهـ.
قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) أَيْ حَقِيقَةً.
قَالَ قَاضِي زَادَهْ: الصَّرِيحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَا انْكَشَفَ المُرَاد مِنْهُ فِي نَفسه فَيتَنَاوَل الْحَقِيقَة الْغَيْر المهجورة وَالْمجَاز الْمُتَعَارف اهـ.
فالاول أعرتك وَالثَّانِي أطعمتك أرضي.

قَوْله: (أَي غَلَّتهَا) قَالَ فِي الْبَحْر: لَان الاطعام إِذا أضيف إِلَى مَا لَا يُؤْكَل عينه يُرَاد بِهِ مَا يستغل مِنْهُ مجَازًا لانه مَحَله اهـ.
وَلَو قَالَ أطعمتك هَذَا الْجَزُور فَهُوَ عَارِية إِلَّا أَن يُرِيد الْهِبَة.
هندية.
وَهَذَا يُفِيد تَقْيِيد الارض بِمَا إِذا كَانَ فِيهَا غلَّة وَإِلَّا فَلَا صِحَة لهَذَا التَّرْكِيب.
وَفِيه أَن المُرَاد أَنه أعارها لَهُ ليزرعها، فَإِنَّهُ إِذا عبر بالاطعام اخْتصّت عاريتها بِالِانْتِفَاعِ بزراعتها فَلَا يَبْنِي وَلَا يغْرس كَمَا سَيَأْتِي آخر الْكتاب، فَقَوله أَي غَلَّتهَا أَي إِنَّك تزرعها وتستغلها.

قَوْله: (لانه صَرِيح مجَازًا الخ) عبارَة الْعَيْنِيّ والدرر: لَان الاطعام إِذا أضيف إِلَى مَا لَا يطعم كالارض يُرَاد بِهِ غَلَّتهَا إطلاقا لاسم الْمحل على الْحَال.
وَحَاصِله: أَن الصَّرِيح مَا لَا يحْتَمل غَيره، وَهُوَ يكون حَقِيقَة ومجازا لَان الْمُعْتَبر فِيهِ قرينَة مَانِعَة من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَلذَلِك كَانَ صَرِيحًا لَا يحْتَمل غَيره، بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهَا لَا يعْتَبر مَعهَا قرينَة
قَوْله: (ومنحتك) أَصله أَن يُعْطي الرجل نَاقَة أَو شَاة ليشْرب لَبنهَا ثمَّ يردهَا إِذا ذهب درها ثمَّ كثر ذَلِك، حَتَّى قيل فِي كل من أعْطى شَيْئا منحتك، وَإِذا أَرَادَ بِهِ الْهِبَة أَفَادَ ملك الْعين وَإِلَّا بَقِي على أصل وَضعه

(8/525)


اهـ.
زَيْلَعِيّ
قَوْله: (ثوبي أَو جاريتي هَذِه) أَتَى باسم الاشارة وَلم يكتف بِإِضَافَة الثَّوْب وَالْجَارِيَة إِلَى نَفسه، لانه لَا يلْزم من الاضافة إِلَيْهِ أَن يكون الثَّوْب أَو الْجَارِيَة معينا لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ أَكثر من ثوب وَجَارِيَة لانه يشْتَرط عدم جَهَالَة الْعين المستعارة كَمَا سبق، وَحِينَئِذٍ سقط قَول السَّيِّد الْحَمَوِيّ: ينظر مَا الدَّاعِي إِلَى إقحام اسْم الاشارة فِي هَذَا وَمَا بعده، وهلا أغنت الاضافة إِلَى نَفسه عَن ذَلِك
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَنَحْتُك، أما حَملتك فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ: إِنَّه مُسْتَعْمل فِيهِمَا.
يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً وَالْعَارِيَّةُ أُخْرَى، فَإِذَا نوى إِحْدَاهمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَمَلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمَهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ.
اهـ.
وَهَذَا يدل على أَنه مُشْتَرك بَينهمَا، لَكِن إِنَّمَا أُرِيد

(8/526)