قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار»

كتاب الايداع
كَانَ الْقيَاس أَن يَقُول كتاب الْوَدِيع بِدُونِ التَّاء، لانه فعيل بِمَعْنى مفعول وَفِيه يَسْتَوِي الْمُذكر والمؤنث، تَقول رجل جريح وَامْرَأَة جريح، وَإِنَّمَا عدل عَن الْقيَاس لانه جعل من عدد الاسماء تدخل عَلَيْهِ التَّاء كالذبيحة والنطيحة فَتكون للنَّقْل لَا للتأنيث.
نوح أَفَنْدِي.
وَأَصله أوداع وَقعت الْوَاو إِثْر كسرة قلبت يَاء فَصَارَ إِيدَاع اهـ.
سري الدّين.
وَاعْلَم أَن الْفُقَهَاء يبحثون عَن أَفعَال الْمُكَلف، لَكِن الْفُقَهَاء يعنون بعض الْكتب بهَا كَقَوْلِهِم كتاب النِّكَاح كتاب البيع وَالْهِبَة، وَفِي بَعْضهَا بِمَا يتَعَلَّق بِتِلْكَ الافعال ككتاب الْعَارِية والمأذون وَالْوَجْه فِيهِ غير ظَاهر در.
منتقى وَحفظ الامانة يُوجب سَعَادَة الدَّاريْنِ والخيانة توجب الشَّقَاء فيهمَا، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الامانة تجر الْغنى، والخيانة تجر الْفقر.
وَرُوِيَ أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا من الْحزن على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَامَت لَهُ تُنَادِي: أَيُّهَا الْمَلِكُ اسْمَعْ كَلَامِي، فَوَقَفَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتْ: الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوك، والخيانة أَقَامَت الْمُلُوك مقَام الْمُلُوك، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل إِنَّهَا زليخا، فَتَزَوجهَا مرحمة عَلَيْهَا انْتهى.
زَيْلَعِيّ والايداع والاستيداع بِمَعْنى.
وَفِي الْمغرب يُقَال: أودعت زيدا مَالا واستودعته إِيَّاه: إِذا دَفعته إِلَيْهِ ليَكُون عِنْده فَأَنا مُودع ومستودع بِالْكَسْرِ وَزيد مُودع ومستودع بِالْفَتْح وَالْمَال مُودع ومستودع: أَي وَدِيعَة اهـ.
ط بِزِيَادَة.

قَوْله: (وَهُوَ الامانة) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَحكم الْوَدِيعَة الْحِفْظ على الْمُسْتَوْدع وَوُجُوب الاداء عِنْد الطّلب وصيرورة المَال أَمَانَة فِي يَده.
وَفِي الْعِنَايَة: وَجه مُنَاسبَة هَذَا الْكتاب لما تقدم قد مر فِي أول الاقرار، وَهُوَ أَن المَال الثَّابِت لَهُ إِن حفظه بِنَفسِهِ فَظَاهر، وَإِن بِغَيْرِهِ فوديعة ثمَّ ذكر بعده الْعَارِية وَالْهِبَة والاجارة للتناسب بالترقي من الادنى إِلَى الاعلى، لَان الْوَدِيعَة أَمَانَة بِلَا تمْلِيك شئ، وَالْعَارِية أَمَانَة مَعَ تمْلِيك الْمَنْفَعَة بِلَا عوض، وَالْهِبَة تمْلِيك عين بِلَا عوض والاجارة تمْلِيك الْمَنْفَعَة بعوض، وَهِي أَعلَى من الْهِبَة لانه عقد لَازم وَاللَّازِم أقوى وَأَعْلَى مِمَّا لَيْسَ بِلَازِم اهـ.
أَي فَكَانَ فِي الْكل الترقي من الادنى إِلَى الاعلى: فَأول الْغَيْث قطر ثمَّ ينسكب
قَوْله: (من الودع) فالمزيد مُشْتَقّ من الْمُجَرّد.
قَالَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى.
من ودع ودعا: أَي ترك وَكِلَاهُمَا مُسْتَعْمل فِي الْقُرْآن والْحَدِيث.
ذكره ابْن الاثير.
فَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بشذوذهما انْتهى.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: من الودع، وَهُوَ مُطلق التّرْك، وَمَا ذكره النُّحَاة من أَن الْعَرَب أماتوا مصدر يدع رده قَاضِي زَاده بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفْصح الْعَرَب وَقد قَالَ لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجَمَاعَات أَو ليختمن على قُلُوبهم أَو ليكتبن من الغافلين أَي عَن تَركهم إِيَّاهَا، وَالْمرَاد من الْخَتْم فِي الحَدِيث أَن يحدث فِي
نُفُوسهم هَيْئَة تمرنهم على عدم نُفُوذ الْحق فِيهَا، كَذَا بِخَط شَيخنَا.
وَقَوله: ليختمن بِضَم الْيَاء التَّحْتِيَّة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبفتح الْمِيم أَيْضا.
وَقَوله: ليكتبن بِضَم الْيَاء التَّحْتِيَّة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
وبضم الْبَاء الْمُوَحدَة من تَحت.
كَذَا السماع من شَيخنَا أبي السُّعُود.
وَقَالَ تَعَالَى: * ((93) مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى) * (الضُّحَى: 3) قرئَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد.

قَوْله: (وَشرعا الخ) الانسب بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَن

(8/464)


يَقُول: هُوَ ترك مَاله عِنْد غَيره لحفظه.

قَوْله: (كَأَن انفتق) عبر بِهِ لانه لَو فتقه مَالِكه وَتَركه فَلَا ضَمَان على أحد، وَلَو فتقه غَيره فَالضَّمَان على الفاتق.
كَذَا ظهر لي وَيُحَرر ط.

قَوْله: (فَأَخذه رجل) أما إِذا لم يَأْخُذهُ وَلم يدن مِنْهُ لَا يضمن، منح عَن الْمُحِيط.
وَهَذَا يُفِيد أَنه إِذا دنا مِنْهُ لزمَه وَإِن لم يَأْخُذهُ وَالْعلَّة تنافيه.

قَوْله: (بغيبة مَالِكه) أما إِذا كَانَ الْمَالِك حَاضرا لم يضمن فِي الْوَجْهَيْنِ.
منح أَي فِي الاخذ وَعَدَمه.

قَوْله: (ثمَّ تَركه ضمن) مَا ذكره من التَّعْرِيف لَيْسَ خَاصّا بالوديعة بل بشمل اللّقطَة، لانه إِذا رَفعهَا لزمَه حفظهَا، وَمَعَ هَذَا لَا تسمى وَدِيعَة، ثمَّ فِي تَعْرِيفه على مَا ذكره المُصَنّف نظر، لَان الْمَذْكُور فِي المُصَنّف التسليط وَهُوَ فعل الْمَالِك وَهَذَا الْتِزَام وَهُوَ فعل الامين، وَلم يكن بتسليط من الْمَالِك لَا صَرِيحًا وَلَا دلَالَة، وَإِنَّمَا التسليط دلَالَة فِيمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مَا لَو وضع ثوبا بَين يَدي رجل وَلم يقل شَيْئا، فَتَأمل.
وَيقرب من هَذَا مَا ذكره فِي الاشباه فِي فن الحكايات عَن أبي حنيفَة قَالَ: كنت مجتازا فَأَشَارَتْ إِلَيّ امْرَأَة إِلَى شئ مطروح فِي الطَّرِيق فتوهمت أَنَّهَا خرساء وَأَن الشئ لَهَا فَلَمَّا رفعته إِلَيْهَا قَالَت احفظه حَتَّى تسلمه لصَاحبه فَإِنَّهُ لقطَة انْتهى.
إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد تسليط الشَّرْع فَإِنَّهُ بالاخذ الْتزم حفظه شرعا.
تَأمل.

قَوْله: (لانه بِهَذَا الاخذ الْتزم حفظه دلَالَة) عِلّة.
ل
قَوْله: (ضمن) وَوجه كَونه من التسليط على الْحِفْظ دلَالَة أَن الْمَالِك يجب حفظ مَاله وَيجب المعاونة على حفظه فَكَأَنَّهُ أمره بِالْحِفْظِ، والمؤلف جعل الدّلَالَة من قبل الْمُودع بِالْفَتْح وَهُوَ خلاف الْمَوْضُوع، فَلَو قَالَ لانه بِهَذَا سلطه على حفظه دلَالَة لَكَانَ أليق ط.

قَوْله: (والوديعة مَا تتْرك عَن الامين) أَي للْحِفْظ، زَاد البرجندي فَقَط.
ليخرج الْعَارِية لانها تتْرك للْحِفْظ وَالِانْتِفَاع، وَإِنَّمَا لم يُقيد بِهِ تبعا لصَاحب الْكَنْز لاعتباره فِي تَعْرِيف الايداع السَّابِق.
قَوْله:
(وَهِي أخص من الامانة) لَان الامانة اسْم لما هُوَ غير مَضْمُون فَيشْمَل جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا.
والوديعة مَا ودع للْحِفْظ بالايجاب وَالْقَبُول فَكَانَا متغايرين: أَي بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص.
وَالْحكم فِي الْوَدِيعَة أَنه يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَلَا يبرأ عَن الضَّمَان إِذا عَاد الْوِفَاق فِي الامانة، وَالْفرق بَين الْوَدِيعَة والامانة الْعُمُوم وَالْخُصُوص، فَإِن كل وَدِيعَة أَمَانَة، وَالْعَكْس لَيْسَ كَذَلِك، وَحمل الاعم على الاخص يجوز كَمَا فعله صَاحب الدُّرَر دون عَكسه كَمَا فعله الْقَدُورِيّ، لَان الامانة تَشْمَل مَا إِذا كَانَ من غير قصد، كَمَا إِذا هبت الرّيح فِي ثوب إِنْسَان فألقته فِي حجر غَيره.
وَمَا يُقَال من أَن الْوَدِيعَة قد تكون من غير صنع الْمُودع على مَا صرح بِهِ صَاحب الْهِدَايَة فِي آخر بَاب الِاسْتِثْنَاء من كتاب الاقرار فَدفعهُ بِحمْل الْوَدِيعَة ثمَّة على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي، وَمثل هَذَا كثير لَا يخفى على من تدرب.

قَوْله: (كَمَا حَقَّقَهُ المُصَنّف وَغَيره) قَالَ المُصَنّف فِي منحه: وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: أَن الْوَدِيعَة خَاصَّة بِمَا ذكرنَا والامانة عَامَّة تَشْمَل مَا لَو وَقع فِي يَده شئ من غير قصد، بِأَن هبت الرّيح بِثَوْب إِنْسَان وألقته فِي حجر غَيره وَحكمهَا مُخْتَلف فِي بعض الصُّور، لَان فِي الْوَدِيعَة يبرأ من الضَّمَان بعد الْخلاف إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يبرأ عَن الضَّمَان بعد الْخلاف.

(8/465)


الثَّانِي: إنَّ الْأَمَانَةَ عِلْمٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فتشمل جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا، والوديعة مِمَّا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ، وَاخْتَارَهُ صَاحب الْهِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَنقل الاول عَن الامام بدر الدّين الْكرْدِي اهـ.
وَقد أوسع الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام العلامتان صدر الشَّرِيعَة وقاضي زَاده.

قَوْله: (وركنها الايجاب صَرِيحًا) أَي قولا أَو فعلا.

قَوْلُهُ: (أَوْ كِنَايَةً) الْمُرَادُ بِهَا مَا قَابَلَ الصَّرِيح مثل كنايات الطَّلَاق لَا البيانية كَمَا نذكرهُ قَرِيبا
قَوْله: (كَقَوْلِه لرجل أَعْطِنِي الخ) لَو قَالَ كَقَوْلِه لرجل أَعطيتك بعد قَوْله أَعْطِنِي كَانَ أوضح، لَان الايجاب هُوَ قَوْله أَعطيتك على أَن قَوْله أَعْطِنِي لَيْسَ بِلَازِم فِي التَّصْوِير ط.

قَوْله: (لَان الاعطاء
يحْتَمل الْهِبَة) أَي وَيحْتَمل الْوَدِيعَة.
وَفِيه أَن احْتِمَال الْوَدِيعَة فِي مثل هَذِه الْعبارَة بعيد جدا لُغَة وَعرفا فلماذا عدلوا عَن الْمُتَبَادر إِلَى غَيره.

قَوْله: (لَكِن الْوَدِيعَة أدنى) هَذَا التَّعْلِيل ذكره فِي الْبَحْر أَيْضا، وَيُشِير إِلَى أَن المُرَاد بِالْكِنَايَةِ الْكِنَايَة البيانية، وَهِي إِطْلَاق الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم كَقَوْلِه: فلَان طَوِيل النجاد كثير الرماد على مَا عرف فِي فن الْبَيَان، وَلَيْسَ كَذَلِك لعدم انْتِقَاله من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم وَلَا عَكسه، فَعلمنَا أَن المُرَاد بِالْكِنَايَةِ مَا احتملها وَغَيرهَا كَمَا ذكرنَا، فَلَو قَالَ صَرِيحًا أَو احْتِمَالا لَكَانَ أظهر.
تَأمل.

قَوْله: (وَلم يقل شَيْئا) فَلَو ذهب وَتَركه ضمن إِذا ضَاعَ فَهَذَا من الايجاب دلَالَة كَمَا أَنه من الْقبُول كَذَلِك، أما لَو قَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ إذْ الْقَبُولُ عُرْفًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الرَّدِّ صَرِيحًا.
قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ دَلَّ هَذَا أَنَّ الْبَقَّارَ لَا يَصِيرُ مُودَعًا فِي بَقَرَةِ مَنْ بَعَثَهَا إلَيْهِ فَقَالَ الْبَقَّارُ لِلرَّسُولِ اذْهَبْ بِهَا إلَى رَبِّهَا فَإِنِّي لَا أَقْبَلُهَا فَذَهَبَ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْبَقَّارُ، وَقَدْ مر خِلَافه.
يَقُول الحقير: قَوْلُهُ يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي، إذْ الرَّسُولُ لَمَّا أَتَى بِهَا إلَيْهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الرِّسَالَةِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا، فَلَمَّا قَالَ الْبَقَّارُ رُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا صَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَلِذَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ.
نُورُ الْعَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ لَمْ أَقْبَلْ حَتَّى لم يصر مودعا وَترك الثَّوْب ربه فَذهب فَرَفَعَهُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ يَنْبَغِي أَن يضمن لانه لما ثَبت الْإِيدَاعُ صَارَ غَاصِبًا بِرَفْعِهِ.
يَقُولُ الْحَقِيرُ: فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ وَلَمْ تُوجَدْ وَرَفْعُهُ الثَّوْبَ لِقَصْدِ النَّفْعِ لَا للضَّرَر بَلْ تَرْكُ الْمَالِكِ ثَوْبَهُ إيدَاعٌ ثَانٍ وَرَفْعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ قَبُولٌ ضِمْنًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يضمن، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
وَفِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة: لَو وضع عِنْدَ قَوْمٍ فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ ضَمِنُوا إذَا ضَاعَ، وَإِنْ قَامُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ضَمِنَ الْأَخِيرُ لانه تعين للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان اهـ.
فَكُلٌّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهِ غَيْرُ صَرِيحٍ كَمَسْأَلَة الخاني الْآتِيَة قَرِيبا بل بطرِيق الدّلَالَة.
أَقُول: لَكِن فِي النَّفس شئ من بحث نور الْعين فِي مَسْأَلَة البقار، وَهُوَ أَن البقار لما لم يقبل
الْبَقَرَة لم يصر مودعا قطعا وَالرَّسُول لما أدّى الرسَالَة انْتَهَت يَده الْمَأْذُون بهَا من الْمَالِك وَصَارَ كل مِنْهُمَا أَجْنَبِيّا فِي حق حفظ الْبَقَرَة وَالْبَقَرَة فِي حكم اللّقطَة حِينَئِذٍ، فَإِذا أَمر أَجْنَبِيّا بِرَفْع اللّقطَة وحفظها لِرَبِّهَا

(8/466)


لَا يضمن.
الْآمِر قطعا، فَكَذَا لَا يضمن هُنَا.
وَأما تضمين الرَّسُول فَلَا وَجه لَهُ أَيْضا لانه من قبيل من رد الضَّالة لِرَبِّهَا وَهُوَ مَأْذُون بِهِ عَادَة، هَذَا مَا ظهر لي فَليُرَاجع.
فَرْعٌ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ دَار غَيره وأخرجها رب الدَّال لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالدَّارِ، وَلَوْ وَجَدَ دَابَّة فِي مربطه فأخرجها ضمن.

قَوْله: (فَهُوَ إِيدَاع) أَي الْوَضع المرقوم إِيدَاع.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْغَصْب: والوديعة إِذا وضع بَين يَدي الْمَالِك بارئ لَا فِي الدّين حَتَّى يَضَعهُ فِي يَده أَو حجره اهـ.
فَصَارَ ابْتِدَاء الايداع وانتهاؤه سَوَاء.

قَوْله: (أَو دلَالَة كَمَا لَوْ سَكَتَ) أَيْ فَإِنَّهُ قَبُولٌ.
وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ قَالَ: وَضَعَ شَيْئًا فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى ضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ.
وضع عِنْد آخر شَيْئا وَقَالَ احفظه فَضَاعَ لَا يضمن لعدم الْتِزَام الْحِفْظ اهـ.
وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا وَعَدَمِهِ.
سائحاني.

قَوْله: (دلَالَة) أَي حَالية، وَلَو قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَكُونُ مُودَعًا لِأَنَّ الدّلَالَة لم تُوجد ذكره المُصَنّف، والاولى مَا فِي شرح الْمُنْتَقى حَيْثُ قَالَ: لَان الدّلَالَة لَا تعَارض الصَّرِيح اهـ.
وَمثله فِي كثير من الْكتب.
فَظهر من هَذَا سُقُوط مَا فِي الْقنية من أول كتاب الْوَدِيعَة: وضع عِنْده شَيْئا وَقَالَ لَهُ احفظه حَتَّى أرجع فصاح لَا أحفظه وَتَركه صَاحبه صَار مودعا، وَيضمن إِن ترك حفظه فَهُوَ مُشكل لَان فِيهِ تَقْدِيم الدّلَالَة على الصَّرِيح، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ ضَعْهُ فِي الْجَانِب من بَيْتِي إِلَّا أَنِّي لَا ألتزم حفظه حَتَّى يصير مودعا لتعارض الصريحين فتساقط فَبَقيَ وَدِيعَة عِنْده.

قَوْله: (بمرأى من الثيابي) وَلَا يكون الحمامي مودعا مَا دَامَ الثيابي حَاضرا، فَإِذا كَانَ غَائِبا فالحمامي مُودع اهـ.
بَحر.
وَفِيه عَن الْخُلَاصَةِ: لَبِسَ ثَوْبًا فَظَنَّ الثِّيَابِيُّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَإِذا هُوَ ثوب الْغَيْر ضمن وَهُوَ الاصح اهـ.
أَيْ لِأَنَّهُ بِتَرْكِ السُّؤَالِ وَالتَّفَحُّصِ يَكُونُ مُفَرِّطًا فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ.
والثيابي: بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة هُوَ حَافظ الثِّيَاب فِي الْحمام، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي
بِلَادنَا بالناطور.
قَالَ فِي الْقَامُوس: مَحْمُود بن عمر الْمُحدث: الثيابي كَانَ يحفظ الثِّيَاب فِي الْحمام اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَة: رجل دخل الْحمام وَقَالَ لصَاحب الْحمام احفظ الثِّيَاب فَلَمَّا خرج لم يجد ثِيَابه، فَإِن أقرّ صَاحب الْحمام أَن غَيره رَفعهَا وَهُوَ يرَاهُ ويظن أَنه رفع ثِيَاب نَفسه فَهُوَ ضَامِن، لانه ترك الْحِفْظ حَيْثُ لم يمْنَع القاصد وَهُوَ يرَاهُ، وَإِن أقرّ إِنِّي رَأَيْت وَاحِدًا قد رفع ثِيَابك إِلَّا أَنِّي ظَنَنْت أَن الرافع أَنْت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، لانه لم يصر تَارِكًا للْحِفْظ لما ظن أَن الرافع هُوَ، وَإِن سرق وَهُوَ لَا يعلم بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن لم يذهب عَن ذَلِك الْموضع وَلم يضيع وَهُوَ قَول الْكل، لَان صَاحب الْحمام مُودع فِي حق الثِّيَاب إِذا لم يشْتَرط لَهُ بِإِزَاءِ حفظه الثِّيَاب أجرا، أما إِذا شَرط لَهُ بِإِزَاءِ حفظ الثِّيَاب أجرا وَقَالَ الاجرة بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بالحمام وَالْحِفْظ فَحِينَئِذٍ يكون على الِاخْتِلَاف، وَإِن دفع الثِّيَاب إِلَى الثيابي وَهُوَ الَّذِي يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ جامه دَار فعلى الِاخْتِلَاف لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا سرق عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لانه أجِير مُشْتَرك.
رجل دخل الْحمام وَنزع الثِّيَاب بَين يَدي صَاحب الْحمام وَلم يقل بِلِسَانِهِ شَيْئا فَدخل الْحمام ثمَّ خرج وَلم يجد ثِيَابه: إِن لم يكن للحمام ثِيَابِي يضمن صَاحب الْحمام مَا يضمن الْمُودع، وَإِن كَانَ للحمام

(8/467)


ثِيَابِي إِلَّا أَنه لم يكن حَاضرا فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ حَاضرا لَا يضمن صَاحب الْحمام، لَان هَذَا استحفاظ إِلَّا إِذا نَص على استحفاظ صَاحب الْحمام، بِأَن قَالَ لَهُ أَيْن أَضَع الثِّيَاب فَيصير صَاحب الْحمام مودعا فَيضمن مَا يضمن الْمُودع.
وَفِي التَّجْنِيس: رجل دخل الْحمام وَنزع الثِّيَاب بِمحضر من صَاحب الْحمام ثمَّ خرج فَوجدَ صَاحب الْحمام نَائِما وسرقت ثِيَابه، إِن نَام قَاعِدا أَو مُضْطَجعا بِأَن وضع جنبه على الارض، فَفِي الْوَجْه الاول لَا يضمن، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي قَالَ بَعضهم: يضمن.
اهـ.
وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: رجل دخل حَماما وَقَالَ للحمامي أَيْن أَضَع ثِيَابِي فَأَشَارَ الحمامي إِلَى مَوضِع فَوَضعه ثمَّة وَدخل الْحمام ثمَّ خرج رجل وَرفع الثِّيَاب فَلم يمنعهُ الحمامي لما أَنه ظَنّه صَاحب الثَّوْب ضمن الحمامي لانه استحفظه وَقد قصر فِي الْحِفْظ، وَهَذَا قَول ابْن سَلمَة وَأبي نصير الدبوسي.
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يَقُول: لَا ضَمَان على الحمامي، والاول أصح اهـ.
أَقُول: وَهُوَ الْمُوَافق لما مر قَرِيبا عَن الذَّخِيرَة.
وَفِي فَتَاوَى الفضلي: امْرَأَة دخلت الْحمام وَدفعت ثِيَابهَا إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي تمسك الثِّيَاب فَلَمَّا خرجت لم تَجِد عِنْدهَا ثوبا من ثِيَابهَا: قَالَ مُحَمَّد بن الْفضل: إِن كَانَت الْمَرْأَة دخلت أَولا فِي هَذَا الْحمام وَدفعت ثِيَابهَا إِلَى الَّتِي تمسك الثِّيَاب فَلَا ضَمَان على الثيابية فِي قَوْلهم إِذا لم تعلم أَنَّهَا تحفظ الثِّيَاب بِأَجْر، لانها إِذا دخلت أول مرّة وَلم تعلم بذلك وَلم تشْتَرط لَهَا الاجر على الْحِفْظ كَانَ ذَلِك إيداعا، وَالْمُودع لَا يضمن عِنْد الْكل إِلَّا بالتضييع وَإِن كَانَت هَذِه الْمَرْأَة قبل هَذِه الْمَرْأَة قد دخلت الْحمام وَكَانَت تدفع ثِيَابهَا إِلَى هَذِه الممسكة وتعطيها الاجر على حفظ الثِّيَاب فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لَهما لانها أجيرة مُشْتَركَة.
وَالْمُخْتَار فِي الاجير الْمُشْتَرك قَول أبي حنيفَة، وَقيل هُوَ قَول مُحَمَّد، وَالْفَتْوَى على قَول أبي حنيفَة أَن الثيابي لَا يضمن إِلَّا بِمَا ضمن الْمُودع.
وَذكر قاضيخان أَنه يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدهمَا على التَّفْصِيل إِن كَانَ الثيابي أجِير الحمامي يَأْخُذ مِنْهُ كل يَوْم أجرا مَعْلُوما بِهَذَا الْعَمَل لَا يكون ضَامِنا عِنْد الْكل بِمَنْزِلَة تلميذ الْقصار وَالْمُودع.
اهـ.
وَفِي منهوات الانقروي: دخل الْحمام فَوضع الحارس لَهُ الفوطة ليضع ثِيَابه عَلَيْهَا فَنزع أثوابه ووضعها على الفوطة وَدخل واغتسل وَخرج وَلم يجد عمَامَته هَل يضمنهَا الحارس؟ أجَاب: نعم يضمنهَا لانه استحفظ وَقد قصر فِي الْحِفْظ.
كَذَا فِي فَتَاوَى ابْن نجيم.
وَفِي زَمَاننَا الثيابي أجِير مُشْتَرك بِلَا شُبْهَة، وَالْمُخْتَار فِي الاجير الْمُشْتَرك الضَّمَان بِالنِّصْفِ، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُفْتى فِي الثيابي بِضَمَان النّصْف.
تَأمل.
اهـ.

قَوْله: (كَانَ إيداعا) هَذَا من الايجاب وَالْقَبُول دلَالَة.

قَوْله: (وَهَذَا) أَي اشْتِرَاط الْقبُول أَيْضا.
قَالَ فِي الْمنح: وَمَا ذكرنَا من الايجاب وَالْقَبُول شَرط فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الامانة فتتم بالايجاب اهـ.
وَالْمرَاد بِحَق الامانة أَنه لَا يكون مَضْمُونا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْقبُول صَرِيح وَدلَالَة فنفيه هُنَا بِمَعْنَى الرَّدِّ، أَمَّا لَوْ سَكَتَ فَهُوَ قبُول دلَالَة.
وَالْحَاصِل: أَن المُرَاد نفي الْقبُول بقسميه فَتَأمل.

قَوْله: (وَشَرطهَا كَون المَال قَابلا الخ) فِيهِ

(8/468)


تسَامح إِذْ المُرَاد إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ وَبِه عبر الزَّيْلَعِيّ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الدُّرَر.
بقوله: وَحفظ شئ بِدُونِ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ محَال اهـ.
وَجرى عَلَيْهِ بَعضهم كالحموي والشرنبلالي.
وَأجَاب عَنهُ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود بِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد من جعل القابلية شرطا عدم اشْتِرَاط إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ، بل المُرَاد الِاحْتِرَاز عَمَّا لَا يقبل ذَلِك بِدَلِيل التَّعْلِيل والتفريع اللَّذين ذكرهمَا الشَّارِح، فَتدبر اه.
أَقُول: لَكِن الَّذِي قدمه فِي الدُّرَر يُفِيد كِفَايَة قبُول وضع الْيَد، فَإِن من وضع ثِيَابه بَين يَدي رجل سَاكِت كَانَ إيداعا، وَكَذَلِكَ وضع الثِّيَاب فِي الْحمام وربط الدَّابَّة فِي الخان من أَنه لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ.
وَقَوله: وَحفظ الشئ بِدُونِ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ مَعْنَاهُ بِدُونِ إِمْكَان إِثْبَاتهَا، فَتَأمل.
وَعَلِيهِ فَيكون المُرَاد بقبولها إِثْبَات الْيَد وَقت الايداع والطائر وَنَحْوه سَاعَة الايداع غير قَابل لذَلِك.

قَوْله: (لم يضمن) الاولى أَن يَقُول: لَا يَصح لانه إِذا وجده بعد وَوضع يَده عَلَيْهِ وَهلك من غير تعد لم يضمن فَتدبر ط.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: أودع صَبيا وَدِيعَة فَهَلَكت مِنْهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ بالاجماع، فَإِن استهلكها: إِن كَانَ مَأْذُونا فِي التِّجَارَة ضمنهَا إِجْمَاعًا، وَإِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ، إِن قبضهَا بِإِذن وليه ضمن أَيْضا إِجْمَاعًا، وَإِن قبضهَا بِغَيْر إِذن وليه لَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْدهمَا لَا فِي الْحَال وَلَا بعد الادراك.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يضمن فِي الْحَال، وَإِن أودعهُ عبدا فَقتله ضمن إِجْمَاعًا.
وَالْفرق أَن الصَّبِي من عَادَته تَضْييع الاموال فَإِذا سلمه مَعَ علمه بِهَذِهِ الْعَادة فَكَأَنَّهُ رَضِي بالاتلاف فَلم يكن لَهُ تَضْمِينه، وَلَيْسَ كَذَلِك الْقَتْل لانه لَيْسَ من عَادَة الصّبيان فَيضمنهُ وَيكون قِيمَته على عَاقِلَته، وَإِن جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَال الصَّبِي اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول: يسْتَثْنى مِنْ إيدَاعِ الصَّبِيِّ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِع والاخذ.
كَذَا فِي الْفَوَائِد الزينية.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَو اسْتهْلك مَال الْغَيْر من غير أَن يكون عِنْده وَدِيعَة ضمن فِي الْحَال.
كَذَا فِي الْعِنَايَة لانه مَحْجُور عَلَيْهِ فِي الاقوال دون الافعال كَمَا ذكر فِي الْحجر، وَسَيَأْتِي مزِيد تَفْصِيل فِي الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْجِنَايَات قبل الْقسَامَة فأسطر فَرَاجعه إِن شِئْت اهـ.

قَوْله: (وَلَو عبدا مَحْجُورا ضمن بعد عتقه) أَي لَو بَالغا، فَلَو قاصرا لَا ضَمَان عَلَيْهِ أصلا.
أَبُو السُّعُود.
وَإِنَّمَا لم يضمن فِي الْحَال لحق مَالِكه فَإِن
الْمُودع لما سلطه على الْحِفْظ وَقَبله العَبْد حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو كَانَ ذَلِك بالتعاطي فَكَانَ من قبيل الاقوال، وَالْعَبْد مَحْجُور عَنْهَا فِي حق سَيّده، فَإِذا عتق ظهر الضَّمَان فِي حَقه لتَمام رَأْيه، وَهَذَا إِذا لم تكن الْوَدِيعَة عبدا، فَلَو أودع صَبيا عبدا فَقتله الصَّبِي ضمن عَاقِلَته سَوَاء قَتله عمدا أَو خطأ، لَان عمده خطأ، وَلَيْسَ مسلطا على الْقَتْل من جَانب الْمولى لَان الْمولى لَا يملك الْقَتْل فَلَا يملك التسليط عَلَيْهِ، فَإِن أودع العَبْد عِنْد عبد مَحْجُور فَقتله خطأ كَانَ من قبيل الافعال وَهُوَ غير مَحْجُور عَنْهَا، وَلم تكن من الاقوال لَان مولى العَبْد لَا يملك تَفْوِيض قَتله للْمُودع، فَكَانَ على مولى العَبْد الْمُودع الْقَاتِل أَن يَدْفَعهُ أَو يفْدِيه كَمَا هُوَ حكم الْخَطَأ، وَإِن قَتله عمدا قتل بِهِ إِلَّا أَن يعْفُو وليه.
رَحْمَتي.

قَوْله: (وَهِي أَمَانَة) هَذَا من قبيل حمل الْعَام على الْخَاص وَهُوَ جَائِز كالانسان حَيَوَان، وَلَا يجوز عَكسه لَان الْوَدِيعَة عبارَة عَن كَون الشئ أَمَانَة باستحفاظ صَاحبه عِنْد غَيره قصدا، والامانة قد تكون من غير قصد، والوديعة

(8/469)


خَاصَّة والامانة عَامَّة، والوديعة بِالْعقدِ والامانة أَعم، فتنفرد فِيمَا إِذا هبت الرّيح بِثَوْب إِنْسَان وألقته فِي حجر غَيره، وَتقدم أَنه يبرأ عَن الضَّمَان فِي الْوَدِيعَة إِذا عَاد إِلَى الْوِفَاق، والامانة غَيرهَا لَا يبرأ عَن الضَّمَان بالوفاق ط.
وَمثله فِي النِّهَايَة والكفاية.
قَالَ يَعْقُوب باشا: وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَنه إِذا اعْتبر فِي إِحْدَاهمَا الْقَصْد وَفِي الاخرى عَدمه كَانَ بَينهمَا تبَاين لَا عُمُوم وخصوص.
والاولى أَن يُقَال: والامانة قد تكون بِغَيْر قصد كَمَا لَا يخفى انْتهى.
لَكِن يُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد.
ب
قَوْله: (والامانة مَا يَقع فِي يَده من غير قصد كَونهَا بِلَا اعْتِبَار قصد) ، لَان عدم الْقَصْد مُعْتَبر فِيهَا حَتَّى يلْزم التباين، بل هِيَ أَعم من الْوَدِيعَة لانها تكون بِالْقَصْدِ فَقَط والامانة قد تكون بِالْقَصْدِ بِغَيْر تدبر.
وَمَا فِي الْعِنَايَة من أَنه قد ذكرنَا أَن الْوَدِيعَة فِي الِاصْطِلَاح هِيَ التسليط على الْحِفْظ وَذَلِكَ يكون بِالْعقدِ والامانة أَعم من ذَلِك فَإِنَّهَا قد تكون بِغَيْر عقد فِيهِ كَلَام، وَهُوَ أَن الامانة مباينة للوديعة بِهَذَا الْمَعْنى لَا أَنَّهَا أَعم مِنْهَا، لَان التسليط على الْحِفْظ فعل الْمُودع وَهُوَ الْمَعْنى والامانة عين من الاعيان فيكونان متباينين.
والاول أَن يَقُول: والوديعة مَا تتْرك عِنْد الامين كَمَا فِي هَذَا الْمُخْتَصر.
داماد.

قَوْله: (والاداء عِنْد الطّلب) أَي إِلَّا فِي مسَائِل ستأتي: مِنْهَا مَا إِذا كَانَت سَيْفا وَأَرَادَ قتل آخر ظلما كَمَا فِي
الدّرّ الْمُنْتَقى.

قَوْله: (واستحباب قبُولهَا) قَالَ الشمني: وشرعية الايداع.
بقوله تَعَالَى: * (إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الامانات إِلَى أَهلهَا) * (النِّسَاء: 85) وَأَدَاء الامانة لَا يكون إِلَّا بعْدهَا، ولان قبُول الْوَدِيعَة من بَاب الاعانة لَان يحفظها لصَاحِبهَا، وَهِي مَنْدُوبَة لقَوْله تَعَالَى: * (وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى) * (الْمَائِدَة: 2) وَقَوله صلى الله تَعَالَى عَنهُ وَسلم: وَالله تَعَالَى فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه اهـ.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وحفظها يُوجب سَعَادَة الدَّاريْنِ، والخيانة توجب الشَّقَاء فيهمَا الخ.
وَمن محاسنها اشتمالها على بذل مَنَافِع بدنه وَمَاله فِي إِعَانَة عباد الله واستيجابه الاجر وَالثنَاء.
حموي.
وَالْحَاصِل: أَنه يبتنى على الايداع أَرْبَعَة أَشْيَاء: كَون الْوَدِيعَة أَمَانَة، وَوُجُوب الْحِفْظ على الْمُودع، وَوُجُوب الاداء عِنْد الطّلب، واستحباب قبُولهَا.

قَوْله: (فَلَا تضمن بِالْهَلَاكِ) تَفْرِيع على كَونهَا أَمَانَة.

قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة بِأَجْرٍ) سَيَأْتِي أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ وَإِن شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان، وَبِه يُفْتى.
وَأَيْضًا قَول المُصَنّف قَرِيبا وَاشْتِرَاط الضَّمَان على الامين بَاطِل بِهِ يُفْتى، فَكيف يُقَال مَعَ عدم الشَّرْط أَنه يضمن.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَاسْتَأْجَرَهُ وَشرط عَلَيْهِ الضَّمَان إِذا تلف فَذكر أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِن قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: صرح الزَّيْلَعِيّ فِي كتاب الاجارة فِي بَاب ضَمَان الاجير الْوَدِيعَة إِذا كَانَت بِأَجْر تكون مَضْمُونَة، وَسَيَأْتِي مثله فِي الشَّرْح، وَمثله فِي النِّهَايَة والكفاية شرح الْهِدَايَة وَكثير من الْكتب اهـ.
وعللوه بِأَن الْحِفْظ حِينَئِذٍ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ كَمَا قدمنَا.
فَأفَاد أَن الاجرة تخرج الْوَدِيعَة عَن كَونهَا أَمَانَة إِلَى الضَّمَان.
وَفِي صدر الشَّرِيعَة: إِذا سرق من الاجير الْمُشْتَرك وَالْحَال أَنه لم يقصر فِي الْمُحَافظَة يضمن عِنْدهمَا، كَمَا فِي الْوَدِيعَة الَّتِي تكون بِأَجْر فَإِن الْحِفْظ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ.
وَأَبُو حنيفَة يَقُول: الاجرة فِي مُقَابلَة الْعَمَل دون الْحِفْظ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ بِلَا أجر اهـ.
فَأفَاد أَن الْوَدِيعَة بِأَجْر مَضْمُونَة اتِّفَاقًا وَبلا أجر غير مَضْمُونَة اتِّفَاقًا، وَأما الاجير الْمُشْتَرك فَيضمن عِنْدهمَا، لَان الاجرة فِي مُقَابلَة الْعَمَل وَالْحِفْظ، وَلَا

(8/470)


يضمن عِنْده لانها فِي مُقَابلَة الْعَمَل فَقَط، فَحصل الْفرق بَين الْمُودع بِأَجْر والاجير الْمُشْتَرك.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَقد يفرق بِأَنَّهُ هُنَا متسأجر عَلَى الْحِفْظِ قَصْدًا، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ مُسْتَأْجر على الْعَمَل اهـ.
يُؤَيّدهُ مَا سَمِعت وَمَا قدمنَا.
وَالْحَاصِل: أَن الاجير الْمُشْتَرك من يعْمل لغيره عملا غير مُؤَقّت وَلَا مَخْصُوص كالحمامي والحارس فَهُوَ مُسْتَأْجر لحفظ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الْمَتَاع فَلم يكن مودعا، بِخِلَاف الْمُودع بِأَجْر فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ احفظ هَذِه الْوَدِيعَة وَلَك من الاجر كَذَا، فينطبق عَلَيْهِ اسْم الْمُودع وَهُوَ تسليط الْغَيْر على حفظ مَاله، فَتَأمل.

قَوْله: (معزيا للزيلعي) ذكره فِي ضَمَان الاجير، وَعلل الضَّمَان بِأَن الْحِفْظ وَاجِب عَلَيْهِ مَقْصُودا بِبَدَل اهـ.

قَوْله: (سَوَاء أمكن التَّحَرُّز عَنهُ أم لَا) وَلَيْسَ مِنْهُ النسْيَان، كَمَا لَو قَالَ وضعت عِنْدِي فنسيت وَقمت بل يكون مفرطا، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ ضَاعَت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت الْوَدِيعَة من منزلي وَلم يذهب من منزلي شئ فَإِن القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، وَلَا يضمن لانه أَمِين اهـ.
حموي بِتَصَرُّف ط.
قَالَ مؤيد زَاده: إِذا قَالَ ذهبت يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه واقعات.

قَوْله: (لحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ) قَالَ فِي الْمنح: وَإِنَّمَا كَانَت الْوَدِيعَة أَمَانَة لقَوْله (ص) : لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان، وَلَا على الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان والغلول والاغلال: الْخِيَانَة، إِلَّا أَن الْغلُول فِي الْمغنم خَاصَّة والاغلال عَام، وَهَذَا الحَدِيث مُسْند عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي (ص) اهـ مُلَخصا.
ولان شرعيتها لحَاجَة النَّاس إِلَيْهَا، وَلَو ضمنا الْمُودع امْتنع النَّاس عَن قبُولهَا وَفِي ذَلِك تَعْطِيل الْمصَالح.

قَوْله: (وَاشْتِرَاط الضَّمَان إِلَخ) وَلَو ضمن تَسْلِيمهَا صَحَّ أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (كالحمامي) أَي معلم الْحمام الَّذِي يَأْخُذ الاجرة فِي مُقَابلَة انْتِفَاع الدَّاخِل بالحمام، أما مَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ فِي مُقَابَلَةِ حفظه شَيْئا وَهُوَ الْمُسَمّى بالناطور فِي زَمَاننَا وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الشَّارِح الثيابي فَإِنَّهُ يضمن لانه وَدِيعَة بِأُجْرَة كَمَا تقدم، لَكِن الْفَتْوَى على عَدمه وَيَأْتِي تَمَامه.

قَوْله: (والخاني) أَي فَإِنَّهُ لَا نفع لَهُ غير الْحِفْظ فَيَنْبَغِي أَن يكون من قبيل الْحَافِظ بالاجر، إِلَّا أَن يُقَال: قد يقْصد الخان لدفع الْحر وَالْبرد وَمنع الدَّابَّة عَن الهروب فَلم يكن مُسْتَأْجر للْحِفْظ.
تَأمل.

قَوْله: (بَاطِل بِهِ يُفْتى) قَالَ مؤيد زَاده فِي أَنْوَاع
الضمانات: اسْتَأْجر رجلا لحفظ خَان أَو حوانيت فَضَاعَ مِنْهَا شئ قيل يضمن عِنْدهمَا لَوْ ضَاعَ مِنْ خَارِجِ الْحُجْرَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ، وَبِهِ يُفْتَى.
وَلَوْ ضَاعَ مِنْ دَاخِلِهَا بِأَنْ نَقَّبَ اللِّصُّ فَلَا يضمن الحارس فِي الاصح وحارس السُّوق على هَذَا الْخلاف، وَاخْتَارَ أَبُو جَعْفَر أَنه يضمن مَا كَانَ خَارج السُّوق لَا دَاخله.
جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: نقب حَانُوت رجل وَأخذ مَتَاعه لَا يضمن حارس الحوانيت على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَان الامتعة محروسة بأبوابها وحيطانها والحارس يحرس الابواب.
وعَلى قَول أبي حنيفَة: لَا يضمن مُطلقًا وَإِن كَانَ المَال فِي يَده لانه أجِير اهـ.
وَفِي الْمنية: دفع الثَّوْب إِلَى الحمامي ليحفظه فَضَاعَ لَا يضمن إِجْمَاعًا لانه مُودع لَان مَحل الاجر

(8/471)


بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بالحمام، إِلَّا أَن يشْتَرط بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بِهِ الْحِفْظ فَحِينَئِذٍ على الْخلاف.
وَإِذا دفع إِلَى من يحفظ بِأَجْر كالثيابي فعلى الِاخْتِلَاف.
خُلَاصَة وَصدر الشَّرِيعَة.

قَوْله: (حفظهَا بِنَفسِهِ) قَالَ فِي الْمنح: وَذَلِكَ بالحرز وباليد.
أما الْحِرْز فداره ومنزله وحانوته سَوَاء كَانَ ملكا أَو إِجَارَة أَو عَارِية.
قَالَ الرَّمْلِيّ: أَقُول: لَا يخفى أَن لفظ الْحِرْز مشْعر بِاشْتِرَاط كَونه حصينا، حَتَّى لَو لم يكن كَذَلِك بِحَيْثُ يعد الْوَضع فِيهِ تضييعا يضمن ذَلِك كَالدَّارِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حيطان وَلَا لبيوتها أَبْوَاب.
وَقد سُئِلت عَن خياطَة فِي دَار بِهَذِهِ الصّفة خرجت مِنْهَا هِيَ وَزوجهَا لَيْلًا لعرس جارتها فسرقت أَثوَاب النَّاس مِنْهَا فأفتيت بِالضَّمَانِ وَالْحَالة هَذِه، لَان مثل ذَلِك يعد تضييعا.
تَأمل اهـ.
وَفِي الانقروي من الْوَدِيعَة: سوقي قَامَ من حانوته إِلَى الصَّلَاة وَفِي حانوته ودائع فَضَاعَ شئ مِنْهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ، لانه غير مضيع لما فِي حانوته لَان جِيرَانه يَحْفَظُونَهُ، إِلَّا أَن يكون هَذَا إيداعا من الْجِيرَان فَيُقَال لَيْسَ للْمُودع أَن يودع، لَكِن هَذَا مُودع لم يضيع.
واقعات: فِي الْوَدِيعَة: قَوْله لَيْسَ للْمُودع أَن يودع إِلَخ ذكر الصَّدْر الشَّهِيد مَا يدل على الضَّمَان، فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى.
فصولين من الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: قَامَ من حانوته إِلَى الصَّلَاة وَفِيه ودائع النَّاس وضاعت لَا ضَمَان، وَإِن أَجْلِس على بَابه ابْنا لَهُ صَغِيرا فَضَاعَ: إِن كَانَ الصَّبِي يعقل الْحِفْظ لَا يضمن، وَإِلَّا يضمن اهـ.
وَقَالَ قبيله: وَالْحَاصِل أَن الْعبْرَة للْعُرْف، حَتَّى لَو ترك الْحَانُوت مَفْتُوحًا أَو علق الشبكة على بَابه ونام فَفِي النَّهَار لَيْسَ بتضييع، وَفِي اللَّيْل إِضَاعَة.
وَفِي خوارزم: لَا يعد إِضَاعَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة.
أَقُول: الَّذِي يظْهر فِي مَسْأَلَة الحانوتي عدم الضَّمَان سَوَاء أَجْلِس صَبيا أَو لَا حَيْثُ جرى عرف أهل السُّوق لانه غير مُودع قصدا بل تَركهَا فِي حرزها مَعَ مَاله فقد حفظهَا بِمَا يحفظ بِهِ مَاله.
وَلِهَذَا نقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد مَا تقدم رامزا إِلَى فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين أَنه يبرأ على كل حَال لانه تَركهَا فِي الْحِرْز فَلم يضيع اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه يجب حرز كل شئ فِي حرز مثله، بِخِلَاف الْحِرْز فِي السّرقَة فَإِن كل مَا كَانَ حرز النَّوْع فَهُوَ حرز لسَائِر الانواع فَيقطع بِسَرِقَة لؤلؤة من اصطبل، أما هُنَا فَإِن حرز كل شئ بِحَسبِهِ.
فَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَو قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَار وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي عَرصَة الدَّار كصرة النَّقْدَيْنِ ضمن، وَلَو كَانَت مِمَّا يعد عرصتها حصنا لَهُ لَا يضمن اهـ.
وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (وَعِيَاله) بِالْكَسْرِ جمع عيل بِفَتْح فتشديد وَهُوَ من يقوته، لَكِن المُرَاد هُنَا فِي تَفْسِير من فِي عِيَاله أَن يسكن مَعَه سَوَاء كَانَ فِي نَفَقَته أَو لم يكن، وَالْعبْرَة فِي هَذَا للمساكنة إِلَّا فِي حق الزَّوْجَة وَالْولد الصَّغِير وَالْعَبْد، لَكِن يشْتَرط فِي الْوَلَد الصَّغِير أَن يقدر على الْحِفْظ، فعلى هَذَا التَّفْسِير يَنْبَغِي أَن لَا يضمن بِالدفع إِلَى أَجْنَبِي يسكن مَعَه.
ذكره حفيد السعد فِي حَوَاشِي صدر الشَّرِيعَة.
وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْوَلوالجِيَّة: رجل أجر بَيْتا من دَاره إنْسَانا وَدفع الْوَدِيعَة إِلَى هَذَا الْمُسْتَأْجر: إِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا غلق على حِدة يضمن لانه لَيْسَ فِي عِيَاله وَلَا بِمَنْزِلَة من فِي عِيَاله، وَإِن لم يكن لكل

(8/472)


مِنْهُمَا غلق على حِدة وكل وَاحِد مِنْهُمَا يدْخل على صَاحبه بِغَيْر حشمة لَا يضمن لانه بِمَنْزِلَة من فِي عِيَاله.
اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَة: مُودع غَابَ عَن بَيته وَدفع مفتاحه إِلَى غَيره فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيته لم يجد الْوَدِيعَة لَا يضمن وَيدْفَع الْمِفْتَاح إِلَى غَيره، وبدفع الْمِفْتَاح إِلَى غَيره لم يَجْعَل الْبَيْت فِي يَد غَيره اهـ.
ط
قَوْله: (أَو حكما) تَفْسِير لمن يسكن مَعَه فِي عِيَاله.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ دَفَعَهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى.
قَوْلِهِ: (أَوْ حكما) وَتَفْسِير لَهُ كَمَا تشعر بِهِ عبارَة الْمنح.

قَوْله: (الْمُمَيِّزِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ.
بَحر
قَوْله: (وَلَا يسكن مَعهَا) لانها فِي الحكم كَأَنَّهَا فِي مسكن زَوجهَا.

قَوْله: (خُلَاصَة) قَالَ فِيهَا: وَفِي النِّهَايَة: لَو دَفعهَا إِلَى وَلَده الصَّغِير أَو زَوجته وهما فِي محلّة وَالزَّوْج يسكن فِي محلّة أُخْرَى لَا يضمن، وَلَو كَانَ لَا يجِئ إِلَيْهِمَا وَلَا ينْفق عَلَيْهِمَا، لَكِن يشْتَرط فِي الصَّغِير أَن يكون قَادِرًا على الْحِفْظ، فَإِن الزَّوْجَة: أَي وَالْولد الصَّغِير وَإِن كَانَا فِي مسكن آخر إِلَّا أَنَّهُمَا فِي الحكم كَأَنَّهُمَا فِي مسكن الزَّوْج والاب اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَقد زَاد صَاحب الْمُجْتَبى العَبْد الَّذِي لم يكن فِي منزله، وكل ذَلِك يرجع إِلَى قَوْلهم يحفظها بِمَا يحفظ بِهِ مَاله، فَتنبه لذَلِك اهـ.

قَوْله: (وَقيل يعتبران مَعًا) أَقُول: وَعَلِيهِ فَيدْخل عَبده وَأمته وأجيره الْخَاص كالمشاهرة، بِشَرْط أَن يكون طَعَامه وَكسوته عَلَيْهِ دون الاجير بالمياومة وَولده الْكَبِير إِن كَانَ فِي عِيَاله كَمَا ذكره بَعضهم، فَتَأمل.

قَوْله: (عَيْني) نَصه: وَتعْتَبر المساكنة وَحدهَا دون النَّفَقَة، حَتَّى أَن الْمَرْأَة لَو دفعتها إِلَى زَوجهَا لَا تضمن وَإِن لم يكن الزَّوْج فِي عيالها، لَان الْعبْرَة فِي هَذَا الْبَاب للمساكنة دون النَّفَقَة.
وَقيل تعْتَبر المساكنة مَعَ النَّفَقَة اهـ.

قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ بِدَفْعِهَا لَهُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ وَذهب فَضَاعَت ضمن.
بَحر عَن الْخُلَاصَة.
قَالَ ط: فَلَا يضمن فِي صُورَتَيْنِ: أما إِذا علم أَمَانَته وَمَا إِذا لم يعلم حَاله أصلا.

قَوْله: (الدّفع لمن فِي عِيَالِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِيَالِهِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعِيَالِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيصِح أَن يرجع للْمُودع وَبِهِ صَرَّحَ الْمَقْدِسِيَّ.
وَفِيهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ، وَبِهِ يُفْتَى.
وَلَوْ أَوْدَعَ غَيْرَ عِيَالِهِ وَأَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِئْجَار يضمن لَان الْوَضع فِي الْحِرْز وضع فِي يَد من فِي يَده الْحِرْز فَيكون كالتسليم إِلَيْهِ.
زَيْلَعِيّ: أَي فَيكون وَدِيعَة وَلَيْسَ للْمُودع أَن يودع.
رملي.
وَفِي سكوتهم عَن الدّفع لعيال الْمُودع بِكَسْر الدَّال إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يملكهُ.
وَنقل الْعَلامَة أَبُو السُّعُود اخْتِلَافا فَقَالَ: وَالرَّدّ إِلَى عِيَال الْمَالِك كالرد إِلَى الْمَالِك فَلَا يكون إيداعا، بِخِلَاف الْغَاصِب إِذا رد
إِلَى من فِي عِيَال الْمَالِك فَإِنَّهُ لَا يبرأ.
وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا رد الْوَدِيعَة إِلَى منزل الْمُودع أَو إِلَى من فِي عِيَاله فَضَاعَت لَا يضمن.
وَفِي رِوَايَة الْقَدُورِيّ يضمن، بِخِلَاف الْعَارِية.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَالْفَتْوَى على الاول، وَهَذَا إِذا دفع إِلَى الْمَرْأَة للْحِفْظ.
أما إِذا أخذت لتنفق على نَفسهَا وَهُوَ دفع يضمن اهـ.
فعلى مَا ذكر إِذا كَانَ ابْنهَا فِي عيالها وَلم يكن مُتَّهمًا يلْزمهَا الْيَمين أَنَّهَا

(8/473)


دفعتها لابنها الْمَذْكُور وَيسْأل الْمَدْفُوع إِلَيْهِ مَاذَا صنع وَيجْعَل كَأَنَّهُ نفس الْمُودع، وَيجْرِي الحكم الشَّرْعِيّ فِيهِ.
لما فِي فَتَاوَى مؤيد زَاده وصور الْمسَائِل عَن الْفُصُولَيْنِ: أتلفهَا من فِي عِيَال الْمُودع ضمن الْمُتْلف صَغِيرا أَو كَبِيرا لَا الْمُودع اهـ.
الْمُودع إِذا قَالَ دفعت الْوَدِيعَة إِلَى ابْني وَأنكر الابْن ثمَّ مَا ت الابْن فورث الاب مَال ابْنه كَانَ ضَمَان الْوَدِيعَة فِي تَرِكَة الابْن خاينة.
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: عشرَة أَشْيَاء إِذا ملكهَا إِنْسَان لَيْسَ لَهُ أَن يملك غَيره لَا قبل الْقَبْض وَلَا بعده: الْمُرْتَهن لَا يملك أَن يرْهن، وَالْمُودع لَا يملك الايداع، وَالْوَكِيل بِالْبيعِ لَا يملك أَن يُوكل غَيره، ومستأجر الدَّابَّة أَو الثَّوْب لَا يُؤجر غَيره، وَالْمُسْتَعِير لَا يعير مَا يخْتَلف بِالْمُسْتَعْملِ، والمزارع لَا يدْفع الارض مُزَارعَة إِلَى غَيره وَالْمُضَارب لَا يضارب، والمستبضع لَا يملك الابضاع، وَالْمُودع لَا يملك الايداع اهـ.
وَلم يذكر الْعَاشِر فِي الْبَحْر.
وَذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ فَقَالَ: الْعَاشِر المساقي لَا يساقي غَيره بِغَيْر إِذن كَمَا فِي السِّرَاجِيَّة وَشرح الْوَهْبَانِيَّة اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَة: والوديعة لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارَ وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا ترهن، وَإِن فعل شَيْئا مِنْهَا ضمن، وَالْمُسْتَأْجر يُؤجر ويعار وَلم يذكر حكم الرَّهْن، وَيَنْبَغِي أَن لَا يرْهن كَمَا هُوَ الصَّحِيح من عبارَة الْخُلَاصَة، وَيَأْتِي بَيَانهَا فِي الْعَارِية موضحا.
وَفِي التَّجْرِيد: وَلَيْسَ للْمُرْتَهن أَن يتَصَرَّف بشئ فِي الرَّهْن غير الامساك، لَا يَبِيع وَلَا يُؤجر وَلَا يعير وَلَا يلبس وَلَا يستخدم، فَإِن فعل كَانَ مُتَعَدِّيا وَلَا يبطل الرَّهْن انْتهى.

قَوْله: (بِأَن كَانَ لَهُ عِيَال
غَيره) أَي غير الْبَعْض الَّذِي نَهَاهُ عَنهُ ضمن بِدَفْعِهِ إِلَى الْمنْهِي عَنهُ، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا ذَلِك الْبَعْض لَا يضمن بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ.

قَوْله: (وَإِلَّا لَا) يَعْنِي مَعَ كَون الْمَدْفُوع إِلَيْهِ أَمينا لانه شَرط جَوَاز الدّفع كَمَا مر.

قَوْله: (وَإِن حفظهَا بغيرهم ضمن) أَي لَان صَاحبهَا لم يرض بيد غَيره والايدي تخْتَلف بالامانة، ولان الشئ لَا يتَضَمَّن مثله كالمضارب لَا يضارب.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ الرَّمْلِيّ: إِنَّمَا يضمن إِذا كَانَ بِغَيْر إِذن صَاحبهَا.
اهـ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ ادْفَعْهَا لِمَنْ شِئْت يُوَصِّلُهَا إلَيَّ فَدَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ فَضَاعَتْ: قِيلَ يَضْمَنُ، وَقيل لَا يضمن: تاترخانية.
فرع: آخر حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ فَدَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارَتِهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْجَارَةِ.
قَالَ الْبَلْخِيّ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهَا عِنْدَ الْوَفَاةِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَكُونُ فِي عيالها لَا تضمن، كَمَا لَو وَقع الْحَرِيق فِي مَال الْمُودع لَهُ دَفعهَا لاجنبي خَانِية.
قَوْله (وَعَن مُحَمَّد) رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْمُودع إِذا دفع الْوَدِيعَة إِلَى وَكيله وَلَيْسَ فِي عِيَاله أَو دفع إِلَى أَمِين من أمنائه من يَثِق فِي مَاله وَلَيْسَ فِي عِيَاله لَا يضمن، لانه حفظه مثل مَا يحفظ مَاله وَجعله مثله فَلَا يجب عَلَيْهِ أَكثر من ذَلِك.
ذكره فِي النِّهَايَة.
ثمَّ قَالَ: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَعَزاهُ إِلَى التُّمُرْتَاشِيّ، وَهُوَ إِلَى الْحلْوانِي.
ثمَّ قَالَ: وعَلى هَذَا لم يشْتَرط فِي التُّحْفَة فِي حفظ الْوَدِيعَة الْعِيَال، فَقَالَ: وَيلْزم الْمُودع حفظه إِذا قبل الْوَدِيعَة على الْوَجْه الَّذِي يحفظ مَاله، وَذكر فِيهِ أَشْيَاء، حَتَّى ذكر أَن لَهُ أَن يحفظ بِشريك الْعَنَان والمفاوضة وَعَبده الْمَأْذُون لَهُ الَّذِي فِي يَده مَاله، وَبِهَذَا يعلم أَن الْعِيَال لَيْسَ

(8/474)


بِشَرْط فِي حفظ الْوَدِيعَة اهـ.
وَسَيَأْتِي ذكره ط.

قَوْله: (كوكيله) أَتَى بِالْكَاف لَان أَمِينه كَذَلِك وَإِن لم يكن فِي عِيَاله، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا علمت، وَبِه صرح فِي الذَّخِيرَة.
وَفِي التاترخانية: وَلَو قَالَ ادْفَعْهَا لِمَنْ شِئْت يُوَصِّلُهَا إلَيَّ فَدَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ فَضَاعَتْ، قِيلَ يَضْمَنُ، وَقِيلَ لَا يضمن.

قَوْله: (وَاعْتَمدهُ ابْن الْكَمَال) حَيْثُ قَالَ: وَله حفظهَا بِنَفسِهِ وأمينه، لم يقل وَعِيَاله لَان الدّفع إِلَى الْعِيَال إِنَّمَا يجوز بِشَرْط الامانة، وَعند تحَققه لَا حَاجَة إِلَى كَونه عيالا.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: لَو دَفعهَا إِلَى أَمِين من أمنائه لَيْسَ فِي عِيَاله يجوز، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ.
قَوْله:
(وَأقرهُ المُصَنّف) وَنَقله فِي الْبَحْر وَقَالَ قَبْلَهُ: وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ كَوْنَ الْغَيْرِ فِي عِيَاله شَرط، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَة وَقَالَ: والابوان كالاجنبي حَتَّى يشْتَرط كَونهمَا فِي عِيَاله، لَكِن قد علمت مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْمَقْدِسِي من أَن الْمُفْتى بِهِ عدم اشْتِرَاط كَونهمَا فِي عِيَاله فَلَا تنسه.

قَوْله: (إِلَّا إِذا خَافَ الحرق أَو الْغَرق) الحرق بِالسُّكُونِ من النَّار، وبالتحريك من دق الْقصار، وَقد روى فِيهِ السّكُون.
مغرب.
وَفِي الْمِصْبَاح: الحرق بِفتْحَتَيْنِ اسْم من إحراق النَّار.
اهـ وللغرق: بِفتْحَتَيْنِ مصدر غرق فِي المَاء فَهُوَ غريق.
مكي وَمثل خوف الْغَرق والحرق خوف اللُّصُوص.
وَفِي الْخُلَاصَة: فَإِن دفع لضَرُورَة بِأَن احْتَرَقَ بَيت الْمُودع فَدَفعهَا إِلَى جَاره، وَكَذَا فِيمَا يشبه هَذَا اهـ.
إتقاني: أَي فَإِنَّهُ لَا يضمن ط.

قَوْله: (وَكَانَ غَالِبا محيطا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان فرض الْمَسْأَلَة أَنه خَافَ الحرق أَو الْغَرق وَهُوَ إِنَّمَا يكون عِنْد كَونه غَالِبا.
مُحِيط.
إِلَّا أَن يُرَاد الْغَالِب الْكثير، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة، وَالْمرَاد أَن ذَلِك فِي بَيت الْمُودع.
قَالَ الْحَمَوِيّ: لَا بُد أَن يكون غَالِبا مُحِيط بِمَنْزِلَة الْمُودع.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: إِلَّا إِذا خَافَ الحرق: أَي حرقا يُحِيط بِجَمِيعِ محلهَا انْتهى.

قَوْله: (فَلَو غير مُحِيط ضمن) إِذْ الْخَوْف مُنْتَفٍ عِنْد عدم الْغَلَبَة والاحاطة فَتَأمل.
قَالَه الرَّمْلِيّ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة أما إِذا لم يكن محيطا يضمن بِالدفع إِلَى الاجنبي اهـ.

قَوْله: (فسلمها إِلَى جَاره) الظَّاهِر أَن أساليب الْكَلَام أَنه لَا يجب أَن يُسَلِّمهَا إِلَى جَاره، حَتَّى لَو تَركهَا فِي دَاره فحرقت لَا يضمن، وليحرر.
أَفَادَهُ سري الدّين عَن الْمُجْتَبى، لَكِن فِي الْهِنْدِيَّة عَن التُّمُرْتَاشِيّ أَنه يضمن ط.
وَفِي التاترخانية عَنْ التَّتِمَّةِ: وَسُئِلَ حُمَيْدٍ الْوَبَرِيُّ عَنْ مُودَعٍ احْتَرَقَ بَيته وَلم ينْقل الْوَدِيعَةَ إلَى مَكَان آخَرَ إنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَتَركهَا حَتَّى احترقت ضمن اهـ.
وَمثله فِي الْحَاوِي وجامع الْفَتَاوَى.
وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى أَكَلَهَا الْعُثُّ خلافًا لما يَأْتِي فِي النّظم.
قَالَ فِي الْحَاوِي: وَيعرف من هَذَا كثير من الْوَاقِعَات.
وَفِي نور الْعين: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي حَرِيقٍ وَقَعَ فِي دَارِ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَوْ خرج من ذَلِك وَلم يستردها ضمن، كَمَا لَو دَفعهَا إِلَى امْرَأَته ثمَّ طَلقهَا وَمَضَت عدتهَا، فَلَو لم يستردها ضمن إِذْ يجب عَلَيْهِ الِاسْتِرْدَاد، ولان الايداع عقد غير لَازم فَكَانَ لبَقَائه حكم الِابْتِدَاء.
وَقَالَ قاضيخان: لَا
يضمن، إِذْ الْمُودع إِنَّمَا ضمن بِالدفع وَحين دفع كَانَ غير مَضْمُون عَلَيْهِ فَلَا يضمن عَلَيْهِ.
يَقُول الحقير: هَذَا الدَّلِيل عليل، إِذْ للبقاء حكم الِابْتِدَاء، فَلَو دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي ابْتِدَاء

(8/475)


ضمن، فَكَذَا إِذا لم يستردها فِي كلتا الْمَسْأَلَتَيْنِ خُصُوصا فِي مَسْأَلَة الْحَرِيق، فَإِن الثَّابِت بِالضَّرُورَةِ يتَقَدَّر بِقَدرِهَا، فَبعد زَوَال الْحَرِيق ارْتَفَعت الضَّرُورَة فَلم يستردها من الاجنبي فَكَأَنَّهُ أودعها إِيَّاه ابْتِدَاء، فَالصَّوَاب أَن يضمن فِي كلتا الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذكره صَاحب الْمُحِيط.
وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي عدَّة الْفَتَاوَى: لَا يضمن بدفعها إِلَى جَاره لضَرُورَة كحريق.
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي فَتَاوِيهِ: هَذَا لَو لم يجد بدا من الدّفع إِلَى أَجْنَبِي، أما لَو أمكنه الدّفع إِلَى من فِي عِيَاله ضمن بدفعها إِلَى أَجْنَبِي.
قَالَ الامام خُوَاهَر زَاده: هَذَا لَو أحَاط الْحَرِيق بالمنزل وَإِلَّا ضمن بدفعها إِلَى أَجْنَبِي اهـ.
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَا يشْتَرط هَذَا الشَّرْط فِي الْفَتْوَى.
تاترخانية فِي الْفَصْل الثَّانِي من الْوَدِيعَة.

قَوْله: (إِلَّا إِذا أمكنه الخ) أَي وَقت الحرق وَالْغَرق.

قَوْله: (أَو أَلْقَاهَا) أَي أَو ألْقى الْوَدِيعَة فِي السَّفِينَة فَوَقَعت فِي الْبَحْر يضمن، لانها قد تلفت بِفِعْلِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك بالتدحرج لانه مَنْسُوب إِلَيْهِ فَهُوَ كَفِعْلِهِ.
وَالظَّاهِر أَن قيد فِي السَّفِينَة سَاقِط من النساخ لوُجُوده فِي الاصل.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: هَذَا إِذا لم يُمكنهُ أَن يَدْفَعهَا إِلَى من هُوَ فِي عِيَاله، وَإِن أمكنه أَن يحفظها فِي ذَلِك الْوَقْت بعياله فَدَفعهَا إِلَى الاجنبي يضمن لانه لَا ضَرُورَة فِيهِ، وَكَذَا لَو أَلْقَاهَا فِي سفينة أُخْرَى وَهَلَكت قبل أَن تَسْتَقِر فِيهَا بِأَن وَقعت فِي الْبَحْر ابْتِدَاء بالتدحرج يضمن لَان الاتلاف حصل بِفِعْلِهِ اهـ.

قَوْله: (صدق) أَي بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (أَي بدار الْمُودع) كَأَن هَذَا من قبيل الاحتباك وَأَصلهَا: أَي الحرق أَو الْغَرق.
وَقَوله: (بدار الْمُودع) رَاجع إِلَى الحرق وَحذف من الثَّانِي، أَو سفينته الرَّاجِع إِلَى الْغَرق لدلَالَة كل مَذْكُور على مَا حذف بإزائه، وَهَذَا على مَا نحاه الشَّارِح فِي شَرحه، وَأما على مَا بَينا من أصل عبارَة الزَّيْلَعِيّ فالامر ظَاهر، وَأما جَوْهَر الْمَتْن على أَنه يصدق إِن علم دَفعه لَهَا عِنْد خوف الحرق أَو الْغَرق بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ الَّذِي ذكره الشَّارِح بعد.

قَوْله: (وَإِلَّا يعلم الخ) .
وَحَاصِله: أَن صَاحب الْمَتْن ذكر أَنه لَا يصدق مدعي الدّفع للحرق أَو الْغَرق إِلَّا بِبَيِّنَة، وَالشَّارِح
صرف كَلَامه وَقَالَ: إِن علم ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ على وُقُوعه فِي دَاره وفلكه أغْنى عَن الْبَيِّنَة عَن الدّفع للخوف على نفس الْوَدِيعَة، وَإِن لم تقم الْبَيِّنَة على وُقُوع الحرق وَالْغَرق فِي دَاره وفلكه فَلَا بُد من الْبَيِّنَة على الدّفع لخوف ذَلِك على نفس الْوَدِيعَة، ثمَّ إِن الْغَرق كَمَا يخْشَى مِنْهُ على نفس السَّفِينَة قد يخْشَى مِنْهُ على نفس الدَّار إِذا كَانَت الْبيُوت مُتَّصِلَة بِطرف الْبَحْر أَو النَّهر أَو مجْرى السَّيْل، وَمثل خوف الحرق وَالْغَرق لَو خَافَ فَسَادهَا بخرير أسقفه من كَثْرَة الامطار وَعند وُقُوع النهب فِي دَاره وَدفعهَا إِلَى جَاره عِنْد توهم سلامتها عِنْده.

قَوْله: (فَحَصَلَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ التَّوْفِيقُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق) وَقد ذكر أَيْضا صَاحب الذَّخِيرَة عَن الْمُنْتَقى.
قَالَ المُصَنّف: فَإِن ادَّعَاهُ: أَي ادّعى الْمُودع التَّسْلِيم إِلَى جَاره أَو إِلَى فلك آخر صدق إِن علم وُقُوعه بِبَيِّنَة: أَي بَيِّنَة الْمُودع وَإِلَّا لَا: أَي وَإِن لم يعلم لَا يصدق.
وَفِي الْهِدَايَة وَشرح الْكَنْز للزيلعي أَنه لَا يصدق على ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة، لَان تَسْلِيم الْوَدِيعَة إِلَى غَيره يُوجب الضَّمَان، وَدَعوى الضَّرُورَة دَعْوَى مسْقط فَلَا تقبل إِلَّا بِبَيِّنَة، كَمَا إِذا أتلفهَا فِي الصّرْف فِي حَاجته بِإِذن صَاحبهَا.

(8/476)


وَفِي الْخُلَاصَة: أَنه إِذا علم أَن وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لم يعلم وُقُوع الْحَرِيق فِي بَيته وَبِه يحصل التَّوْفِيق، وَالَّذِي أحوجه إِلَى ذَلِك حمل كَلَام صَاحب الْهِدَايَة والزيلعي قَوْلهمَا لَا يصدق على ذَلِك: أَي على تَسْلِيم الْوَدِيعَة، وَلَو حمل لَا يصدق على ذَلِك: أَي على وُقُوع الحرق أَو الْغَرق بِدَلِيل قَوْلهمَا وَدَعوى الضَّرُورَة الخ فَإِن الضَّرُورَة إِنَّمَا هِيَ فِي الحرق وَالْغَرق لَا فِي التَّسْلِيم لَا تحدث مَعَ عبارَة الْخُلَاصَة.
تَأمل.

قَوْله: (فَلَو لحملها إِلَيْهِ لم يضمن) لَان مُؤنَة الرَّد على الْمَالِك.
حموي.
وَإِنَّمَا الضَّمَان بِمَنْع التَّخْلِيَة بَينه وَبَين الْوَدِيعَة بعد الطّلب، أما لَو كلفه حملهَا وردهَا إِلَيْهِ فَامْتنعَ عَن ذَلِك لم يضمن لانه لَا يلْزمه سوى التَّخْلِيَة، فَلَو كَانَ طلب الْمُودع بِكَسْر الدَّال بحملها إِلَيْهِ فَامْتنعَ الْمُودع من ذَلِك لم يضمن، هَكَذَا صَرِيح عبارَة ابْن ملك الْمَنْقُول عَنهُ.
وَأما مَا وَقع فِي نُسْخَة الشَّيْخ أبي الطّيب فَإِنَّهُ تَحْرِيف.
وَالنُّسْخَة الَّتِي كتب عَلَيْهَا فَلَو حملهَا إِلَيْهِ: أَي لَو حمل الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى رَبهَا: يَعْنِي لَو طلب استردادها من الْمُودع فحملها إِلَيْهِ لم يضمن لَان حملهَا إِلَيْهِ
يُخرجهُ عَن الْمَنْع.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: لَو استردها فَقَالَ لم أقدر أحضر هَذِه السَّاعَة فَتَركهَا فَهَلَكت لم يضمن لانه بِالتّرْكِ صَار مودعا ابْتِدَاء اهـ.
وَعَزاهُ إِلَى الْمُحِيط.
وَفِي الْبَحْر: إِن تَركهَا عَن رضَا وَذهب لَا يضمن، وَإِن كَانَ من غير رضَا يضمن.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة: وَلَو قَالَ لَهُ بعد طلبه اطلبها ثمَّ ادّعى ضياعها: فَإِن قَالَ ضَاعَت بعد الاقرار فَلَا ضَمَان، وَإِلَّا ضمن.

قَوْله: (وَلَو حكما كوكيله بِخِلَاف رَسُوله) سوى فِي التَّجْنِيس بَين الْوَكِيل وَالرَّسُول وَقَالَ: إِذا منعهَا عَنْهَا لَا يضمن.
وَفِي الْعمادِيَّة ذكر الضَّمَان فِي الْمَنْع من الرَّسُول فَالْمَسْأَلَة ذَات خلاف فيهمَا، واقتصار المُصَنّف على مَا ذكره يدل على اعْتِمَاده، وَقد نَقله الْقُهسْتَانِيّ عَن الْمُضْمرَات.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمَالِكُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُودَعُ لَا يمكنني أَن أحضر السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ: إنْ تَرَكَهَا عَنْ رِضًا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ فَقَدْ أَنْشَأَ الْوَدِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ رِضًا يضمن، وَلَو كَانَ الَّذِي يطْلب الْوَدِيعَة وَكيل الْمَالِك يضمن لانه لَيْسَ إنْشَاء للوديعة، بِخِلَاف الْمَالِك انْتهى.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ إِلَى وَكيل الْمَالِك كَمَا لَا يخفى، وَهُوَ خلاف مَا تقدم فِي كتاب الْوكَالَة فِي بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ.
وَنَصه: قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لم يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ على الْمَشْهُور الخ.
وَكتب سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَن مُقَابل الْمَشْهُور مَا عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه يُؤمر بِالدفع، فَلَعَلَّ مَا هُنَا على هَذِه الرِّوَايَة.
وَفِي مَجْمُوعَة مؤيد زَاده: وَلَو قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لم يُؤمر بِتَسْلِيم الْوَدِيعَة إِلَيْهِ لانه مَأْمُور بِالْحِفْظِ فَقَط، ثمَّ قَالَ قد جَاءَ رَسُولك فدفعتها إِلَيْهِ وَكذبه الْمَالِك ضمنهَا، وَلَا يرجع بِمَا ضمن على الرَّسُول إِن صدقه فِي كَونه رَسُوله وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ الرُّجُوع، وَإِن كذبه وَدفع إِلَيْهِ أَو لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ يرجع على الرَّسُول، وَكَذَلِكَ إِن صدقه وَشرط عَلَيْهِ الرُّجُوع كَمَا فِي الْوَجِيز.
ثمَّ قَالَ: وَلَو دَفعهَا إِلَى رَسُول الْمُودع فَأنْكر الْمُودع الرسَالَة ضمن اهـ.

(8/477)


وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَرَسُولُ الْمُودِعِ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بهَا وَلم يدْفع إِلَى الرَّسُول حَتَّى هلك ضَمِنَ.
وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ هَذِه الْمَسْأَلَة وَأجَاب عَنْهَا نَجْمُ الدِّينِ إنَّهُ يَضْمَنُ.
وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودِعَ إذَا صَدَّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَكَالَةِ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُرْسِلِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الرِّسَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الرَّسُولِ صَحَّ كَذَا فِي فَتَاوَاهُ اه.
منح.
قَالَ محشيها الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُ مَا فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ مَنْقُول عَن التَّجْنِيس، فَهُوَ مُخَالف للخلاصة كَمَا هُوَ ظَاهر، ويتراءى لي التَّوْفِيق بَين الْقَوْلَيْنِ بِأَن يحمل مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْوَكِيلُ إنْشَاءَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْمُودَعِ بَعْدَ مَنْعِهِ ليدفع لَهُ وَقت آخر.
وَمَا فِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين وَالتَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ لِيُؤَدِّيَ إلَى الْمُودع بِنَفسِهِ، وَلذَلِك قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بهَا.
وَفِي الْخُلَاصَة: مَا هُوَ صَرِيح فِي أَن الْوَكِيل لَو تَركهَا وَذهب عَن رضَا بعد قَول الْمُودع لَا يمكنني أَن أحضرها السَّاعَة: أَي وأدفعها لَك فِي غير هَذِه السَّاعَة، فَإِذا فَارقه فقد أنشأ الايداع لَيْسَ لَهُ ذَلِك، بِخِلَاف قَوْله لَا أدفعها إِلَّا للَّذي جَاءَ بهَا فَإِنَّهُ اسْتِبْقَاء للايداع الاول لَا إنْشَاء إِيدَاع.
فَتَأمل.
وَلم أر من تعرض لهَذَا التَّوْفِيق، وَالله تَعَالَى هُوَ الْمُوفق انْتهى.
فَالْحَاصِل: أَنه إِذا منعهَا عَن الرَّسُول لَا يضمن على ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا نَقله عَن الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة.
وَأما إِذا منعهَا عَن الْوَكِيل فَفِيهِ اخْتِلَاف.
فَفِي الْخُلَاصَة والقاعدية وَالْوَجِيز والتاترخانية وَالْحَاوِي الزَّاهدِيّ والمضمرات أَنه يضمن، وَاخْتَارَهُ المُصَنّف فِي منحه، وَتَبعهُ الشَّارِح هُنَا.
وَفِي شَرحه على الْمُلْتَقى: فَتعين الْمصير إِلَى مَا عَلَيْهِ الاكثر خُصُوصا والمضمرات شرح الْقَدُورِيّ والشروح مُقَدّمَة.
فَفِي مَسْأَلَتنَا منع الْمُودع الْوَدِيعَة من الْوَكِيل ظلما وَلم يقل لَهُ لم أدفعها إِلَّا إِلَى الَّذِي جَاءَ بهَا حَتَّى يكون اسْتِبْقَاء للايداع الاول، لَان قَول الشَّارِح كوكيله يَقْتَضِي الْمَنْع ظلما، وَبِه يظْهر أَن مَا ذكره فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من الْفرق الْمُتَقَدّم بَين الْوَكِيل وَالرَّسُول مَبْنِيّ على خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي نور الْعين.
ثمَّ اعْلَم أَن كَلَام التاترخانية يُفِيد تَفْصِيلًا فِي مَسْأَلَة الْوَكِيل، وَذَلِكَ أَن الْمُودع إِنَّمَا يضمن بِالْمَنْعِ عَن الْوَكِيل إِذا كَانَ تَوْكِيله ثَابتا بالمعاينة أَو بِالْبَيِّنَةِ، أما إِذا كَانَ بِتَصْدِيق الْمُودع فَإِنَّهُ لَا يضمن، وَكَذَا لَو كذبه بالاولى.
وَانْظُر هَل يجْرِي على هَذَا التَّفْصِيل فِي مَسْأَلَة الرَّسُول أَيْضا، وَمُقْتَضى مَا نذكرهُ فِي المقولة الْآتِيَة عَن الْخَانِية من قَوْله فجَاء رجل وَبَين تِلْكَ الْعَلامَة فَلم يصدقهُ الْمُودع حَتَّى هَلَكت الْوَدِيعَة لَا ضَمَان أَنه لَو صدقه يضمن فيخالف مَسْأَلَة الْوَكِيل.
إِلَّا أَن يُقَال: إِن قَوْله فَلم يصدقهُ لَيْسَ قيدا احترازيا فَلَا مَفْهُوم لَهُ، وَهَذَا إِن حمل على أَنه رَسُول، وَكَذَا إِن حمل على أَنه وَكيل يُخَالف مَا ذكرنَا من التَّفْصِيل.
ثمَّ قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل هَذَا التَّفْصِيل: أَي فِي أصل الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا ترك عَن رضَا وَذهب لَا يضمن، وَفِيمَا إِذا كَانَ عَن غير رضَا يضمن مَا إِذا كَانَ الْمُودع يُمكنهُ وَكَانَ كَاذِبًا فِي قَوْله، أما إِذا كَانَ صَادِقا فَلَا يضمن مُطلقًا لما قُلْنَا انْتهى.

(8/478)


قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: فِيهِ نظر، لما فِي التَّجْنِيس أَنه لَو طلبَهَا بوكيله أَو رَسُوله فحبسها لَا يضمن فَتَأمل.
وَانْظُر إِلَى مَا ذكره بعيده من قَوْله: وَلَو بعلامة مِنْهُ يحْتَج بِأَنَّهُ إِنَّمَا مَنعه ليوصلها إِلَى الاصيل بِنَفسِهِ لتكذيبه إِيَّاه، وَفرع الْخُلَاصَة فِيهِ الْمَنْع للعجز عَن التَّسْلِيم وَالتّرْك والذهاب عَن رضَا إِلَى وَقت آخر، وَفِيه إنْشَاء إِيدَاع بِخِلَاف الاول، حَتَّى لَو كذبه فِي الْفَرْع الَّذِي تفقه فِيهِ مَعَ ذَلِك، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَا يضمن، فَتَأمل.

قَوْله: (وَلَو بعلامة مِنْهُ) لامكان إتْيَان غير الرَّسُول بِهَذِهِ الْعَلامَة إِلَّا أَن يبرهن أَنَّهَا لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَغَيرهَا.
قَالَ فِي الْخَانِية: رجل أودع عِنْد إِنْسَان وَدِيعَة وَقَالَ فِي السِّرّ من أخْبرك بعلامة كَذَا وَكَذَا فادفع إِلَيْهِ الْوَدِيعَة، فجَاء رجل وَبَين تِلْكَ الْعَلامَة فَلم يصدقهُ الْمُودع حَتَّى هَلَكت الْوَدِيعَة، قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لَا ضَمَان على الْمُودع.
اهـ.
وَفِي حَاشِيَة جَامع الْفُصُولَيْنِ للخير الرَّمْلِيّ: وَهل يَصح هَذَا التَّوْكِيل وَلَا يضمن الْمُودع بِالدفع أم لَا يَصح لكَون الْوَكِيل مَجْهُولا وَيضمن بِالدفع؟ قَالَ الزَّاهدِيّ فِي حاويه رامزا: فِيهِ تَفْصِيل، لَو كَانَا عِنْد ذَلِك الِاتِّفَاق بمَكَان لَا يُمكن لَاحَدَّ من النَّاس اسْتِمَاع كَلَامهمَا فالدفع لمن جَاءَ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْعَلامَة، وَأما
استماعه ذَلِك من أَجْنَبِي فنادر، وَإِن كَانَ عِنْد ذَلِك بمَكَان فِيهِ أحد من النَّاس مِمَّن يفهم اتِّفَاقهمَا على ذَلِك أَو بمَكَان يُمكن فِيهِ لَاحَدَّ اسْتِمَاع اتِّفَاقهمَا إِلَى ذَلِك خُفْيَة وهما لَا يريانه فالوكالة بَاطِلَة وَالدَّفْع مضمن.
اهـ.
هَذَا مَا نَقله الرَّمْلِيّ.
قلت: كثيرا مَا يَقع أَن الْمَالِك بعد اتفاقه مَعَ الْمُودع على ذَلِك يبْعَث رجلا بِتِلْكَ الْعَلامَة فيسمعه آخر فَيَسْبق الاول ويخبر الْمُودع بِتِلْكَ الْعَلامَة.
وَقد يُقَال: إِن هَذَا لَا يُنَافِي صِحَة التَّوْكِيل بعد وجود شَرطه الْمُتَقَدّم عِنْد اتِّفَاق الْمَالِك مَعَ الْمُودع: وَالظَّاهِر أَن الْمَالِك إِذا قَالَ لم أذكر الْعَلامَة لهَذَا الرجل الَّذِي جَاءَ وَإِنَّمَا ذكرتها لغيره أَن يكون القَوْل لَهُ لانه مُنكر فَيضمن الْمُودع، فَتَأمل وَالله تَعَالَى أعلم.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى
قَوْله: (على الظَّاهِر) أَي ظَاهر الْمَذْهَب، وَهُوَ رَاجع إِلَى الْوَكِيل وَالرَّسُول، وَقَالَ الثَّانِي يضمن كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَقد اخْتلفت الْفَتَاوَى فِي هَذَا، وَقد علمت الْمُعْتَمد.

قَوْله: (ضمن) إِن ضَاعَت لوُجُود التَّعَدِّي بِمَنْعه لانه صَار غَاصبا، وَهَذَا لانه لما طَالبه لم يكن رَاضِيا بإمساكه بعده فيضمنهما بحبسه عَنهُ.
داماد.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو قَالَ لَهُ بعد طلبه اطلبها غَدا ثمَّ ادّعى ضياعها، فَإِن قَالَ ضَاعَت بعد الاقرار لَا ضَمَان، وَإِلَّا ضمن انْتهى.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله بعد الاقرار: أَي الاقرار ضمنا فِي قَوْله اطلبها غَدا، وَقَوله بعد الاقرار ظرف لضاعت لَا لقَالَ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: طَلَبَهَا رَبُّهَا فَقَالَ اُطْلُبْهَا غَدا فَقَالَ فِي الْغَد تلفت، فَلَو قَالَ تلفت قبل قولي اطلبها غَدا ضمن، لَا لَو قَالَ بعده للتناقض فِي الاول لَا الثَّانِي.
قَالَ رَبهَا: ادفعها إِلَى قني هَذَا فطلبها فَأبى أَو قَالَ غَدا يضمن اهـ.
أَي لانه كَأَنَّهُ وكل قنه بِحَضْرَة الْمُودع وَالْوَكِيل لَا يملك ابْتِدَاء الايداع فِي قَوْله غَدا انْتهى.
وَالْمَسْأَلَة فِي الْخَانِية أَيْضا.

قَوْله: (بِأَن كَانَ عَاجِزا) أَي عَجزا حسيا كَأَن لَا يَسْتَطِيع الْوُصُول إِلَى مَحل الْوَدِيعَة أَو معنويا، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو خَافَ على نَفسه: أَي من ظَالِم أَن يقْتله أَو دائن أَن يحْبسهُ وَهُوَ غير قَادر على الْوَفَاء أَو كَانَت

(8/479)


امْرَأَة وخافت من فَاسق أَو خَافَ على مَاله بِأَن كَانَ مَدْفُونا مَعَهُمَا، فَإِذا ظهر اغتصبه مِنْهُ غَاصِب فَامْتنعَ
عَن التَّسْلِيم لذَلِك لَا يضمن، لانه لم يكن ظَالِما.

قَوْله: (أَو خَافَ على نَفسه أَو مَاله) فِي الْمُحِيط: لَو طلبَهَا أَيَّام الْفِتْنَة فَقَالَ لم أقدر عَلَيْهَا هَذِه السَّاعَة لبعدها أَو لضيق الْوَقْت فَأَغَارُوا على تِلْكَ النَّاحِيَة فَقَالَ أغير عَلَيْهَا لم يضمن، وَالْقَوْل لَهُ: اهـ.

قَوْله: (كَطَلَب الظَّالِم) أَي وديعته ليظلم بهَا فَإِنَّهُ بمنعها لَا يكون ظَالِما، حَتَّى لَو ضَاعَت لَا يكون ضَامِنا كمنعه مِنْهُ وَدِيعَة عَبده فَإِنَّهُ بِهِ لَا يكون ظَالِما، لَان الْمولى لَيْسَ لَهُ قبض وَدِيعَة عَبده مَأْذُونا كَانَ أَو مَحْجُورا مَا لم يحضر وَيظْهر أَنه من كَسبه لاحْتِمَال أَنه مَال الْغَيْر، فَإِذا ظهر أَنه للْعَبد بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذهُ.
خُلَاصَة ط.
وَإِنَّمَا كَانَ الْمُرَادَ بِالظَّالِمِ هُنَا الْمَالِكُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي طَلَبِهِ هُوَ فَمَا بَعْدَهُ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ: أَعْنِي قَوْله فَلَو كَانَت الْوَدِيعَة سَيْفا إلَخْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ لما فِيهِ من الاعانة على الظُّلم.

قَوْله: (فَلَو كَانَت) تَفْرِيع على عدم الضَّمَان بِالْمَنْعِ عِنْد طلب الظَّالِم.
وَحَاصِله: أَنه لَا يضمن بِطَلَب صَاحب الْوَدِيعَة حَيْثُ كَانَ ظَالِما بِأَن كَانَت الْوَدِيعَة سَيْفا فَطَلَبه ليقْتل بِهِ رجلا مَظْلُوما بِغَيْر حق وَلَو معاهدا أَو امْرَأَة أَو صَبيا، فَلَو مَنعه لَا يضمن لكَون الطَّالِب ظَالِما وَمثل السَّيْف كل مؤذ فِيمَا يظْهر.

قَوْله: (ليضْرب بِهِ رجلا) أَي مَظْلُوما وَلَو معاهدا أَو امْرَأَة أَو صَبيا ط.

قَوْله: (إِلَى أَن يعلم الخ) فَلَو شكّ فِيمَا ذكر لَا يعد بِمَنْعه ظَالِما فَلَا يضمن بهلاكه.
كَذَا يفاد من مَفْهُومه ط.

قَوْله: (كَمَا لَو أودعت) أَتَى بِالْكَاف ليُفِيد أَنه مِثَال غير مُخَصص، فَمثله كل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فِيمَا يظْهر.
قَالَ فِي الاشباه: لَا يجوز للْمُودع الْمَنْع بعد الطّلب إِلَّا فِي مسَائِل: لَو كَانَ سَيْفا ليضْرب بِهِ ظلما، وَلَو كَانَ كتابا فِيهِ إِقْرَار بِمَال الْغَيْر أَو قبض اهـ.

قَوْله: (أَي موت الْمُودع) بِفَتْح الدَّال مُجْهِلًا، أَمَّا بِتَجْهِيلِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ، وَالْقَوْلُ لِلْمُودَعِ بِيَمِينِهِ بِلَا شُبْهَةٍ قَالَ الْحَانُوتِيُّ: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدُ فِي الرَّهْنِ عَلَى قَدْرِ الدّين اهـ.
أَقُول: الظَّاهِر أَنه مِنْهُ لقَولهم: مَا تضمن بِهِ الْوَدِيعَةُ يُضْمَنُ بِهِ الرَّهْنُ، فَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ مَا زَادَ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ.
رملي مُلَخصا.
قَالَ ط: من الْوَدِيعَة الزَّائِد من الرَّهْن على مِقْدَار الدّين فَيضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل وَتَكون الْوَدِيعَة وَنَحْوهَا كَدين الصِّحَّة فيحاصص رَبهَا الْغُرَمَاء، لَان الْيَد المجهولة عِنْد الْمَوْت تنْقَلب يَد ملك، ولانه لما مَاتَ وَلم يبين صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا لَهَا.
اهـ.
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْمُودِعُ أَوْ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَبْضِعُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَمَانَةً إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون دين عَلَيْهِ فِي تركته، لانه صَار مُسْتَهْلكا الْوَدِيعَة بِالتَّجْهِيلِ، وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجْهِلًا أَنْ لَا يُبَيِّنَ حَالَ الْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ.
وَقَدْ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ عَمَّا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ عِنْدِي وَرَقَةٌ فِي الْحَانُوتِ لِفُلَانٍ ضَمَّنَهَا دَرَاهِمَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَهَا فَمَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ التَّجْهِيلِ.
لِقَوْلِهِ: فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ أَن يَمُوت

(8/480)


قبل الْبَيَان وَلم يعرف الامانة بِعَينهَا اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: ولينظر مَا وَجه التَّأَمُّل.
وَفِي نور الْعين: لَو مَاتَ الْمُودع مجهلا ضمن: يَعْنِي لَو مَاتَ وَلم يبين حَال الْوَدِيعَة، أما إِذا عرفهَا الْوَارِث وَالْمُودع يعلم أَنه يعرف الْمُودع فَمَاتَ لم يضمن، فَلَو قَالَ الْوَارِث أَنا علمتها وَأنكر الطَّالِب، لَو فَسرهَا بِأَن كَانَت كَذَا وَكَذَا وَقد هَلَكت صدق لكَونهَا عِنْده.
وَفِي الذَّخِيرَة: قَالَ رَبهَا مَاتَ الْمُودع مجهلا وَقَالَت ورثته كَانَت قَائِمَة يَوْم موت الْمُودع وَمَعْرُوفَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ صُدِّقَ رَبُّهَا هُوَ الصَّحِيحُ، إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ.
وَلَوْ قَالَ وَرَثَتُهُ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا يُصَدَّقُونَ بِلَا بَيِّنَةٍ لِمَوْتِهِ مجهلا فَيقر الضَّمَانُ فِي التَّرِكَةِ، وَلَوْ بَرْهَنُوا أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاته رَددتهَا يقبل إِذْ الثَّابِت بِبَيِّنَة كَالثَّابِتِ بعيان.
اهـ.

قَوْله: (إِلَّا إِذا علم) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وضميره للْمُودع بِالْفَتْح الَّذِي مَاتَ مجهلا، وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ رَددتهَا يقبل.
قَالَ الْحَمَوِيّ فِي شَرحه: وَقيد فِي الْخُلَاصَة ضَمَان الْمُودع بِمَوْتِهِ مجهلا بِأَن لَا يعرفهَا الْوَارِث، أما إِذا عرفهَا وَالْمُودع يعلم أَنه يعرف فَمَاتَ وَلم يبين لَا يضمن اهـ.
وَذَلِكَ بِأَن سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ عِنْد فلَان علمهَا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه فِي جَوَاب سُؤال: وَالَّذِي تحرر من كَلَامهم أَن الْمُودع إِن أوصى بالوديعة فِي مرض مَوته ثمَّ مَاتَ وَلم تُوجد فَلَا ضَمَان فِي تركته، وَإِن لم يوص فَلَا يَخْلُو إِمَّا
أَن يعرفهَا الْوَرَثَة أَو لَا: فَإِن عرفوها وَصدقهمْ صَاحبهَا على الْمعرفَة وَلم تُوجد لَا ضَمَان فِي التَّرِكَة، وَإِن لم يعرفوها وَقت مَوته فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَن تكون مَوْجُودَة أَو لَا، فَإِن كَانَت مَوْجُودَة وَثَبت أَنَّهَا وَدِيعَة إِمَّا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الْوَرَثَة أَخذهَا صَاحبهَا وَلَا يتَوَهَّم أَنه فِي هَذِه الْحَالة مَاتَ مجهلا فَصَارَت دينا فيشارك أَصْحَاب الدُّيُون صَاحبهَا، لَان هَذَا عِنْد عدم وجودهَا، أما عِنْد قِيَامهَا فَلَا شكّ أَن صَاحبهَا أَحَق بهَا، فَإِن لم تُوجد فَحِينَئِذٍ هِيَ دين فِي التَّرِكَة وصاحبها كَسَائِر غُرَمَاء الصِّحَّة، وَإِن وجد بَعْضهَا وفقد بَعْضهَا، فَإِن كَانَ مَاتَ مجهلا أَخذ صَاحبهَا الْمَوْجُود وَرجع بالمفقود فِي التَّرِكَة وَإِلَّا أَخذ الْمَوْجُود فَقَط، وَإِن مَاتَ وَصَارَت دينا، فَإِن كَانَت من ذَوَات الامثال وَجب مثلهَا وَإِلَّا فقيمتها، فَعَلَيْك بِحِفْظ هَذَا التَّحْرِير.
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم نقل من فَتَاوَى التُّمُرْتَاشِيّ.
وَأجَاب قَارِئ الْهِدَايَة عَن سُؤال بقوله: إِذا أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على الايداع وَقد مَاتَ الْمُودع مجهلا للوديعة وَلم يذكرهَا فِي وَصيته وَلَا ذكر حَالهَا لوَرثَته فضمانها فِي تركته، فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على قيمتهَا أخذت من تركته، وَإِن لم تكن لَهُ بَيِّنَة على قيمتهَا فَالْقَوْل فِيهَا قَول الْوَرَثَة مَعَ يمينهم، وَلَا يقبل قَول الْوَرَثَة إِن مُورثهم ردهَا لانه لَزِمَهُم ضَمَانهَا فَلَا يبرؤن بِمُجَرَّد قَوْلهم من غير بَيِّنَة شَرْعِيَّة على أَن مُورثهم ردهَا.
اهـ.
وَقَالَ فِي جَوَاب آخر: ادعوا أَن مُورثهم ادّعى قبل مَوته أَنه رده إِلَى مَالِكه أَو أَنه تلف مِنْهُ وَأَقَامُوا بَيِّنَة على أَنه قَالَ ذَلِك فِي حَيَاته تقبل بينتهم، وَكَذَلِكَ إِذا أَقَامُوا بَيِّنَة أَنه حِين مَوته كَانَ المَال الْمَذْكُور قَائِما وَأَن مُورثهم قَالَ هَذَا المَال لفُلَان عِنْدِي وَدِيعَة أَو قرض أَو قَبضته لفُلَان بطرِيق الْوكَالَة أَو

(8/481)


الرسَالَة لادفعه إِلَيْهِ فادفعوه إِلَيْهِ وَلكنه ضَاعَ بعد ذَلِك من عندنَا لَا ضَمَان عَلَيْهِم وَلَا فِي تركته اهـ.
أَقُول: وَفِي قَوْله أَو قرض نظر، إِن حمل على أَن الْمَيِّت استقرضه مِنْهُ لانه دخل فِي ملكه وَصَارَ مطالبا بِبَدَلِهِ، وَإِذا هلك يهْلك عَلَيْهِ بعد قَبضه، إِلَّا أَن يحمل على أَن الْمَالِك كَانَ استقرضه وَوَضعه عِنْد الْمَيِّت أَمَانَة فَلْيتَأَمَّل هَذَا.
وَفِي حَاشِيَة الاشباه للبيري عَن منية الْمُفْتِي مَا نَصه: وَارِث الْمُودع بعد مَوته إِذا قَالَ ضَاعَت فِي
يَد مورثي: فَإِن كَانَ هَذَا فِي عِيَاله حِين كَانَ مودعا يصدق، وَإِن لم يكن فِي عِيَاله لَا.
اهـ.

قَوْله: (صدق) يَعْنِي لَو ادّعى الطَّالِب التجهيل بِأَن قَالَ مَاتَ الْمُودع مجهلا وَادّعى الْوَارِث أَنَّهَا كَانَت قَائِمَة يَوْم مَاتَ وَكَانَت مَعْرُوفَة ثمَّ هَلَكت بعد مَوته فَالْقَوْل للطَّالِب فِي الصَّحِيحُ، إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ فِي الظَّاهِر فَلَا يصدق الْوَارِث كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّة كَمَا علمت.

قَوْله: (وَمَا لَو كَانَت عِنْده) أَي عِنْد الْمُورث: يَعْنِي أَن الْوَارِث كَالْمُودعِ فَيُقْبَلُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْهَلَاكِ إذَا فَسَّرَهَا فَهُوَ مثله) ، إِلَّا أَنه خَالفه فِي مَسْأَلَة وَهِي قَوْله الْآتِي إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي الخ.

قَوْله: (إِلَّا أَنه إِذا مَنعه) أَي الْمُودع السَّارِق: يَعْنِي أَن الْمُودع بعد مَا دلّ السَّارِق على الْوَدِيعَة فجَاء السَّارِق ليأخذها فَمَنعه فَأَخذهَا السَّارِق قهرا لَا يضمن.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمُودَعُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْأَخْذِ حَال الاخذ، فَإِن مَنعه لم يضمن اهـ.
إِلَّا إِذا مَنَعَهُ أَيْ الْمُودَعُ السَّارِقَ فَأَخَذَ كَرْهًا.
فُصُولَيْنِ.
وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: (وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ ضَمِنَ) .

قَوْله: (كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ) وَمِنْهَا: الرَّهْنُ إذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُجْهِلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فِي تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الانقروي، وَالْمرَاد بِالضَّمَانِ: أَي الزَّائِدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إِذا مَاتَ مجهلا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا، وَبِهِ أَفْتَى الْحَامِدِيُّ بَعْدَ الْخَيْرِيِّ.
وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُسْتَأْجِرُ يَضْمَنُ إِذا مَاتَ مجهلا مَا قَبضه اهـ.
سائحاني وَمِنْهَا: الْمَأْمُور بِالدفع إِذا مَاتَ مجهلا كَمَا فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِيه الاب إِذا مَاتَ مجهلا يضمن، لَكِن صحّح عدم ضَمَانه إِذْ الاب لَيْسَ أدنى حَالا من الْوَصِيّ بل هُوَ أوفى حَالا من الْوَصِيّ حَيْثُ لَا يضمن إِلَّا إِذا كَانَ الاب مِمَّن يَأْكُل مُهُور الْبَنَات كالفلاحين والاعراب، فَالْقَوْل بتضمينه إِذا مَاتَ مجهلا ظَاهر لانه غَاصِب من أول الامر، لانه إِنَّمَا قبض الْمهْر لنَفسِهِ لَا لبنته، فَلْيَكُن التعويل على هَذَا التَّفْصِيل وَمثله الْجد كَمَا مر اهـ.
مُلَخصا.

قَوْله: (فَإِنَّهَا تنْقَلب مَضْمُونَة بِالْمَوْتِ عَن تجهيل) وَيكون أُسْوَة الْغُرَمَاء.
بيري على الاشباه.

قَوْله: (ومفاوض) عطف خَاص وكمرتهن.
أنقروي وَتقدم عَنهُ.

قَوْله: (إلَّا فِي عَشْرٍ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) وعَلى مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيّ على الْوَهْبَانِيَّة تِسْعَة عشر كَمَا تقف عَلَيْهِ.
وَفِيه شبه اعْتِرَاض على المُصَنّف حَيْثُ اقْتصر فِي الِاسْتِثْنَاء على ثَلَاثَة والسبعة الْبَاقِيَة ذكرهَا فِي الاشباه صَارَت
عشرَة.

(8/482)


وَعبارَة الاشباه: الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَالْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ، وَالْوَارِثُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا أُودِعَ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ، وَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ أَوْ لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَإِذَا مَاتَ الصَّبِي مجهلا لما أودع عِنْده مَحْجُورا.
اهـ مُلَخصا.
وَقدمنَا قَرِيبا ذكر الاب وَالْجد فَلَا تنسه، وَمن السَّبْعَة الْبَاقِيَة أحد الْمُتَفَاوضين، وَيَأْتِي للشَّارِح اعْتِمَاد الضَّمَان.
وَنَذْكُر تَمَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (نَاظر أودع غلات الْوَقْف) عبارَة الدُّرَر قبض وَهِي أولى.
تَأمل.
وَالَّذِي فِي الاشباه: النَّاظر إِذا مَاتَ مجهلا غلات الْوَقْف، ثمَّ كَلَام المُصَنّف عَام فِي غلات الْمَسْجِد وغلات الْمُسْتَحقّين.
أَقُول: هَكَذَا أطلقت الْمَسْأَلَة فِي كثير من الْكتب، وَوَقع فِيهَا كَلَام وَجْهَيْن: الاول: أَن قاضيخان قيد ذَلِك بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ من غير بَيَان، أما إِن كَانَتْ الْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةً لِقَوْمٍ بِالشَّرْطِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَقفا على أَخَوَيْنِ غَابَ أَحدهمَا وَقبض الْحَاضِر غَلَّتَهَا تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ وَتَرَكَ وَصِيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَطَالَبَ الْوَصِيَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا كَانَ الْحَاضِرُ الَّذِي قَبَضَ الْغَلَّةَ هُوَ الْقَيِّمَ على هَذَا الْوَقْف كَانَ للْغَائِب أَن يرجع فِي تَرِكَة الْمَيِّت بِحِصَّتِهِ من الْغلَّة، وَإِن لم يكن هُوَ الْقَيِّمَ إلَّا أَنَّ الْأَخَوَيْنِ آجَرَا جَمِيعًا فَكَذَلِك، وَإِن أجرا لحاضر كَانَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يطيب لَهُ انْتهى كَلَامه.
وَهَذَا مُسْتَفَاد من قَوْلهم غلَّة الْوَقْف وَمَا قبض فِي يَد النَّاظر لَيْسَ غلَّة النَّاظر بَلْ هُوَ مَالُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالشَّرْطِ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ: وَغَلَّةُ الْوَقْفِ يملكهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن لم يقبل انْتهى.
وَيَنْبَغِي أَن يلْحقهُ بغلة الْمَسْجِد مَا إِذا شَرط ترك شئ فِي يَد النَّاظر للعمارة، وَالله أعلم.
كَذَا حَرَّره شيخ مَشَايِخنَا منلا عَليّ رَحمَه الله تَعَالَى.
الثَّانِي: أَن الامام الطرسوسي فِي أَنْفَع الْوَسَائِل ذكر بحثا أَنه يضمن إِذا طَالبه الْمُسْتَحق وَلم يدْفع
لَهُ ثمَّ مَاتَ بِلَا بَيَان، أما إِذا لم يُطَالب: فَإِنْ مَحْمُودًا مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضمن، وَأقرهُ فِي الْبَحْر على تَقْيِيد ضَمَانه بِالطَّلَبِ: أَي فَلَا يضمن بِدُونِهِ.
أما بِهِ فَيضمن وَهُوَ ظَاهر.
وَبِه أفتى الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الحائك، لَكِن ذكر الشَّيْخ صَالح فِي زواهر الْجَوَاهِر أَنه يضمن وَإِن لم يُطَالِبهُ الْمُسْتَحق، لَان لما مَاتَ مجهلا فقد ظلم، وَقَيده بحثا بِمَا إِذا لم يمت فَجْأَة، أما إِذا مَاتَ على غَفلَة لَا يضمن لعدم تمكنه من الْبَيَان، بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ بِمَرَض وَنَحْوه وَأقرهُ الشَّارِح، وَعدم تمكنه من الْبَيَان لَو مَاتَ فَجْأَة إِنَّمَا يظْهر لَو مَاتَ عقب قَبضه الْغلَّة كَمَا يَأْتِي.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُتَوَلِي إِذا قبض غلَّة الْوَقْف ثمَّ مَاتَ مجهلا بِأَن لم تُوجد فِي تركته وَلم يعلم مَا صنع بهَا لَا يضمنهَا فِي تركته مُطلقًا كَمَا هُوَ الْمُسْتَفَاد من أغلب عباراتهم، وَلَا كَلَام فِي ضَمَانه بعد طلب الْمُسْتَحق وَلَا فِي عدم ضَمَانه لَو كَانَت الْغلَّة لمَسْجِد، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيمَا لَو كَانَت غلَّة وقف لَهَا مستحقون مالكون لَهَا هَل يضمنهَا مُطلقًا على مَا يفهم من تَقْيِيد قاضيخان، أَو إِذا كَانَ غير مَحْمُود وَلَا مَعْرُوف بالامانة كَمَا بَحثه الطرسوسي، أَو إِذا كَانَ مَوته بعد مرض لَا فَجْأَة كَمَا بَحثه فِي الزواهر؟ فَلْيتَأَمَّل، وَهَذَا كُله فِي غلَّة الْوَقْف.
أما لَو مَاتَ مجهلا لمَال الْبَدَل: أَي لثمن الارض المستبدلة أَو لعين

(8/483)


الْوَقْف فَإِن يضمن بِمَوْتِهِ مجهلا بالاولى كَمَا قَالَ الشَّارِح عَن المُصَنّف، وَبِه يعلم أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، فَتنبه.

قَوْله: (لِأَنَّ النَّاظِرَ لَوْ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الْبَدَلِ ضمنه) أما لَو علم ضيَاعه لَا يضمن.
قَالَ فِي الْبَحْر عَن الْمُحِيط: لَو ضَاعَ الثّمن من المستبدل لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
اهـ.
وَهَذَا صَرِيح فِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير، فَلَا يشْتَرط كَون الْبَدَل عقارا، وَهُوَ يُنَافِي مَا قدمه فِي الْوَقْف من اشْتِرَاط كَون الْبَدَل عقارا، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط.
أَقُول: لَكِن قدم الشَّارِح فِي الْوَقْف عَن الاشباه أَنه لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ.
قلت: لَكِن فِي معروضات الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود أَنه فِي سنة 159 ورد الامر الشريف بِمَنْع استبداله وَأمر بِأَن يصير بِأَمْر السُّلْطَان تبعا لترجيح صدر الشَّرِيعَة اهـ فَلْيحْفَظ اهـ.
وَنَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله
تَعَالَى فِي تنقيحه.
أَقُول: وَعَلِيهِ الْمعول.

قَوْله: (أشباه) قَالَ محشيه الْحَمَوِيّ: الْبَدَل بِالدَّال الْمُهْملَة ثمن أَرض الْوَقْف إِذا بَاعهَا بمسوغ الِاسْتِبْدَال كَمَا صرح بِهِ فِي الْخَانِية، قيد بالتجهيل إِذْ لَو علم ضيَاعه لَا يضمن.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِن المَال فِي يَد المستبدل أَمَانَة لَا يضمن بضياعه اهـ.
وَإِنَّمَا ضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل لانه الاصل فِي الامانات إِذا حصل الْمَوْت فِيهَا عَن تجهيل، فَافْهَم.
وَيُسْتَفَاد من قَوْلهم إِذا مَاتَ مجهلا لمَال الْبَدَل يضمن جَوَاب وَاقعَة الْفَتْوَى، وَهِي أَن الْمولى إِذا مَاتَ مجهلا لعين الْوَقْف كَمَا إِذا كَانَ الْوَقْف دَرَاهِم أَو دَنَانِير على القَوْل بِجَوَازِهِ وَعَلِيهِ عمل الرّوم أَن يكون ضَامِنا، لانه إِذا كَانَ يضمن بتجهيل مَال الْبَدَل فبتجهيل عين الْوَقْف أولى.
ذكره المُصَنّف فِي منحه مَعَ زِيَادَة إِيضَاح.

قَوْله: (على القَوْل بِجَوَازِهِ) حَيْثُ جرت بِهِ الْعَادة وَعَلِيهِ عمل أهل الرّوم كَمَا علمت.

قَوْله: (قَالَه المُصَنّف) أَي فِي منحه.

قَوْله: (وَأقرهُ ابْنه) الشَّيْخ صَالح.

قَوْله: (وَقيد) أَي صَاحب الزواهر.

قَوْله: (مَوته بحثا بِالْفَجْأَةِ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيَانِ فَلَمْ يَكُنْ حَابِسًا ظُلْمًا.
قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ مَاتَ فَجْأَة عقب الْقَبْض.
تَأمل.
وَهَذَا رَاجع إِلَى الْمَتْن فِي الْبَحْث فِي غلَّة الْمُسْتَحقّين كَمَا يفِيدهُ كَلَامه الَّذِي رد بِهِ على الطرسوسي لَا إِلَى مَال الْبَدَل وَعين الْوَقْف، حَيْثُ قَالَ: لَكِن يَقُول العَبْد الضَّعِيف: يَنْبَغِي أَن يُقَال: إِذا مَاتَ فَجْأَة على غَفلَة لَا يضمن لعدم تمكنه من بَيَانهَا فَلم يكن حابسا ظلما، وَإِن مَاتَ بِمَرَض وَنَحْوه فَإِنَّهُ يضمن لانه تمكن من بَيَانهَا وَلم يبين وَكَانَ مَانِعا لَهَا ظلما فَيضمن اهـ.
وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْمَسْأَلَة هُنَاكَ.

قَوْله: (ورد مَا بَحثه فِي أَنْفَع الْوَسَائِل) كَمَا سمعته قَرِيبا وَمَا ذكره ابْن المُصَنّف من الرَّد.
وَحَاصِل مَا ذكره بحثا تَفْصِيلًا: إِن حصل طلب الْمُسْتَحقّين مِنْهُ المَال وَأخر حَتَّى مَاتَ مجهلا يضمن، وَإِن لم يحصل طلب مِنْهُ وَمَات مجهلا يَنْبَغِي أَن يُقَال أَيْضا: إِن كَانَ مَحْمُودًا بَين النَّاس مَعْرُوفا بالديانة والامانة لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن كَذَلِك وَمضى زمَان وَالْمَال فِي يَده وَلم يفرقه وَلم يمنعهُ من

(8/484)


ذَلِك مَانع شَرْعِي يضمن، وَمَا ذكره الشَّيْخ صَالح ابْن المُصَنّف هُوَ قَوْله.
أَقُول: هُوَ لما مَاتَ مجهلا فقد ظلم وَقصر حَيْثُ لم يبين قبل مَوته فَكَانَ حابسا لَهَا ظلما فَيضمن سَوَاء طلب مِنْهُ أَو لَا، وَلَا دخل لكَونه مَحْمُودًا أَو غير مَحْمُود، وَلَو كَانَ مَحْمُودًا لبينها قبل مَوته فِي مَرضه وخلص نَفسه، فالحسن مَا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ الاعلام، ثمَّ ذكر بَحثه السَّابِق.
قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: الْعَمَل بإطلاقهم مُتَعَيّن، وَلَا نظر لما قَالَه الطرسوسي، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال ذَلِك فِيمَا قَالَ ابْن المُصَنّف فِي زواهر.
اهـ.
ثمَّ إِن هَذَا من الْمُؤلف خلط مقَام بمقام فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي عدم ضَمَانه بِمَوْتِهِ مجهلا غلات الْمَسْجِد، وَأما إِذا مَاتَ مجهلا اسْتِحْقَاق الْمُسْتَحقّين فَفِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ، وَمَا عَلَيْهِ مَشَايِخ الْمَذْهَب أَنه يضمن مُطلقًا خلافًا لتفصيل الطرسوسي.
وَالْحَاصِل: أَن بحث الطرسوي وَصَاحب الزواهر فِي غلَّة الْمُسْتَحقّين، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا من حَاصِل الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالسَّلَام.

قَوْله: (وَمِنْهَا قَاض مَاتَ مجهلا لاموال الْيَتَامَى) قَالَ المُصَنّف فِي شرح تحفة الاقران إِذا خلط الامين بعض أَمْوَال النَّاس بِبَعْض أَو الامانة بِمَالِه فَإِنَّهُ ضَامِن، إِلَّا فِي مسَائِل: لَا يضمن الامين بالخلط القَاضِي إِذا خلط مَاله بِمَال غَيره أَو مَال رجل آخر، وَالْمُتوَلِّيّ إِذا خلط مَال الْوَقْف بِمَال نَفسه وَقيل يضمن.
اهـ.
وَاعْلَم مَا ذكره المُصَنّف تبع فِيهِ الاشباه من أَن القَاضِي إِذا مَاتَ مجهلا أَمْوَال الْيَتَامَى لَا يضمن، لكنه مُخَالف لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من السَّابِع وَالْعِشْرين: لَو وضع قَاض مَال الْيَتِيم فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُودَعٌ، وَلَو دَفعه القَاضِي إِلَى قوم ثِقَة وَلَا يدْرِي إِلَى من دفع لم يضمن إِذْ الْمُودع غَيره.
اهـ.
تَأمل.
وَفِيه أَيْضا: وَلَا يضمن الْوَصِيّ بِمَوْتِهِ مجهلا، وَلَو خلطاه بِمَالِه ضمن وَضمن الاب بِمَوْتِهِ مجهلا، وَلَو وضع القَاضِي مَال الْيَتِيم فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُودَعٌ الخ.
أَقُول: لَعَلَّ وَجْهَ الضَّمَانِ كَوْنُهَا لَا تَتَخَطَّى الْوَرَثَةَ فالغرم بالغنم، وَيظْهر من هَذَا الْوَصِيَّ إذَا وَضَعَ مَالِ الْيَتِيمِ فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ تَكُونُ مُسْتَمَدَّةً مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْأَبِ فَضَمَانُهُ بِالْأَوْلَى.
وَفِي الْخَيْرِيَّة: وَفِي الْوَصِيّ قَول بِالضَّمَانِ.
وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأَقُول: وَكَذَا الْغَاصِب كَمَا ذكره الْكَمَال فِي فصل الشَّهَادَة على الارث، وَكَذَا الْمُسْتَأْجر كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة فِي مسَائِل موت أحد الْمُتَعَاقدين أَيْضا.

قَوْله: (ولابد مِنْهُ) وَيُؤَيِّدهُ قَول جَامع الْفُصُولَيْنِ: مَاتَ الْمُودع وَلَا تَدْرِي الْوَدِيعَة بِعَينهَا صَارَت دينا فِي مَاله، وَكَذَا كل شئ أَصله أَمَانه وتفصيل الاشباه وَعبارَة الظَّهِيرِيَّة والفصولين.

قَوْله: (لانه وَضعهَا فِي بَيته وَمَات مجهلا ضمن) وَقدمنَا وَجهه، وَكَذَا إِذا جن جنونا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، كَذَا فِي شرح البيري معزيا لخزانة الاكمل.
أَبُو السُّعُود.
لَكِن ذكر قاضيخان عَن إِبْرَاهِيم بن رستم: لَو مَاتَ القَاضِي وَلم يبين مَا عِنْده من مَال الْيَتِيم لَا يضمن.
شرنبلالية وَفِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا قبض مَاله وَوَضعه فِي منزله وَلَا يدْرِي أَيْن وَضعه وَمَات يضمن إِلَّا إِذا

(8/485)


قَالَ للْقَاضِي حَال حَيَاته ضَاعَ أَو أنفقته عَلَيْهِ لَا يضمن.
اهـ.
فَتَأمل.

قَوْله: (وَمِنْهَا سُلْطَان أودع الخ) وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون قبل الْقِسْمَة.
أَقُول: وَكَذَا إِذا مَاتَ مجهلا أَمْوَال الْيَتِيم عِنْده كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
قَالَ ط وَمِنْهَا: الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَمِنْهَا: الاب إِذا مَاتَ مجهلا مَال ابْنه.
وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ الْوَارِث مجهلا مَا أودع عِنْد مُوَرِثه، وَهَذِه لم يعزها صَاحب الاشباه لَاحَدَّ.
وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ مجهلا مَا ألقته الرّيح فِي بَيته.
وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ مجهلا لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَذَا فِي الاشباه.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: وَالصَّوَاب بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، إذْ يَسْتَحِيل تجهيل مَا لَا يُعلمهُ.
وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ الصَّبِي مجهلا لما أودع عِنْده مَحْجُورا لانه لم يلْتَزم الْحِفْظ وَهِي السِّتَّة تَمام الْعشْرَة، وَكَذَلِكَ إِذا بلغ ثمَّ مَاتَ إِلَّا أَن يشْهدُوا أَنَّهَا فِي يَده بعد الْبلُوغ لزوَال الْمَانِع وَهُوَ الصِّبَا، وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِك.
وَذكر البيري أَنه إِذا مَاتَ الصَّبِي بعد الْبلُوغ وَلم يدر مَتى هَلَكت الْوَدِيعَة وَلم يعلم كَيفَ حَالهَا لم يُوجب القَاضِي ضمانا فِي مَاله بِالْعقدِ الْمَوْقُوف حَتَّى يُقيم الْمُدعى بَيِّنَة يشْهدُونَ أَنهم رأوها فِي يَده بعد الْبلُوغ اهـ.

قَوْله: (وَلَيْسَ مِنْهَا مَسْأَلَة أحد الْمُتَفَاوضين) ذكر مُحَمَّد فِي كتاب شركَة الاصل مَسْأَلَة رَابِعَة،
وَهِي أَن أحد الْمُتَفَاوضين إِذا مَاتَ وَلم يبين المَال الَّذِي كَانَ فِي يَده لم يضمن نصيب شَرِيكه كَمَا فِي المنبع نقلا عَن تَهْذِيب الْوَاقِعَات للحسام الشَّهِيد.
وَهَكَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة.
وَلَكِن فِي فَتَاوَى قاضيخان: وَأما أحد الْمُتَفَاوضين إِذا كَانَ المَال عِنْده وَلم يبين حَال المَال الَّذِي كَانَ عِنْده فَمَاتَ، ذكر بعض الْفُقَهَاء أَنه لَا يضمن وأحاله إِلَى شركَة الاصل وَذَلِكَ غلط، بل الصَّحِيح أَنه يضمن نصيب صَاحبه انْتهى.
والعلامة الْكَمَال بن الْهمام قَالَ فِي كتاب الشّركَة: الامين إِذا مَاتَ مجهلا يضمن إِلَّا فِي ثَلَاث، وَجعل عدم ضَمَان المفاوض مِنْهَا، ثمَّ صرح فِي كتاب الْوَقْف بِأَن الْمُسْتَثْنى ثَلَاث وَسكت عَن ضَمَان المفاوض وَأورد بدله غَيره فليوفق.
أَقُول: من الله التَّوْفِيق، وغايته الْحمل على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ.
وَلَكِن بِدَفْعِهِ تغليط قاضيخان عدم الضَّمَان ويصحح ضَمَان نصيب صَاحبه، وَيدل عَلَيْهِ مَا نَصه فِي الْقنية: مَاتَ أحد الْمُتَفَاوضين وَمَالُ الشَّرِكَةِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ مَاتَ مُجَهِّلًا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ مَاتَ مجهلا للعين انْتهى.
فَظهر أَن هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَأَن مَا ذكره الْمُحَقق الْكَمَال ضَعِيف.
قَالَ المُصَنّف تبعا للبحر: وَأما أحد الْمُتَفَاوضين إِذا كَانَ المَال عِنْده وَلم يبين حَال المَال الَّذِي كَانَ عِنْده فَمَاتَ ذكر بعض الْفُقَهَاء أَنه لَا يضمن وأحاله إِلَى شركَة الاصل وَذَلِكَ غلط، بل الصَّحِيح أَنه يضمن نصيب صَاحبه، كَذَا فِي الْخَانِية من الْوَقْف.
وَبِه يَتَّضِح أَن مَا فِي الْفَتْح وَبَعض الْفَتَاوَى ضَعِيف وَأَن الشَّرِيك يكون ضَامِنا بِالْمَوْتِ عَن تجهيل عنانا أَو مُفَاوَضَة وَمَال الْمُضَاربَة مثل الشّركَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا لمَال الْمُضَاربَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة من النَّوْع الْخَامِس عشر فِي أَنْوَاع الدَّعَاوَى مَا نَصه: وَفِي دَعْوَى مَال الشّركَة

(8/486)


بِسَبَب الْمَوْت مجهلا لَا بُد أَن يبين أَنه مَاتَ مجهلا لمَال الشّركَة، وَأما المُشْتَرِي بمالها وَمَال الشّركَة مَضْمُون بِالْمثلِ وَالْمُشْتَرِي بمالها مَضْمُون بِالْقيمَةِ وَمثله مَال الْمُضَاربَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا بِمَال الْمُضَاربَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها وَهَذَا صَرِيح فِي الضَّمَان فَإِذا أقرّ فِي مَرضه أَنه ربح ألفا ثمَّ مَاتَ من غير بَيَان لَا ضَمَان، إِلَّا إِذا أقرّ بوصولها إِلَيْهِ كَمَا فِي قاضيخان من كتاب الْمُضَاربَة.

قَوْله: (لما نَقله المُصَنّف
هُنَا وَفِي الشّركَة) وَنَقله صَاحب الْبَحْر فِي الشّركَة
قَوْله: (أَنه يضمن نصيب شَرِيكه) عنانا أَو مُفَاوَضَة، وَمَال الْمُضَاربَة مثل مَال الشّركَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا كَمَا علمت.

قَوْله: (وَأقرهُ محشوها) أَي أقرّ الصَّوَاب.
محشو الاشباه.

قَوْله: (فَبَقيَ الْمُسْتَثْنى تِسْعَة) أَي بِخُرُوج الشَّرِيك من الْعشْرَة وَهِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي المُصَنّف والستة الْمَذْكُورَة فِي الاشباه.

قَوْله: (وَزَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ عَلَى الْعَشَرَةِ) أَي بِزِيَادَة مَسْأَلَة أحد الْمُتَفَاوضين على مَا تقدم.

قَوْله: (الْجد) قلت: يفهم من ذكر الاب، فَإِن أَحْكَامه أَحْكَامه إِلَّا فِيمَا اسْتثْنى وَهَذِه لَيست مِنْهَا، وَقدمنَا ذكرهمَا.

قَوْله: (ووصيه ووصي القَاضِي) هما داخلان فِي الْوَصِيّ فِي كَلَام الاشباه فَلَا وَجه لزِيَادَة مَا ذكر، إلَّا أَنْ يُقَالَ: حَمَلَهُ عَلَى وَصِيِّ الْأَبِ لبَيَان التَّفْصِيل للايضاح، فَتَأمل.

قَوْله: (وَسِتَّة من المحجورين) أَي وَالسَّابِع وَهُوَ الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ مَذْكُور هُنَا.
قلت: هِيَ تعلم من ذكر الصَّبِي ط: أَي لَو أودع عِنْدهم وماتوا مجهلين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم والستة من المحجورين وهم مَا عدا الصُّغْرَى، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ، وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (لَان الْحجر يَشْمَل سَبْعَة) أَي وَقد قدمنَا مَا لَو كَانَ الْمُودع صَبيا وَهِي من الصُّور الَّتِي ذكرهَا فِي الاشباه وَلم يذكرهَا شَارحنَا هُنَا.

قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي الْحجر لصِغَر مَسْأَلَة الصغر مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يَقُول: عَدَّهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ بَلَغَ ثُمَّ مَاتَ لَا يضمن) .
تَأمل.
أَو يُقَال: إِن مُرَاده مُجَرّد المحجورين سَبْعَة وَأَن مُرَاده سِتَّة مِنْهُم مَا عدا الصغر لانه مَذْكُور فِي الاشباه، وَلذَلِك قَالَ: وَسِتَّة من المحجورين.

قَوْله: (ورق) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة لَو أَن عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ أودعهُ رجل مَالا ثمَّ أعْتقهُ الْوَلِيّ ثمَّ مَاتَ وَلم يبين الْوَدِيعَة فالوديعة دين فِي مَاله سَوَاء شهد الشُّهُود بِقِيَام الْوَدِيعَة بعد الْعتْق أم لَا، وَإِن مَاتَ وَهُوَ عبد فَلَا شئ على مَوْلَاهُ، إِلَّا أَن تعرف الْوَدِيعَة فَترد على صَاحبهَا.
اهـ.

قَوْلُهُ: (وَدَيْنٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْتُوه كصبي) قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: أَوْدَعَ صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَاتَ قَبْلَ بُلُوغه مجهلا لَا يجب الضَّمَان انْتهى.
وَلَعَلَّه قصد بكاف التَّشْبِيهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْوَجِيزِ تَأمل.
وَعلل فِي الْوَجِيز شرح الْجَامِع الْكَبِير عدم ضَمَانه بِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْحِفْظ، ثمَّ قَالَ: وَإِن بلغ ثمَّ مَاتَ فَكَذَلِك إِلَّا أَن يشْهدُوا أَنَّهَا فِي يَده بعد الْبلُوغ لزوَال الْمَانِع
وَهُوَ الصِّبَا.
وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِك، فَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهما فِي ذَلِك ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا اهـ.
وَبِه تتضح عبارَة الشَّارِح.

قَوْله: (وَإِن بلغ) أَي الصَّبِي وَمثله إِذا أَفَاق الْمَعْتُوه كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا

(8/487)


سلف.

قَوْله: (مَأْذُونا لَهما) أَي فِي التِّجَارَة كَمَا فِي البيري عَن خزانَة الاكمل، أَو فِي قبُول الْوَدِيعَة كَمَا فِي الْوَجِيز، فَإِن عِبَارَته كَمَا فِي الْحَمَوِيّ: فَإِن كَانَا مَأْذُونا لَهما فِي ذَلِك ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا اهـ.
وَنَصّ فِي الْهِنْدِيَّة على ضَمَانه فِي الصُّورَتَيْنِ إِجْمَاعًا ط.

قَوْله: (ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا) هَذَا نشر على سَبِيل اللف، وَهَذِه ثَمَرَة تَشْبِيه الشَّارِح الْمَعْتُوه بِالصَّبِيِّ دون غَيره، لَا أَن ثَمَرَته جعل السَّبْعَة سِتَّة بتداخل العته فِي الصغر لَان الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ من عشرَة.
الاشباه
قَوْله: (شرح الْجَامِع) أَي الْكَبِير،
وَقَوله: (الْوَجِيز) بدل من شرح فَإِن اسْمه الْوَجِيز.

قَوْله: (قَالَ) أَي الشُّرُنْبُلَالِيّ فَبلغ: أَي الْمُسْتَثْنى.

قَوْله: (تِسْعَة عشر) أَي بِنَاء على عد المفاوض مِنْهَا وَهُوَ غلط كَمَا تقدم نَقله عَن قاضيخان.

قَوْله: (ونظم الخ) أَي نظم التِّسْعَة وَبَقِيَّة عشرَة.
الاشباه.

قَوْله: (وَهِي) أَي الابيات الاربعة الاولان لِابْنِ وهبان.

قَوْله: (وَالْعين) مفعول مقدم ليحصر وَالْجُمْلَة حَال: أَي كل أَمِين مَاتَ وَالْحَال أَنه يحوز الْعين، وَمَا وجدت تِلْكَ الْعين بِعَينهَا فَتَصِير دينا فضمير وجدت وَتصير راجعان إِلَى الْعين، وَكلمَة مَا نَافِيَة وَضمير يحصر للامين، وَمَعْنَاهُ يحفظ.

قَوْله: (وَمَا وجدت) أَي الْعين الامانة عينا: أَي مُعينَة مشخصة.

قَوْله: (تصير) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول.

قَوْله: (ثمَّ مفاوض) هَذَا على خلاف الْمُعْتَمد كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (ومودع) بِكَسْر الدَّال اسْم فَاعل، من أودع: أَي سوى مُودع مَال الْيَتِيم: يَعْنِي إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو وغنموا فأودع بعض الْغَنِيمَة عِنْد الْغَانِمين وَمَات وَلم يبين عِنْد من أودع لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
قَالَه أَبُو الطّيب.

قَوْله: (وَهُوَ المؤمر) أَي الَّذِي جعل أَمِيرا على الْجَيْش فَإِن ذَلِك لَهُ قبل الْقِسْمَة، فالمؤمر بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول.

قَوْله: (أَلْقَت الرّيح) أَي فِي تِلْكَ الدَّار شَيْئا.

قَوْله: (لَو القاه) بدرج الْهمزَة.

قَوْله: (ملاك) جمع مَالك.

قَوْله: (بهَا) أَي بِالدَّار.

قَوْله: (لَيْسَ يَشْعُرُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ حَيْثُ قَالَ لغير عِلْمِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إذْ يَسْتَحِيلُ تَجْهِيلُ مَا لَا يُعلمهُ اهـ.
وقدمناه قَرِيبا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي النَّظْمِ لَيْسَ يَأْمر.
قَوْله:
(جَمِيعًا) يَعْنِي أَن وَصِيّ الاب وَالْجد وَالْقَاضِي لَا يضمن، وَلَيْسَ المُرَاد أَن الْجَمِيع أوصوا إِلَيْهِ، وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك، وَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (ومحجور) بأنواعه السَّبْعَة، فَإِن كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْجُورِ سِتَّةً كَمَا قَدَّمَهُ يكون الْمَوْجُودُ فِي النَّظْمِ سَبْعَةَ عَشَرَ.
تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فوارث) بِغَيْر تَنْوِين: أَي إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَخْبَرَهُ الْمُوَرِّثُ بِهِ من الْوَدِيعَة.

قَوْله: (يسطر) خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي وَهَذَا يسطر لحفظه ويسطر مخفف.
قَالَ ابْن الشّحْنَة: وَفِي التَّبْيِين قَاعِدَة اسْتثْنى مِنْهَا مسَائِل، فالقاعدة قَالَ فِي الْبَدَائِع: لَو مَاتَ الْمضَارب وَلم يُوجد مَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ يعود دينا فِيمَا خلف الْمضَارب، وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وكل من كَانَ المَال فِي يَده أَمَانَة إِذا مَاتَ قبل الْبَيَان، وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون عَلَيْهِ دينا فِي تركته لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا للوديعة وَلَا تصدق ورثته على الْهَلَاك وَالتَّسْلِيم إِلَى رب المَال، وَلَو عين الْمَيِّت

(8/488)


المَال فِي حَال الْحَيَاة أَو علم ذَلِك تكون تِلْكَ الامانة فِي يَد وَصِيّه أَو يَد وَارثه كَمَا كَانَت فِي يَده، ويصدقون على الْهَلَاك وَالدَّفْع إِلَى صَاحبه كَمَا يصدق الْمَيِّت فِي حَال حَيَاته.
والمسائل الثَّلَاثَة المستثناة ذكرهَا بعد الْقَاعِدَة فِي التَّتِمَّة نَاقِلا عَن واقعات الناطفي، الامانات تنْقَلب مَضْمُونَة بِالْمَوْتِ إِذا لم يبين إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل: إِحْدَاهَا: مُتَوَلِّي الاوقاف إِذا مَاتَ وَلم يعرف حَال غَلَّتهَا الَّذِي أَخذ وَلم يبين لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
الثَّانِيَة: إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو وغنموا فأودع بعض الْغَنِيمَة عِنْد بعض الْغَانِمين وَمَات وَلم يبين عِنْد من أودع لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
الثَّالِثَة: أَن أحد الْمُتَفَاوضين إِذا مَاتَ وَفِي يَده مَال الشّركَة اهـ.
وَقد علم ذَلِك مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا.

قَوْله: (وَكَذَا لَو خلطها الْمُودع) خلط مجاورة كقمح بقمح أَو ممازجة كمائع بمائع.
اعْلَم أَن الْخَلْط على أَرْبَعَة أوجه: خلط بطرِيق الْمُجَاورَة مَعَ تيَسّر التَّمْيِيز كخلط الدَّرَاهِم الْبيض بالسود وَالدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ والجوز باللوز وَأَنه لَا يقطع حق الْمَالِك بالاجماع، وَلَو هلك قبل التَّمْيِيز هلك أَمَانَة كَمَا لَو هلك قبل الْخَلْط.
وخلط بطرِيق الْمُجَاورَة مَعَ تعسر التَّمْيِيز كخلط الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ، وَذَلِكَ يقطع حق الْمَالِك وَيُوجب الضَّمَان فِي الصَّحِيح، وَقيل لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك عَن الْمَخْلُوط بالاجماع هُنَا وَيكون لَهُ الْخِيَار.
وَقيل الْقيَاس أَن يكون الْمَخْلُوط ملكا للخالط عِنْد أبي حنيفَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يصير.
وخلط الْجِنْس بِخِلَافِهِ ممازجة كخلط الْخلّ بالشيرج وَهُوَ دهن السمسم والخل بالزيت وكل مَائِع بِغَيْر جنسه وَإنَّهُ يُوجب انْقِطَاع حق الْمَالِك إِلَى الضَّمَان بالاجماع.
وخلط الْجِنْس بِالْجِنْسِ ممازجة كخلط دهن اللوز بدهن اللوز أَو دهن الْجَوْز بدهن الْجَوْز أَو اللَّبن بِاللَّبنِ أَو خلط الْجِنْس بِالْجِنْسِ مجاورة كخلط الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ أَو الشّعير بِالشَّعِيرِ أَو الدَّرَاهِم الْبيض بِالدَّرَاهِمِ الْبيض أَو السود بالسود، فَعِنْدَ أبي حنيفَة هُوَ اسْتِهْلَاك مُطلقًا لَا سَبِيل لصَاحبه، إِلَّا تضمين الْمُودع مثله أَو قِيمَته وَصَارَ الْمَخْلُوط ملكا للخالط، وَلَا يُبَاح لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ سَقَطَ حَقه من الْعين وَالدّين وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِع ملك الْمَالِك عَن الْمَخْلُوط بل لَهُ الْخِيَار، إِن شَاءَ ضمن الخالط مثله، وَإِن شَاءَ شَاركهُ فِي الْمَخْلُوط بِقدر دَرَاهِمه، لانه يُمكنهُ الْوُصُول إِلَى عين حَقه صُورَة وَأمكنهُ معنى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ استهلاكا من وَجه فيميل إِلَى أَيهمَا شَاءَ لَان الْقِسْمَة فِيمَا لَا تَتَفَاوَت آحاده إِفْرَاز وَتَعْيِين حَتَّى ملك كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ أَن يَأْخُذ حِصَّته عينا من غير قَضَاء وَلَا رضَا، فَكَانَ إِمْكَان الْوُصُول إِلَى عين حَقه قَائِما معنى فَيُخَير.
وَله أَنه اسْتِهْلَاك من كل وَجه لانه فعل يتَعَذَّر مَعَه الْوُصُول إِلَى عين حَقه وَلَا يكون الِاسْتِهْلَاك من الْعباد أَكثر من ذَلِك، لَان إعدام الْمحل لَا يدْخل تَحت قدرتهم فَيصير ضَامِنا زَيْلَعِيّ ومسكين.
وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه جعل الاقل تَابعا للاكثر.
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى: يُشَارِكهُ بِكُل حَال، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي كل مَائِع خلطه بِجِنْسِهِ يعْتَبر الاكثر وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول بِانْقِطَاع حق

(8/489)


الْمَالِك فِي الْكل، وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى بالتشريك فِي الْكل.
هندية.
وَلَوْ خَلَطَ الْمُتَوَلِّي مَالَهُ بِمَالِ الْوَقْفِ لَمْ يَضْمَنْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ ضَمِنَ.
وَطَرِيقُ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَان الصّرْف فِي حَاجَة الْمَسْجِد أَو الرّفْع إلَى الْحَاكِمِ.
مُنْتَقَى.
الْقَاضِي لَوْ خَلَطَ مَالَ صَبِيٍّ بِمَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا سِمْسَارٌ خَلَطَ مَال رجل بِمَال آخر، وَلَو بِمَالِه ضَمِنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي كَذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا، وَلَوْ خَلَطَ بِمَالِهِ ضَمِنَ.
يَقُولُ الْحَقِيرُ: وَقَدْ مَرَّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَضْمَنْ.
وَفِي الْوَجِيزِ أَيْضًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ نُورُ الْعَيْنِ من أَوَاخِر السَّادِس وَالْعِشْرين.
وبخط السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ: وَفِي الْوَصِيِّ قَوْلٌ بِالضَّمَانِ اهـ.
قُلْت: فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَجَّحَ عَدَمُهُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ لَا يَضْمَنُ بِالْخَلْطِ بِمَالِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَالسِّمْسَارُ بِمَالِ رَجُلٍ آخَرَ وَالْوَصِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْأَبَ كَذَلِكَ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَا يَصِيرُ الْأَبُ غَاصِبًا بِأَخْذِ مَالِ وَلَدِهِ، وَله أَخذه بِلَا شئ لَوْ مُحْتَاجًا وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَهُ لِحِفْظِهِ فَلَا يضمن إِلَّا إِذا أتْلفه بِلَا حَاجَة اهـ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيِّ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَدِهِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو خلطت الْفضة بعد الاذابة صَار من الْمَائِعَات لانه مَائِع حَقِيقَة عِنْد الْخَلْط فَيكون على الْخلاف الْمَذْكُور كَذَا فِي التَّبْيِين.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَو كَانَ عِنْده حِنْطَة وشعير لوَاحِد فخلطهما ضمنهما كَذَا فِي التاترخانية، وَإِن كَانَ الَّذِي خلط الْوَدِيعَة أحدا من هُوَ فِي عِيَاله كزوجته وَابْنه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالضَّمان على الخالط.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا سَبِيل للْمُودع وَالْمُودع على الْعين إِذا خلطها الْغَيْر ويضمنان الخالط.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى: إِن شاءا ضمنا الخالط وَإِن شاءا أخذا الْعين وَكَانَا شَرِيكَيْنِ سَوَاء كَانَ الخالط كَبِيرا أَو صَغِيرا.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج، حرا كَانَ أَو عبدا.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَقد قَالُوا: إِنَّه لَا يسع الخالط أكل هَذِه الدَّنَانِير حَتَّى يُؤَدِّي مثلهَا إِلَى أَرْبَابهَا، وَإِن غَابَ الَّذِي خلطها بِحَيْثُ لَا يقدر عَلَيْهِ، فَإِن تَرَاضيا على أَن يَأْخُذهَا أَحدهمَا وَقد دفع قيمَة مَالا الآخر جَازَ، وَإِن أَبَيَا ذَلِك أَو أَبى أَحدهمَا وَقَالا نبيع ذَلِك فباعاها ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الثّمن بِحِصَّتِهِ، فَإِن كَانَ الْمَخْلُوط حِنْطَة وشعيرا ضرب صَاحب الْحِنْطَة بِقِيمَتِهَا حِنْطَة مخلوطة وَضرب صَاحب الشّعير بِقِيمَة
شعيره غير مخلوط.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج اهـ.

قَوْله: (بِحَيْثُ لَا تتَمَيَّز) أَي أصلا كخلط الشيرج مَعَ الزَّيْت أَو مَعَ التعسر كَمَا مثل بِهِ الشَّارِح.
ب
قَوْله: (بكلفة كحنطة) وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ عَدَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ لَا عَدَمُ إمْكَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْله: (ضمنهَا لاستهلاكه بالخلط) وَإِذَا ضَمِنَهَا مَلَكَهَا، وَلَا تُبَاحُ لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أبي حنيفَة كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (وَصَحَّ الابراء) فَلَو أَبرَأَهُ سقط حَقه من الْعين وَالدّين كَمَا قدمنَا.

قَوْله: (وَلَو خلطه) أَي الْجيد

(8/490)


قَوْله: (ضمنه) أَي الْجيد: أَي ضمن مثل الْجيد
قَوْله: (وبعكسه) أَي لَو خلط ردئ الْوَدِيعَة بجيدها.

قَوْلُهُ: (شَرِيكٌ) نَقَلَ نَحْوَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَنَصّ عِبَارَته: لَو خلط الْوَدِيعَة بِمَالِه حَتَّى لَا تتَمَيَّز يضمنهَا بِهِ وَلَا سَبِيل للْمُودع عَلَيْهَا.
عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا يشركهُ إِلَى أَن ذكر، وَلَو صب الردئ على الْجيد يضمن مثل الْجيد لانه تعيب، وَفِي عَكسه كَانَ شَرِيكا لَان الردئ لَا يتعيب بالجيد اهـ.
فقد عرفه على قَوْلهمَا الْقَائِلين بِأَن الْخَلْط سَبَب الشّركَة ثمَّ اسْتثْنى مِنْهَا مَا إِذا خلط الردئ بالجيد وَهُوَ صَحِيح كَمَا علمت مِمَّا قدمْنَاهُ.
وَأما مَا ذكره هُنَا مَعَ اقْتِصَاره على قَول الامام فَإِنَّهُ لَا معنى لَهُ، لانه إِذا خلطه ملكه وَوَجَب ضَمَانه وَلَو أَبرَأَهُ عَنهُ طَابَ سَوَاء خلطه بالجيد أَو بالردئ أَو بالمماثل، إِلَّا أَن هَذَا فِي غَيْرِ الْوَدِيعَةِ أَوْ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ فِي الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الضَّمَان مُطلقًا إِذا كَانَ لَا يتَمَيَّز.
تَأمل وتدبر.

قَوْله: (لعدمه) أَي عدم التَّعَدِّي وَهُوَ عِلّة الْمَحْذُوف: أَي وَلَا يضمن.
قَالَ فِي الْمنح: فَإِن هلك بَعْضهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمَالِ الْمُشْتَرك اهـ.

قَوْله: (كَأَن انْشَقَّ الْكيس) فِي صندوقه فاختلط بدراهمه اشْتَركَا: أَي الْمُودع وَالْمُودع فِي الْمَخْلُوط، حَتَّى لَو هلك بَعْضهَا هلك من ماليهما دَرَاهِم، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لكل مِنْهُمَا.
أَبُو السُّعُود.

قَوْله: (وَلَو خلطها غير الْمُودع) أَي سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَمَا علمت.

قَوْله: (ضمن الخالط) عِنْد الامام.
وَقَالا: إِن شَاءَ ضمنهَا الخالط وَإِن شَاءَ أَخذ الْعين وَكَانَا شَرِيكَيْنِ كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (وَلَو صَغِيرا) لانه من التَّعَدِّي على أَمْوَال النَّاس، كَمَا لَو كسر زجاجات الْغَيْر فَإِن الضَّمَان عَلَيْهِ.

قَوْله: (فَرد مثله) قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ
رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَرَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَوْ قَضَاهَا غَرِيمُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَردهَا على الْمُودع فَهَلَكت ضمن.
تاترخانية
قَوْله: (خلطا لَا يتَمَيَّز) أَي الْبَاقِي مَعَ الْخَلْط.

قَوْله: (لخلط مَاله بهَا) قَالَ فِي الْبَحْر: ضمن الْكل الْبَعْض بالانفاق وَالْبَعْض بالخلط لانه مُتَعَدٍّ بالانفاق مِنْهَا، وَمَا رده بَاقٍ على ملكه.
اهـ.

قَوْله: (فَلَو تَأتي التَّمْيِيز) كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يقطع حق الْمَالِك بِإِجْمَاع كَمَا قدمْنَاهُ.

قَوْله: (أَو أنْفق وَلم يرد) فَهَلَك الْبَاقِي لَا يضمن لانه حَافظ للْبَاقِي.

قَوْله: (وَهَذَا إِذا لم يضرّهُ التَّبْعِيض) مُرْتَبِطٌ.
بِقَوْلِهِ: أَوْ أَنْفَقَ وَلَمْ يَرُدَّ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه وَقيد بقوله: فَرد مثلهَا لانه لَو لم يرد كَانَ ضَامِنا لما أنْفق خَاصَّة لانه حَافظ للْبَاقِي، وَلم يتعيب لانه مِمَّا لَا يضرّهُ التَّبْعِيض، لَان الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير، أَو أَشْيَاء من الْمكيل وَالْمَوْزُون اهـ.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا يضْربهُ التَّبْعِيضُ هَلْ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ أَوْ مَا أَخَذَ ونقصان مَا بَقِي فيحرر اهـ.

(8/491)


أَقُول: وتحريره مَا قَالَه الْعَلامَة أَبُو الطّيب: فردتا ظفار إِذا بَاعَ أَحدهمَا فعيب تعيب الثَّانِي أَو بَاعَ بعض الفردة فَيضمن الْكل اهـ.

قَوْله: (وَإِذا تعدى) أَي الْمُودع عَلَيْهَا، أما إِذا هَلَكت من غير تعد فَلَا ضَمَان وَشَرْطُ الضَّمَانِ بَاطِلٌ كَشَرْطِ عَدَمِهِ فِي الرَّهْنِ.
أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه.

قَوْله: (أَو ركب دابتها) أَو استخدم عَبدهَا أَو أودعها غَيره.

قَوْله: (حَتَّى زَالَ التَّعَدِّي) بِأَن رد الثَّوْب إِلَى مَكَانَهُ وَالدَّابَّة مربطها وَأخذ الْبَعْض برده إِلَى يَده وَترك اسْتِخْدَام العَبْد واسترد الْوَدِيعَة من الْغَيْر.

قَوْله: (زَالَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الضَّمَان) وَهُوَ التَّعَدِّي، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذِه الزِّيَادَة لانها أدَّت إِلَى ركاكة عبارَة المُصَنّف، لانه يصير الْمَعْنى: ثمَّ زَالَ التَّعَدِّي زَالَ التَّعَدِّي، لَان مَا يُؤَدِّي إِلَى الضَّمَان هُوَ التَّعَدِّي، فَلَو أسْقطه لَكَانَ أحسن كَمَا وَقع فِي الْعَيْنِيّ والدرر حَيْثُ قَالَا: وَإِن زَالَ التَّعَدِّي زَالَ الضَّمَان، بِمَعْنى أَن الْوَدِيعَة إِذا ضَاعَت بعد الْعود إِلَى يَده لم يضمن خلافًا للشَّافِعِيّ.
قَالَ الْعَيْنِيّ: لَان الضَّمَان وَجب دفعا للضَّرَر
الْوَاقِع وَقد ارْتَفع بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق فَلَا يضمن، وَهَذَا مُقَيّد بِمَا لم ينقصها الِاسْتِعْمَال فَإِن نَقصهَا ضمن أَي النُّقْصَان لصيرورته حابسا لجزء مِنْهَا على وَجه التَّعَدِّي.
وَكَذَا فِي شرح تنوير الاذهان، وَإِنَّمَا زَالَ الضَّمَان لانه مَأْمُور بِالْحِفْظِ فِي كل الاوقات، فَإِذا خَالف فِي الْبَعْض ثمَّ رَجَعَ أَتَى بالمأمور بِهِ، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهُ للْحِفْظ شهرا فَترك الْحِفْظ فِي بعضه ثمَّ حفظ فِي الْبَاقِي اسْتحق الاجرة بِقَدرِهِ اهـ.
منح.

قَوْله: (إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ) فَلَو لبس ثوب الْوَدِيعَة ونزعه لَيْلًا وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا ثُمَّ سرق لَيْلًا لَا يبرأ عَن الضَّمَان.
بَحر من الْجِنَايَات معزيا للظهيرية.
وَلم يذكر المُصَنّف حكم دَعْوَاهُ الْعود هَل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ الْعود وَإِن لم يصدقهُ صَاحب الْوَدِيعَة، وَهُوَ مَذْكُور فِي الْعمادِيَّة، وعبارتها: وَلَو أقرّ الْمُودع أَنه استعملها ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا فَهَلَكت لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة.
فَالْحَاصِل: أَن الْمُودع إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق إِنَّمَا يبرأ عَن الضَّمَان إِذا صدقه الْمَالِك فِي الْعود فَإِن كذبه لَا يبرأ إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق.
وَرَأَيْت فِي مَوضِع آخر: الْمُودع إِذا خَالف ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق فكذبه الْمُودع فَالْقَوْل قَول الْمُودع كَمَا فِي الرَّهْن، بِخِلَاف مَا إِذا جحد الْوَدِيعَة أَو منعهَا ثمَّ اعْترف فَإِنَّهُ لَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.

قَوْله: (أشباه) عبارتها: قَالُوا فِي الْمُودع إِذا لبس ثوب الْوَدِيعَة ثمَّ نَزعه وَمن نِيَّته أَن يعود إِلَى لبسه لم يبرأ من الضَّمَان.
اه.
قَالَ البيري: هَذَا عَجِيب من الْمُؤلف حَيْثُ قَالَ: قَالُوا الْمشعر بِأَن ذَلِك قَول عُلَمَائِنَا كَافَّة مَعَ علمه بِأَن ذَلِك قَول لصَاحب الظَّهِيرِيَّة وتخريجه، وَقد نَقله عَنهُ فِيمَا يَأْتِي، وَنَصه: عِنْدِي الْمُودع إِذا لبس قَمِيص الْوَدِيعَة بِغَيْر إِذن الْمُودع فَنَزَعَهُ بِاللَّيْلِ للنوم فَسرق الْقَمِيص فِي اللَّيْل، فَإِن كَانَ من قَصده أَن يلبس الْقَمِيص من الْغَد لَا يعد هَذَا ترك الْخلاف حَتَّى لَا يضمن اهـ.
وَبِه انْتهى كَلَام البيري.
أَقُول: وَيُمكن أَنه أَتَى بِلَفْظ قَالُوا للتبري، وَيُؤَيّد ذَلِك قَول صَاحب الْبَحْر عقب ذكره عبارَة الْخُلَاصَة قَوْله فَرَاجعه.
لَكِن قَالَ فِي الذَّخِيرَة: لَو وضع طبق وَدِيعَة على رَأس الْجب فَوَقع فِيهِ، إِن وضع على وَجه الِاسْتِعْمَال ضمن وَإِلَّا فَلَا.
اهـ.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وضع طبق الْوَدِيعَة على رَأس الخابية ضمن لَو فِيهَا شئ يحْتَاج إِلَى التغطية

(8/492)


كَمَاء ودقيق وَنَحْوه لانه اسْتِعْمَال صِيَانة لما فِيهَا لَا لَو لم يكن فِيهَا شئ، وَلَو وضع ثوبا على عجين ضمن للاستعمال.
وضع الطشت على رَأس التَّنور ضمن لَو قصد التغطية، وَإِلَّا لَا، لانه مُسْتَعْمل فِي الاول لَا فِي الثَّانِي.
اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن مَا فِي الذَّخِيرَة أَعم، فَتَأمل.
مطلب: رجل تنَاول مَال إِنْسَان بِلَا أمره فِي حَيَاته ثمَّ رده لوَرثَته بعد مَوته فرع: رجل تنَاول مَال إِنْسَان فِي حَال حَيَاته ثمَّ رده إِلَى ورثته بعد مَوته يبرأ عَن الدّين وَيبقى حق الْمَيِّت فِي مظلمته إِيَّاه وَلَا يُرْجَى لَهُ الْخُرُوج عَنْهَا إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار للْمَيت وَالدُّعَاء لَهُ.
اهـ.
نور الْعين عَن الْخَانِية.

قَوْله: (بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر) يَعْنِي إِذا تعدى فِي الْمُسْتَعَار وَالْمُسْتَأْجر بِأَن اسْتعَار ثوبا ليلبسه فلبسه يَوْمَيْنِ ونزعه للتسليم أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليرْكبَهَا أَيَّامًا مَعْدُودَة أَو ليحمل عَلَيْهَا أمنانا مَعْلُومَة فركبها أَو حملهَا أَكثر مِنْهَا ثمَّ ردهَا كَمَا كَانَت لم يبرأ خلافًا لزفَر رَحمَه الله تَعَالَى فيهمَا، لَان الْبَرَاءَة مِنْهُ إِنَّمَا تكون بِإِعَادَة يَد الْمَالِك حَقِيقَة أَو حكما وَلم يُوجد ذَلِك لَان قبضهما لانفسهما، بِخِلَاف الْمُودع فَإِن يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل لَهُ فِي الْحِفْظ: زَيْلَعِيّ.
وَقيل إِذا اسْتَأْجر الدَّابَّة ذَاهِبًا وجائيا يبرأ، وَإِن ذَاهِبًا فَقَط لَا يبرأ لَان العقد انْتهى بالوصول إِلَى ذَلِك الْمَكَان وبالعود إِلَيْهِ لَا يعود العقد بَينهمَا.
شلبي.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: مُسْتَأْجر الدَّابَّة وَالْمُسْتَعِير لَوْ نَوَى أَنْ لَا يَرُدَّهَا ثُمَّ نَدِمَ لَوْ كَانَ سَائِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ ضَمِنَ لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ النِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ وَاقِفًا إِذا ترك نِيَّة الْخلاف عَاد أَمينا اهـ.
وَاعْلَم أَن مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف تبعا للكنز هُوَ الْمُفْتِي بِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة احْتِرَازًا عَمَّا ذكره فِي الدُّرَر من أَن مِنْهُم من قَالَ الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر إِذا خالفوا ثمَّ عَادوا إِلَى الْوِفَاق برؤوا عَن الضَّمَان إِذا كَانَت مُدَّة الايداع والاعارة بَاقِيَة الخ.

قَوْله: (فَلَو أزالاه) أَي التَّعَدِّي.

قَوْله: (لعملهما لانفسهما) وَعلله البيري بِأَنَّهُمَا مأموران بِالْحِفْظِ تبعا للاستعمال: أَي الْمَأْذُون فِيهِ مَقْصُودا، فَإِذا انْقَطع الِاسْتِعْمَال الْمَذْكُور لم يبْق الْحِفْظ ثَابتا فَلَا يبرآن بِالْعودِ.
اهـ.
ط.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو مَأْمُورا بِحِفْظ شهر فَمَضَى شَهْرٌ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهَا ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَعَادَ إلَى الْحِفْظِ ضَمِنَ إذَا عَادَ وَالْأَمْرُ بِالْحِفْظِ قد زَالَ.
اهـ.

قَوْله: (بِخِلَاف مُودع) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه أصل الْمَسْأَلَة الْمَقْصُودَة بِالذكر، وَلَكِن إِنَّمَا ذكره ليظْهر عدهَا، ويتضح الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله إِلَّا فِي هَذِه الْعشْرَة ط.

قَوْله: (ووكيل بيع) بِأَنْ اسْتَعْمَلَ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ تَرَكَ وَضاع لَا يضمن.

قَوْله: (أَو حفظ) تقدم صورته قَرِيبا.

قَوْله: (أَو إِجَارَة) بِأَن وَكله ليؤجر لَهُ دَابَّته فركبها ثمَّ ترك.

قَوْله: (أَو اسْتِئْجَار) بِأَن دفع لَهُ دَرَاهِم ليستأجر لَهُ بَيْتا فَدَفعهَا فِي اسْتِئْجَار دكان ثمَّ استردها بِعَينهَا فَهَلَكت فَإِنَّهُ لَا يضمن.

قَوْله: (ومضارب ومستبضع) إِذا خَالف وَدفع المَال لنفقته ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق صَار مضاربا ومستبضعا.
أَبُو السُّعُود عَن الشَّيْخ صَالح.

قَوْله: (وَشريك عنانا أَو مُفَاوَضَة) فَإِنَّهُمَا يعودان أمينين بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق.
أَبُو السُّعُود.
أَمَّا شَرِيكُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ أَعَارَ دَابَّةَ الشَّرِكَةِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ،

(8/493)


وَلَوْ كَانَتْ فِي نَوْبَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَهُ يَزُولُ الضَّمَانُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا فَأَجَبْت بِمَا ذَكَرْت، وَإِنْ لَمْ أَرَهَا فِي كَلَامِهِمْ لِلْعِلْمِ بِهَا مِمَّا ذُكِرَ إذْ هُوَ مُودَعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ بِالضَّمَانِ وَيَصِيرُ غَاصِبًا.
رَمْلِيٌّ على الْمنح.

قَوْله: (ومستعير رهن) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ أَوْ دَابَّةً فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهَا ثمَّ رَهنهَا بِمَال بِمثل الْقيمَة ثمَّ قضى بِالْمَالِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَان حِين رَهنهَا، فَإِذا كَانَ أَمينا خَالف فقد عَاد إِلَى الْوِفَاق، وَإِنَّمَا كَانَ مستعير الرَّهْن كَالْمُودعِ لَان تَسْلِيمهَا إِلَى الْمُرْتَهن يرجع إِلَى تَحْقِيق مَقْصُود الْمُعير، حَتَّى لَو هلك بعد ذَلِك يصير دينه مقضيا فيستوجب الْمُعير الرُّجُوع على الرَّاهِن بِمثلِهِ فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الرَّد عَلَيْهِ حكما فَلهَذَا برِئ عَن الضَّمَان، كَذَا فِي الْبَحْر معزيا إِلَى الْمَبْسُوط اهـ.
نَقله فِي الْمنح وَإِنَّمَا قَالَ ثمَّ قضى المَال وَلم يقبضهَا لما ذكره أَنه لَو هَلَكت قبل أَن يقْضِي المَال كَانَ قَاضِيا بهَا دينه فَيضمن قيمتهَا لمَالِكهَا، وَقَوله ثمَّ رَهنهَا بِمَال بِمثل قيمتهَا، الاولى أَن يَقُول بِمَا شَرطه الْمُرْتَهن لانه لَا يتجاوزه كَمَا يَأْتِي فِي بَابه.
تَأمل.
وَقد
علمت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُقَيّدَة بِمَا إِذا تعدى ثمَّ رهن، فَلَو اسْتعَار ليرهن فتعدى وَلم يرْهن وضاعت فَالضَّمَان عَلَيْهِ وَيكون دَاخِلا فِي حكم الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور فِي المُصَنّف، وَأَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من قَول المُصَنّف، بِخِلَاف الْمُسْتَعِير كَمَا أَفَادَهُ فِي شرح ط.
وَقد سُئِلَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ عَن الْمُرْتَهن إِذا مَاتَ مجهلا للرَّهْن هَل يضمنهُ كملا أم لَا؟ فَأجَاب نعم، لَان الزَّائِد عَن الدّين أَمَانَة فتضمن كَمَا هُوَ ظَاهر.
اهـ.

قَوْله: (ثمَّ أزاله) أَي التَّعَدِّي.

قَوْله: (إِلَّا فِي هَذِه الْعشْرَة) بعد الشَّرِيك صُورَتَيْنِ.

قَوْله: (لَان يَده كيد الْمَالِك) أَي حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ، وَهَذِه عِلّة لمسألة الْوَدِيعَة الْمَذْكُورَة فِي المُصَنّف.
وَالْحَاصِل: أَن كل أَمِينٍ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ أَمينا لَان يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ، إِلَّا الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر فَإِنَّهُمَا ضامنان مُطلقًا لَان قبضهما الْعين كَانَ لانفسهما لِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع، فَإِذا ترك الْخلاف لم يُوجد الرَّد إِلَى صَاحبهَا لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، بِخِلَاف الْمُودع وَمَا عطف عَلَيْهِ فَإِن يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ كَمَا ذكرنَا.

قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) أَي للْمَالِك إِلَّا أَن يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق، والاولى التَّصْرِيح بذلك لدفع اللّبْس الْوَاقِع فِي الْعبارَة، فَتَأمل ط.

قَوْله: (وَقيل لِلْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ لِأَنَّهُ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ أَي لَا يشْتَرط إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق، وَظَاهر كَلَامهم اعْتِمَاد الاول.

قَوْله: (وَبِخِلَاف إِقْرَاره بعد جحوده) بِأَن قَالَ لم تودعني، أما لَو قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَليّ شئ ثمَّ ادّعى ردا أَو تلفا صدق.
أَبُو السُّعُود عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَمثله جحوده بِلَا إِقْرَار بِأَن أَقَامَ بَيِّنَة بعد الْجُحُود كَمَا فِي الدُّرَر.
وَقَوله: (وَبِخِلَاف إِقْرَاره) مَعْطُوف على قَوْله بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر.

قَوْله: (حَتَّى لَو ادّعى هبة أَو بيعا) يَعْنِي قيد.
ب
قَوْله: (بعد جحوده) ، لانه لَو ادّعى أَن الْمَالِك وَهبهَا لَو أَو بَاعهَا مِنْهُ وَأنكر صَاحبهَا ثمَّ هَلَكت لَا ضَمَان على الْمُودع لانهما اتفقَا على الْيَد وَاخْتلفَا فِي الْجِهَة فَيحمل على الْمُحَقق وَهُوَ يَد الامانة وَالْملك للْمَالِك.

قَوْله: (وَقيد بقوله

(8/494)


بعد طلب رَبهَا) وَمثله طَلَبَ امْرَأَةِ الْغَائِبِ وَجِيرَانِ الْيَتِيمِ مِنْ الْوَصِيِّ لينفق عَلَيْهِ من مَاله كَمَا فِي الْخَانِية، وَمثله فِي التاترخانية.
وَقَوله بعد مُتَعَلق.
ب
قَوْله: (بجحوده) .

قَوْله: (فَلَو سَأَلَهُ عَن حَالهَا)
بِأَن قَالَ مَا حَال وديعتي عنْدك ليشكره على حفظهَا.
بَحر.
والاولى أَن يَقُول لانه الخ بدل الْفَاء، وَكَذَا يُقَال فِيمَا يَأْتِي.

قَوْله: (فجحدها) قَالَ الرَّمْلِيّ: هَذَا لَيْسَ بجحود حَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ حفظ فاستغنى فِي الْكَنْز عَن ذكره،
قَوْله: (لم يضمن) لَان كتمان الْوَدِيعَة أمكن فِي حفظهَا لَان بذكرها قد يتَنَبَّه لَهَا الظَّالِم وَالسَّارِق فَكَانَ جحوده من بَاب الْحِفْظ، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ جحوده عِنْد طلب الْمَالِك لَهَا فَإِن بِالطَّلَبِ يَنْتَهِي الايداع فَإِنَّهُ مَا أودعها إِلَّا ليسلمها لَهُ عِنْد حَاجته إِلَيْهَا فبالمنع يكون غَاصبا فَيضمن وَلم تبْق يَده يَد الْمَالِك، فبإقراره بعد ذَلِك لم يحصل الرَّد إِلَى مَالِكهَا لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، فَلِذَا لَا يبرأ عَن الضَّمَان إِلَّا بتسليمها إِلَى الْمَالِك حَقِيقَة.

قَوْله: (ونقلها من مَكَانهَا وقف الانكار) المُرَاد بِهِ زمن الانكار، وَلَيْسَ المُرَاد نقلهَا وقته حَقِيقَة لانه لَا يَتَأَتَّى فِي نَادِر من الصُّور.
وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَفِي غَصْبِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَهَلَكَتْ لَا يضمن.
اهـ.
وَهُوَ ظَاهر، وَعَلِيهِ فَهُوَ مُتَعَلق.
ب
قَوْله: (مَكَانهَا) ، وَانْظُر مَا لَو كَانَ نقلهَا قبله وَفِي نِيَّته الْجُحُود، وَقد نقل هَذَا التَّقْيِيد الشُّرُنْبُلَالِيّ عَن الناطفي، وَنقل عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه يضمن بجحوده الْوَدِيعَة كالعارية وَلَو لم يحولها.
وَقَوله: (وَكَانَت مَنْقُولًا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد.

قَوْله: (ونقلها من مَكَانهَا) وَلَو قدمه عَلَيْهِ لَكَانَ أولى.

قَوْله: (لانه لَو لم ينقلها وقته) صَادِق بِعَدَمِ النَّقْل أصلا وبنقلها بعده وَقَبله، وَإِنَّمَا اعْتبر النَّقْل ليتَحَقَّق الْغَصْب فِي الْمَنْقُول، إِذا الْغَصْب إِزَالَة الْيَد المحققة وَإِثْبَات الْيَد المبطلة، وَهُوَ إِنَّمَا يتَحَقَّق بنقلها من مَكَانهَا وَقت الْجُحُود لَان يَده عَلَيْهَا يَد أَمَانَة لَا ضَمَان، فَإِذا جَحدهَا فنقلها فقد أَزَال يَد الامانة وَأثبت يَد الْغَصْب، بِخِلَاف مَا إِذا لم ينقلها فَإِن يَد الامانة بَاقِيَة، وَقد نقل هَذَا الْقَيْد الشُّرُنْبُلَالِيّ كَمَا قدمْنَاهُ.
وَنَصه: إذَا جَحَدَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَهَا الْمُودَعُ من الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا عَن ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ.
اهـ.
وَنَقله فِي التاترخانية عَن الْخَانِية معزيا للناطفي، لَكِن ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه يضمن بجحود الْوَدِيعَة كالعارية وَلَو لم يحولها.
وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يضمن بالانكار وَإِن لم يحولها.
وَفِي الْبَدَائِع أَن العقد
يَنْفَسِخ بِطَلَب الْمَالِك لانه لما طلبَهَا فقد عَزله عَن الْحِفْظ أَو لما جَحده الْمُودع بِحَضْرَة الْمَالِكِ فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونا، فَإِذا هلك تقرر الضَّمَان.
اهـ.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: لم يظْهر لاصحاب الْمُتُون صِحَة هَذَا القَوْل فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، فَرَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ يَظْهَرْ لَك ذَلِك اهـ.
فَتَأمل.

قَوْله: (وَكَانَت الْوَدِيعَة مَنْقُولًا) أَقُول: الْعقار مُقَرر عدم الضَّمَان فِيهِ لعدم تصور غصبه فَلم يُصَرح فِي الْكَنْز بنفيه اكْتِفَاء بذلك كَمَا سَيذكرُهُ فِي بَابه، أَو لَان الاصح مَذْهَب مُحَمَّد فِيهِ فَأَرَادَ دُخُوله.
تَأمل.
ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (لَا يضمن بالجحود عِنْدهمَا) لعدم تصور غصبه.

(8/495)


قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) فَإِن الْغَصْب يجْرِي فِيهِ عِنْده، فَلَو جَحده يكون ضَامِنا.

قَوْله: (فِي الاصح) أَي قَوْله هُوَ الاصح.

قَوْله: (غصب الزَّيْلَعِيّ) أَي ذكره الزَّيْلَعِيّ فِي كتاب الْغَصْب.

قَوْله: (وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا) أَي لانه لَو جَحدهَا فِي وَجه عَدو يخَاف عَلَيْهَا التّلف، إِن أقرّ ثمَّ هَلَكت لَا يضمنهَا لانه إِنَّمَا أَرَادَ حفظهَا.
كَذَا فِي الْمنح.

قَوْله: (فَلَو كَانَ لم يضمن) أَي أقرّ ثمَّ هَلَكت.

قَوْله: (وَقيد بقوله وَلم يحضرها الخ) أَقُول: لم يُصَرح بِهِ فِي الْكَنْز.
وَالْجَوَاب عَنهُ أَنه حَيْثُ قُلْتُمْ إِنَّه إِيدَاع جَدِيد فَمَا مدخله فِي مَسْأَلَتنَا فَتَأَمّله.
ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (فَإِن أمكنه) أَي رَبهَا أَخذهَا عِنْد إحضارها ليجعل قَابِضا لَهَا.

قَوْله: (لم يضمن لانه إِيدَاع جَدِيد) أَي بقوله: دعها فَيكون إبقاؤها إيداعا جَدِيدا
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمَالِك أَخذهَا عِنْد إحضارها.

قَوْله: (ضمنهَا) لانه لم يَجْعَل قَابِضا لَهَا فَبَقيت مَضْمُونَة على جاحدها.

قَوْله: (لانه لم يتم الرَّد) أَي ردهَا إِلَى الْمَالِك بإحضارها عِنْد عدم تمكنه من أَخذهَا فَلَا يَصح الايداع الْجَدِيد، لَان الايداع إِنَّمَا يكون لعين مَاله، وَهُوَ إِنَّمَا يسْتَحق على الْمُودع ضَمَانهَا فَهُوَ كَالدّين فِي ذمَّته والمضمون لَا يصير أَمَانَة إِلَّا بعد الْخُرُوج عَن عُهْدَة ضَمَانه وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ التَّام الَّذِي يُمكن الْمَالِك مَعَه الْقَبْض وَالتَّسْلِيم.

قَوْله: (وَقيد بقوله لمَالِكهَا) أَو وَكيله كَمَا فِي التاترخانية فَاللَّام بِمَعْنى عِنْد، وَيُؤَيِّدهُ قَول الدُّرَر: أَو جحودها عِنْد مَالِكهَا.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: لَا حَاجَة إِلَيْهِ أَي مَالِكهَا لانه هُوَ المُرَاد لَا غَيره إِذْ الْكَلَام فِيهِ فَلِذَا لم يذكرهُ فِي الْكَنْز.

قَوْله: (فَإِذا تمت الشُّرُوط) وَهِي طلب ردهَا ونقلها وَكَونه مَنْقُولًا وَعدم الْخَوْف عَلَيْهَا وَعدم
إحضارها بعده جحودها وَكَون الْجُحُود لمَالِكهَا لم يبرأ الخ.

قَوْله: (إِلَّا بعد جَدِيد وَلم يُوجد) وَالْحَاصِل على مَا ذكره المُصَنّف أَنه لَا يضمن إِلَّا بِشُرُوط: أَن يجْحَد عِنْد سُؤال ردهَا، وَأَن ينقلها، وَأَن يكون نقلهَا زمن إِنْكَاره، وَأَن تكون مِمَّا ينْقل، وَأَن لَا يكون عِنْد الانكار من يخَاف عَلَيْهَا مِنْهُ، وَأَن لَا يحضرها بعد الْجُحُود، وَأَن يكون الْجُحُود لمَالِكهَا.
فَإِن وجدت هَذِه الشُّرُوط ضمن.
وَإِلَّا بِأَن جحد عِنْد غير صَاحبهَا أَو عِنْده حِين يسْأَله عَن حَالهَا من غير أَن يطْلب مِنْهُ الرَّد أَو طلب مِنْهُ الرَّد عِنْد من يخَاف مِنْهُ فجحدها لَا يضمن.

قَوْله: (قبل) لعدم تناقضه فَإِنَّهُ يَقُول إِنِّي بعد أَن جحدتك الْوَدِيعَة نِسْيَانا أَو ظلما ثمَّ تذكرت أَو رجعت عَن الظُّلم كَانَ مُدعيًا فَإِذا نور دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ قبلت فَيبرأ عَن الضَّمَان.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ سَقْطٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَيِّنَةِ لَا فِي مُجَرَّدِ الدَّعْوَى، حَتَّى يُقَالَ لَا يصدق.

(8/496)


وَعبارَة الْخُلَاصَة بعد قَوْله لم يستودعني هَكَذَا: وَفِي الاقضية لَو قَالَ لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاك لَا يصدق، فَفِي عِبَارَته سقط.
قَالَ فِي الْخَانِية: وَذكر فِي الْمُنْتَقى إِذا جحد الْمُودع الْوَدِيعَة ثمَّ ادّعى أَنه ردهَا بعد ذَلِك وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، وَكَذَا لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه ردهَا قبل الْجُحُود وَقَالَ إِنَّمَا غَلطت الخ، فَظهر أَن فِيمَا نَقله صَاحب الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة سقط.
وَفِي الْخَانِية أَيْضا: وَلَو جحد الْمُودع الْوَدِيعَة ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على هلاكها قبل الْجُحُود، إِن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة قبلت بَينته وَيبرأ عَن الضَّمَان.
وَلَو قَالَ نسيت فِي الْجُحُود أَو قَالَ غَلطت ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه دَفعهَا إِلَى صَاحبهَا قبل الْجُحُود برِئ اهـ.

قَوْله: (وَقَالَ غَلطت) حَال من الضَّمِير فِي برهن الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ على الرَّد قبل الْجُحُود لانه متناقض فِي دَعْوَاهُ ذَلِك لانه حَيْثُ جَحدهَا زعم أَنه لَا وَدِيعَة عِنْده فَلَا يَتَأَتَّى الرَّد لنفي أصل الْوَدِيعَة فَيحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق، فَإِذا قَالَ غَلطت: أَي أردْت أَن أَقُول رَددتهَا فَقلت لَا وَدِيعَة عِنْدِي أَو لم تودعني شَيْئا لَان الْوَدِيعَة الَّتِي قد أودعتها عِنْدِي قد انْتَهَت بِالتَّسْلِيمِ
إِلَيْك فصرت كَأَن لم تودع شَيْئا فَيقبل حِينَئِذٍ برهانه لارْتِفَاع التَّنَاقُض، وَكَذَا لَو قَالَ نسيت: أَي حِين سَأَلتنِي عَن الْوَدِيعَة بعد ردهَا إِلَيْك نسيت الايداع وَالرَّدّ فَلذَلِك قلت لَك لم تودعني شَيْئا ثمَّ تذكرت وَهَذِه بينتي على الرَّد تقبل.

قَوْله: (أَو ظَنَنْت أَنِّي دفعتها) أَي وَبعد الدّفع لم أكن مودعا فَأَنا صَادِق فِي قولي لَك لم تودعني لاني قد بَرِئت من وديعتك بتسليمها إِلَيْك.

قَوْله: (وَلَو ادّعى هلاكها قبل جحودها حلف الْمَالِك الخ) أَي عِنْد القَاضِي بِطَلَب الْمُودع عِنْد عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة على الضّيَاع من الْمُودع، لَان كل من إِذا أقرّ بشئ لزمَه يحلف عِنْد إِنْكَاره، وَالْمَالِك لَو أقرّ بهلاكها قبل جحود الْمُودع انْتَفَى الضَّمَان، فَإِذا أنكرهُ يحلف، فَإِذا حلف ضمنهَا الْمُودع لعدم ثُبُوت مدعاه فَيضمن بجحوده، وَإِن نكل برِئ الْمُودع لَان النّكُول إِقْرَار أَو بذل على مَا عرف.

قَوْله: (مَا يعلم ذَلِك) لانه تَحْلِيف على غير فعله فَيكون على الْعلم وَذَلِكَ عِنْد عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة على الضّيَاع من الْمُودع.
أما إِذا أَقَامَ بَيِّنَة، فَإِن كَانَ قبل الْجُحُود تقبل لعدم التَّعَدِّي والتناقض، وَإِن بعده لَا تقبل لانه بالجحود غَاصِب وَلم يرد إِلَى الْمَالِك كَمَا تقدم.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا أَقَامَ رب الْوَدِيعَة الْبَيِّنَة على الايداع بعد مَا جحد الْمُودع وَأقَام الْمُودع الْبَيِّنَة على الضّيَاع: فَإِن جحد الْمُودع الايداع بِأَن يَقُول للْمُودع لم تودعني، فَفِي هَذَا الْوَجْه الْمُودع ضَامِن وبينته على الضّيَاع مَرْدُودَة سَوَاء شهد الشُّهُود على الضّيَاع قبل الْجُحُود أَو بعد الْجُحُود.
وَإِن جحد الْوَدِيعَة بِأَن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على الضّيَاع: إِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على الضّيَاع بعد الْجُحُود فَهُوَ ضَامِن، وَإِن أَقَامَ بَينته على الضّيَاع قبل الْجُحُود فَلَا ضَمَان، وَإِن أَقَامَ بَينته على الضّيَاع مُطلقًا وَلم يتَعَرَّضُوا لكَونه قبل الْجُحُود أَو بعده فَهُوَ ضَامِن.
اهـ.

قَوْله: (فَإِن حلف ضمنه) أَي ضمن الْمَالِك الْمُودع لعدم ثُبُوت مدعاه فَيضمن بجحوده، وَإِن نكل برِئ: أَي الْمُودع لَان النّكُول إِقْرَار أَو بذل كَمَا سَمِعت.

قَوْله: (وَكَذَا الْعَارِية) أَي إِذا ادّعى الْمُسْتَعِير هلاكها قبل جحوده فَإِن القَاضِي يحلفهُ على الْعلم.

قَوْله: (وَيضمن قيمتهَا يَوْم الْجُحُود إِن علم) الاصوب علمت: أَي الْقيمَة لَان الْفَاعِل ضمير مؤنث مُتَّصِل فتلزم التَّاء.

(8/497)


وَنَقَلَ فِي الْمِنَحِ قَبْلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ بِدُونِ تَفْصِيلٍ، لَكِنَّهُ مُتَابِعٌ فِي النَّقْلِ
عَنْ الْخُلَاصَةِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَفِيمَا نَقله سقط كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، فَإِنَّ مَا رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعمادِيَّة فَتنبه.
وأصل الْعبارَة: قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه يَوْم الْجُحُود، فَإِن قَالَ الشُّهُود لَا نعلم قِيمَته يَوْم الْجُحُود لَكِن قِيمَته يَوْم الايداع كَذَا قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه يَوْم الايداع.
وَعبارَة الْعمادِيَّة: أَنه لَو جحد الْوَدِيعَة وَهَلَكت ثمَّ أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على قيمتهَا يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الْجُحُود، وَإِن لم يعلم قيمتهَا يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الايداع، يَعْنِي إِذا أثبت الْوَدِيعَة.
كَذَا ذكره فِي الْعدة اهـ.
وَلذَلِك تعقب الْعَلامَة الْمَقْدِسِي صَاحب الْبَحْر بِأَن الَّذِي فِي الْخُلَاصَة يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه الخ.

قَوْله: (وَإِلَّا فَيوم الايداع) قَالَ مؤيد زَاده: إِن لم تعلم قيمَة الْوَدِيعَة يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الايداع.

قَوْله: (بِخِلَاف مضَارب جَحَدَ) أَيْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ لي شَيْئا.

قَوْله: (ثمَّ اشْترى) أَي بعد مَا أَقَرَّ وَرَجَعَ عَنْ الْجُحُودِ، بِأَنْ قَالَ بَلَى قَدْ دَفَعْت إلَيَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بعد الشِّرَاء فَيضمن الْمَتَاع لَهُ.
منح عَن الْخَانِية.

قَوْله: (لم يضمن خَانِية) عبارتها كَمَا فِي الْمنح: الْمضَارب إِذا قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا ثمَّ قَالَ بلَى قد دفعت إِلَيّ ثمَّ اشْترى بِالْمَالِ ذكر الناطفي أَن المُشْتَرِي يكون على الْمُضَاربَة، وَإِن ضَاعَ المَال فِي يَده بعدا لجحود وَقبل الشِّرَاء فَهُوَ ضَامِن وَالْقِيَاس أَن يضمن على كل حَال.
وَفِي الِاسْتِحْسَان: إِن جحد ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى برِئ عَن الضَّمَان، وَإِن جَحدهَا ثمَّ اشْترى ثمَّ أقرّ فَهُوَ ضَامِن وَالْمَتَاع لَهُ، وَكَذَا الْوَكِيل بشرَاء شئ بِغَيْر عينه بِأَلف وَدفع الْمُوكل المَال إِلَى الْوَكِيل، فَإِن كَانَ العَبْد معينا فَاشْتَرَاهُ فِي حَالَة الْجُحُود أَو بَعْدَمَا أقرّ فَهُوَ للْآمِر.
وَلَو دفع رجل عبدا إِلَى رجل ليَبِيعهُ فَجحد الْمَأْمُور ثمَّ أقرّ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة جَازَ وَيبرأ عَن الضَّمَان، وَقَالَ غَيره من الْمَشَايِخ فِي قِيَاس قَوْله وَلَو بَاعه بعد الْجُحُود ثمَّ أقرّ جَازَ أَيْضا.
اهـ.
وَبِهَذَا يعلم مَا فِي عِبَارَته من حذف مَا لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ قَوْله ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى الخ.
فَتَأمل.
وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ بِخِلَاف مضَارب جحد ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى لم يضمن لاصاب.

قَوْله: (وَالْمُودع لَهُ السّفر بهَا) أَي برا، وَأَجْمعُوا أَنه لَو سَافر بهَا بحرا يضمن هندية عَن غَايَة الْبَيَان.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمن الْمخوف السّفر بهَا فِي الْبَحْر لَان الْغَالِب فِيهِ العطب.
اهـ.
وَعَزاهُ للاختيار.
وَتعقبه الْمَقْدِسِي بحثا مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن من الْمُقَرّر أَن النَّادِر لَا حكم لَهُ، فَلَو العطب قَلِيلا والسلامة أغلب فَلَا ضَمَان سَوَاء سَافر برا أَو بحرا، وَبِالْعَكْسِ يضمن، يعْمل ذَلِك من هُنَا وَمن قَوْلهم للْمُضَارب السّفر برا أَو بحرا، وَمن قَوْلهم يجب الْحَج إِذا كَانَ الاغلب السَّلامَة وَلَو بحرا، وَهَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان كَمَا هُوَ مشَاهد فَتدبر انْتهى.
وَأجِيب أَيْضا بِأَن التَّقْيِيد مُسْتَفَاد من تَعْلِيله.
اهـ.
أَقُول: وَحَيْثُ كَانَت الْعلَّة الْخَوْف وَهُوَ أَيْضا مُنْتَفٍ بسفينة التُّجَّار فِي زَمَاننَا الْمَعْرُوفَة بالبابور فَإِن الْغَالِب فِيهَا السَّلامَة، لَان التُّجَّار الْآن لَا تطمئِن قُلُوبهم فِي إرْسَال أَمْوَالهم إِلَّا بهَا بحرا، وَإِذا انْتَفَت الْعلَّة انْتَفَى الْمَعْلُول.
على أَنا قدمنَا وَيَأْتِي أَن الْعبْرَة فِي حفظ الْوَدِيعَة الْعرف، وَحَيْثُ كَانَ الْعرف كَذَلِك

(8/498)


فَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَا فرق بَين السّفر بهَا برا أَو بحرا فِي البابور، فَتَأمل وراجع.
وَقيد بالمودع لَان الاب أَو الْوَصِيّ إِذا سَافر بِمَال الْيَتِيم لَا يضمن إِجْمَاعًا.
وَالْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا سَافر بِمَا وكل بِبيعِهِ إِن قيد الْوكَالَة بمَكَان بِأَن قَالَ لَهُ بِعْهُ بِالْكُوفَةِ فأخرجها من الْكُوفَة يصير ضَامِنا عندنَا، وَإِن أطلق للوكالة فسافر بِهِ، إِن كَانَ شئ لَهُ حمل وَمؤنَة يكون ضَامِنا وَإِن لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يصير ضَامِنا عندنَا إِذا لم يكن لَهُ بُد من السّفر، وَإِن كَانَ لَهُ بُد من السّفر لَا يكون ضَامِنا عِنْد أبي حنيفَة طَال الْخُرُوج أم قصر.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن طَال الْخُرُوج يكون ضَامِنا، وَإِن قصر لَا يكون ضَامِنا.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان، وَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا.

قَوْله: (وَلَو لَهَا حمل) فسره فِي الْجَوْهَرَة بِمَا يحْتَاج فِي حمله إِلَى ظهر أَو أُجْرَة حمال اهـ مكي.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُضْمرَات: لَو كَانَت طَعَاما كثيرا فسافر بهَا فَهَلَك الطَّعَام فَإِنَّهُ يضمن اسْتِحْسَانًا اهـ.
وَذكر فِي الْمنح: وَلَا يضمن وَلَو كَانَ الْخُرُوج طَويلا، وَمؤنَة الرَّد على الْمَالِك.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَمَا يلْزم الْآمِر من مُؤنَة الرَّد ضَرُورَة صِحَة أمره فَلَا يعد ذَلِك إِضْرَارًا بِهِ.
اهـ.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَالَ مُحَمَّد لَا يخرج بِمَا لَهُ حمل وَمؤنَة اهـ.
وَجعله فِي الْعِنَايَة قَول الثَّانِي أَيْضا.
ثمَّ قَالَ: لَكِن قيل عِنْد الثَّانِي إِذا كَانَ بَعيدا وَعند مُحَمَّد: مُطلقًا قَرِيبا كَانَ أَو بَعيدا اهـ.
وَاسْتثنى فِي شرح الْقَدُورِيّ الطَّعَام الْكثير فَإِنَّهُ يضمن إِذا سَافر بِهِ اسْتِحْسَانًا، وَنَقله فِي الْبَحْر.
وَفِيه عَن قاضيخان: للْمُودع أَن يُسَافر بِمَال الْوَدِيعَة إِذا لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة.
وَتعقبه الْحَمَوِيّ بِأَن مَا فِي الْخَانِية من اشْتِرَاط عدم الْحمل والمؤنة مَبْنِيّ على قَوْلهمَا، أما على قَول أبي حنيفَة فيسافر بهَا مُطلقًا عِنْد عدم النَّهْي.

قَوْله: (عِنْد عدم نهي الْمَالِك وَعدم الْخَوْف عَلَيْهَا) قَالَ: إِذا لم يعين مَكَان الْحِفْظ أَو لم ينْه عَن الاخراج نصا بل أمره بِالْحِفْظِ مُطلقًا فسافر بهَا: فَإِن كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَهَلَكت ضمن بالاجماع، وَإِن كَانَ آمنا وَلَا حمل لَهَا وَلَا مُؤنَة لَا يضمن بالاجماع وَإِن كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة: فَإِن كَانَ الْمُودع مُضْطَرّا فِي المسافرة بهَا لَا يضمن بالاجماع، وَإِن كَانَ لَهُ بُد من المسافرة بهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ قربت الْمسَافَة أَو بَعدت.
وعَلى قَول أبي يُوسُف: إِن بَعدت يضمن وَإِن قربت لَا.
هَذَا هُوَ الملخص وَالْمُخْتَار.
وَهَذَا كُله إِذا لم ينْه عَنْهَا وَلم يعين مَكَان الْحِفْظ نصا، وَإِن نَهَاهُ نصا وَعين مَكَانَهُ فسافر بهَا وَله مِنْهُ بُد ضمن.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
إِن أمكنه حفظ الْوَدِيعَة فِي الْمصر الَّذِي أمره بِالْحِفْظِ فِيهَا مَعَ السّفر بِأَن يتْرك عبدا لَهُ فِي الْمصر الْمَأْمُور بِهِ أَو بعض من فِي عِيَاله، فَإِذا سَافر بهَا وَالْحَالة هَذِه ضمن، وَإِن لم يُمكنهُ ذَلِك بِأَن لم يكن لَهُ عِيَال أَو كَانَ إِلَّا أَنه احْتَاجَ إِلَى نقل الْعِيَال فسافر فَلَا ضَمَان.
كَذَا فِي التاترخانية.
هندية من الْبَاب الثَّالِث من كتاب الْوَدِيعَة.

قَوْله: (فَإِن لَهُ بُد من السّفر) هَذَا التَّفْصِيل فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ وَقد عَلمته من عبارَة الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (فَإِن سَافر بِنَفسِهِ ضمن) أَي لَو كَانَ لَهُ أهل لم يسافروا مَعَه لَان لَهُ بدا من السّفر بهَا.
فرع: من اُسْتُؤْجِرَ لحفظ عين أَو وكل بِبَيْعِهَا لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بهَا، وَكَذَا إِذا قيد الايداع بمَكَان.

(8/499)


وَفِي الْمَقْدِسِي عَن النَّسَفِيّ: للْوَكِيل بِالْبيعِ أَن يدْفع الْعين إِلَى السمسار.

قَوْله: (فَإِن سَافر بِنَفسِهِ ضمن وبأهله لَا) لانه يُمكنهُ أَن يحفظها بعياله، وقدمناه عَن الْهِنْدِيَّة معزيا للتاترخانية.
وَالْحَاصِل: أَن عِنْد أبي حنيفَة لَهُ أَن يُسَافر بهَا مُطلقًا: أَي سَوَاء كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة أَو لَا،
وَسَوَاء لَهُ بُد من السّفر أَو لَا، وَلَا فرق بَين الطَّوِيل والقصير.
وَعِنْدَهُمَا: لَيْسَ لَهُ السّفر بهَا إِذا كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة وطالت مُدَّة السّفر، وَهَذَا الْخلاف فِي خُصُوص مَاله حمل وَمؤنَة مَعَ طول مُدَّة السّفر، أما مَا لَيْسَ لَهُ حمل وَلَا مُؤنَة وَلم تطل مُدَّة سَفَره فَلهُ السّفر بهَا اتِّفَاقًا عِنْد عدم النَّهْي وَالْخَوْف، وَكَذَا مَعَ النَّهْي وَالْخَوْف أَيْضا إِن لم يكن لَهُ من السّفر بُد كَمَا سبق.
وَفِي خُصُوص مَا إِذا أمكنه الْحِفْظ فِي الْمصر بِأَن كَانَ بعض عِيَاله ثمَّة وَلم يحْتَج إِلَى نقلهم.
أما لَو لم يُمكنهُ بِأَن لم يكن أَو كَانَ وَلَكِن احْتَاجَ إِلَى نقلهم لَا يضمن بالاجماع، وَإِن سَافر بِنَفسِهِ من غير عِيَاله يضمن، وَبِه صرح فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية كَمَا يُسْتَفَاد ذَلِك من أبي السُّعُود، وَهَذَا كُله فِي سفر الْبر كَمَا علمت.
أما فِي الْبَحْر فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر فِي قَوْلهم جَمِيعًا إِلَّا على مَا بَحثه أَبُو السُّعُود وأيدناه بِمَا تقدم قَرِيبا فَلَا تنسه.

قَوْله: (وَلَو أودعا شَيْئا مثلِيا أَو قيميا) لَكِن عدم جَوَاز الدّفع فِي القيمي بِإِجْمَاع، وَفِي الْمثْلِيّ خلاف الصاحبين فَإِنَّهُمَا قَالَا بِجَوَاز دفع حَظه لَهُ قِيَاسا على الدّين الْمُشْتَرك.
وَفرق أَبُو حنيفَة بَينهمَا بِأَن الْمُودع لَا يملك الْقِسْمَة بَينهمَا فَكَانَ تَعَديا على ملك الْغَيْر، وَفِي الدّين يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم حَقه إِذْ الدُّيُون تقضي بأمثالها فَكَانَ تَصرفا فِي مَال نَفسه كَمَا فِي الْبَحْر.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) قَدَّرَهُ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ فَلَمْ يَبْقَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الدَّفْعِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَمْ يَدْفَعْ) إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ نصِيبه إِلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة، وَإِلَى أَنه لَو دفع إِلَيْهِ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا، حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ وَإِلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا إذَا ظفر بهَا.
اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِي: قُلْنَا بل يُطَالِبهُ بِدفع حَظّ الْغَائِب لانه طلب الْمُقَرّر وَحقه مشَاع، وَلَا يتَمَيَّز إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَا يملكهَا، وَلذَا لَا يَقع دَفعه قسْمَة، فَلَو هلك الْبَاقِي رَجَعَ صَاحبه، وَإِذا لم يَقع قسْمَة كَانَ مُتَعَدِّيا فِي النّصْف فَيضمن، وَفِي الدّين يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم حَقه لَان الدّين يقْضِي بِمثلِهِ فتصرف فِي ملكه وَلَا قسْمَة.
تَتِمَّة: فِي أبي السُّعُود: الْغَرِيم الْمَدْيُون أَن يَأْخُذ وديعته إِن ظفر بهَا، وَلَيْسَ للْمُودع الدّفع إِلَيْهَا شَيخنَا، وَإِذا مَاتَ الْمُودع بِلَا وَارِث كَانَ للْمُودع صرفهَا إِلَى نَفسه إِن كَانَ من المصارف وَإِلَّا صرفهَا إِلَى
الْمصرف.
اهـ.
وَعَزاهُ إِلَى الْحَمَوِيّ عَن الْبَزَّازِيَّة.

قَوْله: (وَلَو دفع هَل يضمن) أَي نصيب الْغَائِب وَهُوَ نصف الْمَدْفُوع إِن هلك الْبَاقِي فِي الْقِسْمَة أَو لَا يضمن لَان لَاحَدَّ الشَّرِيكَيْنِ أَن ينْتَفع بِحِصَّتِهِ فِي المثلى.
قَالَ بالاول الامام، وَبِالثَّانِي الصاحبان.
وَاعْلَم أَنهم قَالُوا: إِذا دَفَعَ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا، حَتَّى إذَا هلك الْبَاقِي رَجَعَ الْغَائِب على الْآخِذ بِحِصَّتِهِ.

(8/500)


وَفِي الْهِنْدِيَّة: إِذا دَفَعَ الْمُودَعُ إلَى الْحَاضِرِ نِصْفَهَا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِي وَحصر الْغَائِب.
قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: إنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّ الَّذِي حضر اتبع الدَّافِعَ بِنِصْفِ مَا دَفَعَ وَيَرْجِعُ بِهِ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْقَابِضِ نصف مَا قبض: كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
فَإِن هلك مَا فِي يَد الْمُودع هلك أَمَانَة بالاجماع ينابيع.
وَلَو هلك الْمَقْبُوض فِي يَد الْقَابِض فَلَيْسَ لَهُ أَن يُشَارك فِيمَا بَقِي غَايَة الْبَيَان، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ لِأَحَدِهِمَا بِلَا قَضَاءٍ وَضَمَّنَهُ الْآخَرُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلهُ الرُّجُوع بِمَا ضمنه على الْقَابِض، وَهَذَا على قَول أبي يُوسُف.

قَوْله: (فِي الدُّرَر نعم) أَي يضمن، فِي فَتَاوَى قاضيخان مَا يفِيدهُ، وَلَفظه: ثَلَاثَة أودعوا رجلا مَالا وَقَالُوا لَا تدفع المَال إِلَى أحد منا حَتَّى نَجْتَمِع فَدفع نصيب أحدهم.
قَالَ مُحَمَّد: فِي الْقيَاس يكون ضَامِنا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان: لَا يضمن، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف اهـ.
فَلَو لم يقل لَا تدفع حَتَّى نَجْتَمِع هَل يضمن بِالدفع: أَي بِنَاء على الِاسْتِحْسَان الَّذِي يَأْتِي ذكره قَرِيبا؟ ظَاهر تقييدهم أَنه لَا يضمن إِلَّا أَن يأتيا بالوديعة حاملين لَهَا وسلماها كَذَلِك، أما إِذا سلمهَا أَحدهمَا بِحَضْرَة الآخر فَظَاهر أَنه يدْفع لمن سلمه وَحُضُور الآخر لَا يَقْتَضِي كَونه مودعا لجَوَاز أَن يكون شَاهدا لَهُ وَنَحْوه.
كَذَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.
من مَنَاقِب الامام، أَن اثْنَيْنِ أودعا الحمامي شَيْئا فَخرج أَحدهمَا وَأخذ الْوَدِيعَة وَانْصَرف فَخرج الآخر وطلبها مِنْهُ فَلم يُخبرهُ الحمامي واستمهله وَانْطَلق إِلَى الامام رَحمَه الله تَعَالَى فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ قل لَهُ أَنا لَا أعطي الْوَدِيعَة إِلَّا لَكمَا مَعًا فَانْصَرف وَلم يعد.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (وَفِي الْبَحْر الخ) أَي فِي الْمثْلِيّ
كالمثال الَّذِي ذكره فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية، أما فِي القيمي فَيضمن اتِّفَاقًا لانه لَا يقسم بِدُونِ حُضُور الشَّرِيك أَو نَائِبه.

قَوْله: (فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَار) تعقبه الْمَقْدِسِي فَقَالَ: كَيفَ يكون هُوَ الْمُخْتَار مَعَ أَن سَائِر الْمُتُون على قَول الامام.
وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: أخْتَار قَول الامام النَّسَفِيّ والمحبوبي والموصلي وَصدر الشَّرِيعَة.
وَقَالَ الْمَقْدِسِي: وَقَول بَعضهم عدم الضَّمَان هُوَ الْمُخْتَار مستدلا بِكَوْنِهِ الِاسْتِحْسَان مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْيَانُ بَلْ غَالِبُ الْمُتُون عَلَيْهِ متفقون.
كَذَا فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود عَن الْحَمَوِيّ.

قَوْله: (اقتسماه) أَي الرّجلَانِ المودعان بِفَتْح الدَّال وَذكر الرجل استطرادي.

قَوْله: (وَحفظ كل) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه، لانه لَا يُمكن الِاجْتِمَاع على حفظهَا وَحفظ كل وَاحِد مِنْهُمَا لِلنِّصْفِ دلَالَة، وَالثَّابِت بِالدّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ.

قَوْله: (وعدلي رهن) أَي العدلين اللَّذين وضع عِنْدهمَا الرَّهْن فَهُوَ بِفَتْح الْعين تَثْنِيَة عدل كَذَلِك، فَإِنَّهُمَا يقتسمان الْمثْلِيّ ويحفظ كل نصِيبه، فَإِن دفع أَحدهمَا نصِيبه إِلَى الآخر ضمن مَا دفع.

قَوْله: (ووكيلي شِرَاء) بِأَن دفع لَهما ألفا يشتريان بِهِ عبدا اقْتَسمَا الالف، فَإِن دفع أَحدهمَا نصفه ضمن الدَّافِع، وَأَجْمعُوا أَن الْمَدْفُوع إِلَيْهِ لَا يضمن لانه مُودع الْمُودع.
هندية
قَوْله: (ضمن) أَي النّصْف فَقَط.

قَوْله: (الدَّافِعُ) أَيْ لَا الْقَابِضُ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ.
بَحر.
وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة.
وَقَالا: لَا يضمنَانِ بِهِ.
كَذَا أَفَادَهُ مِسْكين، وَمثله فِي الْهِدَايَة، وَقَول أبي حنيفَة أَقيس، لَان رِضَاهُ بأمانة اثْنَيْنِ لَا يكون رضَا بأمانة وَاحِد، فَإِذا كَانَ الْحِفْظ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا عَادَة لَا يصير رَاضِيا بِحِفْظ أَحدهمَا للْكُلّ كَمَا فِي البيانية.

قَوْله: (بِخِلَاف مَا لَا يقسم) فسر مَا لَا يقسم بالمكيلات والموزونات، وَمثلهمَا كل مَا لَا يتعيب

(8/501)


بالتقسيم، وَمَا لَا يقسم هُوَ مَا يتعيب بالتقسيم الْحسي اهـ مكي.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: وَإِذا لم تمكن الْقِسْمَة فِيمَا لَا يقسم كَانَ لَهما التهايؤ فِي الْحِفْظ.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
فَلَو دَفعه زَائِدا على زمن التهايؤ ينظر اهـ.

قَوْله: (لجَوَاز حفظ أَحدهمَا بِإِذن الآخر) أَقُول: الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل أَن يَقُول: لانه لما أودعهما مَعَ علمه بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ على حفظهَا دَائِما كَانَ رَاضِيا بِحِفْظ أَحدهمَا.

قَوْله: (فَدَفعهَا إِلَى مَا لَا بُد مِنْهُ) من عِيَاله وَغَيرهم كدفع الدَّابَّة إِلَى عَبده وَمَا يحفظه النِّسَاء إِلَى عرسه.
دُرَر.
وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي صُورَة مَا إِذا مَنعه عَن الدّفع إِلَى بعض معِين من
عِيَاله لَا فِي النَّهْي عَن الدّفع إِلَى الْعِيَال مُطلقًا، ثمَّ عدم الضَّمَان فِيمَا إِذا دفع إِلَى بعض عِيَاله وَقد نهى عَن الدّفع إِلَيْهِ، مَحَله إِذا كَانَت الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ.
أما لَو كَانَت لَا تحفظ عِنْده عَادَة فَنَهَاهُ عَن الدّفع إِلَيْهِ فَدفع ضمن، كَمَا لَو كَانَت الْوَدِيعَة فرسا فَمَنعه مِنْ دَفْعِهَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عِقْدَ جَوْهَرٍ فَمَنعه من دَفعه إِلَى غُلَامه وَدفع ضمن.
أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ.
وَمن حوادث الْفَتْوَى: شَرط على الْمُودع الْحِفْظ بِنَفسِهِ فحفظ بِزَوْجَتِهِ هَل يضمن للمخالفة أَو لَا؟ وَالَّذِي يظْهر من كَلَامهم عدم الضَّمَان.
حموي.
وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يُقيد عدم الضَّمَان بِالدفع إِلَى الزَّوْجَة بِمَا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة نَحْو عقد، فَلَو كَانَت نَحْو فرس ضمن.
أَبُو السُّعُود.
وَفِيه: قَوْله وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد هَذِه الْمَسْأَلَة صَادِقَة بصورتين.
الاولى أَن تكون الْوَدِيعَة شَيْئا خَفِيفا يُمكن الْمُودع الْحِفْظ بِنَفسِهِ كالخاتم فَإِنَّهُ يضمن بِدَفْعِهِ إِلَى عِيَاله.
الثَّانِيَة: أَن يكون لَهُ عِيَال سوى من مَنعه من الدّفع إِلَيْهِ.
بَحر.
فَإِن قلت: هَذَا إِنَّمَا يتَّجه أَن لَو مَنعه من الدّفع إِلَى بعض معِين من عِيَاله وَهُوَ خلاف مَا يُسْتَفَاد من قَول المُصَنّف: وَلَو قَالَ لَا تدفع إِلَى عِيَالك.
قلت: مبْنى هَذَا الاشكال مَا هُوَ الْمُتَبَادر من أَن قَوْله: وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد مُرْتَبِط بقوله: وَلَو قَالَ لَا تدفع إِلَى عِيَالك وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلِهَذَا شرح الْعَيْنِيّ قَول المُصَنّف: أَي الْكَنْز وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد بقوله بِأَن نَهَاهُ أَن يَدْفَعهَا إِلَى امْرَأَته فُلَانَة وَله امْرَأَة أُخْرَى أَو نَهَاهُ أَن يُسَلِّمهَا إِلَى غُلَامه فلَان وَله غُلَام آخر فخالفه اهـ.

قَوْله: (لم يضمن) لانه لَا يُمكنهُ الْحِفْظ مَعَ مُرَاعَاة شَرطه لَان التَّقْيِيد غير مُفِيد، لَان الدَّار حرز وَاحِد بِدَلِيل أَن السَّارِق إِذا أَخذ من بَيت من الدَّار فَنقل إِلَى بَيت آخر لم يقطع لعدم هتك الْحِرْز، والحرز الْوَاحِد لَا فَائِدَة فِي تَخْصِيص بعضه دون بعض، وَمَا لَا فَائِدَة فِي تَخْصِيصه فِي الامر يسْقط فِي الايداع، كَمَا لَو قَالَ احفظها بيمينك دون شمالك أَو ضعها فِي يَمِين الْبَيْت دون يسَاره، وكما لَو قَالَ فِي كيسك هَذَا فوضعها فِي غَيره أَو فِي الصندوق، أَو احفظ فِي الصندوق وَلَا تحفظ فِي
الْبَيْت فحفظ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يضمن.
لَكِن قد يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ هتك الْحِرْز وَذَلِكَ لَا يتَفَاوَت بِاعْتِبَار المحروزات، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ

(8/502)


التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضعهَا فِي دَاره الحصينة فَخرج وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَحَدٌ سَرَقَهَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِلتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي الدَّارِ وَخَرَجَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَغَابَ يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ، فَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْحِرْزَ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّرِقَةِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا، فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَظَهَرَ يَقِينًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا من الْفرق، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ.
وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يحفظ فِي عَرصَة الدَّار كصرة النَّقْدَيْنِ يضمن، وَلَو كَانَ مِمَّا بعد عرصتها حصنا لَهُ لَا يضمن اهـ.
وَمثله فِي الْخُلَاصَة والفصولين والذخيرة وَالْخَانِيَّة وَغَيرهَا.
وَظَاهره أَنه يجب كل شئ فِي حرز مثله، وَفِي السّرقَة يعْتَبر فِي ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حرز لكل الانواع.
وَعَلِيهِ فقد ظهر الْفرق بَين الحرزين.
فَفِي السّرقَة يقطع بِسَرِقَة لؤلؤة من إصطبل، وَلَو كَانَت وَدِيعَة وَضعهَا فِي الاصطبل وَهَلَكت يضمن الْمُودع، لَان الاصطبل لَيْسَ حرز مثلهَا، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مُودَعًا وَضَعَ بُقْجَةَ شَالٍ غَالِيَةَ الثَّمَنِ فِي إصْطَبْلِ فَسُرِقَتْ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (وَإِلَّا ضمن) أَي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِي: دَفعهَا إِلَى من لَا بُد مِنْهُ، بِأَن دَفعهَا إِلَى من لَهُ مِنْهُ بُد: أَي انفكاك وَفرْقَة.
وَالثَّانيَِة حفظهَا فِي بَيت آخر والبيوت مستوية بِأَن حفظهَا فِي بَيت والبيوت مُخْتَلفَة.
قَالَ فِي الْبَدَائِع: والاصل الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الْبَاب مَا ذكرنَا أَن كل شَرط يُمكن مراعاته ويفيد وَالْعَمَل بِهِ مُمكن فَهُوَ مُعْتَبر، وكل شَرط لَا يُمكن مراعاته وَلَا يُفِيد فَهُوَ هدر، وَهنا إِنَّمَا ضمن لَان التَّقْيِيد مُفِيد كَمَا قَالَ الشَّارِح، كَمَا إِذا ظهر الْبَيْت الْمنْهِي عَنهُ إِلَى السِّكَّة كَمَا فِي الْبَحْر: أَي فَإِنَّهُ يضمن لانه مُتَعَدٍّ، لَان من
الْعِيَال من لَا يؤتمن على المَال: أَي فِيمَا إِذا نَهَاهُ عَن الدّفع إِلَى زَوجته أَو غُلَامه وللمودع زَوجته أَو غُلَام آخر ولتفاوت الْبيُوت فِي الْحِفْظ.
بَقِي لَو أمره بِالْحِفْظِ فِي دَار فحفظ فِي دَار أُخْرَى، فَالَّذِي ذكره شيخ الاسلام الضَّمَان وَإِن كَانَت الثَّانِيَة أحرز.
وَالَّذِي فِي شرح الطَّحَاوِيّ: إِذا كَانَت الدَّار الَّتِي خبأها فِيهَا وَالدَّار الاخرى فِي الْحِرْز على السوَاء، أَو كَانَت الَّتِي خبأها فِيهَا أحرز فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء نَهَاهُ عَن الخبء فِيهَا أَو لم يَنْهَهُ.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَلَو قَالَ: احفظها فِي هَذِه الْبَلدة وَلَا تحفظها فِي بَلْدَة أُخْرَى فحفظها فِي الْبَلدة المنهية ضمن بالِاتِّفَاقِ اهـ.
هندية.

قَوْله: (لَان التَّقْيِيد مُفِيد) أَي وَالنَّهْي عَن الْوَضع فِي الدَّار الاخرى مُفِيد، لَان الدَّاريْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الامن وَالْحِفْظ فصح الشَّرْط وَأمكن الْعَمَل بِهِ.
وَأما البيتان فِي دَار وَاحِدَة فقلما يَخْتَلِفَانِ فِي الْحِرْز، فالمتمكن من الاخذ من أَحدهمَا يتَمَكَّن من الاخذ من الآخر فَصَارَ الشَّرْط غير مُفِيد وَتعذر الْعَمَل بِهِ أَيْضا فَلَا يعْتَبر وَكَذَا الصندوقان، فَإِن تعْيين الصندوق فِي هَذِه الصُّورَة لَا يُفِيد، فَإِن الصندوقين فِي بَيت وَاحِد لَا يتفاوتان ظَاهر إِلَّا أَن يكون لَهما: أَي للبيت والصندوق خلل ظَاهر فَحِينَئِذٍ يُفِيد الشَّرْط وَيضمن بِالْخِلَافِ، وَكَذَا لَو كَانَت الْبَيْت أَو الصندوق الْمَأْمُور بِالْحِفْظِ فِيهِ أحرز من

(8/503)


الْمنْهِي عَن الْوَضع فِيهِ فَحِينَئِذٍ يضمن أَيْضا كَمَا بَينا.
وَذكر شيخ الاسلام خُوَاهَر زَاده أَنه يضمن بِالْحِفْظِ الْمنْهِي عَنهُ مُطلقًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة، وَعَلِيهِ كَلَام الذَّخِيرَة كَمَا عَلمته من كَلَام الْهِدَايَة الْمَار قَرِيبا.

قَوْله: (وَلَا يضمن مُودع الْمُودع) أَي بِالْهَلَاكِ عِنْده، أما لَو اسْتَهْلكهُ ضمن، ومودع الْغَاصِب لَو رده على الْغَاصِب برِئ، كَمَا أَن غَاصِب الْغَاصِب لَو رد على الْغَاصِب برِئ كَمَا سَيذكرُهُ فِي الْغَصْب ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ.

قَوْله: (فَيضمن الاول) إِذا دفع إِلَى غير من فِي عِيَاله بِغَيْر إِذن وَلَا ضَرُورَة كحرق.
در منتقى.
وَإِنَّمَا ضمن الاول لانه ترك الْحِفْظ دون الثَّانِي لانه أَخذ المَال من أَمِين وَلم يتْرك الْحِفْظ وَهَذَا قَول الامام.
وَعِنْدَهُمَا يضمن الْمَالِك أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الاول لم يرجع على الثَّانِي لانه ملكه بِالضَّمَانِ فَظهر أَنه أودع ملك نَفسه، وَإِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول لانه عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ
الْعَهْد.
لَهما أَن الاول جنى بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الثَّانِي بِغَيْر إِذن الْمَالِك، وَالثَّانِي تعدى بِالْقَبْضِ بِلَا إِذْنه فيميل الْمَالِك إِلَى أَيهمَا شَاءَ.
وللامام أَن الاول لَا يضمن بِالدفع إِلَى الثَّانِي مَا لم يُفَارِقهُ لَان حفظه لَا يفوت مَا دَامَ فِي مَجْلِسه، وَالْمَالِك إِنَّمَا رَضِي بحفظه ورأيه لَا بِصُورَة يَده بِدَلِيل أَنَّهَا لَو هَلَكت قبل أَن يُفَارِقهُ لَا يضمن وَاحِد مِنْهُمَا بالاجماع، فَإِذا فَارق الاول الثَّانِي ضمن لانه صَار مضيعا وَالثَّانِي أَمِين اسْتمرّ على الْحَالة الاولى وَلم يُوجد مِنْهُ تعد وَلم يكن مُتَعَدِّيا من الِابْتِدَاء بِالْقَبْضِ فَلَا يَنْقَلِب مُتَعَدِّيا من غير إِحْدَاث فعل زَيْلَعِيّ.
وَهنا ضمن فِي إِيدَاع قصدي، لانه لَو كَانَ ضمنيا قيل لَا يضمن، كَمَا لَو دَخَلَ الْحَمَّامَ وَوَضَعَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ مَعَ ثِيَابِهِ بَين يَدي الثيابي قيل يضمن، لانه إِيدَاع الْمُودع كَمَا قدمْنَاهُ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ معزيا للذخيرة.
وَفِيه معزيا للمحيط: لَا يضمن لانه إِيدَاع ضمني وَإِنَّمَا يضمن بإيداع قصدي.
اهـ.
وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فِي الدُّرَر: أودع حر عبدا مَحْجُورا فأودع الْمَحْجُور مَحْجُورا مثله وَضاع الْمُودع ضمن الاول فَقَط بعد الْعتْق لانه سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ التسليط وَبَطل الشَّرْط فِي حق الْمولى، وَلَا يضمن الثَّانِي لانه مُودع الْمُودع.
وَصُورَة الْمَسْأَلَة: أودع عِنْد رجل وَدِيعَة فأودعها الْمُودع عِنْد شخص آخر من غير عِيَاله فَهَلَكت: مِسْكين.

قَوْله: (لَا ضَمَان) لَان حفظه لَا يفوت مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الخ وَلَو اسْتهْلك الثَّانِي الْوَدِيعَة ضمن بالِاتِّفَاقِ وَلِصَاحِب الْوَدِيعَة أَن يضمن الاول وَيرجع على الثَّانِي وَأَن يضمن الثَّانِي وَلَا يرجع ط.

قَوْله: (لم يصدق) لانه يَدعِي زَوَال سَبَب الضَّمَان بعد ثُبُوته وَالْمَالِك يُنكره فَالْقَوْل للْمَالِك بِيَمِينِهِ وَالْبَيِّنَة للْمُودع.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة اهـ.
وَوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِ هُنَا كَونه أودع عِنْد الْغَيْر والايداع إِلَى الْغَيْر مُوجب للضَّمَان فَلَا يصدق فِي رفع الْمُوجب.

قَوْله: (وَفِي الْغَصْب مِنْهُ يصدق) يَعْنِي لَو غصب الْوَدِيعَة من الْمُودع غَاصِب وَهَلَكت فَأَرَادَ الْمَالِك أَن يضمن الْغَاصِب فَقَالَ الْمُودع رده عَليّ وَهلك عِنْدِي وَقَالَ لَا بل هلك

(8/504)


عِنْده فَالْقَوْل قَول الْمُودع إِذا لم يفعل الْمُودع مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ أَمِين عَنهُ الرَّدِّ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ دَفْعِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُوجب للضَّمَان، شائحاني.

قَوْله: (لانه أَمِين) وَلم يُوجد مِنْهُ تعد يُوجب الضَّمَان.

قَوْله: (فكلاهما ضَامِن) أَي كل من الْقصار وقاطع الثَّوْب، وللمالك الْخِيَار فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الْقصار رَجَعَ بِمَا ضمنه على قَاطع الثَّوْب، وَإِن ضمن الْقَاطِع لَا رُجُوع لَهُ على الْقصار.
وَنَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة ذكره مؤيد زَاده عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو دفع الْقصار إِلَى الْمَالِك ثوب غَيره فَأَخذه على ظن أَنه لَهُ ضمن وَالْجهل فِيهِ لَيْسَ بِعُذْر.
طلب ثَوْبه من قصار فَقَالَ دفعت ثَوْبك إِلَى رجل ظَنَنْت أَنه ثَوْبه ضمن الْقصار كثيابي حمام سلم إِلَيْهِ رجل ثِيَابه ليحفظها فَقَالَ الثيابي خرج رجل وَلبس ثِيَابك فَظَنَنْت أَنَّهَا لَهُ اهـ.

قَوْله: (فلربها تضمين من شَاءَ) الْمُودع لتعديه لما لم يُؤمر بِهِ والمعالج لمباشرته سَبَب الْهَلَاك ط.

قَوْله: (رَجَعَ على الاول) فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا للذخيرة: مَرضت دَابَّة الْوَدِيعَةُ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا فَعَالَجَهَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ أَيهمَا شَاءَ، فَلَو ضَمَّنَ الْمُودَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعَالِجِ وَلَوْ ضَمِنَ الْمُعَالِجُ رَجَعَ عَلَى الْمُودَعِ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لَا، إلَّا إنْ قَالَ الْمُودَعُ لَيست لي وَلم أومر بذلك فَحِينَئِذٍ لَا يرجع اهـ.
تَأمل.
وَمثله فِي نور الْعين رامزا للاستروشنية ومجموع النَّوَازِل.
لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: فَإِن ضمن الْمُودع لَا يرجع على أحد، وَإِن ضمن المعالج: إِن علم أَنَّهَا لَيست لَهُ لَا يرجع عَلَيْهِ، وَإِن لم يعلم أَنَّهَا لغيره أَو ظَنّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب لما هُنَا.
وَأما مَا ذكره فِي الْفُصُولَيْنِ واستظهره صَاحب الدُّرَر من أَنه يرجع وَإِن علم أَن الْمُودع غَاصِب فِي معالجة الْوَدِيعَة بِلَا إِذن صَاحبهَا، وَمَا ذكره من قَوْله خلافًا لما نَقله الْقُهسْتَانِيّ الخ يُوَافق مَا ذكره الشَّارِح فِيمَا لَو عالج الْوَدِيعَة بِإِذن الْمُودع كَمَا نبه عَلَيْهِ، فَلْيتَأَمَّل.
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل قَوْله إِلَّا إِن علم: أَي بِإِخْبَار الْمُودع صَرَاحَة، بِأَن قَالَ للمعالج لَيست لي وَلم أومر بذلك.
وَأما إِذا لم يقل ذَلِك فَلَا يعد عَالما، وَبِه يحصل التَّوْفِيق بَين كَلَام الشَّارِح والهندية وَبَين الْجَامِع وَنور الْعين وَإِن لم أره مسطورا فِي كَلَامهم، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَأَقُول: خُلَاصَة مَا ذَكرْنَاهُ أَن صاب الدَّابَّة إِذا ضمن من عالجها بِأَمْر الْمُودع فعطبت يرجع على
الْمُودع، إِلَّا إِذا قَالَ الْمُودع حِين دَفعهَا للمعالج لَيست لي وَلم أومر بذلك على مَا فِي الْفُصُولَيْنِ.
وَمثله فِي نور الْعين عَن الاستروشنية.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْجَوْهَرَة وَالشَّارِح عَن الْمُجْتَبى أَن صَاحب الدَّابَّة إِذا ضمن من عالجها فعطبت يرجع على الْمُودع إِن لم يعلم: أَي المعالج أَنَّهَا لغير الْمُودع وَإِلَّا لم يرجع، وَهَذَا الَّذِي يعول عَلَيْهِ حَيْثُ صرح فِي صدر عِبَارَته بالرواية عَن الامام عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فَلَا يعدل عَنهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاء، وَفِي الاول لَيْسَ بغاصب لانه لَا

(8/505)


يضمن الْمُودع بِمُجَرَّد الدّفع مَا لم يُفَارِقهُ، فَإِن فَارقه صَار مضيعا لَهَا وَقت التَّفْرِيق لترك الْحِفْظ الْمُلْتَزم بِالْعقدِ والقابض مِنْهُ لم يكن مُتَعَدِّيا بِالْقَبْضِ بِدَلِيل عدم وجوب الضَّمَان بِالْهَلَاكِ قبل أَن يُفَارِقهُ الاول، وَبعد الِافْتِرَاق لم يحدث فعلا آخر بل هُوَ مُسْتَمر على ذَلِك الْفِعْل بل هُوَ أَمِين فِيهِ فَلَا يضمن مَا لم يُوجد مِنْهُ تعد.
اهـ.

قَوْله: (فَيضمن أيا شَاءَ) قَالَ فِي شرح الزِّيَادَات: رجل غصب جَارِيَة فأودعها رجلا فأبقت مِنْهُ ثمَّ اسْتحقَّت كَانَ لَهُ الْخِيَار يضمن أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الْغَاصِب برِئ الْمُودع وَكَانَت الْجَارِيَة ملكا للْغَاصِب، وَإِن ضمن الْمُودع كَانَ للْمُودع أَن يرجع على الْغَاصِب بِمَا ضمن لانه عَامل لَهُ وَتصير الْجَارِيَة بِنَفس تَضْمِينه ملكا للْغَاصِب، حَتَّى لَو أعْتقهَا الْغَاصِب جَازَ وَلَو أعْتقهَا الْمُودع لَا يجوز، وَلَو كَانَت محرما من الْغَاصِب عتقت عَلَيْهِ لَا على الْمُودع إِذا ضمنهَا، لَان قَرَار الضَّمَان على الْغَاصِب لَان الْمُودع وَإِن جَازَ تَضْمِينه فَلهُ الرُّجُوع بِمَا ضمن على الْغَاصِب وَالْمُودع لكَونه عَاملا لَهُ فَهُوَ كوكيل الشِّرَاء.
وَلَو اخْتَار الْمُودع بعد تَضْمِينه أَخذهَا بعد عودهَا وَلَا يرجع على الْغَاصِب لم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِن هَلَكت فِي يَده بعد الْعود من الاباق كَانَت أَمَانَة وَله الرُّجُوع على الْغَاصِب بِمَا ضمن، وَكَذَا إِذا ذهبت عينهَا، وللمودع حَبسهَا عَن الْغَاصِب حَتَّى يُعْطِيهِ مَا ضمنه للْمَالِك، فَإِذا هَلَكت بعد الْحَبْس هَلَكت بِالْقيمَةِ، وَإِن ذهبت عينهَا بعد الْحَبْس لم يضمنهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَان الْغَايَة وصف وَهُوَ لَا يُقَابله شئ، وَلَكِن يتَخَيَّر الْغَاصِب إِن شَاءَ أَخذهَا وَأدّى جَمِيع الْقيمَة، وَإِن شَاءَ ترك كَمَا فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ،
وَلَو كَانَ الْغَاصِب أجرهَا أَو رَهنهَا فَهُوَ والوديعة سَوَاء، وَإِن أعارها أَو وَهبهَا: فَإِن ضمن الْغَاصِب كَانَ الْملك لَهُ، وَإِن ضمن الْمُسْتَعِير أَو الْمَوْهُوب لَهُ كَانَ الْملك لَهما، لانهما لَا يستوجبان الرُّجُوع على الْغَاصِب فَكَانَ قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِمَا فَكَانَ الْملك لَهما، وَلَو كَانَ مكانهما مُشْتَر فضمن سلمت الْجَارِيَة لَهُ، وَكَذَا غَاصِب الْغَاصِب إِذا ضمن ملكهَا لانه لَا يرجع على الاول فتعتق عَلَيْهِ لَو كَانَت محرما مِنْهُ، وَإِن ضمن الاول ملكهَا فتعتق عَلَيْهِ لَو كَانَت محرمه، وَلَو كَانَت أَجْنَبِيَّة فللاول الرُّجُوع بِمَا ضمن على الثَّانِي لانه ملكهَا فَيصير الثَّانِي غَاصبا ملك الاول، وَكَذَا لَو أَبرَأَهُ الْمَالِك بعد التَّضْمِين أَو وَهبهَا لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوع على الثَّانِي، وَإِذا ضمن الْمَالِك الاول وَلم يضمن الاول الثَّانِي حَتَّى ظهر الْجَارِيَة كَانَت ملكا للاول، فَإِن قَالَ أَنا أسلمها للثَّانِي وأرجع عَلَيْهِ لم يكن لَهُ ذَلِك لَان الثَّانِي قدر على رد الْعين فَلَا يجوز تَضْمِينه، وَإِن رَجَعَ الاول على الثَّانِي ثمَّ ظَهرت كَانَت للثَّانِي اهـ.
وَتَمام التفريعات فِيهِ فليراجعه من رامه.
مطلب: مُودع الْغَاصِب لَو استهلكها لَا يرجع على الْغَاصِب إِذا ضمنهَا وَإِذا ضمنهَا الْغَاصِب يرجع على الْمُودع قَالَ الْمَقْدِسِي: قلت فَلَو استهلكها مُودع الْغَاصِب فغرم الْغَاصِب يَنْبَغِي أَن يرجع، وَلَو غرم هُوَ لَا يرجع.

قَوْله: (دُرَر) وَجزم بِهِ فِي الْبَحْر وَأَصله فِي التَّبْيِين.
وَعبارَته: ثمَّ مُودع الْغَاصِب إِن لم يعلم أَنه غَاصِب رَجَعَ على الْغَاصِب قولا وَاحِدًا، وَإِن علم فَكَذَلِك فِي الظَّاهِر.
وَحكى أَبُو الْيُسْر لَا يرجع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ شمس الائمة.
ذكره فِي النِّهَايَة.

قَوْله: (خلافًا لما نَقله الْقُهسْتَانِيّ الخ) أَي من أَنه لَا يرجع، وَهُوَ الْمُوَافق لما جزم بِهِ الشَّارِح فِيمَا لَو عالج الْوَدِيعَة بِإِذن

(8/506)


الْمُودع كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
وَعبارَة الْقُهسْتَانِيّ: وَإِنَّمَا يرجع على الْغَاصِب إِذا لم يعلم أَنه غصب كَمَا فِي الْعمادِيَّة اهـ
قَوْله: (فَتنبه) أَشَارَ بالتنبيه إِلَى مَا حررناه قَرِيبا.
أَقُول: وَالْحَاصِل أَن الْمُودع لَو دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي بِلَا عذر فللمالك أَن يضمنهُ فَقَط لَا رُجُوع على الثَّانِي إِلَّا إِذا استهلكها.
وَعِنْدَهُمَا: لَهُ أَن يضمن أيا شَاءَ، فَإِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول.
وَأَجْمعُوا على ذَلِك فِي الْغَاصِب مَعَ مودعه فللمالك تضمين أَي شَاءَ، لَكِن إِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول بِمَا ضمن إِن لم يعلم أَنَّهَا غصب كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْعمادِيَّة.

قَوْله: (فنكل لَهما) أَي أنكر، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمَا بَيِّنَة.
وصور هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ: أَقَرَّ لَهُمَا نَكَلَ لَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ أَوْ حلف نكل لاحدهما وَحلف للْآخر.
وَاعْلَم أَنه إِذا حلف لاحدهما لم يقْض لَهُ حَتَّى يحلفهُ الثَّانِي لينكشف وَجه الْقَضَاء، بِخِلَاف مَا لَو أقرّ لاحدهما ليحكم لَهُ إِذا الاقرار حجَّة بِنَفسِهِ والنكول حجَّة بِالْقضَاءِ، وَلذَا لَو نكل فَحلف برِئ.
مقدسي.
وَفِيه: وَلَو قَالَ أودعنيها أَحَدكُمَا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاع إِن اصطلحا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَان وَلَا استحلاف، فَإِن لم يصطلحا فَلِكُل أَن يسْتَحْلف كَمَا تقدم، وَتَمام تفصيلها فِي الزَّيْلَعِيّ.

قَوْله: (فَهُوَ لَهما) لعدم الاولوية وَعَلِيهِ ألف آخر لاقراره بِهِ أَو لبذله إِيَّاه على اخْتِلَاف الاصلين ولايهما بَدَأَ القَاضِي بالتحليف جَازَ لتعذر الْجمع بَينهمَا أَو عدم الاولوية.
والاولى عِنْد التشاحن أَن يقرع بَينهمَا تطييبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الْميل، فَإِن نكل للاول لَا يقْضى بِهِ لينكشف وَجه الْقَضَاء هَل هُوَ لَهما أَو لاحدهما، وَلَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي التَّأْخِير لانه لَا يقْضِي للمتقدم حَتَّى يحلف للمتأخر.

قَوْله: (وَلَو حلف لاحدهما) فِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعين لَهُ وَلَا قيمتهَا لانه لَو أقرّ بهَا للاول ثَبت الْحق فِيهَا فَلَا يُفِيد إِقْرَاره بهَا لِلثَّانِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ صَادِقًا.
بَحر.

قَوْله: (فالالف لمن نكل لَهُ) دون الآخر لوُجُود الْحجَّة فِي حَقه دونه، وَلَو حلف لَهما فَلَا شئ لَهما لعدم الْحجَّة.
زَيْلَعِيّ.

قَوْله: (دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ ادْفَعْهَا الْيَوْمَ الخ) أَقُول: ذكر فِي الْخَانِية قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة: إِذا كَانَ بعد الطّلب قَالَ مُودع قَالَ لَهُ رب الْوَدِيعَة إِذا جَاءَ أخي فَرد عَلَيْهِ الْوَدِيعَة فَلَمَّا طلب أَخُوهُ مِنْهُ قَالَ لَهُ الْمُودع بعد سَاعَة أدفعها إِلَيْك فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ قَالَ لَهُ هَلَكت لَا يصدق لانه متناقض وَيكون ضَامِنا.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: إِذا طلب الْمُودع وَقَالَ اطلبها غَدا فأعيد الطّلب فِي
الْغَد فَقَالَ قد ضَاعَت، رُوِيَ عَن أَصْحَابنَا أَنه يسْأَل الْمُودع مَتى ضَاعَت، إِن قَالَ ضَاعَت بعد إقراري لَا يضمن، وَإِن قَالَ كَانَت ضائعة وَقت إقراري لَا يقبل قَوْله لانه متناقض وَيكون ضَامِنا، لَان قَوْله اطلبها غَدا إِنَّمَا يكون للشئ الْقَابِل اهـ.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ بأوضح من ذَلِك.

قَوْله: (فَلم يَدْفَعهَا

(8/507)


الخ) أَي إِذا لم يطْلبهَا الْمَأْمُور بدفعها إِلَيْهِ، أما لَو طلبَهَا فَمنعهَا مِنْهُ فَهُوَ كَمَا لَو منعهَا من مَالِكهَا، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ.
فرع: فِي الْبَزَّازِيَّة: لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ الدَّائِنُ إلَى مَدْيُونِهِ رَجُلًا لِيَقْبِضَهُ فَقَالَ الْمَدْيُونُ دَفَعْتُهُ إلَى الرَّسُول وَقَالَ: أَي الرَّسُول دَفعته إِلَى الدَّائِن وَأنْكرهُ الدَّائِن فَالْقَوْل قَول الرَّسُول مَعَ يَمِينه اهـ.
لَكِن الَّذِي فِي نور الْعين: القَوْل للمرسل بِيَمِينِهِ، فَتَأمل.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا قَالَ الدَّائِنُ ابْعَثْ الدَّيْنَ مَعَ فُلَانٍ فَضَاعَ من يَد الرَّسُول ضَاعَ من الْمَدْيُون.

قَوْله: (احْمِلْ إِلَى) أَي الْيَوْم كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
وَيُؤْخَذ من السِّيَاق واللحاق.

قَوْلُهُ: (وَضَاعَتْ) يَعْنِي غَابَتْ وَلَمْ تَظْهَرْ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ.

قَوْله: (صدق الْمُودع مَعَ يَمِينه) أَي فِي بَرَاءَة ذمَّته من الْوَدِيعَة لَا فِي إِلْزَام الْمَدْفُوع إِلَيْهِ.

قَوْله: (لَا يضمن عَلَى الْأَصَحِّ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يضمن، لَكِن أفتى الْخَيْر الرَّمْلِيّ بِالضَّمَانِ فِي حَاشِيَة الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي متفرقات الاجارة من نوع فِي المتفرقات: دَفَعَ إلَى الْمُشْتَرَكِ ثَوْرًا لِلرَّعْيِ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَ الثَّوْرُ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّضْيِيعِ فِي زَمَاننَا.
اهـ.
وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَانْظُر إِلَى قَوْله فِي زَمَاننَا اهـ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ لم تضع) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُورِ الْعين وَغَيرهمَا، من أَنه لَا يضمن على الاصح، وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةِ الْمِنَحِ، لَكِنَّ لَفْظَةَ لَا مُلْحَقَةٌ بَيْنَ الْأَسْطُرِ وَكَأَنَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ النّسخ فنقلها الشَّارِح هَكَذَا، فَتنبه.
ثمَّ نقل فِي الْعمادِيَّة بعْدهَا: وَلَو قَالَ لَا أَدْرِي أضيعتها أم لم أضيع يضمن لانه نسب الاضاعة إِلَى نَفسه فَكَانَ ذَلِك تَعَديا مِنْهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.

قَوْله: (لَا يضمن) أَي إِن كَانَ للكرم أَو للدَّار بَاب، وَإِن لم يكن لَهما بَاب يضمن.
هندية عَن الْمُحِيط.
وَفِي نور الْعين عَن قاضيخان قَالَ: وَضَعْتهَا فِي دَارِي فَنَسِيت الْمَكَانَ لَا يضمنهُ.
وَلَوْ قَالَ
وَضَعْتهَا فِي مَكَان حَصِينٍ فَنَسِيت الْمَوْضِعَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ جَهِلَ الْأَمَانَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ مجهلا.
صع: وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَقَوْلِهِ ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ، وَلَوْ قَالَ دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يبين مَكَان الدّفن وَلَكِن قَالَ سُرِقَتْ مِنْ مَكَان دُفِنَتْ فِيهِ لَمْ يضمن.
عدَّة: لَو دَفَنَهَا فِي الْأَرْضِ يَبْرَأُ لَوْ جَعَلَ هُنَالِكَ عَلَامَةً، وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْمَفَازَةِ ضَمِنَ مُطْلَقًا.
وَلَوْ دَفَنَهَا فِي الْكَرْمِ يَبْرَأُ لَوْ حَصِينًا.
بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ.
وَلَوْ وَضَعَهَا بِلَا دَفْنٍ بَرِئَ لَوْ مَوْضِعًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ أحد بِلَا إِذن.
اهـ.
أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ من أَنه إِذا كَانَ الْموضع حرْزا لتِلْك الْوَدِيعَة وَإِلَّا يضمن مُطلقًا وَمن أَن

(8/508)


الْعبْرَة للْعُرْف كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن الْبَزَّازِيَّة، فَتَأمل.
وَفِيه: تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ نَحْوَهُ فِي مَفَازَةٍ فَدَفَنَهَا حَذَرًا فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَظْفَرْ بِمَحَلِّ دَفْنِهِ، لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ عَلَامَةً وَلَمْ يَفْعَلْ ضمن، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ قَرِيبًا بَعْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَعُدْ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْهَا لَا لَو دَفنهَا بِإِذن رَبهَا.
فظ: وَضعهَا فِي زمَان الْفِتْنَة فِي بَيت خراب يضمن لَوْ وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ لَا لَوْ دَفَنَهَا اهـ.
وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن النَّوَازِل: إِذا قَالَ الْمُودع سَقَطت الْوَدِيعَة أَو وَقعت مني لَا يضمن.
وَلَو قَالَ أسقطت أَو تركتهَا يضمن.
قَالَ الشَّيْخ الامام ظهير الدّين المرغيناني رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يضمن فِي الْوَجْهَيْنِ، لَان الْمُودع لَا يضمن بالاسقاط إِذا لم يتْرك الْوَدِيعَة وَلم يذهب، وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ: كَذَا فِي الْخُلَاصَة: وَلَو قَالَ: لَا أَدْرِي أضاعت أَو لم تضع لَا يضمن.
وَلَو قَالَ لَا أَدْرِي أضيعتها أم لم أضيغ يضمن.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة اهـ.
وَقدمنَا وَجهه لانه نسب الاضاعة إِلَى نَفسه، فَهَذَا وَجه مَا نَقَلْنَاهُ، وَهِي مَسْأَلَة أُخْرَى، بِخِلَاف قَوْله ذهبت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت وَقَوله أضاعت أم لم تضع الخ، فَلَا فرق بَينهمَا لَان مؤدى العبارتين وَاحِد كَمَا لَا يخفى على من تَأمل، فَتدبر.
قَالَ فِي نور الْعين: وَلَو قَالَ أسقطت أَو تركتهَا ضمن كَذَا فِي ث.
وطعنوا أَن مُجَرّد الاسقاط
لَيْسَ بِسَبَب ضَمَان، إِذْ لَو أسقطها فَرَفعهَا وَلم يبرح حَتَّى هَلَكت يبرأ، فَهُنَا لَا يضمن بِمُجَرَّد قَوْله أسقطت، بل بِشَرْط أَن يَقُول أسقطت وَتركت أَو أسقطت وَذَهَبت أَو أسقطت فِي المَاء وَنَحْوه، وَقَالُوا فِي قَوْله سَقَطت أَو وَقعت يَنْبَغِي الضَّمَان للسقوط بتقصير فِي الشد أَو فِي جعلهَا فِي مَحل لَا يحتملها فَيكون كحمال.
وَذكر أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يضمن بِمُجَرَّد قَوْله أسقطت أَو تركت، إِذْ لَا يفرق الْعَامَّة بَين سَقَطت وأسقطت.
وَلَو قَالَ ضَاعَت فَالْقَوْل لَهُ.
وَلَو قَالَ لم يذهب من مَالِي شئ لَا يضمن.
وَلَو قَالَ ذهبت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ.
وَلَو قَالَ ابْتِدَاء لَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت اخْتلف فِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ، والاصح أَنه لَا يضمن.
اهـ.
أَقُول: لَكِن قدمنَا عَن الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَنه أفتى بِالضَّمَانِ مُعَللا بِأَنَّهُ تَضْييع فِي زَمَاننَا فَلَا تنسه.
وَفِيه: الْمُودع لَو سقط شئ من يَده على الْوَدِيعَة يضمن اهـ.
وَفِيه: نَام ووضعها تَحت رَأسه أَو بجنبه يبرأ وَكَذَا بِوَضْعِهِ بَين يَدَيْهِ فِي الصَّحِيح قَالُوا يبرأ فِي الْفَصْل الثَّانِي لَو نَام قَاعِدا، وَلَو مُضْطَجعا ضمن فِي الْحَضَر لَا فِي السّفر.
عدَّة: يبرأ لَو قَاعِدا لَا لَو وَاضِعا جنبه على الارض، وَفِي السّفر لَا يضمن، وَلَو مُضْطَجعا جعل ثِيَاب الْوَدِيعَة تَحت جنبه، لَو قصد بِهِ السّرقَة ضمن لَا لَو للْحِفْظ.
وَلَو جعل الْكيس تَحت جنبه يبرأ مُطلقًا.
جعل دَرَاهِم الْوَدِيعَة فِي خفه ضمن فِي الايمن لَا فِي الايسر لانها فِي الْيَمين على شرف سُقُوط عِنْد ركُوبه، وَقيل يبرأ مُطلقًا، وَكَذَا لَو ربطها فِي طرف كمه أَو عمَامَته، وَكَذَا لَو شدها فِي منديل وَوَضعه فِي كمه يبرأ، وَلَو أَلْقَاهَا فِي جَيْبِهِ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ وَهُوَ يظنّ أَنَّهَا وَقعت فِيهِ لَا يضمن خُلَاصَة: ضمن.

(8/509)


وَلَو دخل الْحمام وَهِي فِي جيبه وَتَركه فِي الساكودة فَسرق قيل يضمن.
قاضيخان.
جعلهَا فِي جيبه وَحضر مجْلِس فسق فَضَاعَت بعد مَا سكر بِسَرِقَة أَو سُقُوط أَو نَحْوهمَا قيل لَا يضمن لانه حفظهَا فِي مَحل يحفظ مَال نَفسه، وَقيل هَذَا إِذا لم يزل عقله.
أما إِذا زَالَ فَلَو بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ حفظ مَاله يضمن
لانه عجز عَن الْحِفْظ بِنَفسِهِ فَيصير مضيعا أَو مودعا غَيره اهـ.

قَوْله: (إِن خَافَ الخ) ظَاهر صَنِيعه أَن المنظور إِلَيْهِ مَا وَقع عِنْد الْمُودع من خوف تلف نَفسه أَو عضوه أَو حَبسه أَو أَخذ مَاله وَإِن كَانَ التهديد مُطلقًا أما إِذا كَانَ صَرِيحًا بأحدها فَالْحكم ظَاهر ط.

قَوْله: (وَإِن خَافَ الْحَبْس أَو الْقَيْد) أَو التجريس كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.

قَوْله: (وَإِنْ خَشِيَ أَخْذَ مَالِهِ كُلِّهِ فَهُوَ عُذْرٌ) لانه يُؤَدِّي إِلَى تلف نَفسه، بِخِلَاف مَا لَو أبقى لَهُ قوت الْكِفَايَة.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: سُلْطَان هدد الْمُودع بِإِتْلَاف مَاله إِن لم يدْفع إِلَيْهِ الْوَدِيعَة ضمن إِن بَقِي لَهُ قدر الْكِفَايَة، وَإِن أَخذ كل مَاله فَهُوَ مَعْذُور وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
قَالَ ط: وَلم يبين مَا المُرَاد بِقدر الْكِفَايَة هَل كِفَايَة يَوْم أَو شهر أَو الْعُمر الْغَالِب؟ فيحرر.
اهـ.
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا هُنَا كِفَايَة شهر أَو يَوْم.

قَوْله: (كَمَا لَو كَانَ الجائر هُوَ الْآخِذ بِنَفسِهِ فَلَا ضَمَان) أَي من غير تَفْصِيل كَمَا يُؤْخَذ من الْمنح.

قَوْله: (رفع الامر للْحَاكِم) أَي على سَبِيل الاولولة.

قَوْله: (ليَبِيعهُ) وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد قَاض بَاعهَا وَحفظ ثمنهَا هندية، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَبَرّع، وَلَو لم ينْفق عَلَيْهَا الْمُودع حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ لَكِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُودِعِ.
منلا عَليّ عَن حاوي الزَّاهدِيّ.
وَفِي التاترخانية: غَابَ رب الْوَدِيعَة وَلَا يدْرِي أَحَي هُوَ أَو مَيِّتٌ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَا، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهَا وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَعَلَى كَوْنِ الْمَالِكِ غَائِبًا، فَإِنْ بَرْهَنَ، فَلَوْ مِمَّا يُؤَجِّرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا من غَلَّتهَا أمره بِهِ وَإِلَّا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لَا أَكْثَرَ بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ إذَا حَضَرَ، لَكِنْ فِي الدَّابَّةِ يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا بِالزِّيَادَةِ، وَفِي الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بلغت، وَلَو اجْتمع من أَلْبَانهَا شئ كَثِيرٌ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَأَثْمَرَتْ وَخَافَ فَسَادَهُ فَبَاعَهُ بِلَا أَمر الْقَاضِي، فَلَوْ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَصَّلُ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ ذَلِكَ ضمن.

قَوْله: (فَهَلَك حَال الْقِرَاءَة) نَص على المتوهم فَلَا ضَمَان بعْدهَا بالاولى.

قَوْله: (لَان لَهُ ولَايَة هَذَا التَّصَرُّف) أَي وَهُوَ الْقِرَاءَة، وَسَيَأْتِي آخر الْعَارِية مَا نَصه: أما كتب الْعلم فَيَنْبَغِي أَن يجوز النّظر فِيهَا إِذا كَانَت لَا تتضرر بِالنّظرِ والتقليب، وَيكون كالاستظلال بِالْحَائِطِ والاستضاءة بالنَّار لَا سِيمَا
إِذا كَانَ مودعا وَعَادَة النَّاس فِي ذَلِك المساهلة والمسامحة، وَالِاحْتِيَاط عدم النّظر إِلَّا بِأَمْر.

قَوْله: (وَكَذَا لَو وضع السراج) أَي سراج الْوَدِيعَة على المنارة: أَي على مَحل النُّور فَإِنَّهُ لَا يضمن إِذا تلف.
قَوْله:

(8/510)


(أودع صكا) أَي لَهُ، أما إِذا كَانَ لغيره وَقد أودعهُ هُوَ وَجَاء الَّذِي لَهُ الصَّك يَطْلُبهُ فَلَا يَدْفَعهُ إِلَيْهِ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
هندية.

قَوْله: (وَأنكر الْوَارِث) أَي وَارِث الطَّالِب.

قَوْله: (حبس الْمُودع الصَّك) لما فِيهِ من الاضرار، وَقد تقدم نَحْو هَذَا فِي المُصَنّف، وَلَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ يقر بِهِ إِذا عرض عَلَيْهِ، وَإِلَّا فمجرد الْخط لَا يثبت الْحق، ثمَّ ظَاهر كَلَامه يعم مَا لَو أنكر الْوَارِث لكَونه لَا يعلم الدّفع.

قَوْله: (أبدا) أَن مَا لم يقر الْوَارِث بالاداء أَي بِمَا قبض مُورثهم.

قَوْله: (لَا يَبْرَأُ مَدْيُونُ الْمَيِّتِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَارِث) الظَّاهِر أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءً كَانَ الْوَارِث مؤتمنا أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ وَالْوَارِث غير مؤتمن، كَمَا قيد بِهِمَا فِي الْمُودَعِ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِلْوَارِثِ.
حموي.
لَكِن قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: إِذا كَانَ للْمَيت وَدِيعَة عِنْد إِنْسَان وَفِي التَّرِكَة دين فَدفع الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى الْوَارِث بِغَيْر أَمر القَاضِي يضمن.
فِي يَده ألف وَدِيعَة لرجل مَاتَ وَعَلِيهِ ألف دِرْهَم دين مَعْرُوف أَنه عَلَيْهِ وَترك ابْنا مَعْرُوفا فَقضى الْمُسْتَوْدع الالف للْغَرِيم لم يضمن، لانه قضى إِلَى من لَهُ الْحق وَهُوَ غَرِيم الْمَيِّت، وَلَيْسَ للِابْن مِيرَاث حَتَّى يقْضِي الدّين.
اهـ.
أَقُول: وَلَعَلَّ عدم الْبَرَاءَة بِدفع الدّين إِلَى الْوَارِث ديانَة.
قَالَ فِي الْفَوَائِد الزينية: وَلَو قضى الْمُودع بهَا دين الْمُودع ضمن على الصَّحِيح، فَتَأمل وراجع.
فرع: قَالَ بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يَضْمَنُ مَا لم يقل دفعتها للْمُشْتَرِي.
شرح تحفة الاقران.
وَفِي منية الْمُفْتِي: لرجل على آخر دين فقضاه فَمَنعه ظلما فَمَاتَ صَاحب الدّين فالخصوصة فِي الظُّلْمِ بِالْمَنْعِ لِلْمَيِّتِ وَفِي الدَّيْنِ لِلْوَارِثِ هُوَ الْمُخْتَار.
وفيهَا: وَمن أَخذ من السُّلْطَان مَالا حَرَامًا فَحق الْخُصُومَة فِي الْآخِرَة لغاصب الْحق مَعَ السُّلْطَان
وَمَعَ الْقَابِض إِن لم يخلطه السُّلْطَان وَبعد الْخَلْط يكون مَعَ السُّلْطَان عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.

قَوْله: (لَيْسَ للسَّيِّد أَخذ وَدِيعَة العَبْد) أَي وَلَو غير مَأْذُون لاحْتِمَال أَنه مَال الْغَيْر إِلَّا إِذا أَقَامَ السَّيِّد بَيِّنَة على أَنه مَاله وَقد سلف.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: الرَّقِيق إِذا اكْتسب وَاشْترى شَيْئا من كَسبه وأودعه وَهلك عِنْدَ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمَوْلَى مَعَ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، حَتَّى لَوْ أودع شَيْئا وَغَابَ فَلَيْسَ للْمولى أَخذه انْتهى.
هَذَا إِذا لم يعلم أَن الْوَدِيعَة كسب العَبْد أَو مَاله، أما إِذا علم ذَلِك فَلهُ حق الاخذ بِلَا حُضُور العَبْد كَمَا نَقله فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الذَّخِيرَة، وَقد تقدم ذَلِك.

قَوْله: (الْعَامِلُ لِغَيْرِهِ أَمَانَةً لَا أَجْرَ لَهُ إلَّا الْوَصِيّ) أَي وَصِيّ القَاضِي وَقد نَصبه بِأَجْر، وَأما وَصِيّ الْمَيِّت فَلَا يسْتَحق الاجر كَمَا فِي الاشباه من فن الْجمع، وَالْفرق فِي الْكَلَام على أجر الْمثل نقلا عَن الْقنية.
وَقد علل الْوَلْوَالجيّ عدم صِحَة الاجر لَهُ، وَلَو جعله الْمُتَوفَّى لَهُ لينفذ لَهُ وَصَايَاهُ بِأَنَّهُ بِقبُول الْوَصِيَّة صَار الْعَمَل وَاجِبا عَلَيْهِ والاستئجار على هَذَا لَا يجوز انْتهى.

(8/511)


قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَن الْقيام بِالْوَصِيَّةِ إِلَّا بِأَجْر فِي مُقَابلَة عمله لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا جبر على الْمُتَبَرّع.
وَإِذا رأى القَاضِي أَن يعْمل لَهُ أُجْرَة على عمله وَكَانَت أُجْرَة الْمثل فَمَا الْمَانِع قِيَاسا واستحسانا، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْوَلوالجِيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر لَان الْمَوْضُوع مُخْتَلف كَمَا يظْهر بِأَدْنَى تَأمل.
اهـ.
أَقُول: إِنَّمَا كَانَ الْمَوْضُوع مُخْتَلفا لَان مَوْضُوع مَسْأَلَة الْوَلْوَالجيّ فِي وجوب الْعَمَل بِقبُول الْوَصِيَّة وموضوع مَا ذكره فِي عدم الْجَبْر على الْعَمَل وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوب، لَكِن قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَفِيه تَأمل، إِذْ بعد الْقبُول لَا يُقَال إِنَّه مُتَبَرّع.
وَالْحَاصِل: أَن وَصِيّ الْمَيِّت لَا أجر لَهُ إِلَّا إِذا كَانَ مُحْتَاجا فَلهُ الاكل من مَال الْيَتِيم بِقدر عمله، وللقاضي أَن يفْرض لَهُ ذَلِك، لَكِن للمستقبل لَا لما مضى لشروعه فِيهِ مُتَبَرعا.
وَأما وَصِيّ القَاضِي، فَإِن كَانَ مُحْتَاجا فَكَذَلِك، وَإِلَّا فَإِن نَصبه القَاضِي وَجعل لَهُ أُجْرَة الْمثل جَازَ، وَكَذَا إِذا امْتنع بعد النصب عَن الْعَمَل حَتَّى يَجْعَل لَهُ أُجْرَة لَان وصايته غير لَازِمَة، لَان لَهُ أَن يعْزل نَفسه فَلهُ أَن يمْتَنع عَن الْمُضِيّ
فِي الْعَمَل إِلَّا بِأَجْر، وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي بَاب الْوَصِيّ آخر الْكتاب فَرَاجعه إِن شِئْت.

قَوْله: (إِذا عملا) فيستحقان أُجْرَة الْمثل.
أشباه.
قَالَ فِي الْقنية: إِذا عين القَاضِي لَهُ أجرا فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَذكر أَن لَهُ أُجْرَة مثله وَلَو لم يُعينهُ القَاضِي، وَتقدم ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف، وَذكره فِي الْوَصَايَا.

قَوْله: (قلت) القَوْل لصَاحب الاشباه.

قَوْله: (فَعلم مِنْهُ أَن لَا أجر للنَّاظِر الخ) أَي من
قَوْله: (إِذا عملا) أَي إِلَّا إِذا كَانَ مَشْرُوطًا من جِهَة الْوَاقِف.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.
وَوجه الْعَمَل أَنه لَا عمل حِينَئِذٍ ط.
وَالْحَاصِل: أَن الْوَاقِف إِن عين للنَّاظِر شَيْئا فَهُوَ لَهُ كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا على حسب مَا شَرطه عمل أَو لم يعْمل حَيْثُ لم يَشْتَرِطه فِي مُقَابلَة الْعَمَل، وَإِن لم يعين لَهُ الْوَاقِف وَعين لَهُ القَاضِي أُجْرَة مثله جَازَ، وَإِن عين أَكثر يمْنَع عِنْد الزَّائِد عَن أُجْرَة الْمثل، هَذَا إِن عمل، وَإِن لم يعْمل لَا يسْتَحق أُجْرَة، وبمثله صرح فِي الاشباه فِي كتاب الدَّعْوَى.
وَإِن نَصبه القَاضِي وَلم يعين لَهُ شَيْئا ينظر، إِن كَانَ الْمَعْهُود أَن لَا يعْمل إِلَّا بِأُجْرَة الْمثل فَلهُ أُجْرَة الْمثل، لَان الْمَعْهُود كالمشروط وَإِلَّا فَلَا شئ لَهُ، وَبَيَان تَفْصِيل ذَلِك مَعَ أدلته فِي كتاب الْوَقْف فَارْجِع إِلَيْهِ.

قَوْله: (ودافع ألف مقرضا ومقارضا) قَالَ ابْن الشّحْنَة: مَسْأَلَة الْبَيْت من الْبَدَائِع.
قَالَ: وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نصفهَا عَلَيْك قرض على أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ ربح لي فَهَذَا مَكْرُوه لانه شَرط لنَفسِهِ مَنْفَعَة فِي مُقَابلَة الْقَرْض، وَقد نهى رَسُول الله (ص) عَن قرض جر نفعا فَإِن عمل هَذَا وَربح فَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ، لَان الْمضَارب ملك نصف المَال بالقرض فَكَانَ نصف الرِّبْح لَهُ وَالنّصف الآخر بضَاعَة فِي يَده فربحه لرب المَال.

قَوْله: (وَربح الْقَرَاض) أَي لرب المَال خَاصَّة.

قَوْله: (الشَّرْط جَازَ) وَيجْعَل النّصْف بضَاعَة ونماء النّصْف الْقَرْض للمستقرض، لَان الْمُضَاربَة لما فَسدتْ بِاشْتِرَاط كل الرِّبْح لرب المَال صَارَت بضَاعَة.

(8/512)


قَوْله: (ويحذر) للنَّهْي عَن قرض جر نفعا.
وَإِذا علم صِحَة الشَّرْط فَالرِّبْح الْحَاصِل من الالف لَهما والخسران عَلَيْهِمَا لانهما شريكان فِي الالف.

قَوْله: (وَإِن يَدعِي ذُو المَال قرضا وخصمه إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ) قَالَ الشَّارِح: قد اشْتَمَل البيتان على ثَلَاث مسَائِل: الاولى من الظَّهِيرِيَّة: لَو قَالَ الْمضَارب دَفعته إِلَى
مُضَارَبَة وَقَالَ رب المَال دَفعته إِلَيْك قرضا فَالْقَوْل قَول رب المَال، وَمَعَ ذَلِك لَو هلك المَال قبل التَّصَرُّف لَا ضَمَان على ذِي الْيَد لاتِّفَاقهمَا على قَول الْمَالِك دفعت فَإِنَّهَا لَا تفِيد ضمانا قبل التَّصَرُّف وَضمن بعده: وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة لرب المَال فَيكون كل من القَوْل وَالْبَيِّنَة لرب المَال.
وَفِي النِّهَايَة وَشرح التَّحْرِير أَن القَوْل قَول الْمضَارب وَالْبَيِّنَة على رب المَال.

قَوْله: (فَرب المَال قد قيل أَجْدَر) أَي بِقبُول قَوْله وَإِن هلك المَال، فَإِن كَانَ قبل الْعَمَل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لاتِّفَاقهمَا على لفظ الدّفع كَمَا تقدم.

قَوْله: (وَفِي الْعَكْس) وَهَذِه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الظَّهِيرِيَّة أَيْضا، وَهِي عكس الاولى.
إِذا قَالَ الْمضَارب بَعْدَمَا تصرف وَربح أقرضتني هَذَا المَال وَالرِّبْح كُله لي وَقَالَ رب المَال دَفعته إِلَيْك مُضَارَبَة بِالثُّلثِ أَو قَالَ دَفعته إِلَيْك بضَاعَة أَو قَالَ مُضَارَبَة وَلم أسم ربحا أَو بِرِبْح مائَة دِرْهَم فَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول رب المَال وعَلى الْمضَارب الْبَيِّنَة.
وَفِي دَعْوَى البضاعة الرِّبْح لرب المَال، وَفِيمَا إِذا لم يسم فَالرِّبْح لرب المَال وللمضارب أجر الْمثل، وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة لِلْعَامِلِ، وَإِن اخْتلفَا قبل الرِّبْح يرد المَال إِلَى مَالِكه لعدم لُزُوم العقد.

قَوْله: (كَذَلِك فِي الابضاع) بِأَن قَالَ رب المَال دَفعته بضَاعَة وَالْمُضَارب يَدعِي الْقَرْض فَالْقَوْل لرب المَال.
وَلَو ادّعى الْمُضَاربَة وَرب المَال الْغَصْب وَضاع المَال قبل الْعَمَل فَلَا ضَمَان، وَإِن بعد الْعَمَل فَهُوَ ضَامِن، وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة للْمُضَارب فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة.

قَوْله: (مَا يتَغَيَّر) أَي الحكم فِي هَذِه الصُّورَة، وَقد قدمنَا الْكَلَام على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ آخر كتاب الْمُضَاربَة.

قَوْله: (وَإِنْ قَالَ قَدْ ضَاعَتْ مِنْ الْبَيْتِ وَحْدَهَا) مَسْأَلَة الْبَيْت من الْوَاقِعَات، وَقد ذَكرنَاهَا فِي هَذَا الْبَاب، وَهِي الْمُودع إِذا قَالَ ذهبت الْوَدِيعَة من منزلي وَلم يذهب من مَالِي شئ قبل قَوْله مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة وَالْكَافِي وجامع الْفُصُولَيْنِ وَنور الْعين وَغَيرهَا.

قَوْله: (فقد يتَصَوَّر) بِأَن يعجل السَّارِق أَن تكون هِيَ الْمَقْصُودَة، وَمعنى يَصح يصدق.

قَوْله: (وتارك) بِغَيْر تَنْوِين.

قَوْله: (لامر) مُتَعَلق بتارك أَو بِصَحِيفَة والصحيفة مِثَال، وَهِي قِطْعَة من جلد أَو قرطاس كتب فِيهِ، وَقدمنَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَذكر شارحها الْعَلامَة ابْن الشّحْنَة أَن مَسْأَلَة الْبَيْت من قاضيخان قَالَ: قوم جُلُوس فِي مَكَان فَقَامَ وَاحِد مِنْهُم وَترك كِتَابه ثمَّ قَامَ الْبَاقُونَ مَعًا فَهَلَك الْكتاب ضمنُوا جَمِيعًا، لَان الاول لما ترك الْكتاب عِنْدهم فقد استحفظهم، فَإِذا قَامُوا وَتركُوا الْكتاب فقد تركُوا الْحِفْظ الْمُلْتَزم فضمنوا جَمِيعًا، وَإِن قَامَ الْقَوْم وَاحِدًا بعد وَاحِد كَانَ الضَّمَان على
آخِرهم لَان الآخر تعين للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان.
قَالَ المُصَنّف: وَهَذَا لَيْسَ خَاصّا بالصحيفة بل يطرد فِي غَيرهَا أَيْضا.
قَالَ ط: وَيَنْبَغِي تَقْيِيد هَذَا الْفَرْع بِمَا لَا يقسم فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مِمَّا يقسم يكون الْقَائِم أَولا مفرطا بِعَدَمِ قسْمَة الْمُودع للْحِفْظ.
اهـ.

قَوْله: (يضمن الْمُتَأَخر) لتعينه للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان اهـ.
عبد الْبر.
وَمَفْهُومه أَنهم إِذا قَامُوا جملَة ضمنُوا جَمِيعًا وَبِه صرح قاضيخان.
وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُقْسَمُ

(8/513)


كَذَلِك.
سائحاني
قَوْله: (وتارك نشر الصُّوف صيفا الخ) قد اشْتَمَل البيتان على مَسْأَلَتَيْنِ من الظَّهِيرِيَّة.
قَالَ فِي كتاب الْوَدِيعَة: إِذا أفسدها الفأر وَقد اطلع الْمُودع على ثقب مَعْرُوف، إِن كَانَ أخبر صَاحب الْوَدِيعَة أَن هَاهُنَا ثقب الفأر فَلَا ضَمَان، وَإِن لم يُخبرهُ بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ وَلم يسده ضمن، وَهِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة.
والاولى مَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة عَن السَّيِّد الامام أبي الْقَاسِم أَن الانسان إِذا استودع عِنْده مَا يَقع فِيهِ السوس فِي زمَان الصَّيف فَلم يبردها فِي الْهَوَاء حَتَّى وَقع السوس وَفَسَد لَا يضمن، وَهَذَا علم من صُورَة النّظم إِلَّا أَنه يعلم من ذَلِك الحكم فِي نَظِيره.
انْتهى مَا ذكره ابْن الشّحْنَة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: الْوَدِيعَة إِذا أفسدتها الْفَأْرَة وَقد اطلع الْمُودع على ثقب ب الْفَأْرَة، إِن أخبر صَاحبهَا أَن هَاهُنَا ثقب الْفَأْرَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يخبر بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ وَلم يسده يضمن.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
وَذكر بعْدهَا عبارَة الظَّهِيرِيَّة.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: إذَا كَانَت الْوَدِيعَة شَيْئا يخَاف عَلَيْهِ الْفساد وَصَاحب الْوَدِيعَة غَائِب: فَإِن رفع الامر إِلَى القَاضِي حَتَّى يَبِيعهُ جَازَ وَهُوَ الاولى، وَإِن لم يرفع حَتَّى فَسدتْ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه حفظ الْوَدِيعَة على مَا أَمر بِهِ.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد قَاض بَاعهَا وَحفظ ثمنهَا لصَاحِبهَا.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج انْتهى.

قَوْله: (فعث) العث بِالْمُثَلثَةِ: السوس أَو الارضة وَهِي دويبة تَأْكُل الصُّوف.

قَوْله: (لم يضمن) لانه حفظ الْوَدِيعَة كَمَا أَمر بِهِ.
مُحِيط.
وَيضمن بتَشْديد الْمِيم.

قَوْله: (وقرض الفأر) الْحَاصِل أَنه إِذا أودعهُ الْوَدِيعَة فوضعها فِي مَحل لَا ثقب فِيهِ فقرضها الفأر أَو أحرقتها النَّار أَو أَصَابَهَا بخس بِالْبَاء الْمُوَحدَة بالتحتية ثمَّ الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي نقص، أَو أَصَابَهَا نخس بالنُّون ثمَّ الْخَاء: أَي ثقب متسع فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ.
وَأما إِذا كَانَ فِي الْمَكَان الْمَوْضُوع فِيهِ
الْوَدِيعَة ثقب قد اطلع عَلَيْهِ الْمُودع: إِن أخبر صَاحبهَا بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يُخبرهُ وَلم يسده يضمن.
أَفَادَهُ صَاحب الْهِنْدِيَّة
قَوْله: (بِالْعَكْسِ يُؤثر) أَي بِالْخِلَافِ.

قَوْله: (وَلم يعلم) الْوَاو بِمَعْنى أَو، فَيَنْتَفِي عَنهُ الضَّمَان بسده أَو بإعلام الْمَالِك بِهِ وَإِن لم يسده، لَان الْمَالِك حِينَئِذٍ رَضِي بِوَضْعِهِ فِيهِ على هَذَا الْحَال وَيعلم بِضَم الْيَاء.

قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَفْصِيله) الْبَحْثُ لِلطَّرَسُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا التَّفْصِيلُ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الْإِعْلَامِ للْمُودع أَو السد بِدُونِهِ وَهُوَ مَوْجُود أَو ارْتَضَاهُ.
عبد الْبر وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ.
تَتِمَّة فِي ضَمَان الْمُودع بِالْكَسْرِ فِي قاضيخان: مُودَعٌ جَعَلَ فِي ثِيَابِ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ فَدَفَعَهَا إلَى رَبِّهَا وَنَسِيَ ثَوْبَهُ فِيهَا فَضَاعَ عِنْده ضمن لِأَنَّهُ أَخَذَ ثَوْبَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا: قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَضَاعَ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ أَصْلًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَيْسَ على إِطْلَاقه، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
مُلَخصا.
قَالَ فِي السِّرَاجِيَّة: مُؤنَة الرَّد على الْمَالِك لَا على الْمُودع، وَإِن نقلهَا فِي بَلَده من محلّة فمؤنة الرَّد على صَاحبهَا بالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إِذا سَافر فِيمَا يجوز لَهُ السّفر بهَا تكون الاجرة على الْمَالِك سراج: أَي أُجْرَة الرَّد كَمَا يُؤْخَذ من سابقه.

(8/514)


قَالَ ط: وَانْظُر مُؤنَة حمله للاخراج هَل هِيَ على الْمُودع أَو الْمَالِك؟ فروع: ندت بقرة من الباقورة وَترك الرَّاعِي اتبَاعا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ندت بالاجماع إِن كَانَ الرَّاعِي خَاصّا، وَإِن كَانَ مُشْتَركا فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا يضمن.
وَإِنَّمَا لَا يضمن عِنْده وَإِن ترك الْحِفْظ فِيمَا ندت لَان الامين إِنَّمَا يضمن بترك الْحِفْظ إِذا ترك بِغَيْر عذر، أما إِذا ترك بِعُذْر فَإِنَّهُ لَا يضمن، كَمَا لَو دفع الْوَدِيعَة لاجنبي حَالَة الْحَرِيق فَإِنَّهُ لَا يضمن وَإِن ترك الْحِفْظ لانه ترك بِعُذْر، كَذَا هُنَا، وَإِنَّمَا ترك الْحِفْظ بِعُذْر كي لَا يضيع الْبَاقِي.
وَعِنْدَهُمَا يضمن لانه ترك بِعُذْر يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ.
قَالَ صَاحب الذَّخِيرَةِ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا نَدَّتْ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبْعَثهُ ليردها أَو يَبْعَثهُ ليخبر صَاحبهَا بذلك، وَكَذَلِكَ لَوْ تَفَرَّقَتْ فِرَقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اتِّبَاعِ الْكل فَاتبع الْبَعْض وَترك الْبَعْض لَا يضمن.
لانه ترك حفظ الْبَعْض بِعُذْر.
وَعِنْدَهُمَا: يضمن لانه يُمكن الاحتزاز عَنهُ عمادية من ضَمَان الرَّاعِي.
وَفِي فَتَاوَى أبي اللَّيْث: مكار حمل كرابيس إِنْسَان فَاسْتَقْبلهُ اللُّصُوص فَطرح الكرابيس وَذهب بالحمار قَالَ: إِن كَانَ لَا يُمكنهُ التَّخَلُّص مِنْهُم بالحمار والكرابيس وَكَانَ يعلم أَنه لَو حمله أَخذ اللُّصُوص الْحمار والكرابيس فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه الم يتْرك الْحِفْظ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
طرح الامانة فِي السَّفِينَة وَسبح فِي الْبَحْر خوفًا من الاسر وَالْقَتْل لَا يضمن.
فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي ضَمَان الاجير الْمُشْتَرك رامزا للذخيرة: قَرْيَة عَادَتهم أَن البقار إِذا أَدخل السَّرْح فِي السكَك يُرْسل كل بقرة فِي سكَّة رَبهَا وَلَا يُسَلِّمهَا إِلَيْهِ فَفعل الرَّاعِي كَذَلِك فَضَاعَت بقرة، قيل يبرأ إِذْ الْمَعْرُوف كالمشروط، وَقيل لَو لم يعد ذَلِك خلافًا يبرأ اهـ.
وَالظَّاهِر أَن الْقَوْلَيْنِ متقاربان إِن لم يَكُونَا بِمَعْنى وَاحِد، لَان ذَلِك إِذا كَانَ مَعْرُوفا لَا يعد خلافًا لانه يكون مَأْذُونا بِهِ عَادَة، وَقدمنَا نَحْو هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا لَو أرسل الْوَكِيل بِالْبيعِ الثّمن إِلَى الْمُوكل مَعَ المكاري وَنَحْوه مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة فَإِنَّهُ لَا يضمن، وَبِه أفتى الْخَيْر الرَّمْلِيّ لَان الْمَعْرُوف عرفا كالمشروط شرطا، وَلَا فرق بَين أَن تتْلف أَو تضيع أَو يأكلها الذِّئْب إِلَّا إِذا نَهَاهُ رَبهَا عَنهُ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَمثله الشَّرِيك والمزارع أَيْضا مثله وَهُوَ كَالْمُودعِ وَهَذَا إِذا كَانَت الْعَادة مطردَة، أما إِذا لم تكن كَذَلِك فَلَا شُبْهَة فِي الضَّمَان فِي صُورَة الضّيَاع أَو أكل الذِّئْب تنبه، وَهَذَا أَيْضا إِذا لم يخْش عَلَيْهَا، أما إِذا خشِي بِأَن كَانَ على أهل الْقرْيَة أَعدَاء يقصدون نهب أَمْوَالهم أَو إتلافها أَو كَانَت كَثِيرَة اللُّصُوص فَلَا شُبْهَة فِي الضَّمَان فَاعْلَم ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
رجل اسْتعَار دَابَّة فَنَامَ فِي الْمَفَازَة ومقودها فِي يَده فجَاء السَّارِق وَقطع المقود بالدابة لَا يضمن الْمُسْتَعِير لانه لم يتْرك الْحِفْظ، وَلَو أَن السَّارِق مد المقود من يَده وَذهب بالدابة وَلم يعلم بِهِ الْمُسْتَعِير كَانَ ضَامِنا، لانه إِذا نَام على وَجه يُمكن مد المقود من يَده وَهُوَ لَا يعلم بِهِ يكون مضيعا، فَإِذا نَام جَالِسا لَا
يضمن على كل لانه لَو نَام جَالِسا وَلم يكن المقود فِي يَده وَلَكِن الدَّابَّة تكون بَين يَدَيْهِ لَا يضمن فها هُنَا لَا يضمن أولى اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة من الْوَدِيعَة: جعل الدَّابَّة الْوَدِيعَة فِي كرم غير رفيع الْحَائِط أَو لم يكن لَهُ حَائِط

(8/515)


ينظر، إِن نَام الْمُودع وَوضع جنبه على الارض ضمن إِن ضَاعَت الْوَدِيعَة، وَإِن قَاعِدا لَا يضمن، وَإِن فِي السّفر لَا يضمن وَإِن نَام مُضْطَجعا اهـ.
وَمثله فِي الذَّخِيرَة وعدة الْفَتَاوَى والعمادية.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا فِي الْعَارِية ذكر مَا ذكر فِي الْخَانِية قَائِلا: وَهَذَا لَا يُنَاقض مَا مر، إِذْ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْحِفْظِ لَان ذَا فِي نفس النّوم وَهَذَا فِي أَمر زَاد على النّوم.
اهـ.
كل أَمِين ادّعى إِيصَال الْأَمَانَة إِلَى مستحقها قبل قَوْله كَالْمُودعِ إِذا ادّعى الرَّد.
أشباه.
وَمثله مَا تقدم متْنا.
الْمُودع أَو الْمُسْتَعِير أَو الْمضَارب أَو المستبضع أَو المساوم أَو الْمُسْتَأْجر أَو الاب فِي مَال ابْنه الصَّغِير أَو الْوَكِيل أَو الرَّسُول أَو القَاضِي أَو أَمِين القَاضِي أَو الْمحْضر أَو أَمِير الْعَسْكَر أَو الْمُتَوَلِي أَو الْقيم أَو الدَّلال أَو السمسار أَو البياع أَو الْمُرْتَهن أَو الْعدْل أَو الْمُلْتَقط أَو آخذ الْآبِق أَو الشَّرِيك أَو الْحَاج عَن الْغَيْر أَو الاجير الْخَاص أَو الْمُشْتَرك أَو الْمُرْتَهن أَو نَحْوهَا إِذا ادّعى الْهَلَاك بِغَيْر تعد أَو ادّعى الرَّد إِلَى صَاحبهَا يصدق مَعَ يَمِينه لَان كل وَاحِد مِنْهُم أَمِين وَالْقَوْل قَول الامين مَعَ الْيَمين، إِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة على الرَّد أَو الْهَلَاك، وَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَإِنَّمَا طلبت الْبَيِّنَة لدفع الْيَمين عَنهُ.
فَالْحَاصِل: أَن من تكون الْعين فِي يَده أَمَانَة إِذا ادّعى ردهَا إِلَى صَاحبهَا أَو ادّعى الْمَوْت أَو الْهَلَاك يصدق مَعَ يَمِينه بالِاتِّفَاقِ وَهَذَا فِي الرَّهْن قبل قَبضه، وَمَا بعد قَبضه فَالْقَوْل للرَّاهِن كَمَا سَيَأْتِي.
(سائحاني) .
حول الاجنبي الْوَدِيعَة عَن محلهَا ثمَّ ردهَا ثمَّ هَلَكت ضمن.
قاضيخان.
دفع إِلَى آخر قِنَا مُقَيّدا بسلسلة وَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إِلَى بَيْتك مَعَ هَذِه السلسلة فَذهب بِهِ بِلَا سلسلة فأبق الْقِنّ لم يضمن إِذا أَمر بشيئين وَقد أَتَى بِأَحَدِهِمَا.
فصولين.
أَقُول: أَي أَمر بالذهاب بالقن وَأمر بالذهاب بالسلسلة فَلَا يضمن الْقِنّ.
وَأَقُول: الْمُتَبَادر من كَلَامه أَن يكون الْقِنّ مصحوبا بهَا أَي مسلسلا فَكَأَنَّهُ قَالَ اذْهَبْ بِهِ مسلسلا فَهُوَ مَأْمُور بالذهاب بِهِ مسلسلا فالمأمور بِهِ وَاحِد مَوْصُوف فَيَنْبَغِي الضَّمَان.
تَأمل رملي.
بَعثه إِلَى مَاشِيَة فَركب الْمَبْعُوث دَابَّة الْبَاعِث برِئ لَو بَينهمَا انبساط فِي مثل ذَلِك وَإِلَّا ضمن.
فصولين.
وَفِيه دفع بعيره إِلَى رجل ليكريه وَيَشْتَرِي لَهُ شَيْئا بكرائه فَعميَ الْبَعِير فَبَاعَهُ وَأخذ ثمنه فَهَلَك، وَلَو كَانَ فِي مَوضِع يقدر على الرّفْع للْقَاضِي أَو يَسْتَطِيع إِمْسَاكه أَو رده مَعَ الْعَمى ضمن قِيمَته، وَإِلَّا برِئ.
أَعَارَهُ حِمَاره وَقَالَ خُذ عذاره وسقه كَذَلِك وَلَا تخل عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يسْتَمْسك إِلَّا هَكَذَا فَقَالَ نعم فَلَمَّا مَضَت سَاعَة خلى عذاره فأسرع فِي الْمَشْي فَسقط ضمن إِذْ خَالف شرطا مُفِيدا فغصبه.
أعطَاهُ درهما لينقده فغمزه فانكسر برِئ لَو أمره بغمزه وَإِلَّا ضمن، وَكَذَا لَو أرَاهُ قوسا فمده فانكسر فَهُوَ على هَذَا اهـ.
وَفِيه معزيا إِلَى فَوَائِد صَاحب الْمُحِيط.
قَالَ لَهُ بِعْت دمي مِنْك بفلس أَو بِأَلف فَقتله الآخر يُقَاد، لَا لَو قَالَ اقتلني فَقتله لانه إِطْلَاق فأورث شُبْهَة، وَهُوَ هدر فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، وَتجب

(8/516)


الدِّيَة فِي مَاله فِي رِوَايَة.
وَلَو قَالَ اقْطَعْ يَدي أَو رجْلي أَو اقْتُل قني فَفعل لم يجب شئ بالاجماع إِذْ الاطراف كأموال فَيصح الامر.
وَقعت ببخارى وَاقِعَةٌ وَهِيَ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ السَّهْمَ إِلَيّ حَتَّى آخذه فَرمى السهْم إِلَيْهِ بأَمْره فَأصَاب عينه فَذَهَبت، قَالَ قاضيخان: لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اجْنِ عَليّ فجنى عَلَيْهِ لم يضمن.
وَهَكَذَا أفتى بعض الْمَشَايِخ بِهِ، وقاسوا على مَا لَو قَالَ اقْطَعْ يَدي الخ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، أما لَا شكّ أَنه تجب الدِّيَة فِي مَاله إِذْ ذكر فِي الْكتاب: لَو تضاربا بالوكز: أَي النخس، يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شت زون فَذَهَبت عين أَحدهمَا يجب الْقصاص إِذا أمكن لانه عمد.
ص: وَإِن قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا للْآخر ده ده، وَكَذَا لَو بارزا فِي خانقاه على وَجه التَّعْلِيم أَو الملاعبة فأصابت الْخَشَبَة عينه فَذَهَبت يُقَاد لَو أمكن.
اهـ.
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ دَهٍ دَهٍ وَوَكَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكسر سنه فَلَا شئ عَلَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فقطعها قاضيخان.
اهـ.
وَالَّذِي ظهر لي فِي وَجه مَا ذكر فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ دَهٍ دَهٍ إبَاحَةُ عَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ السَّلَامَةِ مَعَ الْمُضَاربَة بالوكزة كاحتماله مَعَ رَمْيِ السَّهْمِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ وَقَوْلُهُ دَهٍ دَهٍ صَرِيحًا فِي إتْلَافِ عُضْوِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ اجْنِ عَلَيَّ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِ.
وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِيهَا، وَكَأن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ.
تَأمل.
فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا إِلَى كتاب الدَّعَاوَى والبينات لصَاحب الْمُحِيط: دفع ثَوْبه إِلَى دلال ليَبِيعهُ فساومه رب حَانُوت بِثمن مَعْلُوم وَقَالَ أحضر رب الثَّوْب لاعطيه الثّمن فَذهب وَعَاد فَلم يُوجد الثَّوْب فِي الْحَانُوت وَرب الْحَانُوت يَقُول أَنْت أَخَذته وَهُوَ يَقُول مَا أَخَذته بل تركته عنْدك صدق الدَّلال مَعَ يَمِينه لانه أَمِين.
وَأما رب الْحَانُوت فَلَو اتفقَا على أَنه أَخذه رب الْحَانُوت ليشتريه بِمَا سمى من الثّمن فقد دخل فِي ضَمَانه فَلَا يبرأ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ فَيضمن قِيمَته، وَلَو لم يتَّفقَا على ثمن لم يضمن إِذْ الْمَقْبُوض على سوم الشِّرَاء إِنَّمَا يضمن لَو اتفقَا على ثمنه قنية.
لَا يجب ضَمَان السّوم إِلَّا بِذكر الثّمن، قيل هُوَ قَول أبي يُوسُف.
وَيَكْفِي عِنْد مُحَمَّد أَن يمِيل قلبهما.
تجنيس.
دَفعه إِلَى دلال ليَبِيعهُ فَدفعهُ الدَّلال إِلَى رجل على سوم الشِّرَاء ثمَّ نَسيَه لم يضمن، وَهَذَا إِذا أذن لَهُ الْمَالِك بِالدفع للسوم إِذْ لَا تعدى فِي الدّفع حِينَئِذٍ إِيضَاح، أما إِذا لم يَأْذَن لَهُ فِيهِ ضمن.
ذكر فِي بعض الْفَتَاوَى عَن فَتَاوَى النَّسَفِيّ: لَو عرضه الدَّلال على رب دكان وَتَركه عِنْده فهرب رب الدّكان وَذهب بِهِ لم يضمن الدَّلال فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي البيع.
وَذكر بعض الْمَشَايِخ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُودِعٌ، وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُودِعَ قاضيخان.
دَفعه الدَّلال إِلَى من استام لينْظر إِلَيْهِ وَيَشْتَرِي فَذهب بِهِ وَلم يظفر بِهِ الدَّلال قَالُوا لم يضمن لاذنه
فِي هَذَا الدّفع.

(8/517)


قَالَ: وَعِنْدِي أَنه إِنَّمَا لَا يضمن لَو لم يُفَارِقهُ، وَأما لَو فَارقه ضمن كَمَا لَو أودعهُ أَجْنَبِي أَو ترك عِنْد من لَا يُرِيد الشِّرَاء.
طلب الْمَبِيع رجل من الدَّلال بِدَرَاهِم مَعْلُومَة فَوَضعه عِنْد طَالبه ضمن قِيمَته لاخذه على سوم الشِّرَاء بعد بَيَان الثّمن.
قَالُوا: وَلَا شئ على الدَّلال، وَهَذَا لَو مَأْذُونا بِالدفع إِلَى من يُرِيد الشِّرَاء قبل البيع، فَلَو لم يكن مَأْذُونا ضمن فروق الْجَامِع.
دلال مَعْرُوف بِيَدِهِ ثوب تبين أَنه مَسْرُوق فَقَالَ رَددته على من أَخَذته مِنْهُ يبرأ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ عَلَى الْغَاصِبِ يَبْرَأُ فِي الذَّخِيرَة، إِنَّمَا يبرأ لَو أثبت رده بِحجَّة فِي عدَّة الْفَتَاوَى، هَذَا كغاصب الْغَاصِب إِذا قَالَ رددت على الْغَاصِب صدق بِيَمِينِهِ لَا بِدُونِهَا.
منتقى.
قَالَ تلفت مُنْذُ عشرَة أَيَّام وَبرهن رَبهَا أَنَّهَا كَانَت عِنْده مُنْذُ يَوْمَيْنِ فَقَالَ الْمُودع وَجدتهَا فَتلفت تقبل وَلم يضمن.
وَلَو قَالَ أَولا لَيست عِنْدِي وَدِيعَة ثمَّ قَالَ وَجدتهَا فَتلفت ضمن اهـ.
قنية.
دلال دفع ثوبا إِلَى ظَالِم لَا يُمكن اسْتِرْدَاده مِنْهُ وَلَا أَخذ الثّمن يضمن إِذا كَانَ الظَّالِم مَعْرُوفا بذلك.
ن: خرج الْمُودع وَتَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا ضَمِنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّار أحد وَلم يكن الْمُودع فِي مَكَان يسمع حس الدَّاخِل عدَّة.
الْمُودع: لَو حفظهَا لَيْسَ فِيهِ مَال ضمن وَالْمرَاد حرز غَيره، أما لَو اسْتَأْجر بَيْتا لنَفسِهِ وحفظها فِيهِ لم يضمن وَلم يكن فِيهِ مَاله.
مي: مُودع اسْتَأْجر بَيْتا فِي مصر أودع فِيهِ وأحرزها فِيهِ وسافر وَتركهَا فِيهِ لم يضمن.
صع: تختم بِخَاتم الْوَدِيعَة قيل ضمن فِي الْخِنْصر والبنصر لَا فِي غَيرهمَا، وَبِه يُفْتى.
وَقيل ضمن فِي الْخِنْصر لَا فِي غَيره يماثله الْمُرْتَهن.
وتضمن الْمَرْأَة مُطلقًا لانه اسْتِعْمَال مِنْهَا.
خُلَاصَة فِي الاقضية.
ادّعى وكَالَة بِقَبض دين أَو وَدِيعَة فَأقر الْمَطْلُوب فَفِي الدّين يُؤمر بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ، وَفِي الْعين لَا يُؤمر
فِي ظَاهر الرِّوَايَة.
وَذكر فِي مَحل آخر من الْخُلَاصَة فِي الْفرق بَينهمَا أَن إِقْرَاره فِي الدّين لَا فِي ملك نَفسه.
وَفِي الْوَدِيعَة لَا فِي ملك غَيره اهـ.
فَلَو أقرّ بِالْوكَالَةِ وَأنكر المَال لَا يصير خصما، وَلَا تقبل الْبَيِّنَة على المَال إِلَّا أَن تقع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة أَو لم يثبت كَونه خصما بِإِقْرَار الْمَطْلُوب لانه لَيْسَ بِحجَّة فِي حق الطَّالِب، وَإِن أقرّ بِالْمَالِ وَأنكر الْوكَالَة لَا يحلف الْوَكِيل الْمَطْلُوب على الْعلم بوكالته، إِذا الْحلف يَتَرَتَّب على دَعْوَى صَحِيحه وَلم تصح، إِذْ لم تثبت وكَالَته فَلم يصر خصما إِلَّا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على الْوكَالَة، وَالْمَال يقبل عِنْد أبي حنيفَة بِنَاء على أَن وَكيل قبض الدّين يملك الْخُصُومَة عِنْده.
هد: لَا يُؤمر بِدفع الْوَدِيعَة إِلَى الْوَكِيل بقبضها لَو صدقه إِذا أقرّ بِمَال الْغَيْر، بِخِلَاف الدّين.
قن: عَن مُحَمَّد لَو صدقه يجْبر بِدفع عين كَدين غر: وَكَذَا عِنْد أبي يُوسُف.
حشجي: لَو صدقه أَو كذبه أَو سكت لَا يجْبر بِدفع الْوَدِيعَة، وَلَو دَفعهَا لَا يسْتَردّ، فَلَو حضر رَبهَا وَكذبه فِي الْوكَالَة لَا يرجع الْمُودع على الْوَكِيل لَو صدقه وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ الضَّمَان، وَإِلَّا رَجَعَ بِعَيْنِه لَو قَائِما وبقيمته لَو هَالكا.

(8/518)


قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقُول لَو صدقه وَدفعه بِلَا شَرط يَنْبَغِي أَن يرجع على الْوَكِيل لَو قَائِما إِذْ غَرَضه لم يحصل فَلهُ نقض قَبضه على قِيَاس مَا مر عَن الْهِدَايَة من أَن الْمَدْيُون يرجع بِمَا دَفعه إِلَى وَكيل صدقه لَو بَاقِيا، كَذَا هَذَا.
شجع: لَو لم يُؤمر بِدفع الْوَدِيعَة وَلم يُسَلِّمهَا فَتلفت، قيل لَا يضمن وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يضمن، إِذْ الْمَنْع من الْوَكِيل بِزَعْمِهِ كمنعه من الْمُودع، وَلَو سلمه إِلَى الْوَكِيل لَا يسْتَردّ لانه سعى فِي نقض مَا فعله ذخيرة.
وكل زيدا الْغَائِب بِقَبض وَدِيعَة فقبضها زيد قبل أَن يبلغهُ ذَلِك فَتلف يُخَيّر الْمَالِك ضمن زيدا أَو الدَّافِع، وَلَو علم الدَّافِع بِالتَّوْكِيلِ لَا زيد برئا إِذْ للْمُودع أَن يَدْفَعهُ.
يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه يبرأ الدَّافِع لَا زيد لكَونه قَبضه حِين قبض فضولا، وَالله تَعَالَى أعلم.
عَن: وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة فِي الْيَوْم فَلهُ قَبضه غَدا، وَلَو وَكله بِقَبْضِهِ غَدا لَا يملك قَبضه الْيَوْم إِذْ
ذكر الْيَوْم للتعجيل فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت وَكيلِي بِهِ السَّاعَة فَإِذا ثَبت وكَالَته السَّاعَة دَامَت ضَرُورَة، وَلَا يلْزم من وكَالَة الْغَد وكَالَة الْيَوْم لَا صَرِيحًا وَلَا دلَالَة، وَكَذَا لَو قَالَ اقبضه السَّاعَة بدونهم فَلهُ قَبضه بعْدهَا، وَلَو قَالَ اقبضه بِمحضر من فلَان فَقَبضهُ بغيبته جَازَ.
قَالَ اقبضه بِشُهُود فَلهُ قَبضه، بِخِلَاف قَوْله لَا تقبضه إِلَّا بِمحضر مِنْهُ حَيْثُ لَا يملك قَبضه إِذْ نهى عَن الْقَبْض وَاسْتثنى قبضا بِمحضر مِنْهُ اهـ.
مَا فِي نور الْعين.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: من ترك بَاب حانوته مَفْتُوحًا فَقَامَ وَاحِد ثمَّ وَاحِد فضمان مَا ضَاعَ على آخِرهم.
كَذَا فِي الْمُلْتَقط.
رجل فِي يَده ثوب قَالَ لَهُ رجل أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْب فَأعْطَاهُ إِيَّاه كَانَ هَذَا على الْوَدِيعَة.
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.
سُئِلَ ابْن الْفضل عَمَّن دفع جَوَاهِر إِلَى رجل ليبيعها فَقَالَ الْقَابِض أَنا أريها تَاجِرًا لاعرف قيمتهَا فَضَاعَت الْجَوَاهِر قبل أَن يريها، قَالَ: إِن ضَاعَت أَو سَقَطت بحركته ضمن، وَإِن سرقت مِنْهُ أَو سَقَطت لمزاحمة أَصَابَته من غَيره لم يضمن.
كَذَا فِي الْحَاوِي للفتاوى.
دفع إِلَى مراهق قمقمة ليسقي المَاء فتغافل عَنْهَا فَضَاعَت لَا يضمن.
كَذَا فِي الْقنية.
قَالَ خلف: سَأَلت أسدا عَمَّن لَهُ على آخر دِرْهَم فَدفع الْمَطْلُوب إِلَى الطَّالِب دِرْهَمَيْنِ أَو درهما ثمَّ درهما وَقَالَ خُذ درهمك فَضَاعَ الدرهمان قبل أَن يعين درهما قَالَ: هلك على الْمَطْلُوب وللطالب درهمه.
وَلَو قَالَ لَهُ حِين دفع إِلَيْهِ الدِّرْهَم الاول: هَذَا حَقك فَهُوَ مستوف وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ للدرهم الآخر، كَذَا فِي التاترخانية.
صبي يعقل البيع وَالشِّرَاء مَحْجُور عَلَيْهِ أودعهُ رجل ألف دِرْهَم فَأدْرك وَمَات وَلم يدر مَا حَال الْوَدِيعَة فَلَا ضَمَان فِي مَاله إِلَّا أَن يشْهد الشُّهُود أَنه أدْرك وَهِي فِي يَده فَحِينَئِذٍ يضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل.
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.
وَالْحكم فِي الْمَعْتُوه نَظِير الحكم فِي الصَّبِي إِذا أَفَاق ثمَّ مَاتَ وَلم يدر مَا حَال الْوَدِيعَة لَا ضَمَان فِي مَاله إِلَّا أَن يشْهد الشُّهُود أَنه أَفَاق وَهِي فِي يَده وَإِن كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فِي

(8/519)


التِّجَارَة وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا، فَهُوَ ضَامِن للوديعة وَإِن لم تشهد الشُّهُود أَنه أدْرك وَهِي فِي يَده، وَكَذَا الحكم فِي الْمَعْتُوه إِذا كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
إِذا قَالَ الْمُسْتَوْدع للْمُودع وهبت لي الْوَدِيعَة أَو بعتها مني وَأنكر رب الْوَدِيعَة ثمَّ هَلَكت لَا يضمن الْمُودع.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
سُئِلَ عَمَّن أودع عِنْد آخر أواني صفر ثمَّ استردها بعد زمَان فَرد عَلَيْهِ سِتَّة فَقَالَ الْمَالِك كَانَت سَبْعَة فَأَيْنَ السَّابِع فَقَالَ لَا أَدْرِي أودعتني سِتَّة أَو سَبْعَة وَلَا أَدْرِي ضَاعَت أَو لم تكن عِنْدِي، وَتارَة يَقُول لَا أَدْرِي هَل جَاءَنِي من عنْدك رَسُول فاستردها وَحملهَا إِلَيْك أم لَا هَل يضمن؟ قَالَ لَا، لانه لم يقر بإضاعته فَلَا يتناقض كَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ.
رجل اسْتقْرض من رجل خمسين درهما فَأعْطَاهُ غَلطا سِتِّينَ فَأخذ الْعشْرَة ليردها فَهَلَكت فِي الطَّرِيق يضمن خَمْسَة أَسْدَاس الْعشْرَة لَان ذَلِك الْقدر قرض وَالْبَاقِي وَدِيعَة.
وَكَذَا فِي السراج الْوَهَّاج وَهُوَ الاصح.
هَكَذَا فِي التاترخانية.
وَكَذَا لَو هلك الْبَاقِي يضمن خَمْسَة أسداسه.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
لَهُ على آخر خَمْسُونَ فاستوفى غَلطا سِتِّينَ فَلَمَّا علم أَخذ عشرَة للرَّدّ فَهَلَكت يضمن خَمْسَة أَسْدَاس الْعشْرَة لَان ذَلِك قبض وَالْبَاقِي أَمَانَة.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم دين فَأعْطَاهُ أَلفَيْنِ وَقَالَ ألف مِنْهُمَا قَضَاء من حَقك وَألف يكون وَدِيعَة فقبضها وضاعت قَالَ هُوَ قَابض حَقه وَلَا يضمن شَيْئا كَذَا فِي الْمُحِيط.
أودعهُ بقرة وَقَالَ إِن أرْسلت ثيرانك إِلَى المرعى للعلف فَاذْهَبْ ببقرتي أَيْضا فَذهب بهَا دون ثيرانه فَضَاعَت لَا يضمن.
كَذَا فِي الْقنية.
أودع شَاة فَدَفعهَا مَعَ غنمه إِلَى الرَّاعِي للْحِفْظ فسرقت الْغنم يضمن إِذا لم يكن الرَّاعِي خَاصّا للْمُودع.
كَذَا فِي الْقنية.
الْوَدِيعَة إِذا كَانَت قراما فَأَخذهَا الْمُودع وَصعد بهَا السَّطْح وتستر بهَا فَهبت بهَا الرّيح وأعادتها إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَت فِيهِ من الْبَيْت لَا يبرأ عَن الضَّمَان لانه لم يُوجد مِنْهُ الْقَصْد إِلَى ترك التَّعَدِّي.
كَذَا فِي
خزانَة الْمُفْتِينَ.
فِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ: طحان خرج من الطاحونة لينْظر المَاء فسرقت الْحِنْطَة ضمن إِن ترك الْبَاب مَفْتُوحًا وَبعد من الطاحونة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة، بِخِلَاف مَسْأَلَة الخان، وَهِي: خَان فِيهَا منَازِل وَلكُل منزل مقفل فَخرج وَترك الْبَاب مَفْتُوحًا فجَاء سَارِق وَأخذ شَيْئا لَا يضمن، كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
قَالَ الْمُودع للْمَالِك أَنا ذَاهِب إِلَى المزرعة وَأُرِيد أَن أَضَع وديعتك فِي بَيت جاري فَقَالَ لَهُ الْمَالِك ضعها فوضعها وَذهب إِلَى المزرعة وَرجع فَأَخذهَا من الْجَار وَجَاء إِلَى بَيته ووضعها ثمَّة فَضَاعَت من دَاره هَل يضمن الْمُودع الاول أم لَا؟ يَنْبَغِي الضَّمَان.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة معربا عَن عبارَة فارسية.
وَلَو كَانَ عِنْده كتاب وَدِيعَة فَوجدَ فِيهِ خطأ يكره أَن يصلحه إِذا كره ذَلِك صَاحبه فِي الْمُلْتَقط انْتهى.

(8/520)


أَقُول: وَهَذَا بِخِلَاف إصْلَاح غلط الْمُصحف إِذا كَانَ بِخَط يُنَاسب فَإِنَّهُ يجب حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي فِي آخر الْعَارِية.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: أودع عِنْد رجل صك ضَيْعَة والصك لَيْسَ باسمه ثمَّ جَاءَ الَّذِي الصَّك باسمه وَادّعى تِلْكَ الضَّيْعَة وَالشُّهُود الَّذين بذلوا خطوطهم أَبَوا أَن يشْهدُوا حَتَّى يرَوا خطوطهم فَالْقَاضِي يَأْمر الْمُودع حَتَّى يُرِيهم الصَّك ليروا خطوطهم وَلَا يدْفع الصَّك إِلَى الْمُدَّعِي، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
دفع إِلَى رجل مَالا لينثره على الْعرس، فَإِن كَانَ الْمَدْفُوع دَرَاهِم لَيْسَ لَهُ أَن يحبس لنَفسِهِ شَيْئا وَلَو نثره بِنَفسِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يلتقط مِنْهُ كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يدْفع إِلَى غَيره لينثره.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج.
وَمثل المَال السكر.
كَذَا فِي الغياثية.
وَسُئِلَ عَن أمة اشترت سِوَارَيْنِ بِمَال اكتسبته فِي بَيت مَوْلَاهَا فأودعتهما امْرَأَة فقبضت تِلْكَ الْمَرْأَة وَلم يكن ذَلِك بِإِذن مولى الْجَارِيَة فهكلت الْوَدِيعَة هَل تضمن فَقَالَ نعم، لَان ذَلِك ملك الْمولى وَلَا إِيدَاع بِغَيْر إِذن فَصَارَت غاصبة كَذَا فِي الْفَتَاوَى النسفية، انْتهى مَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَالله تَعَالَى أعلم،
وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.

(8/521)