لسان الحكام في معرفة الأحكام

الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الشّرْب والمزارعة والمساقة = كتاب الشّرْب
وَفِي فتاوي القَاضِي الامام الأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام النَّاس شُرَكَاء فِي ثَلَاث المَاء والكلأ وَالنَّار وَلم يرد بِهِ شركَة الْملك وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الاباحة فِي المَاء الَّذِي لم يحرز فِي الْحِيَاض والعيون والآبار والأنهار فَلِكُل أحد أَن يشرب مِنْهَا ويسقي دوابه وَإِن فِيهِ انْقِطَاع ذَلِك المَاء وَلَا يسْقِي بهَا أرضه وَلَا زرعه
وَفِي الأَصْل الْمِيَاه ثَلَاثَة الأول فِي نِهَايَة الْعُمُوم كالأنهار الْعِظَام كدجلة والفرات وجيحون وسيحون وَهِي لَيست بمملوكة لأحد وَلكُل أحد أَن يَسْتَسْقِي مِنْهَا ويسقي دَابَّته وأرضه ويشربه وَيتَوَضَّأ بِهِ وَلكُل أحد نصب الطاحون والساقية والدالية واتخاذ المشرعة واتخاذ النَّهر الى أرضه بِشَرْط أَن لَا يضر بالعامة فَإِن أضرّ يمْنَع من ذَلِك فَإِن لم يضر فعل ذَلِك وَلم يمْنَع وَإِن أضرّ وَفعل فَلِكُل وَاحِد من أهل الدَّار مُسلم أَو ذمِّي أَو امْرَأَة أَو مكَاتب مَنعه
الثَّانِي فِي نِهَايَة الْخُصُوص كَمَاء الْحبّ والكوز وَلَيْسَ لأحد أَن ينْتَفع بِهِ الا باذن صَاحبه وَفِي الفتاوي فِي كتاب الصَّلَاة لَو صب مَاء حب إِنْسَان يُقَال لَهُ املأه فَإِن اضْطر اليه فَحِينَئِذٍ ينْتَفع بِغَيْر اذن صَاحبه
الثَّالِث الْمُتَوَسّط وَهُوَ مَاء الْأَنْهَار والآبار الْمَمْلُوكَة والحياض وَلكُل وَاحِد أَن يسْقِي دَابَّته إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ جمال وأبقر كَثِيرَة يخَاف صَاحب النَّهر فَسَاد المسناة وتخريب النَّهر فَحِينَئِذٍ لَهُ مَنعه هَكَذَا فِي الفتاوي
وَإِن كَانَ الْحَوْض فِي دَار رجل أَو فِي بستانه فاستقى آخر مِنْهُ لَيْسَ لصَاحب الدَّار أَو الْبُسْتَان أَن يَأْخُذ ذَلِك مِنْهُ إِلَّا أَن لصَاحب الْملك أَن يمنعهُ من الدُّخُول فِي ملكه وَلكُل وَاحِد أَن يَقُول لي حق فِي دَارك فإمَّا أَن توصلني اليه أَو تمكنني من الدُّخُول وَهَذَا اذا كَانَ لَهُ مستقي غير ذَلِك فَإِن لم يكن فَلهُ أَن يدْخل دَاره بِغَيْر اذنه الْكل فِي نُسْخَة الامام السَّرخسِيّ
وَفِي فتاوي القَاضِي نهر لقوم ولرجل أَرض بجنبه لَيْسَ لَهُ شرب مِنْهُ من هَذَا النَّهر كَانَ لصَاحب الأَرْض الَّذِي لَيْسَ لَهُ شرب مِنْهُ أَن يشرب وَيتَوَضَّأ ويسقي دوابه من هَذَا النَّهر وَلَيْسَ لَهُ أَن يسْقِي أَرضًا مِنْهُ أَو شَجرا أَو زرعا وَلَا أَن ينصب دولابا على هَذَا النَّهر لأرضه وَإِن أَرَادَ أَن يرفع المَاء مِنْهُ بِالْقربِ والأواني ويسقي زرعه أَو شَجَره اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالأَصَح أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَلأَهل النَّهر أَن يمنعوه
وَفِي شرح الشافي لَا يجوز بَيْعه وَلَيْسَ لأحد نصب الطاحونة وَلَا غَيرهَا على الْأَنْهَار الْمُشْتَركَة لأقوام مخصوصين وَلَيْسَ للسُّلْطَان أَن يَأْذَن لَهُم بذلك وَإِن أذن لم يعْتَبر إِذْنه
نهر بَين قوم عَلَيْهِ أرضون لم يعرف كَيفَ كَانَ أَصله اخْتلفُوا فِيهِ يقسم بَينهم على قدر أراضيهم فَإِن كَانَ الْأَعْلَى لَا يشرب حَتَّى يسكر النَّهر لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا بِرِضا الآخرين وَالْمُخْتَار أَنه اذا لم يُمكنهُ سقِِي

(1/403)


أرضه من غير سكر رفع الْأَمر الى القَاضِي حَتَّى يَأْمُرهُم بالمهايأة فَإِن اصْطَلحُوا على أَن يسكر كل شَارِب يَوْمًا جَازَ وَلَيْسَ لأحد أَن يكْرِي مِنْهُ نَهرا إِلَّا بِرِضا الآخرين وَكَذَا نصب الرَّحَى إِلَّا أَن يكون مَوضِع الرَّحَى فِي أرضه وَلَا يضر بالنهر وَلَا بِالْمَاءِ وَمن كَانَ لَهُ شرب فِي أرضه فِي أَسْفَل النَّهر فَفتح ذَلِك فِي أَعْلَاهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَمن جعل بَاب دَاره فِي أَعلَى حَائِطه لَهُ ذَلِك كَذَا فِي مُخْتَصر عِصَام وَقِسْمَة شرح الطَّحَاوِيّ
وَفِي كتاب الشّرْب للْإِمَام خُوَاهَر زَاده فَلَو أَرَادَ أَن يَجْعَل شربه أَسْفَل أَو أَعلَى لَهُ ذَلِك وَهَكَذَا فِي نُسْخَة الامام السَّرخسِيّ وَذكر الصَّدْر الشَّهِيد فِي كتاب الْحِيطَان وَلَو أَرَادَ أَن يَسُوق شربه الى أَرض أُخْرَى لم يكن لَهَا شرب فِيمَا مضى لم يجز وَهَذَا كطريق بَين قوم أَرَادَ أحدهم أَن يفتح فِيهِ طَرِيقا لممر دَار أُخْرَى لم يجزه الْكل فِي الأَصْل
وَفِي الْعُيُون نهر مُشْتَرك بَين قوم أذنوا لرجل فِي السَّقْي مِنْهُ الا رجلا فَإِنَّهُ لم يَأْذَن لَهُ لَيْسَ لَهُ أَن يسْقِي حَتَّى يأذنوا كلهم كَذَا روى هِشَام عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله
وَفِي مُزَارعَة النَّوَازِل عَن مُحَمَّد بن مقَاتل فِي رجل سرق مَاء فساقه الى أرضه أَو كرمه فَإِنَّهُ يطيب لَهُ مَا خرج وَهُوَ بِمَنْزِلَة رجل غصب شَعِيرًا أَو تبنا وَسمن دَابَّته فَعَلَيهِ قيمَة الْعلف وَمَا زَاد فِي الدَّابَّة فَهُوَ طيب لَهُ قَالَ رَحمَه الله فعلى قِيَاس هَذَا لَو سرق أوراق التوت وَأعْطى دود الصلق فالإبريسم يطيب لَهُ وَعَلِيهِ قيمَة الأوراق
فصل فِي مسَائِل المَاء
فِي فتاوي القَاضِي الامام رجل أَرَادَ سقِِي أرضه أَو زرعه من مجْرى لَهُ فجَاء رجل وَمنعه المَاء ففسد زرعته قَالُوا لَا شَيْء عَلَيْهِ كَمَا لَو منع الرَّاعِي حَتَّى ضَاعَت الْمَوَاشِي
رجل لَهُ نوبَة مَاء فِي يَوْم معِين من الْأُسْبُوع فجَاء رجل وَسقي أرضه فِي نوبَته ذكر الشَّيْخ الامام عَليّ الْبَزْدَوِيّ أَن غَاصِب المَاء يكون ضَامِنا وَفِي متفرقات الْفَقِيه أبي جَعْفَر رجل سقِِي أرضه فتعدى المَاء الى أَرض جَاره إِن أجْرى المَاء إِجْرَاء لَا يسْتَقرّ فِي أرضه بل يسْتَقرّ فِي أَرض جَاره يضمن وَقد تقدم مثل هَذَا فِي الضمانات وَالله أعلم
نوع فِي الأَرْض الْموَات وَفِي الأَصْل من أَحْيَا أَرضًا ميتَة باذن السُّلْطَان ملكهَا وَبِدُون الاذن لَا وَعِنْدَهُمَا يملكهَا بِدُونِ اذن السُّلْطَان وَالْأَرْض الْميتَة كل أَرض من أَرَاضِي السوَاد وَالْجِبَال لَا يبلغهَا مَاء الْأَنْهَار وَلَيْسَ لأحد فِيهَا ملك وأراضي بخارا لَيست بموات لِأَنَّهَا دخلت فِي الْقِسْمَة وَتصرف الى أقْصَى مَالك أَو بَائِع فِي الاسلام أَو الى ورثته وَإِن لم يعلم ورثته فَحِينَئِذٍ التَّصَرُّف للْقَاضِي وَقَالَ رَحمَه الله هَكَذَا قَالَ الامام ظهير الدّين المرغيناني وَتَفْسِير الْإِحْيَاء أَن يَبْنِي عَلَيْهَا أَو يغْرس أَو يكريها أَو يسقيها وَهَكَذَا فِي مُزَارعَة النَّوَازِل هَذَا مَا يسر الله نَقله من الْخُلَاصَة
فصل فِي الْمُزَارعَة
قَالَ فِي الأَصْل إِذا دفع الْمزَارِع الأَرْض الى آخر مُزَارعَة فالمزارعة فَاسِدَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَا الْمُعَامَلَة وَالْخَارِج لصَاحب الأَرْض إِن كَانَ الْبذر مِنْهُ وللعامل إِن كَانَ الْبذر مِنْهُ وَإِن كَانَ من رب الأَرْض فَعَلَيهِ أجر مثل عمل الْعَامِل وكما يجب أجر الْمثل فِي عمل الْعَامِل يجب أجر مثل الأَرْض فِي الْمُزَارعَة الْفَاسِدَة وَيجب أجر مثل الْبَقر

(1/404)


وَالْمرَاد من قَوْله يجب أجر مثل الأَرْض وَالْبَقر يَعْنِي يجب أجر مثل الأَرْض مكروبة أما الْبَقر فَلَا يجوز أَن يسْتَحق بِعقد الْمُزَارعَة وَأجر الْمثل يجب بَالغا مَا بلغ عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَا يُزَاد على الْمَشْرُوط والمزارعة جَائِزَة على قَوْلهمَا وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا ثمَّ إِن أَبَا حنيفَة إِنَّمَا فرع الْمسَائِل على قَول من جوز الْمُزَارعَة لعلمه أَن النَّاس لَا يَأْخُذُونَ بقوله
ثمَّ للزِّرَاعَة شَرَائِط وركن وَحكم وَصفَة أما ركنها فالإيجاب وَالْقَبُول وَأما شرائطها فَمن جملَة ذَلِك كَون الأَرْض صَالِحَة للزِّرَاعَة وَكَون رب الأَرْض وَالْعَامِل من أهل العقد وَبَيَان الْمدَّة سنة أَو سنتَيْن شَرط فِي الزِّرَاعَة وَفِي الْمُعَامَلَة تجوز من غير بَيَان الْمدَّة اسْتِحْسَانًا وَتَقَع على أول ثَمَرَة تخرج فِي تِلْكَ السّنة
وَفِي النَّوَازِل عَن مُحَمَّد بن سَلمَة الْمُزَارعَة من غير بَيَان الْمدَّة جَائِزَة أَيْضا وَتَقَع على سنة وَاحِدَة يَعْنِي على زرع وَاحِد وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَقَالَ إِنَّمَا شَرط أهل الْكُوفَة بَيَان الْوَقْت لِأَن وَقت الْمُزَارعَة عِنْدهم متفاوت وابتداؤها وانتهاؤها مَجْهُول وَوقت الْمُعَامَلَة مَعْلُوم فأجازوا الْمُعَامَلَة وَتَقَع على أول سنة وَلم يجيزوا الْمُزَارعَة أما فِي بِلَادنَا فوقت الْمُزَارعَة مَعْلُوم فَيجوز وَإِن لم يُوَقت كالمعاملة وَلَو دفع أرضه مُزَارعَة خَمْسمِائَة سنة فَهِيَ فَاسِدَة
وَمن شرائطها التَّخْلِيَة حَتَّى لَو شَرط فِي العقد مَا يتَعَذَّر بِهِ التَّخْلِيَة مثل عمل رب الأَرْض تفْسد الْمُزَارعَة وَمن شرائطها بَيَان مَا يزرع فِي الأَرْض قِيَاسا وَفِي الِاسْتِحْسَان لَيْسَ بِشَرْط وَمن شرائطها بَيَان من عَلَيْهِ الْبذر وَعَن بعض أَئِمَّة بَلخ إِن كَانَ بَينهم عرف ظَاهر أَن الْبذر يكون على أَحدهمَا بِعَيْنِه لَا يشْتَرط بَيَان من عَلَيْهِ الْبذر وَمن شرائطها بَيَان النَّصِيب على وَجه لَا يقطع الشّركَة بَينهمَا فِي الْخَارِج بِأَن يَقُول بِالنِّصْفِ أَو الثُّلُث أَو الرّبع أَو مَا أشبه ذَلِك فَإِن بَينا نصيب أَحدهمَا ينظر فَإِن بَينا نصيب من لَا بذر من جِهَته جَازَت الْمُزَارعَة قِيَاسا واستحسانا وَإِن بَينا نصيب من كَانَ الْبذر من جِهَته جَازَت الْمُزَارعَة اسْتِحْسَانًا وَمن الشَّرَائِط فِي الْمُعَامَلَة أَن يكون العقد وَاقعا على مَا هُوَ فِي حد النمو بِحَيْثُ يزِيد فِي نَفسه بِسَبَب عمل الْعَامِل حَتَّى لَو عقدا عقد الْمُعَامَلَة على مَا يتناهى عظمه وَصَارَ بِحَال لَا يزِيد فِي نَفسه بِسَبَب عمل الْعَامِل لَا تصح الْمُعَامَلَة وَأما بَيَان حكمهَا فَنَقُول حكمهَا ثُبُوت الْملك فِي مَنْفَعَة الأَرْض إِذا كَانَ الْبذر من جِهَة الْمزَارِع وَالشَّرِكَة فِي الْخَارِج
وَأما بَيَان صفة الْمُعَامَلَة والمزارعة فَنَقُول الْمُعَامَلَة لَازِمَة من الْجَانِبَيْنِ وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا السّفر لَيْسَ لَهُ الْفَسْخ إِلَّا بِعُذْر والمزارعة لَازِمَة من قبل من لَا بذر مِنْهُ حَتَّى لَا يملك الْفَسْخ إِلَّا بِعُذْر لَكِن غير لَازِمَة من قبل من لَهُ الْبذر قبل إِلْقَاء الْبذر فِي الأَرْض حَتَّى يملك الْفَسْخ من غير عذر لِأَن فِيهِ إِتْلَاف مَاله وَهُوَ الْبذر والانسان لَا يجْبر على إِتْلَاف مَاله بِخِلَاف الْمُعَامَلَة فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْوَفَاء بِمَا يُؤَدِّي الى تلف المَال على أَحدهمَا فَيلْزمهُ الْمُضِيّ فِيهَا الا بِعُذْر والعذر أَن يمرض الْعَامِل أَو يلْحق صَاحب النّخل دين فيضطر الى بَيْعه لِأَن فِيهِ ضَرَرا ظَاهرا أما ترك السّفر فَلَيْسَ فِيهِ ضَرَر ظَاهر فَافْتَرقَا وَبعد مَا يلقى الْبذر فِي الأَرْض تصير لَازِمَة من الْجَانِبَيْنِ
قَالَ فِي شرح الشافي بعد هَذَا الْمُزَارعَة على سَبْعَة أوجه أَحدهَا أَن تكون الأَرْض من أَحدهمَا وَالْبَقر وَالْعَمَل وَالْبذْر من الآخر وَهَذَا الْعَمَل جَائِز وَصَاحب الْبذر مُسْتَأْجر للْأَرْض الثَّانِي أَن يكون

(1/405)


الْعَمَل من أَحدهمَا وَالْبَاقِي من الآخر وَهَذَا جَائِز أَيْضا وَصَاحب الْبذر مُسْتَأْجر لِلْعَامِلِ ليعْمَل بِهِ الثَّالِث أَن تكون الأَرْض وَالْبذْر من أَحدهمَا وَالْبَقر وآلات الْعَمَل وَالْعَمَل من الآخر وَهَذَا جَائِز أَيْضا الرَّابِع أَن يكون الْبذر من الْعَامِل وَالْبَقر من قبل رب الأَرْض وَهَذَا فَاسد فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه يجوز الْخَامِس أَن يكون الْبَقر من أَحدهمَا وَالْبَاقِي من الآخر السَّادِس أَن يكون الْبذر وَالْبَقر من وَاحِد وَالْبَاقِي من الآخر السَّابِع أَن يكون الْبذر من وَاحِد وَالْبَاقِي من الآخر فالمزارعة فَاسِدَة فِي هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة
رجل دفع أَرضًا أَو نخلا يَزْرَعهَا الْمزَارِع على أَن يقوم على النّخل بِالنِّصْفِ فَهَذِهِ مُزَارعَة شرطت فِيهَا الْمُعَامَلَة فَينْظر إِن كَانَ الْبذر من الْمزَارِع فَسدتْ الْمُزَارعَة والمعاملة لِأَنَّهُ صَفْقَة فِي صفقتين فَإِن كَانَ من رب الأَرْض جَازَ كِلَاهُمَا لِأَنَّهُ أُجْرَة وَإِن كَانَت الْمُعَامَلَة معطوفة على الْمُزَارعَة بِأَن يَقُول أدفَع اليك هَذِه الأَرْض فتزرعها ببذرك وأدفع اليك مَا فِيهَا من النّخل معالمة جَازَ مُطلقًا
وَفِي النَّوَازِل رجل لَهُ أَرض أَرَادَ أَن يَأْخُذ بذرا من رجل حَتَّى يَزْرَعهَا وَيكون ذَلِك بَينهمَا فَالْحِيلَةُ أَن يَشْتَرِي نصف الْبذر ويقبضه ويبرئه البَائِع من الثّمن ثمَّ يَقُول لَهُ ازرعها على أَن الْخَارِج بَيْننَا نِصْفَانِ فَمَا خرج فَهُوَ بَينهمَا لِأَن الْبذر مِنْهُمَا
وَفِي النَّوَازِل أَيْضا رجل دفع الى رجل أَرضًا مُزَارعَة سنة فزرعها فَرفع ثَمَرَتهَا ثمَّ زرع السّنة الثَّانِيَة بِغَيْر اذن رب الأَرْض فنبت الزَّرْع أَو لم ينْبت فَبلغ ذَلِك رب الأَرْض فَلم يجز إِن كَانَت الْعَادة بَين أهل تِلْكَ الْقرْيَة أَنهم يزرعون الْمرة بعد الْأُخْرَى بِغَيْر مُزَارعَة جَدِيدَة فَذَلِك جَائِز
وَفِي فتاوي النَّسَفِيّ رجل زرع أَرض الْغَيْر بِغَيْر أمره ينظر الى الْعرف إِن كَانَت مُنَاصَفَة يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ قَالَ رَحمَه الله وَهَذَا اذا كَانَت معدة لذَلِك بِأَن كَانَ صَاحب الأَرْض مِمَّن لَا يزرع بِنَفسِهِ وَيدْفَع مُزَارعَة
وَفِي أول مُزَارعَة النَّوَازِل رجل زرع أَرض غَيره بِغَيْر أمره فَعَلَيهِ نُقْصَان الأَرْض هَذَا قَول نصير وَقَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة ينظر بكم تستؤجر قبل اسْتِعْمَالهَا وبكم تستؤجر بعد اسْتِعْمَالهَا فَيجب عَلَيْهِ نُقْصَان ذَلِك
رجل زرع أَرض غَيره بِغَيْر اذنه ثمَّ قَالَ لرب الأَرْض ادْفَعْ الي بذري فَأَكُون أكارا لَك إِن كَانَ الْبذر مُسْتَهْلكا لَا يجوز وَإِن كَانَ قَائِما يجوز وَالله أعلم
فصل فِي أَعمال الْمُزَارعَة مَا يكون على الْمزَارِع ومالا يكون
الأَصْل إِن كَانَ عمل لَا بُد للمزارعة مِنْهُ لتَحْصِيل الزَّرْع المرغوب فِيهِ من الأَرْض المدفوعة اليه فَإِن الْمزَارِع يجْبر عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ ذَلِك مَشْرُوطًا فِي العقد أَو لم يكن كالسقي والتبذير وكل عمل لَيْسَ للمزارع مِنْهُ بُد فِي تَحْصِيل الزَّرْع إِلَّا أَنه عمل يزِيد فِي جودة الْخَارِج إِن كَانَ مَشْرُوطًا فِي عقد الْمُزَارعَة يجْبر عَلَيْهِ
وحفر الْبِئْر وَإِصْلَاح المسناة على صَاحب الأَرْض أَيْضا وَفتح فَوجه النَّهر الصَّغِير من النَّهر الْكَبِير على الْعَامِل إِلَّا أَن يبعد أَو يكون فِي مَوضِع وَثمّ ظلمَة يمْنَعُونَ المَاء فَحِينَئِذٍ يكون على رب الأَرْض قَالَ هَكَذَا أفتى الشَّيْخ الامام ظهير الدّين وَحفظ الزَّرْع على الْمزَارِع الى وَقت الْإِدْرَاك وَبعد ذَلِك عَلَيْهِمَا وَإِن شَرط الْحِفْظ على الْمزَارِع بعد الادراك أَو شَرط مُؤنَة المَاء على الْمزَارِع يَنْبَغِي أَن لَا تفْسد الْمُزَارعَة

(1/406)


وَإِذا أدْرك الباذنجان والبطيخ فالحمل والالتقاط عَلَيْهِمَا وَإِذا صَار الزَّرْع قصيلا فأرادا أَن يفصلاه ويبيعاه كَذَلِك فالفصل عَلَيْهِمَا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
فصل فِيمَا يكون عذرا فِي فسخ الْمُزَارعَة
وَفِي الأَصْل السّفر وَالْمَرَض عذر من قبل الْمزَارِع وَلَو كَانَ الْمزَارِع سَارِقا يخَاف على الزَّرْع وَالثَّمَر مِنْهُ فَهَذَا عذر وَلَو أَرَادَ صَاحب الأَرْض البيع بِعُذْر الدّين وَالْبذْر من الْمزَارِع إِن عمل الْمزَارِع فِي الأَرْض من الكراب وتسوية المسناة وَأَشْبَاه ذَلِك إِلَّا أَنه لم يَزْرَعهَا فَلصَاحِب الأَرْض أَن يَبِيعهَا وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ على رب الأَرْض وَإِن كَانَ الْمزَارِع قد زرع الأَرْض وَنبت الزَّرْع فَلَيْسَ لرب الأَرْض أَن يَبِيعهَا حَتَّى يستحصد الزَّرْع فَلَو حَبسه القَاضِي بِالدّينِ خلى سَبيله وَلَو زرع الْمزَارِع وَلم ينْبت الزَّرْع حَتَّى لحق رب الأَرْض دين فادح اخْتلف الْمَشَايِخ فِي جَوَاز البيع
وَفِي مُزَارعَة النَّوَازِل رجل دفع لرجل أرضه مُزَارعَة فزرع الأَرْض ثمَّ إِن رب الأَرْض بَاعَ الأَرْض مزروعة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بَاعهَا بِرِضا الْمزَارِع أَو بِغَيْر رِضَاهُ وَإِمَّا أَن يكون الْبذر من جِهَة رب الأَرْض أَو من جِهَة الْعَامِل فَإِن بَاعهَا بِرِضَاهُ وَلم يكن نبت الزَّرْع وَالْبذْر من قبل رب الأَرْض فَلَا شَيْء للمزارع من الثَّمر لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت لَهُ الْحق بعد النَّبَات أما قبله فَلَا حق لَهُ فِيهِ وَإِن كَانَ الْبذر من قبل الْمزَارِع نابتا فَإِن أجَاز الْمزَارِع جَازَ وَنصِيب الْمزَارِع فِيهِ قَائِم وَإِن كَانَ ذَلِك بِغَيْر رِضَاهُ فللمزارع أَن يبطل البيع وَكَذَلِكَ لَو دفع الْكَرم مُعَاملَة ثمَّ بَاعه إِن لم يكن خرج مِنْهُ شَيْء فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حق فَإِن خرج وَأَجَازَهُ جَازَ ونصيبه فِيهِ قَائِم وَإِن كَانَ بِغَيْر رِضَاهُ فَلهُ أَن يبطل البيع
وَإِذا مَاتَ رب الأَرْض بعد مَا نبت الزَّرْع قبل أَن يستحصد وَالْبذْر من الْمزَارِع يبقي العقد الى أَن يستحصد الزَّرْع اسْتِحْسَانًا وَلَا يجب شَيْء من الْأجر على الْمزَارِع هَذَا إِذا قَالَ الْمزَارِع أَنا لَا أقلع الزَّرْع فَإِن قَالَ أَنا أقلع الزَّرْع فَإِنَّهُ لَا يبْقى عقد الْمُزَارعَة وَإِن اخْتَار الْمزَارِع الْقلع فلورثة رب الأَرْض خيارات ثَلَاث إِن شَاءُوا قلعوا الزَّرْع والمقلوع بَينهم وَإِن شَاءُوا أَنْفقُوا على الزَّرْع بِأَمْر القَاضِي حَتَّى يرجِعوا على الْمزَارِع بِجَمِيعِ النَّفَقَة وَإِن شَاءُوا غرموا حِصَّة الْمزَارِع من الزَّرْع والمزروع لَهُم وَإِن مَاتَ قبل الزِّرَاعَة بعد مَا عمل فِي الأَرْض بِأَن كرب الأَرْض وحفر الْأَنْهَار انتقضت الْمُزَارعَة وَلَا يغرم وَرَثَة رب الأَرْض للمزارع شَيْئا وَلَو مَاتَ بعد الزِّرَاعَة قبل النَّبَات اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَلَو لم يمت لَكِن الْمزَارِع آخر الزِّرَاعَة حَتَّى انْقَضتْ السّنة وَالزَّرْع بقل فَأَرَادَ رب الأَرْض أَن يقْلع الزَّرْع وأبى الْمزَارِع فَلَيْسَ لرب الأَرْض أَن يقْلع الزَّرْع وَتثبت بَينهمَا إِجَارَة فِي نصف السّنة حكما حَتَّى يستحصد وَالْعَمَل عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ حَتَّى يستحصد وَهَذَا اذا لم يرد الْمزَارِع الْقلع فَإِن أَرَادَ الْقلع فلرب الأَرْض خيارات ثَلَاث على مَا ذكرنَا وَإِذا أنْفق بعد انْتِهَاء الزَّرْع بِأَمْر القَاضِي رَجَعَ على الْمزَارِع بِنصْف النَّفَقَة وَلَو انْقَضتْ مُدَّة الْمُعَامَلَة وَالثَّمَر لم يدْرك وأبى الْعَامِل الْغرم يتْرك بِغَيْر اجارة فِي يَده
وَإِذا هرب الْمزَارِع فِي وسط السّنة وَالزَّرْع بقل فأنفق عَلَيْهِ رب الأَرْض حَتَّى استحصد رَجَعَ على الْعَامِل بِمَا أنْفق بَالغا مَا بلغ وَالْقَوْل قَول الْمزَارِع فِي قدر النَّفَقَة مَعَ يَمِينه على عمله وَإِن مَاتَ الْمزَارِع وَالزَّرْع بقل فَقَالَت وَرَثَة الْمزَارِع نَحن نعملها على حَالهَا حَتَّى نستحصدها فَذَلِك لَهُم وَلَو قَالُوا نقلع الزَّرْع وَلَا نعمل لَا يجبرون على الْعَمَل

(1/407)


فصل فِي الْمزَارِع يدْفع الى آخر مُزَارعَة
وَفِي الأَصْل إِذا كَانَ الْبذر من الْمزَارِع لَهُ أَن يدْفع الى آخر مُزَارعَة وَإِن لم يَأْذَن لَهُ رب الأَرْض أصلا فَلَو دفع الْمزَارِع مُزَارعَة بِالنِّصْفِ الى آخر على أَن يعْمل ببذره وَالشّرط فِي الْمُزَارعَة الأولى أَيْضا النّصْف فالخارج بَين رب الأَرْض والمزارع الثَّانِي نِصْفَانِ وَلَا شَيْء للمزارع الأول الْكل فِي الأَصْل هَذَا مَا يسر الله نَقله من الْخُلَاصَة وَالله الْمُوفق = كتاب الْمُسَاقَاة
الْمُسَاقَاة هِيَ فِي الأَصْل دفع الشّجر الى من يصلحه بِجُزْء من ثمره وَهِي كالمزارعة حكما وَخِلَافًا وشروطا فَإِن حكم الْمُسَاقَاة حكم الْمُزَارعَة وَإِن الْفَتْوَى على صِحَّتهَا وَفِي أَنَّهَا بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله خلافًا لَهما وَفِي أَن شُرُوطهَا كشروطها وَفِي كل شَرط يُمكن وجوده فِي الْمُسَاقَاة كأهلية الْعَاقِدين وَبَيَان نصيب الْعَامِل والتخلية بَين الْأَشْجَار وَالْعَامِل وَالشَّرِكَة فِي الْخَارِج فَأَما بَيَان البذور وَنَحْوه فَلَا يُمكن فِي الْمُسَاقَاة وَعند الشَّافِعِي الْمُسَاقَاة جَائِزَة والمزارعة إِنَّمَا تجوز فِي ضمن الْمُسَاقَاة لِأَن الأَصْل هُوَ الْمُضَاربَة وَالْمُسَاقَاة أشبه بهَا لِأَن الشّركَة فِي الرِّبْح فَقَط وَفِي الْمُزَارعَة لَا تجوز الشّركَة فِي مُجَرّد الرِّبْح وَهُوَ مَا زَاد على الْبذر إِلَّا الْمدَّة فَإِنَّهَا تصح بِلَا ذكرهَا اسْتِحْسَانًا فَإِن لإدراك الثَّمر وقتا مَعْلُوما وَيَقَع على أول ثَمَرَة تخرج وَإِدْرَاك بذر الرّطبَة كإدراك الثَّمر الرّطبَة بِالْفَارِسِيَّةِ سبست فَإِنَّهُ اذن دفع الرّطبَة مُسَاقَاة وَلَا يشْتَرط بَيَان الْمدَّة فتمتد الى إِدْرَاك بذر الرّطبَة فَإِنَّهُ كإدراك الثَّمر فِي الشّجر أَقُول الْغَالِب أَن الْبذر فِيهَا غير مَقْصُود بل تحصد فِي كل سنة سِتّ مَرَّات أَو أَكثر وَإِن أُرِيد الْبذر تحصد مرّة وتترك مرّة ثَانِيَة الى أَن يدْرك الْبذر فَفِيمَا لَا يُوجد الْبذر يَنْبَغِي أَن تقع على السّنة الأولى وَذكر مُدَّة لَا يخرج الثَّمر فِيهَا يُفْسِدهَا وَذكر مُدَّة قد تبلغ فِيهَا وَقد لَا تبلغ تصح فَلَو خرج فِي وَقت مُسَمّى فعلى الشَّرْط وَإِلَّا فللعامل أجر الْمثل أَي يعْمل الى إِدْرَاك الثَّمَرَة وَيصِح فِي الْكَرم وَالشَّجر والرطاب وأصول الباذنجان وَالنَّخْل إِن كَانَ فِيهِ ثَمَر إِلَّا مدْركا كالمزارعة هَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا تصح إِلَّا فِي الْكَرم وَالنَّخْل وَإِنَّمَا تصح فيهمَا بِحَدِيث خَيْبَر وَفِي غَيرهمَا بَقِي على الْقيَاس وَعِنْدنَا تصح فِي جَمِيع مَا ذكر لحَاجَة النَّاس ثمَّ إِذا صحت تصح إِذا استحصد لَكِن إِجَارَة الأَرْض لَا تصح إِلَّا أَن تكون خَالِيَة عَن زرع الْمَالِك فَإِن مَاتَ أَحدهمَا أَو مَضَت مدَّتهَا والثمرنيء يقوم الْعَامِل عَلَيْهِ أَو وَارثه وَإِن كره الدَّافِع أَو ورثته أَي إِن مَاتَ الْعَامِل وَالثَّمَر نيء يقوم وَرَثَة الْعَامِل عَلَيْهِ وَإِن كره الدَّافِع وَإِن مَاتَ الدَّافِع يقوم الْعَامِل كَمَا كَانَ وَإِن كره وَرَثَة الدَّافِع اسْتِحْسَانًا دفعا للضَّرَر وَلَا تفسخ إِلَّا بِعُذْر وَكَون الْعَامِل مَرِيضا لَا يقدر على الْعَمَل أَو سَارِقا يخَاف على سعفه أَو ثمره مِنْهُ عذر وَلَو دفع فضاء مُدَّة مَعْلُومَة ليغرس وَيكون الشّجر وَالْأَرْض بَينهمَا لَا يَصح لاشْتِرَاط الشّركَة فِيمَا هُوَ حَاصِل قبل الشّركَة وَالثَّمَر وَالْغَرْس لرب الأَرْض وَللْآخر قيمَة غرسه وَأجر عمله لِأَنَّهُ فِي معنى قفيز الطَّحَّان لِأَنَّهُ اسْتِئْجَار بِبَعْض مَا يخرج من عمله وَهُوَ نصف الْبُسْتَان وَإِنَّمَا لَا يكون الْغِرَاس لصَاحبه لِأَنَّهُ غرس بِرِضَاهُ ورضى صَاحب الأَرْض فَصَارَ تبعا للْأَرْض وحيلة الْجَوَاز أَن يَبِيع نصف الْغِرَاس بِنصْف الأَرْض ويستأجر صَاحب الأَرْض الْعَامِل ثَلَاث سِنِين مثلا بِشَيْء قَلِيل ليعْمَل فِي نصِيبه هَذَا مَا يسر الله نَقله من صدر الشَّرِيعَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

(1/408)