لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل التَّاسِع فِي أَنْوَاع الضمانات الْوَاجِبَة وكيفيتها وَفِي تضمين الْأمين
ذكر فِي الصُّغْرَى إِذا أَمر إنْسَانا يَأْخُذ مَال الْغَيْر فَالضَّمَان على الْآخِذ لِأَن الْآمِر لم يَصح أمره وَفِي كل مَوضِع لَا يَصح الْأَمر لَا يجب الضَّمَان على الْآمِر
وَالسُّلْطَان لَو أَمر رجلا بِأخذ مَال الْغَيْر هَل يجب الضَّمَان على الْمَأْمُور ذكر فِي أول دَعْوَى الْوَجِيز رجل ادّعى على رجل أَنه أَمر فلَانا فَأخذ مِنْهُ كَذَا من المَال فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْأَمر سُلْطَانا فالدعوى عَلَيْهِ مسموعة وَإِن كَانَ غير سُلْطَان فَلَا لِأَن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه على مَا يَجِيء فِي فصل الْإِكْرَاه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
رجل أَمر عبد غَيره بالإباق أَو قَالَ لَهُ اقْتُل نَفسك فَفعل تجب قيمَة العَبْد وَلَو قَالَ اتلف مَال مَوْلَاك فأتلف لَا يضمن الْآمِر
من اسْتعْمل عبد الْغَيْر كَانَ بِمَنْزِلَة قَبضه حَتَّى لَو هلك من ذَلِك الْعَمَل يضمن وَكَذَا لَو أودع رجلا عبدا فَبَعثه الْمُودع فِي حَاجته صَار غَاصبا
عبد بَين اثْنَيْنِ استخدمه أَحدهمَا فِي غيبَة صَاحبه فَمَاتَ فِي خدمته لَا يضمن وَفِي الدَّابَّة يضمن وَفِي نَوَادِر هِشَام أَنه يضمن فِي العَبْد أَيْضا
وَذكر فِي بعض أصُول الْفِقْه أَن الترصف فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لَا يُوجب الضَّمَان كالاستخدام وَإِن كَانَ لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا
إِذا قَالَ لعبد الْغَيْر ارتق الشَّجَرَة وانثر ثَمَرَة المشمش لتأكله أَنْت فَسقط لَا ضَمَان على الْآمِر وَلَو قَالَ لتأكله أَنْت وَأَنا أفتى القَاضِي الامام فَخر الدّين رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يَنْبَغِي أَن يضمن قِيمَته كُله لِأَنَّهُ اسْتعْمل كُله فِي منفعَته
غُلَام حمل كوز مَاء لينقل إِلَى بَيت مَوْلَاهُ باذنه فَدفع إِلَيْهِ رجل آخر كوزه ليحمل لَهُ مَاء من الْحَوْض بِغَيْر اذن مَوْلَاهُ فَهَلَك العَبْد فِي الطَّرِيق قَالَ صَاحب الْمُحِيط مرّة يضمن نصف قِيمَته ثمَّ قَالَ فِي الْمرة الآخرى يضمن كل قيمَة العَبْد لِأَن فعله صَار نَاسِخا لفعل الْمولى
غُلَام جَاءَ إِلَى فصاد وَقَالَ افصدني ففصده فصدا مُعْتَادا فَمَاتَ من ذَلِك السَّبَب قَالَ يضمن قيمَة العَبْد عَاقِلَة الفصاد وَكَذَلِكَ الصَّبِي تجب دِيَته على عَاقِلَة الفصاد
رجل كَانَ يكسر حطبا فجَاء غُلَام انسان وَقَالَ أَعْطِنِي الْقدوم حَتَّى أكسر أَنا فَأبى أَن يُعْطِيهِ فألح عَلَيْهِ

(1/276)


فِي ذَلِك وَأخذ مِنْهُ الْقدوم وَكسر بعض الْحَطب ثمَّ قَالَ ائْتِ بآخر حَتَّى أكسره فَأبى فَأتى الْغُلَام بحطب وكسره فَضرب بعض المكسور من الْحَطب على عينه وَذَهَبت عينه لَا يكون على صَاحب الْحَطب شَيْء لِأَنَّهُ لم يَأْمر الْغُلَام بِكَسْر الْحَطب وَلم يَسْتَعْمِلهُ فِي شَيْء وَإِنَّمَا فعله العَبْد بِاخْتِيَار نَفْيه فَلَا يكون الرجل ضَامِنا لشَيْء
وَفِي التَّجْرِيد إِذا استخدم عبد رجل بِغَيْر اذنه أَو دَابَّة سَاقهَا أَو حمل عَلَيْهَا شَيْئا أَو ركبهَا بِغَيْر اذنه فَهُوَ ضَامِن إِن عطبت فِي تِلْكَ الْخدمَة أَو فِي غَيرهَا
وَفِي الذَّخِيرَة ركب دَابَّة غَيره فَتلفت ضمن سَاقهَا أَو لم يسقها فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة الْحسن يضمن إِذا سَاقهَا
وَفِي النَّوَازِل غصب عبدا ثمَّ رده وَقد عورت عينه عِنْده يضمن الْأَرْش ثمَّ بَاعه مَوْلَاهُ فانجلى الْبيَاض فِي يَد المُشْتَرِي رَجَعَ الْغَاصِب بِمَا دفع من أرش الْعين على البَائِع
وَفِي فَتَاوَى الفضلى لَو غصب من صبي شَيْئا ثمَّ رده عَلَيْهِ إِن كَانَ الصَّبِي من أهل الْحِفْظ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَو غصب من عبد مَحْجُور شَيْئا ثمَّ رده عَلَيْهِ بَرِيء من ضَمَانه
وَفِي فَوَائِد الْفَقِيه أبي جَعْفَر من وضع سكينا فِي يَد صبي فَقتل بهَا نَفسه لَا يضمن وَلَو عثر بهَا حَتَّى مَاتَ يضمن
صبي قَائِم على سطح أَو حَائِط صَاح فِيهِ رجل فَفَزعَ الصَّبِي فَوَقع وَمَات يغرم الصائح دِيَته وَتلك على عَاقِلَته وَكَذَلِكَ لَو كَانَ على الطَّرِيق فمرت بِهِ دَابَّة فصاح فِيهَا رجل فوطئته الدَّابَّة فَمَاتَ يضمن الصائح دِيَته وهى على عَاقِلَته
وَلَو بعث غُلَاما صَغِيرا بِغَيْر اذن أَهله إِلَى حَاجَة فارتقى فَوق بَيت مَعَ الصّبيان فَوَقع وَمَات يضمن
وَفِي النَّوَازِل قَالَ أَبُو بكر رَحمَه الله تَعَالَى لَو رمى صبي سَهْما فَأصَاب امْرَأَة لَا ضَمَان على وَالِده وَإِنَّمَا يجب فِي مَاله وَإِن لم يكن لَهُ مَال فنظرة إِلَى ميسرَة قَالَ وَإِنَّمَا وَجب فِي مَاله لِأَنَّهُ لَا يرى للعجم عَاقِلَة وَهُوَ يَقُول الْعَاقِلَة للْعَرَب لأَنهم يتناصرون
وَفِي الْعُيُون وَلَو أَدخل صَبيا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو نَائِما فِي دَاره فَسقط الْبَيْت قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يضمن فِي الصَّبِي والمغمى عَلَيْهِ وَلَا يضمن فِي النَّائِم
سَكرَان ذَاهِب الْعقل وَقع ثَوْبه فِي الطَّرِيق فَأخذ الثَّوْب رجل ليحفظه فَهَلَك فِي يَده لم يضمن وَلَو كَانَ الثَّوْب تَحت رَأسه وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يضمن وَلَو كَانَت الدَّرَاهِم فِي كمه فَرَفعهَا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يضمن أَيْضا
وَذكر فِي الْعدة لَو أخرج خَاتم رجل من إصبعه وَهُوَ نَائِم ثمَّ أَعَادَهُ فِي أُصْبُعه فِي ذَلِك لنوم برىء وَفِي نوم آخر لَا يبرأ وَإِن اسْتَيْقَظَ ثمَّ نَام فَأَعَادَهُ لَا يبرأ
غصب شَيْئا من الصاحي ثمَّ رده عَلَيْهِ وَهُوَ سَكرَان يبرأ وَهُوَ كالصاحي بِخِلَاف مالو آخذ مِنْهُ وَهُوَ يقظان ثمَّ رده عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَإِنَّهُ لَا يبرأ
إِذا تعلق بِرَجُل وخاصمه فَسقط من الْمُتَعَلّق بِهِ شَيْء يضمن الْمُتَعَلّق

(1/277)


وَمن هدم بَيت نَفسه فانهدم من ذَلِك منزل جَاره لَا يضمن لِأَنَّهُ غير مُتَعَدٍّ فِيهِ
وَفِي الْعُيُون لَو ضرب رجلا فَسقط الْمَضْرُوب مغشيا عَلَيْهِ وَسقط مِنْهُ شَيْء وتوى قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يضمن الضَّارِب المَال الَّذِي مَعَ الْمَضْرُوب لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلك وَكَذَا يضمن ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ لَو تلفت وَيَأْتِي فِي فصل الْغَصْب مَا يُخَالف هَذَا فَلْينْظر ثمَّة
وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين رجل فر من الظَّالِم فَأَخذه إِنْسَان حَتَّى أدْركهُ الظَّالِم فَأَخذه وخسره أَو طلب ظَالِم رجلا ليقْبض مِنْهُ جباية فدله رجل عَلَيْهِ فَأخذ مِنْهُ مَالا فَفِي قِيَاس قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يضمن الْآخِذ لَهُ وَالدَّال عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تسبب لأخذ مَاله وَالْفَتْوَى على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا يضمن وَكَذَا لَو تخاصم رجلَانِ فَضرب أَحدهمَا الآخر فَذهب الْمَظْلُوم إِلَى الْوَالِي فخسره لَا يضمن الْمَظْلُوم لِأَنَّهُ طلب الْغَوْث
وَفِي فَوَائِد ظهير الدّين المرغيناني وَلَو قَالَ لغيره اسلك هَذَا الطَّرِيق فَإِنَّهُ آمن فسلكه وَأَخذه اللُّصُوص لَا يضمن وَلَو قَالَ إِن كَانَ مخوفا وَأخذ مَالك فَأَنا ضَامِن وَبَاقِي الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا ضمن وَصَارَ الأَصْل أَن الْمَغْرُور إِنَّمَا يرجع على الْغَار إِذا حصل الْغرُور فِي ضمن عقد الْمُعَارضَة أَو ضمن الْغَار صفة السَّلامَة للمغرور نصا
وَلَو قَالَ الطَّحَّان لصَاحب الْحِنْطَة اجْعَل الْحِنْطَة فِي الدَّلْو فَجَعلهَا فِي الدَّلْو فَذَهَبت من ثقب كَانَ بِهِ إِلَى المَاء والطحان كَانَ عَالما بِهِ يضمن لِأَنَّهُ صَار غارا فِي ضمن العقد بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الأولى لِأَن ثمَّة مَا ضمن السَّلامَة بِحكم العقد وَهَا هُنَا العقد يَقْتَضِي السَّلامَة فَيصير مغرورا فَيضمن
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين سَأَلَ هِشَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَن فتح بَاب قفص حَتَّى خرج مِنْهُ الطَّائِر أَو فتح الزق وَالسمن جامد فذاب وَخرج مِنْهُ السّمن قَالَ يضمن وَلَو حل قيد عبد فأبق العَبْد لَا يضمن لِأَن العَبْد لَهُ عَزِيمَة فَإِن كَانَ العَبْد ذَاهِب الْعقل يضمن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يضمن فِي هَذَا كُله وَلَو شقّ زق دهن سَائل حَتَّى سَالَ يضمن وَكَذَا لَو قطع حَبل الْقنْدِيل يضمن
وَفِي مختلفات الْمَشَايِخ قَالَ أَبُو حنيفَة وابو يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى إِذا فتح بَاب قفص أَو اصطبل حَتَّى طَار الطَّائِر أَو خرج الْحمار أَو حل قيد عبد فهرب فَإِنَّهُ لَا يضمن وقفُوا أَو لم يقفوا وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يضمن وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى إِن وقف سَاعَة ثمَّ ذهب لَا يضمن وَإِن ذهب من سَاعَته يضمن
وَلَو فتح بَاب دَار فَسرق آخر مِنْهَا مَتَاعا لَا يضمن الفاتح سَوَاء سرق عقيب الْفَتْح أَو بعده وَكَذَا إِذا حل رِبَاط دَابَّة فسرقها إِنْسَان أَو فتح بَاب قفص فَأخذ الطَّائِر انسان آخر لَا ضَمَان على الَّذِي حل وَفتح
وَالْمُودع إِذا فتح بَاب القفص أَو حل قيد العَبْد أَو فتح بَاب الاصطبل حَتَّى ذهب يضمن بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ الْتزم الْحِفْظ أَلا ترى أَنه إِذا دلّ الْغَاصِب أَو السَّارِق على الْوَدِيعَة ضمن وَغَيره لَا يضمن وَلَو نفر رجل طير انسان لَا يضمن وَلَو قصد تنفيره يضمن وَلَو دنا مِنْهُ وَقصد تنفيره يضمن وَلَو دنا مِنْهُ وَلم يقْصد تنفيره لَا يضمن
وَفِي فَتَاوَى السَّمرقَنْدِي وَلَو نقب حَائِط انسان بِغَيْر اذنه ثمَّ غَابَ الناقب فَدخل انسان من ذَلِك النقب وسرق شَيْئا لَا ضَمَان على الناقب لِأَنَّهُ متسبب وَالسَّارِق مبَاشر وَكَانَ أَبُو نصر الدبوسي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول يضمن الناقب لَكِن الْفَتْوَى بِعَدَمِ الضَّمَان
إِذا قمط الرجل رجلا وألقاه فِي الْبَحْر وَتَركه حَتَّى مَاتَ فَإِن غرق من سَاعَته يضمن دِيَته وَإِن سبح سَاعَة ثمَّ غرق لم يكن عَلَيْهِ شَيْء

(1/278)


وَفِي شرح الطحاوى وَلَو القى حَيَّة أَو عقربا على قَارِعَة الطَّرِيق فلدغ رجلا فَالضَّمَان على الَّذِي ألْقى إِلَّا إِذا تحول من ذَلِك الْموضع إِلَى مَوضِع آخر فَحِينَئِذٍ ترْتَفع جِنَايَته وَلَو دخل رجل دَار قوم فعقره كلبهم فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لم يُوجد الإغراء والإشلاء مِنْهُم
وَفِي التَّجْنِيس رجل لَهُ كلب عقور كلما مر عَلَيْهِ مار يعضه فعض انسانا هَل يجب عَلَيْهِ الضَّمَان إِن تقدمُوا إِلَى صَاحب الْكَلْب وعرفوه بذلك قبل العض يضمن وَإِن لم يتقدموا إِلَيْهِ قبل العض لَا يضمن بِمَنْزِلَة الْحَائِط المائل قَالَ قَاضِي خَان رَحمَه الله تَعَالَى وَيَنْبَغِي أَن لَا يضمن إِذا لم يكن من صَاحبه أشلاء وَلَو أغرى كَلْبا حَتَّى عقر رجلا لَا ضَمَان على المغرى عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا إِذا أرسل طائرا فَأصَاب فِي فوره ذَلِك لَا يضمن بِالْإِجْمَاع
رجل أَخذ هرة وَأَلْقَاهَا إِلَى حمامة انسان أَو دجَاجَة فَأكلت الْهِرَّة الْحَمَامَة قَالَ إِن أَخَذتهَا الْهِرَّة برميه وإلقائه إِلَيْهَا يضمن وَإِن أَخَذتهَا بعد الرَّمْي وَالْإِلْقَاء لَا يضمن قيل لَهُ وَلَو أشلى كَلْبه على انسان وأغراه عَلَيْهِ فعقره ايضمن المشلى قَالَ نعم لِأَنَّهُ بالإغراء لكلبه صَار آلَة لعقره كَأَنَّهُ ضربه بِحَدّ سَيْفه
وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ من أرسل بَهِيمَة فاصابت فِي فورها شَيْئا ضمن وَكَذَلِكَ إِذا أرسلها وَلم يكن لَهَا قَائِد وَلَا سائق وَلَا زاجر فاصابت شَيْئا فِي ذَلِك الطَّرِيق فَإِنَّهُ يضمن وَلَو عطفت عَن ذَلِك الطَّرِيق وَكَانَ لَهَا طَرِيق آخر فأصابت شَيْئا فَإِنَّهُ لَا يضمن وَلَو عطفت وَلم يكن لَهَا طَرِيق غَيره فَذَلِك مَضْمُون على الْمُرْسل
وَفِي الْمُلْتَقط وَلَا يجب الضَّمَان على صَاحب الْمَاشِيَة إِذا أتلفت شَيْئا لَيْلًا أَو نَهَارا إِذا لم يكن لَهَا سائق أَو قَائِد
وَفِي الْعدة وَلَو أوقف الدَّابَّة فِي سوق الدَّوَابّ لَا ضَمَان على صَاحبهَا إِن أتلفت شَيْئا وَإِن أوقفها على بَاب السُّلْطَان يضمن مَا أَصَابَت وَكَذَا لَو أوقفها على بَاب الْمَسْجِد الْأَعْظَم أَو مَسْجِد آخر إِلَّا إِذا جعل الامام للْمُسلمين موضعا يوقفون دوابهم فِيهِ فَلَا يضمن
وَفِي الْعُيُون غنم دخلت بستانا فأفسدته وصاحبها مَعهَا يَسُوقهَا ضمن مَا أفسدته وَإِذا لم يسقها لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَا الثور وَالْحمار وَمن وجد فِي زرعه أَو كرمه دَابَّة وَقد افسدت الزَّرْع فحبسها فَهَلَكت يضمن وَإِن أخرجهَا الْمُخْتَار أَنه إِن أخرجهَا وساقها فَهَلَكت يضمن وَإِن أخرجهَا وَلم يسقها لَا يضمن وَكَذَا لَو أخرج دَابَّة الْغَيْر من زرع الْغَيْر
وَفِي التَّجْنِيس وَلَو سَاقهَا إِلَى مَكَان يَأْمَن مِنْهَا على زرعه لَا يضمن كَأَنَّهُ أخرجهَا عَن زرعه قَالَ أَبُو نصر وَقَالَ أَكثر مَشَايِخنَا إِنَّه يضمن وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
رجل بعث بقرته إِلَى بقار على يَد رجل فجَاء الرجل إِلَى البقار بهَا وَقَالَ إِن فلَانا بعث بقرته هَذِه اليك فَقَالَ البقار اذْهَبْ هَا إِلَى مَالِكهَا فَإِنِّي لَا أقبلها فَذهب بهَا فَهَلَكت فالبقار ضَامِن لِأَنَّهُ إِذا جَاءَ بهَا إِلَى البقار فقد انْتهى الْأَمر فَيصير البقار أَمينا وَلَيْسَ للْمُودع أَن يودع وَلَو نخس دَابَّة انسان فَأَلْقَت الرَّاكِب فَمَاتَ ان كَانَ باذن الرَّاكِب لَا يضمن الناخس وَإِن كَانَ بِغَيْر اذنه يضمن كَمَال الدِّيَة وَإِن ضربت الناخس فَمَاتَ فدمه هدر وَإِن أَصَابَت رجلا آخر بالذنب أَو بِالرجلِ أَو كَيْفَمَا أَصَابَته إِن نخسها بِإِذن الرَّاكِب فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَعَلَيهِ
وَفِي خُلَاصَة الْمُفْتِي وَمِمَّا يجرب بِهِ الْفَقِيه إِذا سُئِلَ عَن أَخذ حمَار غَيره بِغَيْر اذنه وَاسْتَعْملهُ ورده إِلَى الْموضع

(1/279)


الَّذِي أَخذ مِنْهُ وَكَانَ مَعَه جحش فَأَكله الذِّئْب هَل يضمن وَإِنَّمَا اسْتعْمل الأتان خَاصَّة جَوَابه إِن لم يتَعَرَّض للجحش بِشَيْء إِلَّا أَنه سَاق الْأُم فانساق الجحش مَعهَا ذَاهِبًا وجائيا لم يضمن وَإِن كَانَ حِين سَاق الأتان سَاق الجحش مَعهَا أَيْضا ضمن
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين رَحمَه الله تَعَالَى لَو وضع ثوبا فِي دَار رجل فَرَمَاهُ صَاحب الدَّار فأفسده ضمن وَلَو أَدخل دَابَّته فِي دَار غَيره فأخرجها صَاحب الدَّار إِن تلفت لَا يضمن لِأَن الدَّابَّة فِي الدَّار تضرها فَلهُ أَن يدْفع الضَّرَر بِالْإِخْرَاجِ وَأما الثَّوْب فِي الدَّار فَلَا يَضرهَا فَكَانَ إِخْرَاجه إتلافا وَلَو وجد دَابَّة فِي مربط فأخرجها فَهَلَكت يضمن وَفِي الْجَامِع الصَّغِير غصب مربطا وَشد فِيهِ دَابَّته فأخرجها مَالك المربط وَهَلَكت صَار ضَامِنا
وَفِي فَوَائِد ابي الْحسن الرستغني غصب عجلا فاستهلكه ويبس لبن أمه يضمن الْغَاصِب قيمَة الْعجل ونقصان الْأُم وَإِن لم يفعل الْغَاصِب فِي الْأُم فعلا لمَكَان التَّسَبُّب
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين وَلَو أرسل دَابَّته فِي مرتع مُبَاح فجَاء آخر فَأرْسل إِلَيْهِ دَابَّته فعضت الثَّانِيَة الأولى إِن عضتها على الْفَوْر ضمن وَإِلَّا فَلَا وَإِن كَانَ ذَلِك فِي مربط لأَحَدهمَا لَا ضَمَان على صَاحب المربط
وَذكر فِي الْعُيُون قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِذا اسْتهْلك رجل حمَار غَيره أَو بغله بِقطع يَده أَو بذَبْحه إِن شَاءَ صَاحبه ضمنه وَسلمهُ إِلَيْهِ وَإِن شَاءَ حَبسه وَلَا يضمن شَيْئا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَلَو ضرب رجل الدَّابَّة حَتَّى صَارَت عرجاء فَهُوَ كالقطع وَمن ذبح شَاة غَيره فمالكها بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه قيمتهَا وَسلمهَا إِلَيْهِ وَإِن شَاءَ أَخذهَا وَضَمنَهُ النُّقْصَان وَكَذَا الْجَزُور وَكَذَا إِذا قطع يَدهَا
وَفِي الْهِدَايَة وَلَو كَانَت الدَّابَّة غير مأكولة اللَّحْم فَقطع الْغَاصِب طرفها فللمالك أَن يضمنهُ جَمِيع قيمتهَا لوُجُود الِاسْتِهْلَاك من كل وَجه بِخِلَاف قطع طرف العَبْد الْمَمْلُوك حَيْثُ يَأْخُذهُ مَعَ أرش الْمَقْطُوع لِأَن الْآدَمِيّ يبقي مُنْتَفعا بعد قطع الطّرف وَلَو ذبح حمَار غَيره فَلَيْسَ لَهُ أَن يضمنهُ النُّقْصَان وَلكنه يضمنهُ جَمِيع الْقيمَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وعَلى قَول مُحَمَّد رَحمَه الله لَهُ أَن يمسِكهُ وَيضمن النُّقْصَان وَإِن شَاءَ ضمنه كل الْقيمَة وَلَا يمسك الْمَذْبُوح
ذبح شَاة انسان بِحَيْثُ لَا يرجي حَيَاتهَا لَا يضمن اسْتِحْسَانًا الْأَجْنَبِيّ والراعي فِي ذَلِك سَوَاء وَفِي الْفرس والبغل يُفْتى بِالضَّمَانِ فِي الْأَجْنَبِيّ والراعي والبقار لَو ذبح الْبَقَرَة أَو الْحمار وَكَانَ لَا يُرْجَى حياتهما لَا يضمن وَإِذا ذبح شَاة لَا يُرْجَى حَيَاتهَا يضمن قيمتهَا يَوْم الذّبْح
رجل مر بِشَاة الْغَيْر وَقد أشرفت على الْهَلَاك فذبحها يكون ضَامِنا وَذكر فِي النَّوَازِل أَنه لَا يضمن اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ دلَالَة
وَفِي الْمُحِيط وَلَو ذبح شَاة وعلقها لأجل السلخ فسلخها انسان ضمن لِأَن النَّاس يتفاوتون فِي السلخ دون الذّبْح وَلَو ألْقى قشور الرُّمَّان أَو الْبِطِّيخ على قَارِعَة الطَّرِيق فزلقت بهَا دَابَّة انسان فَتلفت يضمن لِأَنَّهُ غير مَأْذُون فِي هَذَا الْفِعْل وَمن فعل فعلا هُوَ غير مَأْذُون فِيهِ فَمَا تولد مِنْهُ يكون مَضْمُونا عَلَيْهِ
مر رجل فِي طَرِيق الْمُسلمين فَتعلق ثَوْبه بقفل حَانُوت رجل فتخرق قَالَ ابو الْقَاسِم الصفار رَحمَه الله تَعَالَى إِن كَانَ القفل فِي ملكه لَا يضمن وَإِن كَانَ فِي غير ملكه يضمن

(1/280)


وَهَاهُنَا زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا وَهِي أَنه إِذا تعلق ثَوْبه بذلك فجر ثَوْبه فتخرق بجره لَا يضمن صَاحب القفل لِأَنَّهُ إِذا جر الثَّوْب فَهُوَ الَّذِي خرقه
رجل جلس على ثوب انسان وَهُوَ لَا يعلم حَتَّى قَامَ صَاحبه فانشق ثَوْبه من جُلُوسه ضمن النُّقْصَان
وَلَو عض رجل يَد آخر فَأخْرج يَده من فَم العاض فَكسر اسنان العاض وَسقط من لحم يَد المعضوض شَيْء وجرح يَده لَا يجب مُوجب السن لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي نزع الْيَد وَيجب على العاض أرش الْيَد لِأَنَّهُ جَان
وَفِي فَوَائِد صدر الاسلام طَاهِر بن مَحْمُود رَحمَه الله تَعَالَى الحائك إِذا عمل لانسان ثوبا فَأَرَادَ مَالِكه أَخذه مِنْهُ فأبي الحائك أَن يَدْفَعهُ حَتَّى يَأْخُذ الْأُجْرَة فَمد صَاحب الثَّوْب الثَّوْب فتخرق من مد صَاحبه لَا يضمن الحائك شَيْئا وَإِن تخرق من مدهما ضمن الحائك نصف قيمَة النُّقْصَان وَلَو أَخذ يَد رجل فَمد ذَلِك الرجل يَده فشلت إِن أَخذ يَده لأجل التَّحِيَّة لَا يجب الضَّمَان وَإِن أَخذهَا لأجل العض تجب دِيَة الْيَد على الْآخِذ لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي مد يَده
رجل تشبث بِثَوْب آخر فَجَذَبَهُ المتشبث من يَد صَاحبه حَتَّى تخرق يضمن جَمِيع الْقيمَة فَإِن جذبه صَاحبه من يَد المتشبث ضمن المتشبث نصف الْقيمَة
وَفِي الْمَبْسُوط غصب ثوب إِنْسَان ولبسه ثمَّ جَاءَ صَاحب الثَّوْب فَمد ثَوْبه وَالْغَاصِب لَا يعلم أَنه صَاحب الثَّوْب فتخرق الثَّوْب لَا ضَمَان على الْغَاصِب لِأَنَّهُ تخرق من مده وَلَو قَالَ صَاحب الثَّوْب رد عَليّ ثوبي فَمَنعه فَمد مدا لَا يمد مثله من شدته فتخرق الثَّوْب لَا ضَمَان على الْغَاصِب أَيْضا وَلَو مده كَمَا يمد النَّاس عَادَة فتخرق مِنْهُ ضمن الْغَاصِب نصف الْقيمَة لِأَنَّهُ من جنايتهما لِأَن إِمْسَاكه وَمنعه ثوب غَيره جِنَايَة
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى سُئِلَ عَمَّن أوقد نَارا فِي ملك غَيره فتعدت إِلَى كدس حِنْطَة أَو شَيْء آخر من الْأَمْوَال فَأَحْرَقتهُ هَل يضمن قَالَ لَا وَلَو أحرقت شَيْئا فِي الْمَكَان الَّذِي أوقد فِيهِ ضمن قلت وَفرق أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى بَين المَاء وَالنَّار قَالُوا لَو أوقد النَّار فِي أَرض نَفسه فتعدت إِلَى أَرض غَيره فأحرقت شَيْئا لَا يضمن وَلَو سَالَ المَاء إِلَى أَرض نَفسه فَسَالَ إِلَى أَرض غَيره وأتلف شَيْئا ضمن لِأَن من طبع النَّار الخمود والتعدي إِنَّمَا يكون بِفعل الرّيح وَنَحْوه فَلم يضف إِلَى فعل الموقد فَلم يضمن وَمن طبع المَاء السيلان فالائتلاف يُضَاف إِلَى فعله
وَسُئِلَ صَاحب الْمُحِيط عَن مزارع أوقد نَارا فِي الأَرْض المملكة فِي يَوْم ريح فَاحْتَرَقَ الْحَشِيش وسرت النَّار إِلَى الأكداس فاحترقت هَل يضمن الموقد أجَاب رَحمَه الله تَعَالَى إِن كَانَت الرّيح وَقت الإيقاد ريحًا يذهب مثلهَا بِمثل تِلْكَ النَّار إِلَى تِلْكَ الأكداس يضمن وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين رجل أوقد فِي تنوره نَارا وَألقى فِيهِ من الْحَطب مَالا يحْتَملهُ التَّنور فَاحْتَرَقَ بَيته وتعدت إِلَى دَار جَاره فأحرقتها يضمن صَاحب التَّنور وَلَو مر بِنَار فِي ملكه أَو فِي ملك غَيره فَوَقَعت شرارة مِنْهَا على ثوب انسان فَاحْتَرَقَ قَالَ مُحَمَّد بن الْفضل رَحمَه الله تَعَالَى يضمن وَهَكَذَا ذكر فِي النَّوَادِر عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى
وَقَالَ بعض الْعلمَاء إِن من مر بالنَّار فِي مَوضِع لَهُ حق الْمُرُور فِيهِ فَوَقَعت مِنْهُ شرارة فِي ملك انسان

(1/281)


أَو ألقتها الرّيح لَا يضمن فَإِن لم يكن لَهُ حق الْمُرُور فِي ذَلِك الْموضع فَالْجَوَاب على التَّفْصِيل إِن وَقعت مِنْهُ شرارة يضمن وَإِن هَب بِهِ الرّيح لَا يضمن وَهَذَا أظهر وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
حداد ضرب حَدِيدَة على حَدِيدَة أُخْرَى محماة فطارت شرارة من ضربه فَوَقَعت على ثوب انسان فَاحْتَرَقَ ثَوْبه ضمن الْحداد وَذكر الناطفي رَحمَه الله تَعَالَى إِذا جلس الْحداد فِي دكانه وَاتخذ فِي حانوته كورا يعْمل بِهِ والحانوت إِلَى جَانب طَرِيق الْعَامَّة فَأخْرج حَدِيدَة من كوره وضربها بِمِطْرَقَةٍ فتطاير شِرَارهَا فقتلت رجلا أَو فقأت عين انسان أَو أحرقت شَيْئا أَو قتلت دَابَّة كَانَ ضَمَان مَا تلف بذلك من المَال على الْحداد ودية الْقَتْل وَالْعين تكون على عَاقِلَته وَلَو لم يدق الْحداد وَلَكِن احتملت الرّيح بعض النَّار من كوره أَو الْحَدِيد المحماة فأخرجتها إِلَى طَرِيق الْعَامَّة فقتلت انسانا أَو أحرقت ثوب انسان أَو قتلت دَابَّة كَانَ هدرا
وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَلَو رش المَاء فِي الطَّرِيق فَسَقَطت بِهِ دَابَّة أَو انسان ذكر فِي الْكتاب أَنه يضمن مُطلقًا قلت وَهَذَا الْجَواب فِي الدَّابَّة يجْرِي على إِطْلَاقه أما فِي الْآدَمِيّ فَإِنَّهُ إِذا رش كل الطَّرِيق بِحَيْثُ لَا يجد طَرِيقا يمر فِيهِ فَإِنَّهُ يضمن الراش وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ مَا ذكره أَبُو الْحسن الرستغنى فِي فَوَائده أَنه لَو لم يَتَعَدَّ فِي الرش ورش كَمَا يرش النَّاس عَادَة لدفع الْغُبَار لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِجِنَايَة وَإِن تعدى بالرش ضمن
وَفِي الْمُحِيط من حفر بِئْرا وسد رَأسهَا فَفتح آخر رَأسهَا فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ الأول كبسها بِالتُّرَابِ أَو الطين بِمَا يكبس بِهِ مثله من أَجزَاء الأَرْض ثمَّ حفرهَا الثَّانِي فَالضَّمَان على الثَّانِي وَإِن كَانَ الأول كبسها بِمَا لَا يكبس بِهِ الْبِئْر عَادَة كالدقيق وَالْحِنْطَة وَنَحْوهمَا فَالضَّمَان على الأول
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين من حفر بِئْرا فَغطّى رَأسهَا فَرفع آخر الغطاء فَتلف بهَا شَيْء ضمن الأول وَمن حفر فِي أَرض غَيره بِئْرا ضمن النُّقْصَان وَقَالَ بعض الْعلمَاء يُؤمر بالكبس وَلَا يضمن النُّقْصَان وَلَو هدم جِدَار غَيره لَا يجْبر على بنائِهِ وَالْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه قيمَة الْحَائِط وَالنَّقْص للضامن وَإِن شَاءَ أَخذ النَّقْص وَقِيمَة النُّقْصَان
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان من حفر بِئْرا فِي فنَاء مَسْجِد أَو هدم حَائِط الْمَسْجِد فَإِنَّهُ يُؤمر بالتسوية وَلَا يقْضى بِالنُّقْصَانِ وَكَذَا من حفر بِئْرا فِي فنَاء قوم يُؤمر بالتسوية
الْغَاصِب إِذا حفر بِئْرا فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة ورضى بِهِ الْمَالِك فَأَرَادَ الْغَاصِب طمها لَيْسَ لَهُ ذَلِك عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك سَوَاء ينْتَفع بهَا أَو لم ينْتَفع
وَفِي بعض الْفَتَاوَى رجل نزح مَاء بِئْر انسان حَتَّى صَارَت يابسة لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن صَاحب الْبِئْر غير مَالك للْمَاء وَلَو صب مَاء انسان من الْجب يُقَال لَهُ املأه لِأَنَّهُ ملكه وَالْمَاء من ذَوَات الْأَمْثَال
وَفِي فتاوي ظهير الدّين قطع أَشجَار كرم انسان يضمن الْقيمَة لِأَنَّهُ أتلف غير المثلى وَطَرِيق معرفَة ذَلِك أَن يقوم الْكَرم مَعَ الْأَشْجَار النابتة وَيقوم مَقْطُوع الْأَشْجَار ففضل مَا بَينهمَا قيمَة الْأَشْجَار وَبعد ذَلِك صَاحب الْكَرم بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع الْأَشْجَار المقطوعة إِلَى الْقَاطِع وَضَمنَهُ تِلْكَ الْقيمَة وَإِن شَاءَ أمسك الْأَشْجَار وَدفع من تِلْكَ الْقيمَة قيمَة الْأَشْجَار المقطوعة وَيضمنهُ الْبَاقِي

(1/282)


وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى مَسْأَلَة قطع الْأَشْجَار هَكَذَا ثمَّ قَالَ وَإِن كَانَت قيمَة الْأَشْجَار مَقْطُوعَة وَغير مَقْطُوعَة سَوَاء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان رجل أتلف على رجل أحد مصراعي بَاب أَو أحد زَوجي خف أَو مكعب كَانَ للْمَالِك أَن يسلم إِلَيْهِ المصراع الآخر أَو الزَّوْج الآخر وَيضمنهُ قيمتهمَا
وَفِي الايضاح الْمَغْصُوب إِذا كَانَ قَائِما فِي يَد الْغَاصِب فالمغصوب مِنْهُ يَأْخُذهُ مثلِيا كَانَ الْمَغْصُوب أَو غير مثلى فِي الْوُجُوه كلهَا إِلَّا إِذا كَانَت قِيمَته فِي بَلْدَة الْخُصُومَة أقل من قِيمَته فِي بَلْدَة الْغَصْب فَحِينَئِذٍ يثبت للْمَغْصُوب مِنْهُ خيارات ثَلَاثَة إِن شَاءَ انْتظر وَإِن شَاءَ رَضِي بِهِ وَإِن شَاءَ أَخذ قيمَة الْمَغْصُوب فِي بلد الْغَصْب يَوْم الْخُصُومَة وَفِي المثلى الْجَواب على التَّفْصِيل إِن تَسَاوَت الْقيمَة فِي البلدتين يُطَالِبهُ برد الْمثل وَإِن كَانَت الْقيمَة فِي بَلْدَة الْخُصُومَة أَكثر فللمالك خيارات ثَلَاثَة رضى بِالْمثلِ وَإِن شَاءَ طَالبه بِقِيمَتِه فِي بَلْدَة الْغَصْب يَوْم الْخُصُومَة وَإِن شَاءَ انْتظر وَإِن كَانَ قِيمَته فِي بَلْدَة الْغَصْب أقل فالغاصب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعطَاهُ الْمثل وَإِن شَاءَ أعطَاهُ الْقيمَة فِي بَلْدَة الْغَصْب أَو فِي مَكَان الْغَصْب يَوْم الْخُصُومَة إِلَّا إِذا رَضِي الْمَالِك بِالتَّأْخِيرِ فَيكون لَهُ ذَلِك فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يذكر فِي دَعْوَى غصب الْمكيل وَالْمَوْزُون سوى الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير مَكَان الْغَصْب حَتَّى يعلم أَنه هَل لَهُ ولَايَة الْمُطَالبَة أَولا وَهَكَذَا ذكر فِي الذَّخِيرَة
لَو ادّعى أَنه غصب مِنْهُ كَذَا قفيز حِنْطَة وَبَين الشَّرَائِط لَا بُد وَأَن يذكر مَكَان الْغَصْب وَذكر فِي عُمْدَة الْمُفْتِينَ إِذا ادّعى الْوَدِيعَة لَا بُد من ذكر مَوضِع الْإِيدَاع أَنه فِي أَي مصر سَوَاء كَانَ لَهُ حمل وَمؤنَة أَو لم يكن وَذكر فِي مَوضِع آخر أَنه إِذا لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يشْتَرط بَيَان مَوضِع الْغَصْب وَذكر فِي الْعدة من غصب مَنْقُولًا فَعَلَيهِ مثله وَإِن كَانَ مثلِيا وَإِن كَانَ من ذَوَات الْقيم فَعَلَيهِ قِيمَته يَوْم الْغَصْب
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين غصب شَاة فَسَمنت فِي يَده ثمَّ ذَبحهَا ضمن قيمتهَا يَوْم الْغَصْب لَا يَوْم الذّبْح
غَاصِب الْغَاصِب إِذا رد على الْغَاصِب الأول يبرأ عَن الضَّمَان وَلَو هلك الْمَغْصُوب فِي يَد غَاصِب الْغَاصِب فَأدى الْقيمَة إِلَى الْغَاصِب الأول يبرأ أَيْضا حَتَّى لَا يكون للْمَالِك بعده أَن يضمن الثَّانِي لقِيَام الْقيمَة مقَام الْعين وَهَذَا إِذا كَانَ قبض الأول مَعْرُوفا بِقَضَاء القَاضِي أَو بِغَيْر قَضَائِهِ وَإِنَّمَا يصير مَعْرُوفا بِإِقَامَة الْبَيِّنَة أَو بِتَصْدِيق الْمَالِك فَأَما إِذا أقرّ الْغَاصِب بذلك فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي حق الْمَالِك وَيصدق فِي حق نَفسه وَالْمَالِك بِالْخِيَارِ فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ
وَذكر رشيد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي فَتَاوِيهِ لَو بَاعَ غَاصِب الْغَاصِب وَأخذ الثّمن لَا يكون للْغَاصِب الأول أَن يَأْخُذ الثّمن مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالك وَلَيْسَ بنائب عَنهُ وَلَا يكون لَهُ إجَازَة البيع وللمغصوب مِنْهُ الْخِيَار فِي تضمين الْغَاصِب أَو غَاصِب الْغَاصِب
رجل غصب عبدا فغصبه مِنْهُ آخر فَمَاتَ عِنْده فالمولى بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الأول وَيتبع الأول الآخر وَإِن شَاءَ أَبْرَأ الأول وَاتبع الثَّانِي بِالْقيمَةِ وَلَا شَيْء لَهُ على الأول
وَفِي النَّوَازِل رجل هشم إبريق فضَّة لإِنْسَان ثمَّ جَاءَ آخر وهشمه هشما زَاد فِي نقصانه بَرِيء الأول من الضَّمَان وَضمن الثَّانِي مثله

(1/283)


وَفِي الْمُحِيط الْمَالِك إِذا أجر الْمَغْصُوب من الْغَاصِب يبرأ من الضَّمَان بِنَفس العقد كَمَا لَو بَاعه مِنْهُ وَلَو أَعَارَهُ مِنْهُ لَا يبرأ حَتَّى لَو هلك قبل الِاسْتِعْمَال يكون مَضْمُونا على الْغَاصِب
إِذا قَالَ الْمَالِك للْغَاصِب أودعتك الْمَغْصُوب ثمَّ هلك فِي يَده يضمنهُ لِأَنَّهُ لم يُوجد الْإِبْرَاء عَن الضَّمَان نصا وَالْأَمر بِالْحِفْظِ وَعقد الْوَدِيعَة لَا ينافيان ضَمَان الْغَصْب كَمَا إِذا خَالف الْمُودع يضمن وَإِن كَانَ العقد قَائِما وتوكيل الْمَالِك الْغَاصِب بِبيع الْمَغْصُوب لَا يُبرئهُ من ضَمَانه وَإِن بَاعه مالم يُسلمهُ وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الْمَالِك الْمَغْصُوب لَا يخرج عَن ضَمَان الْغَاصِب مالم يُسلمهُ إِلَى المُشْتَرِي
وَفِي التَّجْنِيس إِذا وضع الْمَغْصُوب بَين يَدي الْمَالِك يبرأ وَإِن لم يُوجد مِنْهُ حَقِيقَة الْقَبْض وَكَذَا الْمُودع بِخِلَاف مَا إِذا اسْتهْلك الْمَغْصُوب أَو الْوَدِيعَة ثمَّ جَاءَ بِالْقيمَةِ ووضعها بَين يَدي الْمَالِك فَإِنَّهُ لَا يبرأ مَا لم يُوجد حَقِيقَة الْقَبْض
وَفِي النَّوَازِل جَارِيَة جَاءَت إِلَى نخاس بِغَيْر اذن مَوْلَاهَا طالبة للْبيع ثمَّ ذهبت وَلَا يدْرِي أَيْن ذهبت وَقَالَ النخاس رَددتهَا عَلَيْك فَالْقَوْل قَوْله وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الْجَارِيَة هِيَ الَّتِي أَتَت إِلَيْهِ فَكَانَت أَمَانَة عِنْده وَتَفْسِير ذَلِك أَن النخاس لم يَأْخُذ الْجَارِيَة حَتَّى يصير غَاصبا وَمعنى الرَّد أَن يأمرها بالذهاب إِلَى الْمنزل
نوع فِي ضَمَان أحد الشَّرِيكَيْنِ بِسَبَب الْعين الْمُشْتَركَة ذكر القَاضِي ظهير الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي فَتَاوَاهُ وَلَو اسْتعْمل عبدا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره بِغَيْر اذن شَرِيكه يصير غَاصبا نصِيبه
وَفِي أَجنَاس الناطفي رَحمَه الله تَعَالَى فِي اسْتِعْمَال العَبْد الْمُشْتَرك بِغَيْر اذن شَرِيكه رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة هِشَام عَن مُحَمَّد يصير غَاصبا وَفِي رِوَايَة ابْن رستم عَنهُ لَا يصير غَاصبا وَفِي الدَّابَّة الْمُشْتَركَة يصير غَاصبا على الرِّوَايَتَيْنِ
وَفِي الْعِمَادِيّ قَالَ سُئِلَ جدي رَحمَه الله تَعَالَى عَن الْمَوَاشِي الْمُشْتَركَة بَين اثْنَيْنِ وَغَابَ أحد الشَّرِيكَيْنِ فَدفع الشَّرِيك الْحَاضِر نصِيبه وَنصِيب الآخر إِلَى الرَّاعِي فَهَلَكت هَل يضمن نصيب صَاحبه أجَاب بِأَنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ مُودع يُمكنهُ أَن يحفظها بيد أجيره فَلَا يصير مودعا غَيره
رجلَانِ بَينهمَا دَار غَابَ أَحدهمَا فللحاضر أَن يسكن الدَّار كلهَا وَكَذَا الْخَادِم بِخِلَاف الدَّابَّة
وَفِي الذَّخِيرَة بَيت أَو حَانُوت بَين شَرِيكَيْنِ سكنه أَحدهمَا لَا تجب عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَإِن كَانَ معدا للِاسْتِغْلَال لِأَنَّهُ سكن بِتَأْوِيل الْملك
وَفِي الْقنية رجل لَهُ سفينة فاشترك مَعَ أَرْبَعَة على أَن يعملوا فِي سفينته وآلاتها وَالْخمس لصَاحب السَّفِينَة وَالْبَاقِي بَينهم بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَة وَالْحَاصِل لصَاحب السَّفِينَة وَعَلِيهِ أجر مثلهم لَهُم
وَعَن عين الْأَئِمَّة الْكَرَابِيسِي رجل أقْرض لصَاحبه مائَة دِرْهَم وَدفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ أخرج مائَة أُخْرَى وخلط الْمِائَتَيْنِ وَقَالَ للمستقرض خذهما واتجر بهما على الشّركَة فَهَذَا مختل لِأَنَّهُمَا لم يبينا الرِّبْح فَلَيْسَ بشركة
وَفِي أَجنَاس الناطفي وَالرَّوْضَة قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى إِذا كَانَ دود القز من وَاحِد وورق التوت مِنْهُ أَيْضا وَالْعَمَل من آخر على أَن القز بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَو اقل أَو أَكثر لم يجز وَكَذَا لَو كَانَ الْعَمَل مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يجوز أَن لَو كَانَ الْبيض مِنْهُمَا وَالْعَمَل عَلَيْهِمَا وَإِن لم يعْمل صَاحب الأوراق لَا يضرّهُ

(1/284)


زرع أَرضًا مُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره هَل للشَّرِيك أَن يُطَالِبهُ بِالربعِ أَو بِالثُّلثِ بِحِصَّة نَفسه من الأَرْض كَمَا هُوَ عرف ذَلِك الْموضع أُجِيب بِأَنَّهُ لَا يملك ذَلِك وَلَكِن يغرمه نُقْصَان نصِيبه من الأَرْض إِن دخل فِيهَا النُّقْصَان
الْمكيل أَو الْمَوْزُون إِذا كَانَ بَين حَاضر وغائب أَو بَين صبي وَبَالغ فَأخذ الْحَاضِر أَو الْبَالِغ نصِيبه فَإِنَّمَا تنفذ قسمته من غير خصم إِذا سلم نصيب الْغَائِب وَالصَّبِيّ حَتَّى لَو هلك مَا بَقِي قبل أَن يصل إِلَى الْغَائِب أَو إِلَى الصَّبِي كَانَ الْهَلَاك عَلَيْهِمَا
ضَمَان الْمَأْمُور والدلال وَمَا يتَّصل بذلك رجل دفع إِلَى آخر غُلَاما مُقَيّدا بالسلسلة وَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إِلَى بَيْتك مَعَ هَذِه السلسلة فهذب بِهِ بِدُونِ السلسلة فأبق العَبْد لَا يضمن لِأَنَّهُ أمره بشيئين وَقد أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَلَو بعث انسانا إِلَى مَاشِيَة غَيره فَأخذ الْمَبْعُوث دَابَّة الْبَاعِث وركبها فَهَلَكت إِن كَانَ بَين الْآمِر والمبعوث انبساط فِي مثل ذَلِك فَلَا ضَمَان وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن
رجل أعْطى رجلا قوسا فمده فانكسر إِن أمره بِالْمدِّ لَا يضمن لِأَنَّهُ فعله بأَمْره وَإِن لم يَأْمُرهُ بذلك ضمن لِأَنَّهُ فعله بِغَيْر أمره
وَفِي واقعات الناطفي رجل قَالَ لآخر بِعْت مِنْك دمي بفلس أَو بِأَلف فَقبله الآخر وَقَتله فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَلَو قَالَ اقتلني فَقتله لَا قصاص عَلَيْهِ وَتجب الدِّيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ إِطْلَاق فَأفَاد شُبْهَة
وروى عَن الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ ركن الاسلام أَبُو الْفضل الْكرْمَانِي رَحمَه الله تَعَالَى لَا تجب الدِّيَة فِي اصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اقْطَعْ يَدي أَو رجْلي أَو اقْتُل عَبدِي فَفعل لَا شَيْء عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع لِأَن الْأَطْرَاف لَا يسْلك بهَا مَسْلَك الْأَمْوَال فصح الْأَمر
قَالَ الْعِمَادِيّ وَقد وَقعت ببخارى وَاقعَة وَهِي رجل قَالَ لآخر إرم السهْم الي حَتَّى آخذه فَرمى إِلَيْهِ بأَمْره فَأصَاب عينه فَذَهَبت قَالَ الامام فَخر الدّين قاضيخان رَحمَه الله تَعَالَى لَا يضمن وَهَكَذَا أفتى بعض الْمَشَايِخ وقاسوا ذَلِك على مَسْأَلَة الْقطع بِأَن قَالَ اقْطَعْ يَدي أَو رجْلي وَقد مرت
وَفِي التَّجْرِيد رجل دفع إِلَى دلال ثوبا ليَبِيعهُ فَدفعهُ الدَّلال إِلَى رجل على سوم الشِّرَاء بِإِذن الدَّافِع ثمَّ نَسيَه لَا يضمن لِأَنَّهُ إِذا أذن صَاحب الثَّوْب بِالدفع للسوم لم يكن الدّفع تَعَديا
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ رجل دفع ثوبا إِلَى دلال ليَبِيعهُ فعرضه الدَّلال على صَاحب دكان وَتَركه عِنْده فهرب صَاحب الدّكان وَذهب بِهِ لَا ضَمَان على الدَّلال وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن هَذَا أَمر لَا بُد مِنْهُ فِي البيع
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان الدَّلال إِذا دفع الثَّوْب إِلَى من استلمه لينْظر فِيهِ ثمَّ يَشْتَرِيهِ فَأَخذه الرجل وَذهب وَلم يظفر بِهِ الدَّلال قَالُوا لَا يضمن الدَّلال لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي هَذَا الدّفع ثمَّ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدِي أَنه إِنَّمَا لم يضمن إِذا دفع الثَّوْب إِلَيْهِ وَلم يُفَارِقهُ أما إِذا فَارقه ضمن كَمَا لَو أودعهُ الدَّلال عِنْد صَاحب الدّكان فهرب بالمتاع يضمن الدَّلال وَلَيْسَ للْمُودع أَن يودع
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا دفع الْمَبِيع إِلَى رجل ليعرضه على من أحب فهرب ذَلِك

(1/285)


الرجل بِالْمَبِيعِ أَو هلك فِي يَده أجَاب نجم الدّين رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا يضمن الْوَكِيل وَالصَّحِيح أَنه يضمن وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ إِن كَانَ الَّذِي دفع إِلَيْهِ ثِقَة أَمينا لَا يضمن
الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا قَالَ بِعته من رجل لَا أعرفهُ وسلمته وَلم أقدر عَلَيْهِ أفتى ظهير الدّين رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يضمن الْوَكِيل
قَالَ وَمَسْأَلَة القمقمة بِخِلَاف هَذَا الْجَواب وَهِي إِذا دفع قمقمة إِلَى آخر وَقَالَ لَهُ ادفعها إِلَى من يصلحها وَلَا يعلم إِلَى من دفع إِلَيْهِ لَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا لَو وضع الْوَدِيعَة فِي دَاره ونسيها وَقد هَلَكت لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَفِي الْعدة رجل غَابَ وَأمره تِلْمِيذه أَن يَبِيع السّلْعَة وَيسلم ثمنهَا إِلَى فلَان فَبَاعَ التلميذ السّلْعَة وَأمْسك الثّمن حَتَّى هلك لَا يضمن لِأَن الْوَكِيل لَا يلْزمه إتْمَام مَا تبرع بِهِ
نوع فِي بَيَان مَا يصدق فِيهِ الْمُودع وَمَا لَا يصدق إِذا ادّعى الْمُودع أَنه دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي للضَّرُورَة كوقوع الْحَرِيق وَنَحْوه لَا يصدق الا بِبَيِّنَة عِنْد ابي حنيفَة وابي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى وَذكر فِي الْعدة إِن علم أَنه وَقع الْحَرِيق فِي بَيته قبل وَإِلَّا فَلَا
وَذكر القَاضِي ابو الْيُسْر رَحمَه الله تَعَالَى إِذا قَالَ الْمُودع أودعتها عِنْد أَجْنَبِي ثمَّ ردهَا عَليّ فَهَلَكت عِنْدِي وَالْمُودع يكذبهُ فِي ذَلِك فَالْقَوْل قَول الْمُودع وَيضمن الْمُودع لِأَنَّهُ أقرّ بِوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى الْإِبْرَاء فَلَا يصدق الا بِبَيِّنَة يقيمها على مَا ادّعى وَحِينَئِذٍ لَا يضمن لِأَنَّهُ اثْبتْ بِالْبَيِّنَةِ ارْتِفَاع سَبَب وجوب الضَّمَان وَكَذَلِكَ لَو قَالَ بعثتها اليك على يَد أَجْنَبِي وَالْمُودع يُنكر ذَلِك فَالْقَوْل قَول الْمُودع وَكَذَلِكَ إِذا دَفعهَا إِلَى رَسُول الْمُودع فَأنْكر الْمُودع الرسَالَة ضمن الْمُودع وَالْقَوْل قَول الْمُودع وَلم يرجع الْمُودع على الرَّسُول إِن صدقه أَنه رَسُول الْمُودع وَلم يضمن لَهُ ضَمَان الدَّرك إِلَّا أَن يكون الْمَدْفُوع قَائِما فَيرجع وَلَو قَالَ رَددتهَا اليك على يَدي أَو على يَد من فِي عيالي وَكذبه الْمُودع فَالْقَوْل قَول الْمُودع مَعَ يَمِينه لِأَن حَاصله الِاخْتِلَاف فِي وجوب الضَّمَان وَهُوَ يُنكر فَيكون القَوْل قَوْله وَلَو أقرّ الْمُودع أَنه استعملها ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا فَهَلَكت لَا يصدق فِي الرَّد الا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ أقرّ بِوُجُوب الضَّمَان ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة فَلَا يصدق الا بِبَيِّنَة فَالْحَاصِل أَن الْمُودع إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق إِنَّمَا يبرأ عَن الضَّمَان إِذا صدقه الْمَالِك فِي الْعود وَإِن كذبه لَا يبرأ إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق
وَفِي الْمُنْتَقى إِذا قَالَ الْمُودع ضَاعَت الْوَدِيعَة مُنْذُ عشرَة أَيَّام واقام الْمُودع بَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت عِنْده مُنْذُ يَوْمَيْنِ فَقَالَ الْمُودع وَجدتهَا فَضَاعَت يقبل هَذَا مِنْهُ وَلَا يضمن وَلَو قَالَ أَولا لَيست عِنْدِي ثمَّ قَالَ وَجدتهَا فَضَاعَت يضمن
الْعقار هَل يضمن بالجحود أَو لَا وَذكر شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ إِذا جحد الْوَدِيعَة فِي الْعقار لَا يضمن عِنْد ابي حنيفَة وابي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى وَمن الْمَشَايِخ من قَالَ الْعقار يضمن بالجحود بِلَا خلاف وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي فِي ضَمَان الْعقار بالجحود عِنْد ابي حنيفَة رَحمَه الله رِوَايَتَانِ
نوع فِي ضَمَان الْمُسْتَعِير ذكر فِي الذَّخِيرَة رجل اسْتعَار دَابَّة أَو اسْتَأْجرهَا ليشيع جَنَازَة فركبها

(1/286)


ثمَّ نزل وَدفعهَا إِلَى إِنْسَان ليُصَلِّي صَلَاة الْجِنَازَة فسرقت لَا ضَمَان على الْمُسْتَعِير وَلَا على الْمُسْتَأْجر فَصَارَ الْحِفْظ فِي هَذَا الْوَقْت مُسْتَثْنى
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين لَو كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحرَاء وَنزل عَن الدَّابَّة وأمسكها فانفلتت مِنْهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ قلت وَهَذِه الْمَسْأَلَة دَلِيل على أَن الْمُعْتَبر أَن لَا يغيبها عَن بَصَره
وَذكر فِي فَتَاوَى الفضلى عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَا اسْتعَار دَابَّة فَحَضَرت الصَّلَاة فَدَفعهَا إِلَى غَيره ليمسكها فَضَاعَت قَالَ إِن كَانَ شَرط فِي الْعَارِية ركُوب نَفسه فَهُوَ ضَامِن وَإِلَّا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو سلم الدَّابَّة إِلَى رجل ليسلمها إِلَى مَالِكهَا فَضَاعَت ضمن وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا إِذا كَانَ شَرط أَن يحمل أَو يركب بِنَفسِهِ أما إِذا أطلق وَلم يبين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الْعَارِية تودع
وَفِي الْعدة لَو اسْتعَار فرسا حَامِلا ليرْكبَهَا إِلَى مَوضِع كَذَا فركبها وَأَرْدَفَ مَعَه آخر فَأسْقطت جَنِينا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْجَنِين وَلَكِن إِذا نقصت الْأُم بِسَبَب ذَلِك فَعَلَيهِ نصف النُّقْصَان لِأَن النُّقْصَان حصل بركوبه وركوب غَيره وركوبه مَأْذُون فِيهِ فَلم يَصح سَببا للضَّمَان وركوب غَيره لَيْسَ بمأذون فِيهِ فأوجبنا عَلَيْهِ نصف الضَّمَان لهَذَا وَهَذَا إِذا كَانَ الْفرس بِحَال يُمكن أَن يركبه اثْنَان فَأَما إِذا كَانَ لَا يُمكن فَهُوَ اتلاف فَيضمن الْمُسْتَعِير جَمِيع النُّقْصَان وَلَو اسْتعَار دَابَّة وَفِي بَطنهَا ولد فزلقت من غير صنعه وأسقطت الْوَلَد لَا يضمن الْمُسْتَعِير وَلَو نخعها باللجام أَو فَقَأَ عينهَا يضمن
وَفِي خُلَاصَة الْمُفْتِي رجل اسْتعَار دَابَّة فَقَالَ مَالِكهَا أعطكيها غَدا ثمَّ جَاءَ الْمُسْتَعِير فِي الْغَد وَأَخذهَا بِغَيْر اذن مَالِكهَا واستعملها وردهَا فَمَاتَتْ لَا يضمن
وَفِي الذَّخِيرَة الْمُسْتَعِير إِذا قضى حَاجته من الدَّابَّة ثمَّ ردهَا على يَد بعض من فِي عِيَاله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن عطبت هَذَا هُوَ الْعرف فِيمَا بَين النَّاس بِخِلَاف الْوَدِيعَة وَلَو ردهَا على يَد بعض عبد صَاحب الدَّابَّة وَهُوَ عبد يقوم عَلَيْهَا لَا يضمن وَكَذَلِكَ إِذا ردهَا على يَد عبد لَا تقوم عَلَيْهَا يبرأ أَيْضا فِي الصَّحِيح وَكَذَلِكَ لَو لم يجد صَاحب الدَّابَّة وَلَا خادمه فربطها على معلفها فِي دَار صَاحبهَا لَا يضمن
وَفِي الْوَدِيعَة إِذا ردهَا على يَد عبد صَاحب الْوَدِيعَة وضاعت من يَده يضمن الْمُودع سَوَاء كَانَ العَبْد مِمَّن يقوم عَلَيْهَا أَو لَا يقوم وَهُوَ الصَّحِيح
وَفِي الْعدة إِذا كَانَت الْعَارِية عقد جَوْهَر أَو شَيْئا نفيسا فَدفع ذَلِك إِلَى عبد الْمُعير أَو إِلَى أجيره يضمن وَالْمُسْتَأْجر فِي رد الْمُسْتَأْجر كالمستعير وَالْمُرْتَهن بِمَنْزِلَة الْمُودع
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين امْرَأَة استعارت ملاءة ووضعتها دَاخل الْبَيْت وَالْبَاب مَفْتُوح فَصَعدت السَّطْح فَهَلَكت الملاءة قيل تضمن وَقيل لَا تضمن وَلَو استعارت سَرَاوِيل لتلبسه فلبسته وَهِي تمشي فزلقت رجلهَا فتخرق السَّرَاوِيل لَا ضَمَان عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا صنع لَهَا فِيهِ
وَفِي فَتَاوَى الديناري إِذا نقصت الْعين المستعارة فِي حَالَة الِاسْتِعْمَال لَا يجب الضَّمَان بِسَبَب النُّقْصَان إِذا استعملها اسْتِعْمَالا معهودا
رجل دخل منزل انسان باذنه وَأخذ إِنَاء لينْظر إِلَيْهِ فَوَقع وانكسر لَا يضمن وَإِن أَخذه بِغَيْر اذنه بِخِلَاف مَا إِذا دخل فِي السُّوق الَّذِي يُبَاع فِيهِ الْإِنَاء فَأخذ إِنَاء بِغَيْر اذن مَالِكه فَسقط وانكسر يضمن

(1/287)


رجل ساوم قدحا ليشتريه من صَاحبه فَقَالَ أَرِنِي قدحك هَذَا فَدفعهُ إِلَيْهِ لينْظر فِيهِ فَوَقع مِنْهُ على الأقداح فانكسر الْقدح وأقداح أخر لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْقدح الَّذِي ساومه وَيضمن الأقداح
وَفِي النَّوَازِل لَو اسْتعْمل قصاع الْحمام فَسَقَطت قَصْعَة من يَده وانكسرت أَو أَخذ كوز فقاع ليشْرب فَسقط أَو أَخذ قدحا فَوَقع من يَده لَا يضمن لِأَنَّهُ عَارِية
وَفِي تَجْرِيد أبي الْفضل رَحمَه الله تَعَالَى إِذا اخْتلف الْمُعير وَالْمُسْتَعِير فِي الْأَيَّام أَو فِي الْمَكَان أَو فِيمَا يحمل على الدَّابَّة الْعَارِية فَالْقَوْل قَول رب الدَّابَّة مَعَ يَمِينه
ضَمَان الْمُرْتَهن الْمُرْتَهن إِذا ركب الدَّابَّة الْمَرْهُونَة ليردها على الْمَالِك فَهَلَكت فِي الطَّرِيق لَا يضمن إِن سلمت من ركُوبه وَلَكِن لَا يصدق الا بِبَيِّنَة على سلامتها وَلَو رهن عبدا فأبق سقط الرَّهْن فَإِن وجده صَار رهنا وَيسْقط من الدّين بِحِسَاب ذَلِك إِن كَانَ أول إباق وَإِن كَانَ أبق قبل ذَلِك فَلَا ينقص من الدّين شَيْء وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي فصل الرَّهْن إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ضَمَان الْمُسْتَأْجر ذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ أَن فِي كل مَوضِع فِي الْإِعَارَة يضمن فِي الاجارة وَلَا يجب الْأجر وَفِي كل مَوضِع لَا يضمن فِي الاعارة لَا يضمن فِي الاجارة وَيجب الْأجر انْتهى
وَفِي الْعدة الْحمار الْمُسْتَأْجر إِذا عمي أَو عجز عَن الْمَشْي فَبَاعَهُ الْمُسْتَأْجر وَأخذ ثمنه وَهلك فِي الطَّرِيق إِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يصل إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يَأْمُرهُ بِبيعِهِ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْحمار وَلَا فِي ثمنه وَإِن كَانَ فِي مَوضِع يقدر على ذَلِك أَو يَسْتَطِيع إِمْسَاكه أَو رده أعمى فَهُوَ ضَامِن لقيمته
رجل اسْتَأْجر حمارا فَحمل عَلَيْهِ وَله حمَار آخر حمل عَلَيْهِ أَيْضا فَلَمَّا سارا بعض الطَّرِيق سقط حِمَاره واشتغل بِهِ فَذهب الْحمار الْمُسْتَأْجر وَهلك هَل يضمن قيل إِن كَانَ بِحَالَة لَو اتبع الْحمار الْمُسْتَأْجر يهْلك حِمَاره أَو مَتَاعه لَا يضمن وَإِلَّا فَيضمن
وَفِي الذَّخِيرَة إِذا كَانَ الْمُسْتَأْجر اسْتَأْجر حِمَارَيْنِ فاشتغل بِحمْل أَحدهمَا فَضَاعَ الآخر إِن غَابَ عَن بَصَره فَهُوَ ضَامِن قلت فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يضمن فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي مرت إِن غَابَ الْحمار عَن بَصَره ثمَّ هلك
رجل اسْتَأْجر حمارا ليذْهب بِهِ إِلَى مَوضِع مَعْلُوم فَأخْبر أَن فِي الطَّرِيق لصوصا فَلم يلْتَفت إِلَى ذَلِك فَأَخذه اللُّصُوص وذهبوا بالحمار إِن كَانَ النَّاس يسلكون ذَلِك الطَّرِيق مَعَ هَذَا الْخَبَر بدوابهم وَأَمْوَالهمْ فَلَا ضَمَان وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان اسْتَأْجر دَابَّة أَو عبدا فَإِن مُؤنَة الرَّد بعد الْفَرَاغ على صَاحب العَبْد وَالدَّابَّة وَكَذَا مُؤنَة رد الْمَرْهُون تكون على الرَّاهِن وَمؤنَة رد الْوَدِيعَة تكون على صَاحبهَا وَمؤنَة رد الْمُسْتَعَار تكون على الْمُسْتَعِير وَمؤنَة رد الْمَغْصُوب تكون على الْغَاصِب وَكَذَا مُؤنَة رد الْمَبِيع بيعا فَاسِدا بعد الْفَسْخ على الْقَابِض
اسْتَأْجر مكاريا أَو حمالا يحمل لَهُ طَعَاما فِي طَرِيق كَذَا فَأخذ طَرِيقا آخر يسلكه النَّاس فَهَلَك الْمَتَاع لَا يضمن قَالُوا هَذَا إِذا كَانَ الطريقان متقاربين أما إِذا كَانَ بَينهمَا تفَاوت فَاحش فِي الطول وَالْقصر والسهولة والصعوبة فَيضمن
وَذكر فِي الْعدة بقار لأهل قَرْيَة وَلَهُم مرعى ملتف بالاشجار لَا يُمكنهُ النّظر إِلَى كل بقرة فَضَاعَت بقرة

(1/288)


لَا يضمن وَلَو مرت بقرة على قنطرة فَدخلت رجلهَا فِي ثقب القنطرة فَانْكَسَرت أَو دخلت فِي مَاء عميق والبقار لَا يعلم فَلم يسقها ضمن إِذا أمكنه سوقها
وَفِي الذَّخِيرَة أهل مَوضِع جرت الْعَادة بَينهم أَن البقار إِذا دخل السَّرْح فِي السكَك أرسل كل بقرة فِي سكَّة صَاحبهَا فَفعل الرَّاعِي كَذَلِك فَضَاعَت بقرة أَو شَاة قبل أَن تصل إِلَى صَاحبهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الْمَعْرُوف كالمشروط
ضَمَان الحارس رجل اُسْتُؤْجِرَ لحفظ خَان فَسرق من الخان شَيْء لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحفظ الْأَبْوَاب فَقَط أما الْأَمْوَال فَهِيَ فِي يَد أَرْبَابهَا فِي الْبيُوت
وروى عَن أَحْمد بن مُحَمَّد القَاضِي فِي حارس يحرس الحوانيت فِي السُّوق فَنقبَ حَانُوت وسرق مِنْهُ أَنه ضَامِن لِأَنَّهُ فِي معنى الْأَجِير الْمُشْتَرك لِأَن لكل وَاحِد حانوتا على حِدة فَصَارَ بِمَنْزِلَة من يرْعَى غنما لكل انسان شَاة وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر والفقيه أَبُو بكر رحمهمَا الله تَعَالَى الحارس أجِير خَاص فَلَا يضمن إِذا نقب الْحَانُوت لِأَن الْأَمْوَال مَحْفُوظَة فِي الْبيُوت وَفِي يَد ملاكها وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر أَنه يضمن مَا كَانَ خَارج السُّوق وَلَا يضمن مَا كَانَ دَاخل السُّوق
وَذكر فِي التَّجْرِيد الدَّلال والنخاس أجِير مُشْتَرك حَتَّى لَو ضَاعَ شَيْء من يدهما من غير صنعهما فَلَا ضَمَان عَلَيْهِمَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
ضَمَان الْحمال وَلَو اسْتَأْجر حمالا يحمل لَهُ دن خل فعثر وانكسر يضمن لِأَنَّهُ تولد من عمله وَهَذَا إِذا انْكَسَرَ فِي وسط الطَّرِيق أما إِذا سقط من رَأسه أَو زلقت رجله بعد مَا انْتهى إِلَى الْمَكَان الْمَشْرُوط ثمَّ انْكَسَرَ الدن فَلهُ الْأجر وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حِين انْتهى إِلَى الْمَكَان الْمَشْرُوط لم يبْق الْحمل مَضْمُونا عَلَيْهِ
وَفِي الْمُنْتَقى وَلَو اسْتَأْجر حمالا ليحمل لَهُ زقا من سمن فَحَمله صَاحبه والحمال ليضعاه على رَأس الْحمال فَوَقع وتخرق الزق لَا يضمن الْحمال لِأَنَّهُ لم يسلم إِلَيْهِ السّمن فَإِن السّمن فِي يَد صَاحبه بعد وَلَا ضَمَان على الْحمال بِدُونِ التَّسْلِيم
وَذكر فِي النَّوَازِل ابْن سَمَّاعَة رَحمَه الله تَعَالَى وَلَو حمله ثمَّ وَضعه فِي بعض الطَّرِيق ثمَّ أَرَادَ رَفعه فاستعان بِرَبّ الزق فرفعاه ليضعاه على رَأس الْحمال فَوَقع وتخرق فالحمال ضَامِن لِأَنَّهُ صَار فِي ضَمَانه حِين حمله وَلم يبرأ مِنْهُ بعد لِأَنَّهُ لم يُسلمهُ إِلَى صَاحبه
وَفِي الذَّخِيرَة إِذا سرق الْمَتَاع من رَأس الْحمال وَرب الْمَتَاع مَعَه لَا يضمن وَإِن لم يكن صَاحبه مَعَه لَا يضمن أَيْضا عِنْد ابي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لَهما وَإِذا انْقَطع حَبل الْحمال وَسقط الْحمل ضمن الْحمال بالِاتِّفَاقِ
ضَمَان المكاري ذكر فِي الذَّخِيرَة لَو عثرت الدَّابَّة الْمُسْتَأْجرَة من سوق المكاري فَسقط الْحمل وَفَسَد الْمَتَاع وَصَاحب الْمَتَاع رَاكب على الدَّابَّة لَا يضمن الْأَجِير بِخِلَاف مَا إِذا عثرت الدَّابَّة الْمُسْتَأْجرَة وَسقط الْمَتَاع وَهلك وَصَاحب الْمَتَاع يسير مَعَه خلف الدَّابَّة فَإِن الْأَجِير يضمن لِأَن الْهَلَاك حصل من جِنَايَة يَده وَمحل الْعَمَل مُسلم إِلَيْهِ
وَفِي فَتَاوَى أبي اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى مكار حمل كرابيس إِنْسَان فَاسْتَقْبلهُ اللُّصُوص فَطرح الكرابيس

(1/289)


وَذهب بالحمار قَالَ إِن كَانَ يعلم أَنه لَو لم يطْرَح الكرابيس اخذوا الكرابيس وَالْحمار جَمِيعًا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتْرك الْحِفْظ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ
ضَمَان النساج وَفِي فَتَاوَى الفضلى رَحمَه الله تَعَالَى إِذا دفع إِلَى نساج غزلا لينسجه كرباسا فَدفعهُ النساج إِلَى آخر لينسجه كرباسا فَدفعهُ النساج إِلَى آخر لينسجه فَسرق من بَيت الآخر إِن كَانَ أجِير الأول فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن لم يكن أجِير الأول وَكَانَ أَجْنَبِيّا ضمن بِلَا خلاف وَلَا يضمن الآخر عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا رحمهمَا الله تَعَالَى يضمن وَهُوَ نَظِير الْمُودع إِذا دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي بِغَيْر اذن مَالِكهَا فعندهما صَاحب الْوَدِيعَة يضمن أَيهمَا شَاءَ وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يضمن الأول وَلَيْسَ لَهُ أَن يضمن الثَّانِي
قَالَ صَاحب الذَّخِيرَة وعَلى قِيَاس مَا ذكره الْقَدُورِيّ أَن كل صانع اشْترط عَلَيْهِ الْعَمَل بِنَفسِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يسْتَعْمل غَيره وَإِنَّمَا لَا يضمن إِذا كَانَ الآخر أجِير الأول فِيمَا إِذا كَانَ أطلق لَهُ الْعَمَل أما إِذا شَرط عَلَيْهِ النسج بِنَفسِهِ يضمن بِالدفع إِلَى الآخر وَإِن كَانَ أجيره
إِذا قَالَ صَاحب الثَّوْب للنساج اذْهَبْ بِالثَّوْبِ إِلَى مَنْزِلك حَتَّى إِذا رَجعْنَا من الْجُمُعَة سرت إِلَى منزلي فأوفى لَك أجرك فاختلس الثَّوْب من يَد الحائك فِي التَّوَجُّه قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر الْبَلْخِي رَحمَه الله تَعَالَى إِن كَانَ الحائك دفع الثَّوْب إِلَى صَاحبه أَو مكنه من الْأَخْذ ثمَّ دَفعه صَاحبه إِلَى الحائك ليوفي لَهُ الْأجر يكون الثَّوْب رهنا فَإِذا هلك هلك بِالْأَجْرِ وَإِن كَانَ صَاحب الثَّوْب دفع الثَّوْب إِلَيْهِ على وَجه الْوَدِيعَة لَا يضمن الحائك وَتَكون أجرته على صَاحب الثَّوْب وَلَو صنعه الحائك بِالْأَجْرِ قبل الدّفع اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَإِن اصطلحا على شَيْء كَانَ حسنا كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي الْعِمَادِيّ للحائك والقصار والصباغ وَلكُل صانع لعمله أثر فِي الْعين احتباس مَا استؤجروا على الْعَمَل فِيهِ حَتَّى يَأْخُذُوا الْأُجْرَة وَلَو هلك فِي يَده بعد الْحَبْس لَا يضمن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَلَا أجر لَهُ بِهَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ قبل التَّسْلِيم
حائك عمل بِالْأَجْرِ فَتعلق الْآجر بِهِ ليأخذه وابى الحائك أَن يدْفع حَتَّى يَأْخُذ الْأُجْرَة فتخرق من مد صَاحبه لَا ضَمَان على الحائك وَإِن تخرق من مدهما فعلى الحائك نصف الضَّمَان
إِذا خَالف الحائك فِي النسج بِأَن أمره أَن ينسج لَهُ ثوبا سبعا فِي أَربع أَو سِتا فِي أَربع أَو أمره أَن ينسجه رَقِيقا فنسجه ثخينا أَو على الْعَكْس فَفِي الْفُصُول كلهَا صَاحب الْغَزل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ترك الثَّوْب على النساج وَضَمنَهُ غزلا مثل غزله وَإِن شَاءَ أَخذ الثَّوْب وَأَعْطَاهُ الاجر الْمُسَمّى لَا يُزَاد فِي الزِّيَادَة وَلَا ينقص فِي النُّقْصَان لِأَنَّهُ مُتَبَرّع فِي الزِّيَادَة وَفِي النُّقْصَان نُقْصَان الْعَمَل
وَذكر صَاحب الذَّخِيرَة هَذِه الْمَسْأَلَة هَكَذَا ثمَّ قَالَ اخْتلف الْمَشَايِخ هَل يُعْطِيهِ الْمُسَمّى أَو أجر الْمثل قَالَ بَعضهم يُعْطِيهِ أجر الْمثل على كل حَال لَا يُجَاوز بِهِ مَا سمى وَقَالَ بَعضهم يُعْطِيهِ مَا سمى إِذا أَخذ الثَّوْب ورضى بِالْعَيْبِ وَإِن أَخذ الثَّوْب وَلم يرض بِالْعَيْبِ يُعْطِيهِ أجر الْمثل على كل حَال لَا يُجَاوز بِهِ الْمُسَمّى
ضَمَان الْخياط رجل قَالَ للخياط انْظُر إِلَى هَذَا الثَّوْب فَإِن كفاني قَمِيصًا فاقطعه بدرهم وخطه فَقَالَ الْخياط نعم وقطعه ثمَّ قَالَ بعد مَا قطعه إِنَّه لَا يَكْفِيك ضمن الْخياط قيمَة الثَّوْب لِأَنَّهُ إِنَّمَا أذن لَهُ بِالْقطعِ بِشَرْط الْكِفَايَة وَلَو قَالَ للخياط انْظُر أيكفيني قَمِيصًا فَقَالَ الْخياط نعم يَكْفِيك فَقَالَ صَاحب

(1/290)


الثَّوْب اقطعه فَقَطعه فَإِذا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا يضمن الْخياط شَيْئا لِأَنَّهُ أذن بِالْقطعِ مُطلقًا وَإِن قَالَ الْخياط نعم فَقَالَ صَاحب الثَّوْب فاقطعه وَقَالَ اقطعه إِذن فَقَطعه كَانَ ضَامِنا إِذا كَانَ لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ علق ذَلِك الاذن بِالشّرطِ
وَفِي الذَّخِيرَة رجل دفع إِلَى خياط كرباسا ليخيط لَهُ قَمِيصًا فخاطه لَهُ قَمِيصًا فَاسِدا وَعلم صَاحب الثَّوْب بِالْفَسَادِ ولبسه لَيْسَ لَهُ أَن يضمنهُ لِأَن اللّبْس يكون رضَا بالإفساد قَالَ وَيعلم من هَذِه الْمَسْأَلَة كثير من الْمسَائِل
وَفِي الْمُنْتَقى إِذا دفع إِلَى خياط ثوبا وَقَالَ اقطعه حَتَّى يُصِيب الْقدَم أَو اجْعَل كمه خَمْسَة أشبار وَعرضه كَذَا فجَاء بِهِ نَاقِصا قَالَ إِذا كَانَ قدر أصْبع وَنَحْوه فَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن كَانَ أَكثر مِنْهُ فَلهُ أَن يضمنهُ
ضَمَان الْقصار الْقصار إِذا لبس ثوب القصارة ثمَّ نَزعه فَضَاعَ بعده لَا يضمن وَفِي الْعُيُون وَلَو دفع إِلَى قصار ثوبا ليقصره لَهُ بدانق فَجعل الْقصار بدقه فاستعان بِرَبّ الثَّوْب على دقه فدقه فتخرق الثَّوْب قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِذا لم يعلم من أَيهمَا تخرق فَالضَّمَان على الْقصار لِأَنَّهُ قي يَده وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يضمن الْقصار نصف الْقيمَة وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد رحمهمَا الله تَعَالَى أَنه يجب كل الضَّمَان على الْقصار حَتَّى يعلم أَنه تخرق من دق صَاحبه وعَلى قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَنْبَغِي أَن لَا يضمن الْقصار أصلا مالم يعلم أَنه تخرق من دقه بِنَاء على أَن يَد الْأَجِير الْمُشْتَرك يَد أَمَانَة عِنْده يَد ضَمَان عِنْدهمَا وَإِذا لم يتخرق الثَّوْب هَل يسْقط من الْأجر مِقْدَار مَا يَخُصُّهُ من عمل الْمَالِك ذكر فِي الْمُحِيط عَن شمس الْأَئِمَّة أَن الْأَجِير إِن اسْتَعَانَ بالمستأجر لم ينْقل فعل الْمُسْتَأْجر إِلَى الْأَجِير حَتَّى يسْتَوْجب الْأجر وَكَذَلِكَ لَو جَاءَ صَاحب الثَّوْب وخاط بعض الثَّوْب فِي يَد الْخياط أَو نسج بعض ثَوْبه فِي يَد النساج فَإِنَّهُ يسْقط من الأحر بِحِصَّتِهِ لِأَن الْإِعَانَة لَا تجْرِي فِي الاجارة بِخِلَاف الْمُضَاربَة فَإِن الْإِعَانَة تجْرِي فِيهَا
وَفِي الذَّخِيرَة لَو جفف الْقصار الثَّوْب فمرت بِهِ حمولة فتخرق لَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لِأَن الْهَلَاك لم يكن من فعله وَعَمله وَعِنْدَهُمَا يضمن لِأَن هَذَا مِمَّا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ
تلميذ الْقصار أَو أجيره الْخَاص إِذا أوقد نَارا بِأَمْر الْأُسْتَاذ أَو السراج فَوَقَعت شرارة على ثوب القصارة فَلَا ضَمَان على الْأَجِير وَإِنَّمَا الضَّمَان على أستاذه وَإِن لم يكن من ثِيَاب القصارة ضمن الْأَجِير
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِذا أَدخل الْقصار سِرَاجًا فِي حانوته فَاحْتَرَقَ بِهِ ثوب غَيره بِغَيْر فعله ضمن لِأَن هَذَا مِمَّا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فِي الْجُمْلَة وَإِنَّمَا لَا يضمن فِي الْحَرِيق الْغَالِب الَّذِي لَا يُمكن إطفاؤه وَهَذَا قَوْلهمَا فَأَما عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَلَا يضمن مَا هلك بِغَيْر صنعه
استفتيت أَئِمَّة بُخَارى عَن الْقصار إِذا شَرط عَلَيْهِ أَن يفرغ الْيَوْم من الْعَمَل فَلم يفرغ وَهلك فِي الْغَد هَل يضمن أم لَا أجابوا نعم يضمن وَلَو اخْتلفَا فِي الشَّرْط وَعَدَمه فَيَنْبَغِي أَن يكون القَوْل للقصار لِأَنَّهُ مُنكر للشّرط ثمَّ إِذا شَرط عَلَيْهِ أَن يفرغ الْيَوْم أَو نَحوه من الْعَمَل وَلم يفرغ فِيهِ وقصره بعد ايام هَل تجب الْأُجْرَة قَالَ صَاحب الْفُصُول كَانَت وَاقعَة الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَن لَا تجب الْأُجْرَة لِأَنَّهُ لم يبْق عقد الاجارة بِدَلِيل وجوب الضَّمَان على تَقْدِير الْهَلَاك اه
ضَمَان الصّباغ رجل دفع إِلَى صباغ إبْريسَمًا ليصبغه بِكَذَا ثمَّ قَالَ للصباغ لَا تصبغ إبريسمي ورده

(1/291)


عَليّ كَذَلِك فَلم يَدْفَعهُ ثمَّ هلك لم يضمن الصّباغ لِأَن الْإِجَارَة صحت الْمُسْتَأْجر لَا يتَمَكَّن من فسخ الاجارة بِغَيْر رضَا صَاحبه إِلَّا بِعُذْر فَيبقى حكم العقد بعد نهي الْمُسْتَأْجر وَمن حكم هَذَا العقد أَن تكون الْعين أَمَانَة فِي يَد الْأَجِير فَلَا يضمنهُ بِالْهَلَاكِ فِي يَده إِلَّا بالتقصير وَلم يُوجد
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان أَمر رجلا ليصبغ ثَوْبه بالزعفران أَو بالبقم فصبغه بصبغ من جنس آخر كَانَ لرب الثَّوْب أَن يضمنهُ قيمَة ثَوْبه أَبيض وَيتْرك الثَّوْب عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ أَخذ الثَّوْب وَأَعْطَاهُ مثل أجر عمله لَا يُجَاوز بِهِ مَا سمى وَإِذا اخْتلف الصّباغ وَرب الثَّوْب فَقَالَ رب الثَّوْب أَمرتك أَن تصبغه بعصفر وَقَالَ الصّباغ أَمرتنِي أَن أصبغه بزعفران فَالْقَوْل لرب الثَّوْب مَعَ يَمِينه اه
ضَمَان الغلاف والوراق فِي الذَّخِيرَة رجل دفع إِلَى رجل مُصحفا ليعْمَل فِيهِ وَدفع الغلاف مَعَه أَو دفع سَيْفا إِلَى صيقلي ليصقله وَدفع الغمد إِلَيْهِ أَيْضا فَسرق لَا يضمن الغلاف لِأَنَّهُ فِي الغلاف مُودع لَا أجِير وَالْمُودع لَا يضمن إِلَّا مَا جنت يَده وَفِي شرح الْقَدُورِيّ عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ يضمن الْمُصحف والغلاف وَالسيف والغمد لِأَن السَّيْف لَا يَسْتَغْنِي عَن الغمد والمصحف عَن الغلاف فصارا كشيء وَاحِد وَإِن أعطَاهُ الْمُصحف ليعْمَل لَهُ غلافا أَو سكينا ليعْمَل لَهَا نِصَابا فَضَاعَ الْمُصحف أَو السكين لم يضمن لِأَنَّهُ اسْتَأْجرهُ على ايقاع الْعَمَل فِي غَيرهمَا لَا فيهمَا وهما ليسَا يتبع فِي ذَلِك الْعين قَالَ الْعِمَادِيّ صَاحب الْفُصُول وَفِي فَوَائِد جدي رَحمَه الله تَعَالَى دفع مُصحفا إِلَى وراق ليجلده فسافر بِهِ وَأَخذه اللُّصُوص هَل يضمن أجَاب نعم
قَالَ عمي نظام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَقد أجبْت أَنه لَا يضمن مُعْتَمدًا على ظَاهر الْفِقْه أَن الْمُودع إِذا سَافر بالوديعة لَا يضمن وَلَا يُقَال إِنَّه مُودع بِأَجْر فَيضمن لِأَنَّهُ لَيْسَ ثمَّة عقد حَتَّى يتَعَيَّن عَلَيْهِ مَكَان العقد للْحِفْظ وَفِي الْوَدِيعَة بِأَجْر إِنَّمَا يضمن لِأَنَّهُ تعين مَكَان العقد بِالْحِفْظِ وَهَاهُنَا مَا أمره بِالْحِفْظِ مَقْصُودا وَإِنَّمَا أمره بِالْحِفْظِ ضمنا فِي الِاسْتِئْجَار وَفِي الاجارة يعْتَبر مَكَان العقد فَكَذَا مَا فِي ضمنهَا
ضَمَان الفصاد فِي فَتَاوَى ظهير الدّين رَحمَه الله تَعَالَى لَيْسَ على الفصاد والبزاغ والحجام ضَمَان السَّرَايَة إِذا لم يقطعوا زِيَادَة على الْقدر الْمَعْهُود الْمَأْذُون فِيهِ فَإِن شَرط على هَؤُلَاءِ الْعَمَل السَّلِيم دون الساري لَا يَصح الشَّرْط لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعهم ذَلِك وَلَو شَرط على الفصاد الْعَمَل على أَن لَا يسرى يَصح لِأَنَّهُ فِي وَسعه
وَسُئِلَ صَاحب الْمُحِيط عَن رجل فصد نَائِما وَتَركه حَتَّى مَاتَ من سيلان الدَّم قَالَ يجب عَلَيْهِ الْقصاص
ضَمَان الحمامي فِي الذَّخِيرَة رجل دخل الْحمام وَقَالَ لصَاحب الْحمام احفظ الثِّيَاب فَلَمَّا خرج لم يجد ثِيَابه فَإِن قَالَ صَاحب الْحمام إِن غَيره رَفعهَا وَهُوَ يرَاهُ ويظن أَنه يرفع ثِيَاب نَفسه فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ ترك الْحِفْظ حَيْثُ لم يمْنَع القاصد وَهُوَ يرَاهُ وَإِن قَالَ إِنِّي رايت شخصا قد رفع ثِيَابك إِلَّا أَنِّي ظَنَنْت أَن الرافع أَنْت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يصر تَارِكًا للْحِفْظ لما ظن أَن الرافع هُوَ وَإِن سرق وَهُوَ لَا يعلم بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن لم يذهب عَن ذَلِك الْموضع وَلم يضيع
رجل دخل حَماما وَقَالَ للحمامي أَيْن أَضَع ثِيَابِي فَأَشَارَ الحمامي إِلَى مَوضِع فَوضع ثمَّة وَدخل الْحمام ثمَّ خرج رجل وَرفع الثِّيَاب وَلم يمنعهُ الحمامي لما أَنه ظَنّه صَاحب الثِّيَاب ضمن الحمامي لِأَنَّهُ استحفظ وَقد قصر فِي الْحِفْظ وَهَذَا قَول أبي سَلمَة وَأبي نصر الدبوسي رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَا ضَمَان على الحمامي وَالْأول أصح

(1/292)


رجل دخل بدابته خَانا وَقَالَ للخاني أَيْن أربطها فَقَالَ هُنَاكَ فربطها وَذهب فَلَمَّا رَجَعَ لم يجد دَابَّته فَقَالَ لَهُ صَاحب الخان إِن صَاحبك قد أخرج الدَّابَّة ليسقيها وَلم يكن لَهُ صَاحب ضمن الخاني لِأَن قَوْله أَيْن أربطها استحفاظ مِنْهُ لَهُ فَإِذا أَشَارَ لَهُ إِلَى مَوضِع الرَّبْط فقد أَجَابَهُ إِلَى الْحِفْظ فَصَارَ مودعا وَقد قصر فِي الْحِفْظ فَيضمن الْجُمْلَة منتخبة من الْعِمَادِيّ