مجمع الضمانات

[بَاب فِي الشَّهَادَةِ]
[مَسْأَلَة خَطَأ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ إذَا رجع الشُّهُود عَنْ شَهَادَتهمْ]
(الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الشَّهَادَةِ)
وَفِيهَا مَسْأَلَةُ خَطَأِ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَفْسَخْ الْحُكْمَ وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يُحَلِّفُهُمَا وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ يُقْبَلُ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ، وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْمَالِ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَا نِصْفَ الْحَقِّ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِنَّ رُبُعُ الْحَقِّ وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْحَقِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ فَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشَرَةُ دُونَ الرَّجُلِ

(1/359)


كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ بِنِكَاحٍ بِمِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا إذَا شَهِدَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا حُكْمَ لِلرُّجُوعِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي، وَإِذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَشْهَدَا بِالْمَالِ مِنْ قِبَلِ الرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا تَصَادَقَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذَا السَّبَبِ فَالْقَاضِي لَا يُلْزِمُهُمَا الضَّمَانَ وَإِنْ رَجَعَا عِنْدَ الْقَاضِي أَوَّل مَرَّةٍ وَجَحَدَ الرُّجُوعَ فَقَامَتْ عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ بِالرُّجُوعِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ ذَلِكَ وَيُضَمِّنُهُمَا الْمَالَ وَكَذَا لَوْ رَجَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَا عِنْدَهُ فَضَمَّنَهُمَا ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَصَمُوا إلَى غَيْرِهِ.

وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَقَرَّ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ غَيْرِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَطَرِيقُ صِحَّتِهِ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا رُجُوعًا مُبْتَدَأً لَا أَنْ يُعْتَبَرَ الرُّجُوعُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ غَيْرَ مَجْلِسِ الْقَاضِي.
وَلَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهُ وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَشَهِدَا أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا.
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَيْنٍ وَالتَّسْلِيمِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَإِنْ ضَمِنَا لَا رُجُوعَ لَهُمَا وَلَا لِلْوَاهِبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ انْتَهَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ.

شَاهِدَانِ شَهِدَا بِمَالٍ ثُمَّ دَعَاهُمَا الْقَاضِي إلَى الصُّلْحِ وَاصْطَلَحَا عَلَى بَعْضِهِ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا مِنْ الْقُنْيَةِ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مِنْ الْمَجْمَعِ.

وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَضْمَنَا بَعْدَ الْوَطْءِ ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ.

إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ ثُمَّ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى بِالزِّنَا بِأُخْرَى وَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا ضَمِنُوا دِيَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ رَجَعَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ اثْنَانِ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لِبَقَاءِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا وَزَكَّاهُمْ الْمُزَكُّونَ، وَقَالُوا: هُمْ أَحْرَارٌ وَرُجِمَ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ كُلُّهُمْ ضَمِنَ الْمُزَكُّونَ دِيَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ تَعَمَّدُوا الْكَذِبَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُونَ وَتَكُونُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ أَخْطَئُوا فَضَمَانُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: وَقَالُوا: هُمْ أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا رُجِمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا بَعْدَ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ اتِّفَاقًا مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ مَسَائِلِ ضَمَانِ الشَّاهِدِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَلْيُطْلَبْ مِنْ هُنَاكَ مَا لَمْ يُوجَدْ.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ شَهِدُوا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ وَإِنْ شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ.

وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، وَإِنْ قَالُوا

(1/360)


أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا، وَهَذِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ جَمِيعًا فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لَا غَيْرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمْ فِي التَّضْمِينِ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَت إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ.

وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يُضَمَّنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فِي التَّزْكِيَةِ لَا يُضَمَّنُونَ اتِّفَاقًا انْتَهَى.

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ وَالتَّلَفُ يُضَافُ إلَى مُثْبِتِي السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْيَمِينِ دُونَ شُهُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ: وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ الْهِدَايَةِ.

إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَشَهِدَا آخَرَانِ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا السَّبَبَ، وَهُوَ الطَّلَاقُ إنَّمَا التَّفْوِيضُ شَرْطُ كَوْنِهِ سَبَبًا، وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِيَدِ فُلَانٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْعَتَاقِ دُونَ التَّفْوِيضِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَمَرَ فُلَانًا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ عَلَّقَ وَشَاهِدَانِ أَنَّهَا دَخَلَتْ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ السَّبَبِ مِنْ الصُّغْرَى.

الشَّاهِدُ لَوْ أَنْكَرَ شَهَادَتَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ الرُّجُوعُ أَنْ يَقُولَ: كُنْت مُبْطِلًا فِي الشَّهَادَةِ.

رَجُلٌ مَاتَ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهَا امْرَأَةُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ نِكَاحَهَا فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ غَيْرُهَا، وَحُكِمَ لَهَا بِإِرْثٍ، وَأَهْلَكَتْهُ ثُمَّ بَرْهَنَ الْوَلَدُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ فَتُضَمَّنُ الْمَرْأَةُ لَا الشَّاهِدُ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ مَاتَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ زِيَادَةٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ قَالَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ كَفَى لِلْحُكْمِ بِالْإِرْثِ فَذِكْرُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ فَلَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِنِكَاحٍ كَانَ وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا بَلْ صَدَّقَهُمَا الْوَلَدُ حَيْثُ بَرْهَنَ عَلَى الطَّلَاقِ كَذَا هُنَا، وَهَذَا أَصْلٌ مُمَهِّدٌ فِي تَضْمِينِ الشَّاهِدِ أَنَّهُمَا مَتَى ذَكَرَا شَيْئًا هُوَ لَازِمٌ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ ضَمِنَا، وَمَتَى ذَكَرَا شَيْئًا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَضْمَنَا مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ.

شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَخُو الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ لِلْآخَرِ أَنَّهُ ابْنَهُ يُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ وَيَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَلِلِابْنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَخَ أَوْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَخَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْأَخِ مِنْ الْوَجِيزِ.

مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لَوْ مَاتَ فَادَّعَى رَجُلٌ إرْثَهُ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَشَهِدَا أَنَّ لَهُ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَحُكِمَ لَهُ بِإِرْثِهِ فَأَتْلَفَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ بَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ نَقَضَ وَلَاءَ الْأَوَّلِ وَوَالَى هَذَا الثَّانِي وَمَاتَ وَهَذَا الثَّانِي مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ

(1/361)


لَهُ غَيْرُهُ يُحْكَمُ بِالْإِرْثِ لِلثَّانِي وَيُخَيَّرُ الثَّانِي إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الْمَشْهُودَ لَهُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيمَا لِلْحُكْمِ بِهِ تَعَلُّقٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُمَا هُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْحُكْمِ لَهُ بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِأَصْلِ الْوَلَاءِ وَلَمْ يَقُولَا: إنَّهُ وَارِثُهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِرْثِ فَوَرِثَهُ بِقَوْلِهِمَا إنَّهُ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ الْيَوْمَ فَظَهَرَ كَذِبُهُمَا فَضَمِنَا بِخِلَافِ شَهَادَةِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ فِي اشْتِرَاطِ قَوْلِ الشَّاهِدِ وَوَارِثِهِ فِي الْوَلَاءِ دُونَ النِّكَاحِ؛ إذْ الْمَوْلَى لَا يَرِثُهُ فِي كُلِّ حَالٍ بَلْ قَدْ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ وَارِثَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا تُحْجَبُ بِغَيْرِهَا (أَقُولُ) : الْمَرْأَةُ لَا تَرِثُهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَقَتْلِهَا زَوْجَهَا فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ هِيَ وَارِثَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا قَوْلُهُمَا وَارِثَتُهُ أَيْضًا فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ مِنْ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعَ عَشَرَ.

رَجُلٌ قَيَّدَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهُ رِطْلَا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ حَلَفَ وَقَالَ: إنْ حَلَّهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ إنَّ وَزْنَ قَيْدِهِ نِصْفُ رَطْلٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِعِتْقِهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَحَلَّ فَوَزَنَ فَإِذَا هُوَ رَطْلٌ يَضْمَنُ الشَّاهِدَانِ قِيمَةَ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنَانِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ تَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فَنَفَذَ الْعِتْقُ بِالشُّهُودِ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُونَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَنْفُذُ بَاطِنًا فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ بَلْ إلَى الْحَلِّ فَلَا يَضْمَنُونَ مِنْ الْحَقَائِقِ.

إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَا وَضَمِنَا قِيمَتَهُ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِتْقِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ حَتَّى سَقَطَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْعُ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْعِتْقِ أَوْ فَرْعُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالثَّانِي كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَوَجْهُ كُلٍّ مَذْكُورٌ فِيهِ.

لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ أَوْفَاهُ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَا وَرَجَعَا بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إلَى أَجَلِهِ وَلَوْ قَبَضَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ الْمَطْلُوبِ يَبْرَأُ الشَّاهِدَانِ عَنْ الضَّمَانِ.

لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ الثُّلُثُ وَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ ثُلُثٌ.

الشُّهُودُ بِالْبَيْعِ لَوْ رَجَعُوا ضَمِنُوا قِيمَةَ الْمَبِيعِ لَا الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ وَعَلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ضَمِنُوا قِيمَةَ الْمَبِيعِ لَا الْفَضْلَ، وَإِنْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ ثُمَّ شَهِدُوا بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ ضَمِنُوا الثَّمَنَ.

شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَانِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعُوا أَنَّ فَسْخَ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ أَجَازَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ، وَلَا أَجَازَهُ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ، وَاسْتَقَرَّ الْبَيْعُ ضَمِنُوا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ.

شَاهِدَا الْمَوْهُوبِ وَشَاهِدَا الرَّهْنِ وَشَاهِدَا الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَوْ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إلَّا فِي الرَّهْنِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَا الْفَضْلَ عَلَى الدَّيْنِ وَلَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَضْمَنَا الْفَضْلَ وَيَضْمَنَانِ قَدْرَ الدَّيْنِ لِلْمُرْتَهِنِ.

شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ مُقِرٌّ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَا بَلْ عَلَى الْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ

(1/362)


رَجَعَا ضَمِنَا تِسْعَمِائَةٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا.

شَهِدَ رَجُلَانِ بِالطَّلَاقِ وَآخَرَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ لَا يَضْمَنَانِ، وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ لَا غَيْرُ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ فَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ، وَعَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ رُبُعُهُ.

شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ.

شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَيَسْتَسْعِيَانِهِ بِالْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا، وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِمَا فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ، وَرَدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِمْ.

شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا.

شَهِدَا عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا خَطَأً، وَقَبَضَ كُلَّ الدِّيَةِ بِقَضَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَإِنْ شَاءَتْ الْعَاقِلَةُ رَجَعُوا عَلَى الْوَلِيِّ بِالدِّيَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعُوا عَلَى الشُّهُودِ، فَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ، وَرَجَعُوا عَلَى الْوَلِيِّ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْوَلِيَّ لَمْ يَرْجِعْ فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، وَقُتِلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ حَيًّا فَوَرَثَةُ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ الْوَلِيِّ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوهَا مِنْ الشُّهُودِ وَلَا يَرْجِعُ الشُّهُودُ عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعَانِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ.

وَلَوْ شَهِدُوا بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِأَلْفٍ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّجُلَ أَبُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ رَدَّتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَبْدَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِأَلْفٍ فَقَضَى بِهِ، وَدَفَعَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً وَقَضَى بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ ضَمِنَ الشَّاهِدَانِ وَلَوْ شَهِدَا فِي الْمَاضِي لَا يَضْمَنَانِ.

شَهِدَا بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا.
وَلَوْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ الْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنُوا مَا وَرِثَهُ مِنْ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ الْمَعْرُوفِينَ.

شَهِدَا بِالْوَصِيَّةِ لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ فِي حَيَاةِ الْمُوصَى أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنَا جَمِيعَ الثُّلُثِ مِنْ الْوَجِيزِ.

رَجُلَانِ فِي أَيْدِيهِمَا رَهْنٌ لِرَجُلَيْنِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى الرَّهْنَ فَشَهِدَ لَهُ الْمُرْتَهِنَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِإِبْطَالِ الْيَدِ، وَلَوْ شَهِدَ الرَّاهِنَانِ لِغَيْرِهِمَا بِالرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّاهِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ عَلَيْهِ يَدًا أَثْبَتَاهَا بِالرَّهْنِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَيْنِ يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الرَّهْنِ لِلْمُدَّعِي، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَشَهِدَ بِهَا الْمُرْتَهِنَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الرَّاهِنَيْنِ وَيَضْمَنَانِ الرَّهْنَ لِلْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُمَا كَانَا غَاصِبَيْنِ.

رَجُلَانِ شَهِدَا لِرَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ شَهِدَ الرَّجُلَانِ بِدَيْنٍ لِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَالَ الْأَوَّلَانِ: كُنَّا أَبْرَأْنَاهُ مِنْ دَيْنِنَا، وَلَا حَقَّ لَنَا قِبَلَهُ جَازَتْ شَهَادَةُ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَوْ قَالَا: وَصَلَنَا مِنْهُ الدَّيْنُ فِي حَيَاتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا.

رَجُلٌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِهَا، وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بِنَائِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا

(1/363)


لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ قَاضِي خَانْ.

شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ عَامَ أَوَّل أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا بِيَوْمٍ فَحُكِمَ بِالْبَرَاءَةِ وَبِرَدِّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا عَايَنَا الْقَرْضَ عَامَ أَوَّلَ فَشَهِدَا بِهِ وَلَمْ يَعْرِفَا الْبَرَاءَةَ فَلَمْ يَشْهَدَا بِالْقَرْضِ لِلْحَالِ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدَا بِقَرْضٍ، وَشَهِدَا أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ، وَيُخَيَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّقَا عَلَيْهِ إيجَابَ الْمَالِ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يُخْبِرَا عَنْ شَيْءٍ مَضَى فَظَهَرَ كَذِبُهُمَا مِنْ الْفُصُولَيْنِ.

لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ فَثُلُثُ الضَّمَانِ عَلَى مُدَّعِي الِاثْنَيْنِ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى مُدَّعِي الْأَرْبَعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ.
وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَيْنِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ، وَقَضَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ ثُمُنَيْنِ وَنِصْفًا بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ نِصْفَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى التَّلْقِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَقَّنَنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحَسِبْنَا أَنَّنَا فَهِمْنَا فَلَمْ تَبْقَ مَعَنَا إلَى عَتَبَةِ الْبَابِ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ النَّظَرِ إلَى الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ لَقَّنَنَا كَانَ يَنْظُرُ بَعْضُنَا إلَى بَعْضٍ هَلْ فَهِمْت فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْ، وَقَدْ حُقِّقَ وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ كَمَا يَنْبَغِي فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيُرَاجِعْ.

وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ قَالَا بِخَمْسِمِائَةٍ حَالَةً وَأَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ، وَالْبَائِعُ يَجْحَدُ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَةَ الْعَبْدِ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُمَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَكَذَا هُمَا وَإِذَا رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي يَطِيبُ لَهُمَا وَيَتَصَدَّقَانِ بِالْفَضْلِ وَمِثْلُهُ لَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ الْبَائِعَ أَخَّرَ الثَّمَنَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا ضَمِنَا الثَّمَنَ خَمْسَمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يُتْلِفَا ذَلِكَ الثَّمَنَ عَلَى الْبَائِعِ فَقَدْ فَوَّتَا عَلَيْهِ إمْكَانَ أَخْذِ الثَّمَنِ حَالًّا فَيَضْمَنَانِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ حَالَّةً فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالْأَجَلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا إمْكَانَ الْأَخْذِ كَذَا هَاهُنَا مِنْ الصُّغْرَى.

الْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ كَانَ خَطَؤُهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ بِجَوْرٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ السِّيَرِ.