لسان
الحكام في معرفة الأحكام الْفَصْل الرَّابِع عشر
فِي الطَّلَاق
اعْلَم أَن الطَّلَاق يَنْقَسِم إِلَى أحسن الطَّلَاق وَإِلَى طَلَاق
السّنة وَإِلَى طَلَاق الْبِدْعَة فأحسنه أَن يُطلق الرجل امْرَأَته
طَلْقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي
عدتهَا وَأما طَلَاق الْبِدْعَة فَهُوَ أَن يُوقع ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
دفْعَة وَاحِدَة فِي طهر وَاحِد فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ
عَاصِيا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما طَلَاق السّنة فَهُوَ أَن يُطلق
الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار وَقَالَ مَالك هَذَا بدعي
وَلَيْسَ طَلَاق السّنة إِلَّا أَن يطلقهَا وَاحِدَة ويصبر حَتَّى
تَنْقَضِي عدتهَا
ثمَّ طَلَاق السّنة على نَوْعَيْنِ سنة من حَيْثُ الْعدَد وَسنة من حَيْثُ
الْوَقْت فَالْأول يَسْتَوِي فِيهِ الْمَدْخُول بهَا وَغير الْمَدْخُول
بهَا وَالثَّانِي يخْتَص بالمدخول بهَا وَهُوَ أَن يطلقهَا وَاحِدَة فِي
طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي الْمَدْخُول
بهَا خَاصَّة كَذَا ذكره قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين الْعَيْنِيّ رَحمَه
الله تَعَالَى فِي شَرحه على الْمجمع
وَفِي الْهِدَايَة وَيَقَع طَلَاق كل زوج إِذا كَانَ بَالغا عَاقِلا فَلَا
يَقع طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون والنائم وَفِي الْعِمَادِيّ طَلَاق
الْمَعْتُوه غير وَاقع كَطَلَاق الْمَجْنُون
وَتَكَلَّمُوا فِي الْفَاصِل بَين الْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه قَالُوا
الْمَجْنُون من لَا يَسْتَقِيم كَلَامه وأفعاله إِلَّا نَادرا والعاقل
ضِدّه وَالْمَعْتُوه من يخْتَلط كَلَامه وأفعاله فَيكون ذَلِك غَالِبا أَو
هَذَا غَالِبا أَو كَانَا سَوَاء وَقَالَ بَعضهم الْمَجْنُون من يفعل
الْأَفْعَال القبيحة لَا عَن قصد والعاقل من يفعل مَا يَفْعَله المجانين
فِي الْأَحَايِين لَكِن
(1/324)
يفعل ذَلِك عَن قصد وَإِنَّمَا يفعل مَا
يَفْعَله المجانين فِي الْأَحَايِين على ظن الصّلاح وَالْمَعْتُوه من يفعل
مَا يَفْعَله المجانين فِي الْأَحَايِين لَكِن يفعل ذَلِك عَن قصد مَعَ
ظُهُور الْفساد
المصروع إِذا طلق امْرَأَته فِي حَالَة الصرع لَا يَقع طَلَاقه كَذَا أجَاب
صَاحب الْمُحِيط رَحمَه الله
طلق امْرَأَته وَهُوَ صَاحب برسام فَلَمَّا صَحَّ قَالَ طلقت امْرَأَتي
ثمَّ قَالَ إِنِّي لست أَظن أَن الطَّلَاق فِي تِلْكَ الْحَالة كَانَ
وَاقعا قَالَ مَشَايِخنَا رَحِمهم الله حينما أقرّ بِالطَّلَاق إِن رده
إِلَى حَالَة البرسام وَقَالَ قد طلقت امْرَأَتي فِي حَالَة البرسام
فالطلاق غير وَاقع وَإِن لم يردهُ إِلَى حَالَة البرسام فَهُوَ مؤاخذ بذلك
فِي الْقَضَاء
وَطَلَاق الْمُكْره وَاقع خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله وَطَلَاق
السَّكْرَان وَاقع وَاخْتَارَ الْكَرْخِي والطَّحَاوِي أَنه لَا يَقع
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَطَلَاق الْأَخْرَس وَاقع بالاشارة
لِأَنَّهَا صَارَت معهودة فأقيمت مقَام الْعبارَة دفعا للْحَاجة وَطَلَاق
الْأمة ثِنْتَانِ حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا وَطَلَاق الْحرَّة ثَلَاث حرا
كَانَ زَوجهَا أَو عبدا وَقَالَ الشَّافِعِي عدد الطَّلَاق يعْتَبر بِحَال
الرِّجَال دون النِّسَاء وَكَذَلِكَ عِنْد الامام مَالك رَحمَه الله
تَعَالَى وَإِذا تزوج العَبْد امْرَأَة وطلق وَقع طَلَاقه وَلَا يَقع
طَلَاق مَوْلَاهُ على امْرَأَته لِأَن ملك النِّكَاح حق العَبْد فَيكون
الاسقاط إِلَيْهِ دون الْمولى
نوع فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة الطَّلَاق على ضَرْبَيْنِ صَرِيح وكناية
فالصريح قَوْله أَنْت طَالِق ومطلقة وطلقتك فَهَذَا يَقع بِهِ الطَّلَاق
الرَّجْعِيّ لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ مستعملة فِي الطَّلَاق وَلَا
تسْتَعْمل فِي غَيره فَكَانَ صَرِيحًا وَأَنه تعقبه الرّجْعَة بِالنَّصِّ
وَلَا يفْتَقر إِلَى النِّيَّة لِأَنَّهُ صَرِيح فِيهِ لغَلَبَة
الِاسْتِعْمَال وَكَذَا إِذا نوى الابانة لِأَنَّهُ قصد تَنْجِيز مَا علقه
الشَّرْع بِانْقِضَاء الْعدة فَيرد عَلَيْهِ
وَلَو نوى الطَّلَاق عَن وثاق لَا يدين فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف
الظَّاهِر ويدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَنَّهُ يحْتَملهُ
وَلَو نوى بِهِ الطَّلَاق عَن الْعَمَل لم يدين فِي الْقَضَاء وَلَا فِيمَا
بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه
يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَو قَالَ أَنْت مُطلقَة بتسكين
الطَّاء لَا يكون طَلَاقا الا بِالنِّيَّةِ وَإِذا قَالَ أَنْت الطَّلَاق
أَو أَنْت طَالِق الطَّلَاق أَو أَنْت طَالِق طَلَاقا فَإِن لم يكن لَهُ
نِيَّة أَو نوى وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَإِن
نوى ثَلَاثًا فَثَلَاث وَلَو قَالَ يدك طَالِق أَو رجلك طَالِق لم يَقع
الطَّلَاق وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى يَقع وَكَذَا
الْخلاف فِي كل جُزْء معِين لَا يعبر بِهِ عَن جَمِيع الْبدن وَإِن طَلقهَا
نصف تَطْلِيقَة أَو ثلثهَا كَانَت تَطْلِيقَة وَاحِدَة لِأَن الطَّلَاق لَا
يتَجَزَّأ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاث أَنْصَاف تَطْلِيقَتَيْنِ
فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا لِأَن نصف التطليقتين تَطْلِيقَة فَإِذا جمع بَين
ثَلَاث أَنْصَاف تَطْلِيقَة يكون ثَلَاث تَطْلِيقَات ضَرُورَة وَلَو قَالَ
أَنْت طَالِق ثَلَاث أَنْصَاف تَطْلِيقَة قيل يَقع تَطْلِيقَتَانِ
لِأَنَّهَا طَلْقَة وَنصف فتتكامل وَقيل يَقع ثَلَاث تَطْلِيقَات لِأَن كل
نصف يتكامل فِي نَفسه فَيصير ثَلَاثًا وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق من
وَاحِدَة إِلَى ثِنْتَيْنِ أَو مَا بَين وَاحِدَة إِلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ
وَاحِدَة وَلَو قَالَ من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث أَو مَا بَين وَاحِدَة
إِلَى ثَلَاث فَهِيَ ثِنْتَانِ وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله
تَعَالَى وَقَالا يَقع فِي الأول ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِي ثَلَاث وَقَالَ
زفر رَحمَه الله فِي الأولى لَا يَقع شَيْء وَفِي الثَّانِيَة يَقع
وَاحِدَة وَهُوَ الْقيَاس وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة فِي
ثِنْتَيْنِ وَنوى الضَّرْب والحساب أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَهِيَ وَاحِدَة
وَقَالَ زفر رَحمَه الله تَعَالَى يَقع ثِنْتَانِ لعرف الْحساب وَهُوَ قَول
الْحسن بن زِيَاد رَحمَه الله تَعَالَى وَإِن نوى وَاحِدَة وثنتين فَهِيَ
ثَلَاث وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة دَرَاهِم فِي
عشرَة دَرَاهِم يلْزمه عشرَة عِنْد عُلَمَائِنَا
(1/325)
الثَّلَاثَة رَحِمهم الله تَعَالَى وَعند
زفر يلْزمه مائَة دِرْهَم وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق من هَاهُنَا إِلَى الشَّام فَهِيَ وَاحِدَة يملك
الرّجْعَة وَقَالَ زفر هِيَ بَائِنَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق بِمَكَّة
أَو فِي مَكَّة فَهِيَ طَالِق فِي الْحَال فِي كل الْبِلَاد وَكَذَا قَوْله
أَنْت طَالِق فِي الدَّار لِأَن الطَّلَاق لَا يتخصص بمَكَان دون مَكَان
وَإِن عني بِهِ إِذا دخلت مَكَّة يصدق ديانَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق
إِذا دخلت مَكَّة وَلم تطلق حَتَّى تدخل مَكَّة لِأَنَّهُ علقه
بِالدُّخُولِ
وَفِي المنبع وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق غَدا وَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا
بِطُلُوع الْفجْر وَلَا يَقع فِي الْحَال الا أَن يكون القَوْل قبل طُلُوع
الْفجْر انْتهى
رجل قَالَ عَليّ طَلَاق امْرَأَتي لَا يَقع وَفِي أدب الْقَضَاء للسروجي
رجل قَالَ لامْرَأَته طَلَاقك عَليّ فرض لَازم أَو قَالَ طَلَاقك عَليّ حتم
لَازم الصَّحِيح أَنه يَقع الطَّلَاق فِي الْكل بِخِلَاف الْعتْق لِأَنَّهُ
مِمَّا يجب فَجعل إِخْبَارًا
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل قَالَ لامْرَأَته الطَّلَاق عَلَيْك لَا يَقع
الطَّلَاق إِلَّا أَن يُرِيد الْإِيقَاع لِأَن هَذَا اللَّفْظ
يَسْتَعْمِلهُ النَّاس للإيقاع
رجل قَالَ لامْرَأَته ثَلَاث تَطْلِيقَات عَلَيْك تطلق ثَلَاثًا لِأَنَّهُ
أوقع الثَّلَاث عَلَيْهَا وَلَو قَالَ لَا نِكَاح بَيْننَا فَإِنَّهُ يَقع
اجماعا وَقَالَ فِي المنبع جحود النِّكَاح لَا يكون طَلَاقا وَالله أعلم
قَالَ جَمِيع نسَاء أهل الدُّنْيَا طَوَالِق تطلق امْرَأَته لِأَنَّهَا من
حِسَاب الْعَالم قَالَ لامْرَأَته إِن لم أشبعك من الْجِمَاع فَأَنت طَالِق
قَالَ بَعضهم لَا يعرف شبعها حَتَّى تَقول بلسانها وَقيل إِن جَامعهَا وَلم
يفارقها حَتَّى أنزلت فقد أشبعها وَلم يَقع الطَّلَاق
وَفِي الْوَلْوَالجيّ رجل لَهُ أَربع نسْوَة فَقَالَ أَنْت ثمَّ أَنْت ثمَّ
أَنْت ثمَّ أَنْت طَالِق طلقت الرَّابِعَة لَا غير لِأَنَّهُ لم يذكر
الْجَزَاء إِلَّا للرابعة وَلَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة لَهُ بينكن
تَطْلِيقَة طلقت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَطْلِيقَة لِأَنَّهَا تَنْقَسِم
عَلَيْهِنَّ فَيُصِيب كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ربعهَا وَأَنه لَا يتَجَزَّأ
فيكمل وَلَو قَالَ لامْرَأَته كوني طَالقا عَن مُحَمَّد رَحمَه الله
تَعَالَى أَنه قَالَ أرَاهُ وَاقعا وَكَذَا لَو قَالَ لأمته كوني حرَّة
لِأَنَّهُ صَرِيح فِي الطَّلَاق وَالْعتاق
رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق عدد مَا فِي الْحَوْض من السّمك
وَلَيْسَ فِي الْحَوْض سمك يَقع وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت
طَالِق بِعَدَد كل شَعْرَة على جَسَد ابليس لَعنه الله تَعَالَى يَقع
وَاحِدَة لَا غير رجل قَالَت لَهُ امْرَأَته لست لي بِزَوْج فَقَالَ
الزَّوْج صدقت وَهُوَ يَنْوِي بذلك طَلَاقا فَهَذَا وَمَا لَو قَالَ الرجل
لامْرَأَته لست لي بِامْرَأَة وَنوى الطَّلَاق سَوَاء وثمة يَقع الطَّلَاق
عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله كَذَا هُنَا
رجل قَالَ لامْرَأَته لَا حَاجَة لي فِيك أَو قَالَ مَا أريدك وَهُوَ
يَنْوِي الطَّلَاق لم يكن طَلَاقا لِأَن اللَّفْظ لَا يحْتَملهُ
وَفِي المنبع رجل قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق
ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا مُنجزا ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بعد زوج آخر
فَدخلت الدَّار لم يَقع شَيْء عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة رَحِمهم الله
تَعَالَى وَهُوَ قَول مَالك ذكره فِي الْمُدَوَّنَة وَالشَّافِعِيّ فِي
الْجَدِيد وَأحمد بن حَنْبَل رَحِمهم الله تَعَالَى وَقَالَ زفر يَقع
الطَّلَاق الثَّلَاث
(1/326)
رجل قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار
فَأَنت طَالِق ثمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَلحق بدار
الْحَرْب ثمَّ عَاد مُسلما وَتَزَوجهَا فَدخلت الدَّار لم تطلق عِنْد أبي
حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا تطلق
الْبَائِن لَا يلْحق الْبَائِن إِلَّا إِذا تقدم سَببه بِأَن قَالَ لَهَا
إِن دخلت الدَّار فَأَنت بَائِن وَنوى بِهِ الطَّلَاق ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ
دخلت الدَّار وَهِي فِي الْعدة فَحِينَئِذٍ يلْحقهُ وَقَالَ زفر رَحمَه
الله الْبَائِن لَا يلْحق الْبَائِن مُطلقًا
والصريح يلْحقهُ الصَّرِيح والبائن حَتَّى إِن الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة
لَو طَلقهَا زَوجهَا أَو أَبَانهَا يَقع بالاجماع لقِيَام الزَّوْجِيَّة
والوصلة والبائن يلْحقهُ الصَّرِيح وَلَا يلْحقهُ الْبَائِن حَتَّى إِن
المبتوتة المختلعة لَو أَبَانهَا لَا يَقع لِأَن محلهَا الوصلة والوصلة قد
انْقَطَعت بِالْخلْعِ والابانة وَلَو طَلقهَا فِي الْعدة يَقع عندنَا
خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قلت وَقد نظم بَيْتا فِي هَذَا
الْمَعْنى شَيخنَا الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين للديري
الْحَنَفِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته وَهُوَ ... وكل طَلَاق بعد آخر
وَاقع ... سوى بَائِن مَعَ مثله لم يعلق ...
وَفِي الذَّخِيرَة لَو قَالَ لمختلعة اعْتدي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاق أَو
قَالَ استبرئي رَحِمك أَو قَالَ لَهَا أَنْت وَاحِدَة يَقع عَلَيْهَا
تَطْلِيقَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ
أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَقع بهَا شَيْء لِأَنَّهَا من
جملَة الْكِنَايَات وَلِهَذَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى النِّيَّة كَسَائِر
الْكِنَايَات وَلَهُمَا أَن هَذِه الْأَلْفَاظ فِي حكم الصَّرِيح على معنى
أَن الْوَاقِع بهَا رَجْعِيّ
وَلَو قَالَ كلما تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق فَتَزَوجهَا فِي يَوْم وَاحِد
ثَلَاث مَرَّات وَدخل بهَا فِي كل مرّة فَعِنْدَ مُحَمَّد رَحمَه الله تطلق
ثَلَاثًا وَعَلِيهِ أَرْبَعَة مُهُور وَنصف مهر وَقَالَ أَبُو يُوسُف
رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ قِيَاس قَول أبي حنيفَة تطلق ثِنْتَيْنِ
وَعَلِيهِ مهر وَنصف مهر
وَإِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي وجود الشَّرْط فَقَالَ الزَّوْج علقت
طَلَاقك بِدُخُول الدَّار فَلم يُوجد الدُّخُول وَقَالَت الْمَرْأَة بل
دخلت وَوَقع الطَّلَاق فَالْقَوْل قَول الزَّوْج لِأَنَّهُ متمسك
بِالْأَصْلِ إِذا الأَصْل عدم الشَّرْط وَالْقَوْل لمن يتَمَسَّك بالاصل
لِأَن الظَّاهِر شَاهد لَهُ وَلِأَنَّهُ يُنكر وُقُوع الطَّلَاق
وَالْمَرْأَة تدعيه وَالْقَوْل للْمُنكر إِلَّا أَن تقيم الْمَرْأَة
بَيِّنَة لِأَنَّهَا نورت دَعْوَاهَا بِالْحجَّةِ
وَفِي البزازي قَالَ لغيره طَلقهَا إِن شَاءَت لَا يكون توكيلا مالم تشأ
وَلها الْمَشِيئَة فِي مجْلِس علمهَا وَبعد الْمَشِيئَة يصير وَكيلا فَلَو
طَلقهَا الْآن يَقع وَلَو قَامَ الْوَكِيل عَن مَجْلِسه بطلت الْوكَالَة
فَلَا يَقع الطَّلَاق بعده قَالَ الامام الْحلْوانِي رَحمَه الله تَعَالَى
وَهَذَا يحفظ فَإِن الزَّوْج يكْتب إِلَى من يَثِق بِهِ أَنَّهَا إِذا
شَاءَت الطَّلَاق فَطلقهَا والوكلاء يؤخرون الايقاع عَن مجْلِس الْمَشِيئَة
وَلَا يَدْرُونَ أَنه لَا يَقع
نوع فِي الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط إِنَّمَا يَصح لَو اتَّصل وَلَو تنفس بَين
التَّصَرُّف وَالِاسْتِثْنَاء وَوجد من التنفس بدا أَولا وَلكنه وَصله يَصح
الِاسْتِثْنَاء كَذَا عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله
وَفِي الْأَجْنَاس سكت سكَّة قبل التنفس ثمَّ اسْتثْنى لَا يَصح
الِاسْتِثْنَاء إِلَّا أَن تكون سكتة التنفس وَيبْطل الِاسْتِثْنَاء
بأَرْبعَة بالسكتة وبالزيادة على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل أَنْت طَالِق
ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا وبالمساواة وباستثناء بعض الطَّلَاق مثل أَنْت
طَالِق طَلْقَة الا نصفهَا
وَلَو قَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق الا هَذِه وَلَيْسَ لَهُ سواهَا لَا
تطلق لِأَن الْمُسَاوَاة فِي الْوُجُود لَا تمنع صِحَّته إِن عَم وضعا
لِأَنَّهُ تصرف صيغي
(1/327)
قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق وَاحِدَة وثنتين
وَثَلَاثًا وأربعا إِن كلمت فلَانا تعلق الْكل بِتَكْلِيم فلَان حَتَّى لَا
يَقع فِي الْحَال شَيْء وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فَجرى على لِسَانه
الاستئناء بِلَا قصد الِاسْتِثْنَاء لَا تقع وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق
فَجرى على لِسَانه أَو غير طَالِق لَا يَقع قَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَأَنت طَالِق لَا يَقع قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا اسْتغْفر الله إِن
شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ اسْتثِْنَاء ديانَة لَا قَضَاء أَرَادَ أَن يحلف
رجلا وَيخَاف أَن يَسْتَثْنِي عقبه سرا يَأْمُرهُ بِأَن يَقُول عقب حلفه
مُتَّصِلا سُبْحَانَ الله أَو كلَاما آخر لِأَن الْيَمين حَقه فَلهُ
الْمَنْع عَن إِبْطَاله قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله أَنْت طَالِق
فالاستثناء ينْصَرف إِلَى الأول وَيَقَع الثَّانِي عندنَا خلافًا لزفَر
رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَيْهِمَا عِنْده وَلَا يَقع
شَيْء كتب الطَّلَاق وَاسْتثنى بِلِسَانِهِ أَو طلق بِلِسَانِهِ وَاسْتثنى
بِالْكِتَابَةِ يَصح ادّعى الِاسْتِثْنَاء أَو الشَّرْط فَالْقَوْل قَوْله
وَلَو شهدُوا أَنه طلق أَو خَالع بِلَا اسْتثِْنَاء أَو شهدُوا بِأَنَّهُ
لم يسْتَثْن تقبل وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تقبل فِيهَا الْبَيِّنَة على
النَّفْي لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى أَمر وجودي وَلِأَنَّهُ عبارَة عَن ضم
الشفتين عقيب التَّكَلُّم بِالْمُوجبِ وَلَو قَالُوا طلق وَلم تسمع مِنْهُ
غير كلمة الْخلْع وَالزَّوْج يَدعِي الِاسْتِثْنَاء فَالْقَوْل قَوْله
لجَوَاز أَنه قَالَه وَلم يسمعوه وَالشّرط سَمَاعه لَا سماعهم
وَفِي الصُّغْرَى إِذا ذكر الْبَدَل فِي الْخلْع لَا تسمع دَعْوَى
الِاسْتِثْنَاء وَذكر الأوزجندي رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّمَا تصح دَعْوَى
الِاسْتِثْنَاء إِن ثَبت الطَّلَاق بِإِقْرَارِهِ وَلَو ثَبت
بِالْبَيِّنَةِ لَا تقبل وَإِن ظهر مِنْهُ مَا يدل على صِحَة الْخلْع كقبض
الْبَدَل وَنَحْوه لَا تصح دَعْوَى الِاسْتِثْنَاء
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَعتَقتك أمس وَقلت إِن شَاءَ الله أَو لامْرَأَته
طَلقتك أمس وَقلت إِن شَاءَ الله وَأنْكرت فَالْقَوْل قَوْله
وَذكر النَّسَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ادّعى الزَّوْج الِاسْتِثْنَاء
وَأنْكرت فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَا يصدق الزَّوْج الا بِبَيِّنَة وَإِن
ادّعى تَعْلِيق الطَّلَاق بِالشّرطِ وَادعت الْإِرْسَال فَالْقَوْل قَوْله
وَفِي الْهِدَايَة وَإِذا طلق الرجل امْرَأَته فِي مرض مَوته طَلَاقا
بَائِنا فَمَاتَ وَهِي فِي الْعدة ورثته وَإِن مَاتَ بعد انْقِضَاء عدتهَا
فَلَا مِيرَاث لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تَرث فِي الْوَجْهَيْنِ
نوع فِي الرّجْعَة إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة أَو
تَطْلِيقَتَيْنِ فَلهُ أَن يُرَاجِعهَا فِي عدتهَا رضيت بذلك أَو لم ترض
لقوه تَعَالَى {فأمسكوهن بِمَعْرُوف} الْآيَة من غير فصل وَلَا بُد من قيام
الْعدة لِأَن الرّجْعَة اسْتِدَامَة الْملك
وَالرَّجْعَة أَن يَقُول رَاجَعتك أَو راجعت امْرَأَتي وَهُوَ صَرِيح فِي
الرّجْعَة وَلَا خلاف فِيهِ بَين الْأمة أَو يَطَأهَا أَو يقبلهَا أَو
يَمَسهَا بِشَهْوَة أَو ينظر إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة وَهَذَا عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا تصح الرّجْعَة إِلَّا بالْقَوْل مَعَ
الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن يشْهد على الرّجْعَة شَاهِدين وَإِن لم
يشْهد صحت الرّجْعَة وَإِذا انْقَضتْ الْعدة فَقَالَ قد كنت رَاجَعتك فِي
الْعدة فصدقته فَهِيَ رَجْعَة وَإِن كَذبته فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِذا
قَالَ الزَّوْج رَاجَعتك فَقَالَت مجيبة لَهُ قد انْقَضتْ عدتي لم تصح
الرّجْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا تصح الرّجْعَة
والمطلقة الرَّجْعِيَّة تتشوف أَي تتزين بِأَن تجلو وَجههَا وتصقل خديها
لِأَنَّهَا حَلَال للزَّوْج إِ ذالنكاح
(1/328)
قَائِم بَينهمَا وَيسْتَحب للزَّوْج أَن
لَا يدْخل عَلَيْهَا حَتَّى يؤذنها أَو يسْمعهَا خَفق نَعْلَيْه وَلَيْسَ
لَهُ أَن يُسَافر بهَا حَتَّى يشْهد على رَجعتهَا
وَالطَّلَاق الرَّجْعِيّ لَا يحرم الْوَطْء وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه
الله يحرمه اه
وَإِذا كَانَ الطَّلَاق بَائِنا دون الثَّلَاث فَلهُ أَن يَتَزَوَّجهَا فِي
الْعدة وَبعد انْقِضَائِهَا لِأَن حل الْمَحَلِّيَّة بَاقٍ وَإِن كَانَ
الطَّلَاق ثَلَاثًا فِي الْحرَّة أَو ثِنْتَيْنِ فِي الْأمة لم تحل لَهُ
حَتَّى تنْكح زوجا غَيره نِكَاحا صَحِيحا وَيدخل بهَا ثمَّ يطلقهَا أَو
يَمُوت عَنْهَا وَالشّرط الايلاج دون الْإِنْزَال
وَفِي المشكلات من طلق امْرَأَته الْغَيْر الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فَلهُ
أَن يتَزَوَّج بهَا بِلَا تَحْلِيل وَأما قَوْله تَعَالَى {فَإِن طَلقهَا
فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} فَفِي حق الْمَدْخُول بهَا
وَالصَّبِيّ الْمُرَاهق فِي التَّحْلِيل كَالْبَالِغِ لوُجُود الدُّخُول
فِي نِكَاح صَحِيح وَهُوَ الشَّرْط بِالنَّصِّ وَمَالك يخالفنا وَالْحجّة
فِيهِ عَلَيْهِ
وَإِذا تزَوجهَا بِشَرْط التَّحْلِيل فَالنِّكَاح مَكْرُوه لقَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ وَهَذَا هُوَ محمله
الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت أَن تتَزَوَّج بِزَوْج لتحل للْأولِ وخافت أَن
لَا يطلقهَا يَنْبَغِي أَن تبتديء بالايجاب فَتَقول تَزَوَّجتك على أَن
يكون أَمْرِي بيَدي بعد يَوْم أَو شهر فَإِذا قبل الزَّوْج على ذَلِك
كَانَت متمكنة من تطليق نَفسهَا فِي ذَلِك الْوَقْت وَفِي الفتاوي
الظَّهِيرِيَّة الْمُطلقَة ثَلَاثًا إِذا زوجت نَفسهَا من غير كفؤ وَدخل
بهَا حلت للزَّوْج الأول عِنْد أبي حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله تَعَالَى
وَذكر ابْن فرشتة فِي شَرحه على الْوِقَايَة لَو ادَّعَت دُخُول الْمُحَلّل
صدقت وَإِن أنكر هُوَ وَكَذَا على الْعَكْس وَإِن تزوجت بمجبوب ينزل فحبلت
مِنْهُ تحل للْأولِ وَإِن لم ينزل لَا تحل وَلَو كَانَت الْمَرْأَة مفضاة
لَا تحل للْأولِ إِلَّا إِذا حبلت من الثَّانِي لوُجُود الوقاع من قبلهَا
وَلَو وَطئهَا فِي الْحيض حلت للْأولِ وَلَو لف قضيبه بِخرقَة فجامعها
وَهِي لَا تمنع من وُصُول حرارة فرجهَا إِلَى ذكره تحل للْأولِ
وَفِي فتاوي الوبري الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يقدر على الْجِمَاع لَو
أولج ذكره بمساعدة يَده لَا تحل للْأولِ انْتهى
نوع فِي الْخلْع ذكر فِي المنبع إِذا تشاق الزَّوْجَانِ وتخالفا وخافا أَن
لَا يُقِيمَا حُدُود الله تَعَالَى فَلَا بَأْس أَن تَفْتَدِي نَفسهَا
مِنْهُ بِمَال يخلعها بِهِ فَإِذا فعل ذَلِك وَقع تَطْلِيقَة بَائِنَة
ولزمها المَال لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود
الله} الْآيَة أَي إِن خِفْتُمْ أَن لَا يُقِيمَا مَا يلْزمهُمَا من مُوجب
الزَّوْجِيَّة بالنشوز فَلَا جنَاح على الزَّوْج فِيمَا أَخذ وَلَا على
الْمَرْأَة فِيمَا أَعْطَتْ وَالْخلْع مُعَاوضَة فِي حَقّهَا لِأَن الْخلْع
من جَانبهَا تمْلِيك مَال بعوض فَيصح رُجُوعهَا قبل قبُول الزَّوْج وَلَو
شَرط الْخِيَار لَهَا بِأَن قَالَ خالعتك بِأَلف على أَنَّك بِالْخِيَارِ
ثَلَاثَة أَيَّام فَقبلت صَحَّ فَإِن ردَّتْ الطَّلَاق بَطل وَإِن اختارته
وَقع وَوَجَب الْألف للزَّوْج عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَعِنْدَهُمَا الطَّلَاق وَاقع وَالْمَال لَازم وَالْخيَار بَاطِل لِأَن
الْخلْع من جَانِبه فِي معنى تَعْلِيق الطَّلَاق بِقبُول المَال وَهُوَ
يَمِين وَالْيَمِين لَا يقبل الْفَسْخ فَكَذَا شَرطهَا وَهُوَ الْقبُول من
زَوجهَا ويقتصر على الْمجْلس إِذْ
(1/329)
كَانَ الايجاب من قبلهَا فَلَا بُد من
قبُول الزَّوْج فِي الْمجْلس فَإِذا كَانَ الايجاب من جِهَته لَا يَصح
رُجُوعه قبل قبُول الْمَرْأَة فَيصح قبُولهَا بعده وَشرط الْخِيَار أَيْضا
وَلَا يقْتَصر على الْمجْلس
وَيسْقط الْخلْع والمبارأة كل حق لكل مِنْهُمَا على الآخر بِأَن يَقُول
هُوَ لامْرَأَته برأت من نكاحك بِكَذَا وَتقبل هِيَ وَلَا يبْقى لأَحَدهمَا
دَعْوَى فِي الْمهْر مَقْبُوضا كَانَ أَو غير مَقْبُوض قبل الدُّخُول أَو
بعده وَلَا فِي النَّفَقَة الْمَاضِيَة أما نَفَقَة الْعدة فَلَا تسْقط الا
بِالذكر وَهَذَا كُله عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعند
مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يسْقط بهما شَيْء الا مَا سمياه وَأَبُو
يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَافق أَبَا حنيفَة بالمبارأة ومحمدا فِي
الْخلْع
وَلَو خَالعهَا على نَفَقَة الْعدة صَحَّ وَلَا تجب النَّفَقَة وَلَو أبرأت
الزَّوْج عَن النَّفَقَة حَال قيام النِّكَاح لَا يَصح الابراء وَتجب
النَّفَقَة لِأَن النَّفَقَة فِي النِّكَاح تجب شَيْئا فَشَيْئًا على حسب
حُدُوث الزَّمَان يَوْمًا فيوما فَكَانَ الابراء عَنْهَا ابراء قبل
الْوُجُوب فَلم يَصح وَأما نَفَقَة الْعدة فَإِنَّهَا تجب عِنْد الْخلْع
واسقاط النَّفَقَة مَانع من وُجُوبهَا وَيصِح الْخلْع على مُؤنَة
السُّكْنَى بِلَا خلاف وَلَا يَصح الْخلْع على السُّكْنَى والابراء عَنهُ
لِأَن السُّكْنَى فِي الْبَيْت حَال الْعدة حق الله تَعَالَى قَالَ الله
تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن} الْآيَة فَلَا يملك
العَبْد اسقاطه
وَلَا يَصح الابراء عَن نَفَقَة الْوَلَد وَالرّضَاع بِالشّرطِ لِأَنَّهَا
لم تجب لَهَا فَإِن شَرط الْبَرَاءَة مِنْهَا فِي الْخلْع وَوقت وقتا بِأَن
قَالَ إِلَى سنة أَو سنيتن سَقَطت فَإِن مَاتَ الْوَلَد قيل تَمام الْوَقْف
يرجع الْأَب عَلَيْهَا بِمَا بَقِي من أجر مثل الرَّضَاع إِلَى تَمام
الْمدَّة وَالْحِيلَة فِي أَن لَا يرجع عَلَيْهَا أَن يَقُول الزَّوْج
خالعتك على أَنِّي بَرِيء من نَفَقَة ولدك إِلَى سنتَيْن فَإِن مَاتَ فِي
بعض الْمدَّة فَلَا رُجُوع لي عَلَيْك
وَإِن خلع صغيرته بمالها لم يجب عَلَيْهَا شَيْء وَبَقِي مهرهَا وَتطلق فِي
الْأَصَح لِأَنَّهُ علق الطَّلَاق بِقبُول الْأَب وَوجد الشَّرْط فَيَقَع
الطَّلَاق وَلَكِن لَا يجب الْبَدَل لِأَن بدل الْخلْع تبرع وَمَال
الصَّبِي لَا يقبل التَّبَرُّع وَفِي رِوَايَة لَا يَقع الطَّلَاق وَالْأول
أصح فَإِن خلعها أَي أَب الصَّغِيرَة على ألف على أَنه ضَامِن لَهُ الْألف
صَحَّ وَعَلِيهِ المَال لِأَن الْأَب لَا يكون أدنى حَالا من الْأَجْنَبِيّ
وَاشْتِرَاط بدل الْخلْع على الْأَجْنَبِيّ صَحِيح فعلى الْأَب أولى وَإِن
شَرط المَال عَلَيْهَا تطلق بِلَا شَيْء إِن قبلت أَي إِن كَانَت من أهل
الْقبُول بِأَن كَانَت تعقل العقد وَلَا يجب عَلَيْهَا المَال لِأَنَّهَا
لَيست من أهل الغرامة وَالله أعلم
نوع فِي الْعنين وَهُوَ من لَا يقدر على الْجِمَاع لمَرض أَو لكبر سنّ أَو
لسحر أَو يصل إِلَى الثّيّب دون الْبكر أَو لَا يصل إِلَى امْرَأَة
بِعَينهَا ثمَّ إِن أقرّ أَنه لم يصل إِلَى زَوجته أَجله الْحَاكِم سنة
قمرية فِي الصَّحِيح وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب وَهِي ثَلَاثمِائَة
وَأَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَفِي الذَّخِيرَة يُؤَجل سنة شمسية وَهِي
زَائِدَة على القمرية بِأحد عشر يَوْمًا وجزء من مائَة وَعشْرين جُزْءا من
الْيَوْم فَيجوز أَن يُوَافق طبعه فِي هَذِه الزِّيَادَة وَهُوَ رِوَايَة
عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى ومختار بعض الْمُتَأَخِّرين ورمضان
وايام حَيْضهَا مِنْهَا أَي مَعْدُودَة من السّنة لِأَن السّنة لَا تخلوا
عَنْهَا لَا مُدَّة مَرضه ومرضها فَإِن لم يصل إِلَيْهَا أَي فِي السّنة
فرق القَاضِي بَينهمَا إِن طلبت أَي الْمَرْأَة التَّفْرِيق لِأَنَّهُ
حَقّهَا وَلَو وَطئهَا مرّة ثمَّ عجز لَا خِيَار لَهَا وَلَو سَأَلَ
الزَّوْج القَاضِي أَن يُؤَجل سنة أُخْرَى أَو شهرا أَو أَكثر لَا يَفْعَله
إِلَّا بِرِضَاهَا فَإِن رضيت ثمَّ رجعت فلهَا ذَلِك
وَإِن كَانَ الزَّوْج عنينا وَالْمَرْأَة رتقاء لم يكن لَهَا حق الْفرْقَة
لوُجُود الْمَانِع من قبلهَا وَتبين بِطَلْقَة يَعْنِي
(1/330)
تكون الْفرْقَة طَلْقَة بَائِنَة لِأَن فعل
القَاضِي أضيف إِلَى الزَّوْج فَكَأَنَّهُ طَلقهَا بِنَفسِهِ وَلها كل
الْمهْر إِن خلا بهَا لِأَن خلْوَة الْعنين صَحِيحَة وَتجب الْعدة
وَإِن اخْتلفَا أَي الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِي الْوُصُول إِلَيْهَا
وَكَانَت ثَيِّبًا أَو بكرا فَنظر النِّسَاء فَقُلْنَ ثيب حلف الزَّوْج
لِأَنَّهُ يُنكر حق الْفرْقَة فَإِن حلف بَطل حَقّهَا وَإِن نكل أَو قُلْنَ
بكر أجل سنة أُخْرَى لظُهُور كذبه
وَلَو أجل الْعنين سنة ثمَّ اخْتلفَا أَي قَالَ الزَّوْج جامعتها فِي
السّنة وَأنْكرت فالتقسيم هُنَا كَمَا مر والخصي كالعنين فِيهِ أَي فِي
التَّأْجِيل فِي السّنة وَفِي الْمَجْبُوب يفرق بَينهمَا فِي الْحَال
لِأَنَّهُ لافائدة فِي الِانْتِظَار بطلبها أَي بِطَلَب زَوجته
وَفِي الْقنية رجل لَهُ آلَة قَصِيرَة لَا يُمكنهُ ادخالها دَاخل الْفرج
لَيْسَ لزوجته حق الْمُطَالبَة بِالتَّفْرِيقِ وَلَا يتَخَيَّر أَحدهمَا
بِعَيْب الآخر يَعْنِي إِذا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عيب لَا خِيَار للزَّوْج
لِأَن الْمُسْتَحق بِالْعقدِ الْوَطْء والعيوب كالجذام وَغَيره لَا يفوت
الْمُسْتَحق بِالْعقدِ غير أَنَّهَا توجب نفرة الطَّبْع وَذَا لَا يُوجب
الرَّد كالقروح الْفَاحِشَة
وَإِذا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُون أَو جذام أَو برص فَلَا خِيَار لَهَا
لِأَن عدم الرِّضَا إِنَّمَا يُوجب الرَّد فِي عقد شَرط فِيهِ الرِّضَا
وَلُزُوم النِّكَاح لَا يعْتَمد تَمام الرِّضَا انْتهى الْجُمْلَة من شرح
الْوِقَايَة
نوع فِي الْعدة وَإِذا طلق الرجل امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا أَو رَجْعِيًا
أَو وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا بِغَيْر طَلَاق وَهِي حرَّة مِمَّن تحيض
فعدتها ثَلَاثَة أَقراء لقَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} والفرقة إِذا كَانَت بِغَيْر طَلَاق
فَهِيَ فِي حكم الطَّلَاق لِأَن الْعدة وَجَبت للتعريف عَن بَرَاءَة
الرَّحِم فِي الْفرْقَة الطارئة على النِّكَاح وَهَذَا يتَحَقَّق فِيهَا
والاقراء الْحيض عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الاطهار
وَإِن كَانَت لَا تحيض من صغر أَو كبر فعدتها ثَلَاثَة أشهر لقَوْله
تَعَالَى {واللائي يئسن من الْمَحِيض} الْآيَة وَفِي المنبع الاياس فِيهِ
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أَنه غير مُقَدّر بِمدَّة وَهُوَ ظَاهر
الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة مُقَدّر بِمدَّة قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله
فِي الروميات خمس وَخَمْسُونَ سنة وَفِي المولدات سِتُّونَ سنة لِأَن
الروميات أسْرع تكسرا وَعنهُ سَبْعُونَ سنة وَعَن أبي حنيفَة من خمس
وَخمسين سنة إِلَى سِتِّينَ سنة وَقَالَ ابْن الْمُبَارك وسُفْيَان
الثَّوْريّ وَابْن مقَاتل والزعفراني حد الاياس خَمْسُونَ سنة لما روى عَن
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت إِذا بلغت
الْمَرْأَة خمسين سنة لَا ترى قُرَّة عين أَي لَا تَلد وَهُوَ رِوَايَة
الْحسن وَبِه أَخذ النَّصْر بن يحيى وابو اللَّيْث وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَفِي الفتاوي الظهرية الْمُخْتَار فِي مُدَّة الاياس خمس وَخَمْسُونَ سنة
رُومِية كَانَت أَو تركية
وَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها أَن تضع حملهَا وَإِن كَانَت أمة فعدتها
حيضتان وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها شهر وَنصف وعدة الْحرَّة فِي
الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وعدة الْأمة شَهْرَان وَخَمْسَة
أَيَّام لِأَن الرّقّ منصف
وَفِي البزازي طَلقهَا ثَلَاثًا وَوَطئهَا فِي الْعدة مَعَ الْعلم
بِالْحُرْمَةِ لَا تسْتَأْنف الْعدة وتنقضي الْعدة بِثَلَاث حيض ويرجمان
إِذا علما بِالْحُرْمَةِ وَوجدت شَرَائِط الاحصان وَلَو كَانَ غَائِبا
فَطلق أَو مَاتَ فَمن وَقت الطَّلَاق أَو الْمَوْت وَإِن لم تعلم وللمعتدة
أَن تمتشط بالأسنان المفلوجة لَا بالطرف الآخر
(1/331)
نوع فِي ثُبُوت النّسَب والحضانة وَفِي
المنبع أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر بِإِجْمَاع الْعلمَاء سلفا وخلفا
لقَوْله تَعَالَى {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} جعل الله تَعَالَى
ثَلَاثِينَ شهرا مُدَّة الْحمل والفصال جَمِيعًا ثمَّ جعل الفصال وَهُوَ
الْفِطَام عَاميْنِ بقوله {وفصاله فِي عَاميْنِ} فيبقي الْحمل سِتَّة أشهر
وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَنْقُول عَن حبر الْأمة عبد الله بن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا وَقيل إِن عبد الْملك بن مَرْوَان ولد لسِتَّة أشهر
وَأما أَكثر مُدَّة الْحمل فقد اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ عُلَمَائِنَا رَضِي
الله عَنْهُمَا سنتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِي أَربع سِنِين وَهُوَ
الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك وَأحمد وَقَالَ عبَادَة بن العواد خمس سِنِين
وَقَالَ الزُّهْرِيّ سِتّ سِنِين وَقَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن سبع
سِنِين وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لَا حد لأقصاه
وَمن قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق فَتَزَوجهَا فَولدت ولدا
لسِتَّة أشهر من يَوْم تزَوجهَا فَهُوَ ابْنه وَعَلِيهِ الْمهْر وَيثبت
نسبه
ولد الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة إِذا جَاءَت بِهِ لِسنتَيْنِ أَو أَكثر يثبت
نسبه مالم يقر بِانْقِضَاء عدتهَا فَإِن جَاءَت بِهِ لأَقل من سنتَيْن
بَانَتْ من زَوجهَا لانقضاء الْعدة وَيثبت نسبه لوُجُود الْعلُوق بِهِ فِي
النِّكَاح أَو فِي الْعدة وَلَا يصير مراجعا لِأَنَّهُ يحْتَمل الْعلُوق
قبل الطَّلَاق وَيحْتَمل بعده فَلَا يصير مراجعا بِالشَّكِّ وَإِن جَاءَت
بِهِ لأكْثر من سنتَيْن كَانَت رَجْعِيَّة
والمبتوتة يثبت نسب وَلَدهَا إِذا جَاءَت بِهِ لأَقل من سنتَيْن وَإِن
جَاءَت بِهِ لتَمام سنتَيْن من وَقت الْفرْقَة لم يثبت لِأَن الْحمل حَادث
بعد الطَّلَاق
وَإِذا تزوج الرجل امْرَأَة فَجَاءَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم
تزَوجهَا لم يثبت نسبه لِأَن الْعلُوق سَابق على النِّكَاح فَلَا يكون
مِنْهُ فَإِن جحد الْولادَة يثبت بِشَهَادَة امْرَأَة أُخْرَى وَقيل يثبت
بِشَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة تشهد بِالْولادَةِ حَتَّى لَو نَفَاهُ
الزَّوْج يُلَاعن لِأَن النّسَب يثبت بالفراش الْقَائِم وَاللّعان إِنَّمَا
يجب بِالْقَذْفِ وَلَيْسَ من ضَرُورَته وجود الْوَلَد فَإِنَّهُ يَصح
بِدُونِهِ
فَإِن ولدت ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ الزَّوْج تَزَوَّجتك مُنْذُ أَرْبَعَة
أشهر وَقَالَت من مُنْذُ سِتَّة أشهر فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الظَّاهِر
شَاهد لَهَا لِأَنَّهَا تَلد ظَاهرا من نِكَاح لَا من سفاح وَلم يذكر
الِاسْتِحْلَاف وَهُوَ على الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة
المفصلة فِي المنبع فَلْتنْظرْ ثمَّة
وَفِي المنبع وَإِن تَصَادقا على أَنه تزَوجهَا من مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر
لم يثبت النّسَب مِنْهُ وَإِن قَامَت الْبَيِّنَة بعد التصادق على تزَوجه
اياها مُنْذُ سِتَّة أشهر قبلت قلت وَهَذَا الْجَواب صَحِيح مُسْتَقِيم
فِيمَا إِذا أَقَامَ الْوَلَد الْبَيِّنَة بعد مَا كبر أما إِذا كَانَ قيام
الْبَيِّنَة حَال صغر الْوَلَد فَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم
لَا تقبل الْبَيِّنَة مَا لم ينصب القَاضِي خصما عَن الصَّغِير لِأَن
النّسَب حق الصَّغِير فينصب عَنهُ خصما لتَكون الْبَيِّنَة قَائِمَة مِمَّن
هُوَ خصم وَقَالَ بَعضهم لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف فَالْقَاضِي
يسمع الْبَيِّنَة من غير أَن ينصب عَنهُ خصما بِنَاء على أَن الشَّهَادَة
على النّسَب تقبل حسبَة بِدُونِ الدَّعْوَى اه
وَمن قَالَ لامْرَأَته إِذا ولدت فَأَنت طَالِق فَشَهِدت امْرَأَة على
الْولادَة لم تطلق عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالا تطلق
لِأَن شهادتها حجَّة فِي ذَلِك وَإِن كَانَ الزَّوْج قد أقرّ بالحبل طلقت
من غير شَهَادَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا
يشْتَرط شَهَادَة الْقَابِلَة لِأَنَّهُ لَا بُد من حجَّة لدعواها الْحِنْث
وشهادتها حجَّة فِيهِ على مَا بَيناهُ
(1/332)
وَمن قَالَ لأمته إِن كَانَ فِي بَطْنك ولد
فَهُوَ مني فَشَهِدت على الْولادَة امْرَأَة فَهِيَ أم وَلَده وَمن قَالَ
لغلام هُوَ ابْني ثمَّ مَاتَ وَجَاءَت أم الْغُلَام وَقَالَت أَنا
امْرَأَته فَهِيَ امْرَأَته وَهُوَ ابْنه ويرثانه
وَفِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة رجل زنى بِامْرَأَة فعلقت مِنْهُ فَلَمَّا
تبين حملهَا تزَوجهَا الَّذِي زنى بهَا فَالنِّكَاح جَائِز فَإِن جَاءَت
بِولد بعد النِّكَاح لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا ثَبت النّسَب مِنْهُ وَإِن
جَاءَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر لَا يثبت النّسَب مِنْهُ إِلَّا أَن
يَقُول هَذَا الْوَلَد مني وَلم يقل من الزِّنَى انْتهى
الْحَضَانَة وَفِي المنبع أَحَق النِّسَاء بحضانة الْوَلَد الصَّغِير حَال
قيام النِّكَاح أَو بعد الْفرْقَة الْأُم إِلَّا أَن تكون مرتدة أَو فاجرة
غير مَأْمُونَة لما رُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن
امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا
رَسُول الله إِن ابْني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء وحجري لَهُ حَوَّاء
وثديي لَهُ سقاء وَزعم أَبوهُ أَنه يَنْزعهُ مني فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت أَحَق بِهِ مالم تنكحي رَوَاهُ ابو دَاوُد
وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ طلق جملَة بنت عَاصِم ابْن ثَابت بن أبي الأقلح فَتزوّجت
فَأخذ عمر ابْنه عَاصِمًا فَأَدْرَكته الشموس ابْنة أبي عَامر
الْأَنْصَارِيَّة وَهِي أم جميلَة فَأَخَذته فَتَرَافَعَا إِلَى أبي بكر
الصّديق رَضِي الله تَعَالَى وَأَنه حكم على عمر بن الْخطاب وَقضى بعاصم
لأمه وَقَالَ هِيَ أعطف وألطف وأرق وَأحب وأرحم وَفِي الْمَبْسُوط قَالَ
لَهُ أَبُو بكر رِيحهَا خير لَهُ من سمن وَعسل عنْدك يَا عمر فَدَعْهُ
عِنْدهَا حَتَّى يثبت
وَلِأَن الْأَطْفَال لما عجزوا عَن النّظر لأَنْفُسِهِمْ وَالْقِيَام
بحوائجهم جعل الشَّرْع الْولَايَة إِلَى من هُوَ مُشفق عَلَيْهِم فَجعل حق
التَّصَرُّف فِي الْأَمْوَال ثمَّ فِي الْعُقُود إِلَى الْآبَاء لقُوَّة
رَأْيهمْ مَعَ الشَّفَقَة وَالتَّصَرُّف يَسْتَدْعِي قُوَّة الرَّأْي وَجعل
حق الْحَضَانَة إِلَى الْأُمَّهَات لرفقهن فِي ذَلِك مَعَ الشَّفَقَة
وقدرتهن على ذَلِك بِلُزُوم الْبيُوت وَالظَّاهِر أَن الْأُم أرْفق وأشفق
على الْوَلَد من الْأَب فتتحمل من المشاق مَالا يتحمله الْأَب انْتهى وَفِي
الْهِدَايَة وَلَا تجبر الْأُم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَسى أَن تعجز عَن
الْحَضَانَة فَإِن لم تكن أم فَأم الْأُم أولى وَإِن بَعدت لِأَن هَذِه
الْولَايَة تستفاد من قبل الْأُمَّهَات فَإِن لم تكن فَأم الْأَب أولى من
الْأَخَوَات لِأَنَّهَا من الْأُمَّهَات فَإِن لم تكن جدة فالأخوات أولى من
العمات والخالات لِأَنَّهُنَّ بَنَات الْأَبَوَيْنِ وَفِي رِوَايَة
الْخَالَة أولى من الْأُخْت لأَب وَتقدم الْأُخْت لأَب وَأم على الْأُخْت
لأَب لِأَنَّهَا أشْفق ثمَّ الْأُخْت من الْأُم ثمَّ الْأُخْت من الْأَب
ثمَّ قرَابَة الْأُم ثمَّ العمات وكل من تزوجت من هَؤُلَاءِ سقط حَقّهَا
الا الْجدّة إِذا كَانَ زَوجهَا الْجد لِأَنَّهُ قَامَ مقَام أَبِيه
وَكَذَا كل زوج هُوَ ذُو رحم محرم مِنْهُ لقِيَام الشَّفَقَة نظرا إِلَى
الْقَرَابَة الْقَرِيبَة وَمن سقط حَقّهَا بِالتَّزْوِيجِ يعود إِذا
ارْتَفَعت الزَّوْجِيَّة لِأَن الْمَانِع قد زَالَ
وَإِن لم يكن للصَّبِيّ امْرَأَة من أَهله واختصم فِيهِ الرِّجَال فأولاهم
بِهِ أقربهم تعصيبا لِأَن الْولَايَة للأقرب وَقد عرف التَّرْتِيب فِي
مَوْضِعه غير أَن الصَّغِيرَة لَا تدفع إِلَى عصبَة غير محرم كمولى
الْعتَاقَة وَابْن الْعم تَحَرُّزًا عَن الْفِتْنَة وَالأُم وَالْجدّة
أَحَق بالغلام حَتَّى يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويلبس وَحده ويستنجي
وَحده وَفِي الْجَامِع الصَّغِير حَتَّى يَسْتَغْنِي وَإِذا اسْتغنى
يحْتَاج إِلَى التَّأْدِيب والتخلق بآداب الرِّجَال وأخلاقهم وَالْأَب أقدر
على التَّأْدِيب والتثقيف والخصاف قدر الِاسْتِغْنَاء بِسبع سِنِين
اعْتِبَارا بالغالب
(1/333)
وَالأُم وَالْجدّة أَحَق بالجارية حَتَّى
تحيض لِأَن بعد الِاسْتِغْنَاء تحْتَاج إِلَى معرفَة آدَاب النِّسَاء
وَالْمَرْأَة على ذَلِك أقدر وَبعد الْبلُوغ تحْتَاج إِلَى التحصين
وَالْحِفْظ وَالْأَب فِيهِ أقوى وَأهْدى وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله
تَعَالَى أَنَّهَا تدفع إِلَى الْأَب إِذا بلغت حد الشَّهْوَة لِأَنَّهُ
تحققت الْحَاجة إِلَى الصيانة وَمن سوى الْأُم وَالْجدّة أَحَق بالجارية
حَتَّى تبلغ حدا تشْتَهي فِيهِ وَفِي الْجَامِع الصَّغِير حَتَّى
تَسْتَغْنِي
وَالْأمة إِذا أعْتقهَا مَوْلَاهَا وَأم الْوَلَد إِذا عتقت كَالْحرَّةِ
فِي حق الْوَلَد وَلَيْسَ لَهما قبل الْعتْق حق فِي الْوَلَد والذمية أَحَق
بِوَلَدِهَا الْمُسلم مالم يعقل الْأَدْيَان وَيخَاف عَلَيْهِ أَن يألف
الْكفْر للنَّظَر قبل ذَلِك وَاحْتِمَال الضَّرَر بعده وَلَا خِيَار للغلام
وَالْجَارِيَة عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَهما الْخِيَار لِأَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيره وَلنَا أَنه لقُصُور عقله يخْتَار من عِنْده
الدعة لتخليته بَينه وَبَين اللّعب فَلَا يتَحَقَّق النّظر وَقد صَحَّ أَن
الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم مَا خيروا
وَإِذا أَرَادَت الْمُطلقَة أَن تخرج بِوَلَدِهَا من الْمصر فَلَيْسَ لَهَا
ذَلِك لما فِيهِ من الْإِضْرَار بِالْأَبِ إِلَّا أَن تخرج بِهِ إِلَى
وطنها وَقد كَانَ الْأَب تزَوجهَا فِيهِ لِأَنَّهُ الْتزم الْمقَام فِيهِ
عرفا وَشرعا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تأهل ببلدة فَهُوَ مِنْهُم
وَلِهَذَا يصير الْحَرْبِيّ بِهِ ذِمِّيا وَإِذا أَرَادَت الْخُرُوج بِهِ
إِلَى مصر غير وطنها وَقد كَانَ التَّزَوُّج فِيهِ أَشَارَ صَاحب
الْهِدَايَة إِلَى أَنه لَيْسَ لَهَا ذَلِك وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير
أَن لَهَا ذَلِك وَالْأول أصح هَذَا إِذا كَانَت الْمسَافَة بَين البلدين
بعيدَة وَأما إِذا كَانَت قريبَة بِحَيْثُ يقدر الْأَب أَن يزور الْوَلَد
وَيعود إِلَى منزله قبل اللَّيْل فلهَا ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يلْحق الْأَب
ضَرَر كثير بِالنَّقْلِ كالنقل إِلَى أَطْرَاف الْبَلَد
وَأما أهل السوَاد فَالْحكم فِي السوَاد كَالْحكمِ فِي الْمصر فِي جَمِيع
الْفُصُول الا فِي فصل وَاحِد وَبَيَانه أَن النِّكَاح إِذا وَقع فِي
الرستاق فَأَرَادَتْ الْمَرْأَة أَن تنقل وَلَدهَا إِلَى قريتها فَإِن
كَانَ النِّكَاح وَقع فِيهَا فلهَا ذَلِك كَمَا فِي الْمصر وَإِن وَقع فِي
غَيرهَا فَلَيْسَ لَهَا أَن تنقل وَلَدهَا إِلَى قريتها وَلَا إِلَى
الْقرْيَة الَّتِي وَقع النِّكَاح فِيهَا إِذا كَانَت بعيدَة كَمَا فِي
الْمصر وَإِذا كَانَت على التَّفْسِير الَّذِي ذَكرْنَاهُ فلهَا ذَلِك
كَمَا فِي الْمصر
وَإِن كَانَ الْأَب مستوطنا فِي الْمصر وأرادت نقل الْوَلَد إِلَى
الْقرْيَة فَإِن كَانَ تزَوجهَا فِيهَا وَهِي قريتها فلهَا ذَلِك وَإِن
كَانَت بعيدَة عَن الْمصر لما ذَكرْنَاهُ فِي الْمصر وَإِن لم تكن قريتها
فَإِن كَانَت قريبَة وَوَقع أصل النِّكَاح فِيهَا فلهَا ذَلِك كَمَا فِي
الْمصر وَإِن لم يَقع النِّكَاح فِيهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك وَإِن كَانَت
قريبَة من الْمصر بِخِلَاف المصريين لِأَن أَخْلَاق أهل السوَاد لَا تكون
مثل أَخْلَاق أهل الْمصر بل تكون أجفى فيتخلق الصَّبِي بأخلاقهم فيتضرر
بِهِ لوم يُوجد من الْأَب دَلِيل الرِّضَا بِهَذَا الضَّرَر إِذا لم يَقع
أصل النِّكَاح فِي الْقرْيَة
وَلَيْسَ للْمَرْأَة أَيْضا أَن تنْتَقل بِوَلَدِهَا إِلَى دَار الْحَرْب
وَإِن كَانَ قد تزَوجهَا هُنَاكَ وَكَانَت حربية بعد أَن يكون زَوجهَا
مُسلما أَو ذِمِّيا وَإِن كَانَ كِلَاهُمَا حربيين فلهَا ذَلِك بِأَن
كَانَا مستأمنين لِأَن الصَّبِي تبع لَهما وهما من أهل دَار الْحَرْب كَذَا
فِي المنبع
وَفِيه أَيْضا إِذا أَرَادَ أحد الْأَبَوَيْنِ السّفر غير سفر وَإِقَامَة
فَالْوَلَد يكون عِنْد الْمُقِيم مِنْهُمَا حَتَّى يعود من سَفَره وَإِذا
مرض أحد الْأَبَوَيْنِ لَا يمْنَع الصَّغِير من عيادته وحضوره عِنْد مَوته
وَالذكر وَالْأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء وَإِن مرض الصَّغِير عِنْد الْأَب
فالأم أَحَق بتمريضه فِي بَيتهَا انْتهى
نوع فِي النَّفَقَة النَّفَقَة وَاجِبَة للزَّوْجَة على زَوجهَا مسلمة
كَانَت أَو كَافِرَة إِذا سلمت نَفسهَا
(1/334)
فِي منزله فَعَلَيهِ نَفَقَتهَا وكسوتها
وسكناها وَيعْتَبر فِي ذَلِك حَالهمَا جَمِيعًا قَالَ صَاحب الْهِدَايَة
وَهَذَا اخْتِيَار الْخصاف وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَتَفْسِيره أَنَّهُمَا إِن كَانَا موسرين تجب نَفَقَة الْيَسَار وَإِن
كَانَا معسرين تجب نَفَقَة الْإِعْسَار وَإِن كَانَ مُعسرا وَهِي موسرة
فنفقة الاعسار وَإِن كَانَت معسرة وَالزَّوْج مُوسر فنفقتها دون نَفَقَة
الموسرات وَفَوق نَفَقَة المعسرات وَقَالَ الْكَرْخِي يعْتَبر حَال
الزَّوْج وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَإِن امْتنعت من تَسْلِيم نَفسهَا حَتَّى يُعْطِيهَا مهرهَا فلهَا
النَّفَقَة وَإِن نشزت فَلَا نَفَقَة لَهَا حَتَّى تعود إِلَى منزله وَإِن
كَانَت صَغِيرَة لَا يسْتَمْتع بهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن سلمت
إِلَيْهِ نَفسهَا وَإِن كَانَ الزَّوْج صَغِيرا لَا يقدر على الْجِمَاع
وَهِي كَبِيرَة فلهَا النَّفَقَة فِي مَاله
وَفِي المنبع وَلَو كَانَا صغيرين لَا يطيقان الْجِمَاع أَو كَانَ مجبوب
تزوج صَغِيرَة لَا تجامع لَا نَفَقَة لَهَا لِأَن الْمَنْع لِمَعْنى من
جِهَتهَا وَإِذا حبست الْمَرْأَة فِي دين فَلَا نَفَقَة لَهَا قَالَ الحسام
الشَّهِيد رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا إِذا كَانَ الْحَبْس من قبل
الْمَرْأَة وَإِن كَانَ الْحَبْس من قبله فَعَلَيهِ النَّفَقَة وَكَذَا
إِذا غصبهَا رجل كرها فَذهب بهَا وَعَن أبي يُوسُف أَن لَهَا النَّفَقَة
وَالْفَتْوَى على الأول وَكَذَا إِذا حجت مَعَ محرم لِأَن فَوت الاحتباس
مِنْهَا وَعَن أبي يُوسُف أَيْضا أَن لَهَا النَّفَقَة وَلَكِن يجب
عَلَيْهِ نَفَقَة الْحَضَر دون السّفر وَلَو سَافر مَعهَا الزَّوْج تجب
النَّفَقَة بالاجماع لِأَن الاحتباس قَائِم لقِيَامه عَلَيْهَا وَتجب
نَفَقَة الْحَضَر دون السّفر وَلَا يجب الْكِرَاء وَإِن مَرضا فِي منزل
الزَّوْج فلهَا النَّفَقَة وَالْقِيَاس أَن لَا نَفَقَة لَهَا إِذا كَانَ
مَرضا يمْنَع من الْجِمَاع وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنَّهَا إِذا
سلمت نَفسهَا ثمَّ مَرضت تجب النَّفَقَة لتحَقّق التَّسْلِيم كَذَا فِي
الْهِدَايَة
وَفِي البزازي إِذا كَانَ الزَّوْج ذَا طَعَام ومائدة تتمكن من الْأكل
كفايتها لَيْسَ لَهَا الْمُطَالبَة بِفَرْض النَّفَقَة وَإِن لم يكن فيفرض
لَهَا إِذا طلبت النَّفَقَة
وَالْكِسْوَة مَا يصلح للنِّسَاء فِي الشتَاء والصيف فبقاء النَّفس
بالمأكول والملبوس وَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات والأمكنة
وَالزَّوْج هُوَ الَّذِي يَلِي الانفاق الا إِذا ظهر مطله فَحِينَئِذٍ
يفْرض القاصي النَّفَقَة ويأمره أَن يُعْطِيهَا مَا تنفقه على نَفسهَا نظرا
إِلَيْهَا فَإِن أَبى حَبسه
وَذكر الحسام الشَّهِيد فِي شَرحه على أدب الْقَضَاء وَإِذا فرض لَهَا
نَفَقَة يُعْطِيهَا فِي كل شهر بِقدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ على قدر طَاقَة
الرجل على قدر يسره وعسره فَينْظر إِلَى قدر مَا يكفيها من الدَّقِيق
والأدم والدهن وحوائج الْمَرْأَة الَّتِي تكون لمثلهَا فَيقوم ذَلِك
بِدَرَاهِم ويفرض عَلَيْهِ ذَلِك فِي كل شهر ويأمره القَاضِي بِدفع ذَلِك
إِلَيْهَا
وَذكر عَن شريك رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ شاهدت ابْن أبي ليلى حِين فرض
على لَيْث بن أبي سليم لامْرَأَته سِتَّة دَرَاهِم ولخادمها ثَلَاثَة
دَرَاهِم فِي الشَّهْر قلت وَهَذَا يدل على أَن نَفَقَة الْخَادِم دون
نَفَقَة الْمَرْأَة وَالله أعلم وَلَا تسْقط وتؤمر بالاستدانة حَتَّى ترجع
عَلَيْهِ بِالثّمن وتحيل البَائِع على الزَّوْج بِلَا رِضَاهُ وَإِن طلبت
نَفَقَة كل يَوْم كَانَ لَهَا ذَلِك عِنْد الْمسَاء وَفِي الْمجمع وَيقبل
قَوْله فِي اعساره عَنْهَا أَي عَن النَّفَقَة وَهَكَذَا ذكر الْخصاف لِأَن
الْعسر أصل واليسار طَارِئ وَالْقَوْل قَول من يتَمَسَّك بالاصل وَذكر
مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الزِّيَادَات أَن القَوْل قَول
الْمَرْأَة مَعَ يَمِينهَا لِأَن الْإِقْدَام على الدُّخُول بهَا
(1/335)
وَالْعقد عَلَيْهَا دَلِيل على الْيَسَار
وَمِنْهُم من ينظر إِلَى زِيّ الْمَطْلُوب وَإِن قَامَت الْبَيِّنَة فَلَا
يَخْلُو فَإِن قَامَت من جِهَتهَا على الْيَسَار قبلت بينتها وَإِن قَامَت
الْبَيِّنَة من جِهَته على الْإِعْسَار فِيهِ رِوَايَتَانِ
وَفِي الْمُحِيط وَهل تسمع الْبَيِّنَة على الْإِعْسَار قبل الْحَبْس فِيهِ
رِوَايَتَانِ على مَا مر فِي فصل الْقَضَاء وَإِن أَقَامَا جَمِيعًا
الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بينتها مثبتة وَبَيِّنَة الزَّوْج لَا تثبت
شَيْئا فَالْحَاصِل أَن القَوْل قَوْله وَالْبَيِّنَة بينتها
وَلَو أخبر القَاضِي عَدْلَانِ أَنه مُوسر يقبل وَلَو لم يتلفظا
بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا شَبيهَة بالصلة فَكَانَت حسبَة من وَجه
وَلَيْسَت من حُقُوق الْعباد الْمَحْضَة فشرطنا فِيهَا الْعدَد دون لفظ
الشَّهَادَة كَمَا فِي أُمُور الدّين المترددة بَين حق الله تَعَالَى وَحقّ
الْعباد وَإِن قَالَا سمعنَا أَنه مُوسر لَا تقبل لِأَنَّهُمَا قد يسمعان
الْكَذِب كَمَا يسمعان الصدْق فَلَا يحصل لَهما الْعلم بالمشهود بِهِ هَذَا
مِمَّا يطلع عَلَيْهِ الشُّهُود فَلَا يُؤْخَذ فِيهِ بالاستفاضة والشهرة
وتفرض نَفَقَة الْخَادِم لَكِن لَا تبلغ نَفَقَة المخدومة بل بِقدر
الْكِفَايَة كَمَا يفْرض على الزَّوْج الْمُعسر بِقدر الْكِفَايَة وَفِي
المنبع الْمَرْأَة إِذا كَانَت من بَنَات الْأَشْرَاف وَلها خدم يجْبر
الزَّوْج على نَفَقَة خادمين وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى
أَنَّهَا إِذا كَانَت فائقة بنت فائق زفت إِلَى زَوجهَا مَعَ جوَار
كَثِيرَة اسْتحقَّت نَفَقَة الخدم كلهم وَبِه أَخذ الطَّحَاوِيّ رَحمَه
الله تَعَالَى وَإِن قَالَ لامْرَأَته لَا أنْفق على أحد من خدمك وَلَكِن
أعطي خَادِمًا من خدمي ليخدمك فَأَبت يجْبر على نَفَقَة خَادِم من خدامها
فَرُبمَا لَا يتهيأ لَهَا اسْتِخْدَام خدمه وَإِن لم يكن لَهَا خَادِم لَا
يفْرض لَهَا نَفَقَة الْخَادِم فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَهَذَا كُله إِذا
كَانَ الزَّوْج مُوسِرًا فَإِن كَانَ الزَّوْج مُعسرا لَا يفْرض عَلَيْهِ
نَفَقَة الْخَادِم فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله
تَعَالَى وَإِن كَانَ لَهَا خَادِم خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة النَّفَقَة الْوَاجِبَة الْمَأْكُول والملبوس
والمسكن أما الْمَأْكُول فالدقيق وَالْمَاء وَالْملح والحطب والدهن فَإِن
قَالَت لَا أطبخ وَلَا أخبز يُفْتِي بِأَن تطبخ وتخبز وَلكنهَا لَا تجبر
على ذَلِك إِن أَبَت وَيجب على الزَّوْج أَن يَأْتِيهَا بِطَعَام مُهَيَّأ
وَلَو اسْتَأْجرهَا للطبخ وَالْخبْز لم يجز وَلَا يجوز لَهَا أَخذ الاجرة
على ذَلِك لِأَنَّهَا لَو أخذت الاجرة على ذَلِك لأخذتها على عمل وَاجِب
عَلَيْهَا فِي الْفَتْوَى فَكَانَ فِي معنى الرِّشْوَة والرشوة حرَام وَذكر
الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّمَا يجب على الزَّوْج
أَن يَأْتِيهَا بِطَعَام مُهَيَّأ إِذا كَانَت من بَنَات الْأَشْرَاف وَلَا
تخْدم نَفسهَا فِي أَهلهَا أَو لم تكن من بَنَات الْأَشْرَاف لَكِن بهَا
عِلّة تمنعها عَن الطَّبْخ وَالْخبْز أما إِذا لم تكن كَذَلِك فَلَا يجب
على الزَّوْج أَن يَأْتِيهَا بِطَعَام مُهَيَّأ
وَفِي البزازي الزَّوْج إِذا كَانَ من المحترفة يفْرض عَلَيْهِ نَفَقَة كل
يَوْم لِأَنَّهُ لَا يقدر على الزِّيَادَة وَإِن كَانَ من التُّجَّار فشهر
وَإِن كَانَ من المزارعين فَسنة فَينْظر إِلَى مَا هُوَ أيسر عَلَيْهِ
ويفرض الإدام وَأَعلاهُ اللَّحْم وأوسطه الزَّيْت وَأَدْنَاهُ اللَّبن
وَقيل الادام يفْرض بِخبْز الشّعير وَلَا تفرض الْفَاكِهَة وَلم يذكر
الْخُف والإزار فِي كسْوَة الْمَرْأَة وذكرهما فِي كسْوَة الْخَادِم
وَذَلِكَ فِي دِيَارهمْ بِحكم الْعرف وَفِي دِيَارنَا يفْرض الْإِزَار
والمكعب وَمَا تنام عَلَيْهِ وَلَا يجب عَلَيْهِ الملاءة والخف وَفِي
الشُّرُوح لَا يجب عَلَيْهِ خفها لِأَنَّهَا منهية عَن الْخُرُوج بِخِلَاف
خف أمتها
الْحَطب والصابون والأشنان عَلَيْهِ وَمَاء الْوضُوء عَلَيْهَا إِن كَانَت
غنية وَإِن كَانَت فقيرة لَا إِمَّا أَن ينْقل الزَّوْج إِلَيْهَا أَو
يَدعهَا تنقل بِنَفسِهَا وَإِن كَانَت غنية تستأجر من ينْقل وَلَا تنقل
بِنَفسِهَا وَثمن مَاء الِاغْتِسَال عَلَيْهِ غنية كَانَت أَو فقيرة وَفِي
الْخُلَاصَة جعله عَلَيْهَا إِن طهرت من حَيْضهَا وأيامها عشرَة فَإِن
كَانَت أقل من عشرَة فَحِينَئِذٍ تكون على الزَّوْج وَكَذَا لَو كَانَ
الْغسْل عَن الْجَنَابَة وَأُجْرَة الْقَابِلَة عَلَيْهَا
(1/336)
إِن استأجرتها وَلَو اسْتَأْجرهَا الزَّوْج
فَعَلَيهِ وَإِن حضرت بِلَا اجارة فلقائل أَن يَقُول على الزَّوْج
لِأَنَّهُ من مُؤنَة الْوَطْء وَلقَائِل أَن يَقُول على الْمَرْأَة
لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة أُجْرَة الطَّبِيب
للزَّوْجَة طلب النَّفَقَة من الزَّوْج قبل الزفاف إِذا لم يُطَالب
الزَّوْج بالزفاف وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَكَذَا لَو منعت نَفسهَا بِحَق
وَفِي شرح آدَاب الْقَضَاء للحسام الشَّهِيد ويفرض القَاضِي الْكسْوَة على
الزَّوْج للْمَرْأَة إِن كَانَ فَقِيرا قَمِيصًا ومقنعة وَمِلْحَفَة على
قدر مَا يحْتَملهُ مثله وَإِن كَانَ مُوسِرًا فرض لَهَا أَجود من ذَلِك
مِمَّا يحْتَملهُ مثله أَيْضا لِأَن الْكسْوَة مثل النَّفَقَة ثمَّ فِي
النَّفَقَة يعْتَبر حَالهمَا وَقيل حَال الزَّوْج وَهُوَ اخْتِيَار
الْكَرْخِي وَقد مر ذَلِك قَرِيبا قلت وَهَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا تَأتي
على قَول الْكَرْخِي وَالله أعلم قَالَ وَهَذَا لَهَا فِي الصَّيف وَأما
فِي الشتَاء فَإِنَّهُ يفْرض لَهَا مَعَ ذَلِك جُبَّة وَسَرَاويل وَلم يذكر
الْخصاف فِي جملَة كسْوَة الصَّيف السَّرَاوِيل وَذكره فِي جملَة كسْوَة
الشتَاء وَهَذَا فِي عرف دِيَارهمْ بالعراق فَإِنَّهُم لَا يتمكنون من لبس
السَّرَاوِيل لشدَّة الْحر فِي زمَان الصَّيف ويتمكنون مِنْهُ فِي زمَان
الشتَاء وَأما فِي عرف دِيَارنَا فَإِن القَاضِي يقْضِي لَهَا بالسراويل
وبثياب الْحر وَبِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي الشتَاء قَالَ وَإِن طلبت لحافا
فِي الشتَاء أَو قطيفة إِن لم يحْتَمل لحافا وَطلبت فراشا تنام عَلَيْهِ
ألزمهُ القَاضِي من ذَلِك مَا يلْزم مثله لِأَن النّوم على الأَرْض رُبمَا
يؤذيها ويمرضها وَهُوَ مَنْهِيّ عَن الحاق الضَّرَر والأذى بهَا
وَفِي المنبع ويفرض لَهَا الْكسْوَة كل سِتَّة أشهر مرّة لتجدد الْحَاجة
إِلَيْهَا فِي كل حر وَبرد وَفِي الذَّخِيرَة وَلَو وفرت كسوتها وَكَانَت
تلبسها يَوْمًا دون يَوْم يفْرض لَهَا كسْوَة أُخْرَى وَكَذَا النَّفَقَة
وَلَو ضَاعَت الْكسْوَة وَالنَّفقَة أَو سرقت لم يجدد غَيرهمَا حَتَّى
يمْضِي الْفَصْل بِخِلَاف الْمحرم إِذا فرض لَهَا النَّفَقَة ثمَّ سرقت
فلهَا نَفَقَة أُخْرَى وَالْفرق أَن نَفَقَة الْمَحَارِم مقدرَة
بِالْحَاجةِ وَالْحَاجة بعد ضيَاع النَّفَقَة قَائِمَة بَاقِيَة بِخِلَاف
الزَّوْجَة وَلِهَذَا لَا يفْرض للمحارم مَعَ غناهم بِخِلَاف الزَّوْجَة
فَإِنَّهَا لَا تجب بِسَبَب الْحَاجة بل لاحتباسها بِالزَّوْجِ فَتكون
كالأجرة وَلِهَذَا تجب وَإِن كَانَت موسرة فَجَاز أَن لَا تفرض وَإِن بقيت
الْحَاجة
وَفِي البزازي فرض لَهَا الْكسْوَة فتخرقت قبل نصف الْعَام إِن لبست لبسا
مُعْتَادا أَو علم أَن ذَا لم يكفها فيجدد لَهَا الْكسْوَة لِأَنَّهُ تبين
خَطؤُهُ فِي التَّقْدِير وَإِن تخرقت بخرق اسْتِعْمَالهَا لَا يفْرض
أُخْرَى وَمُدَّة كسْوَة الصّبيان أَرْبَعَة اشهر
رجل دفع إِلَى زَوجته دَرَاهِم الْكسْوَة لَهُ أَن يجبرها على شِرَاء
الْكسْوَة لِأَن الزِّينَة حَقه وَأفْتى بَعضهم بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ
ذَلِك لِأَن الدَّرَاهِم صَارَت حَقًا لَهَا فتعمل بهَا مَا شَاءَت
وَفِي الْهِدَايَة وَمن أعْسر بِنَفَقَة امْرَأَته لم يفرق بَينهمَا
وَيُقَال لَهَا استديني عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
يفرق بَينهمَا وَإِذا قضى لَهَا بِنَفَقَة الاعسار ثمَّ أيسر فَخَاصَمته
تمم لَهَا نَفَقَة الْمُوسر وَإِذا مَضَت مُدَّة لم ينْفق الزَّوْج
عَلَيْهَا وطالبته بذلك فَلَا شَيْء لَهَا إِلَّا أَن يكون القَاضِي فرض
لَهَا النَّفَقَة أَو صالحت الزَّوْج على مقدارها فَيَقْضِي لَهَا
بِنَفَقَة مَا مضى
وَإِذا مَاتَ الزَّوْج بعد مَا قضى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَمَضَت شهور
سَقَطت النَّفَقَة وَكَذَا إِذا مَاتَت الزَّوْجَة لِأَن النَّفَقَة صلَة
والصلة تسْقط بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تبطل بِالْمَوْتِ قبل الْقَبْض وَفِي
الْوَلْوَالجيّ قَالَ أَبُو يُوسُف يجْبر الزَّوْج على كفن زَوجته
وَالْأَصْل فِيهِ أَن من يجْبر على نَفَقَته فِي حَال حَيَاته يجْبر على
كَفنه بعد مَوته
(1/337)
كذوي الْأَرْحَام وَالْعَبْد مَعَ الْمولى
وَالزَّوْج مَعَ الزَّوْجَة وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجْبر الزَّوْج على كفنها
وَالصَّحِيح قَول أبي يُوسُف وَأَجْمعُوا على أَن من لَا يجْبر على
نَفَقَته فِي حَال حَيَاته لَا يجْبر على تكفينه بعد مَوته كأولاد
الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات
وَإِن أسلفها نَفَقَة السّنة أَي عجلها ثمَّ مَاتَ قبل تَمام السّنة لم
يسترجع مِنْهَا شَيْء وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله
تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله يحْتَسب لَهَا بِنَفَقَة مَا مضى
وَمَا بَقِي للزَّوْج وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وعَلى
هَذَا الْخلاف الْكسْوَة
وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّهَا إِذا قبضت نَفَقَة الشَّهْر
أَو مادونه لَا يسترجع مِنْهَا شَيْء لِأَنَّهَا يسير فَصَارَ فِي حكم
الْحَال
وَإِذا تزوج العَبْد حرَّة فنفقتها دين عَلَيْهِ يُبَاع فِيهَا وَمَعْنَاهُ
إِذا تزوج باذن الْمولى لانه دين وَجب فِي ذمَّته لوُجُود سَببه وَقد ظهر
وُجُوبه فِي حق الْمولى فَيتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ كَدين التِّجَارَة فِي حق
العَبْد التَّاجِر وَله أَن يفْدِيه لِأَن حَقّهَا فِي النَّفَقَة لَا فِي
عين الرَّقَبَة فَلَو مَاتَ العَبْد سَقَطت وَكَذَا إِذا قتل فِي الصَّحِيح
لِأَنَّهُ صلَة
وَإِذا تزوج الْحر أمة فبوأها مَوْلَاهَا مَعَه منزلا فَعَلَيهِ النَّفَقَة
لِأَنَّهُ تحقق الاحتباس وَإِن لم يبوئها فَلَا نَفَقَة لَهَا لعدم
الاحتباس والتبوئة أَن يخلي بَينهَا وَبَينه فِي منزله وَلَا يستخدمها
وَلَو استخدمها بعد التبوئة سَقَطت النَّفَقَة لِأَنَّهُ فَاتَ الاحتباس
وعَلى الزَّوْج أَن يسكنهَا فِي دَار مُفْردَة لَيْسَ فِيهَا أحد من أَهله
إِلَّا أَن تخْتَار ذَلِك لِأَن السُّكْنَى من كفايتها فَتجب لَهَا
كَالنَّفَقَةِ وَإِذا وَجَبت حَقًا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يُشْرك غَيرهَا
فِيهِ لِأَنَّهَا تتضرر بِهِ فَإِنَّهَا لَا تأمن على متاعها ويمنعها ذَلِك
من المعاشرة مَعَ زَوجهَا وَمن الِاسْتِمْتَاع إِلَّا أَن تخْتَار ذَلِك
لِأَنَّهَا رضيت بِإِسْقَاط حَقّهَا وَإِن كَانَ لَهُ ولد من غَيرهَا
فَلَيْسَ لَهُ أَن يسكنهُ مَعهَا وَلَو أسكنها فِي بَيت مُفْرد من دَار
لَهَا غلق كفاها لِأَن الْمَقْصُود قد حصل وَله أَن يمْنَع والديها
وَوَلدهَا من غَيره وَأَهْلهَا من الدُّخُول عَلَيْهَا وَلَا يمنعهُم من
النّظر إِلَيْهَا وكلامها فِي أَي وَقت اخْتَارُوا لما فِيهِ من قطيعة
الرَّحِم وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك ضَرَر وَقيل لَا يمنعهُم من
الدُّخُول وَالْكَلَام ويمنعهم من الْقَرار لِأَن الْفِتْنَة فِي اللّّبْث
وَتَطْوِيل الْكَلَام وَقيل لَا يمْنَعهَا من الْخُرُوج إِلَى الْوَالِدين
وَلَا يمنعهما من الدُّخُول عَلَيْهَا فِي كل جُمُعَة وَفِي غَيرهمَا من
الْمَحَارِم التَّقْدِير بِسنة وَهُوَ الصَّحِيح
وَفِي الْمُحِيط امْرَأَة لَهَا أَب زمن وَلَيْسَ لَهُ من يقوم عَلَيْهِ
غير الْبِنْت ومنعها الزَّوْج من تعهده جَازَ أَن تَعْصِي زَوجهَا وتطيع
اباها مُؤمنا كَانَ الْأَب أَو كَافِرًا لِأَن الْقيام عَلَيْهِ فرض
عَلَيْهَا فِي هَذِه الْحَالة
وَفِي الْوَلْوَالجيّ امرأت أَبَت أَن تسكن مَعَ ضَرَّتهَا أَو مَعَ أقراب
زَوجهَا من أمه أَو غَيرهَا فَإِن كَانَ فِي الدَّار بيُوت وَفرغ لَهَا
بَيْتا مِنْهَا وَجعل لبيتها غلقا على حِدة لم يكن لَهَا أَن تطلب من
الزَّوْج بَيْتا على حِدة وَإِن لم يكن فِيهَا الا بَيت وَاحِد كَانَ لَهَا
الْمُطَالبَة بِبَيْت آخر لِأَنَّهُ يكره أَن يُجَامِعهَا وَمَعَهُ أحد فِي
الْبَيْت وَلِهَذَا قَالُوا لَو جَامعهَا وَهُنَاكَ نَائِم أَو صبي أَو
مَجْنُون أَو مغمى عَلَيْهِ يكره وَلِهَذَا لَو أَخذ بيد جَارِيَته وأدخلها
فِي بَيت وأغلق الْبَاب وَالنَّاس يعلمُونَ أَنه يُرِيد جِمَاعهَا يكره
وَلِهَذَا كره أهل بُخَارى النّوم على السطوح من غير حصن
(1/338)
امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا لَا أسكن مَعَ
أمتك وأرادت بَيْتا آخر لَيْسَ لَهَا ذَلِك لِأَن الْأمة بِمَنْزِلَة
مَتَاع الْبَيْت ودوابه وَكَذَا لَو قَالَت لَا أسكن مَعَ أم ولدك اه
وَإِذا غَابَ الرجل وَله مَال فِي يَد رجل معترف بِهِ وبالزوجية فرض
القَاضِي فِي ذَلِك المَال نَفَقَة لزوجته أَي زَوْجَة الْغَائِب وحشمه
وَأَوْلَاده الصغار ووالديه وَكَذَا إِذا علم القَاضِي ذَلِك وَلم يعْتَرف
بِهِ لِأَنَّهُ لما أقرّ بِالزَّوْجِيَّةِ والوديعة فقد أقرّ أَن حق
الْأَخْذ لَهَا لِأَن لَهَا أَن تَأْخُذ من مَال الزَّوْج حَقّهَا من غير
رِضَاهُ وَإِقْرَار صَاحب المَال مَقْبُول فِي حق نَفسه لَا سِيمَا
هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَو أنكر أحد الْأَمريْنِ لَا تقبل بَيِّنَة الْمَرْأَة
فِيهِ لِأَن الْمُودع لَيْسَ بخصم فِي حق إِثْبَات الزَّوْجِيَّة عَلَيْهِ
وَلَا الْمَرْأَة خصم فِي إِثْبَات حُقُوق الْغَائِب وَإِذا ثَبت فِي حَقه
تعدِي إِلَى الْغَائِب وَكَذَا إِذا كَانَ كَانَ المَال فِي يَد مضاربه
وَكَذَا الْجَواب فِي الدّين وَهَذَا كُله إِذا كَانَ المَال من جنس
حَقّهَا دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو طَعَاما أَو كسْوَة من جنس حَقّهَا أما
إِذا كَانَ من خلاف جنسه فَلَا تفرض النَّفَقَة فِيهِ لِأَنَّهُ يحْتَاج
إِلَى البيع
وَلَا يُبَاع مَال الْغَائِب بالِاتِّفَاقِ وَيَأْخُذ مِنْهَا كَفِيلا بِهِ
نظرا للْغَائِب لِأَنَّهَا رُبمَا استوفت النَّفَقَة أَو طَلقهَا الزَّوْج
وَانْقَضَت عدتهَا
فرق بَين هَذَا وَبَين الْمِيرَاث إِذا قسم بَين وَرَثَة حُضُور
بِالْبَيِّنَةِ وَلم يَقُولُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا آخر حَيْثُ لَا
يُؤْخَذ مِنْهُم الْكَفِيل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لِأَن
هُنَاكَ الْمَكْفُول لَهُ مَجْهُول وَهَاهُنَا مَعْلُوم وَهُوَ الزَّوْج
ويحلفها بِاللَّه مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَة نظرا إِلَى الْغَائِب وَلَا
يقْضِي بِنَفَقَة فِي مَال الْغَائِب إِلَّا لهَؤُلَاء وَلَو لم يعلم
القَاضِي بذلك وَلم يكن مقرا بِهِ فأقامت الْبَيِّنَة على الزَّوْجِيَّة
أَو أَنه لم يخلف مَالا فأقامت الْبَيِّنَة ليفرض القَاضِي نَفَقَتهَا على
الْغَائِب ويأمرها بالاستدانة لَا يقْضِي القَاضِي بذلك لِأَن فِي ذَلِك
قَضَاء على الْغَائِب وَقَالَ زفر رَحمَه الله تَعَالَى يقْضِي لَهَا لِأَن
فِيهِ نظرا لَهَا وَلَا ضَرَر فِيهِ على الْغَائِب لِأَنَّهُ لَو حضر
وصدقها فقد أخذت حَقّهَا وَإِن جحد يحلف فَإِن نكل فقد صدق وَإِن اقامت
بَيِّنَة فقد ثَبت حَقّهَا وَإِن عجزت يضمن الْكَفِيل أَو الْمَرْأَة وَعمل
الْقُضَاة الْيَوْم على هَذَا أَنه يقْضِي بِالنَّفَقَةِ على الْغَائِب
لحَاجَة النَّاس وَهُوَ مُجْتَهد فِيهِ
وَفِي الْوِقَايَة لمطلقة الرَّجْعِيّ والبائن والفرقة بِلَا مَعْصِيّة
كَخِيَار الْعتْق وَالْبُلُوغ والتفريق لعدم الْكَفَاءَة النَّفَقَة
وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى لَا لمعتدة الْمَوْت وَالسُّكْنَى فَقَط لمعتدة
الْفرْقَة بِمَعْصِيَة كالردة وتقبيل ابْن الزَّوْج قَالَ ابْن فرشتة وَلَو
خلعها على أَن لَا سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة تسْقط النَّفَقَة دون
السُّكْنَى وَلَو كَانَت الْفرْقَة بِمَعْصِيَة من قبل الزَّوْج فلهَا
النَّفَقَة إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا
وَنَفَقَة الابْن الصَّغِير فَقِيرا على أَبِيه لَا يشركهُ أحد كَنَفَقَة
أَبَوَيْهِ وعرسه وَلَيْسَ على أمه إرضاعه إِلَّا إِذا تعيّنت ويستأجر
الْأَب من ترْضِعه عِنْدهَا وَلَو اسْتَأْجرهَا مَنْكُوحَة أَو مُعْتَدَّة
من رَجْعِيّ لترضعه لم يجز وَفِي المبتوتة رِوَايَتَانِ وَهِي أَحَق من
الْأَجْنَبِيَّة إِلَّا إِذا طلبت زِيَادَة أُجْرَة
وَفِي المنبع إِذا اسْتَأْجر امْرَأَته أَو معتدته لترضع وَلَده مِنْهَا لم
يجز وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يجوز اه
وعَلى الرجل أَن ينْفق على أَبَوَيْهِ واجداده وجداته إِذا كَانُوا
فُقَرَاء وَإِن خالفوه فِي دينه
(1/339)
وَفِي الذَّخِيرَة وَلَا فرق بَين أَن يكون
الْأَب قَادِرًا على الْكسْب أَو لم يكن فَإِنَّهُ تجب نَفَقَته على
الْوَلَد بعد أَن يكون مُحْتَاجا
وَذكر شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ رَحمَه اله تَعَالَى أَن الْأَب إِذا
كَانَ كسوبا وَالِابْن أَيْضا كسوبا يجْبر الابْن على الْكسْب وَالنَّفقَة
على الْأَب وَذكر شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي رَحمَه الله أَنه لَا يجْبر
الابْن على نَفَقَة الْأَب إِذا كَانَ الْأَب كسوبا قَادِرًا بِكَسْبِهِ
واعتبره بِذِي الرَّحِم الْمحرم فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق النَّفَقَة فِي كسب
قَرِيبه وَلَا على قَرِيبه الْمُوسر إِذا كَانَ كسوبا
وَنَفَقَة كل ذِي رحم محرم سوى الْوَالِدين وَالْولد وَاجِبَة على قدر
الْمِيرَاث كالاخوة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات والأخوال والخالات إِذا
كَانَ صَغِيرا فَقِيرا أَو كَانَت امْرَأَة بَالِغَة فقيرة أَو كَانَ ذكرا
فَقِيرا زَمنا أَو أعمى وَهَذَا عندنَا وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ
رحمهمَا الله تَعَالَى لَا تجب نَفَقَة هَؤُلَاءِ غير أَن مَالِكًا قَالَ
لَا تجب الا نَفَقَة الْأَب الْأَدْنَى وَالأُم الدانية وَالْولد الصلبي
فَلَا تجب نَفَقَة ولد الْوَلَد وَلَا نَفَقَة الْجد وَلَا نَفَقَة الْجد
عِنْده
وَفِي المنبع وَتجب نَفَقَة الْبِنْت الْبَالِغَة وَالِابْن الزَّمن على
الْأَبَوَيْنِ أَثلَاثًا على الْأَب الثُّلُثَانِ وعَلى الْأُم الثُّلُث
لِأَن ميراثهما على هَذَا الْقدر
قَالَ صَاحب الْهِدَايَة رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا الَّذِي ذكره رِوَايَة
الْخصاف وَالْحسن وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة كل النَّفَقَة على اأب لقَوْله
تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} فصارا
كَالْوَلَدِ الصَّغِير اه هَذَا إِذا كَانَ الْأَب مُوسِرًا فَإِن كَانَ
مُعسرا وَالأُم موسرة أمرت بِأَن تنْفق من مَالهَا على الْوَلَد وَيكون
ذَلِك دينا على الْأَب إِذا أيسر
وَيجب على الْأَب نَفَقَة زَوْجَة ابْنه إِذا كَانَ صَغِيرا فَقِيرا أَو
كَبِيرا زَمنا لِأَن ذَلِك من كِفَايَته وَفِي الْمُحِيط وَيجْبر الابْن
على نَفَقَة زَوْجَة أَبِيه ذكره هِشَام عَن أبي يُوسُف
وَفِي الْبَزَّاز قَالَ الْحلْوانِي وَإِذا كَانَ الابْن من أَبنَاء
الْكِرَام وَلَا يستأجره النَّاس فَهُوَ عَاجز وَكَذَا طلبة الْعلم إِذا
كَانُوا عاجزين عَن الْكسْب لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ لَا تسْقط نفقاتهم
عَن آبَائِهِم إِذا كَانُوا مشتغلين بالعلوم الشَّرْعِيَّة لَا بالخلافيات
الرَّكِيكَة وهذيانات الفلاسفة وبهم رشد وَإِلَّا لَا تجب وَلَا تجب
نَفَقَة مَعَ اخْتِلَاف الدّين لبُطْلَان أَهْلِيَّة الْإِرْث فَلَا بُد من
اعْتِبَاره وَلَا تجب على الْفَقِير لِأَنَّهَا صلَة وَهُوَ يَسْتَحِقهَا
على غَيره فَكيف تسْتَحقّ عَلَيْهِ بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة وَولده
الصَّغِير لِأَنَّهُ التزمها بالإقدام على العقد إِذْ الْمصَالح لَا تنتظم
دونهَا وَلَا يعْمل فِي مثلهَا الْإِعْسَار ثمَّ الْيَسَار مُقَدّر بالنصاب
فِيمَا روى عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَنه
مُقَدّر بِمَا يفضل عَن نَفَقَة نَفسه وَعِيَاله شهرا أَو بِمَا يفضل عَن
ذَلِك من كَسبه الدَّائِم كل يَوْم لِأَن الْمُعْتَبر فِي حُقُوق الْعباد
إِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَة دون النّصاب فَإِنَّهُ للتيسير وَالْفَتْوَى على
الأول لَكِن النّصاب نِصَاب حرمَان الصَّدَقَة
وَإِذا كَانَ للِابْن الْغَائِب مَال قضى فِيهِ بِنَفَقَة أَبَوَيْهِ
وَإِذا بَاعَ أَبوهُ مَتَاعه فِي نَفَقَته جَازَ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه
الله تَعَالَى وَهَذَا اسْتِحْسَان وَإِن بَاعَ الْعقار لم يجز وَفِي
قَوْلهمَا لَا يجوز ذَلِك كُله وَإِذا قضى القَاضِي للْوَلَد والوالدين
وَذَوي الْأَرْحَام بِالنَّفَقَةِ فمضت مُدَّة سَقَطت لِأَن نَفَقَة
هَؤُلَاءِ تجب كِفَايَة للْحَاجة وَلَا تجب
(1/340)
مَعَ الْيَسَار وَقد سَقَطت بِمُضِيِّ الْمدَّة بِخِلَاف نَفَقَة
الزَّوْجَة إِذا قضى بهَا القَاضِي فَإِنَّهَا تجب مَعَ يسارها كَمَا مر
فَلَا تسْقط بِحُصُول الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فِيمَا مضى إِلَّا أَن
يَأْذَن القَاضِي فِي الِاسْتِدَانَة عَلَيْهِ لِأَن للْقَاضِي ولَايَة
عَامَّة فَصَارَ اذنه كأمر الْغَائِب فَيصير دينا فِي ذمَّته فَلَا يسْقط
بِمُضِيِّ الْمدَّة
وعَلى الْمولى أَن ينْفق على عَبده وَأمته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي المماليك إِنَّهُم إخْوَانكُمْ جعلهم الله تَعَالَى تَحت أَيْدِيكُم
أطعموهم مِمَّا تَأْكُلُونَ وألبسوهم مِمَّا تلبسُونَ وَلَا تعذبوا عباد
الله فَإِن امْتنع وَكَانَ لَهما كسب اكتسبا وأنفقا لِأَن فِيهِ نظرا
للجانبين وَإِن لم يكن لَهما كسب بِأَن كَانَ عبدا زَمنا أَو جَارِيَة لَا
يُؤَاجر مثلهَا أجبر الْمولى على بيعهمَا لِأَنَّهُمَا من أهل
الِاسْتِحْقَاق وَفِي البيع إبْقَاء حَقّهمَا وإبقاء حق الْمولى بالخلف
بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة لِأَنَّهَا تصير دينا فَكَانَ تَأْخِيرا على
مَا ذَكرْنَاهُ وَنَفَقَة الْمَمْلُوك لَا تصير دينا فَكَانَ ابطالا
وَبِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات لِأَنَّهَا لَيست من أهل الِاسْتِحْقَاق
فَلَا يجْبر على نَفَقَتهَا إِلَّا أَنه يُؤمر بهَا فِيمَا بَينه وَبَين
الله تَعَالَى لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن تَعْذِيب
الْحَيَوَان وَفِيه ذَلِك وَنهى عَن اضاعة المَال وَفِيه اضاعة
وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يجْبر على الانفاق فِي
الْبَهَائِم وَهُوَ قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رضوَان الله تَعَالَى
عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَالأَصَح مَا قُلْنَاهُ أَولا لِأَن إِجْبَار
القَاضِي على الْإِنْفَاق يكون عِنْد الطّلب وَالْخُصُومَة من صَاحب الْحق
وَلَا خصم فَلَا جبر لفَوَات شَرط الْقَضَاء وَلَكِن تجب فِيمَا بَينه
وَبَين الله تَعَالَى كَمَا قَالَه أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى
وَفِي المنبع وَلَو كَانَت دَابَّة بَين رجلَيْنِ فَطلب أَحدهمَا من
القَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يكون مُتَطَوعا
فَالْقَاضِي يَقُول للآبي إِمَّا أَن تبيع نصيبك مِنْهَا أَو تنْفق
عَلَيْهَا هَكَذَا ذكر الْخصاف وَذكر شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَنه لَا
يجْبر وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم |