لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْوَقْف
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَزُول ملك الْوَاقِف عَن الْوَقْف إِلَّا أَن يحكم بِهِ الْحَاكِم أَو يعلقه بِمَوْتِهِ فَيَقُول إِذا مت فقد وقفت دَاري على كَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يَزُول الْملك بِمُجَرَّد القَوْل وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَزُول حَتَّى يَجْعَل للْوَقْف وليا ويسلمه إِلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَة
وَفِي جَامع الْفَتَاوَى الْوَقْف عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى على ثَلَاثَة أوجه فِي وَجه لَا يلْزم وَهُوَ مَا إِذا وقف فِي صِحَّته وَذكر شَرَائِط الصِّحَّة وَفِي وَجه لَا يلْزم فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ مَا إِذا وقف فِي مرض مَوته فَهُوَ كالوقف حَال الصِّحَّة وروى الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه كالمضاف إِلَى مَا بعد مَوته وَالثَّالِث أَن يذكر شَرَائِط صِحَة الْوَقْف فِي حَيَاته ويجعله وَصِيَّة بعد مماته بِأَن يَقُول أوصيت بغلة دَاري هَذِه أَو أرضي هَذِه أَو يَقُول جعلت ملكي هَذَا وَقفا فتصدقوا بِهِ بعد وفاتي على كَذَا أَو يَقُول يُوقف ملكي هَذَا إِلَى كَذَا فَيجوز من الثُّلُث وَيلْزم وَعِنْدَهُمَا الْوَقْف جَائِز لَازم فِي صِحَّته ومرضه بِدُونِ هَذِه التكليفات
قَالَ صَاحب المنبع وَفِي التَّتِمَّة والعيون والحقائق الْفَتْوَى على قَوْلهمَا وَالنَّاس لم يَأْخُذُوا بقول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا للآثار الْمَشْهُورَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وتعامل النَّاس وَكَانَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول أَولا بقول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لكنه لما حج مَعَ هَارُون الرشيد وَرَأى أوقاف الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ ونواحيها رَجَعَ وافتى بِلُزُوم الْوَقْف وَقَالَ بَلغنِي حَدِيث عمر وَهُوَ مَا روى ابْن عمر أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت لَهُ أَرض تدعى ثمغ فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله إِنِّي اسْتَفَدْت مَالا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيس أفأتصدق بِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تصدق بأصلها لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث وَلَكِن توقف ثَمَرَته على الْمَسَاكِين قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فَلهَذَا رجعت فَلَو بلغ هَذَا أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لرجع قلت ذكر البزازي فِي جَامعه أَنه لَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك على الامام رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ نفى اللُّزُوم لَا الصِّحَّة فِي الْمَذْهَب الصَّحِيح والوجود لَا يدل على اللُّزُوم وَلَئِن سلم أَنه لَا يَصح عِنْده فَعدم الصِّحَّة غير مُسْتَغْرق لأفراده بل يَصح الْمُضَاف والمحكوم بِجَوَازِهِ فَلم لَا يجوز أَن يكون الْوَقْف الْمَوْجُود من تِلْكَ الْأَفْرَاد صَحِيحا فَكيف يَصح الطعْن على سيد التَّابِعين بِأَنَّهُ لم يُشَاهد الْأَوْقَاف فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ أَنه حج خمْسا وَخمسين حجَّة وَلَقي فِيهَا الصَّحَابَة وَبِذَلِك حكمنَا بِأَنَّهُ من التَّابِعين الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ فَأنى سَاغَ الطعْن بِعَدَمِ الْوُقُوف مَعَ ذَلِك العكوف انْتهى
وَلَو وقف فِي مرض مَوته قَالَ الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت وَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزم عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ فِي الْمَرَض كَالْوَصِيَّةِ وَهِي لَا تجوز لوَارث دون وَارِث

(1/293)


وَعِنْدَهُمَا يلْزم إِلَّا أَنه يعْتَبر من الثُّلُث وَالْوَقْف فِي الصِّحَّة ينفذ من جَمِيع المَال ووقف الْمَتَاع جَائِز عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يجوز وَلَا يجوز وقف مَا ينْقل وَيجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يجوز وقف مَا فِيهِ تعامل النَّاس من المنقولات كالفأس والمر والقدوم والمنشار والجنازة وثيابها والقدور والمراجل والمصاحف وَنَحْو ذَلِك وَعَن نصير بن يحيى رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يجوز وقف الْكتب إِلْحَاقًا لَهَا بالمصحف وَهَذَا صَحِيح لِأَن كل وَاحِد يمسك للدّين تَعْلِيما وتعلما وَقِرَاءَة وَأكْثر فُقَهَاء الْأَمْصَار على قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي البزازي وقف الْبناء بِدُونِ الأَرْض لم يجوزه هِلَال رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ وَعمل أَئِمَّة خوارزم على خِلَافه وقف الكردار بِدُونِ الأَرْض لَا يجوز كوقف الْبناء بِلَا أَرض والكردار فَارسي مُعرب وَهُوَ كالبناء وَالْأَشْجَار
وَإِذا كَانَ اصل الْقرْيَة وَقفا على جِهَة قَرْيَة فَبنى عَلَيْهَا رجل بِنَاء ووقف بناءها على جِهَة قَرْيَة أُخْرَى اخْتلفُوا فِيهِ فَأَما إِذا وقف الْبناء على جِهَة الْقرْيَة الَّتِي كَانَت الْبقْعَة وَقفا عَلَيْهَا فَيجوز بِالْإِجْمَاع وَيصير وَقفا تبعا للقرية هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ فَتَاوَى أَئِمَّة خوارزم
غرس شَجَرَة ووقفها إِن غرسها فِي أَرض مَمْلُوكَة لَهُ يجوز وَقفهَا تبعا للْأَرْض وَإِن وَقفهَا بِدُونِ أَصْلهَا لَا يجوز وَإِن كَانَت فِي أَرض مَوْقُوفَة إِن وَقفهَا على تِلْكَ الْجِهَة جَازَ كَمَا فِي الْبناء وَإِن وَقفهَا على جِهَة أُخْرَى فعلى الْخلاف الْمَذْكُور فِي وقف الْبناء وَلَا يجوز وقف الْبناء فِي أَرض عَارِية أَو إِجَارَة اه
وَفِي الْبَدَائِع وَلَو وقف أشجارا قَائِمَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز لِأَنَّهُ وقف الْمَنْقُول وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز لتعامل النَّاس بِهِ فِي ذَلِك وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن
وَقَالَ الْعَلامَة الشَّيْخ شرف الدّين قَاسم رَحمَه الله تَعَالَى فعلى هَذَا إِذا جرى التَّعَامُل بوقف الْبناء يَنْبَغِي أَن يجوز وَلَكِن فِي أَرض نَفسه كَمَا تقدم أما على الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يملك استتباع مَا تَحت الْجدر فَيبقى العقد لِلْأَبَد واردا على التناهي فَلَا يَصح
وَفِي قنية الْمنية اسْتَأْجر أَرضًا وَقفا وغرس فِيهَا وَبنى ثمَّ مَضَت مُدَّة الاجارة فللمستأجر أَن يبقيها بِأَجْر الْمثل إِذا لم يكن فِي ذَلِك ضَرَر قيل لَهما فَلَو أَبى الْمَوْقُوف عَلَيْهِم الا الْقطع فَهَل لَهُم ذَلِك فَقَالَا لَا انْتهى
وَفِي الذَّخِيرَة ذكر الصَّدْر الشَّهِيد فِي واقعاته رجل مَاتَ وَترك ابْنَيْنِ فِي يَد أَحدهمَا ضَيْعَة يدعى أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ من أَبِيه وَالِابْن الآخر يَقُول هِيَ وقف علينا كَانَ القَوْل قَوْله وَهِي وقف عَلَيْهِمَا هُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهُمَا تَصَادقا على أَنَّهَا كَانَت فِي يَد أَبِيهِمَا فَلَا ينْفَرد أَحدهمَا باستحقاقهما إِلَّا بِحجَّة اه
وَإِذا صَحَّ الْوَقْف لم يجز بَيْعه وَلَا تَمْلِيكه وَهل تجوز قسمته فَعِنْدَ أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز بِنَاء على أَن الشُّيُوع فِي الْوَقْف غير مَانع من صِحَة الْوَقْف عِنْده فَتجوز الْقِسْمَة لِأَنَّهَا تَمْيِيز وإفراز ثمَّ إِن وقف نصِيبه من عقار مُشْتَرك بَينه وَبَين غَيره الْوَاقِف هُوَ الَّذِي يقاسم شَرِيكه لَا القَاضِي عِنْد من يَقُول بِجَوَاز الْقِسْمَة لِأَن الْولَايَة فِي الْوَقْف إِلَى الْوَاقِف فَإِن مَاتَ الْوَاقِف فلوصيه أَن يقاسم شَرِيكه ويفرز حِصَّة الْوَقْف لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه وَإِن كَانَت الأَرْض كلهَا لَهُ فَوقف بَعْضهَا ثمَّ اراد الْقِسْمَة فوجهه أَن يَبِيع مَا بَقِي من رجل ثمَّ يقتسمان ثمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ ذَلِك إِن شَاءَ لِأَن الْقِسْمَة إِنَّمَا تُجزئ بَين اثْنَيْنِ فَلَا يصلح الْوَاحِد مقاسما ومقاسما وَإِن لم يبع رفع الْأَمر إِلَى القَاضِي ليأمر إنْسَانا بِالْقِسْمَةِ مَعَه لتجري الْقِسْمَة بَين اثْنَيْنِ

(1/294)


وَفِي الْمُحِيط وَالْكَافِي إِذا قضى القَاضِي بِجَوَاز وقف الْمشَاع وَنفذ قَضَاؤُهُ صَار مُتَّفقا عَلَيْهِ كَسَائِر المختلفات إِذا اتَّصل بِهِ قَضَاء القَاضِي وَلَا تجوز قسمته فَلَو طلب بَعضهم الْقِسْمَة قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يقسم ويتهايئون وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى يفرز وَأَجْمعُوا على أَن الْكل لَو كَانَ وَقفا على الأرباب فأرادوا الْقِسْمَة لَا يقسم لَهما إِن الْقِسْمَة تَمْيِيز وإفراز لَا بيع وتمليك فَيجوز وَلأبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْقِسْمَة بيع معنى لاشتمالها على الْإِفْرَاز والمبادلة وجهة الْمُبَادلَة راجحة فِي غير الْمِثْلِيَّات والوجب على من يتَوَلَّى أَمر الْوَقْف أَن يبْدَأ من غلَّة الْوَقْف بعمارته شَرط ذَلِك الْوَاقِف أَو لم يشرط لِأَن الْمَقْصُود من الْوَقْف التَّصَدُّق بالغلة على وَجه التَّأْبِيد وَلَا يتأبد إِلَّا بالعمارة
وَمِمَّا توسع فِيهِ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا يشْتَرط التَّأْبِيد حَتَّى لَو وقف على جِهَة يتَوَهَّم انقطاعها بِأَن وقف على أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وَلم يَجْعَل آخِره للْفُقَرَاء لَا يَصح الْوَقْف عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَا يشْتَرط ذَلِك وَإِذا انفرضوا يعود إِلَى ملكه أَو ملك ورثته وَالصَّحِيح أَن التَّأْبِيد شَرط على قَول الْكل وَلَكِن ذكر التَّأْبِيد لَيْسَ بِشَرْط عِنْد أبي يُوسُف حَتَّى إِذا مَاتَ أَوْلَاده وانقرضوا تصرف الْغلَّة حِينَئِذٍ إِلَى الْفُقَرَاء وَإِن لم يسمهم
وَإِذا بنى مَسْجِدا لم يزل ملكه عَنهُ حَتَّى يفرز عَن ملكه بطريقه الشَّرْعِيّ وَيَأْذَن للنَّاس بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَإِذا صلى فِيهِ وَاحِد زَالَ عَن ملكه عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يشْتَرط الصَّلَاة فِيهِ بِالْجَمَاعَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَزُول ملكه بقوله جعلته مَسْجِدا لِأَن التَّسْلِيم عِنْده لَيْسَ بِشَرْط وَإِذا جعل الْوَاقِف غلَّة الْوَقْف لنَفسِهِ أَو جعل الْولَايَة إِلَيْهِ جَازَ عِنْد أبي يُوسُف وَلَا يجوز على قِيَاس قَول مُحَمَّد وَهُوَ قَول هِلَال الرازى
وَفِي البزازي وقف على أُمَّهَات أَوْلَاده فَلَا شَيْء لمن يتَزَوَّج مِنْهُنَّ فَإِن طَلقهَا زَوجهَا فَلَا يعود حَقّهَا السَّاقِط إِلَّا إِذا كَانَ الْوَاقِف اسْتثْنى وَقَالَ من طلقت فلهَا أَيْضا قسط من الْوَقْف وَلَو وقف وَجعل الْبَعْض أَو الْكل لأمهات أَوْلَاده ومدبريه مَا داموا أَحيَاء فَإِذا مَاتُوا فَهُوَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فقد قيل يجوز بالِاتِّفَاقِ وَقد قيل هُوَ على الْخلاف أَيْضا وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي الْهِدَايَة قلت وَقد وَقعت بِالْقَاهِرَةِ مَسْأَلَة سُئِلَ عَنْهَا جدي شيخ الاسلام محب الدّين بن الشّحْنَة متع الله تَعَالَى بحياته الْكَرِيمَة صورتهَا مَا تَقول السَّادة الْعلمَاء أَئِمَّة الدّين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ فِي رجل وقف وَقفا وَشرط فِيهِ شُرُوطًا من جُمْلَتهَا أَن يصرف لأم وَلَده شكر باي من ريع الْوَقْف الْمَذْكُور فِي سنة تمْضِي مبلغ عشرَة آلَاف دِرْهَم مَا دمت عزبة فَهَل إِذا تزوجت تسْتَحقّ الْمبلغ الْمَذْكُور أم لَا وَإِذا قُلْتُمْ أيدكم الله تَعَالَى لَا تسْتَحقّ فَهَل إِذا مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا أَو طَلقهَا واستمرت عزبة يعود الدَّوَام وتستحق الْمبلغ الْمَذْكُور أم لَا مَا الحكم فِي ذَلِك أجَاب جدي شيخ مَشَايِخ الاسلام المومي إِلَيْهِ بِدُونِ كِتَابَة بل بالْكلَام لَا تسْتَحقّ شكر باي الْمبلغ الْمَذْكُور لِأَن الدَّوَام قد انْقَطع بِالتَّزْوِيجِ فَلَا يعود وَأجَاب الشَّيْخ مُحي الدّين الكافيجي بِأَنَّهَا تسْتَحقّ الْمبلغ الْمَذْكُور وَيعود الدَّوَام كَمَا كَانَ بالفراق بِمَوْت أَو طَلَاق وَوَقع الْكَلَام فِي ذَلِك بَين يَدي السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خشقدم بِحَضْرَة قَاضِي الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء وأركان الدولة الشَّرِيفَة وَأظْهر سَيِّدي الْجد عدَّة نقُول من كتب جمة ناطقة بِمَا أفتى بِهِ فَرجع الْحَاضِرُونَ إِلَى فَتْوَى سَيِّدي الْجد بَعضهم بِالْكِتَابَةِ وَالْبَاقُونَ بالإذعان فَللَّه الْحَمد وَبِه الْمُسْتَعَان

(1/295)


وَمِنْهَا وَاقعَة الْفَتْوَى عَن وقف بكتمر الْحَاجِب وَشرط فِيهِ على أَن من مَاتَ مِنْهُم وَلم يتْرك ولدا وَلَا ولد ولدا انْتقل نصِيبه إِلَى اخوته وأخواته فَمَاتَ عبد الرَّحِيم عَن وَلَده عبد الرَّحْمَن فَأجَاب بعض الْمُفْتِينَ بِاسْتِحْقَاق عبد الرَّحْمَن نصيب أَبِيه عملا بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة وَأجَاب الْعَلامَة الشَّيْخ قَاسم بِأَن هَذَا بَاطِل نقلا وعقلا أما نقلا فقد قَالَ الامام أَبُو بكر الْخصاف لَو قَالَ جعلت أرضي هَذِه صَدَقَة مَوْقُوفَة لله تَعَالَى أبدا على فلَان بن فلَان وَفُلَان بن فلَان وَمن بعدهمَا على الْمَسَاكِين فَمن مَاتَ مِنْهُمَا وَلم يتْرك ولدا كَانَ نصِيبه من ذَلِك للْبَاقِي مِنْهُمَا فَمَاتَ أَحدهمَا وَترك ولدا قَالَ يرجع نصِيبه إِلَى الْمَسَاكِين وَلَا يكون ذَلِك للْبَاقِي مِنْهُمَا من قبل أَن الْوَاقِف إِنَّمَا اشْترط أَن يرجع نصيب الَّذِي يَمُوت مِنْهُمَا إِلَى الْبَاقِي إِذا لم يتْرك الْمَيِّت وَارِثا وَهَذَا قد ترك وَارِثا وَهُوَ وَلَده قلت فَلم لَا تجْعَل نصيب الْمَيِّت مِنْهُمَا لوَلَده قَالَ من قبل أَن الْوَاقِف لم يَجْعَل ذَلِك لولد الْمَيِّت إِنَّمَا قَالَ من مَاتَ مِنْهُمَا وَلم يتْرك وَارِثا كَانَ ذَلِك للْبَاقِي فلهذه الْعلَّة لم يكن للْبَاقِي وَلَا لولد الْمَيِّت من ذَلِك شَيْء وَأما عقلا فَلِأَن الْمَفْهُوم لَيْسَ من الْمَدْلُول اللّغَوِيّ وَإِنَّمَا يكون بِاعْتِبَار التَّفَاوُت النَّفْسِيّ إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يعلم من الْوَاقِف فَلَا يَصح الْعَمَل بِهِ
وَمِنْهَا وَاقعَة الْفَتْوَى فِي وَظِيفَة ابْن الْعَطَّار تقرر فِيهَا بعض الْقُضَاة بمرسوم من السُّلْطَان وَبَعض الطّلبَة بتقرير النَّاظر بِشَرْط الْوَاقِف فَأجَاب فِي ذَلِك بعض الْمُفْتِينَ بِأَن للْإِمَام النّظر الْعَام وَأجَاب الْعَلامَة الشَّيْخ قَاسم فِيهَا بِأَنَّهُ فِيمَا لَا نَاظر لَهُ يَخُصُّهُ فقد قَالَ فِي فَتَاوَى الثَّوْريّ لَا تدخل ولَايَة السُّلْطَان على ولَايَة الْمُتَوَلِي فِي الْوَقْف اه
وَفِي الملحقات رجل لَهُ ضَيْعَة تَسَاوِي عشْرين ألف دِرْهَم وَعَلِيهِ دُيُون ووقف الضَّيْعَة وَشرط صرف غلاتها إِلَى نَفسه قصدا مِنْهُ إِلَى المماطلة وَشهِدت الشُّهُود على إفلاسه جَازَ الْوَقْف وَالشَّهَادَة أما جَوَاز الْوَقْف فلمصادفته ملكه وَأما جَوَاز الشَّهَادَة فَلِأَنَّهَا صدق لِأَن بِالْوَقْفِ خرجت الضَّيْعَة عَن ملكه فَإِن فضل من قوته شَيْء من هَذِه الغلات فللغرماء أَن يَأْخُذُوا ذَلِك مِنْهُ لِأَن الغلات ملكه وَلَو وقف أَرضًا وفيهَا زرع لَا يدْخل الزَّرْع فِي الْوَقْف سَوَاء كَانَ لَهُ قيمَة أَو لم يكن لِأَن الزَّرْع لَا يدْخل تَحت البيع إِلَّا بِالشّرطِ فَكَذَا لَا يدْخل تَحت الْوَقْف إِلَّا بِالشّرطِ على مَا يَجِيء فِي فصل الْبيُوع إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَفِي المنبع إِذا خرب مَا حول الْمَسْجِد وَاسْتغْنى أهل الْمحلة عَن الصَّلَاة فِيهِ يبقي مَسْجِدا عِنْد أبي يُوسُف وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَلَا يعود إِلَى ملك بانيه إِن كَانَ حَيا وَلَا إِلَى ملك ورثته إِن كَانَ مَيتا وَعند مُحَمَّد يعود إِلَى ملك الْبَانِي لَو كَانَ حَيا وَإِلَى ملك ورثته لَو كَانَ مَيتا وَقَالَ احْمَد جَازَ نقضه وَصرف آلَته إِلَى مَسْجِد آخر وَعند أبي يُوسُف يتَحَوَّل إِلَى أقرب الْمَسَاجِد من ذَلِك الْمَسْجِد وَلَا يعود إِلَى ملك الْبَانِي
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة سُئِلَ الْحلْوانِي عَن أوقاف الْمَسْجِد إِذا تعطلت وَتعذر استغلالها هَل للمتولي أَن يَبِيعهَا وَيَشْتَرِي مَكَانهَا أُخْرَى قَالَ نعم قيل إِن لم تتعطل وَلَكِن يُوجد بِثمنِهَا مَا هُوَ خير مِنْهَا هَل لَهُ أَن يَبِيعهَا قَالَ لَا وَمن الْمَشَايِخ من لم يجوز بيع الْوَقْف تعطل أَو لم يتعطل وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَذَا لم يجوزوا الِاسْتِبْدَال بِمَا هُوَ خير مِنْهَا وَفِي السّير الْكَبِير قَالَ أَبُو يُوسُف يجوز الِاسْتِبْدَال بالأوقاف وَفِي الْمُنْتَقى قَالَ هِشَام سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول الْوَقْف إِذا صَار بِحَيْثُ لَا ينْتَفع بِهِ الْمَسَاكِين فللقاضي أَن يَبِيعهُ وَيَشْتَرِي بِثمنِهِ غَيره وَلَيْسَ ذَلِك الا للْقَاضِي وَذكر فِي المنبع عَن أبي يُوسُف أَنه يجوز استبدال الأَرْض الْمَوْقُوفَة إِذا تعطلت لِأَن الأَرْض قد تخرب فَلَا تغل إِلَّا بمؤنة تربو على قيمتهَا

(1/296)


وغلتها وَفِي البزازي مَا هُوَ أَعلَى من هَذَا وَهُوَ مَا روى عَن مُحَمَّد أَن أَرض الْوَقْف لَو قل ريعها فللقيم أَن يَبِيعهَا وَيَشْتَرِي بِثمنِهَا أَرضًا أُخْرَى ريعها أَكثر نفعا للْفُقَرَاء فجوز استبدال الأَرْض بِالْأَرْضِ اه وَإِذا شَرط أَن يسْتَبْدل بِالْوَقْفِ مَتى شَاءَ الْوَاقِف مثل ذَلِك وَيكون وَقفا مَكَانهَا لَهُ ذَلِك وَالْوَقْف وَالشّرط جائزان عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَكَذَا إِذا شَرط أَن يَبِيعهُ وَيَشْتَرِي بِثمنِهِ مَا يكون وَقفا وَعند مُحَمَّد وهلال رحمهمَا الله تَعَالَى جَازَ الْوَقْف لَا الشَّرْط
وَفِي وقف الْخصاف قلت أَرَأَيْت الرجل يقف الأَرْض على قوم ثمَّ من بعدهمْ على الْمَسَاكِين وَيشْتَرط فِي الْوَقْف أَن لَهُ أَن يزِيد من رأى زِيَادَته من أهل هَذَا الْوَقْف وَله أَن ينقص من رأى نقصانه مِنْهُم وَأَن يدْخل فيهم من رأى ادخاله وَأَن يخرج مِنْهُم من رأى اخراجه قَالَ الْوَقْف جَائِز على مَا اشْتَرَطَهُ قلت فَإِن زَاد وَاحِدًا مِنْهُم شَيْئا عَمَّا سمى لَهُ أَو نقص وَاحِدًا مِنْهُم مِمَّا سمى لَهُ أَو أخرج مِنْهُم أحدا أَو أَدخل فيهم أحدا هَل لَهُ بعد ذَلِك أَن ينقص من كَانَ زَاده أَو يزِيد من كَانَ نَقصه أَو يخرج من كَانَ أدخلهُ فِي الْوَقْف أَو يدْخل من كَانَ أخرجه مِنْهُم قَالَ إِذا فعل ذَلِك مرّة فَلَيْسَ لَهُ أَن يُغير ذَلِك لِأَن الرَّأْي إِنَّمَا هُوَ على فعل يرَاهُ فَإِذا رَآهُ وأمضاه فَلَيْسَ لَهُ بعد ذَلِك أَن يُغَيِّرهُ قلت فَإِذا أَرَادَ أَن يكون لَهُ ذَلِك أبدا مَا كَانَ حَيا يزِيد وَينْقص وَيدخل وَيخرج مرّة بعد مرّة قَالَ يشْتَرط فَيَقُول على أَن لفُلَان بن فلَان أَن يزِيد من رأى زِيَادَته من أهل هَذَا الْوَقْف وَينْقص مِنْهُم من رأى نقصانه مِمَّا جعل إِلَيْهِ وَيدخل فيهم من رأى ادخاله وَيُسمى لَهُ من الْأجر مَا يرى وَيخرج مِنْهُم من يرى اخراجه ويحرمه مِمَّا كَانَ جعل لَهُ من غلَّة هَذِه الصَّدَقَة وَمن زَاده فلَان شَيْئا من غلَّة هَذِه الصَّدَقَة على مَا جعل لَهُ فَلهُ أَن ينقصهُ بعد ذَلِك وَمن نَقصه فلَان شَيْئا مِمَّا كَانَ جعل لَهُ فَلهُ بعد ذَلِك زِيَادَته مَتى رأى وَمن أخرجه فلَان من هَذِه الصَّدَقَة فَلهُ بعد ذَلِك إِعَادَته فِيهَا وَمن أدخلهُ فلَان فِي هَذِه الصَّدَقَة فَلهُ بعد ذَلِك إِخْرَاجه مِنْهَا مَتى رأى فلَان أَن يفعل ذَلِك فعل فِي جَمِيع ذَلِك كُله بِرَأْي يمضيه على مَشِيئَته أبدا مَا كَانَ حَيا رَأيا بعد رَأْي ومشيئة بعد مَشِيئَة مُطلق لَهُ ذَلِك غير مَحْظُور عَلَيْهِ فِيهِ فَيكون لَهُ تَغْيِير ذَلِك أبدا كلما رأى فَإِذا فعل هَذَا كَانَ ذَلِك مُطلقًا لَهُ وَيكون الْوَقْف جَائِزا قلت فَمَا تَقول إِذا اشْترط الْوَاقِف هَذَا ثمَّ مَاتَ وَقد أحدث فِيهِ شَيْئا مِمَّا كَانَ اشْتَرَطَهُ قَالَ يكون جَارِيا على الْحَالة الَّتِي يكون عَلَيْهَا يَوْم يحدث عَلَيْهِ حدث الْمَوْت وَكَذَلِكَ إِن لم يحدث فِيهِ شَيْئا مِمَّا كَانَ اشْتَرَطَهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ هُوَ جَار على مَا سبله عَلَيْهِ قلت فَهَل لوصيه أَو لوَلِيِّه فِي هَذِه الصَّدَقَة شَيْء من ذَلِك قَالَ لَا يكون لوَلِيّ هَذِه الصَّدَقَة شَيْء مِمَّا كَانَ اشْتَرَطَهُ الْوَاقِف قلت فَمَا تَقول إِن كَانَ الْوَاقِف اشْترط هَذِه الْأَشْيَاء لإِنْسَان مَا كَانَ حَيا قَالَ اشْتِرَاطه ذَلِك جَائِز والشروط نَافِذَة لمن اشْترط لَهُ ذَلِك قلت أَرَأَيْت الْوَاقِف إِذا اشْترط فِي الْوَقْف أَن لَهُ أَن يقْضِي من غَلَّته دينا قَالَ ذَلِك جَائِز وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن حدث عَليّ حَادث الْمَوْت وَعلي دين بديء من غلَّة هَذَا الْوَقْف بِقَضَاء مَا عَليّ من الدّين فَإِذا قضى ديني كَانَت غلَّة هَذَا الْوَقْف جَارِيَة على مَا سبلتها قَالَ ذَلِك جَائِز
وَفِي البزازي رجل وقف محدودا ثمَّ بَاعه وَكتب القَاضِي شَهَادَته فِي صك البيع وَكتب فِي الصَّك بَاعَ فلَان بن فلَان منزل كَذَا أَو كَانَ كتب وَأقر البَائِع بِالْبيعِ لَا يكون حكما بِصِحَّة البيع وَنقض الْوَقْف وَلَو كتب بَاعَ بيعا صَحِيحا جَائِزا كَانَ حكما بِصِحَّة البيع وَبطلَان الْوَقْف وَإِذا أطلق الْحَاكِم وَأَجَازَ بيع وقف غير مسجل إِن أطلق ذَلِك للْوَارِث كَانَ حكما بِصِحَّة بيع الْوَقْف وَإِن أطلقهُ لغير الْوَارِث لَا يكون ذَلِك

(1/297)


نقضا للْوَقْف أما إِذا بيع الْوَقْف وَحكم بِصِحَّتِهِ قَاض كَانَ حكما بِبُطْلَان الْوَقْف وَفِي الْعِمَادِيّ رجل هيأ موضعا لبِنَاء مدرسة وَقبل أَن يَبْنِي وقف على هَذِه الْمدرسَة قرى بشرائط وَجعل آخِره للْفُقَرَاء وَحكم قَاض بِصِحَّتِهِ أفتى القَاضِي الإِمَام صدر الدّين السربلي أَن هَذَا الْوَقْف غير صَحِيح مُعَللا بِأَن هَذَا الْوَقْف قبل وجود الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَأفْتى غَيره من أهل زَمَانه بِصِحَّة هَذَا الْوَقْف وَهُوَ الصَّحِيح فَإِنَّهُ ذكر فِي النَّوَازِل رجل وقف أَرضًا لَهُ على أَوْلَاد فلَان وَجعل آخِره للْفُقَرَاء وَلَيْسَ لفُلَان أَوْلَاد فالوقف جَائِز وَتَكون الْغلَّة للْفُقَرَاء فَإِن حدث لفُلَان أَوْلَاد يصرف مَا يحدث من الْغلَّة من المستأنف إِلَى أَوْلَاد فلَان وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْوَقْف على الْأَوْلَاد فهاهنا يكون كَذَلِك بِالطَّرِيقِ الأولى وَتصرف الْغلَّة إِلَى الْفُقَرَاء فَإِذا بنيت الْمدرسَة يصرف إِلَيْهَا فِي الْمُسْتَقْبل وَفِي الملحقات عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِذا خَافَ الْوَاقِف إِبْطَاله وَلم يَتَيَسَّر لَهُ الحكم بِأَن لم يُصَادف حَاكما يجوز أَن يكْتب فِي صك الْوَقْف أَنه قضى بِهِ قَاض من قُضَاة الْمُسلمين وَإِن لم يكن قضى بذلك قَاض لِأَن التَّصَرُّف وَقع صَحِيحا لَكِن للْقَاضِي أَن يُبطلهُ وَالْكَاتِب بِهَذِهِ الْكِتَابَة يمْنَع القَاضِي عَن الْإِبْطَال فَلم يكن بِهِ بَأْس وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل وقف ضَيْعَة على أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده أبدا مَا تَنَاسَلُوا وَله أَوْلَاد أَوْلَاد يقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ لَا تفضل الذُّكُور على الْإِنَاث لِأَنَّهُ أوجب الْحق لَهُم على السوَاء وَأَوْلَاد الْبَنَات هَل يدْخلُونَ فِي ذَلِك ذكر الْخصاف أَنهم يدْخلُونَ وَذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنهم لَا يدْخلُونَ وَكَذَا لَو كَانَ مَكَان الْوَقْف وَصِيَّة وَالْفَتْوَى على ظَاهر الرِّوَايَة لِأَن أَوْلَاد الْبَنَات لَيْسُوا بأولاد أَوْلَاده لأَنهم منسوبون إِلَى الْأَب لَا إِلَى الْأُم وَفِي الْقنية الْأَوْقَاف ببخارى على الْعلمَاء لَا يعرف من الْوَاقِف شَيْء غير ذَلِك فللقيم أَن يفضل الْبَعْض وَيحرم الْبَعْض إِن لم يكن الْوَاقِف على قوم يُحصونَ وَكَذَا الْوَقْف على الَّذين يَخْتَلِفُونَ إِلَى هَذِه الْمدرسَة أَو على متعلمي هَذِه الْمدرسَة أَو على علمائها يجوز للقيم أَن يفضل الْبَعْض وَيحرم الْبَعْض إِن لم يبين الْوَاقِف قدر مَا يُعْطي كل وَاحِد
الْأَوْقَاف الْمُطلقَة على الْفُقَهَاء التَّرْجِيح فِيهَا بِالْحَاجةِ أم بِالْفَضْلِ قَالَ الوبري رَحمَه الله تَعَالَى التَّرْجِيح فِيهَا بِالْحَاجةِ وَقَالَ البقالي رَحمَه الله تَعَالَى بِالْفَضْلِ قَالَ الْعَلَاء الترجماني وَبقول البقالي نَأْخُذ قَالَ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُسَوِّي بَين النَّاس فِي الْعَطاء من بَيت المَال وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يعطيهم على قدر الْحَاجة والعفة وَالْفضل وَالْأَخْذ بِمَا فعله عمر فِي زَمَاننَا أحسن فنعتبر الْأُمُور الثَّلَاثَة وَإِن كَانَ فِي أحدهم فضل مَعَ أصل حَاجته وعفته يرجح على من هُوَ أقل فضلا وَإِن كَانَ ذَلِك أحْوج وأعف فَهُوَ الْمَعْلُوم من غَرَض الواقفين فِي زَمَاننَا
اسْتخْلف الامام فِي الْمَسْجِد خَليفَة ليؤم فِيهِ زمَان غيبته لَا يسْتَحق الْخَلِيفَة من أوقاف الامامة شَيْئا إِن كَانَ الامام أم أَكثر السّنة
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَان إِذا عرض للْإِمَام أَو للمؤذن عذر مَنعه الْمُبَاشرَة مُدَّة سِتَّة أشهر فللمتولي أَن يعزله ويولي غَيره وَإِن كَانَ للمعزول نَائِب
وَفِي الْقنية قَالَ الْعَلَاء الترجماني للامام الْغَنِيّ أَخذ غلَّة الامامة
وَقَالَ شرف الْأَئِمَّة إِمَام أَخذ غلَّة السّنة ثمَّ مَاتَ قبل تَمام السّنة وَهِي فِي يَده لوَرثَته
إِمَام أم شهرا وَاسْتوْفى إِلَى السّنة ثمَّ نصب أهل الْمحلة إِمَامًا آخر لَيْسَ لَهُم أَن يستردوا مَا أَخذ وَكَذَا لَو انْتقل بِنَفسِهِ

(1/298)


وَفِي الْمُحِيط أَخذ الامام الْغلَّة وَقت الادراك ثمَّ انْتقل لَا تسترد مِنْهُ حِصَّة مَا بَقِي من السّنة كَالْقَاضِي إِذا مَاتَ وَقد أَخذ رزق السّنة وَيحل للامام أكل حِصَّة مَا بَقِي من السّنة إِن كَانَ فَقِيرا وَهَكَذَا الحكم فِي طلبة الْعلم فِي الْمدَارِس يَعْنِي إِذا كَانَ الْعَطاء مسانهة فَأَخذه المتعلم وَقت الْقِسْمَة ثمَّ ترك الْمدرسَة
رجل قَالَ أرضي هَذِه صَدَقَة مَوْقُوفَة لله عز وَجل أبدا على وُجُوه سَمَّاهَا على أَن ولايتها فِي حَياتِي وَبعد وفاتي إِلَى أفضل وَلَدي قَالَ ذَلِك جَائِز قلت فَإِن كَانَ أَوْلَاده فِي الْفضل سَوَاء قَالَ يكون أكبرهم سنا قلت فَإِن قَالَ على أَن تكون ولَايَة هَذَا الْوَقْف إِلَى الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل من وَلَدي فَأبى أفضلهم أَن يقبل ذَلِك قَالَ تكون الْولَايَة إِلَى الَّذِي يَلِيهِ قلت وَكَذَلِكَ إِن تولى ذَلِك أفضلهم ثمَّ مَاتَ قَالَ تكون الْولَايَة إِلَى الَّذِي يَلِيهِ قلت فَإِن كَانَ أفضلهم غير مَوضِع لولاية هَذِه الصَّدَقَة قَالَ يَجْعَل القَاضِي رجلا يقوم بِهِ قلت فَإِن صَار بعدذلك فيهم من يصلح للْقِيَام بِهِ قَالَ ترد ولَايَة هَذَا الْوَقْف إِلَيْهِ قلت فَإِن قَالَ على أَن ولَايَة هَذِه الصَّدَقَة إِلَى الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل من وَلَدي وتولاها أفضلهم ثمَّ صَار فِي وَلَده من هُوَ أفضل من الَّذِي تولاها قَالَ تكون ولايتها إِلَى الَّذِي صَار أفضل من الَّذِي تولاها الأول اه كَذَا فِي وقف الْخصاف
وَفِي البزازي إِذا مَاتَ الْمُتَوَلِي والواقف حَيّ فَالرَّأْي فِي النصب إِلَى الْوَاقِف لَا إِلَى الْحَاكِم وَبعد موت الْوَاقِف إِلَى وَصِيّه لَا إِلَى الْحَاكِم وَإِن لم يكن لَهُ وَصِيّ فَالرَّأْي إِلَى لحَاكم لِأَن الْعين وَإِن زَالَت بِالْوَقْفِ عَن ملكه حَقِيقَة فَهِيَ بَاقِيَة على ملكه حكما لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَصدقَة جَارِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي الأَصْل الْحَاكِم لَا يَجْعَل الْقيم من الاجانب مَا دَامَ فِي أهل بَيت الْوَاقِف من يصلح لذَلِك فَإِذا لم يجد فيهم من يصلح وَنصب من غَيرهم ثمَّ وجد فيهم من يصلح صرفه عَنهُ إِلَى من يصلح من أهل بَيت الْوَاقِف
وقف وَلم يشْتَرط الْولَايَة لنَفسِهِ وَلَا لغيره قَالَ هِلَال رَحمَه الله تَعَالَى الْولَايَة إِلَيْهِ وَقَالَ قوم لَا تثبت الْولَايَة بِلَا شَرط لنَفسِهِ قَالَ مَشَايِخنَا الْأَشْبَه أَن يكون هَذَا قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لِأَن التَّسْلِيم لما كَانَ شرطا عِنْده وَبِه تَنْقَطِع ولَايَته قَالَ أَبُو اللَّيْث بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُتَوَلِي تَنْقَطِع ولَايَته عِنْد مُحَمَّد فَلَا يملك عزل الْمُتَوَلِي إِذا لم يشْتَرط حَال الْوَقْف ولَايَة الْعَزْل لنفسيه وَقَالَ أَبُو يُوسُف يملكهُ شَرط أَو لم يشرط
وَإِذا كَانَ الْوَاقِف غير مَأْمُون وَقد شَرط الْولَايَة لنَفسِهِ يُخرجهُ الْحَاكِم عَن الْولَايَة وينزعه مِنْهَا وَكَذَا لَو اجْتمع عِنْده من غلَّة الْوَقْف مَا يَكْفِي للعمارة وَالْوَقْف مُحْتَاج إِلَيْهَا وَامْتنع الْوَاقِف عَنْهَا يَأْمُرهُ الْحَاكِم بالعمارة فَإِن فعل وَإِلَّا يَنْزعهُ مِنْهُ وَإِن كَانَ شَرط أَن لَا يَنْزعهُ مِنْهُ أحد فَالشَّرْط بَاطِل لمُخَالفَة الشَّرْع إِذْ الْحَاكِم نَاظر لمصْلحَة الْوَقْف فَإِن كَانَ فِي نَزعه مصلحَة يجب عَلَيْهِ اخراجه دفعا للضر عَن الْوَقْف
وقف وَأشْهد وَكتب الصَّك وقرىء عَلَيْهِ وَقفه وَقفا صَحِيحا ثمَّ قَالَ وقفت بِشَرْط أَن لي ولَايَة بَيْعه مَتى شِئْت لَكِن الْكَاتِب لم يَكْتُبهُ وَلم أعلم بِهِ إِن كَانَ فصيحا يعرف اللُّغَة الَّتِي كتب بهَا الصَّك وقرىء عَلَيْهِ لَا يقبل قَوْله وَإِن كَانَ أعجميا لَا يعرف اللُّغَة الَّتِي كتب بهَا الصَّك يقبل قَوْله وَإِن شهدُوا أَنه قرىء عَلَيْهِ بلغته وَفهم كل مَا فِيهِ لَا يقبل قَوْله أَيْضا وَكَذَا فِي البيع والاجارة إِذا قَالَ البَائِع والآجر لم أعلم الْمَكْتُوب فِي صك البيع والاجارة

(1/299)


شَرط أَن لَا يؤاجره وَإِلَيْهِ فَإِن آجره فَهُوَ خَارج عَن الْولَايَة أَو لَا يَدْفَعهَا مُسَاقَاة فَإِن فعل فَهُوَ خَارج عَن الْولَايَة وَفُلَان يكون واليها أَو شَرط وَقَالَ من نَازع فِي هَذِه الصَّدَقَة متوليها أَو قَالَ من نَازع متوليها فِي إبِْطَال هَذِه الصَّدَقَة فَهُوَ خَارج عَن هَذِه الصَّدَقَة يجوز شَرطه وَيعْمل على حسب مَا شَرطه الْوَاقِف
قيم الْوَقْف أنْفق من مَاله فِي الْوَقْف ليرْجع فِي غَلَّته لَهُ الرُّجُوع إِن شَرطه وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْوَصِيّ فِي مَال الْمَيِّت لَكِن لَو ادّعى ذَلِك لَا يكون القَوْل قَوْله
اشْترى بِمَال الْوَقْف دَارا ثمَّ بَاعهَا يجوز
إِن وجدت ضالتي فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بأرضي هَذِه على ابْن السَّبِيل فَوَجَدَهَا يجوز أَن يقف أرضه على من يجوز لَهُ وضع الزَّكَاة فِيهِ وَلَا يجوز على من لَا يجوز لَهُ دفع زَكَاة مَاله لِأَن هَذَا نذر فَيعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى وَإِن وقف على وَلَده جَازَ ونذره بَاقٍ
إِن مت من مرضِي هَذَا فأرضي وقف فبرأ من مَرضه وَبَاعَ أرضه جَازَ وَإِن مَاتَ من مَرضه هَذَا لَا تكون وَقفا وَتَعْلِيق الْوَقْف بِالشّرطِ لَا يَصح وَلَو قَالَ إِذا مت فاجعلوا أرضي هَذِه وَقفا يجوز كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فأرضي وقف لَا يجوز وَلَو قَالَ إِن دخلت فاجعلوا أرضي وَقفا يجوز وَقَالَ السَّرخسِيّ والقدوري تَعْلِيق الْوَقْف بِالشّرطِ جَائِز
وَذكر فِي وقف الْخصاف قَالَ أرضي هَذِه صَدَقَة مَوْقُوفَة لله تَعَالَى على النَّاس أَو على بني آدم أَو على أهل بَغْدَاد ابدا فَإِذا انقرضوا فعلى الْمَسَاكِين أَو العميان أَو الزمني فالوقف بَاطِل وَذكر فِي مَوضِع آخر قَالَ الْغلَّة للْمَسَاكِين لَا لَهما وَلَو وقف على قِرَاءَة الْقُرْآن والفقراء فالوقف بَاطِل وَذكر هِلَال الْوَقْف على الزمنى والمنقطعين صَحِيح وَقَالَ الْمَشَايِخ الْوَقْف على معلم الْمَسْجِد الَّذِي يعلم الصّبيان غير صَحِيح وَقيل يَصح لِأَن الْفقر غَالب فيهم قَالَ شمس الْأَئِمَّة فعلى هَذَا إِذا وقف على طلبة علم بَلَده يجوز لِأَن الْفقر غَالب فيهم فَكَانَ الِاسْم مَبْنِيا على الْحَاجة
فَالْحَاصِل أَنه مَتى ذكر مصرفا فِيهِ نَص على الْفقر وَالْحَاجة فالوقف صَحِيح يُحصونَ أم لَا وَقَوله يُحصونَ إِشَارَة إِلَى أَن التَّأْبِيد لَيْسَ بِشَرْط وَمَتى ذكر مصرفا يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير إِن كَانُوا يُحصونَ صَحَّ بطرِيق التَّمْلِيك وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ فَهُوَ بَاطِل إِلَّا أَن يكون فِي لَفظه مَا يدل على الْحَاجة كاليتامى فَحِينَئِذٍ إِن كَانُوا يُحصونَ فالأغنياء والفقراء سَوَاء وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ فالوقف صَحِيح وَيصرف إِلَى فقرائهم لَا إِلَى أغنيائهم وَكَذَا لَو وقف على الزمنى فَهُوَ على فقرائهم وَلَو وقف على أَصْحَاب الحَدِيث لَا يدْخل فيهم شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِذْ لم يكن فِي طلب الحَدِيث وَيدخل الْحَنَفِيّ كَانَ فِي طلبه أَو لَا
وَذكر بكر أَن الْوَقْف على أقرباء سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أهل بَيته يجوز وَإِن كَانَ لَا تجوز الصَّدَقَة عَلَيْهِم وَفِي الْفَتَاوَى إِنَّه لَا يجوز وَلَا يصير وَقفا لعدم جَوَاز صرف الصَّدَقَة لبني هَاشم لَكِن فِي جَوَاز الْوَقْف وَصدقَة النَّقْل عَلَيْهِم رِوَايَتَانِ
الْوَقْف على الصُّوفِيَّة لَا يجوز وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة يجوز
وَأخرج الامام على السغدي رِوَايَة من وقف الْخصاف أَنه لَا يجوز على الصُّوفِيَّة والعميان فَرجع الْكل إِلَى جَوَابه اه كَلَام البزازي

(1/300)


وَفِي وقف الْخصاف يَنْعَزِل النَّاظر بالجنون المطبق إِذا دَامَ سنة لَا إِن دَامَ أقل وَلَو عَاد إِلَيْهِ عقله وبرأ من علته عَاد إِلَيْهِ النّظر
نوع فِي اجارة الْوَقْف وَالدَّعْوَى فِيهِ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَفِي المنبع الْمُتَوَلِي إِذا آجر الْوَقْف سِنِين مَعْلُومَة بِأُجْرَة مثله ينظر إِن كَانَ الْوَاقِف اشْترط أَن لَا يُؤَاجر أَكثر من سنة لَا يجوز لِأَن شَرط الْوَاقِف يجب مراعاته وَلَا يتَجَاوَز عَمَّا شَرطه وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك قَالَ المتقدمون من مَشَايِخنَا إِنَّه يجوز ذَلِك لِأَن الْوَاقِف فوض الْأَمر إِلَى الْمُتَوَلِي فَنزل الْمُتَوَلِي منزلَة الْوَاقِف وللواقف أَن يُؤجر سِنِين كَثِيرَة فَكَذَا من يقوم مقَامه وَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ من مَشَايِخنَا لَا يجوز أَكثر من سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك يخَاف على الْوَقْف أَن يتَّخذ ملكا لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ مُدَّة مديدة تندرس سمة الْوَقْف ويتسم بسمة الملكية خُصُوصا فِي زَمَاننَا لِأَن الظلمَة المتغلبة مستحلة متأكلة
وَكَانَ الشَّيْخ الامام أَبُو حَفْص الْكَبِير رَحمَه الله تَعَالَى يُجِيز الاجارة فِي الضّيَاع ثَلَاث سِنِين لِأَنَّهُ لَا يرغب فِي أقل من ذَلِك وَلَا يُجِيز فِي غير الضّيَاع أَكثر من سنة وَاحِدَة إِلَّا إِذا كَانَت الْمصلحَة فِي الضّيَاع فِي عدم جَوَاز اجارتها ثَلَاث سِنِين أَو فِي غير الضّيَاع جَوَاز اجارتها أَكثر من سنة وَاحِدَة فَهُوَ أَمر يختف باخْتلَاف الْموضع وَالزَّمَان وَهُوَ الْمُخْتَار للْفَتْوَى وَكَذَلِكَ الْمُزَارعَة والمعاملة وَالْوَجْه فِي تَصْحِيح الاجارة الطَّوِيلَة فِي الْوَقْف أَن يعْقد عقودا مترادفة كل عقد على سنة بِأَن اسْتَأْجر ثَلَاثِينَ سنة بِثَلَاثِينَ عقدا كل عقد على سنة من غير أَن يكون بَعْضهَا شرطا فِي العقد فَيكون العقد الأول لَازِما لِأَنَّهُ ناجز وَالثَّانِي غير لَازم لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْمُسْتَقْبل
وَذكر شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْإِجَارَة المضافة لَازِمَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيح وَذكر هَذِه الْحِيلَة فِي الذَّخِيرَة ثمَّ قَالَ وَلَكِن هَذِه الْحِيلَة عِنْدِي ضَعِيفَة لِأَن من لم يجوز الاجارة الطَّوِيلَة فِي الْوَقْف إِنَّمَا لم يجوز صِيَانة للْوَقْف عَن الْبطلَان فَإِن الْوَقْف إِذا بَقِي فِي يَد الْمُسْتَأْجر مُدَّة طَوِيلَة وَالنَّاس يرونه يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْملاك يَقع فِي قُلُوبهم أَنه ملكه فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْملكِ لَو ادَّعَاهُ يَوْمًا من الدَّهْر فَيبْطل الْوَقْف وَفِي حق هَذَا الْمَعْنى لَا فرق بَين أَن تكون الاجارة معقودة بِعقد وَاحِد وَبَين أَن تكون معقودة بعقود مُتَفَرِّقَة هَذَا هُوَ الحكم فِي الاجارة الطَّوِيلَة فِي الْأَوْقَاف فَأَما الاجارة الطَّوِيلَة فِي الأقطاع والأملاك فستأتي فِي فصل الاجارات ان شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا يجوز إِجَارَة الْوَقْف الا بِأَجْر الْمثل وَلَا تنقض إِن زَادَت الْأُجْرَة لِكَثْرَة الرغبات لِأَن الْمُعْتَبر فِي أجر الْمثل وَقت العقد وَوقت العقد كَانَ الْمُسَمّى أجر الْمثل وَلَا مُعْتَبر لما بعده لِأَن تِلْكَ حالات لَا تضبط
وَفِي الْعِمَادِيّ اسْتَأْجر عَرصَة مَوْقُوفَة من الْمُتَوَلِي مُدَّة بِأَجْر الْمثل وَبنى عَلَيْهَا باذن الْمولى فَلَمَّا مَضَت الْمدَّة زَاد آخر على أجر تِلْكَ الْمدَّة للمدة الْمُسْتَقْبلَة فَرضِي صَاحب السُّكْنَى بِتِلْكَ الزِّيَادَة هَل هُوَ أولى قَالَ كَانَت وَاقعَة الْفَتْوَى أُجِيب نعم إِنَّه أولى وَالله أعلم
وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ إِذا كَانَت الأَرْض وَقفا اسْتَأْجرهَا من الْمُتَوَلِي مُدَّة طَوِيلَة فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ السّعر بِحَالهِ لم يَزْدَدْ وَلم ينقص عَمَّا كَانَ وَقت العقد فَإِنَّهُ يجوز وَإِن غلا أجر مثلهَا فَإِنَّهُ يفْسخ ذَلِك العقد وَيحْتَاج إِلَى عقد جَدِيد ويجددان العقد على مَا ازْدَادَ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجرهَا بِأُجْرَة مَعْلُومَة إِلَى سنة فَلَمَّا مضى من الْمدَّة نصف السّنة غلا سعرها وازداد أجر مثلهَا فَإِنَّهُ يفْسخ ذَلِك العقد فِيمَا بقى من الْمدَّة

(1/301)


وَفِيمَا مضى من الْمدَّة يجب الْمُسَمّى بِقَدرِهِ وَبعد ذَلِك يجدد العقد ثَانِيًا على أُجْرَة مَعْلُومَة وَلَيْسَ للْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِذا لم يكن مُتَوَلِّيًا على الْوَقْف وَلَا نَائِبا من جِهَة القَاضِي أَن يؤاجره لِأَنَّهُ لَا يملك ذَلِك وَإِنَّمَا يملك الْغلَّة دون الْعين وَالتَّصَرُّف بالاجارة إِلَى من لَهُ الْولَايَة فِي ذَلِك
إِذا آجر الْمُتَوَلِي أَو نَائِبه ثمَّ مَاتَ لم تَنْفَسِخ الاجارة بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَمَوْت الْوَكِيل لَا يُوجب فسخ عقوده
وَفِي وقف الْخصاف إِذا آجر الْوَاقِف الأَرْض سنة وَلم يحط من الْأجر شَيْئا قَالَ فَالْإِجَارَة جَائِزَة قلت فَلهُ أَن يقبض الاجر ويفرقه فِي الْوُجُوه الَّتِي سبل فِيهَا قَالَ نعم قلت فَإِن قَالَ قد قبضت الْأجر من الْمُسْتَأْجر ودفعته إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين وقفت ذَلِك عَلَيْهِم وَجحد الْقَوْم قبض ذَلِك قَالَ فَالْقَوْل قَوْله وَلَا شَيْء عَلَيْهِ قلت وَكَذَلِكَ إِن قَالَ قَبضته وَضاع مني أَو سرق قَالَ فَالْقَوْل قَوْله فِي ذَلِك
وَفِي الْقنية محالا على وقف الناصحي إِذا آجر الْوَاقِف أَو قيمه أَو وصّى الْوَاقِف أَو القَاضِي أَو أَمِينه ثمَّ قَالَ قد قبضت الْغلَّة فَضَاعَت أَو فرقتها على الْمَوْقُوف عَلَيْهِم وأنكروا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
الْوَاقِف إِذا آجر الأَرْض الْمَوْقُوفَة من أَبِيه أَو من ابْنه أَو عَبده أَو من مكَاتبه قَالَ أَبُو بكر الْخصاف أما فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن الاجارة لَا تجوز من أحد هَؤُلَاءِ وَأما مَذْهَب أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن الاجارة من أَبِيه وَابْنه جَائِزَة وَأما من عَبده ومكاتبه فَإِن الاجارة لَا تجوز
وَفِي العمادى الدَّعْوَى فِي دَار الْوَقْف على مُتَوَلِّي الْوَقْف تجوز أما القَاضِي لَو أَمر انسانا بِأَن يُؤَاجر دَار الْوَقْف مشاهرة فَهُوَ لَيْسَ بخصم لِأَنَّهُ وَكيل من القَاضِي بالاستغلال وَلَيْسَ بمأذون فِي الْخُصُومَة فَلَا تصح خصومته الا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِيهَا من جِهَة القَاضِي والمأذون فِي الاستغلال لَيْسَ بمتول وَالْمُتوَلِّيّ من يَلِي التَّصَرُّف فِي الْوَقْف وَكَذَا لَا تصح الدَّعْوَى على أكار الْوَقْف وَغير الْوَقْف وَكَذَا على غلَّة دَار الْوَقْف وَغير الْوَقْف إِذا ثَبت أَنه أكار أَو غلَّة دَار
ادّعى الْمَحْدُود لنَفسِهِ ثمَّ ادّعى أَنه وقف الصَّحِيح من الْجَواب إِن كَانَت دَعْوَى الوقفية بِسَبَب التَّوْلِيَة يحْتَمل التَّوْفِيق لِأَنَّهُ فِي الْعَادة يُضَاف إِلَيْهِ بِاعْتِبَار ولَايَة التَّصَرُّف وَالْخُصُومَة كَمَا فِي الْوَكِيل إِذا ادّعى لنَفسِهِ ثمَّ ادّعى أَنه لفُلَان وَكله فِي الْخُصُومَة فِيهِ تقبل وَلَا يكون متناقضا وَلَو ادّعى الدَّار ملكا لنَفسِهِ ثمَّ ادّعى أَنَّهَا وقف وَقفهَا فلَان على مَسْجِد كَذَا لَا تسمع دَعْوَى الْوَقْف للتناقض
رجل بَاعَ دَارا ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ وَقفهَا أَو قَالَ وقف عَليّ لَا تصح هَذِه الدَّعْوَى وَلَيْسَ لَهُ أَن يحلف المُشْتَرِي أما لَو قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة قبلت كَمَا لَو شهدُوا على عتق الْأمة تقبل من غير الدَّعْوَى وَذكر فِي النَّوَازِل إِذا أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه وَقفهَا قبل البيع تقبل وَيبْطل القَاضِي البيع وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يحبس الأَرْض بِالثّمن وَإِن لم تكن بَيِّنَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي وَلَو اقام المُشْتَرِي الْبَيِّنَة أَن هَذِه الدَّار كَانَت وَقفا على أَوْلَاد فلَان أَو على مَسْجِد كَذَا أَو على الْفُقَرَاء وَأَن فلَانا وَقفهَا وَسلمهَا إِلَى المتولى فدعوى الْوَقْف لَا تصح من المُشْتَرِي لأنع ساع فِي نقض مَا تمّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بخصم فِي دَعْوَى الوقفية عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ
ادّعى الْمُتَوَلِي على المُشْتَرِي أَن هَذِه الدَّار وقف على أَوْلَاد فلَان وَأثبت الِاسْتِحْقَاق على المُشْتَرِي

(1/302)


فَأَرَادَ المُشْتَرِي أَن يرجع بِالثّمن على بَائِعه فَقَالَ البَائِع بلَى كَانَت وقف فلَان على أَوْلَاد فلَان لَكِن لما مَاتَ الْوَاقِف رفع ورثته الْأَمر إِلَى القَاضِي حَتَّى قضى بِبُطْلَان الْوَقْف وَكنت وَارِثا للْوَاقِف فقسمنا التَّرِكَة وَوَقعت الدَّار فِي نَصِيبي وبيعي وَقع صَحِيحا قَالَ صَاحب الْفُصُول ينْدَفع بِهَذَا دَعْوَى الوقفية وَيبقى فِي يَد المُشْتَرِي
ادّعى الْمُتَوَلِي أَن هَذِه الدَّار وقف على مَسْجِد كَذَا وَلم يذكر الْوَاقِف قَالَ مَشَايِخ بَلخ كَأبي جَعْفَر وَغَيره رَحِمهم الله تسمع وَقَالَ غَيرهم لَا تسمع مالم يذكر الْوَاقِف عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى
وَفِي فَتَاوَى ظهير الدّين ادّعى وَقفا وشهدوا على وَقفه وَلم يذكرُوا الْوَاقِف ذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن دَعْوَى الْوَقْف وَالشَّهَادَة على الْوَقْف يصحان من غير بَيَان الْوَاقِف وَذكر رشيد الدّين أَن الشَّهَادَة على الْوَقْف لَا تقبل مالم يبينوا الْوَاقِف وَذكر فِي الْعدة وَلَو شهدُوا أَن هَذَا وقف على كَذَا وَلم يبينوا الْوَاقِف يَنْبَغِي أَن تقبل إِذا كَانَ قَدِيما
وَتقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي الْوَقْف وَكَذَا شَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء وَكَذَا الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ وَإِن صرحا بِهِ وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه وقف نصفهَا مشَاعا وَشهد الآخر أَنه وقف نصفهَا مفروزا مُمَيّزا فالشهادة بَاطِلَة وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه وَقفهَا يَوْم الْخَمِيس وَشهد الآخر أَنه وَقفهَا يَوْم الْجُمُعَة قبلت الشَّهَادَة قيل هَذَا على قَول أبي يُوسُف أما على قَول مُحَمَّد فَلَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه وَقفهَا وَقفا صَحِيحا فِي صِحَّته وَشهد الآخر أَنه وَقفهَا وَقفا مُضَافا إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَلَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه وَقفهَا وَقفا صَحِيحا فِي صِحَّته وَشهد الآخر أَنه وَقفهَا فِي الْمَرَض قبلت الشَّهَادَة فَتكون جَمِيع الأَرْض وَقفا إِن كَانَت تخرج من الثُّلُث وَإِن كَانَت لَا تخرج من الثُّلُث يصير ثلثهَا وَقفا وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه جعلهَا صَدَقَة مَوْقُوفَة على الْفُقَرَاء وَشهد الآخر أَنه جعلهَا صَدَقَة مَوْقُوفَة على الْمَسَاكِين قبلت لِأَنَّهُمَا اتفقَا على الْفُقَرَاء فَإِن من قَالَ أرضي هَذِه صَدَقَة مَوْقُوفَة كَانَت مَوْقُوفَة على الْفُقَرَاء فَهَذَا معنى قَوْلنَا لِأَنَّهُمَا اتفقَا على الْفُقَرَاء اه
وَإِن جحد الْوَاقِف الْوَقْف فَجَاءَت بَيِّنَة يشْهدُونَ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ وبمقدار حِصَّته من الأَرْض أَو من الدَّار وَسموا ذَلِك قبل القَاضِي ذَلِك وَحكم بِالْوَقْفِ وَإِن شهدُوا على الْوَاقِف بِإِقْرَارِهِ وَلم يعرفوا مَاله من الأَرْض أَو من الدَّار يَأْمُرهُ القَاضِي بِأَن يُسمى مَاله من ذَلِك فَمَا سمي من شَيْء فَالْقَوْل قَوْله فِيهِ وَيحكم بوقفية ذَلِك وَإِن كَانَ الْوَاقِف قد مَاتَ فوارثه يقوم مقَامه فِي ذَلِك وَإِن شهدُوا على إِقْرَار الْوَاقِف أَنه وقف جَمِيع حِصَّته من هَذِه الأَرْض وَذَلِكَ الثُّلُث مِنْهَا فَكَانَت حِصَّته النّصْف أَو أَكثر من الثُّلُث قَالَ تكون حِصَّته كلهَا نصفا كَانَت أَو أَكثر وَقفا
نوع فِي غصب الْوَقْف وَحكمه وَفِي أجره وَفِي بَيَان حكم وقف الْمَرْهُون والمؤاجر مُتَوَلِّي الْوَقْف إِذا أسكن رجلا دَارا الْوَقْف بِغَيْر أجر ذكر هِلَال رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَا شَيْء على السَّاكِن وَعَامة الْمُتَأَخِّرين على أَن عَلَيْهِ أجر الْمثل سَوَاء كَانَت الدَّار معدة للِاسْتِغْلَال أَو لم تكن صِيَانة للْوَقْف عَن أَيدي الظلمَة وقطعا للأطماع الْفَاسِدَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَكَذَا الرجل إِذا أسكن دَار الْوَقْف بِغَيْر أَمر الْوَاقِف وَبِغير أجر الْقيم كَانَ عَلَيْهِ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ

(1/303)


وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَان رجل غصب أَرض الْوَقْف أَو أَرضًا لصغير قَالَ بَعضهم يضمن الْغَاصِب أجر الْمثل للْوَقْف وللصغير وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يضمن فَلَو أَن هَذَا الْغَاصِب أجر الأَرْض الْمَغْصُوبَة من غَيره يجب على الْمُسْتَأْجر الْأجر الْمُسَمّى وَذكر فِي التَّجْنِيس أَن الْفَتْوَى فِي غصب العقارات والدور الْمَوْقُوفَة بِالضَّمَانِ كَمَا أَن الْفَتْوَى فِي غصب مَنَافِع الْوَقْف بِالضَّمَانِ
رجل رهن ضَيْعَة من رجل على مَال أَخذه مِنْهُ ثمَّ إِنَّه وقف هَذِه الضَّيْعَة وَقفا صَحِيحا هَل يجوز هَذَا الْوَقْف قَالَ الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى إِن افتكها من الرَّهْن فالوقف جَائِز وَإِن لم يَفْتكهَا فالرهن صَحِيح لَا يبطل وَلَا تخرج هَذِه الضَّيْعَة من الرَّهْن بايقاف مَالِكهَا أَلا ترى أَن رجلا لَو رهن ضَيْعَة لَهُ ثمَّ بَاعهَا أَن من قَول أَصْحَابنَا إِن افتكها فَالْبيع صَحِيح نَافِذ وَإِن أجَاز أَيْضا الْمُرْتَهن البيع فَالْبيع جَائِز وَكَذَلِكَ الحكم أَيْضا فِي الرَّهْن
رجل آجر ضَيْعَة لَهُ سِنِين ثمَّ إِنَّه جعلهَا بعد ذَلِك صَدَقَة مَوْقُوفَة لله تَعَالَى أبدا على سَبِيل سَمَّاهَا ثمَّ بعد ذَلِك تكون غَلَّتهَا للْمَسَاكِين أبدا حَتَّى يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا قَالَ الإِمَام أَبُو بكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى لَيْسَ لصَاحب الأَرْض أَن يبطل مَا عقد من الْإِجَارَة فَإِذا انْقَضتْ مُدَّة الاجارة كَانَت الضَّيْعَة وَقفا قلت وَلم أجزت هَذِه الصَّدَقَة وَهِي السَّاعَة لَا تكون وَقفا قَالَ هِيَ السَّاعَة وقف وَإِن كَانَت مَشْغُولَة بالاجارة أَلا ترى أَنه لَو قَالَ كنت وقفت هَذِه الضَّيْعَة على كَذَا وَكَذَا قبل أَن أؤاجرها وَإِنَّمَا آجرتها للْوَقْف وأجرها مَصْرُوف فِي سَبِيل الْوَقْف إِنَّا نلزمه إِقْرَاره بِالْوَقْفِ وَيكون الْأجر الَّذِي آجرها بِهِ مصروفا فِي السَّبِيل الَّذِي وَقفهَا فِيهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا تكون وَقفا بعد انْقِضَاء الاجارة لِأَنَّهَا هِيَ وقف إِلَّا أَن فِي هَذَا الْوَقْت لَيْسَ لَهُ أَن يبطل اجارة الْمُسْتَأْجر أَلا ترى أَنه لَو آجرها ثمَّ بَاعهَا من رجل فَإِنَّهُ يُقَال للْمُشْتَرِي إِن شِئْت فاصبر حَتَّى تَنْقَضِي الاجارة فتأخذها بِالشِّرَاءِ وَإِن شِئْت فَأبْطل شراءك فَإِن اخْتَار الشِّرَاء صَبر قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَن يبطل الشِّرَاء إِلَّا عِنْد القَاضِي أَو عِنْد السُّلْطَان وَهَذَا قَول الْحسن بن زِيَاد رَحمَه الله تَعَالَى