لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الحيطانوما يتَعَلَّق

جِدَار بَين شَرِيكَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد فِي الْبناء عَلَيْهِ لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن الشَّرِيك أضرّ بالشريك ذَلِك أَو لم يضر
جِدَار بَين دارين انْهَدم ولأحدهما بَنَات ونسوة فَأَرَادَ صَاحب الْعِيَال أَن يبنيه وأبى الآخر قَالَ بَعضهم لَا يجْبر الآبي وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي زَمَاننَا يجْبر لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون بَينهمَا ستْرَة قَالَ الامام فَخر الدّين قاضيخان يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب على التَّفْصِيل إِن كَانَ أصل الْجِدَار يحْتَمل الْقِسْمَة وَيُمكن لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يَبْنِي فِي نصِيبه ستْرَة لَا يجْبر الآبى على الْبناء وَإِن كَانَ أصل الْحَائِط لَا يحْتَمل الْقِسْمَة على هَذَا الْوَجْه يجْبر الآبي على الْبناء غنية الفتاوي
جِدَار بَين رجلَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ حمولات فوهي الْجِدَار فرفعه أَحدهمَا وبناه بِمَال نَفسه وَمنع الآخر عَن وضع الحمولات على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر الإسكاف ينظر إِن كَانَ عرض الْجِدَار بِحَال لَو قسم بَينهمَا أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوضِع فيمكنه أَن يَبْنِي عَلَيْهِ حَائِطا يحْتَمل حمولاته على مَا كَانَ فِي الأَصْل كَانَ الْبَانِي مُتَبَرعا بِالْبِنَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَن يمْنَع صَاحبه عَن وضع الحمولات عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بِحَال لَو قسم لَا يُصِيبهُ ذَلِك لَا يكون مُتَبَرعا وَله أَن يمْنَع شَرِيكه عَن وضع الحمولات على هَذَا الْوَجْه حَتَّى يضمن لَهُ نصف مَا أنْفق فِي الْبناء غنية
جِدَار بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا حمولة وَلَيْسَ للْآخر حمولة فَأَرَادَ الَّذِي لَا حمولة لَهُ أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثل حمولة شَرِيكه اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر الْبَلْخِي إِن كَانَت الحمولة الشَّرِيك محدثة فلآخر أَن يضع وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ مثل حمولته إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك وشريكه مقرّ بِأَن الْحَائِط بَينهمَا غنية
وَذكر فِي كتاب الصُّلْح إِذا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوع أَو جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَملهُ
وَعَن الْفَقِيه أبي بكر الْبَلْخِي جِدَار بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ بِنَاء فَأَرَادَ أَن يحول جذوعه الى مَوضِع آخر قَالَ إِن كَانَ يحول من الْأَيْمن الى الْأَيْسَر أَو من الْأَيْسَر الى الْأَيْمن لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَإِن أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع فَلَا بَأْس لِأَن هَذَا يكون أقل ضَرَرا بِالْحَائِطِ وَإِن أَرَادَ أَن يَجعله أرفع عَمَّا كَانَ لَا يكون لَهُ ذَلِك لِأَن هَذَا يكون أَكثر عَمَّا كَانَ فَإِن رَأس الْحَائِط لَا يحْتَمل مَا يحْتَملهُ أساس الْحَائِط فَإِنَّهُ يمْنَع وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله إِن كَانَ الْحَائِط الْمُشْتَرك قدر قامة الرجل فَأَرَادَ أحد الشَّرِيكَيْنِ أَن يزِيد فِي طوله لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن شَرِيكه غنية
وَفِي فتاوي أبي اللَّيْث رجل أذن لَهُ جَاره فِي وضع الْجُذُوع على حَائِطه أَو حفر سرداب تَحت دَاره ثمَّ بَاعَ دَاره فَلِلْمُشْتَرِي رفع الْجُذُوع والسرداب إِلَّا إِذا اشْترط فِي البيع ترك ذَلِك فَحِينَئِذٍ لَا يكون لَهُ ذَلِك
وَذكر قاضيخان مسَائِل من جنس ذَلِك الى أَن قَالَ إِن كَانَ أحدث بِنَاء أَو غرفَة فِي سكَّة غير نَافِذَة برضى أَهلهَا فَاشْترى رجل من غير أهل تِلْكَ السِّكَّة دَارا مِنْهَا فَلهُ أَن يَأْمُرهُ بِرَفْع الغرفة حاوي

(1/409)


جِدَار بَينهمَا أَرَادَ أَحدهمَا أَن يَبْنِي عَلَيْهِ سقفا آخر أَو غرفَة يمْنَع وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَحدهمَا وضع السّلم يمْنَع إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْقَدِيم كَذَلِك بَزَّازِيَّة
جِدَار مُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ انْهَدم فَظهر أَنه ذُو طاقين متلاصقين فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يرفع الْحَائِط الَّذِي هُوَ فِي جَانِبه ويكتفي بالطاق الَّذِي هُوَ من جَانب شَرِيكه ستْرَة وأبى الشَّرِيك ذَلِك قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر الْبَلْخِي إِذا كَانَا أقرا قبل ظُهُور مَا ظهر أَن هَذَا الْحَائِط بَينهمَا فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يحدث فِيهِ شَيْئا بِغَيْر أَمر الشَّرِيك وَإِن كَانَا أقرا أَن كل حَائِط لمن يَلِيهِ فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب غنية
حَائِط بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ الآخر أَن يضع عَلَيْهِ جذوعا مثل جُذُوع صَاحبه فَمَنعه الآخر لِأَن الْجِدَار لَا يحْتَمل ذَلِك قَالَ الشَّيْخ الامام أَبُو الْقَاسِم يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فحط عَنهُ مَا يُمكن لشريكك من الْحمل وَإِن شِئْت فارفع حملك حَتَّى تستويا لِأَن صَاحب الْحمل إِن كَانَ وضع بِغَيْر إِذن الشَّرِيك فَهُوَ ظَالِم وَإِن وضع بِإِذْنِهِ فَهُوَ عَارِية وَالْعَارِية غير لَازِمَة قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَعَن أبي بكر خلاف هَذَا وَبقول أبي الْقَاسِم نَأْخُذ غنية
جِدَار بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ شَيْء فَمَال الْجِدَار الى الَّذِي لَا حمولة لَهُ فاشهد على صَاحب الحمولة فَلم يرفعهُ حَتَّى سقط فأضر بالشريك قَالَ أَبُو الْقَاسِم إِذا ثَبت الاشهاد وَكَانَ محفوفا وَتمكن من رَفعه بعد الاشهاد يضمن الْمَشْهُود عَلَيْهِ نصف قيمَة مَا فسد من سُقُوطه غنية
حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا فِي غيبَة الشَّرِيك قَالَ أَبُو الْقَاسِم إِن بناه بِنَقْض الْحَائِط الأول يكون مُتَبَرعا وَلَا يكون لَهُ أَن يمْنَع شَرِيكه من الْحمل عَلَيْهِ وَإِن بناه بِلَبن أَو خشب من قبل نَفسه لم يكن للشَّرِيك أَن يحمل على الْحَائِط حَتَّى يُؤَدِّي نصف قيمَة الْحَائِط غنية
حَائِط بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَللْآخر عَلَيْهِ عشرَة قَالَ فِي الْكتاب لصَاحب الْجذع مَوضِع جذعه وكل الْحَائِط للْآخر اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقيَاس يكون جَمِيع الْحَائِط بَينهمَا وَبِه كَانَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يَقُول أَولا ثمَّ رَجَعَ الى الِاسْتِحْسَان وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله غنية الفتاوي
حَائِط مُشْتَرك بَين رجلَيْنِ وَهِي وَيخَاف ضَرَر بسقوطه فَأَرَادَ أَحدهمَا النَّقْض وَامْتنع الآخر قَالَ الشَّيْخ الامام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل يجْبر على مَا نقضه وَعنهُ إِذا أَرَادَ أَحدهمَا نقض جِدَار مُشْتَرك وأبى الآخر فَقَالَ لَهُ صَاحبه أَنا أضمن لَك كل مَا ينهدم من بَيْتك وَضمن ثمَّ نقض الْجِدَار بِإِذن الشَّرِيك فانهدم من منزل الْمَضْمُون لَهُ شَيْء لَا يلْزمه ضَمَان ذَلِك غنية
هدم بَيته وَلم يبن وَالْجِيرَان يتضررون بذلك كَانَ لَهُم جبره على الْبناء إِذا كَانَ قَادِرًا وَالْمُخْتَار لَيْسَ لَهُم ذَلِك
طاحونة أَو حمام مُشْتَرك انْهَدم بعضه وأبى الشَّرِيك عَن الْعِمَارَة يجْبر أما إِذا انْهَدم الْكل وَصَارَ صحراء لَا يجْبر وَإِن كَانَ الشَّرِيك مُعسرا يُقَال لَهُ أنْفق حَتَّى يكون دينا على الشَّرِيك وَلَو أنْفق أَحدهمَا فِي مرمتها بِغَيْر إِذن الشَّرِيك لَا يكون مُتَبَرعا خزانَة الفتاوي هَذَا مَا يسر الله نَقله من مَجْمُوع مؤيد زَاده وَالله أعلم
وَفِي صلح النَّوَازِل رجل أَرَادَ أَن يتَّخذ دَاره بستانا لَيْسَ لجاره أَن يمنعهُ من ذَلِك إِذا كَانَت الأَرْض صلبة لَا يتَعَدَّى ضَرَر المَاء الى جِدَاره وَإِن كَانَت رخوة يتَعَدَّى الى جِدَاره لَهُ أَن يمنعهُ وعَلى هَذَا إِذا جعل دكانه طاحونة أَو جعله للقصارة وعَلى هَذَا لَو أَرَادَ أَن يَبْنِي حَماما أَو اصطبلا

(1/410)


وَفِي صلح الفتاوي إِذا كَانَ لرجل نَخْلَة فِي ملكه فَخرج سعفها الى ملك غَيره فَأَرَادَ الآخر قطعهَا لَهُ ذَلِك وَفِي بُيُوع النَّوَازِل رجل لَهُ دَار قد تدلت أَغْصَان شَجَرَة لرجل وَأخذت هَوَاء دَاره فَقطع صَاحب الدَّار الأغصان إِن أمكن صَاحب الشَّجَرَة أَن يفرغ هَوَاء دَاره من غير أَن يقطع بِأَن يجمع الأغصان ويشدها بِحَبل ضمن وَإِن كَانَت غلاظا لَا يُمكن وقطعها من الْموضع الَّذِي يقطعهَا الْحَاكِم مِنْهُ لَو رفع اليه لَا يضمن وَإِن قطع أَكثر مِمَّا يقطعهُ الْحَاكِم يضمن كَذَا فِي غصب الفتاوي
وَفِي فتاوي الفضلى فِي كتاب الدَّعْوَى رجل بني السّقف الْأَعْلَى فِي منزل امْرَأَته ثمَّ أَرَادَ رَفعه إِن بناه بأمرها لَيْسَ لَهُ الرّفْع وَالْبناء لَهَا وَكَذَا كل من بنى دَار غَيره بِغَيْر أمره يكون لَهُ وَإِن بنى بِغَيْر أمرهَا لَهُ أَن يرفع إِلَّا أَن يضر فَحِينَئِذٍ يمْنَع وَفِي الْوَصَايَا إِن بنى لَهَا يكون لَهَا
وَفِي فَوَائِد الفضلى رجل هدم منزل امْرَأَته بِرِضَاهَا ثمَّ بناه بنقضه وَنَفَقَته وبخشب آخر اشْتَرَاهُ بِمَالِه إِن بنى لامْرَأَته لم يكن لَهُ فِي الْبناء حق
وَذكر فقيهنا أَبُو اسحاق أَنه إِن أشهد وَقت الْبناء أَنه يَبْنِي ليرْجع عَلَيْهَا كَانَ الْبناء لَهَا وَإِن لم يشْهد كَانَ الْبناء لَهَا وَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء وعَلى هَذَا الْعِمَارَة فِي كرمها انْتهى هَذَا مَا يسر الله نَقله من الْخُلَاصَة وَالله الْمُوفق