لسان الحكام في معرفة الأحكام

{فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول}
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله الْعَادِل فِي حكمه القَاضِي بَين عباده بِعَمَلِهِ أَحْمَده على مَا حكم وَقضى واشكره على مَا أبرم وأمضى وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الَّذِي من توكل عَلَيْهِ كَفاهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي اخْتَارَهُ على جَمِيع خلقه واصطفاه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الثِّقَات النقاه صَلَاة ينَال بهَا قَائِلهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة جَمِيع مَا يتمناه
وَبعد فَلَمَّا ابْتليت بالقضا وَجرى الحكم وَمضى أَحْبَبْت أَن أجمع مُخْتَصرا فِي الْأَحْكَام منتخبا من كتب سَادَاتنَا الْعلمَاء الْأَعْلَام ذَاكِرًا فِيهِ مَا يكثر وُقُوعه بَين الْأَنَام على وَجه الإتقان والإحكام ليَكُون عونا للحكام على فصل القضايا وَالْأَحْكَام
ورتبته على ثَلَاثِينَ فصلا الْفَصْل الأول فِي آدَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ الْفَصْل الثَّانِي فِي أَنْوَاع الدَّعَاوَى والبينات الْفَصْل الثَّالِث فِي الشَّهَادَات الْفَصْل الرَّابِع فِي الْوكَالَة وَالْكَفَالَة وَالْحوالَة الْفَصْل الْخَامِس فِي الصُّلْح الْفَصْل السَّادِس فِي الْإِقْرَار الْفَصْل السَّابِع فِي الْوَدِيعَة الْفَصْل الثَّامِن فِي الْعَارِية الْفَصْل التَّاسِع فِي أَنْوَاع الضمانات الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْوَقْف الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي الْغَصْب وَالشُّفْعَة وَالْقِسْمَة الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي الإكراء وَالْحجر الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي النِّكَاح الْفَصْل الرَّابِع عشر فِي الطَّلَاق الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي الْعتاق الْفَصْل السَّادِس عشر فِي الْأَيْمَان الْفَصْل السَّابِع عشر فِي الْبيُوع الْفَصْل الثَّامِن عشر فِي الْإِجَارَات الْفَصْل التَّاسِع عشر فِي الْهِبَة الْفَصْل الْعشْرُونَ فِي الرَّهْن الْفَصْل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الْكَرَاهِيَة الْفَصْل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي الصَّيْد والذبائح وَالْأُضْحِيَّة الْفَصْل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الْجِنَايَات والديات وَالْحُدُود الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الشّرْب والمزارعة وَالْمُسَاقَاة الْفَصْل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الْحِيطَان وَمَا يتَعَلَّق بهَا الْفَصْل السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي السّير

(1/217)


الْفَصْل السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيمَا يكون إسلاما من الْكَافِر ومالا يكون وَمَا يكون كفرا من الْمُسلم ومالا يكون الْفَصْل الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الْوَصَايَا الْفَصْل التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي الْفَرَائِض الْفَصْل الثَّلَاثُونَ فِي مسَائِل شَتَّى وَهُوَ الختام
وَقد شرعت فِيهِ مستعينا بالحي الَّذِي لَا ينَام وَهُوَ الْمُوفق بمنه وَكَرمه للإتمام
الْفَصْل الأول فِي آدَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْقَضَاء فِي اللُّغَة عبارَة عَن اللُّزُوم وَلِهَذَا سمي القَاضِي لِأَنَّهُ يلْزم النَّاس وَفِي الشَّرْع يُرَاد بِالْقضَاءِ فصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات وَيجوز تَقْلِيد الْقَضَاء من السُّلْطَان الْعَادِل والجائر أما الْعَادِل فَلِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَاضِيا وَولى عُثْمَان بن اسيد على مَكَّة أَمِيرا وَأما الجائر فَلِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم تقلدوا الْأَعْمَال من مُعَاوِيَة بعد أَن أظهر الْخلاف مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ الْحق مَعَ عَليّ وَإِنَّمَا يجوز التَّقْلِيد من السُّلْطَان الجائر إِذا كَانَ يُمكنهُ من الْقَضَاء بِحَق وَأما إِذا كَانَ لَا يُمكنهُ فَلَا وَإِنَّمَا يتقلد الْقَضَاء من يكون عدلا فِي نَفسه عَالما بِالْكتاب وَالسّنة وَالِاجْتِهَاد وَشَرطه أَن يكون عَالما من الْكتاب وَالسّنة مَا يتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام لَا المواعظ وَقيل إِنَّه إِذا كَانَ صَوَابه أَكثر من خطئه حل لَهُ الِاجْتِهَاد وَكَون القَاضِي مُجْتَهدا لَيْسَ بِشَرْط وَيَقْضِي بِمَا سَمعه أَو بفتوى غَيره وَأجْمع الْفُقَهَاء أَن الْمُفْتِي يجب أَن يكون من أهل الِاجْتِهَاد وَقَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَا وَفِي الْمُلْتَقط إِذا كَانَ صَوَابه أَكثر من خطئه حل لَهُ الْإِفْتَاء وَإِن لم يكن مُجْتَهدا لَا يحل لَهُ الْفَتْوَى إِلَّا بطرِيق الْحِكَايَة فيحكي مَا يحفظه من أَقْوَال الْفُقَهَاء والمفتي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أفتى بقول الإِمَام رَحمَه الله أَو بقول صَاحِبيهِ رحمهمَا الله تَعَالَى وَعَن ابْن الْمُبَارك رَحمَه الله تَعَالَى يَأْخُذ بقول الإِمَام لَا غير وَإِن كَانَ مَعَه أحد صَاحِبيهِ أَخذ بقولهمَا لَا محَالة كَذَا ذكره الْبَزَّاز فِي جَامعه
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الدُّخُول فِي الْقَضَاء مِنْهُم من قَالَ يجوز الدُّخُول فِيهِ مُخْتَارًا وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجوز الدُّخُول فِيهِ إِلَّا مكْرها أَلا ترى أَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله تَعَالَى دعى إِلَى الْقَضَاء ثَلَاث مَرَّات فَأبى حَتَّى أَنه ضرب فِي كل مرّة ثَلَاثِينَ سَوْطًا وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى امْتنع فقيد وَحبس فاضطر فتقلد
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جعل على الْقَضَاء فَكَأَنَّمَا ذبح بِغَيْر سكين إِنَّمَا شبه بِهَذَا لِأَن السكين تعْمل فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن أما الْقَتْل بِغَيْر سكين فَهُوَ الْقَتْل بطرِيق الخنق وَالْغَم وَأَنه يُؤثر فِي الْبَاطِن دون الظَّاهِر وَالْقَضَاء كَذَلِك لَا يُؤثر فِي الظَّاهِر لِأَن ظَاهره جاه وحشمة لَكِن يُؤثر فِي الْبَاطِن فَإِنَّهُ سَبَب الْهَلَاك فَشبه بِهِ لهَذَا كَذَا فِي الملحقات
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من طلب الْولَايَة وكل إِلَيْهَا وَمن لم يطْلبهَا فَإِن الله تَعَالَى يُرْسل إِلَيْهِ ملكَيْنِ فيسد دانه وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الْقَضَاء ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة الحَدِيث وَمعنى ذَلِك كُله التحذير عَن طلب الْقَضَاء وَالدُّخُول فِيهِ إِلَّا أَنه قد دخل فِي الْقَضَاء قوم صَالِحُونَ واجتنبه قوم صَالِحُونَ هَذَا كُله إِذا كَانَ فِي الْبَلدة قوم يصلحون للْقَضَاء أما إِذا لم يكن من يصلح للْقَضَاء فَإِنَّهُ يدْخل وَإِذا كَانَ فِي الْبَلدة قوم يصلحون فَإِذا امْتنع وَاحِد مِنْهُم لَا يَأْثَم وَإِذا لم يكن وَامْتنع يَأْثَم وَلَو كَانَ فِي الْبَلدة

(1/218)


قوم يصلحون فامتنعوا جَمِيعًا وَكَانَ السُّلْطَان لَا يسمع الْخُصُومَات بِنَفسِهِ يأثمون لِأَنَّهُ تَضْييع لأحكام الله تَعَالَى
وَفِي التَّنْبِيه وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا كَانَ القَاضِي فَقِيرا أَو قَصده اسْتِعْمَال الْأَحْكَام لحركة يجوز لَهُ أَن يطْلب الْقَضَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يتْرك القَاضِي على الْقَضَاء الا سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ مَتى اشْتغل بذلك نسي الْعلم فَيَقَع الْخلَل فِي الحكم فَيجوز للسُّلْطَان أَن يعْزل القَاضِي بريبة وَبِغير رِيبَة وَيَقُول السُّلْطَان للْقَاضِي مَا عزلتك للْفَسَاد فِيك وَلَكِن أخْشَى عَلَيْك أَن تنسى الْعلم فادرس الْعلم ثمَّ عد الينا حَتَّى نقدلك ثَانِيًا
وَلَا يسلم على القَاضِي فِي مجْلِس قَضَائِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جلس لفصل الْخُصُومَات لَا لرد السَّلَام وَأما الْأُمَنَاء الَّذين هم فِي مَجْلِسه هَل يسلم عَلَيْهِم الصَّحِيح أَنه إِن سلمُوا على النَّاس يسلم عَلَيْهِم
وَيكرهُ للْقَاضِي أَن يُفْتِي فِيهِ فِي مجْلِس للْقَضَاء وَفِي غَيره اخْتلف الْمَشَايِخ قيل يكره لِأَن الْخُصُوم يدْخلُونَ عَلَيْهِ بالحيل الْبَاطِلَة وَهَذَا يَشْمَل الْمجْلس وَغَيره وَقيل يُفْتِي فِي الْعِبَادَات وَلَا يُفْتِي فِي الْمُعَامَلَات كَذَا فِي الْمُحِيط
وَفِي المحلقات وَإِذا اخْتصم إِلَى القَاضِي اخوة أَو بَنو أعمام يَنْبَغِي لَهُ أَن يدافعهم قَلِيلا وَلَا يعجل بِالْقضَاءِ بَينهم لَعَلَّهُم يصطلحون لِأَن الْقَضَاء إِن وَقع بِحَق فَرُبمَا يَقع سَببا للعداوة بَينهم كَذَا ذكر هُنَا وَهَذَا لَا يخْتَص بالأقارب بل يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك أَيْضا إِذا وَقعت الْخُصُومَة بَين الْأَجَانِب لِأَن مر الْقَضَاء يُورث الضغينة فيحترز عَنهُ مَا أمكن انْتهى
قَالَ جلال الدّين أَبُو المحامد حَامِد بن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب السجلات يجوز للْقَاضِي أَخذ الْأُجْرَة على كتبه السجلات والمحاضر وَغَيرهَا من الوثائق بِمِقْدَار أُجْرَة الْمثل وَذَلِكَ لِأَن القَاضِي إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وإيصال الْحق إِلَى مُسْتَحقّه فَحسب أما الْكِتَابَة فَزِيَادَة عمل يعمله للمقضى لَهُ وعَلى هَذَا قَالُوا لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا على كِتَابَة جَوَاب الْفَتْوَى وَذَلِكَ لِأَن الْوَاجِب على الْمُفْتى الْجَواب بِاللِّسَانِ دون الْكِتَابَة بالبنان وَمَعَ هَذَا الْكَفّ عَن ذَلِك أولى احْتِرَازًا من القيل والقال وصيانة لماء الْوَجْه عَن الابتذال
مَسْأَلَة لَا يصير الرجل أَهلا للْفَتْوَى مَا لم يكن صَوَابه أَكثر من خطئه وَذَلِكَ لِأَن صَوَابه مَتى كثر غلب والمغلوب فِي مُقَابلَة الْغَالِب سَاقِط كَذَا فِي الملتقطات
وَذكر فِي الْبُسْتَان قَالَ الْفَقِيه كَانَ بَعضهم يكره الْفَتْوَى لما روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أجرأكم على النَّار أجرؤكم على الْفَتْوَى وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي جبارا فظا غليظا بل يكون متواضعا
مَسْأَلَة أجر الْمثل فِي أَخذ الْأُجْرَة على كِتَابَة المحاضر والسجلات والوثائق فِي كل ألف دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم إِلَى الْعشْرَة وَالصَّحِيح أَنه يرجع فِي الْأُجْرَة إِلَى مِقْدَار طول الْكِتَابَة وقصرها وصعوبتها وسهولتها وَأما أَخذ القَاضِي الْأُجْرَة على الْأَنْكِحَة الَّتِي يُبَاشِرهَا مثل نِكَاح الصغار والأرامل اللَّاتِي لَا ولي لَهُنَّ لَا يحل لَهُ أَخذ شَيْء على ذَلِك كَذَا فِي كتاب السجلات
وَفِي الغنية وَيَنْبَغِي أَن ينصب انسانا حَتَّى يقْعد النَّاس بَين يَدي القَاضِي ويقيمهم وَيقْعد الشُّهُود ويقيمهم ويزجر من أَسَاءَ الْأَدَب وَيُسمى صَاحب الْمجْلس والجلواز أَيْضا وَأَنه يَأْخُذ من الْمُدَّعِي شَيْئا لِأَنَّهُ يعْمل لَهُ بإقعاد الشُّهُود على التَّرْتِيب وَغَيره لَكِن لَا يَأْخُذ أَكثر من دِرْهَمَيْنِ وللوكلاء أَن يَأْخُذُوا مِمَّن يعْملُونَ لَهُ من المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم وَلَكِن لَا يَأْخُذُوا لكل مجْلِس أَكثر من دِرْهَمَيْنِ والرجالة يَأْخُذُونَ أُجُورهم مِمَّن يعْملُونَ لَهُ وهم المدعون لكِنهمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمصر نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَم وَإِذا خَرجُوا إِلَى الرساتيق

(1/219)


لَا يَأْخُذُونَ لكل فَرسَخ أَكثر من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة هَكَذَا وَضعه الْعلمَاء الأتقياء الْكِبَار وَهِي أجور أمثالهم وَأُجْرَة الْكَاتِب على من يكْتب لَهُ الْكَاتِب وَأُجْرَة البواب على القَاضِي وَإِذا بعث أَمينا للتعجيل فالجعل على الْمُدَّعِي كالصحيفة قَالَ مت مُؤنَة الرجالة على الْمُدَّعِي فِي الِابْتِدَاء فَإِذا امْتنع فعل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَكَأن هَذَا اسْتِحْسَان مَال إِلَيْهِ للزجر فَإِن الْقيَاس أَن يكون على الْمُدَّعِي فِي الْحَالين المزكى يَأْخُذ الْأُجْرَة من الْمُدَّعِي وَكَذَا الْمَبْعُوث للتعديل قضى فِي ولَايَته ثمَّ اشْهَدْ على قَضَائِهِ فِي غير ولَايَته لَا يَصح الْإِشْهَاد انْتهى كَلَام الغنية
روى أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما أَمر بفصل الْقَضَاء نزلت السلسلة من السَّمَاء فَإِذا تقدم إِلَيْهِ الخصمان فالمحق مِنْهُمَا تنزل السلسلة لَهُ والمبطل مِنْهُمَا تتقلص عَنهُ السلسلة فَرفعت وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَنه احتال بعض النَّاس وَذَلِكَ أَن رجلا أودع عِنْد رجل دَنَانِير ثمَّ جحد الْمُودع الدَّنَانِير وَكَانَ شَيخنَا مَعَه الْعَصَا فاختصما إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فاحتال الْمُودع وفقر الْعَصَا وَجعل الدَّنَانِير فِيهَا فَلَمَّا اخْتَصمَا قَامَ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ للْمُدَّعِي خُذ عصاي حَتَّى أنال السلسلة فَأَخذهَا فَكَانَ محقا فِي الْإِنْكَار فتحير دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَأخْبرهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَقطع دَاوُد الْعَصَا فَأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يقْضِي بِبَيِّنَة الْمُدَّعِي وَيَمِين الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
وَذكر فِي الْوَاقِعَات أَن القَاضِي إِذا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه أَو فسق ثمَّ صلح فَهُوَ على حَاله إِلَّا أَن مَا قضى بِهِ فِي حَال الارتداد وَالْفِسْق بَاطِل وبنفس الْفسق لَا يَنْعَزِل وَلَو حكم بالرشوة كَانَ قَضَاؤُهُ بَاطِلا
وَفِي فُصُول الْعِمَاد القَاضِي إِذا أَخذ الرِّشْوَة ثمَّ بعث إِلَى شَافِعِيّ الْمَذْهَب أَو إِلَى رجل آخر ليسمع الْخُصُومَة بَين اثْنَيْنِ وَيحكم بَينهمَا لَا ينفذ قَضَاء الثَّانِي وَلَا حكمه لِأَن القَاضِي الأول عمل فِي هَذَا لنَفسِهِ حِين أَخذ الرِّشْوَة وَالْفَاسِق إِذا قلد الْقَضَاء يصير قَاضِيا وَمَا قضى بِهِ نفذ قَضَاؤُهُ إِلَّا أَن لقاض آخر أَن يُبطلهُ إِذا كَانَ من رَأْيه خلاف ذَلِك وَمَتى أبْطلهُ لَيْسَ لقاض آخر أَن ينفذهُ وَهَذَا قَول عُلَمَائِنَا
قَاضِي كرخ وقاضي سرخس التقيا فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر إِن فلَانا أقرّ لفُلَان بِكَذَا لَا يجوز للْآخر أَن يقْضِي مَا لم يبْعَث إِلَيْهِ الرقعة يُرِيد بِهِ كتاب القَاضِي وَإِذا علم بِحَق الْإِنْسَان قبل تَقْلِيده الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِهِ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله خلافًا لَهما وَأما إِذا علم بعد تَقْلِيده الْقَضَاء فِي الْمصر الَّذِي هُوَ قَاض فِيهِ أَو فِي مجْلِس الْقَضَاء فَإِنَّهُ يقْضِي فِي حُقُوق الْعباد وَلَا يقْضِي فِيمَا هُوَ خَالص حق الله تَعَالَى إِلَّا فِي السَّكْرَان إِذا وجد بِهِ أَمَارَات السكر فَإِنَّهُ يعزره لِأَن ذَلِك تَعْزِير لَيْسَ بِحَدّ وَأما إِذا علم فِي غير مجْلِس الْقَضَاء فَهُوَ على الْخلاف الَّذِي ذكرته فِي الْوَجْه الأول
وَحكى عَن أبي بكر الْأَعْمَش أَن القَاضِي يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ الْأَمِير لَا يَنْعَزِل لِأَن مبْنى الْقَضَاء على الْعدْل والإمارة على الْقَهْر وَالْغَلَبَة انْتهى
رجل جَاءَ إِلَى القَاضِي وَقَالَ إِن لي على فلَان حَقًا فَإِذا كَانَ الْمَطْلُوب خَارج الْمصر وَكَانَ بِحَيْثُ لَو ابتكر من أَهله أمكنه أَن يحضر مجْلِس الْحَاكِم ويبيت فِي منزله فَإِنَّهُ يعديه اسْتِحْسَانًا فَإِنَّهُ كَمَا عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام أعدى ذَلِك الْأَعرَابِي فِي قَضِيَّة أبي جهل وَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَفسِهِ وَفِي الْقيَاس لَا يعديه حَتَّى يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ فِي جِهَته وَهَذِه الْبَيِّنَة لَيست للْحكم بل لكشف الْحَال فَإِذا حضر أعَاد الْبَيِّنَة وَقيل يحلف أَنه محق فِي الدَّعْوَى كَذَا فِي الْمُحِيط
وَفِي الرَّوْضَة يجوز للْقَاضِي قبُول صلَة وَإِلَى بَلَده وإخوانه إِذا لم يكن ذَلِك لأجل الْقَضَاء

(1/220)


رجل جَاءَ بخصمه إِلَى القَاضِي فَقَالَ أحضر غَدا شهودي بذلك فَخذ كَفِيلا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يفعل ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله
وَفِي أدب القَاضِي للخصاف لَا يمشي القَاضِي فِي السُّوق وَحده ويتخذ أعوانا بَين يَدَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي فِي غير مجْلِس الْقَضَاء مَا دَامَ قَاضِيا بل يولي غَيره مِمَّن يَثِق بِهِ ويروى عَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَنه يَبِيع وَيَشْتَرِي فِي غير مجْلِس الْقَضَاء وَلَو كَانَت على الْخصم بَيِّنَة واختفى فَإِنَّهُ لَا يقْضى عَلَيْهِ كَذَا فِي واقعات عمر وَفِي البزازي وَلم يجوزوا الهجوم على بَيته ووسع فِي ذَلِك بعض أَصْحَابنَا وَفعل ذَلِك وَقت قَضَائِهِ وَصورته قَالَ الْخصم إِنَّه توارى وَطلب الهجوم بعث أمينين مَعَهُمَا أعوانه وَنسَاء فَيقوم الأعوان من جَانب السِّكَّة والسطح وَتدْخل النِّسَاء حرمه ثمَّ أعوان القَاضِي فيفتشون الغرف وَتَحْت السرير وَعَامة أَصْحَابنَا لم يجوزوا الهجوم اه
وَلَو قضى القَاضِي بقول مرجوع عَنهُ جَازَ قَضَاؤُهُ وَكَذَا لَو قضى بقول يُخَالف قَول عُلَمَائِنَا وَهُوَ من أهل الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد وَلَو قضى بِشَاهِد وَيَمِين ثمَّ رفع إِلَى حَاكم لَا يرَاهُ جَازَ لَهُ إِبْطَاله فَإِن رفع قبل إِبْطَاله إِلَى حَاكم يرى جَوَازه فنفذه لَيْسَ لحَاكم آخر لَا يرَاهُ جَائِزا إِبْطَاله وعَلى هَذَا الِاعْتِبَار جَمِيع الْأَحْكَام الْمُخْتَلفَة وَإِن حكم بِخِلَاف مذْهبه وَلم يعلم بِهِ جَازَ فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز وَإِن كَانَ هَذَا غَلطا مِنْهُ
وَفِي شرح أدب القَاضِي للخصاف قَاض قضى بِإِبْطَال حق رجل فِي دَار وَذَلِكَ أَنه أَقَامَ سِنِين لَا يبطل حَقه فَأبْطل القَاضِي حَقه من أجل ذَلِك ثمَّ رفع إِلَى قَاض آخر فَإِنَّهُ يبطل قَضَاء القَاضِي بذلك وَيجْعَل الرجل على حَقه فِي الدَّار لِأَن بعض الْعلمَاء وَإِن قَالَ من لَهُ دَعْوَى فِي دَار فِي يَد رجل فَلم يُطَالب ثَلَاث سِنِين وَهُوَ فِي الْمصر فقد بَطل حَقه لَكِن هَذَا القَوْل قَول مَجْهُول مهجور مُخَالف لقَوْل جُمْهُور من الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء فَكَانَ خلافًا لَا اخْتِلَافا وَالْقَضَاء فِي مَوضِع الْخلاف لَا ينفذ فَإِذا رفع إِلَى قَاض آخر كَانَ لَهُ أَن يُبطلهُ وَالْفرق بَين الْخلاف وَالِاخْتِلَاف أَن الِاخْتِلَاف مَا كَانَ طريقهم وَاحِدًا وَالْمَقْصُود مُخْتَلف وَالْخلاف مَا كَانَ طريقهم مُخْتَلفا
وَقعت لرجل مَسْأَلَة ثمَّ حكم الْحَاكِم بِغَيْر مَا أفتوا بِهِ فَإِنَّهُ يتْرك فَتْوَى الْفُقَهَاء إِلَى مَا يرَاهُ الْحَاكِم إِذا كَانَت الْمَسْأَلَة خلافية لِأَن الْفَتْوَى لَا تنفذ وَالْحكم ينفذ كَذَا فِي تَكْمِلَة التكملة
وَذكر فِي الْمُحِيط إِذا زنى رجل بِأم امْرَأَته وَلم يدْخل بهَا فَرَأى القَاضِي أَن لَا يحرمها عَلَيْهِ فأقرها مَعَه وَقضى بذلك نفذ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ قَضَاء فِي مَحل مُجْتَهد فِيهِ ثمَّ نَفاذ هَذَا الْقَضَاء فِي حق الْمَحْكُوم عَلَيْهِ مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي حق المقضى لَهُ إِن كَانَ عَالما فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله إِن كَانَ الْمَحْكُوم لَهُ يعْتَقد الْحُرْمَة وَقضى القَاضِي بِالْحلِّ لَا يتْرك رَأْي نَفسه بِإِبَاحَة القَاضِي كَذَا فِي الْعِمَادِيّ
نوع فِيمَا يكون حكما من القَاضِي وَمَا لَا يكون إِذا قَالَ القَاضِي ثَبت عِنْدِي أَن لهَذَا على هَذَا كَذَا هَل يكون ذَلِك حكما مِنْهُ قَالَ بَعضهم يكون حكما وَكَانَ شمس الْأَئِمَّة مَحْمُود الأوزجندي يَقُول لَا بُد أَن يَقُول حكمت أَو قضيت أَو أنفذت عَلَيْك الْقَضَاء وَهَكَذَا ذكر الناطفي رَحمَه الله تَعَالَى فِي واقعاته وَالصَّحِيح أَن قَوْله حكمت أَو قضيت لَيْسَ بِشَرْط وَأَن قَوْله ثَبت عِنْدِي كَذَا يَكْفِي وَكَذَا إِذا قَالَ ظهر عِنْدِي أَو صَحَّ عِنْدِي أَو علمت فَهَذَا كُله حكم وَكَذَا قَوْله أشهد عَلَيْهِ يكون حكما مِنْهُ
قَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي قَول القَاضِي ثَبت عِنْدِي يكون حكما وَبِه نَأْخُذ لَكِن الأولى أَن يبين أَن

(1/221)


الثُّبُوت بِالْبَيِّنَةِ أَو بِالْإِقْرَارِ لِأَن حكم القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ يُخَالف الحكم بِالْإِقْرَارِ وَفِي الْعدة إِذا قَالَ القَاضِي للْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَا أرى لَك حَقًا فِي هَذَا الْمُدَّعِي لَا يكون هَذَا حكما مِنْهُ وَكَذَا لَو قَالَ بعد الشَّهَادَة وَطلب الحكم سلم الْمَحْدُود إِلَى الْمُدَّعِي لَا يكون هَذَا حكما مِنْهُ وَقيل انه يكون حكما مِنْهُ لِأَن أمره إِلْزَام وَحكم
إِذا كَانَ فِي الْمصر قاضيان كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي محلّة على حِدة فَوَقَعت خُصُومَة بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا فِي محلّة وَالْآخر فِي محلّة أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيد أَن يخاصمه إِلَى قَاضِي محلته وَالْآخر يأباه قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله الْعبْرَة للْمُدَّعِي وَقَالَ مُحَمَّد لَا بل الْعبْرَة للْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَكَذَا لَو كَانَ أَحدهمَا من أهل الْعَسْكَر وَالْآخر من أهل الْبَلَد فَإِن أَرَادَ العسكري أَن يخاصمه إِلَى قَاضِي الْعَسْكَر فَهُوَ على هَذَا وَلَا ولَايَة لقَاضِي الْعَسْكَر على غير الجندي وَمن كَانَ محترفا فِي سوق الْعَسْكَر فَهُوَ جندي أَيْضا
وَفِي جَامع الْفَتَاوَى عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى قُضَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا خَرجُوا مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُم أَن يحكموا فِي أَي بَلْدَة نزل فِيهَا الْخَلِيفَة لأَنهم لَيْسُوا قُضَاة أَرض إِنَّمَا هم قُضَاة الْخَلِيفَة وَإِن خَرجُوا بِدُونِ الْخَلِيفَة لَيْسَ لَهُم الْقَضَاء
وَذكر الْعَلامَة الشَّيْخ قَاسم بن قطلوا بغى الجمالي فِي مُؤَلفه مَا نَصه اعْلَم أَنه قد اخْتلف الْعَمَل فِي التَّنْفِيذ فتنفيذهم الْآن هُوَ أَن يشْهد شُهُود الْحَاكِم عِنْد قَاض آخر بِمَا نسب إِلَى الْحَاكِم فِي أسجاله وَهَذَا يُسمى فِي الْحَقِيقَة إِثْبَاتًا وَلَيْسَ فِيهِ حكم وَلَا مَا يساعد على الحكم فَلَا اثر لَهُ فِي الْقَضَاء الْمُخْتَلف فِيهِ كالقضاء على الْغَائِب وَنَحْوه لخلوه عَن الدَّعْوَى من الْخصم على الْخصم وَالْحكم وَلِهَذَا قَالَ فِي كتاب الْأَحْكَام تنفيذات الْأَحْكَام الصادرة عَن الْحُكَّام فِيمَا تقدم الحكم فِيهِ من غير المنفذ بِأَن يَقُول ثَبت عِنْدِي أَنه ثَبت عِنْد فلَان لحَاكم من الْحُكَّام كَذَا وَكَذَا وَهَذَا لَيْسَ حكما من المنفذ الْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ فَيجب إِذا قَالَ ثَبت عِنْدِي أَن فلَانا حكم بِكَذَا وَهَذَا لَيْسَ حكما من هَذَا الْمُثبت بل لَو اعْتقد أَن ذَلِك الحكم على خلاف الْإِجْمَاع صَحَّ أم يَقُول ثَبت عِنْدِي أَنه ثَبت عِنْد فلَان كَذَا وَكَذَا لِأَن التَّصَرُّف الْفَاسِد وَالْحرَام قد يثبت عِنْد الْحَاكِم ليرتب عَلَيْهِ تَأْدِيب ذَلِك الْحَاكِم أَو نَحوه
وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي التَّنْفِيذ حكم الْبَتَّةَ وَلَا يعْتَبر بِكَثْرَة الْإِثْبَات عِنْد الْحُكَّام فَهُوَ حكم وَاحِد وَهُوَ الأول إِلَّا أَن يَقُول الثَّانِي حكمت بِمَا حكم بِهِ الأول اه
قلت وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ أَن يَقُول حكمت بِمَا حكم بِهِ الأول إِلَّا بعد أَن يجْرِي بَين يَدَيْهِ خُصُومَة صَحِيحَة من خصم على خصم
القَاضِي إِذا نصب وَصِيّا فِي تَرِكَة أَيْتَام وهم فِي ولَايَته والتركة لَيست فِي ولَايَته أَو كَانَت التَّرِكَة فِي ولَايَته والأيتام لم يَكُونُوا فِي ولَايَته أَو كَانَ بعض التَّرِكَة فِي ولَايَته وَالْبَعْض الآخر لم يكن فِي ولَايَته قَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي يَصح النصب على كل حَال وَيعْتَبر التظالم والاستعداء وَيصير الْوَصِيّ وَصِيّا فِي جَمِيع التَّرِكَة أَيْنَمَا كَانَت التَّرِكَة وَكَانَ ركن الْإِسْلَام على السغدي يَقُول مَا كَانَ من التَّرِكَة فِي ولَايَته يصير وَصِيّا فِيهِ ومالا يكون فَلَا وَقيل يشْتَرط لصِحَّة النصب كَون الْيَتِيم فِي ولَايَته وَلَا يشْتَرط كَون التَّرِكَة فِي ولَايَته
وَلَو نصب القَاضِي مُتَوَلِّيًا فِي وقف وَلم يكن الْوَقْف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي ولَايَته قَالَ شمس الْأَئِمَّة إِذا وَقعت الْمُطَالبَة فِي مجْلِس صَحَّ النصب وَقَالَ ركن الْإِسْلَام لَا يَصح وَإِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي ولَايَته وَلم تكن ضَيْعَة الْوَقْف فِي ولَايَته فَإِن كَانَت لطلبة الْعلم أَو رِبَاطًا أَو مَسْجِدا فِي مصره وَلم تكن ضَيْعَة الْوَقْف

(1/222)


فِي ولَايَته قَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى يعْتَبر التظالم والاستعداء وَقَالَ ركن الْإِسْلَام إِذا كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَاضرا يجوز
وَذكر فِي مَجْمُوع النَّوَازِل قَاضِي سَمَرْقَنْد نصب قيمًا فِي مَحْدُود وقف ببخارى وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ بسمرقند صحت الدَّعْوَى والسجل
وروى عَن بعض الْمَشَايِخ القَاضِي إِذا نصب وَصِيّا فِي تَرِكَة لَيست فِي ولَايَته لَا يجوز وَهُوَ فَتْوَى صَاحب الْفُصُول وفتوى مَشَايِخ مرو وَقَالَ الإِمَام شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي يجوز وَالْعبْرَة للخصومة وَذكر رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ الْيَتِيم إِذا كَانَ من بُخَارى لَا يجوز نصب الْوَصِيّ من قَاضِي سَمَرْقَنْد وَلَو كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ بسمرقند وَالْمُتوَلِّيّ وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ ببخارى صَحَّ حكم قَاضِي بُخَارى بِأَنَّهُ وقف على فلَان وَيكون الْمُتَوَلِي قَائِما مقَام الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَيكْتب إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْد ليسلم إِلَى الْمُتَوَلِي اه
وَفِي الْوَلْوَالجيّ وَيقبل كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي كل حق يسْقط بِشُبْهَة لِأَن كِتَابه كالخطاب فِي مجْلِس قَضَائِهِ بِخِلَاف رِسَالَة القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي الْحُقُوق فَإِنَّهَا لَا تقبل لِأَن الرَّسُول ينْقل خطاب الْمُرْسل وَالنَّقْل اقْتصر على هَذَا الْموضع والمرسل فِي هَذَا الْموضع لَيْسَ بقاض وَقَول القَاضِي فِي غير مَوضِع قَضَائِهِ كَقَوْل وَاحِد من الرّعية
وَفِي المنبع وَإِذا مَاتَ الْكَاتِب أَو عزل أَو خرج عَن أَهْلِيَّة الْقَضَاء بِأَن ارْتَدَّ أَو عمى أَو جن أَو فسق هَل يعْمل القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بكتابه ينظر إِن كَانَ ذَلِك عرض لِلْكَاتِبِ قبل الْوُصُول إِلَى الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَو بعد الْوُصُول وَقبل الْقِرَاءَة لم يقْض بِهِ الثَّانِي عِنْدهمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الأمالي يقْضِي بِهِ وَلَو وصل إِلَيْهِ ثمَّ عرضت لَهُ هَذِه الْأَشْيَاء يقْضِي بِهِ بِالْإِجْمَاع وَكَذَا لَو مَاتَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَو عزل قبل وُصُول الْكتاب إِلَيْهِ ثمَّ وصل إِلَى القَاضِي الَّذِي ولى مَكَانَهُ لم يعْمل بِهِ لِأَنَّهُ لم يكْتب إِلَيْهِ الا إِذا كتب إِلَى فلَان قَاضِي بلد كَذَا أَو إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين فَإِنَّهُ يجوز أَن يقْضِي بِهِ من قَامَ مقَام الْمَكْتُوب إِلَيْهِ لِأَن الْكَاتِب إِذا عرف الأول صحت كِتَابَة القَاضِي إِلَيْهِ وَلَو كتب ابْتِدَاء من فلَان قَاضِي بلد كَذَا إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز تسهيلا لِلْأَمْرِ على النَّاس
نوع فِي الْعَزْل تَعْلِيق عزل القَاضِي بِالشّرطِ جَائِز وَقَالَ ظهير الدّين المرغيناني وَنحن لَا نفتي بِصِحَّة تَعْلِيق الْعَزْل بِالشّرطِ
أَرْبَعَة خِصَال إِذا حلت بِالْقَاضِي صَار معزولا ذهَاب الْبَصَر وَذَهَاب السّمع وَذَهَاب الْعقل وَالرِّدَّة وَإِذا عزل السُّلْطَان القَاضِي لَا يَنْعَزِل مَا لم يصر الْخَبَر إِلَيْهِ كَالْوَكِيلِ حَتَّى لَو قضى بقضايا قبل وُصُول الْخَبَر إِلَيْهِ تنفذ وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّه لَا يَنْعَزِل وَإِن علم بعزله مَا لم يُقَلّد غَيره مَكَانَهُ وَيقدم صِيَانة لحقوق النَّاس ونعتبره بِإِمَام الْجُمُعَة إِذا عزل وَهَذَا إِذا حصل الْعَزْل مُطلقًا أما إِذا حصل مُعَلّقا بِشَرْط وُصُول الْكتاب إِلَيْهِ لَا يَنْعَزِل مَا لم يصل إِلَيْهِ الْكتاب علم بِالْعَزْلِ قبل وُصُول الْكتاب إِلَيْهِ أَو لم يعلم وَرِوَايَة أبي يُوسُف تتأتى هُنَا أَيْضا
موت السُّلْطَان لَا يُوجب عزل القَاضِي حَتَّى لَو مَاتَ الْخَلِيفَة وَله أُمَرَاء وقضاة فهم على حَالهم وَلَيْسَ هَذَا كَالْوكَالَةِ وَكَذَا موت القَاضِي لَا يُوجب عزل النَّائِب وَلَو عزل السُّلْطَان القَاضِي يَنْعَزِل نَائِبه بِخِلَاف

(1/223)


مَا إِذا مَاتَ القَاضِي حَيْثُ لَا يَنْعَزِل نَائِبه هَكَذَا قيل وَيَنْبَغِي أَن لَا يَنْعَزِل النَّائِب بعزله القَاضِي لِأَنَّهُ نَائِب السُّلْطَان أَو نَائِب الْعَامَّة أَلا ترى أَنه لَا يَنْعَزِل بِمَوْت القَاضِي وَعَلِيهِ كثير من مَشَايِخنَا وَإِذا عزل السُّلْطَان نَائِب القَاضِي لَا يَنْعَزِل القَاضِي
القَاضِي إِذا قَالَ عزلت نَفسِي أَو أخرجت نَفسِي عَن الْقَضَاء وَسمع السُّلْطَان يَنْعَزِل كَمَا فِي الْوَكِيل أما بِدُونِ سَماع السُّلْطَان فَلَا وَقيل لَا يَنْعَزِل القَاضِي بعزله نَفسه أصلا لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْعَامَّة وَحقّ الْعَامَّة مُتَعَلق بِقَضَائِهِ فَلَا يملك عزل نَفسه كَذَا فِي الْفُصُول
وَفِي جَامع الفتاوي كَانَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر يَقُول كَانَ الْفَقِيه أَبُو بكر الاسكاف يَقُول تَوْلِيَة الْحُكَّام الْقُضَاة فِي دِيَارنَا غير صَحِيح لِأَن الْمولى لَا يواجههم بالتقليد
وَفِي شرح الْوِقَايَة وَصَحَّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غير حد وقود اعْتِبَارا بشهادتها قلت الْجِهَة الجامعة بَينهمَا كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر
السُّلْطَان إِذا حكم بَين اثْنَيْنِ لَا ينفذ وَقيل ينفذ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
بَاعَ الْمُدبر وَأم الْوَلَد ثمَّ ارتفعا إِلَى القَاضِي فَأجَاز بيعهمَا ثمَّ ارتفعا إِلَى قَاض آخر يمْضِي الْقَضَاء إِلَّا فِي أم الْوَلَد لِأَنَّهُ روى أَن عليا رَضِي الله عَنهُ رَجَعَ عَنهُ
نوع فِي الْحَبْس يحبس بدانق وَفِي كل دين مَا خلا دين الْوَالِدين أَو الأجداد أَو الْجدَّات لوَلَده وَيحبس الْمُسلم بدين الذِّمِّيّ والمستأمن وَعَكسه وَإِذا حبس الْكَفِيل يحبس الْمَكْفُول عَنهُ مَعَه وَإِذا لوزم يلازمه لَو كَانَت الْكفَالَة بأَمْره وَإِلَّا لَا وَلَا يَأْخُذ المَال قبل الْأَدَاء
دلّت الْمَسْأَلَة على جَوَاب الْوَقْعَة وَهُوَ أَن الْمَكْفُول لَهُ يتَمَكَّن من حبس الْأَصِيل وَالْكَفِيل وكفيل الْكَفِيل وَإِن كَثُرُوا وَإِذا خَافَ فراره قَيده وَلَا يخرج لجمعة وَلَا عيد وَلَا جَنَازَة وَلَا عِيَادَة مَرِيض وَيحبس فِي مَوضِع وَحش وَلَا يفرش لَهُ فرَاش وَلَا وطاء وَلَا يدْخل عَلَيْهِ من يسْتَأْنس بِهِ وَفِي الْأَقْضِيَة وَلَا يمْنَع من دُخُول الْجِيرَان عَلَيْهِ وَأَهله لاحتياجه إِلَى الشورى فِي الْقَضَاء وَلَا يمكنون من الْمكْث عِنْده طَويلا وَعَن مُحَمَّد أَنه يخرج فِي موت وَالِده وَولده لَا فِي غَيرهمَا إِذا لم يكن من يقوم عَلَيْهِمَا وَإِلَّا لَا
وَذكر القَاضِي أَن الْكَفِيل يخرج لجنازة الْوَالِدين والأجداد والجدات وَالْأَوْلَاد وَفِي غَيرهم لَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو بكر الاسكاف إِذا جن لَا يخرج وَلَو مرض فِي الْحَبْس واضناه وَلم يجد من يقوم عَلَيْهِ أخرجه كَذَا عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَهَذَا إِذا غلب عَلَيْهِ الْهَلَاك وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا يُخرجهُ والهلاك فِي الْحَبْس وَغَيره سَوَاء وَالْفَتْوَى على رِوَايَة مُحَمَّد وَإِنَّمَا يُطلقهُ إِذا أطلقهُ بكفيل وَإِن لم يجد كَفِيلا لَا يُطلقهُ وحضرة الْخصم بعد التكفيل للإطلاق لَيْسَ بِشَرْط وَلَا يخرج إِلَى الْحمام
وَعَن الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يمْنَع عَن الْوَطْء بِخِلَاف الْأكل لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ وَالظَّاهِر عدم الْمَنْع لَكِن تدخل عَلَيْهِ زَوجته أَو أمته حَتَّى يَطَأهَا فِي مَوضِع خَال قَالَ وَيمْنَع من الْكسْب فِي الْأَصَح وَإِن خَافَ أَن يفر من الْحَبْس حول إِلَى سجن اللُّصُوص وَإِذا حبس الْمَحْبُوس فِي السجْن مُتَعَنتًا لَا يُوفى المَال قَالَ الإِمَام الأرسابيدي يطين عَلَيْهِ الْبَاب وَيتْرك لَهُ ثقبة يلقى لَهُ مِنْهَا المَاء وَالْخبْز وَقَالَ القَاضِي الرَّأْي فِيهِ إِلَى القَاضِي وَيتْرك لَهُ دست من الثِّيَاب وَيُبَاع الْبَاقِي وَإِن كَانَت لَهُ ثِيَاب حَسَنَة بَاعهَا القَاضِي وَاشْترى لَهُ الْكِفَايَة وَصرف

(1/224)


الْفضل إِلَى الدّين وَيُبَاع مَالا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْحَال حَتَّى اللبد فِي الصَّيف والنطع فِي الشتَاء وَلَو كَانَ لَهُ كانون من حَدِيد يُبَاع ويشترى لَهُ من الطين وَعَن شُرَيْح رَحمَه الله تَعَالَى أَنه بَاعَ الْعِمَامَة
وَلَو أفلس المُشْتَرِي إِن كَانَ قبل الْقَبْض يَبِيع القَاضِي الْمَبِيع للثّمن وَعند الامام رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَبِيع الْعقار وَلَا الْعرُوض وَقَالَ عِصَام لَا يَبِيع الْعقار إِجْمَاعًا وَالْخلاف فِي الْمَنْقُول وَقيل يَبِيع الْعقار عِنْدهمَا وَهُوَ الْأَصَح
وَفِي شرح الْقَدُورِيّ فِي المَال الْحَاضِر وَفِي الْغَائِب لَا يَبِيع الْعقار وَلَا الْعرُوض وَإِن ظفر بِالدَّنَانِيرِ وَله عَلَيْهِ دَرَاهِم فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يَأْخُذ وَفِي الصُّغْرَى أَنه يَأْخُذ قَالَ الْمَدْيُون أبيع عرضي وأوفي ديني أَجله القَاضِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يحْبسهُ وَلَو كَانَ لَهُ عقار يحْبسهُ ليَبِيعهُ وَيَقْضِي الدّين وَلَو كَانَ بِثمن قَلِيل وَإِذا وجد الْمَدْيُون من يقْرضهُ ليقضي بِهِ دينه فَلم يفعل فَهُوَ ظَالِم وَإِن أَرَادَ الدَّائِن إِطْلَاقه بِلَا حُضُور القَاضِي لَهُ ذَلِك فَإِن كَانَ أَمر الْمَدْيُون ظَاهرا عِنْد النَّاس فَالْقَاضِي يقبل بَيِّنَة الْإِعْسَار ويخليه قبل الْمدَّة الَّتِي نذكرها وَإِن كَانَ أمره مُشكلا هَل تقبل الْبَيِّنَة قبل الْحَبْس فِيهِ رِوَايَتَانِ اخْتَار الإِمَام الفضلى الْقبُول وَعَامة الْمَشَايِخ عدم الْقبُول
وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي يسْأَل القَاضِي عَنْهَا بعد الْحَبْس فقدردها الفضلى فِي كتاب الْكفَالَة بشهرين أَو ثَلَاثَة وَفِي رِوَايَة الْحسن بأَرْبعَة وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ بِنصْف الْحول وَالصَّحِيح تفويضه إِلَى رَأْي القَاضِي لِأَنَّهُ للضجر والتسارع إِلَى قَضَاء الدّين وأحوال النَّاس فِي ذَلِك مُتَفَاوِتَة وَلَا يشْتَرك فِي بَيِّنَة الْإِعْسَار حَضْرَة الْمُدَّعِي فَإِن برهن الْمَطْلُوب على الْإِعْسَار والطالب على الْيَسَار فَبَيِّنَة الطَّالِب أولى كبينة الْإِبْرَاء مَعَ بَيِّنَة الْإِقْرَار انْتهى وَلَا يشْتَرط بَيَان مَا بِهِ يثبت الْيَسَار
وَذكر القَاضِي يسْأَل القَاضِي عَن الْمَحْبُوس بعد مُدَّة فَإِن أخبر بالإعسار أَخذ مِنْهُ كَفِيلا وخلاه إِن كَانَ صَاحب الدّين غَائِبا وَلَو كَانَ لمَيت على رجل دين وَله وَرَثَة صغَار وكبار لَا يُطلقهُ من الْحَبْس قبل الاستيثاق بكفيل الصغار وَقَالَ الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى يثبت الإفلاس بقول الشُّهُود هُوَ فقر لَا نعلم لَهُ مَالا وَلَا عرضا وَلَا مَا يخرج بِهِ عَن الْفقر وَعَن الصفار يشْهدُونَ أَنه مُفلس معدم لَا نعلم لَهُ مَالا سوى كسوته واختبرناه سرا وعلنا فَإِن لم يخبر أحد عَن حَاله لَكِن ادّعى الْمَدْيُون الْإِعْسَار والدائن الْيَسَار قَالَ فِي التَّجْرِيد لَا يصدق فِي كل دين لَهُ بدل كَثمن أَو قرض أَو حصل بِعقد أَو الْتِزَام كصداق أَو كَفَالَة وَفِي جَامع الصَّدْر رَحمَه الله لَا يصدق فِي الْمهْر الْمُعَجل وَيصدق فِي الْمُؤَجل وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَفِي الأَصْل لَا يصدق فِي الصَدَاق بِلَا فصل بَين مؤجله ومعجله وَفِي الْأَقْضِيَة وَكَذَا لَا يصدق فِي نفقات الْأَقَارِب والزوجات وارش الْجِنَايَات
رب الدّين إِذا ادّعى أَن لَهُ مَالا بعد مَا برهن على الافلاس يحلف عِنْد الامام رَحمَه الله قَالَ الامام الْحلْوانِي لَو طلب الْمَحْبُوس يَمِين الطَّالِب أَنه لَا يعرف أَنه معدم يحلفهُ فَإِن نكل أطلقهُ وَإِن حلف أَبَد حَبسه
وَيجوز الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد لغير الصَّلَاة لملازمة الْغَرِيم وَقَالَ القَاضِي الْمَذْهَب عندنَا أَنه لَا يلازمه فِي الْمَسْجِد لِأَنَّهُ بني لذكر الله تَعَالَى وَبِه يُفْتى
قَالَ هِشَام سَأَلت مُحَمَّدًا رَحمَه الله عَمَّن أخرج من السجْن عَن تفليس قَالَ يلازمه لِأَنَّهُ لَا علم لنا بِحَالهِ لَعَلَّه أخْفى مَاله فتخرجه الْمُلَازمَة ذكر الْمُلَازمَة واراد بِهِ الْحَبْس بِدَلِيل التفاريع قَالَ قلت لَهُ فَإِن كَانَت

(1/225)


الْمُلَازمَة أضرّ بالعيال لكَونه مِمَّن يتكسب بالسعي فِي الطرقات قَالَ آمُر رب الدّين أَن يُوكل غُلَاما لَهُ يكون مَعَه وَلَا أمْنَعهُ عَن طلب مَا يقوته وَعِيَاله يَوْمه وَإِن شَاءَ تَركه أَيَّامًا ثمَّ لَازمه على قدر ذَلِك قَالَ قلت لَهُ إِن كَانَ عَاملا يعْمل بِيَدِهِ قَالَ إِن كَانَ عملا يقدر أَن يعمله حَيْثُ يلازمه لَازمه وَإِن كَانَ عملا لَا يقدر مَعَه على الطّلب خرج وَطلب وَإِن كَانَ فِي ملازمته ذهَاب قوته وَعِيَاله أكلفه أَن يُقيم كَفِيلا بِنَفسِهِ ثمَّ نخلي سَبيله
إِذا قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة وَطلب يَمِين خَصمه لَا يستحلفه القَاضِي لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يُقيم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بعد الْحلف ويفضحه بذلك وَقد أمرنَا بالستر وَقَالا لَهُ أَن يحلفهُ قَالَ الامام الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى إِن شَاءَ القَاضِي مَال إِلَى قَوْله وَإِن شَاءَ مَال إِلَى قَوْلهمَا كَمَا قَالُوا فِي التَّوْكِيل بِلَا رضَا الْخصم يَأْخُذ بِأَيّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ
نقد الْمَحْبُوس الدّين والدائن غَائِب إِن شَاءَ القَاضِي أَخذ الدّين وَوَضعه عِنْد عدل وَأطْلقهُ وَإِن شَاءَ أطلقهُ بكفيل ثِقَة بِنَفسِهِ وبالمال وَفِي النَّوَازِل وَكَذَا لَو برهن الْمَحْبُوس على الإفلاس وَرب الدّين غَائِب
وَاسْتحْسن بعض الْمُتَأَخِّرين أَن تحبس الْمَرْأَة إِذا حبس الزَّوْج وَكَانَ قَاضِي عَنْبَسَة يحبسها مَعَه صِيَانة لَهَا عَن الْفُجُور
قَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ للْقَاضِي أخذت الرِّشْوَة من غريمي وقضيت عَليّ عزره
وَمن أَخذ من السُّلْطَان مَالا حَرَامًا فَحق الْخُصُومَة فِي الْآخِرَة لصَاحب الْحق مَعَ السُّلْطَان وَمَعَ الْقَابِض إِن لم يخلطه السُّلْطَان وَبعد الْخَلْط عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى يكون مَعَ السُّلْطَان لَا غَيره
إِذا أَرَادَ أَن يذهب مَعَ خَصمه إِلَى السُّلْطَان لَا إِلَى القَاضِي يجوز لَهُ ذَلِك شرعا وَلَا يُفْتى بِهِ لكنه إِن عجز عَن الإستيفاء عِنْد القَاضِي ذهب إِلَى السُّلْطَان
القَاضِي إِذا قَاس مَسْأَلَة على مَسْأَلَة وَحكم ثمَّ ظَهرت رِوَايَة بِخِلَافِهِ فالخصومة للْمُدَّعِي عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ القَاضِي وَالْمُدَّعِي أما مَعَ الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ آثم بِأخذ المَال وَأما مَعَ القَاضِي فَلِأَنَّهُ آثم بِالِاجْتِهَادِ لِأَن أحدا لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد فِي زَمَاننَا وَبَعض أذكياء خوارزم قَاس الْمُفْتِي على القَاضِي فأوردت عَلَيْهِ أَن القَاضِي صَاحب مُبَاشرَة الحكم والمفتي سَبَب للْحكم فَكيف يُؤَاخذ السَّبَب مَعَ الْمُبَاشر فَانْقَطع وَكَانَ لَهُ أَن يَقُول القَاضِي فِي زَمَاننَا ملْجأ إِلَى الحكم بعد الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَو ترك يلام لِأَنَّهُ غير عَالم حَتَّى يقْضى بِعِلْمِهِ كَذَا فِي البزازي