لسان
الحكام في معرفة الأحكام الْفَصْل الثَّانِي فِي أَنْوَاع
الدَّعَاوَى والبينات
الْمُدَّعِي من لَا يجْبر على الْخُصُومَة إِذا تَركهَا وَالْمُدَّعِي
عَلَيْهِ من يجْبر على الْخُصُومَة أَي على الْجَواب وَقَالَ مُحَمَّد
رَحمَه الله فِي الأَصْل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ هُوَ الْمُنكر وَإِنَّمَا
اقْتصر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا عرف الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عرف الْمُدَّعِي
وَلَو كَانَت الدَّعْوَى غير صَحِيحَة فَادّعى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الدّفع
هَل يسمع وَهل يُمكن إِثْبَات دَفعه من غير تَصْحِيح الدَّعْوَى اخْتلف
الْمَشَايِخ فِيهِ وَفِي كتاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَات مَا يدل على أَن
الْمُدَّعِي للدَّفْع يُطَالب بتصحيح الدَّعْوَى كَذَا فِي المنبع
وَفِي الْمُحِيط القَاضِي مُخَيّر إِن شَاءَ سَأَلَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
جَوَابه وَإِن شَاءَ نظر إِلَيْهِ وَإِذا سَأَلَهُ وَجب عَلَيْهِ الْجَواب
وَإِذا وَجب عَلَيْهِ الْجَواب فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يقْرَأ وينكر أَو
يسكت فَإِن أقرّ قضى القَاضِي على الْمُدَّعِي
(1/226)
عَلَيْهِ بِمُوجب إِقْرَاره لظُهُور صدق
دَعْوَاهُ بِالْإِقْرَارِ وَإِن أنكر سَأَلَ القَاضِي من الْمُدَّعِي
الْبَيِّنَة المظهرة لصدق دَعْوَاهُ فَقَالَ أَلَك بَيِّنَة لقَوْله
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين اخْتصم الْحَضْرَمِيّ والكندي بَين
يَدَيْهِ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينه
فَإِن أحضرها قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذا آتِي الْمُدَّعِي
بِشَاهِد فقد ترجح جَانب جِهَة الصدْق بِهِ لَكِن عَارضه شَهَادَة الأَصْل
فَإِن الذمم خلقت فِي الأَصْل بَريَّة وَعَن الْحُقُوق عرية فَلَا بُد من
شَاهد آخر ليَكُون شغلها بِحجَّة قَوِيَّة اه
وَفِي المنبع قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِذا قَالَ
الْمُدَّعِي لَيْسَ لي بَيِّنَة على هَذَا الْحق ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة
على ذَلِك لم تقبل لِأَنَّهُ أكذب بَينته
وَفِي الْبَدَائِع وَإِن قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَة لي ثمَّ جَاءَ
بِالْبَيِّنَةِ هَل تقبل روى الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنَّهَا
تقبل وروى عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّهَا لَا تقبل
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة وَإِذا قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد
سُؤال القَاضِي إِيَّاه عَن الدّفع لَا دفع لي ثمَّ جَاءَ بِالدفع فقد قيل
يجب أَن تكون الْمَسْأَلَة على الْخلاف بَين أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا
الله تَعَالَى بِنَاء على هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَا يحفظ عَن أبي يُوسُف
رِوَايَة فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الْمُدَّعِي
كل بَيِّنَة آتى بهَا فهم شُهُود زور وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل شَهَادَة
يشْهد لي بهَا فَلَا وَفُلَان على فلَان بِهَذَا الْحق فَلَا حق لي فِيهَا
ثمَّ ادّعى بعد ذَلِك شَهَادَتهمَا عَلَيْهِ وَجَاء بهما يَشْهَدَانِ
عَلَيْهِ فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَدفع الدَّعْوَى كَمَا هُوَ الصَّحِيح
فَكَذَلِك دفع الدّفع وَكَذَلِكَ دفع دفع الدّفع فَصَاعِدا هُوَ
الْمُخْتَار
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل ادّعى على رجل شَيْئا من الدَّنَانِير
وَالدَّرَاهِم وَالْعرُوض والضياع وَأنكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كُله
وَأَرَادَ تَحْلِيفه فَالْقَاضِي يجمع الْكل ويحلفه يَمِينا وَاحِدًا وَفِي
المنبع هَذَا إِذا حلف فَإِن نكل عَن الْيَمين وَلم يحلف يقْضِي القَاضِي
بِالنّكُولِ فِي أول مرّة وَهُوَ الْمَذْهَب حَتَّى لَو قضى بِالنّكُولِ
مرّة نفذ قَضَاؤُهُ فِي الصَّحِيح إِلَّا أَن الْخصاف قَالَ يَنْبَغِي
للْقَاضِي أَن يَقُول لَهُ إِنِّي أعرض عَلَيْك الْيَمين ثَلَاث مَرَّات
فَإِن حَلَفت وَإِلَّا قضيت عَلَيْك وَفِي الْكَافِي وَفِي التَّقْدِير
بِالثلَاثِ فِي عرض الْيَمين لَازم فِي الْمَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف
وَمُحَمّد وَبِه قَالَ احْمَد وَلَكِن الْجُمْهُور على أَن الْعرض ثَلَاثًا
بطرِيق الِاحْتِيَاط وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَذكر فِي الْمُحِيط وَلَو قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد مَا نكل عَن
الْيَمين ثَلَاث مَرَّات أَنا أَحْلف يحلفهُ قبل الْقَضَاء بِالنّكُولِ
وَبعد الْقَضَاء لَا يحلفهُ وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فعل
لَا يقْضِي بِالنّكُولِ وَلَكِن ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَهُوَ
مَذْهَب مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى وَفِي الْمُحِيط وَيجوز رد
الْيَمين على الْمُدَّعِي على وَجه الصُّلْح وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير
أَن الصُّلْح عَن الْيَمين جَائِز حَتَّى لَا يكون لَهُ أَن يستحلفه على
ذَلِك أبدا فَلَمَّا جَازَ الصُّلْح جَازَ أَيْضا رد الْيَمين إِلَى
الْمُدَّعِي على وَجه الصُّلْح
وَفِي الذَّخِيرَة رجل لَهُ على آخر ألف دِرْهَم مُؤَجّلَة فَطلب رب الدّين
من الْمَدْيُون كَفِيلا فَالْقَاضِي لَا يجْبرهُ على إِعْطَاء الْكَفِيل
وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة عَن أَصْحَابنَا رَحِمهم الله إِن لَهُ أَن
يُطَالِبهُ بِإِعْطَاء الْكَفِيل وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا وَلَو طلب
المُشْتَرِي من البَائِع كَفِيلا بالدرك لَو ظهر لَهُ ذَلِك فِي الدّين
الْمُؤَجل أولى
وَفِي الْمُنْتَقى قَالَ رب الدّين مديوني يُرِيد السّفر لَهُ التكفيل
وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا
وَفِي البزازي قَالَت زَوجي يُرِيد أَن يغيب فَخذ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلا
لَا يجبيها الْحَاكِم إِلَى ذَلِك لِأَنَّهَا لم تجب
(1/227)
بعد عَلَيْهِ وَاسْتحْسن الامام الثَّانِي
رَحمَه الله تَعَالَى أَخذ الْكَفِيل رفقا بهَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَيجْعَل كَأَنَّهُ كفل بِمَا ذاب لَهَا عَلَيْهِ
وَفِي الْمُحِيط لَو أفتى بقول الإِمَام الثَّانِي رَحمَه الله تَعَالَى
فِي سَائِر الدُّيُون بِأخذ الْكَفِيل كَانَ حسنا رفقا بِالنَّاسِ
عين فِي يَد رجل ادّعى آخر أَنَّهَا ملكه اشْتَرَاهَا من فلَان الْغَائِب
وَصدقه ذُو الْيَد على ذَلِك فَالْقَاضِي لَا يَأْمر ذَا الْيَد
بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يكون قَضَاء على الْغَائِب
بِالشِّرَاءِ بِإِقْرَارِهِ كَذَا فِي الْعِمَادِيّ وَفِيه ايضا إِذا ادّعى
على رجل أَنه كفل عَن فلَان بِمَا يذوب لَهُ عَلَيْهِ فَأقر الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأنكر الْحق فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة
أَنه ذاب لَهُ على فلَان كَذَا فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بهَا فِي حق
الْكَفِيل الْحَاضِر وَفِي حق الْغَائِب جَمِيعًا حَتَّى لَو حضر الْغَائِب
وَأنكر لَا يلْتَفت إِلَى إِنْكَاره
قَالَ رجل لامْرَأَة رجل غَائِب إِن زَوجك وكلني أَن أحملك إِلَيْهِ
فَقَالَت إِنَّه قد طَلقنِي ثَلَاثًا وأقامت الْبَيِّنَة على ذَلِك يقْضِي
بقصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا وَلَا يقْضِي بِالطَّلَاق على الْغَائِب حَتَّى
لَو حضر الْغَائِب وَأنكر الطَّلَاق تحْتَاج الْمَرْأَة إِلَى إِقَامَة
الْبَيِّنَة
قَالَ لامْرَأَته إِن طلق فلَان امْرَأَته فَأَنت طَالِق ثمَّ ان امْرَأَة
الْحَالِف ادَّعَت أَن فلَانا طلق امْرَأَته وَفُلَان غَائِب وَزوج المدعية
حَاضر وأقامت الْبَيِّنَة لَا تقبل وَلَا يحكم بِوُقُوع الطَّلَاق
عَلَيْهَا لِأَن بينتها على طَلَاق فلَان الْغَائِب لَا تصح لِأَن فِي
ذَلِك ابْتِدَاء الْقَضَاء على الْغَائِب وَقد أفتى بعض الْمُتَأَخِّرين
بِقبُول هَذِه الْبَيِّنَة وبوقوع الطَّلَاق إِلَّا أَن الأول اصح
الانسان إِذا أَقَامَ بَيِّنَة على شَرط حَقه بِإِثْبَات فعل على الْغَائِب
فَإِن لم يكن فِيهِ إبِْطَال حق الْغَائِب تقبل هَذِه الْبَيِّنَة وينتصب
الْحَاضِر خصما عَن الْغَائِب وَإِن كَانَ فِيهِ إبِْطَال حق الْغَائِب من
طَلَاق أَو عتاق أَو بيع أَو مَا أشبه ذَلِك أفتى بعض الْمُتَأَخِّرين أَنه
يقبل وَيَقْضِي على الْحَاضِر وَالْغَائِب جَمِيعًا وَبِه أَخذ شمس
الْأَئِمَّة الأوزجندي
لَو طلب رب الدّين الْكَفِيل بِالدّينِ فَقَالَ الْكَفِيل الْمَدْيُون
أَدَّاهُ والمديون غَائِب فَأَقَامَ الْكَفِيل بَيِّنَة على أَدَاء الدّين
تقبل وينتصب الْكَفِيل خصما عَن الْمَدْيُون لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ دفع رب
المَال إِلَّا بِهَذَا فينتصب خصما عَنهُ
وَفِي الْمُحِيط وَسَائِر الْفَتَاوَى إِذا ادّعى انسان على آخر
وَالْقَاضِي يعلم أَنه مسخر لَا شَيْء عَلَيْهِ لَا يجوز وَلَو حكم
عَلَيْهِ لَا يجوز أَيْضا وَتَفْسِير المسخر أَن ينصب القَاضِي وَكيلا عَن
الْغَائِب ليسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو أحضر رجل غَيره عِنْد
القَاضِي ليسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ وَالْقَاضِي يعلم أَن الْمحْضر لَيْسَ
بخصم فَإِنَّهُ لَا يسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجوز نصب
الْوَكِيل عَن خصم اختفى فِي بَيته وَلم يحضر مجْلِس الحكم بعد مَا بعث
القَاضِي أمناءه إِلَى دَاره وَنُودِيَ على بَاب دَاره
وَذكر فِي شَهَادَات الْجَامِع رجل غَابَ فجَاء رجل فَادّعى على رجل ذكر
أَنه غَرِيم الْغَائِب وَأَن الْغَائِب وَكله بِطَلَب كل حق لَهُ على
غُرَمَائه بِالْكُوفَةِ وبالخصومة فِيهِ وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ يُنكر
وكَالَته فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على وكَالَته وَقضى القَاضِي
عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ قَالَ صَاحب الْفُصُول هَذِه الْمَسْأَلَة دَلِيل
على جَوَاز الحكم على المسخر وَفِي أدب القَاضِي أَن الحكم على المسخر يجوز
وَقيل يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ
وَإِذا قضى على وَكيل الْغَائِب أَو على وَصِيّ الْمَيِّت يقْضِي على
الْغَائِب وعَلى الْمَيِّت وَلَا يقْضِي على الْوَكِيل
(1/228)
وَالْوَصِيّ وَيكْتب فِي السّجل أَنه قضى
على الْغَائِب وعَلى الْمَيِّت بِحَضْرَة وَكيله وبحضرة وَصِيّه لِأَن
هَذَا فِي الأَصْل قَضَاء على الْغَائِب وَفِي الْقَضَاء على الْغَائِب
رِوَايَتَانِ عَن اصحابنا وَكَانَ ظهير الدّين المرغيناني يُفْتِي فِي
الْقَضَاء على الْغَائِب بِعَدَمِ النَّفاذ
وَفِي الْوَاقِعَات إِذا قضى بِالْبَيِّنَةِ وَغَابَ الْمقْضِي عَلَيْهِ
وَله مَال عِنْد النَّاس لَا يدْفع إِلَى الْمقْضِي لَهُ حَتَّى يحضر
الْغَائِب وَكَذَا ذكر فِي أَجنَاس الناطفي وَزَاد إِلَّا فِي نَفَقَة
الْمَرْأَة وَالْأَوْلَاد الصغار والوالدين
وَلَو أَن رجلا جَاءَ إِلَى القَاضِي وَقَالَ إِن هَذِه الدَّابَّة
وَدِيعَة عِنْدِي وَقد غَابَ الْمَالِك وَلم يتْرك النَّفَقَة فمرني
بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لأرجع بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ أَو قَالَ التقطت
هَذِه الدَّابَّة أَو رددت هَذَا الْآبِق من مسيرَة سفر وَالْمَالِك غَائِب
فَطلب مِنْهُ أَن يقْضِي بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يرجع على الْمَالِك فَإِن
القَاضِي يسْأَل مِنْهُ الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَهَا قضى بِالْبَيِّنَةِ
على الْغَائِب فَإِذا حضر يرجع عَلَيْهِ
وَفِي العمادى وَإِذ قَالَ الْغَرِيم للطَّالِب إِن لم أقضك مَالك الْيَوْم
فامرأته كَذَا فتوارى الطَّالِب وخشي الْمَطْلُوب أَن لَا يظْهر الْيَوْم
فَيحنث هُوَ فِي يَمِينه فَأخْبر القَاضِي الْقِصَّة فنصب عَن الْغَائِب
وَكيلا وَأمر الْوَكِيل بِقَبض المَال من الْمَطْلُوب حَتَّى يبر فَقبض
المَال وَحكم بِهِ حَاكم آخر فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ لَا يجوز كَذَا ذكره
فِي آخر الْأَقْضِيَة وَهَذَا قَوْلهم وَإِن خص قَول أبي يُوسُف بِالذكر
وَذكر الناطفي أَن القَاضِي ينصب وَكيلا عَن الْغَائِب وَيقبض مَاله وَلَا
يَحْنَث الْمَطْلُوب قَالَ الناطفي وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَذكر رشيد الدّين فِي فَتَاوِيهِ ادّعى عينا فِي يَد رجل واراد إِحْضَاره
لمجلس القَاضِي فَأنْكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَن يكون فِي يَده فجَاء
الْمُدَّعِي بِشَاهِدين شَهدا أَن هَذَا الْعين كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ قبل هَذَا التَّارِيخ بِسنة هَل تسمع وَهل يجْبر الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ على إِحْضَاره بِهَذِهِ الْبَيِّنَة أم لَا كَانَت وَاقعَة
الْفَتْوَى يَنْبَغِي أَن تقبل لِأَنَّهُ أثبت يَده فِي الزَّمَان
الْمَاضِي وَلم يثبت خُرُوجه من يَده وَقد وَقع الشَّك فِي زَوَال تِلْكَ
الْيَد فَتثبت الْيَد مالم يُوجد المزيل
قَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي وَمن المنقولات مَالا يُمكن إِحْضَاره
عِنْد القَاضِي كالصبرة من الطَّعَام والقطيع من الْغنم وَالْقَاضِي فِيهِ
بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ حضر ذَلِك الْموضع لَو تيَسّر لَهُ ذَلِك وَإِن
كَانَ لَا يتهيأ لَهُ الْحُضُور وَكَانَ مَأْذُونا بالاستخلاف يبْعَث
خَلِيفَته إِلَى ذَلِك الْموضع وَهُوَ نَظِير مَا إِذا كَانَ القَاضِي يجلس
فِي دَاره وَوَقعت الدَّعْوَى فِي جمل لَا يَسعهُ بَاب دَاره فَإِنَّهُ
يخرج إِلَى بَاب دَاره أَو يَأْمر نَائِبه حَتَّى يخرج ليشير إِلَيْهِ
الشُّهُود بِحَضْرَتِهِ
وَفِي الْقَدُورِيّ إِذا كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ شَيْئا يتَعَذَّر نَقله
كالرحى فالحاكم فِيهِ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ حضر وَإِن شَاءَ بعث أَمينا
قَالَ فَخر الاسلام على الْبَزْدَوِيّ وَإِذا كَانَت الْقيمَة مُخْتَلفَة
فَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يُكَلف الْمُدَّعِي بِبَيَان الْقيمَة فَإِن
كلفه وَلم يبين تسمع دَعْوَاهُ
وَفِي الْمَبْسُوط رجل ترك الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَلم يكن
لَهُ مَانع من دَعْوَى شَرْعِيَّة ثمَّ ادّعى بعد ذَلِك لَا تسمع دَعْوَاهُ
لِأَن تَركه مَعَ التَّمَكُّن دَلِيل على عدم الْحق ظَاهرا
وَذكر فِي الْمُحِيط رجل لَهُ على آخر فلوس أَو طَعَام فَاشْترى مَا
عَلَيْهِ بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير وتفرقا قبل نقد الثّمن كَانَ العقد
بَاطِلا
(1/229)
قَالَ الْعِمَادِيّ وَهَذَا فصل يجب حفظه
وَالنَّاس عَنهُ غافلون فَإِن الْعَادة فِيمَا بَين النَّاس أَن من كَانَ
لَهُ على آخر حِنْطَة أَو شعير أَو مَا أشبه ذَلِك فصاحبها يَأْخُذ مِمَّن
هِيَ عَلَيْهِ عِنْد غلاء السّعر خطا بِالذَّهَب أَو الْفضة بِثمن ذَلِك
ويسمونه فِيهَا بَينهم تَقْوِيم الْحِنْطَة فَإِنَّهُ فَاسد لِكَوْنِهِمَا
افْتَرقَا عَن دين بدين
وَفِي الذَّخِيرَة رجل ادّعى دَارا أَو عقارا آخر أَو مَنْقُولًا فِي يَد
رجل ملكا مُطلقًا واقام الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق يقْضِي بِبَيِّنَة
الْخَارِج عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة رَحِمهم الله تَعَالَى وَهَذَا
إِذا لم يذكرَا تَارِيخا وَأما إِذا ذكرَاهُ إِن كَانَ سَوَاء فَكَذَلِك
يقْضِي للْخَارِج وَإِن كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لأسبقهما
تَارِيخا
وَلَو ادّعى حمارا وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ هَذَا الْحمار غَابَ عني مُنْذُ
شهر فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِنِّي أقيم الْبَيِّنَة أَن هَذَا
الْحمار ملكي وَفِي يَدي مُنْذُ سنة أَو مَا أشبه ذَلِك يقْضِي للْمُدَّعِي
وَلَا يلْتَفت إِلَى بَيِّنَة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لِأَن مَا ذكره
الْمُدَّعِي من التَّارِيخ تَارِيخ غيبَة الْحمار عَن يَده لَا تَارِيخ
ملكه فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي الْملك مُطلقًا خَالِيا عَن التَّارِيخ وَصَاحب
الْيَد ذكر التَّارِيخ إِلَّا أَن التَّارِيخ حَالَة الِانْفِرَاد لَا
يعْتَبر عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ دَعْوَى صَاحب
الْيَد دَعْوَى مُطلق الْملك كدعوى الْخَارِج فَيَقْضِي بِبَيِّنَة
الْخَارِج اه
وَفِي الْعِمَادِيّ الْخَارِج وَذُو الْيَد إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من
وَاحِد وَأَقَامَا بَيِّنَة وَلم يؤرخا يقْضى لذِي الْيَد فَإِن أرخ
الْخَارِج لَا يعْمل بِهِ لِأَن التَّارِيخ فِي حَقه خبر وَالْقَبْض فِي حق
ذِي الْيَد معاين وَأَنه دَلِيل على سبق عقده والمعاينة أقوى من الْخَبَر
إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَحِينَئِذٍ يقْضى للْخَارِج
وَفِي شرح أدب القَاضِي للحسام الشَّهِيد وَإِن ادّعى أَن اباه مَاتَ
وَهُوَ وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا
كَانَت لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَالَّذِي فِي يَده الدَّار
يُنكر ذَلِك فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن الدَّار كَانَت لِأَبِيهِ
مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ لِأَبِيهِ وَارِثا
غَيره فَإِن الْحَاكِم يحكم لَهُ بِالدَّار لِأَنَّهُ أثبت سَبَب الْملك
لنَفسِهِ بِالْحجَّةِ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ
قَالَ وَلَو أَن رجلا مَاتَ وَله وَرَثَة فَحَضَرَ وَاحِد مِنْهُم وَادّعى
وَفَاة أَبِيه وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ مَاتَ
وَتركهَا مِيرَاث لَهُ ولسائر وَرَثَة أَبِيه وهم فلَان وَفُلَان وَالَّذِي
فِي يَده الدَّار يجْحَد هَذَا كُله فَأَقَامَ الابْن شَاهِدين على وَفَاة
أَبِيه وعدة ورثته وَأَن هَذِه الدَّار لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا
لَهُم وَلم يحضر مِنْهُم وَارِث غَيره فَإِن القَاضِي يقبل ذَلِك وَيحكم
بِالدَّار لِأَبِيهِ وَيدْفَع إِلَى هَذَا الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَة
حِصَّته مِنْهَا لِأَن الْوَاحِد من الْوَرَثَة ينْتَصب خصما فِيمَا يثبت
للْمَيت وعَلى الْمَيِّت وَأما حصص البَاقِينَ فَإِنَّهَا تتْرك فِي يَده
فَكلما حضر وَاحِد مِنْهُم أَخذ حِصَّته مِنْهَا وَلَا يُكَلف إِعَادَة
الْبَيِّنَة على أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة رَحمَه
الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو ويوسف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى يدْفع
إِلَى الْمُدَّعِي حِصَّته مِنْهَا وينتزع الْبَاقِي من يَد الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ وَيجْعَل على يَد رجل عدل حَتَّى يحضر من بَقِي من الْوَرَثَة
وَأَجْمعُوا على أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَو كَانَ مقرا دفع إِلَى
الْوَارِث الْحَاضِر نصِيبه وَالْبَاقِي يتْرك فِي يَد ذِي الْيَد
إِذا حضر رجل وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا
مِيرَاثا لَهُ وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة وَلم يشْهدُوا على عدد
الْوَرَثَة وَلم يعرفوهم وَلَكِن قَالُوا تَركهَا مِيرَاثا لوَرثَته
فَإِنَّهُ لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة وَلَا يدْفع إِلَيْهِ شَيْء حَتَّى
يُقيم بَيِّنَة على عدد الْوَرَثَة لأَنهم لما لم يشْهدُوا على عدد
الْوَرَثَة لَا يصير نصيب هَذَا الْوَاحِد مَعْلُوما وَالْقَضَاء بِغَيْر
الْمَعْلُوم مُتَعَذر
وَهَا هُنَا ثَلَاث فُصُول الأول هَذَا وَالثَّانِي لَو شهد الشُّهُود أَنه
ابْنه ووارثه وَلَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره
(1/230)
فَإِن القَاضِي يقْضِي بِجَمِيعِ
التَّرِكَة لَهُ من غير تلوم الثَّالِث إِذا شهدُوا أَنه ابْن فلَان مَالك
هَذِه الدَّار وَلم يشْهدُوا على عدد الْوَرَثَة وَلم يَقُولُوا فِي
شَهَادَتهم لَا نَعْرِف لَهُ وَارِثا غَيره فان القَاضِي يتلوم فِي ذَلِك
زَمَانا على قدر مَا يرى فَإِن حضر وَارِث غَيره قسم الدَّار بَينهم وَإِن
لم يحضر دفع الدَّار إِلَيْهِ وَهل يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِمَا دفع
إِلَيْهِ قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَقَالَ أَبُو
يُوسُف وَمُحَمّد يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِهِ ثمَّ قَالَ إِنَّمَا يدْفع
إِلَى الْوَارِث الَّذِي حضر جَمِيع المَال بعد التَّلَوُّم إِذا كَانَ
هَذَا الْوَارِث مِمَّن لَا يحجب بِغَيْرِهِ كَالْأَبِ وَالِابْن أما إِذا
كَانَ مِمَّن يحجب بِغَيْرِهِ كالجد وَالْأَخ وَالْعم فَإِنَّهُ لَا يدْفع
إِلَيْهِ المَال وَأما إِذا كَانَ مِمَّن لَا يحجب بِغَيْرِهِ وَلَكِن
يخْتَلف نصِيبه كالزوج وَالزَّوْجَة فَإِنَّهُ يدْفع إِلَيْهِ أقل
النَّصِيبَيْنِ
وَقَالَ مُحَمَّد أوفر النَّصِيبَيْنِ النّصْف للزَّوْج وَالرّبع
للْمَرْأَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أقل النَّصِيبَيْنِ وَقَول أبي حنيفَة
رَحمَه الله تَعَالَى مصطرب فِي بَعْضهَا مثل قَول مُحَمَّد فِيمَا إِذا
كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة وَالْمُدَّعِي زوجا وَفِي بَعْضهَا مثل قَول أبي
يُوسُف ثمَّ إِذا ثَبت عِنْد أبي يُوسُف أَنه يدْفع لَهُ اقل
النَّصِيبَيْنِ فقد اخْتلفت الرِّوَايَات عَنهُ فِي ذَلِك أما إِذا كَانَ
الْمَيِّت زوجا وَالْمُدَّعِي امْرَأَة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهر
الرِّوَايَة عَنهُ يدْفع إِلَيْهَا ربع الثّمن لِأَنَّهُ قد يكون للزَّوْج
أَربع نسْوَة فَيكون نصِيبهَا ربع الثّمن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَن أبي
يُوسُف أَنه يُعْطي لَهَا ربع الْمِيرَاث كَمَا ذكر عَن مُحَمَّد وَأما
إِذا كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة وَالْمُدَّعِي زوجا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
أَيْضا فِي ظَاهر الرِّوَايَة عَنهُ يدْفع إِلَيْهِ الرّبع انْتهى
المساومة وَمَا يشبهها كالإيداع والاستعارة والاستئجار والاستيهاد إِقْرَار
بِأَنَّهُ لذِي الْيَد ومانع من الدَّعْوَى لنَفس الْمسَاوِي وَلغيره
طلب نِكَاح الْأمة مَانع من دَعْوَى تَملكهَا وَطلب نِكَاح الْحرَّة مَانع
من دَعْوَى نِكَاحهَا
وَفِي الْقنية بخ أحضر ابْن الْمَيِّت فَادّعى أَن اباك أَخذ مني كَذَا
دِينَارا واشار إِلَى الابْن وَلم يذكر اسْم الْأَب وَنسبه أَو شهد
الشُّهُود بِنَحْوِ مَا ذكر لَا يَصح وَيشْتَرط ذكر اسْمه وَنسبه وَفِيه
أَيْضا قع قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ للْمُدَّعِي لَا أعرفك فَلَمَّا ثَبت
الْحق بِالْبَيِّنَةِ ادّعى الايصال لَا يسمع وَلَو ادّعى إِقْرَار
الْمُدَّعِي الْوُصُول أَو الايصال يسمع
نوع فِي كَيْفيَّة الْيَمين والاستحلاف وَيحلف الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
بِاللَّه تَعَالَى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تحلفُوا
بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمن كَانَ مِنْكُم حَالفا فليحلف
بِاللَّه أَو ليذر
وَفِي الْمَبْسُوط الْحر والمملوك وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالْفَاسِق
والصالح وَالْكَافِر وَالْمُسلم فِي الْيَمين سَوَاء وتغلظ الْيَمين بِذكر
أَوْصَاف الله تَعَالَى بِأَن يَقُول لَهُ القَاضِي قل وَالله الَّذِي لَا
اله الا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم
الطَّالِب الْغَالِب الْمدْرك المهلك الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من
الْعَلَانِيَة مَا لفُلَان هَذَا عَلَيْك وَلَا قبلك هَذَا المَال الَّذِي
ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ وَالِاخْتِيَار فِي صفة
التَّغْلِيظ إِلَى القَاضِي يزِيد مَا شَاءَ من أَسمَاء الله تَعَالَى
وَصِفَاته وَينْقص مَا شَاءَ وَلَكِن يحْتَاط فِيهَا عَن الْوَاو العاطفة
لِئَلَّا يتَكَرَّر عَلَيْهِ الْيَمين إِذْ الْمُسْتَحق يَمِين وَاحِدَة
حَتَّى لَو قَالَ وَالله والرحمن الرَّحِيم تصير أيمانا
ثمَّ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ مِنْهُم من يَقُول القَاضِي بِالْخِيَارِ
إِن شَاءَ غلظ وَإِن شَاءَ لم يغلظ فِي كل مدعي بِهِ
(1/231)
وعَلى كل مدعي عَلَيْهِ وَمِنْهُم من
يَقُول يعْتَبر حَال الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِن عرف بالصلاح اكْتفى بِذكر
اسْم الله تَعَالَى وَإِن عرف بِغَيْر ذَلِك الْوَصْف غلط فِي الْيَمين
وَمِنْهُم من يَقُول يعْتَبر حَال الْمُدَّعِي بِهِ إِن كَانَ مَالا
عَظِيما يغلظ فِي الْيَمين وَإِن كَانَ حَقِيرًا اكْتفى بِذكر اسْم الله
تَعَالَى وَلَا يحلف بِالطَّلَاق وَلَا بالعتاق لِأَن الْيَمين بهما يَمِين
بِغَيْر الله تَعَالَى وَالْيَمِين بِغَيْر الله تَعَالَى لَا يجوز وَقيل
فِي زَمَاننَا إِذا ألح الْخصم سَاغَ للْقَاضِي أَن يحلف بِالطَّلَاق
وَالْعتاق لقلَّة مبالاة النَّاس بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى وَكثر
الِامْتِنَاع عَن الْحلف بِالطَّلَاق وَالْعتاق كَذَا فِي الْهِدَايَة
وَغَيرهَا
وَفِي الْخُلَاصَة وَلَو حلفه القَاضِي بِالطَّلَاق فنكل وَقضى بِالْمَالِ
لَا ينفذ قَضَاؤُهُ وَلَا تغلظ الْيَمين بِزَمَان وَلَا مَكَان عندنَا
وَيحلف الْيَهُودِيّ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى
وَالنَّصْرَانِيّ بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى والمجوسي
بِاللَّه الَّذِي خلق النَّار وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه
لَا يحلف أحد إِلَّا بِاللَّه خَالِصا وَلَا يحلف الوثني الا بِاللَّه
فَإِن قيل مَا الْفرق بَين يَمِين الْمَجُوسِيّ والوثني حَيْثُ يجوز
تَغْلِيظ الْيَمين فِي حق الْمَجُوسِيّ بِذكر النَّار وَلم يجز فِي حق
الوثني بِذكر الصَّنَم فَقَوْل بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي خلق الصَّنَم
قلت إِنَّا أمرنَا بإهانة الصَّنَم والوثن لأَنهم اتَّخَذُوهَا إِلَهًا
فَأمرنَا بإهانتهما بِخِلَاف النَّار لأَنهم لم يتخذوها الها فَمَا أمرنَا
باهانتها فَتَأمل كَذَا فِي المنبع
وَسُئِلَ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الشَّيْبَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَن
الْمَرْأَة إِذا كَانَت تعلم بِالنِّكَاحِ وَلَا تَجِد بَيِّنَة تقيمها
لإِثْبَات النِّكَاح وَالزَّوْج يُنكر مَاذَا يصنع القَاضِي حَتَّى لَا
تبقي هَذِه الْمَرْأَة معلقَة أَبَد الدَّهْر قَالَ يستحلفه القَاضِي
وَيَقُول إِن كَانَت هَذِه الْمَرْأَة لَك فَهِيَ طَالِق حَتَّى يَقع
الطَّلَاق بِالْيَمِينِ إِن كَانَت امْرَأَته لتخلص مِنْهُ وَتحل للأزواج
وَفِي المنبع هَل يحلف على الْحَاصِل أَو على السَّبَب فَعِنْدَ أبي حنيفَة
وَمُحَمّد رحمهمَا الله يحلف على الْحَاصِل وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله
تَعَالَى يحلف على السَّبَب وَقَالَ فَخر الْإِسْلَام يُفَوض إِلَى رَأْي
القَاضِي
وَذكر فِي النَّوَازِل أَنه يحلف الصَّبِي الْمَأْذُون وَيَقْضِي
بِنُكُولِهِ وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَو حلف وَهُوَ صبي
ثمَّ أدْرك لَا يَمِين عَلَيْهِ وَأَنه دَلِيل على أَن يَمِينه مُعْتَبرَة
وَذكر فِي إِقْرَار الدَّعَاوَى والبينات أَن الصَّبِي التَّاجِر
وَالْعَبْد التَّاجِر يسْتَحْلف وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ
وَيجوز الافتداء عَن الْيَمين بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا يجوز الصُّلْح عَن
الْيَمين على الدَّرَاهِم حَتَّى لَا يكون للْمُدَّعِي أَن يحلف
الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد ذَلِك لِأَن الافتداء عَن الْيَمين صلح على
الْإِنْكَار وَبعد الصُّلْح على الْإِنْكَار لَا تسمع دَعْوَى الْمُدَّعِي
فِيمَا وَقع الصُّلْح عَنهُ
ادّعى على آخر مَالا فَأنْكر وَأَرَادَ الْمُدَّعِي استحلافه فَقَالَ
الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِن الْمُدَّعِي قد حلفني على هَذِه الدَّعْوَى عِنْد
قَاضِي بلد كَذَا وَأنكر الْمُدَّعِي ذَلِك فاقام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
بَيِّنَة على ذَلِك تقبل وَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَأَرَادَ تَحْلِيف
الْمُدَّعِي لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يَدعِي إِيفَاء حَقه فِي الْيَمين وَلَو
ادّعى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَنه أبرأني عَن هَذِه الدَّعْوَى وَقَالَ
القَاضِي حلفه إِنَّه لم يكن أبرأني عَن هَذَا لَا يحلفهُ القَاضِي لِأَن
الْمُدَّعِي بِالدَّعْوَى اسْتحق الْجَواب على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
وَالْجَوَاب إِمَّا بِالْإِقْرَارِ أَو بالإنكار وَقَوله أبرأني عَن هَذِه
الدَّعْوَى لَيْسَ بِإِقْرَار وَلَا إِنْكَار فَلَا يكون مسموعا من
الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَيُقَال لَهُ أجب خصمك ثمَّ ادْع عَلَيْهِ مَا شِئْت
وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أبرأني عَن هَذِه الْألف فَإِنَّهُ يحلف
لِأَن دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن المَال إِقْرَار بِوُجُوب المَال
وَالْإِقْرَار جَوَاب وَدَعوى الْإِبْرَاء مسْقط فيترتب عَلَيْهِ
الِاسْتِحْلَاف
(1/232)
وَمن الْمَشَايِخ من قَالَ الصَّحِيح أَنه
يحلف الْمُدَّعِي على هَذِه الدَّعْوَى وَهِي دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن
الدَّعْوَى كَمَا يحلف الْمُدَّعِي على دَعْوَى التَّحْلِيف وَإِلَيْهِ
مَال شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي وَعَلِيهِ أَكثر قُضَاة زَمَاننَا
وَفِي الغنية ادّعى الْمَدْيُون الايصال فَأنْكر الْمُدَّعِي وَلَا
بَيِّنَة لَهُ فَطلب يَمِينه فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَل حَقي فِي الْخَتْم
ثمَّ استحلفني فَلهُ ذَلِك فِي زَمَاننَا اه
إِذا أقرّ الْوَاهِب أَن الْمَوْهُوب لَهُ قبض الْمَوْهُوب فِي الْمجْلس
أَو بعده بأَمْره ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِنَّه لم يقبض وَكنت أَقرَرت بِهِ
كَاذِبًا وَسَأَلَ القَاضِي أَن يحلف الْمَوْهُوب لَهُ بِاللَّه لقد قَبضه
عَن هَذِه الْهِبَة الَّتِي يَدعِي بهَا فعندهما لَا يحلفهُ لِأَن
التَّحْلِيف إِنَّمَا يَتَرَتَّب على دَعْوَى صَحِيحَة وَالدَّعْوَى لم تصح
هَا هُنَا لمَكَان التَّنَاقُض وعَلى قَول أبي يُوسُف يحلفهُ بِاللَّه لقد
قَبضته بِحكم الْهِبَة الَّتِي تدعيها وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا اشْترى
شَيْئا وَأقر المُشْتَرِي بِقَبض المُشْتَرِي ثمَّ ادّعى أَنه لم يقبضهُ
وَطلب من القَاضِي أَن يحلف البَائِع بِاللَّه لقد سلمته إِلَى المُشْتَرِي
بِحكم هَذَا الشِّرَاء الَّذِي يَدعِيهِ وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا اشْترى
شَيْئا واقر البَائِع يقبض الثّمن ثمَّ ادّعى أَنه لم يقبضهُ وَأَرَادَ
تَحْلِيف المُشْتَرِي وَرب الدّين إِذا أقرّ بِقَبض الدّين وَأشْهد
عَلَيْهِ ثمَّ أنكر الْقَبْض يحلف الْمَدْيُون وَالْمقر على نَفسه بدين
لرجل ثمَّ أنكر الدّين وَقَالَ لَا شَيْء لَهُ عَليّ وَإِنَّمَا أَقرَرت
لَهُ بذلك كَاذِبًا وَطلب يَمِين الْمقر لَهُ الْكل على هَذَا الْخلاف
أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول الْمُعْتَاد فِيمَا بَين النَّاس
أَن البَائِع يقر بِقَبض الثّمن والمشترى يقبض الْمُشْتَرى للإشهاد وَإِن
لم يكن قبض ثمنه حَقِيقَة وَكَذَلِكَ الْمُعْتَاد فِيمَا بَين النَّاس أَن
الْمُسْتَقْرض يكْتب أَولا خطّ الْإِقْرَار وَيشْهد عَلَيْهِ قبل قبض
المَال فَلَو كَانَ التَّنَاقُض مَانِعا من صِحَة الدَّعْوَى والاستحلاف
لبطلت حُقُوق النَّاس
قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَرْبَعَة أَشْيَاء يسْتَحْلف
القَاضِي الْخصم فِيهَا قبل أَن يطْلب الْمُدَّعِي ذَلِك
أَحدهَا الشَّفِيع إِذا طلب من القَاضِي أَن يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة
يحلفهُ بِاللَّه لقد طلبت الشُّفْعَة حِين علمت بِالشِّرَاءِ وَإِن لم
يطْلب المُشْتَرِي ذَلِك وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَعند أبي حنيفَة
وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا يستحلفه القَاضِي الثَّانِي الْبكر
إِذا بلغت واختارت الْفرْقَة وَطلبت التَّفْرِيق من القَاضِي يستحلفها
بِاللَّه لقد اخْتَرْت الْفرْقَة حِين بلغت وَإِن لم يَدعه الزَّوْج
وَالثَّالِث المُشْتَرِي إِذا أَرَادَ الرَّد بِالْعَيْبِ يحلفهُ القَاضِي
إِنَّه لم يرض بِالْعَيْبِ وَلَا عرضته على البيع مُنْذُ رايته وَالرَّابِع
الْمَرْأَة إِذا سَأَلت من القَاضِي أَن يفْرض لَهَا النَّفَقَة فِي مَال
الزَّوْج الْغَائِب يحلفها بِاللَّه مَا أَعْطَاك نَفَقَتك حِين خرج وَيجب
أَن تكون مَسْأَلَة النَّفَقَة فِي قَوْلهم جَمِيعًا
ادّعى الشُّفْعَة بالجوار فَقَالَ القَاضِي للْمُدَّعِي عَلَيْهِ مَاذَا
تَقول فِيمَا ادّعى فَقَالَ هَذِه الدَّار لَا بنى هَذَا الطِّفْل صَحَّ
إِقْرَاره لِابْنِهِ لِأَن الدَّار فِي يَده وَالْيَد دَلِيل الْملك
فَكَانَ إِقْرَار على نَفسه فَيصح فَإِن قَالَ الشَّفِيع للْقَاضِي حلفه
بِاللَّه مَا أَنا شفيعها فَإِنَّهُ لَا يحلفهُ لِأَن إِقْرَار الْأَب
بِالشُّفْعَة على ابْنه لَا يَصح فَلَا يُفِيد الِاسْتِحْلَاف وَهَذَا من
جملَة الْحِيَل والمخارج فِي الْخُصُومَات وَإِن أَرَادَ الشَّفِيع أَن
يُقيم الْبَيِّنَة على الشِّرَاء كَانَ الْأَب خصما وَتسمع الْبَيِّنَة
عَلَيْهِ لِأَن الْأَب قَائِم مقَام الابْن وَلَو كَانَ الابْن كَبِيرا
لَكَانَ خصما فَكَذَا هَذَا
وَفِي الْمُحِيط الشَّهَادَة الْقَائِمَة على عتق العَبْد لَا تقبل بِدُونِ
الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَتقبل الْبَيِّنَة على عتق
الْأمة وَطَلَاق الْمَرْأَة حسبَة من غير الدَّعْوَى وَلَا يحلف على عتق
العَبْد حسبَة بِدُونِ الدَّعْوَى بالِاتِّفَاقِ وَهل يحلف على عتق الْأمة
وَطَلَاق الْمَرْأَة بِدُونِ الدَّعْوَى أَشَارَ مُحَمَّد فِي آخر كتاب
التَّحَرِّي أَنه يحلف وَهَكَذَا ذكر فِي شرح الْقَدُورِيّ وَذكر شمس
الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَنه لَا يحلف فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى
(1/233)
وَذكر فِي الْخُلَاصَة عبد فِي يَد رجل
أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه حر وَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّه عبد فلَان أودعنيه
أَو آجرنيه فَبَيِّنَة ذِي الْيَد أولى بِخِلَاف مَا إِذا أَقَامَ العَبْد
الْبَيِّنَة على مَوْلَاهُ أَنه حر الأَصْل واقام مَوْلَاهُ الْبَيِّنَة
أَنه عَبده فَبَيِّنَة العَبْد أولى لِأَن الْمولى يصلح خصما لإِثْبَات
بَيِّنَة العَبْد بِالْحُرِّيَّةِ أما هَاهُنَا فالمودع لَيْسَ بخصم لَكِن
يُحَال بَين العَبْد وَبَين ذِي الْيَد وَلَو قَالَ العَبْد أعتقني فلَان
وَذُو الْيَد لم يقم الْبَيِّنَة على الْإِيدَاع وَالْإِجَارَة لَا يُحَال
بَينه وَبَين العَبْد لِأَنَّهُ أقرّ بِالرّقِّ ثمَّ ادّعى الْعتْق وَلَو
أَن رجلا قدم بَلْدَة وَمَعَهُ رجال وَنسَاء وصبيان يخدمونه وهم فِي يَده
وَادّعى أَنهم أرقاؤه وَادعوا أَنهم أَحْرَار كَانُوا أحرارا مالم يقرُّوا
لَهُ بِالْملكِ بِكَلَام أَو بِبيع أَو تقوم لَهُ بَيِّنَة وَإِن كَانُوا
من أهل الْهِنْد أَو السَّنَد أَو التّرْك أَو الرّوم
وَفِي الْجَامِع الصَّغِير غُلَام هُوَ فِي يَد رجل قَالَ أَنا حر وَقَالَ
الَّذِي فِي يَده هُوَ عبد إِن كَانَ لَا يعبر عَن نَفسه فَالْقَوْل قَول
ذِي الْيَد وَهُوَ كالمتاع وَإِن كَانَ بَالغا أَو صَغِيرا يعبر عَن نَفسه
فَالْقَوْل قَول الْغُلَام وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة هَذَا على الرّقّ
وَهَذَا على الْحُرِّيَّة فَبَيِّنَة الْغُلَام أولى وَيجوز أَن يكون
القَوْل قَوْله وَالْبَيِّنَة بَينته كَالْمُودعِ إِذا قَالَ رددت
الْوَدِيعَة كَانَ القَوْل قَوْله وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة
فَالْبَيِّنَة بَينته
وَفِي الْوَلْوَالجيّ وَلَو بَاعَ رجل رجلا وَقَبضه المُشْتَرِي وَهُوَ
سَاكِت فَهُوَ إِقْرَار بِأَنَّهُ عَبده لِأَنَّهُ إِنْفَاذ لتصرف يخْتَص
بِهِ المماليك تَصرفا يُوجب حَقًا فِي الْمحل وَهُوَ ملك الرَّقَبَة
وَالْيَد والانقياد لمثل هَذَا التَّصَرُّف يكون إِقْرَارا بِالرّقِّ
وَالْملك وَلَو عرض عبد أَو أمة على رجل وَهُوَ سَاكِت أَو هِيَ ساكتة وَلم
يبع ثمَّ قَالَا نَحن حران صدقا عَلَيْهِ اه
وَفِي أدب القَاضِي رجل قَالَ لآخر إِن فلَانا الْمَيِّت أوصى اليك وجعلك
قيمًا فِي مَاله وَأنكر الْوَصِيّ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَكَذَا لَو قَالَ
إِن فلَانا وكلك بِطَلَب حُقُوقه ولي على موكلك مَال وَأنكر الْوَكِيل
الْوكَالَة لَا يَمِين عَلَيْهِ وَإِذا ادّعى المُشْتَرِي إِيفَاء الثّمن
وَالْبَائِع يُنكر يحلف البَائِع وَكَذَا الْمُسْتَقْرض إِذا ادّعى إِيفَاء
الْقَرْض وَأنكر الْمقْرض يحلف الْمقْرض وَلَو ادّعى الْمضَارب أَو
الشَّرِيك دفع المَال وَأنكر رب المَال أَو الشَّرِيك الْقَبْض يحلف
الْمضَارب أَو الشَّرِيك الَّذِي كَانَ المَال فِي يَده لِأَن المَال فِي
أَيْدِيهِمَا أَمَانَة وَالْقَوْل قَول الْأمين مَعَ الْيَمين وَإِذا ادّعى
المُشْتَرِي إِيفَاء الثّمن وَأنكر البَائِع فَالْقَاضِي إِنَّمَا يحلفهُ
إِذا طلب المُشْتَرِي يَمِينه وَلَو حلفه القَاضِي من غير طلبه ثمَّ
أَرَادَ المُشْتَرِي تَحْلِيفه ثَانِيًا لَهُ ذَلِك ثمَّ إِذا حلف البَائِع
أَنه لم يسْتَوْف الثّمن وَقَالَ المُشْتَرِي أَنا أجيء بِالْبَيِّنَةِ على
الْإِيفَاء فَالْقَاضِي لَا يجْبر المُشْتَرِي على أَدَاء المَال بل يمهله
ثَلَاثَة أَيَّام بِشَرْط أَن يَدعِي حُضُور الشُّهُود وَأما إِذا قَالَ
شهودي غيب يقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَلَا يمهله كَذَا فِي الْعِمَادِيّ
وَفِي الغنية أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة فَقَالَ الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ إِن لي دفعا شَرْعِيًّا للْقَاضِي أَن يقْضِي عَلَيْهِ إِذا
قَامَت الْبَيِّنَة العادلة وَلَا يلْتَفت إِلَى مثل هَذِه الْمقَالة
وَقَالَ أَبُو حَامِد رَحمَه الله تَعَالَى يكلفه أَن يَأْتِي بِالدفع
فَإِن أَبْطَأَ كَانَ لَهُ أَن يقْضِي ويبقي لَهُ حق الدّفع
أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَطلب القَاضِي من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
دفعا فعجز عَنهُ يقْضِي القَاضِي يَعْنِي لَا يُؤَخر قَالَ أَبُو حَامِد
رَحمَه الله تَعَالَى يقْضِي وَالْقَاضِي ظَالِم فِي تَأْخِيره للْحكم
وَقَالَ الْكَرَابِيسِي تَأْخِير الْقَضَاء بعد ثُبُوت الْحق ظلم
أَتَى بِدفع صَحِيح وَقضى القَاضِي بِبُطْلَان دَعْوَى الْمُدَّعِي ثمَّ
أعَاد الدَّعْوَى عِنْد قَاض آخر لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِلَى
إِعَادَة الدّفع عِنْده وَلَا ينْقض الحكم بِهِ إِذا ثَبت ذَلِك
بِالْبَيِّنَةِ اه كَلَام الغنية
(1/234)
الْمَدْيُون إِذا حلف أَن لَا دين عَلَيْهِ
ثمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الدّين فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يظْهر
كذبه فِي الْحلف لِأَن الْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر فَلَا يظْهر
كذبه فِي يَمِينه وَعند أَبى يُوسُف يظْهر كذبه فِي يَمِينه
وَلَا يَمِين فِي الْحُدُود سَوَاء كَانَ حدا هُوَ خَالص حق الله تَعَالَى
نَحْو حد الزِّنَى وَشرب الْخمر وحد السّرقَة أَو كَانَ دائرا بَين حق الله
تَعَالَى وَحقّ العَبْد نَحْو حد الْقَذْف حَتَّى إِن من ادّعى على آخر
أَنه قذفه وَأنكر الْقَاذِف لَا يَمِين عَلَيْهِ فِيهِ وَأما فِي السّرقَة
فَإِن السَّارِق يسْتَحْلف لأجل المَال إِذا أَرَادَ الْمَالِك أَخذ المَال
دون الْقطع وَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ دع ذكر السّرقَة إِذا وادع تنَاول
مَالك فَيكون لَك عَلَيْهِ الْيَمين وَفِي الْقصاص فِي النَّفس والأطراف
يسْتَحْلف إِلَّا أَن فِي الطّرف يقْضِي بِالْقطعِ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه
الله تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يقْضِي بِالْمَالِ وَفِي النَّفس لَا يقْضِي
بِالنّكُولِ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَلَكِن يحبس حَتَّى
يقر أَو يحلف وَعِنْدَهُمَا يقْضِي بِالدِّيَةِ
ادّعى على آخر أَنه قَالَ لَهُ يَا مُنَافِق أَو يَا كَافِر أَو يَا زنديق
أَو ادّعى أَنه ضربه أَو لطمه أَو مَا أشبه ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي
توجب التَّعْزِير واراد تَحْلِيفه فَالْقَاضِي يحلفهُ لِأَن التَّعْزِير
مَحْض حق العَبْد وَلِهَذَا ملك العَبْد إِسْقَاطه بِالْعَفو والصغر لَا
يمْنَع وُجُوبه كَذَا فِي الْعِمَادِيّ
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان لَو وَجب يَمِين على الْأَخْرَس فَإِنَّهُ يحلف
وَصُورَة تَحْلِيفه أَن يَقُول لَهُ القَاضِي عَلَيْك عهد الله وميثاقه إِن
كَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ بنعم يصير حَالفا وَلَا يَقُول
لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ لَو أَشَارَ بِرَأْسِهِ
بنعم فِي هَذَا الْوَجْه يصير مقرا بِاللَّه وَلَا يكون حَالفا
رجل ادّعى أَنه وَكيل الْغَائِب بِقَبض الدّين أَو الْعين إِن برهن على
الْوكَالَة وَالْمَال قبلت وَإِن أقرّ بِالْوكَالَةِ وَأنكر المَال لَا
يصير خصما وَلَا تقبل الْبَيِّنَة على المَال لِأَنَّهُ لم يثبت كَونه خصما
بِإِقْرَار الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحجَّة فِي حق الطَّالِب وَإِن
أقرّ بِالْمَالِ وَأنكر الْوكَالَة لَا يسْتَحْلف على الْوكَالَة لِأَن
التَّحْلِيف يَتَرَتَّب على دَعْوَى صَحِيحَة وَلم تُوجد لعدم ثُبُوت
الْوكَالَة
وَذكر الْخصاف أَنه يحلف على الْوكَالَة وَالْأول أصح وَفِي الْمُنْتَقى
الْمَطْلُوب إِذا كَانَ مَرِيضا أَو امْرَأَة يبْعَث من يستحلفهما وَقَالَ
الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى لَا يبْعَث
من عَلَيْهِ الدّين الْمُؤَجل قدمه الدَّائِن إِلَى القَاضِي قبل الْحل
وحلفه مَاله قبلك الْيَوْم شَيْء وجهله القَاضِي إِن كَانَ الْحَالِف لَا
يَنْوِي إِتْلَاف حَقه لَا بَأْس بِهِ وَلَكِن لَيْسَ للْقَاضِي أَن يقبله
مِنْهُ بل يحلفهُ بِاللَّه مَاله قبلك شَيْء قَالَ الْفَقِيه فِيهِ دَلِيل
على أَن قَوْله لَيْسَ قبله الْيَوْم شَيْء إِقْرَار وَلَا يلْتَفت إِلَى
قَول بعض الْحُكَّام إِنَّه إِقْرَار بِالدّينِ الْمُؤَجل فَيجب عَلَيْهِ
المَال
وَذكر الناطفي أَن من عَلَيْهِ دين مُؤَجل لَو أقرّ بِهِ وَادّعى الْأَجَل
لَا يصدقهُ القَاضِي فحيلته أَن يَقُول القَاضِي سلة إِحَالَة أم مُؤَجّلَة
إِن ادّعى الْحَالة يحلف بِاللَّه مَا عَلَيْهِ هَذِه الْألف الَّتِي
يدعيها وَإِن حلف بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق حنث
وَفِي الْمُحِيط للْمَرْأَة إِثْبَات الْمهْر الْمُؤَجل وَإِن لم يكن لَهَا
ولَايَة الْمُطَالبَة وَكَذَا الدّين الْمُؤَجل
رجل أَخذ دَرَاهِمه مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ ونقدها النَّاقِد ثمَّ وجد
بَعْضهَا زُيُوفًا لَا ضَمَان على النَّاقِد وَترد إِلَى الدَّافِع
وَيسْتَرد غَيرهَا وَإِن أنكر الدَّافِع أَن يكون ذَا مدفوعه فَالْقَوْل
قَول الْقَابِض لِأَنَّهُ يُنكر أَخذ غَيرهَا وَهَذَا إِذا لم يقر
بِاسْتِيفَاء حَقه أَو الْجِيَاد فَإِن كَانَ أقرّ لَا يرجع إِن أنكر
الدَّافِع أَن يكون ذَا هُوَ
(1/235)
فِي الْقنية رجل طلب دينه من الْمَدْيُون
فَأعْطَاهُ ألف من الْحِنْطَة وَلم يبعها مِنْهُ وَلم يقل إِنَّهَا من
جِهَة الدّين فَهُوَ بيع بِالدّينِ وَإِن كَانَت قيمتهَا أقل من الدّين
فَإِن كَانَ السّعر بَينهمَا مَعْلُوما يكون بيعا بِقدر قِيمَته من الدّين
وَإِلَّا فَلَا بيع بَينهمَا
وَفِي الْعِمَادِيّ وَلَو كَانَ لرجل على آخر دَنَانِير فَقَالَ أَنا
أُعْطِيك بهَا دَرَاهِم فساوم بِالدَّرَاهِمِ وَلم يَقع بيع ثمَّ فَارقه
عَن قبض وَلم يسْتَأْنف بيعا فَهَذَا جَائِز البياعة وبنحوه عَن مُحَمَّد
رَحمَه الله قَالَ وَقد وَقعت وَاقعَة الْفَتْوَى فِي زَمَاننَا قلت
وَصورتهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَكِن عربها بعض الْفُضَلَاء الْمجمع على
خَيره وَدينه وَهُوَ رب الدّين إِذا توَافق مَعَ الْمَدْيُون على أَن
يُعْطِيهِ من الذّرة بِمِقْدَار مَاله عِنْده من الدَّرَاهِم وَقد كَانَ
ذَلِك الْقدر فِي ملكه والذرة فِي ذَلِك الْوَقْت كل مائَة من بِدِينَار
إِلَّا أَن رب الدّين لم يقبض الذّرة فِي ذَلِك الْمجْلس ثمَّ بعد ايام
جَاءَ وَقبض ذَلِك الْقدر من الْغلَّة وَقد تغير السّعر أينعقد البيع
بَينهمَا فعلى قِيَاس مَا ذكر فِي مداينات الذَّخِيرَة يَنْبَغِي أَن
ينْعَقد البيع بَينهمَا بِالْإِقْرَارِ السَّابِق وَالله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أعلم
وَفِي فَتَاوَى الديناري رجل لَهُ عِنْد رجل حِنْطَة دينا فجَاء رب الدّين
وَأخذ مِنْهُ قماشا من الخام بِحِسَاب الْحِنْطَة وَذَلِكَ الْيَوْم سعر
الْحِنْطَة كل مائَة من بِدِينَار ثمَّ لما حَاسبه كَانَ السّعر يَوْم
الْحساب كل خمسين مِنْهَا بِدِينَار فَإِن حصل بَينهمَا مواضعة بِأَن عين
القماش الخام بِمِقْدَار من الْحِنْطَة يعْتَبر ذَلِك التَّعْيِين وَإِن لم
يحصل بَينهمَا مواضعة يعْتَبر وَقت الْحساب لَا وَقت الخرج وَاعْتبر بعض
الْمَشَايِخ وَقت الخرج مستدلا بِأَنَّهُ لَو استخرج رجل من سمان حبوبا
وَأَعْطَاهُ أغلب ثمنهَا يعْتَبر وَقت الخرج قَالَ الديناري وَالْمُعْتَبر
عندنَا وَقت الْحساب
ادّعى الْمَدْيُون أَن الدَّائِن كتب على قرطاس بِخَطِّهِ إِن الدّين
الَّذِي لي على فلَان بن فلَان أَبرَأته عَنهُ صَحَّ وَسقط الدّين لِأَن
الْكِتَابَة المرسومة المعنونة كالمنطوق بِهِ وَإِن لم يكن كَذَلِك لَا
يَصح الْإِبْرَاء وَلَا دَعْوَى الْإِبْرَاء وَلَا فرق بَين أَن تكون
الْكِتَابَة بِطَلَب الدَّائِن وَبِغير طلبه وَلَو قَالَ تركت الدّين
الَّذِي لي عَلَيْك لَا يكون إِبْرَاء وَيحمل على ترك الطّلب فِي الْحَال
وَذكر فِي الخزانة الْأَكْمَل محالا على فَتَاوَى صاعد رجل كتب على نَفسه
بِمَال مَعْلُوم وخطه مَعْلُوم بَين التُّجَّار وَأهل الْبَلَد ثمَّ مَاتَ
فجَاء غَرِيمه يطْلب المَال من الْوَرَثَة وَعرض خطّ الْمَيِّت بِحَيْثُ
عرف النَّاس خطه حكم بذلك فِي تركته وَقد جرت الْعَادة بَين النَّاس
بِمثلِهِ حجَّة
وَفِي جَامع الْفَتَاوَى وَلَو قَالَ تركت حَقي من الْمِيرَاث أَو بَرِئت
مِنْهُ أَو من حصتي لَا يَصح وَهُوَ على حَقه لِأَن الْإِرْث جبري لَا يَصح
تَركه
قَالَ الْمُدَّعِي للْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد الْخُصُومَة وهبت وَتركت لَا
يكون إِبْرَاء مَا لم يقل مِنْك بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ أبرئني مِمَّا لَك عَليّ أَو هَب لي فَقَالَ وهبت أَو تركت أَو
أبرأت لِخُرُوجِهِ مخرج الْجَواب قَالَ من كَانَ لي عَلَيْهِ شَيْء فَهُوَ
فِي حل قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ على دَعْوَاهُ وَقَالَ
أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ على دَعْوَاهُ فِي الْعين
الْقَائِمَة لَا فِي الدّين
أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ أَو
الْوِصَايَة عَن غَيره صَحَّ وَفِي الْعِمَادِيّ رجل ادّعى على آخر مَالا
فَأنْكر فَقَالَ الْمُدَّعِي إِنَّه كتب لي بذلك خطأ فَأنْكر الْمُدَّعِي
عَلَيْهِ أَن يكون خطه فَأمره القَاضِي أَن يكْتب على بَيَاض فَكتب وَكَانَ
بَين الخطين مشابهة ظَاهِرَة دَالَّة على أَنَّهُمَا بِخَط كَاتب وَاحِد
لَا يقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ الْمُدَّعِي بِهِ لِأَن هَذَا لَا يكون
أَعلَى حَالا مِمَّا لَو كَانَ هَذَا خطي وَأَنا كتبته
(1/236)
وَلَكِن لَيْسَ على هَذَا المَال فهنالك
القَوْل قَوْله وَلَا شَيْء عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ السَّيِّد الامام نَاصِر
الدّين وَذكر مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الطَّلَاق وَلَو كتب
الطَّلَاق على الرَّسْم فِي مثله ثمَّ قَالَ لم أنو بِهِ الطَّلَاق لَا
يصدق فَكَذَا الاقرار
وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالجيّ رجل ادّعى على رجل دَارا أَو عبدا ثمَّ
قَالَ الْمُدَّعِي للْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَبْرَأتك عَن هَذِه الدَّار وَعَن
خصومتي فِي هَذِه الدَّار أَو فِي دعواي فِي هَذِه الدَّار فَهَذَا كُله
بَاطِل حَتَّى لَو ادّعى بعد ذَلِك تسمع وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة تقبل
بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ بَرِئت لَا تقبل بَينته بعد ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا
قَالَ أَنا بَرِيء من هَذَا العَبْد أَو خرجت عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن
يَدعِي بعد ذَلِك لِأَن قَوْله أَبْرَأتك عَن خصومتي فِي هَذِه الدَّار
خطاب للْوَاحِد فَلهُ أَن يُخَاصم غَيره فِي ذَلِك بِخِلَاف قَوْله بَرِئت
لِأَنَّهُ أضَاف الْبَرَاءَة إِلَى نَفسه مُطلقًا فَيكون هُوَ بَرِيئًا
نوع فِي الِاخْتِلَاف إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي قدر الثّمن أَو
الْمَبِيع بِأَن ادّعى المُشْتَرِي ثمنا وَادّعى البَائِع أَكثر مِنْهُ أَو
اعْترف البَائِع بِقدر من الْمَبِيع وَادّعى المُشْتَرِي وَأكْثر مِنْهُ
فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لأَحَدهمَا بَيِّنَة أَو لَهما بَيِّنَة
أَولا بَيِّنَة لَهما وَلَا لأَحَدهمَا فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة
قضى لمن قَامَت بِبَيِّنَتِهِ لِأَنَّهُ نور دَعْوَاهُ بِالْحجَّةِ وَإِن
أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة المثبتة للزِّيَادَة أولى لِأَن
الْبَينَات شرعت للإثبات وَإِن لم يكن لَهما وَلَا لأَحَدهمَا بَيِّنَة قيل
للْمُشْتَرِي إِمَّا أَن ترْضى بِالثّمن الَّذِي ادَّعَاهُ البَائِع
وَإِلَّا فسخنا البيع وَقيل للْبَائِع إِمَّا أَن تسلم مَال ادَّعَاهُ
المُشْتَرِي من الْمَبِيع وَإِلَّا فسخنا البيع لِأَن الْغَرَض قطع
الْخُصُومَة وَقد أمكن ذَلِك بِرِضا أَحدهمَا بِمَا يَدعِيهِ الآخر فَإِن
لم يرضيا اسْتحْلف القَاضِي كل وَاحِد مِنْهُمَا على دَعْوَى الآخر وَيبدأ
بِيَمِين المُشْتَرِي فِي الصَّحِيح ثمَّ إِذا حلف أَحدهمَا يسْتَحْلف
الآخر فَإِن نكل أَحدهمَا ثبتَتْ الدَّعْوَى الآخر لِأَن النّكُول بذل أَو
إِقْرَار ثمَّ إِذا تحَالفا هَل يَنْفَسِخ البيع بِنَفس التَّحَالُف أَو
بِفَسْخ القَاضِي فقد اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ بَعضهم يَنْفَسِخ البيع بِنَفس
التَّحَالُف وَقَالَ بَعضهم لَا يَنْفَسِخ إِلَّا بِفَسْخ القَاضِي عِنْد
طلبهما أَو طلب أَحدهمَا وَهُوَ الصَّحِيح هَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا
اخْتلفَا فِي الْمَبِيع وَحده أوفى الثّمن وَحده وَأما إِذا اخْتلفَا فِي
الْمَبِيع وَالثمن جَمِيعًا بِأَن قَالَ البَائِع بِعْت هَذَا العَبْد
بألفي دِرْهَم وَقَالَ المُشْتَرِي بل اشْتريت هَذَا العَبْد بِأَلف
دِرْهَم فَإِن لم يكن لَهما وَلَا لأَحَدهمَا بَيِّنَة تحَالفا وتفاسخا
البيع على مَا بَيناهُ وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة فَمن قَامَت بَينته
أولى لما بَيناهُ وَإِن أَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة على مَا
يَدعِيهِ فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن لِأَنَّهَا أَكثر اثباتا
وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع لِأَنَّهَا أَكثر إِثْبَاتًا
وَإِن اخْتلفَا فِي الْأَجَل أَو فِي شَرط الْخِيَار أَو اسْتِيفَاء بعض
الثّمن كَانَ القَوْل للْمُنكر مَعَ يَمِينه
وَفِي الْمَبْسُوط فرق بَين هَذَا وَبَين الْأَجَل فِي السّلم فَإِن
هُنَاكَ القَوْل من يَدعِي الْأَجَل من قبل أَن هُنَاكَ الْأَجَل من شَرط
صِحَة العقد على مَا يَجِيء فِي بَابه اه كَذَا ذكر فِي المنبع
إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي قدر الثّمن بعد قبض الْمَبِيع وهلاكه لَا
تحالف فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وابي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى بل
القَوْل فِيهِ للْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَقَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ
رحمهمَا الله يَتَحَالَفَانِ وَيفْسخ البيع على قيمَة الْهَالِك وعَلى
هَذَا الْخلاف إِذا خرج الْمَبِيع عَن ملكه أَو تغير وَصَارَ بِحَال لَا
يقدر على رده بِالْعَيْبِ
إِذا اشْترى عَبْدَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة وقبضهما ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا
وَاخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي اشتريتهما بِأَلف
دلاهم وَقَالَ البَائِع اشتريتهما بألفي دِرْهَم قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه
الله تَعَالَى لَا يَتَحَالَفَانِ إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يتْرك
حِصَّة الْهَالِك فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَإِذا لم يرض البَائِع بترك
حِصَّة الْهَالِك لَا يَتَحَالَفَانِ وَيكون القَوْل قَول
(1/237)
المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَقَالَ أَبُو
يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيّ وَيفْسخ العقد فِي
الْحَيّ وَالْقَوْل للْمُشْتَرِي فِي حِصَّة الْهَالِك من الثّمن مَعَ
يمنيه وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا
وَيرد الْحَيّ وَقِيمَة الْهَالِك
وَفِي المنبع إِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع لبيت فَلَا يَخْلُو إِمَّا
أَن يكون الِاخْتِلَاف بَين الزَّوْجَيْنِ فِي حَال حياتهما وَإِمَّا أَن
يكون بَين ورثتهما بعد وفاتهما وَإِمَّا أَن يكون فِي حَال حَيَاة أَحدهمَا
وَمَوْت الآخر فَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِي حَال حياتهما فإمَّا أَن يكون
فِي حَال قيام النِّكَاح وَإِمَّا أَن يكون بعد زَوَاله بِالطَّلَاق فَإِن
كَانَ فِي حَال قيام النِّكَاح فَمَا يصلح للرجل كالعمامة والقلنسوة
وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك فَالْقَوْل فِيهِ قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه
لِأَن الظَّاهِر شَاهد لَهُ وَمَا يصلح للنِّسَاء كالخمار والملحفة والمغزل
وَنَحْوهَا فَالْقَوْل فِيهِ للْمَرْأَة مَعَ الْيَمين لِأَن الظَّاهِر
شَاهد لَهَا
قَالَ الامام التُّمُرْتَاشِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَمَا يصلح للنِّسَاء
فَالْقَوْل فِيهِ وللمرأة مَعَ الْيَمين إِلَّا إِذا كَانَ الرجل صائغا
وَله أساور وخواتيم النِّسَاء وحلى وخلخال وأمثال ذَلِك فَحِينَئِذٍ لَا
يكون مثل هَذِه الْأَشْيَاء للْمَرْأَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الْمَرْأَة
تبيع ثِيَاب الرِّجَال كالعمامة والقوس والدرع والمنطقة انْتهى وَمَا يصلح
لَهما كالآنية وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والمنزل وَالْعَقار والمواشي
وَغَيرهَا فَالْقَوْل فِيهِ قَول الزَّوْج وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة
وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله
تَعَالَى القَوْل قَول الزَّوْج فِي غير الْمُشكل كَمَا قَالَا وَأما فِي
الْمُشكل فَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة إِلَى قدر جهاز مثلهَا وَفِي
الْبَاقِي القَوْل قَول الزَّوْج وَقَالَ زفر رَحمَه الله تَعَالَى
الْمُشكل بَينهمَا نِصْفَانِ وَفِي قَول آخر وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى الْمَتَاع كُله بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ ابْن أبي لَيْلَة القَوْل قَول الزَّوْج فِي الْكل وَلها ثِيَاب
بدنهَا وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِن كَانَ
الْبَيْت بَيت الْمَرْأَة فالمتاع كُله لَهَا إِلَّا مَا على الزَّوْج من
ثِيَاب بدنه وَإِن كَانَ الْبَيْت بَيت الزَّوْج فالمتاع لَهُ لِأَن يَد
صَاحب الْبَيْت على مَا فِي الْبَيْت أقوى وَأظْهر من يَد غَيره وَهَذَا
كُله إِذا اخْتلفَا فِي حَال قيام النِّكَاح وَأما إِذا اخْتلفَا بعد
طَلاقهَا ثَلَاثًا أَو بَائِنا فَالْقَوْل قَول الزَّوْج لِأَنَّهَا صَارَت
أَجْنَبِيَّة بِالطَّلَاق فَزَالَتْ يَدهَا هَذَا إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ
قبل الطَّلَاق أَو بعده أما إِذا مَاتَا فَاخْتلف ورثتهما فَالْقَوْل قَول
وَرَثَة الزَّوْج فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى
وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى القَوْل قَول وَرَثَة الْمَرْأَة
إِلَى قدر جهاز مثلهَا وَفِي الْبَاقِي القَوْل قَول وَرَثَة الزَّوْج
لِأَن الْوَارِث يقوم مقَام الْمُورث فصارا كالمورثين اخْتلفَا بأنفسهما
وهما حَيَّان فِي حَال قيام النِّكَاح وَلَو كَانَ كَذَلِك كَانَ على هَذَا
الْخلاف فَكَذَلِك بعد مَوْتهمَا وَإِن مَاتَ أَحدهمَا فَاخْتلف الْحَيّ
مِنْهُمَا وورثة الْمَيِّت فَإِن كَانَ الْمَيِّت هُوَ الْمَرْأَة
فَالْقَوْل قَول الزَّوْج عِنْد ابي حنيفَة وَمُحَمّد لِأَنَّهَا لَو
كَانَت حَيَّة لَكَانَ القَوْل قَول الزَّوْج فَبعد مَوتهَا أولى وَعند ابي
يُوسُف القَوْل قَول وَرَثَة الْمَرْأَة إِلَى قدر جهاز مثلهَا كَمَا هُوَ
أَصله وَإِن كَانَ الْمَيِّت هُوَ الزَّوْج فَالْقَوْل قَوْلهَا عِنْد أبي
حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمُشكل وَعند أبي يُوسُف فِي قدر جهاز
مثلهَا وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى القَوْل قَول وَرَثَة الزَّوْج
وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَو مملوكين أَو مكاتبين
أما إِذا كَانَ أَحدهمَا حرا وَالْآخر مَمْلُوكا أَو مكَاتبا فاختلفا فِي
حياتهما فَعِنْدَ أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى القَوْل قَول الْحر
وَعِنْدَهُمَا إِن كَانَ الْمَمْلُوك مَحْجُورا فَكَذَلِك وَإِن كَانَ
الْمَمْلُوك مَأْذُونا أَو مكَاتبا فَالْجَوَاب فِيهِ وَفِيمَا إِذا كَانَا
حُرَّيْنِ سَوَاء وَقد تقدم جَوَاب الحرين بتفاصيلهما
وَفِي الْمُحِيط رجل زوج ابْنَته فجهزها بجهاز فَمَاتَتْ الْبِنْت وَزعم
أَبوهَا أَن الجهاز الْمَدْفُوع إِلَيْهَا كَانَ مَاله وَأَنه لم يملكهُ
مِنْهَا وانما أَعَارَهُ لَهَا وَلم يَهبهُ لَهَا فَالْقَوْل قَول الزَّوْج
وعَلى الْأَب الْبَيِّنَة لِأَن الظَّاهِر شَاهد للزَّوْج
(1/238)
وَلِأَن الانسان إِذا جهز بنته يدْفع
إِلَيْهَا بطرِيق التَّمْلِيك ظَاهرا وَصَارَ كمن دفع ثوبا إِلَى قصار
ليقصره وَلم يذكر أجرا حمل على الاجارة بِشَهَادَة الظَّاهِر فَكَذَا هَذَا
وَالْبَيِّنَة الصَّحِيحَة أَن تشهد عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْمَرْأَة
أَنه إِنَّمَا سلم إِلَيْهَا هَذِه الْأَعْيَان بطرِيق الْعَارِية أَو
يكْتب نُسْخَة وَيشْهد الْأَب على إِقْرَارهَا أَن جَمِيع مَا فِي هَذِه
النُّسْخَة مِنْك عَارِية بيَدي لَكِن هَذَا للْقَضَاء لَا للِاحْتِيَاط
لجَوَاز أَنه اشْترى لَهَا بعض هَذِه الْأَشْيَاء فِي حَالَة الصغر
فَبِهَذَا الْإِقْرَار لَا يصير للْأَب فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
فالاحتياط أَن يَشْتَرِي مِنْهَا مَا فِي هَذِه النُّسْخَة بِثمن مَعْلُوم
ثمَّ الْبِنْت تبرئه عَن الثّمن انْتهى
وَفِي الْعِمَادِيّ إِن كَانَ لرجل على انسان دينان من جنس وَاحِد فَأدى
الْمَدْيُون شَيْئا من المَال فَالْقَوْل قَول الدَّافِع أَنه دفع بِأَيّ
جِهَة فَيسْقط ذَلِك الدّين عَن ذمَّته وَلَو كَانَا من جِنْسَيْنِ بِأَن
كَانَ أَحدهمَا من الذَّهَب وَالْآخر من الْفضة أَو أَحدهمَا من الْحِنْطَة
وَالْآخر من الشّعير فَأدى الْفضة وَقَالَ أدّيت عوضا عَن الذَّهَب لَا
يكون عوضا عَن الذَّهَب لِأَن الْمُعَاوضَة لَا تتمّ الا بالطرفين
دلال بَاعَ شَيْئا ثمَّ ان المُشْتَرِي دفع عشرَة دَرَاهِم إِلَى الدَّلال
وَقَالَ دفعت من الثّمن وَقَالَ الدَّلال دفعت دلالتي فَالْقَوْل قَول
الدَّافِع مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ المملك
رجل عَلَيْهِ ألف دِرْهَم من كَفَالَة وَألف دِرْهَم من ثمن مَبِيع فجَاء
بِأَلف وَقَالَ أؤدي هَذِه من الْكفَالَة وَقَالَ الطَّالِب لَا آخذها
إِلَّا من جَمِيع مَالِي عَلَيْك لَهُ ذَلِك وَحصل الْقَبْض عَن
الْمَالَيْنِ وَيرجع بِمَا بَقِي على الْمَكْفُول عَنهُ وَإِن قبض وَلم يقل
شَيْئا فللمطلوب أَن يَجعله من أَي الْمَالَيْنِ شَاءَ
خياط يخيط ثوبا فِي دَار انسان اخْتلفَا فِي الثَّوْب فَالْقَوْل قَول
صَاحب الدَّار وَلِأَن الثَّوْب وَإِن كَانَ فِي يَد الْخياط صُورَة فَهُوَ
فِي يَد صَاحب الدَّار معنى
حمال خرج من دَار رجل وعَلى عَاتِقه مَتَاع فَإِن كَانَ الْحمال يعرف بِبيع
ذَلِك وَحمله فَهُوَ لَهُ وَكَانَ الظَّاهِر شَاهدا لَهُ وَإِن كَانَ لَا
يعرف فَهُوَ لصَاحب الدَّار لِأَن الظَّاهِر شَاهد لَهُ وَكَذَلِكَ حمال
عَلَيْهِ كارة وَهُوَ فِي دَار بزاز وَاخْتلفَا فِي تِلْكَ الكارة فَإِن
كَانَت الدَّار مِمَّا يحمل فِيهَا فَالْقَوْل قَول الْحمال وَإِن كَانَت
مِمَّا لَا يحمل فِيهَا فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار
رجلَانِ اصطادا طائرا فِي دَار رجل وَاخْتلفَا فِيهِ فَإِن اتفقَا على اصل
الْإِبَاحَة وَلم يستول عَلَيْهِ قطّ فَهُوَ للصائد سَوَاء اصطاده من
الْهَوَاء أَو من الشّجر أَو من الْحَائِط لِأَنَّهُ الْآخِذ دون صَاحب
الدَّار إِذْ الصَّيْد لَا يعْتَبر بِكَوْنِهِ مأخوذا على حَائِطه أَو
شَجَره وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّيْد لمن أَخذه
وَإِن اخْتلفَا فَقَالَ صَاحب الدَّار اصطدته قبلك أَو ورثته وَأنكر
الصَّائِد فَإِنَّهُ ينظر إِن أَخذه من الْهَوَاء فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ
الْآخِذ إِذْ لَا يدْخلهُ على الْهَوَاء وَإِن أَخذ من جِدَاره أَو من
شَجَره فَهُوَ لصَاحب الدَّار لِأَن الْجِدَار وَالشَّجر فِي يَده
وَكَذَلِكَ إِذا اخْتلفَا فِي أَخذه من الْهَوَاء أَو من الْجِدَار
فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار لِأَن الأَصْل أَن مَا فِي دَار الانسان
يكون فِي يَده هَكَذَا روى عَن أبي يُوسُف مَسْأَلَة الصَّيْد على هَذِه
التفاصيل وَالله أعلم
(1/239)
|