مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح

ص -71-        كتاب الصلاة
يشترط لفرضيتها ثلاثة أشياء الإسلام والبلوغ والعقل وتؤمر بها الأولاد لسبع سنين وتضرب عليها لعشر بيد لا بخشبة,......................................
ــــــــــــــــــــ
كتاب الصلاة
لا بد من بيان معناها لغة وشريعة ووقت افتراضها وعدد أوقاتها وبيانها وركعاتها وحكمة افتراضها وسببها وشرطها وحكمها وركنها وصفتها.
فهي في اللغة عبارة عن الدعاء وفي الشريعة عبارة عن الأركان والأفعال المخصوصة وفرضت ليلة المعراج وعدد أوقاتها خمس للحديث والإجماع والوتر واجب ليس منها وفرضت في الأصل ركعتين ركعتين إلا المغرب فأقرت في السفر وزيدت في الحضر إلا في الفجر وحكمة افتراضها شكر1 المنعم وسببها الأصلي خطاب الله تعالى الأزلي والأوقات أسباب ظاهرا تيسيرا وشروطها ستعلمها وحكمها سقوط الواجب ونيل الثواب وأركانها ستعلمها وصفتها إما فرض أو واجب أو سنة ستعلمها مفصلة إن شاء الله تعالى
"يشترط لفرضيتها" أي لتكليف الشخص بها "ثلاثة أشياء الإسلام" لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة "والبلوغ" إذ لا خطاب على صغير "والعقل" لانعدام التكليف دونه "و" لكن "تؤمر بها الأولاد" إذا وصلوا في السن "لسبع سنين وتضرب عليها لعشر بيد لا بخشبة" أي عصا كجريدة رفقا به وزجرا بحسب طاقته ولا يزيد على ثلاث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حكم الصلاة كثيرة:
أ‌- صقل القلب وتجديد ذكر الله ودوام الاتصال به والقيام بحقه.
ب‌- إصلاح حال العبد بابتعاده عن الفحشاء والمنكر إذا ذكر الله وكان على اتصال به وتصور ما يتلوه من آيات الوعد والوعيد.
ج- تربية نفسية إذا أديت على أكمل وجه فتحو لبين الإنسان والرذائل.
د- تربية عقلية إذا تصور ما يتلوه في الصلاة من كتاب الله الذي جمع كل شيء
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
هـ- تربية بدنية لما تستلزمه من طهارة وحركات رياضية.
و- تربية اجتماعية:إذا أديت بجماعة وعرف المصلي مكانه وانتظم مع الناس وانقاد لإمامه لا يسبقه بعمل, فإن سها نبهه إلى غير ذلك.

 

ص -72-        وأسبابها أوقاتها وتجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأوقات خمسة وقت الصبح من طلوع الفجر الصادق الى قبيل طلوع الشمس ووقت الظهر من زوال الشمس الى أن يصير ظل كل شيء مثليه أو مثله سوى ظل الاستواء واختار الثاني الطحاوي و هو قول الصاحبين ووقت العصر من ابتداء الزيادة على المثل أو المثلين الى غروب الشمس والمغرب منه الى غروب الشفق الاحمر على المفتى به والعشاء والوتر منه.
ــــــــــــــــــــ
ضربات بيده قال صلى الله عليه وسلم:
"مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " "وأسبابها أوقاتها وتجب" أي يفترض فعلها "بأول الوقت وجوبا موسعا" فلا حرج حتى يضيق عن الأداء فيتوجه الخطاب حتما ويأثم بالتأخير عنه
أولها "وقت" صلاة "الصبح" الوقت مقدار من الزمن مفروض لأمر ما "من" ابتداء "طلوع الفجر" لإمامة جبريل حين طلع الفجر "الصادق" وهو الذي يطلع عرضا منتشرا والكاذب يظهر طولا ثم يغيب وقد أجمعت الأمة على أن أوله الصبح الصادق وآخره "إلى قبيل طلوع الشمس" لقوله عليه السلام:
"وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول " "و" ثانيها "وقت" صلاة "الظهر من زوال الشمس" عن بطن السماء بالاتفاق ويمتد إلى وقت العصر وفيه روايتان عن الإمام في رواية "إلى" قبيل "أن يصير ظل كل شيء مثليه" سوى فيء الزوال لتعارض الآثار وهو الصحيح وعليه جل المشايخ والمتون والرواية الثانية أشار إليها بقوله "أو مثله" مرة واحدة "سوى ظل الاستواء" فإنه مستثنى على الروايتين والفيء بالهمز بوزن الشيء ما نسخ الشمس بالعشي والظل ما نسخته الشمس بالغداة "واختار الثاني الطحاوي وهو قول الصاحبين" أبي يوسف ومحمد لإمامة جبريل العصر فيه ولكن علمت أن أكثر المشايخ على اشتراط بلوغ الظل مثليه والأخذ به أحوط لبراءة الذمة بيقين إذ تقديم الصلاة عن وقتها لا يصح وتصح إذا خرج وقتها فكيف والوقت باق اتفاقا وفي رواية أسد إذا خرج وقت الظهر بصيرورة الظل مثله لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فبينهما وقت مهمل فالاحتياط أن يصلى الظهر قبل أن يصير الظل مثله والعصر بعد مثليه ليكون مؤديا بالاتفاق كذا في المبسوط
- 3 - "و" أول "وقت العصر من ابتداء الزيادة على المثل أو المثلين" لما قدمناه من الخلاف "إلى غروب الشمس" على المشهور لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" وقال الحسن بن زياد إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر وحمل على وقت الاختيار "و" أول وقت "المغرب منه" أي غروب الشمس "إلى" قبيل "غروب الشفق الأحمر على المفتى به" وهو رواية عن الإمام وعليها الفتوى وبها قالا لقول ابن عمر: الشفق الحمرة وهو مروي عن أكثر الصحابة وعليه إطباق أهل اللسان ونقل رجوع الإمام إليه.

 

ص -73-        الى الصبح ولا تقدم الوتر على العشاء للترتيب اللازم ومن لم يجد وقتهما لم يجبا عليه ولا يجمع بين فرضين في وقت بعذر إلا في عرفة للحاج بشرط الإمام الأعظم والإحرام فيجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم ويجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة ولم تجز المغرب في طريق مزدلفة
ــــــــــــــــــــ
"و" ابتداء وقت صلاة "العشاء والوتر منه" أي من غروب الشفق على الاختلاف الذي تقدم "إلى" قبيل طلوع "الصبح" الصادق لإجماع السلف وحديث إمامة جبريل لا ينفي ما وراء وقت إمامته وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله زادكم صلاة ألا وهو الوتر فصلوها ما بين العشاء الأخيرة إلى طلوع الفجر " "ولا يقدم" صلاة "الوتر على" صلاة "العشاء" لهذا الحديث و "للترتيب اللازم" بين فرض العشاء وواجب الوتر عند الإمام "ومن لم يجد1 وقتهما" أي العشاء والوتر "لم يجبا عليه" بأن كان في بلد كبلغار وبأقصى الشرق يطلع فيها الفجر قبل مغيب الشفق في أقصر ليالي السنة لعدم وجود السبب وهو الوقت وليس مثل اليوم الذي كسنة من أيام الدجال للأمر فيه بتقدير الأوقات وكذا الآجال في البيع والإجارة والصوم والحج والعدة كما بسطناه في أصل هذا المختصر والله الموفق "ولا يجمع بين فرضين في وقت" إذ لا تصح التي قدمت عن وقتها ولا يحل تأخير الوقتية إلى دخول وقت آخر "بعذر" كسفر ومطر وحمل المروي في الجمع من تأخير الأولى إلى قبيل آخر وقتها وعند فراغه دخل وقت الثانية فصلاها فيه "إلا في عرفة للحاج" لا لغيرهم "بشرط":
أن يصلي الحاج مع "الإمام الأعظم" أي السلطان أو نائبه كلا من الظهر والعصر ولو سبق فيهما "و" بشرط "الإحرام" بحج لا عمرة حال صلاة كل من الظهر والعصر ولو أحرم بعد الزوال في الصحيح وصحة الظهر ؟ ؟ فلو تبين فساده أعاد. ويعيد العصر إذا دخل وقته المعتاد فهذه أربعة شروط لصحة الجمع عند الإمام وعندهما يجمع الحاج ولو منفردا قال في البرهان وهو الأظهر "فيجمع" الحاج "بين الظهر والعصر جمع تقديم" في ابتداء وقت الظهر بمسجد نمرة كما هو العادة فيه بأذان واحد وإقامتين ليتنبه للجمع ولا يفصل بينهما بنافلة ولا سنة الظهر "ويجمع" الحاج "بين المغرب والعشاء" جمع تأخير فيصليهما "بمزدلفة" بأذان واحد وإقامة واحدة لعدم الحاجة للتنبيه بدخول الوقتين ولا يشترط هنا سوى المكان والإحرام "ولم تجز المغرب في طريق مزدلفة" يعني الطريق المعتاد للعامة لقوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يصلي المغرب في الطريق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في [المفتاح] و [سبيل الفلاح] ما يفيد أن البلاد القطبية يطلع فيها الفجر قبل مغيب الشفق الأحمر. والصواب: أنها تستمر في نهار دائم ستة أشهر ومثلها ليلا كما يقول الجغرافيون وعلماء الحنفية مختلفون في هذا فمنهم من أوجب الصلاة بتقدير الأوقات قياسا على أيام الدجال ومنهم من أسقطها.

 

ص -74-        ويستحب الإسفار بالفجر للرجال والإبراد بالظهر في الصيف وتعجيله في الشتاء إلا في يوم غيم فيؤخر فيه وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس وتعجيله في يوم الغيم,
ــــــــــــــــــــ
"الصلاة أمامك" فإن فعل ولم يعده حتى طلع الفجر أو خاف طلوعه صح "و" لما بين أصل الوقت بين المستحب منه بقوله:  "يستحب الإسفار" وه التأخير للإضاءة "بالفجر" بحيث لو ظهر فسادها أعادها بقراءة مسنونة قبل طلوع الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم:
"أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" وقال عليه السلام: "نوروا بالفجر يبارك لكم" ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها وما يؤدي إلى التكثير أفضل وليسهل تحصيل ما ورد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة تامة وعمرة تامة" حديث حسن وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال دبر صلاة الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم يتبع بذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى" قال الترمذي حديث حسن. وفي بعض النسخ حسن صحيح ذكره النووي وقال صلى الله عليه وسلم: "من مكث في مصلاه بعد الفجر إلى طلوع الشمس كان كمن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل " وقال عليه السلام: "من مكث في مصلاه بعد العصر إلى غروب الشمس كان كمن أعتق ثمان رقاب من ولد إسماعيل " وزاد الثواب لانتظار فرض وفي الأول لنفل والإسفار بالفجر مستحب سفرا وحضرا "للرجال" إلا في مزدلفة للحاج فإن التغليس لهم أفضل لواجب الوقوف بعده بها كما هو في حق النساء دائما لأنه أقرب للستر وفي غير الفجر الانتظار إلى فراغ الرجال من الجماعة "و" يستحب "الإبراد1 بالظهر في الصيف" في كل البلاد لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم " والجمعة كالظهر "و" يستحب "تعجيله" أي الظهر "في الشتاء" وفي الربيع والخريف لأنه عليه السلام كان يعجل الظهر بالبرد "إلا في يوم غيم" خشية وقوعه قبل وقته "فيؤخر" استحبابا "فيه" أي يوم غيم إذ لا كراهة في وقته فلا يضر تأخيره "و" يستحب "تأخير" صلاة "العصر" صيفا وشتاء لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية ويتمكن من النفل قبله "ما لم تتغير الشمس" بذهاب ضوئها فلا يتحير فيه البصر وهو الصحيح والتأخير إلى التغير مكروه تحريما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافقين" - ثلاثا - "يجلس أحدكم حتى لو اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان ينقر كنقر الديك لا يذكر الله إلا قليلا " ولا يباح التأخير لمرض وسفر "و" يستحب "تعجيله" أي العصر "في يوم الغيم" مع تيقن دخولها خشية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإبراد: حده أن يتمكن الماشون إلى المسجد من السير في ظل الجدران.

 

ص -75-        وتعجيل المغرب إلا في يوم غيم فتؤخر فيه وتأخير العشاء الى ثلث الليل وتعجيله في الغيم و تأخير الوتر الى آخر الليل لمن يثق بالانتباه.
ــــــــــــــــــــ
الوقت المكروه "و" يستحب "تعجيل" صلاة "المغرب" صيفا وشتاء ولا يفصل بين الأذان والإقامة فيه إلا بقدر ثلاث آيات أو جلسة خفيفة لصلاة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم بأول الوقت في اليومين وقال عليه الصلاة والسلام:
"إن أمتي لن يزالوا بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود " فكان تأخيرها مكروها "إلا في يوم غيم" وإلا من عذر سفر أو مرض وحضور مائدة والتأخير قليلا لا يكره وتقدم المغرب ثم الجنازة ثم سنة المغرب وإنما يستحب في وقت الغيم عدم تعجليها لخشية وقوعها قبل الغروب لشدة الالتباس "فتؤخر فيه" حتى يتيقن الغروب "و" يستحب "تأخير" صلاة "العشاء إلى ثلث الليل" الأول في رواية الكنز وفي القدوري إلى ما قبل الثلث قال صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" وفي مجمع الروايات التأخير إلى النصف مباح في الشتاء لمعارضة دليل الندب وهو قطع السمر المنهي عنه دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة لأنه أقل ما يقوم الناس إلى نصف الليل فتعارضا فثبتت الإباحة والتأخير إلى ما بعد النصف مكروه لسلامة دليل الكراهة عن المعارض والكراهة تحريمية "و" يستحب "تعجيله" أي العشاء "في" وقت "الغيم" في ظاهر الرواية لما في التأخير من تقليل الجماعة لمظنة المطر والظلمة وقيدنا السمر بالمنهي عنه وهو ما فيه لغو أو يفوت قيام الليل أو يؤدي إلى تفويت الصبح وأما إذا كان السمر لمهمة أو قراءة القرآن وذكر وحكايات الصالحين ومذاكرة فقه وحديث مع ضيف فلا بأس به والنهي ليكون ختم الصحيفة بعبادة كما بدئت بها ليمحي ما بينهما من الزلات " {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: من الآية114] " "و" يستحب "تأخير" صلاة "الوتر" ضد الشفع بسكون التاء وفتح الواو وكسرها "إلى" قبيل "آخر الليل لمن يثق بالانتباه" وأن لا يوتر قبل النوم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة الليل مشهودة" وذلك أفضل وسنذكر الخلاف في وتر رمضان.

فصل في الأوقات المكروهة
ثلاثة أوقات لا يصح فهيا شيء من الفرائض والواجبات التي لزمت في الذمة
ــــــــــــــــــــ
فصل في الأوقات المكروهة
"ثلاثة أوقات لا يصح فيها شيء من الفرائض والواجبات1 التي لزمت في الذمة قبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الواجبات: كالوتر, والنذر المطلق, وركعتي الطواف وما أفسده من نفل شرع فيه في غير وقت مكروه, وسجدة تلاوة تليت آياتها في غيره.

 

ص -76-        قبل دخولها عند طلوع الشمس الى أن ترتفع وعند استوائها الى ان تزول وعند اصفرارها الى ان تغرب ويصح أداء ما وجب فيها مع الكراهة كجنازة حضرت وسجدة آية تليت كما ح عصر اليوم عند الغروب مع الكراهة والأوقات الثلاثة يكره فيها النافلة كراهة تحريم ولو كان لها سبب كالمنذور وركعتي الطواف ويكره التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته وبعد صلاته وبعد صلاة العصر,....................
ــــــــــــــــــــ
دخولها" أي الأوقات المكروهة أولها "عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع" وتبيض قدر رمح أو رمحين "و" الثاني "عند استوائها" في بطن السماء "إلى أن تزول" أي تميل إلى جهة الغرب "و" الثالث "عند اصفرارها" وضعفها حتى تقدر العين على مقابلتها "إلى أن تغرب" لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: "ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها وأن نقبر موتانا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند زوالها حتى تزول1 وحين تضيف إلى الغروب حتى تغرب" رواه مسلم. والمراد بقوله أن نقبر: صلاة الجنازة. إذ الدفن غير مكروه فكنى به عنها للملازمة بينهما وقد فسر بالسنة: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس الخ " وإذا أشرقت الشمس وهو في صلاة الفجر بطلت. فلا ينتقض وضوءه بالقهقهة بعده وعلى أنها تنقلب نفلا يبطل بالقهقهة ولا ننهى كسالى العوام عن صلاة الفجر وقت الطلوع لأنهم قد يتركونها بالمرة والصحة على قول مجتهد أولى من الترك "ويصح أداء ما وجب فيها" أي الأوقات الثلاثة لكن "مع الكراهة" في ظاهر الرواية "كجنازة حضرت وسجدة آية تليت فيها" ونافلة شرع فيها أو نذر أن يصلي فيها فيقطع ويقضي في كامل ظاهر الرواية فإن مضى عليها صح "كما صح عصر اليوم" بأدائه "عند الغروب" لبقاء سببه وهو الجزء المتصل به الأداء من الوقت "مع الكراهة" للتأخير المنهي عنه لا لذات الوقت بخلاف عصر مضى للزومه كاملا بخروج وقته فلا يؤدى في ناقص "والأوقات الثلاثة" المذكورة "يكره فيها النافلة كراهة تحريم ولو كان لها سبب كالمنذور وركعتي الطواف" وركعتي الوضوء وتحية المسجد والسنن الرواتب وفي مكة وقال أبو يوسف لا تكره النافلة حال الاستواء يوم الجمعة لأنه استثنى في حديث عقبة "ويكره التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته" قبل أداء الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم:
"ليبلغ شاهدكم غائبكم ألا لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين" وليكون جميع الوقت مشغولا بالفرض حكما ولذا تخفف قراءة سنة الفجر "و" يكره التنفل "بعد صلاته" أي فرض الصبح "و" يكره التنفل "بعد صلاة" فرض "العصر" وإن لم تتغير الشمس لقوله عليه السلام: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلا بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" رواه الشيخان والنهي بمعنى في غير الوقت وهو جعل الوقت كالمشغول فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي قرب زوالها وهو وقت الاستواء فالمعنى: عند استوائها حتى تزول, اهـ طحطاوي.

 

ص -77-        وقبل صلاة المغرب وعند خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلاة وعند الإقامة إلا سنة الفجر وقبل العيد ولو في المنزل وبعده في المسجد وبين الجمعين في عرفة ومزدلفة وعند ضيق وقت المكتوبة ومدافعة الأخبثين وحضور طعام تتوقه نفسه وما يشغل البال ويخل بالخشوع.
ــــــــــــــــــــ
بفرض الوقت حكما وهو أفضل من النفل الحقيقي فلا يظهر في حق فرض يقضيه وهو المفاد بمفهوم المتن "و" يكره التنفل "قبل صلاة المغرب" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"بين كل أذانين صلاة إن شاء إلا المغرب" قال الخطابي يعني الأذان والإقامة "و" يكره التنفل "عند خروج الخطيب" من خلوته وظهوره "حتى يفرغ من الصلاة" للنهي عنه سواء فيه خطبة الجمعة والعيد والحج والنكاح والختم والكسوف والاستسقاء "و" يكره "عند الإقامة" لكل فريضة "إلا سنة الفجر" إذا أمن فوت الجماعة "و" يكره التنفل "قبل" صلاة "العيد ولو" تنفل "في المنزل و" كذا "بعده" أي العيد "في المسجد" أي مصلى العيد لا في المنزل في اختيار الجمهور لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين "و" يكره التنفل "بين الجمعين في" جمع "عرفة" ولو بسنة الظهر "و" جمع "مزدلفة" ولو بسنة المغرب على الصحيح لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتطوع بينهما
"و" يكره "عند ضيق وقت المكتوبة" لتفويته الفرض عن وقته "و" يكره التنفل كالفرض حال "مدافعة" أحد "الأخبثين" البول والغائط وكذا الريح "و" وقت حضور طعام تتوقه نفسه "و" عند حضور كل "ما يشغل البال" عن استحضار عظمة الله تعالى والقيام بحق خدمته "ويخل بالخشوع" في الصلاة بلا ضرورة لإدخال النقص في المؤدي والله الموفق بمنه.

باب الأذان
لما ذكرت الأوقات التي هي أسباب ظاهرة على نعمة الله سبحانه وتعالى وإيجابه الغيبي ذكر الأذان الذي هو إعلام بدخولها وقدم السبب على العلامة لقربه ولأن الأوقات إعلام في حق الخواص والأذان إعلام في حق العوام والكلام فيه من جهة ثبوته وتسميته وأفضليته وتفسيره لغة وشريعة وسبب مشروعيته وسببه وشرطه وحكمه وركنه وصفته وكيفيته ومحل شرع فيه ووقته وما يطلب من سامعه وما أعد من الثواب لفاعله.
فثبوته بالكتاب والسنة وتسميته أذانا لأن من باب التفعيل. واختلف في أفضليته عندنا الإمامة أفضل منه ومعناه لغة الإعلام. وشريعة إعلام مخصوص1 وسبب مشروعيته مشاورة الصحابة في علامة يعرفون بها وقت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشرع في السنة الأولى من الهجرة وقيل في الثانية في المدينة المنورة وسببه دخول الوقت وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إعلام مخصوص بوقت الصلاة ولا يختص بأول الوقت بل قد يؤخر عنه مع صلاة يندب تأخيرها.

 

ص -78-        باب الأذان
سن الأذان والإقامة سنة مؤكدة للفرائض ولو منفردا أداء أو قضاء سفر أو حضرا للرجال وكرها للنساء ويكبر في أوله أربعا ويثني تكبير آخره كباقي ألفاظه ولا ترجيع في الشهادتين والإقامة مثله ويزيد بعد فلاح الفجر الصلاة خير من النوم مرتين وبعد فلاح الإقامة قد قامت الصلاة مرتين ويتمهل في الأذان ويسرع
ــــــــــــــــــــ
شرط له ومنه كونه باللفظ العربي على الصحيح من عاقل وشرط كماله كون المؤذن صالحا عالما بالوقت طاهرا متفقدا أحوال الناس زاجرا من تخلف عن الجماعة صيتا بمكان مرتفع مستقبلا وحكمه لزوم إجابته بالفعل والقول وركنه الألفاظ المخصوصة وصفته سنة مؤكدة وكيفيته الترسل ووقته أوقات الصلاة ولو قضاء ويطلب من سامعه الإجابة بالقول كالفعل وسنذكر بيان ألفاظه ومعانيها وثوابه.
"سن الأذان" فليس بواجب على الأصح لعدم تعليمه الأعرابي "و" كذا "الإقامة سنة مؤكدة" في قوة الواجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" وللمدوامة عليهما "للفرائض" ومنها الجمعة فلا يؤذن لعيد واستسقاء وجنازة ووتر فلا يقع أذان العشاء للوتر على الصحيح "ولو" صلى الفرائض "منفردا" بفلاة فإنه يصلي خلفه جند من جنود الله "أداء" كان "أو قضاء سفرا أو حضرا" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "للرجال وكرها" أي الأذان والإقامة "للنساء" لما روي عن ابن عمر من كراهتهما لهن "و" أشار إلى ضبط ألفاظه بقوله "يكبر في أوله أربعا" في ظاهر الرواية وروى الحسن مرتين ويجزم الراء في التكبير ويسكن كلمات الأذان والإقامة في الأذان حقيقة وينوي الوقف في الإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأذان جزم والإقامة جزم والتكبير جزم"1 أي لافتتاح الصلاة "ويثني تكبير آخره" عودا للتعظيم "كباقي ألفاظه" وحكمة التكرير تعظيم شأن الصلاة في نفس السامعين "ولا ترجيع في" كلمتي "الشهادتين" لأن بلالا رضي الله عنه لم يرجع وهو أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما "والإقامة مثله" لفعل الملك النازل "ويزيد" المؤذن "بعد فلاح الفجر" قوله "الصلاة خير من النوم" يكررها "مرتين" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا رضي الله عنه وخص به الفجر لأنه وقت نوم وغفلة "و" يزيد "بعد فلاح الإقامة قد قامت الصلاة" ويكررها "مرتين" كما فعله الملك "ويتمهل" يترسل "في الأذان" بالفصل بسكتة بين كل كلمتين2 "ويسرع"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا أصل له في المرفوع وإنما هو من كلام النخعى رواه عنه عبد الرزاق كما قال السيوطي في [الحاوي] نقلا عن الحافظ بن حجر.
2 أي جملتين إلا في التكبير الأول فإن السكتة تكون بعد تكبيرتين.

 

ص -79-        في الإقامة ولا يجزىء بالفارسية وإن علم أنه أذان في الأظهر ويستحب أن يكون المؤذن صالحا عالما بالسنة وأوقات الصلاة وعلى وضوء مستقبل القبلة إلا أن يكون راكبا وأن يجعل إصبعيه في أذنيه وأن يحول وجهه يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح ويستدير في صومعته ويفصل بين الأذان والإقامة بقدر ما يحضر الملازمون للصلاة مع مراعاة الوقت المستحب وفي المغرب بسكتة قدر قراءة ثلاث آيات قصار أو ثلاث خطوات ويثوب كقوله بعد الأذان الصلاة الصلاة يا مصلين ويكره التلحين وإقامة المحدث وأذانه وأذان الجنب وصبي لا يعقل ومجنون وسكران وامرأة
ــــــــــــــــــــ
أي يحدر "في الإقامة" للأمر بهما في السنة "ولا يجزئ" الأذان "بالفارسية" المراد غير العربي "وإن علم أنه أذان في الأظهر" لوروده بلسان عربي في أذان الملك النازل "ويستحب أن يكون المؤذن صالحا" أي متقيا لأنه أمين في الدين "عالما بالسنة" في الأذان "و" عالما بدخول "أوقات الصلاة" لتصحيح العبادة "و" أن يكون "على وضوء" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤذن إلا متوضئ" "مستقبل القبلة" كما فعله الملك النازل "إلا أن يكون راكبا" لضرورة سفر ووحل ويكره في الحضر راكبا في ظاهر الرواية "و" يستحب "أن يجعل أصبعيه في أذنيه" لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه:
"اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه " "و" يستحب "أن يحول وجهه يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح" ولو كان وحده في الصحيح لأنه سنة الأذان "ويستدير في صومعته" إن لم يتم الإعلام بتحويل وجهه "ويفصل بين الأذان والإقامة" لكراهة وصلها "بقدر ما يحضر" القوم "الملازمون للصلاة" للأمر به "مع مراعاة الوقت المستحب و" يفصل بينهما "في المغرب بسكتة" هي "قدر ثلاث آيات قصار" أو آية طويلة "أو" قدر "ثلاث خطوات" أو أربع "ويثوب"1 بعد الأذان في جميع الأوقات لظهور التواني في الأمور الدينية في الأصح وتثويب كل بلد بحسب ما تعارفه أهلها "كقوله" أي المؤذن "بعد الأذان: الصلاة الصلاة يا مصلين" قوموا إلى الصلاة "ويكره التلحين" وهو التطريب والخطأ في الإعراب وأما تحسين الصوت بدونه فهو مطلوب "و" يكره "إقامة المحدث وأذانه" لما روينا ولما فيه من الدعاء لما لا يجيب بنفسه واتبعت هذه الرواية لموافقتها نص الحديث وإن صحح عدم كراهة أذان المحدث "و" يكره "أذان الجنب" رواية واحدة كإقامته "و" يكره بل لا يصح أذان "صبي لا يعقل" وقيل والذي يعقل أيضا لما روينا "ومجنون" ومعتوه "وسكران" لفسقه وعدم تمييزه بالحقيقية2 "و" أذان "امرأة" لأنها إن خفضت صوتها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التثويب: العود إلى الإعلام بعد الإعلام مطلقاو وفي الشرع العود إلى الإعلام.
2 الباء زائدة أي: لعدم تمييزه حقيقة الأذان عن غيرها. اهـ طحطاوي.

 

ص -80-        وفاسق وقاعد والكلام في خلال الأذان وفي الإقامة ويستحب إعادته دون الإقامة ويكرهان لظهر يوم الجمعة في المصر ويؤذن للفائتة ويقيم وكذا لأولى الفوائت وكره ترك الإقامة دون الأذان في البواقي إن اتحد مجلس القضاء وإذا سمع المسنون منه أمسك وقال مثله وحوقل في الحيعلتين وقال صدقت وبررت أو ما شاء الله عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم, ........
ــــــــــــــــــــ
أخلت بالإعلام وإن رفعته ارتكبت معصية لأنه عورة "و" أذان "فاسق" لأن خبره لا يقبل في الديانات "و" أذان "قاعد" لمخالفة صفة الملك النازل إلا لنفسه "و" يكره "الكلام في خلال الأذان" ولو برد السلام "و" يكره الكلام "في الإقامة" لتفويت سنة الموالاة "ويستحب إعادته" أي الأذان بالكلام فيه لأن تكراره مشروع كما في الجمعة "دون الإقامة" "ويكرهان" أي الأذان والإقامة "لظهر يوم الجمعة في المصر" لمن فاتتهم الجمعة كجماعتهم مثل المسجونين "ويؤذن للفائتة ويقيم" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر الذي قضاه غداة ليلة التعريس "وكذا" يؤذن ويقيم "لأولى الفوائت" والأكمل فعلهما في كل منها كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين شغله الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقضاهن مرتبا على الولاء وأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن "وكره ترك الإقامة دون الأذان في البواقي" من الفوائت فلا يكره ترك الأذان في غير الأولى "إن اتحد مجلس القضاء" لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم لاتفاق الروايات على أنه أتى بالإقامة في جميع التي قضاها وفي بعض الروايات اقتصر على ذكر الإقامة فيما بعد الأولى "وإذا سمع المسنون منه" أي الأذان وهو ما لا لحن فيه ولا تلحين "أمسك" حتى عن التلاوة ليجيب المؤذن ولو في المسجد وهو الأفضل وفي الفوائد يمضي على قراءته إن كان في المسجد وإن كان في بيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده فإذا كان يتكلم في الفقه والأصول يجب عليه الإجابة وإذا سمعه وهو يمشي فالأولى أن يقف ويجيب وإذا تعدد الأذان يجيب الأول ولا يجيب في الصلاة ولو جنازة وخطبة وسماعها وتعلم العلم وتعليمه والأكل والجماع وقضاء الحاجة ولا يجيب الجنب ولا الحائض والنفساء لعجزهما عن الإجابة بالفعل "و" صفة الإجابة أن يقول كما "قال" مجيبا له فيكون قوله "مثله" أي مثل ألفاظ المؤذن "و" لكن "حوقل" أي قال لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا حول لنا عن معصية ولا قوة لنا على طاعة إلا بفضل الله "في" سماعه "الحيعلتين" هما حي على الصلاة حي على الفلاح كما ورد لأنه لو قال مثلهما صار كالمستهزئ لأن من حكى لفظ الآمر بشيء كان مستهزئا به بخلاف باقي الكلمات لأنه ثناء والدعاء مستجاب بعد إجابته بمثل ما قال "و" في أذان الفجر "قال" المجيب "صدقت وبررت" بفتح الراء الأولى وكسرها "أو" يقول "ما شاء الله" كان وما لم يشأ لم يكن "وعند قول المؤذن" في أذان الفجر "الصلاة خير من النوم" تحاشيا عما

 

ص -81-        ثم دعا بالوسيلة فيقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسلية والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.
ــــــــــــــــــــ
يشبه الاستهزاء. واختلف أئمتنا في حكم الإجابة بعضهم صرح بوجوبها وصرح بعضهم باستحبابها "ثم دعا" المجيب والمؤذن "بالوسيلة" بعد صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الإجابة "فيقول" كما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي صلاة فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله إلي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد مؤمن من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" أعلم أن من هذه المنزلة تتفرع جميع الجنات وهي جنة عدن دار المقامة ولها شعبة في كل جنة من الجنان من تلك الشعبة يظهر محمد صلى الله عليه وسلم لأهل تلك الجنة وهي في كل جنة أعظم منزلة فيها جعلنا الله من الفائزين بشفاعته ومجاورته في دار كرامته

باب شروط الصلاة وأركانها
لابد لصحة الصلاة من سبعة وعشرين شيئا: الطهارة من الحدث وطهارة الجسد والثوب والمكان ......................................
ــــــــــــــــــــ
باب شروط الصلاة وأركانها
جمعنا بينهما للتيقظ لما تصح به الصلاة الشروط جمع شرط بسكون الراء والأشراط جمع شرط بفتحها وهما العلامة وفي الشريعة هو ما يتوقف على وجوده الشيء وهو خارج عن ماهيته. والأركان جمع ركن وهو في اللغة الجانب الأقوى وفي الاصطلاح الجزء الذاتي الذي تتركب الماهية منه ومن غيره وقد أردنا تنبيه العابد فقلنا "لا بد لصحة الصلاة من سبعة وعشرين شيئا" ولا حصر فيها. ومن اقتصر على ذكر الشروط الستة الخارجة هن الصلاة وعلى الستة الأركان الداخلة فيها أراد التقريب وإلا فالمصلي يحتاج إلى ما ذكرناه بزيادة فأردنا به بيان ما إليه الحاجة من شرط صحة الشروع والدوام على صحتها وكلها فروض وعبر بلفظ الشيء الصادق بالشرط والركن.
فمن الشروط "الطهارة من الحدث" الأصغر والأكبر والحيض والنفاس لآية الوضوء. والحدث لغة: الشي الحادث وشرعا مانعية تقوم بالأعضاء إلى غاية وصول المزيل لها "و" منها "طهارة الجسد والثوب والمكان" الذي يصلي عليه فلو بسط شيئا رقيقا يصلح ساترا للعورة وهو ما لا يرى منه الجسد جاز صلاته وإن كانت

 

ص -82-        من نجس غير معفو عنه حتى موضع القدمين واليدين والركبتين والجبهة على الأصح وستر العورة ولا يضر نظرها من جيبه وأسفل ذيله واستقبال القبلة فللمكي المشاهد فرضه إصابة عينها,..................................
ــــــــــــــــــــ
النجاسة رطبة فألقى عليها لبدا أو ثنى ما ليس ثخينا أو كبسها بالتراب فلم يجدر ريح النجاسة جازت صلاته وإذا أمسك حبلا مربوطا به نجاسة أو بقي من عمامته طرف طاهر ولم يتحرك الطرف النجس بحركته صحت وإلا فلا كما لو أصاب رأسه خيمة نجسة وجلوس صغير يستمسك في حجر المصلي وطير متنجس على رأسه لا يبطل الصلاة إذا لم ينفصل منه نجاسة مانعة لأن الشرط الطهارة "من نجس غير معفو عنه" وتقدم بيانه "حتى" يشترط طهارة "موضع القدمين" فتبطل الصلاة بنجس مانع تحت أحدهما أو بجمعه فيهما تقديرا في الأصح وقيامه على قدم صحيح مع الكراهة وانتقاله عن مكان طاهر لنجس ولم يمكث به مقدار ركن لا تبطل به وإن مكث به قدوه بطلت على المختار "و" منها طهارة موضع "اليدين والركبتين" على الصحيح لافتراض السجود على سبعة أعظم واختاره الفقيه أبو الليث وأنكر ما قيل من عدم افتراض طهارة موضعها ولأن رواية جواز الصلاة مع نجاسة الكفين والركبتين شاذة "و" منها طهارة موضع "الجبهة على الأصح" من الروايتين عن أبي حنيفة وهو قولهم رحمهم الله ليتحقق السجود عليها لأن الفرض وإن كان يتأدى بمقدار الأرنبة على القول المرجوح يصير الوضع معدوما حكما بوجوده على النجس ولو أعاده على طاهر في ظاهر الرواية ولا يمنع نجاسة في محل أنفه مع طهارة باقي المحال بالاتفاق لأن الأنف أقل من الدرهم ويصير كأنه اقتصر على الجبهة مع الكراهة وطهارة المكان ألزم من الثوب المشروط نصا بالدلالة إذ لا وجود للصلاة بدون مكان وقد توجد بدون ثوب ولا يضر وقوع ثوبه على نجاسة لا تعلق به حال سجوده "و" منها "ستر العورة" للإجماع على افتراضه ولو في ظلمة والشرط سترها من جوانبه على الصحيح "ولا يضر نظرها من جيبه"1 في قول عامة المشايخ "و" لا يضر لو نظرها أحد من "أسفل ذيله" لأن التكلف لمنعه فيه حرج والثوب الحرير والمغصوب وأرض الغير تصح فيها الصلاة مع الكراهة وسنذكره والمستحب أن يصلي في ثلاثة ثياب من أحسن ثيابه قميص وأزرار وعمامة ويكره في إزار مع القدرة عليها "و" منها "استقبال القبلة" الاستقبال من قبلت الماشية الوادي بمعنى قابلته وليست السين للطلب لأن الشرط المقابلة لا طلبها وهو شرط بالكتاب والسنة والإجماع والمراد منها بقعتها لا البناء حتى لو نوى بناء الكعبة لا يجوز إلا أن يريد به جهة الكعبة وإن نوى المحراب لا يجوز "فللمكي المشاهد" للكعبة "فرضه إصابة عينها"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجيب: فتحة الرقبة من الثوب.

 

ص -83-        ولغير المشاهد جهتها ولو بمكة على الصحيح والوقت واعتقاد دخوله والنية والتحريمة بلا فاصل والإتيان بالتحريمة قائما قبل انحنائه للركوع وعدم تأخير النية عن التحريمة, ...........
ــــــــــــــــــــ
اتفاقا لقدرته عليه يقينا "و" الفرض "لغير المشاهد" إصابة "جهتها" أي الكعبة هو الصحيح ونية القبلة ليست بشرط والتوجه إليها يغنيه عن النية هو الأصح وجهتها هي التي إذا توجه إليها الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها تحقيقا أو تقريبا ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها ومعنى التقريب أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها انحرافا لا تزول به القابلة بالكلية بأن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها "ولغير المشاهد إصابة جهتها" البعيد والقريب سواء "ولو بمكة" وحال بينه وبين الكعبة بناء أو جبل "على الصحيح" كما في الدراية والتجنيس "و" من الشروط "الوقت" للفرائض الخمس بالكتاب والسنة والإجماع وقد نص على اشتراطه في عدة من المعتمدات وقد ترك ذكر الوقت في باب شروط الصلاة في عدة من المعتمدات كالقدوري والمختار والهداية والكنز مع بيانهم الأوقات ولا أعلم سر عدم ذكرهم له وإن كان يتصف بأنه سبب للأداء وظرف للمؤدي وشرط للوجوب كما هو مقرر في محله "و" يشترط "اعتقاد دخوله" لتكون عبادته بنية جازمة لأن الشاك ليس بجازم حتى لو صلى وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل لا تجزئه لأنه لما حكم بفساد صلاته بناء على دليل شرعي وهو تحريه الأول أن الوقت لم يدخل لا ينقلب جائزا إذا ظهر خلافه ويخاف عليه في دينه "و" تشترط "النية" وهي الإرادة الجازمة لتمييز العبادة عن العادة ويتحقق الإخلاص فيها لله سبحانه وتعالى "و" تشترط "التحريمة" وليست ركنا وعليه عامة المشايخ المحققين على الصحيح والتحريم جعل الشيء محرما والهاء لتحقيق الاسمية وسمي التكبير للافتتاح أو ما يقوم مقامه تحريمة لتحريمه الأشياء المباحة خارج الصلاة وشرطت بالكتاب والسنة والإجماع ويشترط لصحة التحريمة اثنا عشر شرطا ذكرت منها سبعة متنا والباقي شرحان فالأول من شروط صحة التحريمة أن توجد مقارنة للنية حقيقية أو حكما "بلا فاصل" بينها وبين النية بأجنبي يمنع الاتصال للإجماع عليه كالأكل والشرب والكلام فأما المشي للصلاة والوضوء فليسا مانعين "و" الثاني من شروط صحة التحريمة "الإتيان بالتحريمة قائما" أو منحيا قليلا "قبل" وجود "انحنائه" بما هو أقرب "للركوع" قال في البرهان لو أدرك الإمام راكعا فحنى ظهره ثم كبر أن كان إلى القيام أقرب صح الشروع ولو أراد به تكبير الركوع وتلغو نيته لأن مدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبير مرتين خلافا لبعضهم وإن كان إلى الركوع أقرب لا يصح الشروع "و" الثالث منها "عدم تأخير النية عن التحريمة" لأن الصلاة عبادة وهي لا تتجزأ فما لم ينوها لا تقع عبادة ولا حرج في عدم تأخيرها بخلاف الصوم

 

ص -84-        والنطق بالتحريمة بحيث يسمع نفسه على الأصح ونية المتابعة للمقتدي,
ــــــــــــــــــــ
وهو صادق بالمقارنة وبالتقدم والأفضل المقارنة الحقيقية للاحتياط خروجا من الخلاف وإيجادها بعد دخول الوقت مراعاة للركنية "و" الرابع منها "النطق بالتحريمة بحيث يسمع نفسه" بدون صمم ولا يلزم الأخرس تحريك لسانه على الصحيح وغير الأخرس يشترط سماعه نطقه "على الأصح" كما قاله شمس الأئمة الحلواني وأكثر المشايخ على أن الصحيح أن الجهر حقيقته أن يسمع غيره والمخافتة أن يسمع نفسه.
وقال الهندواني لا تجزئه ما لم تسمع أذناه ومن بقربه بالسماع شرط فيما يتعلق بالنطق باللسان التحريمة والقراءة السرية والتشهد والأذكار والتسمية على الذبيحة ووجوب سجود التلاوة والعتاق والطلاق والاستثناء واليمين والنذر والإسلام والإيمان حتى لو أجرى الطلاق على قلبه وحرك لسانه من غير تلفظ يسمع لا يقع وإن صحح الحروف وقال الكرخي القراءة تصحيح الحروف وإن لم يكن صوت بحيث يسمع والصحيح خلافه قاله المحقق الكمال ابن الهمام رحمه الله تعالى.
اعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحرف كيفية تعرض للصوت وهو أخص من النفس فإن النفس للعروض بالقرع فالحرف عارض للصوت لا للنفس فمجرد تصحيحها أي الحروف بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام انتهى.
ومن متعلقات القلب النية للإخلاص فلا يشترط لها النطق كالكفر بالنية قال الحافظ ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا ولا عن أحد من الصحابة والتابعين بل المنقول أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر وهذه بدعة. ا هـ. وفي مجمع الروايات التلفظ بالنية كرهه البعض لأن ابن عمر رضي الله عنه أدب من فعله وأباحه البعض لما فيه من تحقيق عمل القلب وقطع الوسوسة وعمر رضي الله تعالى عنه إنما زجر من جهر به فأما المخافتة به فلا بأس بها فمن قال من مشايخنا إن التلفظ بالنية سنة لم يرد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل سنة بعض المشايخ لاختلاف الزمان وكثرة الشواغل على القلوب فيما بعد زمن التابعين
"و" الخامس منها "نية المتابعة" مع نية أصل الصلاة "للمقتدي" أما النية المشتركة فلما تقدم وأما الخاصة وهي نية الاقتداء فلما يلحقه من فساد صلاة إمامه لأنه بالالتزام فينوي فرض الوقت والاقتداء بالإمام أو ينوي الشروع في صلاة الإمام ولو نوى الاقتداء به لا غير قيل لا يجزئه والأصح أنه يجوز لأنه جعل نفسه تبعا للإمام مطلقا والتبعية إنما تتحقق إذا صار مصليا ما صلاه الإمام وقيل متى انتظر تكبير الإمام كفاه عن نية الاقتداء والصحيح أن لا يصير مقتديا بمجرد الانتظار لأنه متردد بين كونه

 

ص -85-        وتعيين الفرض وتعيين الواجب ولا يشترط التعيين في النفل والقيام في غير النفل والقراءة .....
ــــــــــــــــــــ
للاقتداء أو بحكم العادة وينبغي أن لا يعين الإمام خشية بطلان الصلاة بظهوره خلافه ولو ظنه زيدا فإذا هو عمرو لا يضر كما لو لم يخطر بباله أنه زيد أو عمرو وقيدنا بالمقتدي لأنه لا يشترط نية الإمامة للرجال بل للنساء "و" السادس من شروط صحة التحريمة "تعيين الفرض" في ابتداء الشروع حتى لو نوى فرضا وشرع فيه ثم نسي فظنه تطوعا فأتمه على ظنه فهو فرض مسقط وكذا عكسه يكون تطوعا ولا يشترط نية عدد الركعات ولاختلاف تزاحم الفروض شرط تعيين ما يصليه كالظهر مثلا ولو نوى فرض الوقت صح إلا في الجمعة ولو جمع بين نية فرض ونفل صح للفرض لقوته عند أبي يوسف وقال محمد لا يكون داخلا في شيء منهما للتعارض ولو نوى نافلة وجنازة فهي نافلة ولو نوى مكتوبة وجنازة فهي مكتوبة "و" السابع منها "تعيين الواجب" أطلقه فشمل قضاء نفل أفسده والنذر والوتر وركعتي الطواف والعيدين لاختلاف الأسباب وقالوا في العيدين والوتر ينوي صلاة العيد والوتر من غير تقيد بالواجب للاختلاف فيه وفي سجود السهو لا يجب التعيين في السجدات وفي التلاوة بعينها لدفع المزاحمة من سجدة الشكر والسهو.
تنبيه: لتتميم عدد شروط صحة التحريمة: الثامن كونها بلفظ العربية للقادر عليها في الصحيح. التاسع أن لا يمد همزا فيها ولا باء أكبر وإشباع حركة الهاء من الجلالة خطأ لغة ولا تفسد به الصلاة وكذا تسكينها. العاشر أن يأتي بجملة تامة من مبتدأ وخبر. الحادي عشر أن يكون بذكر خالص لله. الثاني عشر أن لا يكون بالبسملة كما سيأتي. الثالث عشر أن لا يحذف الهاء من الجلالة. الرابع عشر أن يأتي بالهاوي وهو الألف في اللام الثانية فإذا حذفه لم يصح. الخامس عشر أن لا يقرن التكبير بما يفسده فلا يصح شروعه لو قال الله أكبر العالم بالمعدوم والموجود أو العالم بأحوال الخلق لأنه يشبه كلام الناس ذكر هذا في البزازية وهذا مما من الله سبحانه بالإيقاظ لجمعه ولم أره قبله مجموعا فله الحمد إذ إنعامه وفضله ليس محصورا ولا محظورا ولا ممنوعا.
"ولا يشترط التعيين في النفل" ولو سنة الفجر في الأصح وكذا التراويح عند عامة المشايخ وهو الصحيح والاحتياط التعيين فينوي مراعيا صفتها بالتراويح أو سنة الوقت "و" يفترض "القيام" وهو ركن متفق عليه في الفرائض والواجبات وحد القيام أن يكون بحيث إذا مد يديه لا ينال ركبتيه وقوله "في غير النفل" متعلق بالقيام فلا يلزم في النفل كما سنذكره إن شاء الله تعالى "و" يفترض "القراءة" ولا تكون إلا بسماعها كما تقدم لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: من الآية20] وهي ركن زائد على قول الجمهور لسقوطها بلا ضرورة عن المقتدى عندنا وعن المدرك في الركوع إجماعا "و"

 

ص -86-        ولو آية في ركعتي الفرض وفي كل النفل والوتر ولم يتعين شيء من القرآن لصحة الصلاة ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت وإن قرأ كره تحريما والركوع والسجود على ما يجد حجمه ....
ــــــــــــــــــــ
بالنص كانت القراءة فرضا و "لو" قرأ "آية" قصيرة مركبة من كلمتين كقوله تعالى:
{ثُمَّ} نظر في ظاهر الرواية وأما الآية التي هي كلمة كمدهامتان أو حرف ص ن ق أو حرفان حم طس أو حروف حمعسق كهيعص فقد اختلف المشايخ والأصح أنه لا تجوز بها الصلاة وقال القدوري الصحيح الجواز وقال أبو يوسف ومحمد الفرض قراءة آية طويلة أو ثلاث آيات قصار وحفظ ما تجوز به الصلاة من القرآن فرض عين وحفظ الفاتحة وسورة واجب على كل مسلم وحفظ جميع القرآن فرض كفاية وإذا علمت ذلك فالقراءة فرض "في ركعتي فرض" أي ركعتين كانتا ولا تصح بقراءته في ركعة واحدة فقط خلافا لزفر والحسن البصري لأن الأمر لا يقتضي التكرار قلنا نعم لكن لزمت في الثانية لتشاكلهما من كل وجه فالأولى بعبارة النص والثانية بدلالته "و" القراءة فرض في "كل" ركعات "النفل" لأن كل شفع منه صلاة على حدة "و" القراءة فرض في كل ركعات "الوتر" أما كونه سنة فظاهر وعلى وجوبه للاحتياط "ولم يتعين شيء من القرآن لصحة الصلاة" لإطلاق ما تلونا وقلنا بتعين الفاتحة وجوبا كما سنذكره "ولا يقرأ المؤتم بل يستمع" حال جهر الإمام "وينصت" حال إسراره لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: من الآية204] وقال صلى الله عليه وسلم: "يكفيك قراءة الإمام جهر أم خافت" واتفق الإمام الأعظم وأصحابه والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل على صحة صلاة المأموم من غير قراءته شيئا وقد بسطته بالأصل "و" قلنا "إن قرأ" المأموم الفاتحة وغيرها "كره" ذلك "تحريما" للنهي "و" يفترض "الركوع" لقوله تعالى: {ارْكَعُوا} [الحج: من الآية77] وهو الانحناء بالظهر والرأس جميعا وكما له تسوية الرأس بالعجز وأما التعديل فقال أبو يوسف والشافعي بفرضيته وقال أبو مطيع البلخي تلميذ الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو نقص من ثلاث تسبيحات الركوع والسجود لم تجز صلاته والأحدب إذا بلغت حدوبته الركوع يشير برأسه للركوع لأنه عاجز عما هو أعلى منه "و" يفترض "السجود" لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا} وبالسنة وبالإجماع والسجدة إنما تتحقق بوضع الجبهة لا الأنف وحده مع وضع إحدى اليدين وإحدى الركبتين وشيء من أطراف أصابع إحدى القدمين على طاهر من الأرض وإلا فلا وجود لها ومع ذلك البعض تصح على المختار مع الكراهة وتمام السجود بإتيانه بالواجب فيه ويتحقق بوضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة والأنف كما ذكره الكمال وغيره ومن شروط صحة السجود "كونه على ما" أي شيء "يجد" الساجد "حجمه" بحيث لو بالغ لا تتسفل رأسه أبلغ مما كان

 

ص -87-        وتستقر عليه جبهته ولو على كفه أو طرف ثوبه إن طهر محل وضعه وسجد وجوبا بما صلب من أنفه وبجبهته ولا يصح الاقتصار على الأنف إلا من عذر بالجبهة وعدم ارتفاع محل السجود عن موضع القدميين بأكثر من نصف ذراع وإن زاد على نصف ذراع لم يجز السجود إلا لزحمة سجد فهيا على ظهر مصل صلاته ووضع اليدين والركبتين في الصحيح وشيء من أصابع الرجلين حال السجود على الأرض ولا يكفي وضع ظاهر القدم, .........
ــــــــــــــــــــ
حال الوضع فلا يصح السجود على القطن والثلج والتبن والأرز والذرة وبزر الكتان "و" الحنطة والشعير "تستقر عليه جبهته" فيصح السجود لأن حباتها يستقر بعضها على بعض لخشونة ورخاوة والجبهة اسم لما يصيب الأرض مما فوق الحاجبين إلى قصاص الشعر حالة السجود "و" يصح السجود و "لو" كان على "كفه" أي الساجد في الصحيح "أو" كان السجود على "طرف ثوبه" أي الساجد ويكره بغير عذر كالسجود على كور عمامته "إن طهر محل وضعه" أي الكف أو الطرف على الأصح لاتصاله به "وسجد وجوبا بما صلب من أنفه" لأن أرنبته ليست محل السجود. ولما كان شرط كمال لا شرط صحة قال: "و" يسجد "بجبهته ولا يصح الاقتصار على الأنف" في الأصح "إلا من عذر بالجبهة" لأن الصح أن الإمام رجع إلى موافقة صاحبيه في عدم جواز الشروع في الصلاة بالفارسية لغير العاجز عن العربية وعدم جواز القراءة فيها بالفارسية وغيرها من أي لسان غير عربي لغير العاجز عن العربية وعدم جواز الاقتصار في السجود على الأنف بلا عذر في الجبهة لحديث:
"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة" الحديث "و" من شروط صحة السجود "عدم ارتفاع محل السجود عن موضع القدمين بأكثر من نصف ذراع" لتتحقق صفة الساجد والارتفاع القليل لا يضر "وإن زاد على نصف ذراع لم يجز السجود" أي لم يقع معتدا به فإن فعل غيره معتبرا صحت وإن انصرف من صلاته ولم يعده بطلت "إلا" أن يكون ذلك "لزحمة سجد فيها على ظهر مصل صلاته"1 للضرورة فإن لم يكن ذلك السجود عليه مصليا أو كان في صلاة أخرى لا يصح السجود "و" من شروط صحة السجود "وضع" إحدى "اليدين و" إحدى "الركبتين في الصحيح" كما قدمناه "و" وضع "شيء من أصابع الرجلين" موجها بباطنه نحو القبلة "حالة السجود على الأرض ولا يكفي" لصحة السجود "وضع ظاهر القدم "لأنه ليس محله لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم من الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين" متفق عليه. وهو اختيار الفقيه واختلف في الجواز مع وضع قدم واحدة "و" يشترط لصحة الركوع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اشترط أيضا أن يضع الساجد على ظهر غيره ركبتيه على الأرض وأن يكون المسجود على ظهره ساجدا على الأرض.

 

ص -88-        وتقديم الركوع على السجود والرفع من السجود الى قرب القعود على الأصح والعود الى السجود والعقود الأخير قدر التشهد وتأخيره عن الأركان وأداؤها مستيقظا ومعرفة كيفية الصلاة وما فيها من الخصال, ..........................................
ــــــــــــــــــــ
والسجود "تقديم الركوع على السجود" كما يشترط تقديم القراءة على ركوع لم يبق بعده قيام يصح به فرض القراءة "و" يشترط "الرفع من السجود إلى قرب القعود على الأصح" عن الإمام لأنه يعد جالسا بقربه من القعود فتتحقق السجدة بالعودة بعده إليها وإلا فلا. وذكر بعض المشايخ أنه إذا زايل جبهته عن الأرض ثم أعادها جازت ولم يعلم له تصحيح. وذكر القدوري أنه قدر ما ينطق عليه اسم الرفع وجعله شيخ الإسلام أصح أو ما يسميه الناظر رافعا "و" يفترض "العود إلى السجود" الثاني لأن السجود الثاني كالأول فرض بإجماع الأمة ولا يتحقق كونه كالأول إلا بوضع الأعضاء السبعة ولا يوجد التكرار إلا بعد مزايلتها في السجود الأول فيلزمه رفعها ثم وضعها ليوجد التكرار وبه وردت السنة كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد ورفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه من الأرض ووضعها على فخذيه وقال صلى الله عليه وسلم:
"صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضعهما وإذا رفعه فليرفعهما" وحكمة تكرار السجود قيل تعبدي وقيل ترغيما للشيطان حيث لم يسجد مرة وقيل لما أمر الله بني آدم بالسجود عند أخذ الميثاق ورفع المسلمون رؤوسهم ونظروا الكفار لم يسجدوا خروا سجدا ثانيا شكرا لنعمة التوفيق وامتثال الأمر "و" يفترض "القعود الأخير" بإجماع العلماء وإن اختلفوا في قدره والمفروض عندنا الجلوس1 "قدر" قراءة "التشهد" في الأصح لحديث ابن مسعود رضي الله عنه حين علمه التشهد إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد علق تمام الصلاة به وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض وزعم بعض مشايخنا أن المفروض في القعدة ما يأتي فيه بكلمة الشهادتين فكان فرضا عمليا "و" يشترط "تأخيره" أي القعود الأخير "عن الأركان" لأنه شرع لختمها فيعاد لسجدة صلبية تذكرها "و" يشترط لصحة الأركان وغيرها "أداؤها مستيقظا" فإذا ركع أو قام أو سجد نائما لم يعتد به وإن طرأ فيه النوم صح بما قبله منه وفي القعدة الأخيرة خلاف قال في منية المصلي إذا لم يعدها بطلت وفي جامع الفتاوى يعتد بها نائما لأنها ليست بركن ومبناها على الاستراحة فيلائمها النوم قلت وهو ثمرة الاختلاف في شرطيتها وركنيتها "و" يشترط لصحة أداء المفروض إما "معرفة كيفية" يعني صفة "الصلاة و" ذلك بمعرفة حقيقة "ما فيها" أي ما في جملة الصلوات "من الخصال" أي الصفات الفرضية يعني كونها فرضا فيعتقد افتراض ركعتي الفجر وأربع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أما قراءة التشهد فواجب.

 

ص -89-        المفروضة على وجه يميزها من الخصال المسنونة واعتقاد أنها فرض حتى يتنفل بمفروض والأركان من المذكورات أربعة القيام والقراءة والركوع والسجود وقيل القعود الأخير مقدار التشهد وباقيها شرائط بعضها شرط لصحة الشروع في الصلاة وهو ما كان خارجها وغيره شرط لدوام صحتها.
ــــــــــــــــــــ
الظهر وهكذا باقي الصلوات "المفروضة" فيكون ذلك "على وجه يميزها عن الخصال" أي الصفات "المسنونة" كالسنن الرواتب وغيرها باعتقاد سنية ما قبل الظهر وما بعده وهكذا وليس المراد ولا الشرط أن يميز ما اشتملت عليه صلاة الصبح من الفرض والسنة مثل اعتقاد فرضية القيام وسنية الثناء أو التسبيح "أو اعتقاد" المصلي "أنها" أي أن ذات الصلوات التي يفعلها كلها "فرض" كاعتقاده أن الأربع في الفجر فرض ويصلي كل ركعتين بانفرادهما ويأتي بثلاث ثم ركعتين في المغرب معتقدا فرضية الخمس "حتى لا يتنفل بمفروض" لأن النفل يتأدى بنية الفرض أما الفرض فلا يتأدى بنية النفل كما في التجنيس والمزيد والخلاصة ثم نبه على الأركان وغيرها فقال: "والأركان" المتفق عليها "من المذكورات" التي علمتها فيما قدمناه بأكثر من سبعة وعشرين "أربعة" وهي "القيام والقراءة والركوع والسجود وقيل القعود الأخير مقدار التشهد" ركن أيضا وقيل شرط وقد بينا ثمرة الخلاف فيه وقيل التحريمة ركن أيضا "وباقيها" أي المذكورات "شرائط بعضها شرط لصحة الشروع في الصلاة وهو ما كان خارجها" وهو الطهارة من الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة: في هذه الطبعة سقط الوقت والنية والتحريمة "وغيره شرط لدوام صحتها"1 وقد علمت ذلك بفضل الله ومنه وله الشكر على التوفيق لجمعها بعد التفريق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثل إيقاع القراءة في حال القيام وتأخير الركوع عنه والسجود عن الركوع والاستيقاظ.

فصل في متعلقات الشروط وفروعها
تجوز الصلاة على لبد وجهه الأعلى طاهر والأسفل نجس وعلى ثوب طاهر
ــــــــــــــــــــ
فصل في متعلقات الشروط وفروعها
"تجوز الصلاة" أي تصح "على لبد2" بكسر اللام وسكون الباء الموحدة "وجهه الأعلى طاهر و" وجهه "الأسفل نجس" نجاسة مانعة لأنه لثخانته كثوبين وكلوح ثخين يمكن فصله لوحين وأسفله نجس تجوز الصلاة على الطاهر منه عندهما خلافا لأبي يوسف لأنه كشيئين فوق بعضهما "و" تصح الصلاة "على ثوب طاهر" وبطانته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللبد: ما كان سميكا يمكن شقه مع بقاء طوله وعرضه.

 

ص -90-        وبطانته نجسة إذا كان غير مضرب وعلى طرف طاهر وإن تحرك الطرف النجس بحركته على الصحيح ولو تنجس أحد طرفي عمامته فألقاه وأبقى الطاهر على رأسه ولم يتحرك النجس بحركته جازت صلاته وإن تحرك لا يجوز وفاقد ما يزيل به النجاسة يصلي معها ولا إعادة عليه ولا على فاقد ما يستر عورته ولو حريرا أو حشيشا أو طينا فان وجده ولو بالإباحة وربعه طاهر لا تصح صلاته عاريا وخير إن طهر أقل من ربعه وصلاته في ثوب نجس الكل أحب من صلاته عريانا, .................................
ــــــــــــــــــــ
نجسة إذا كان غير مضرب"1 لأنه كثوبين فوق بعضهما "و" تصح "على طرف طاهر" من بساط أو حصير أو ثوب "وإن تحرك الطرف النجس بحركته" لأنه ليس متلبسا به "على الصحيح ولو تنجس أحد طرفي عمامته" أو ملحفته "فألقاه"2 أي الطرف النجس "وأبقى الطاهر على رأسه ولم يتحرك النجس بحركته جازت صلاته" لعدم تلبسه به "وإن تحرك" الطرف النجس بحركته "لا تجوز" صلاته لأنه حامل لها حكما إلا إذا لم يجد غيره للضرورة "وفاقد ما يزيل به النجاسة" المانعة "يصلي معها ولا إعادة عليه" لأن التكليف بحسب الوسع "ولا" إعادة على فاقد ما يستر عورته ولو حريرا" فإنه إن وجد الحرير لزمه الصلاة فيه لأن فرض الستر أقوى من منع لبسه في هذه الحالة "أو" كان "حشيشا أو طينا" أو ماء كدرا يصلي داخله بالإيماء لأنه ساتر في الجملة "فإن وجده" أي الساتر "ولو بالإباحة3 و" الحال أن "ربعه طاهر لا تصح صلاته عاريا" على الأصح كالماء الذي أبيح للمتيمم إذ لا يحقه المائية وربع الشيء يقوم مقام كله في مواضع منها هذا ولم تقم ثلاثة أرباعه النجسة مقام كله للزوم الستر وسقوط حكم النجاسة بطهارة الربع "وخير إن طهر أقل من ربعه" والصلاة فيه أفضل للستر وإتيانه بالركوع والسجود وإن صلى عريانا بالإيماء قاعدا صح وهو دون الأولى أو قائما جاز وهو دونهما في الفضل لأن من ابتلى ببليتين يختار أهونهما وإن تساويتا تخير "وصلاته في ثوب نجس الكل أحب من صلاته عريانا" لما قلنا
تنبيه
قال في الدراية لو ستر عورته بجلد ميتة غير مدبوغ وصلى فيه لا تجوز صلاته بخلاف الثوب المتنجس لأن نجاسة الجلد أغلظ بدليل أنها لا تزول بالغسيل ثلاثا بخلاف نجاسة الثوب انتهى. قلت فيه نظر لأنه يطهر بما هو أهون من غسله كتشميسه أو جفافه بالهواء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المضرب: ما خيط جوانب بطانته وظهارته ووسطهما كاللحاف.
2 القاه: رماه على الأرض.
3 سمح له الغير باستعماله.

 

ص -91-        ولو وجد ما يستر بعض العورة وجب استعماله ويستر القبل والدبر فإن لم يستر إلا أحدهما قيل يستر الدبر وقيل القبل وندب صلاة العاري جالسا بالإيماء مادا رجليه نحو القبلة فإن صلى قائما بالإيماء أو بالركوع والسجود صح وعورة الرجل ما بين السرى ومنتهى الركبة وتزيد عليه الأمة البطن والظهر وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها وكشف ربع عضو من أعضاء العورة يمنع صحة الصلاة ولو تفرق الانشكشاف على أعضاء من العورة وكان جملة ما تفرق يبلغ ربع أصغر الأعضاء المنكشفة منع
ــــــــــــــــــــ
"ولو وجد ما يستر بعض العورة وجب" يعني لزم "استعماله" أي الاستتار به "ويستر القبل والدبر" إذا لم يستر إلا قدرهما "فإن لم يستر إلا أحدهما قيل يستر الدبر" لأن أفحش في حالة الركوع والسجود "وقيل" يستر "القبل" لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستتر بغيره والدبر يستتر بالأليتين وفيه تأمل لأنه يستتر بالفخذين ووضع اليدين فوقهما "وندب صلاة العاري جالسا بالإيماء مادا رجليه نحو القبلة" لما فيه من الستر "فإن صلى" العاري "قائما بالإيماء أو" قائما آتيا "بالركوع والسجود صح" لإتيانه بالأركان فيميل إلى آيهما شاء والأفضل الأول ولو صلى عاريا ناسيا ساترا اختلف قي صحتها "وعورة الرجل" حرا كان أو به رق "ما بين السرة ومنتهى الركبة" في ظاهر الرواية سميت عورة لقبح ظهورها وغض الأبصار عنها في اللغة. وفي الشريعة ما افترض ستره وحده الشارع صلى الله عليه وسلم بقوله:
"عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبتيه" وبقوله عليه السلام: "الركبة من العورة" "وتزيد عليه" أي على الرجل "الأمة" القنة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة والمستدعاة عند أبي حنيفة لوجود الرق "البطن والظهر" لأن لهما مزية فصدرها وثديها ليسا من العورة للحرج "وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها" باطنهما وظاهرهما في الأصح وهو المختار وذراع الحرة عورة في ظاهر الرواية وهي الأصح وعن أبي حنيفة ليس بعورة "و" إلا "قدميها" في أصح الروايتين باطنهما وظاهرهما لعموم الضرورة ليسا من العورة فشعر الحرة حتى المسترسل عورة في الأصح وعليه الفتوى فكشف ربعه يمنع صحة الصلاة ولا يحل النظر إليه مقطوعا منها في الأصح كشعر عانته وذكره المقطوع وتقدم في الأذان أن صوتها عورة وليس المراد كلامها بل ما يحصل من تليينه وتمطيطه لا يحل سماعه "وكشف ربع عضو من أعضاء العورة" الغليظة أو الخفيفة من الرجل والمرأة "يمنع صحة الصلاة" مع وجود الساتر لا ما دون ربعه والركبة مع الفخذ عضو واحد في الأصح وكعب المرأة مع ساقها وأذنها بانفرادها عن رأسها وثديها المنكسر فإن كانت ناهدا فهو تبع لصدرها والذكر بانفراده والأنثيين ضمهما إليه في الصحيح وما بين السرة والعانة عضو كامل بجوانب البدن وكل ألية عورة والدبر ثالثهما في الصحيح "ولو تفرق الانكشاف على أعضاء من العورة وكان جملة ما تفرق يبلغ ربع أصغر الأعضاء المنكشفة" يعني التي انكشف بعضها "منع" صحة الصلاة إن طال زمن

 

ص -92-        وإلا فلا ومن عجز عن استقبال القبلة لمرض أو عجز عن النزول عن دابته أو خاف عدوا فقبلته جهة قدرته وأمنه ومن اشتبهت عليه القبلة ولم يكن عنده مخبر ولا محراب تحرى ولا إعادة عليه لو أخطأ وإن علم بخطئه في صلاته استدار وبنى وإن شرع بلا تحر فعلم بعد فراغه أنه أصاب صحت, ............................
ــــــــــــــــــــ
الانكشاف بقدر أداء ركن "وإلا" أي وإن لم يبلغ ربع أصغرها أو بلغ ولم يطل زمن الانكشاف "فلا" يمنع الصحة للضرورة سواء الغني والفقير "ومن عجز عن استقبال القبلة" بنفسه "لمرض" أو خشية غرق وهو على خشبة "أو عجز عن النزول" بنفسه "عن دابته" وهي سائرة آو كانت جموحا أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه الركوب إلا بمعين "أو خاف عدوا" آدميا أو سبعا على نفسه أو دابته أو اشتد الخوف للقتال أو هرب من عدو راكبا "فقبلته جهة قدرته" للضرورة "و" قبلة الخائف جهة "أمنه" ولو خاف أن يراه العدو إن قعد صلى مضطجعا بالإيماء إلى جهة أمنه والقادر بقدرة الغير ليس قادرا عند الإمام خلافا لهما وإذا لم يجد أحدا فلا خلاف في الصحة "ومن اشتبهت عليه" جهة "القبلة ولم يكن عنده مخبر" من أهل المكان ولا ممن له علم أو سأله فلم يخبره "ولا محراب" بالمحل "تحرى" أي اجتهد وهو بذل المجهود لنيل المقصود ولو سجدة تلاوة ولا يجوز التحري مع وضع المحاريب لأن وضعها في الأصل بحق ومن ليس من أهل المكان والعلم لا يلتفت إلى قوله وإن أخبره اثنان ممن هو مسافر مثله لأنهما يخبران عن اجتهاد ولا يترك اجتهاده باجتهاد غيره وليس عليه قرع الأبواب للسؤال عن القبلة ولا مس الجدران خشية الهوام وللاشتباه بطاق غير المحراب وإذا صلى الأعمى ركعة لغير القبلة فجاءه رجل وأقامه إليها واقتدى به فإن لم يكن حال افتتاحه عنده مخبر فصلاة الأعمى صحيحة لأنه يلزمه مس الجدران وإلا فهي فاسدة ولا يصح اقتداء الرجل به في الصورتين لقدرته في الأولى وعلم خطئه في الثانية "ولا إعادة عليه" أي المتحري "لو" علم بعد فراغه أنه "أخطأ" الجهة لقول عامر بن عقبة رضي الله عنه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت آية
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: من الآية115] وليس التحري للقبلة مثل التحري للتوضؤ والساتر فإنه إذا ظهر نجاسة الماء أو الثوب أعاد لأنه أمر لا يحتمل الانتقال والقبلة تحتمله كما حولت عن المقدس إلى الكعبة "وإن علم بخطئه" أو تبدل اجتهاده "في صلاته استدار" من جهة اليمين1 لا اليسار "وبنى" على ما أداه بالتحري لأن تبدل الاجتهاد كالنسخ. وأهل قباء استداروا في الصلاة إلى الكعبة حين بلغهم النسخ واستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم وإن تذكر سجدة صلبية بطلت صلاته "وإن شرع" من اشتبهت عليه "بلا تحر" كان فعله موقوفا فلو أتمها "فعلم بعد فراغه" من الصلاة "أنه أصاب صحت"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يستحب أن يستدير من اليمين إلى اليسار إلا إن كان العمل من جهة اليمين أكثر.

 

ص -93-        وإن علم بإصابته فيها فسدت كما لو لم يعلم إصابته أصلا ولو تحرى قوم جهات وجهلوا حال إمامهم تجزيهم.
ــــــــــــــــــــ
لأنه يتبين الصواب بطل الحكم بالاستصحاب وثبت الجواز من الصلاة "وإن علم بإصابته فيها" ولو لغالب الظن "فسدت" لأن حالته قويت به فلا يبني قويا على ضعيف خلافا لأبي يوسف رحمه الله "كما" فسدت فيما "لو لم يعلم إصابته أصلا" لأن الفساد ثابت باستصحاب الحال ولم يرتفع بدليل فتقرر الفساد لأن المشروط لم يحصل حقيقة ولا حكما. وإذا وقع تحريه إلى جهة فصلى إلى غيرها لا تجزئه لتركه الكعبة حكما في حقه وهي الجهة التي تحراها ولو أصاب خلافا لأبي يوسف في ظهور إصابته وهو يجعله كالمتحري في الأوار إذا عدل عن تحريه وظهر طهارة ما توضأ به صحت صلاته. وعلى هذا لو صلى في ثوب وهو يعتقد أنه نجس أو أنه محدث أو عدم دخول الوقت فظهر بخلافه لا تجزئه وإن وجد الشرط لعدم شرط آخر وهو فساد فعله ابتداء لعدم الجزم. وأما في الماء فقد وجدت الطهارة حقيقة والنية "ولو تحرى قوم جهات" في ظلمة "وجهلوا حال إمامهم" في توجهه "يجزئهم" صلاتهم إلا من تقدم على إمامه. كما في جوف الكعبة لما قدمناه

فصل في واجب الصلاة
وهو ثمانية عشر شيئا: قراءة الفاتحة, ..................................
ــــــــــــــــــــ
فصل في بيان واجب الصلاة
الواجب في اللغة1 يجيء بمعنى اللزوم وبمعنى السقوط وبمعنى الاضطراب وفي الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شبهة. قال فخر الإسلام وإنما سمي به إما لكونه ساقط عنا علما أو لكونه ساقطا علينا عملا أو لكونه مضطربا بين الفرض والسنة أو بين اللزوم وعدمه. فإنه يلزمنا عملا لا علما انتهى. وشرعت الواجبات لإكمال الفرائض والسنن لإكمال الواجبات. والأدب لإكمال السنة ليكون كل منها حضا لما شرع لتكميله وحكم الواجب استحقاق العقاب بتركه عمدا وعدم إكفار جاحده والثواب بفعله ولزوم سجود السهو لنقض الصلاة بتركه سهوا وإعادتها بتركه عمد أو سقوط الفرض ناقصا إن لم يسجد ولم يعد "وهو" أي الواجب "ثمانية عشر شيئا" الأول وجوب "قراءة الفاتحة" لقوله صلى الله عليه وسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأدلة السمعية أربعة أنواع: قطعي الثبوت والدلالة: كالنصوص المتواترة المحكمة وبها يثبت الفرض والحرام, وظني الثبوت أو الدلالة كالآيات والأحاديث المتواترة المؤولة أو أخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. وبهما يثبت الواجب والمكروه تحريماو وظني الثبوت والدلالة معا, وبه يثبت السنة والاستحباب وكراهة التنزيه.

 

ص -94-        وضم سورة أو ثلاث آيات في ركعتين غير متعينيتن من الفرض وفي جميع ركعات الوتر والنفل وتعيين القراءة في الأوليين وتقديم الفاتحة على السورة وضم الأنف للجبهة في السجود والإتيان بالسجدة الثانية في كل ركعة قبل الانتقال لغيرها والأطمئنان في الأركان.
والعقود الأول وقراءة التشهد فيه في الصحيح وقراءته.................
ــــــــــــــــــــ
"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وهو لنفي الكمال لأنه خبر آحاد لا ينسخ قوله تعالى {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: من الآية20] " فوجب العمل به "و" الثاني "ضم سورة" قصيرة "أو ثلاث آيات" قصار لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد لله" وسورة في فريضة أو غيرها "في ركعتين غير متعينتين من الفرض" غير الثنائي وفي جميع الثنائي "و" يجب الضم "في جميع ركعات الوتر" لمشابهة السنة "و" جميع ركعات "النفل" لما روينا لأن كل شفع من النافلة صلاة على حدة "و" يجب "تعيين القراءة" الواجبة "في الأوليين" من الفرض لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القراءة فيهما "و" يجب "تقديم الفاتحة على" قراءة "السورة" للمواظبة حتى لو قرأ من السورة ابتداء فتذكر يقرأ الفاتحة ثم يقرأ السورة ويسجد للسهو كما لو كرر الفاتحة ثم قرأ السورة "و" يجب "ضم الأنف" أي ما صلب منه "للجبهة في السجود" للمواظبة عليه ولا تجوز الصلاة بالاقتصار على الأنف في السجود على الصحيح "و" يجب مراعاة الترتيب فيما بين السجدتين وهو "الإتيان بالسجدة الثانية في كل ركعة" من الفرض وغيره "قبل الانتقال لغيرها" أي لغير السجدة من باقي أفعال الصلاة للمواظبة فإن فات يسجدها ولو بعد القعود الأخير ثم يعيد القعود "و" يجب "الاطمئنان" وهو التعديل "في الأركان" بتسكين الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصله في الصحيح لأنه لتكميل الركن لا سنة كما قاله الجرجاني ولا فرض كما قاله أبو يوسف. ومقتضى الدليل وجوب الاطمئنان أيضا في القومة والجلسة والرفع من الركوع للأمر به في حديث المسي صلاته وللمواظبة على ذلك كله. وإليه ذهب المحقق الكمال بن الهمام وتلميذه ابن أميرحاج وقال إنه الصواب "و" يجب "القعود الأول" في الصحيح ولو كان حكما. وهو قعود المسبوق فيما يقضيه. ولو جلس الأول تبعا للإمام لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسجوده للسهو لما تركه وقام ساهيا "و" يجب "قراءة التشهد فيه" أي في الأول وقوله "في الصحيح" متعلق بكل من القعود وتشهده وهو احتراز عن القول بسنتهما أو سنية التشهد وحده للمواظبة "و" يجب "قراءته" أي:

 

ص -95-        في الجلوس الأخير والقيام الى الثالثة من غير تراخ بعد التشهد ولفظ السلام دون عليكم وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين وتعيين التكبير لافتتاح كل صلاة لا العيدين خاصة تكبيرة الركوع في ثانية العيدين وجهر الإمام بقراءة الفجر وأوليي العشاءين ولو قضاء والجمعة والعيدين والتراويح والوتر في رمضان والإسرار في الظهر والعصر وفيما بعد أوليي العشاءين ونفل النهار والمنفرد مخير فيما يجهر كمتنفل بالليل ولو ترك السورة في اوليي العشاء قرأها في الأخريين مع الفاتحة جهرا, .....................
ــــــــــــــــــــ
التشهد "في الجلوس الأخير" أيضا للمواظبة "و" يجب "القيام إلى" الركعة "الثالثة من غير تراخ بعد" قراءة "التشهد" حتى لو زاد عليه بمقدار أداء ركن ساهيا يسجد للسهو لتأخير واجب القيام للثالثة "و" يجب "لفظ السلام" مرتين في اليمين واليسار للمواظبة ولم يكن فرضا لحديث ابن مسعود "دون عليكم" لحصول المقصود بلفظ السلام دون متعلقه ويتجه الوجوب بالمواظبة عليه أيضا "و" يجب قراءة "قنوت الوتر" عند أبي حنيفة وكذا تكبيرة القنوت كما في الجوهرة وعندهما هو كالوتر سنة "و" يجب "تكبيرات العيدين" وكل تكبيرة منها واجبة يجب بتركها سجود السهو "و" يجب "تعيين" لفظ "التكبير لافتتاح كل صلاة" للمواظبة عليه. وقال في الذخيرة ويكره الشروع بغيره في الأصح. وقال السرخسي الأصح أنه لا يكره كما في التبيين فلذا "لا" يختص وجوب الافتتاح بالتكبير في صلاة "العيدين خاصة" خلافا لمن خصه بهما ووجه العموم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التكبير عند افتتاح كل صلاة "و" يجب "تكبيرة الركوع في الثانية" أي الركعة الثانية من "العيدين" تبعا لتكبيرات الزوائد فيها لاتصالها بها بخلاف تكبيرة الركوع في الأولى "و" يجب "جهر الإمام بقراءة" ركعتي "الفجر و" قراءة "أوليي العشاءين ولو قضاء" لفعله صلى الله عليه وسلم "و" يجب الجهر بالقراءة في صلاة "الجمعة والعيدين والتراويح والوتر في رمضان" على الإمام للمواظبة والجهر إسماع الغير "و" يجب "الإسرار" وهو إسماع النفس في الصحيح وتقدم "في" جميع ركعات "الظهر والعصر" ولو في جمعهما بعرفة "و" الإسرار "فيما بعد أوليي العشاءين" الثالثة من المغرب وهي والرابعة من العشاء "و" الإسرار في "نفل النهار" للمواظبة على ذلك "والمنفرد" بفرض "مخير فيما يجهر" الإمام فيه وقد بيناه وفيما يقضيه مما سبق في الجمعة والعيدين "كمتنفل بالليل" فإنه مخير ويكتفي بأدنى الجهر فلا يضر ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جهر في التهجد بالليل وكان يؤنس اليقظان ولا يوقظ الوسنان "ولو ترك السورة في" ركعة من أوليي المغرب أو في جميع "أوليي العشاء قرأها" أي السورة وجوبا على الأصح "في الأخريين" من العشاء والثالثة من المغرب "مع الفاتحة جهرا" بهما على

 

ص -96-        ولو ترك الفاتحة لا يكررها في الأخريين.
ــــــــــــــــــــ
الأصح ويقدم الفاتحة ثم يقرأ السورة وهو الأشبه وعند بعضهم يقدم السورة وعند بعضهم يترك الفاتحة لأنها غير واجبة ولو تذكر الفاتحة بعد قراءة السورة قبل الركوع يأتي بها ويعيد السورة في ظاهر المذهب كما لو تذكر في الركوع يأتي بها ويعيده "ولو ترك الفاتحة" في الأوليين "لا يكررها في الأخريين" عندهم ويسجد للسهو لأن قراءة الفاتحة في الشفع الثاني مشروعة نفلا وبقراءتها مرة وقع عن الأداء لفوته بمكانه وإذا كررها خالف المشروع إلا في النفل بخلاف السورة فإنها مشروعة نفلا في الأخريين ولم تكرر

فصل في سننها
وهي احدى وخمسون رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل والأمة وحذاء المنكبين للحرة ونشر الأصابع ومقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه ووضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته, ......................................
ــــــــــــــــــــ
فصل في بيان سننها1 أي الصلاة
"وهي إحدى وخمسون" تقريبا فيسن "رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ثم يقول:
"سبحانك اللهم وبحمدك ..." الخ "و" حذاء أذني "الأمة" لأنها كالرجل في الرفع وكالحرة في الركوع والسجود لأن ذراعيها ليسا بعورة "و" رفع اليدين "حذاء المنكبين للحرة" على الصحيح لأن ذراعيها عورة ومبناه على الستر "و" من أحكم أحكام السنة أن تركها لا يفسد الصلاة ولا يوجب سجود السهو غير أنه يكون مسيئا إذا تركها عمدا والإساءة أخف من الكراهة ويثاب على فعلها ويلام على تركها. وروى الحسن أنها ترفع حذاء أذنيها "و" يسن "نشر الأصابع" وكيفيته أن لا يضم كل الضم ولا يفرج كل التفريج بل يتركها على حالها منشورة لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه ناشرا أصابعه "و" يسن "مقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه" عند الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر فكبروا". لأن إذا للوقت حقيقة عندهما بعد إحرام الإمام جعلا الفاء للتعقيب ولا خلاف في الجواز على الصحيح بل في الأولوية مع التيقن بحال الأمام "و" يسن "وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته" لحديث علي رضي الله عنه أن من السنة وضع اليمنى على الشمال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من أحكم أحكام السنة أن تركها ولو عمدا لا يفسد الصلاة ولا يوجب سجود السهو غير أنه يكون مسيئا إذا تركها عمدا, والإساءة أخف من الكراهة, ويثاب على فعلها ويلام على تركها.

 

ص -97-        وصفة الوضع أن يجعل باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى محلقا بالخنصر والإبهام على الرسع ووضع المرأة يديها على صدرها من غير تحليق والثناء والتعوذ للقراءة والتسمية أول كل ركعة والتأمين والتحميد والإسرار بها والاعتدال عند التحريمة من غير طأطأة الرأس وجهر الإمام بالتكبير والتسميع.
ــــــــــــــــــــ
تحت السرة "وصفة الوضع أن يجعل باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى محلقا بالخنصر والإبهام على الرسغ" لأنه لما ورد أنه يضع الكف على الكف وورد الأخذ فاستحسن كثير من المشايخ تلك الصفة عملا بالحديثين. وقيل أنه مخالف للسنة والمذاهب فينبغي أن يفعل بصفة أحد الحديثين مرة وبالآخر أخرى فيأتي بالحقيقة فيهما "و" يسن "وضع المرأة يديها على صدرها من غير تحليق" لأنه أستر لها "و" يسن "الثناء" لما روينا ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قمتم إلى الصلاة فارفعوا أيديكم ولا تخالف آذانكم ثم قولوا سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإن لم تزيدوا على التكبير أجزأكم" وسنذكر معانيها إن شاء الله تعالى "و" يسن "التعوذ" فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو ظاهر المذهب أو أستعيذ الخ واختاره الهندواني "للقراءة" فيأتي به المسبوق كالإمام والمنفرد لا المقتدي لأنه تبع للقراءة عندهما وقال أبو يوسف تبع للثناء سنة للصلاة لدفع وسوسة الشيطان وفي الخلاصة والذخيرة قول أبو يوسف الصحيح "و" تسن "التسمية أول كل ركعة" قبل الفاتحة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم والقول بوجوبها ضعيف وإن صح لعدم ثبوت المواظبة عليها "و" يسن "التأمين" للإمام والمأموم والمنفرد والقارئ خارج الصلاة للأمر به في الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم: "لقنني جبريل عليه السلام عند فراغي من الفاتحة آمين" وقال أنه كالختم على الكتاب وليس من القرآن وأفصح لغاته المد والتخفيف والمعنى "استجب دعاءنا" "و" يسن "التحميد"1 للمؤتم والمنفرد اتفاقا وللإمام عندهما أيضا "و" يسن "الإسرار بها" بالثناء وما بعده للآثار الواردة بذلك "و" يسن "الاعتدال عند" ابتداء "التحريمة" وانتهائها بأن يكون آتيا بها "من غير طأطأة الرأس" كما ورد "و" يسن "جهر2 الإمام بالتكبير والتسميع" لحاجته إلى الإعلام بالشروع والانتقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يسن التحميد وهو: "اللهم ربنا ولك الحمد" للمأموم والمنفرد اتفاقا ويسن للإمام أن يقول: "سمع الله لمن حمده" فقط عند أبي حنيفة فقط عند أبي حنيفة ويجمع بينهما عند الصاحبين.
2 ويسن جهر الإمام بالسلام أيضا. ويكره التبليغ "وهو: أن يبلغهم صوت الإمام" إلا لحاجة. وفي [السيرة الحلبية] أن كراهة التبليغ في هذه الحالة متفق عليه في المذاهب الأربعة ويجوز عند الاحتياج بأن كان صوت افمام لا يصل إليهم لضعفهم ولكثرتهم, فإن لم يبلغ أحدا ينبغي لكل صف من المقتدين الجهر بذلك إلى حد يعلمه الأعمى ممن يليهم ولا تصح صلاة المبلغ إذا قصد بتكبيرة الإحرام مجرد الإعلام أما بقية التكبيرات مع التسميع والتحميد فتصح الصلاة بمجرد قصد الإعلام وإن لم يحصل الثواب.

 

ص -98-        وتفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع وأن تكون السورة المضمومة للفاتحة من طوال المفصل في الفجر والظهر ومن أوساطه في العصر والعشاء ومن قصاره في المغرب لو كان مقيما ويقرأ أي سورة شاء لو كان مسافرا وإطالة الأولى في الفجر فقط, ..................
ــــــــــــــــــــ
ولا حاجة للمنفرد كالمأموم "و" يسن "تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع" لأنه أقرب إلى الخشوع والترواح أفضل من نصب القدمين وتفسير التراوح أن يعتمد على قدم مرة وعلى الآخر مرة لأنه أيسر وأمكن لطول القيام "و" يسن "أن تكون السورة المضمومة للفاتحة من طوال المفصل" الطوال والقصار بكسر أولهما جمع طويلة وقصيرة والطوال بالضم الرجل الطويل وسمي المفصل به لكثرة فصوله وقيل لقلة المنسوخ فيه وهذا "في" صلاة1 "الفجر والظهر ومن أوساطه" جمع وسط بفتح السين ما بين القصار والطوال "في العصر والعشاء ومن قصاره في المغرب" وهذا التقسيم "لو كان" المصلي هذا "مقيما" والمنفرد والإمام سواء ولم يثقل على المقتدين بقراءته كذلك.
والمفصل هو السبع السابع قيل أوله عند الأكثرين من سورة الحجرات وقيل من سورة محمد صلى الله عليه وسلم أو من الفتح أو من ق والطوال من مبدئه إلى البروج وأوساطه منها إلى لم يكن وقصاره منها إلى آخره وقيل طواله من الحجرات إلى عبس وأوساطه من كورت إلى الضحى والباقي قصاره لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بوسط المفصل وفي الصبح بطوال المفصل والظهر كالفجر لمساواتهما في سعة الوقت وورد انه كالعصر لاشتغال الناس بمهماتهم وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة "
{الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} [السجدة:2,1] و {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الانسان: من الآية1] وقد ترك الحنفية إلا النادر منهم هذه السنة ولازم عليها الشافعية إلا القليل. فظن جهلة المذهبين بطلان الصلاة بالفعل والترك فلا ينبغي الترك ولا الملازمة دائما.
"و" للضرورة "يقرأ أي سورة شاء" لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم المعوذتين في الفجر. فلما فرغ قالوا أوجزت قال:
"سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه" كما لو كان مسافرا لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الفجر في السفر وإذا كثر في سقوط شطر الصلاة ففي تخفيف القراءة أولى "و" يسن "إطالة الأولى في الفجر" اتفاقا للتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بالثلثين في الأولى والثلث في الثانية استحبابا وإن كثر التفاوت لا بأس به وقوله "فقط" إشارة إلى قول محمد أحب إلي أن يطول الأولى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مقيد بحال الاختيار, أما عند الضرورة فيقدر الحال ولو بأدنى الفرض, كما صلى أبو يوسف في الفجر بآيتين من الفاتحة فقال الإمام: يعقوبنا صار فقيها!!

 

ص -99-        وتكبيرة الركوع وتسبيحه ثلاثا وأخذ ركبتيه بيديه وتفريج أصابعه والمرأة لا تفرجها ونصب ساقيه وبسط ظهره وتسوية رأسه بعجزه والرفع من الركوع
ــــــــــــــــــــ
في كل الصلوات وتكره إطالة الثانية1 على الأولى اتفاقا بما فوق آيتين وفي النوافل الأمر أسهل "و" يسن "تكبيرة الركوع" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر عند كل خفض ورفع سوى الرفع من الركوع فإنه كان يسمع فيه "و" يسن "تسبيحه" أي الركوع "ثلاثا" لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات وذلك أدناه" أي أدنى كماله المعنوي وهو الجمع المحصل للسنة لا اللغوي والأمر للاستحباب فيكره أن ينقص منها ولو رفع الإمام قبل إتمام المقتدي ثلاثا فالصحيح أنه يتابعه ولا يزيد الإمام2 على وجه يمل به القوم وكلما زاد المنفرد فهو أفضل بعد الختم على وتر وقيل تسبيحات الركوع والسجود وتكبيرهما واجبات ولا يأتي في الركوع أو السجود بغير التسبيح وقال الشافعي يزيد في الركوع اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وعليك توكلت. وفي السجود سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين. كما روي عن علي قلنا هو محمول على حالة التهجد "و" يسن "أخذ ركبتيه بيديه" حال الركوع "و" يسن "تفريج أصابعه" لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه: "إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك وارفع يديك عن جنبيك" ولا يطلب تفريج الأصابع إلا هنا ليتمكن من بسط الظهر "والمرأة لا تفرجها" لأن مبنى حالها على الستر "و" يسن "نصب ساقيه" لأنه المتوارث وإحناؤهما شبه القوس مكروه "و" يسن "بسط ظهره" حال ركوعه لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر وروي أنه كان إذا ركع لو كان قدح ماء على ظهره لما تحرك لاستواء ظهره "و" يسن "تسوية رأسه بعجزه" العجز بوزن رجل من كل شيء مؤخره ويذكر ويؤنث والعجيزة للمرأة خاصة وقد تستعمل للرجل وأما العجز فعام وهو ما بين الوركين من الرجل والمرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك أي لم يرفع رأسه ولم يخفضه "و" يسن "الرفع3 من الركوع" على الصحيح وروي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إلا فيما ورد كما في صلاة الجمعة فالمسنون أن يقرأ في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالغاشية وهي أطول.
2 فلو زاد ليدرك الجائي قيل: مفسد, وقيل: مكروه, وقيل: جائز إن قصد القربة.
3 الأصح رواية ودراية وجوب تعديل الأركان, وأما القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذاهب السنية, وروي وجوبها وهو الموافق

 

ص -100-     والقيام بعده مطمئنا ووضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه للسجود وعكسه المنهوض وتكبير السجود وتكبير الرفع وكون السجود بين كفيه وتسبيحه ثلاثا ومجافاة الرجل بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه وذراعيه عن الأرض وانخفاض المرأة ولزقها بطنها بفخذيها والقومة والجلسة بين السجدتين ووضع اليدين على الفخذين فيما بين السجدتين كحالة التشهد وافتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى وتورك المرأة, ...............
ــــــــــــــــــــ
عن أبي حنيفة أن الرفع منه فرض وتقدم "و" يسن "القيام بعده" أي بعد الرفع من الركوع "مطمئنا" للتوارث "و" يسن "وضع ركبتيه" ابتداء على الأرض "ثم يديه ثم وجهه" عند نزوله "للسجود" ويسجد بينهما "و" يسن "عكسه للنهوض" للقيام بأن يرفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه إذا لم يكن به عذر وأما إذا كان ضعيفا أو لابس خف فيفعل ما استطاع ويستحب الهبوط باليمين والنهوض باليسار لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه "و" يسن "تكبير السجود" لما روينا
"و" يسن "تكبير الرفع" منه للمروي "و" يسن "كون السجود" أي جعل السجود "بين كفيه" وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع وجهه بين كفيه رواه مسلم وفي البخاري لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه وبه قال الشافعي رحمه الله وقال بعض المحققين بالجمع وهو أن يفعل بهذا مرة وبالآخر مرة وإن كان بين الكفين أفضل وهو حسن "و" يسن "تسبيحه" أي السجود بأن يقول سبحان ربي الأعلى "ثلاثا" لما روينا "و" يسن "مجافاة الرجل" أي مباعدته "بطنه عن فخذيه و" مجافاة "مرفقيه عن جنبيه و" مجافاة "ذراعيه عن الأرض" في غير زحمة حذرا عن الإيذاء المحرم لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت وكان صلى الله عليه وسلم يجنح حتى يري وضع إبطيه أي بياضهما وقال عليه السلام:
"لا تبسط بسط السبع وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك" "و" يسن "انخفاض المرأة ولزقها بطنها بفخذيها" لأنه عليه السلام مر على امرأتين تصليان فقال: "إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل لأنها عورة مستورة" "و" تسن "القومة" يعني إتمامها لأن الرفع من السجود فرض إلى قرب القعود فإتمامه سنة "و" تسن "الجلسة بين السجدتين و" يسن "وضع اليدين على الفخذين" حال الجلسة "فيما بعد السجدتين" فيكون "كحالة التشهد" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأخذ الركبة هو الأصح "و" يسن "افتراش" الرجل "رجله اليسرى ونصبه اليمنى" وتوجيه أصابعها نحو القبلة كما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه "و" يسن "تورك المرأة" بأن تجلس على أليتها وتضع الفخذ على الفخذ وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى لأنه

 

 

ص -101-     والإشارة في الصحيح بالمسبحة عند الشهادة يرفعها عند النفي ويضعها عند الإثبات وقراءة الفاتحة فيما بعد الأوليين والصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير والدعاء بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة لا .......................
ــــــــــــــــــــ
أستر لها "و" تسن "الإشارة في الصحيح" لأنه صلى الله عليه وسلم رفع أصبعه السبابة وقد أحناها شيئا ومن قال إنه لا يشير أصلا فهو خلاف الرواية والدراية وتكون "بالمسبحة" أي السبابة من اليمنى فقط يشير بها "عند" انتهائه إلى "الشهادة" في التشهد لقول أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أحد أحد" "يرفعها" أي المسبحة "عند النفي" أي نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقوله لا إله "ويضعها عند الإثبات" أي إثبات الألوهية لله وحده بقوله إلا الله ليكون الرفع إشارة إلى النفي والوضع إلى الإثبات ويسن الإسرار بقراءة التشهد وأشرنا إلى أنه لا يعقد شيئا من أصابعه وقيل إلا عند الإشارة بالمسبحة فيما يروي عنهما "و" تسن "قراءة الفاتحة فيما بعد الأوليين" في الصحيح وروي عن الإمام وجوبها وروي عنه التخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح والسكوت "و" تسن "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير" فيقول مثل ما قال محمد رحمه الله تعالى لما سئل عن كيفيتها فقال يقول اللهم صل1 على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وزيادة في العالمين ثابتة في رواية مسلم وغيره فالمنع منها ضعيف والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في العمر مرة ابتداء وتفرض كلما ذكر اسمه لوجود سببه "و" يسن "الدعاء" بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله عز وجل والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد ما شاء" لكن لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" قدم هذا المانع على إباحة الدعاء بما أعجبه في الصلاة فلا يدعو فيها إلا "بما يشبه ألفاظ القرآن" ربنا لا تزغ قلوبنا "و" بما يشبه ألفاظ "السنة" ومنها ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني يا رسول الله دعاء أدعو به في صلاتي فقال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وكان ابن مسعود رضي الله عنه يدعو بكلمات منها: "اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم" و "لا" يجوز أن يدعو في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قيل تندب السيادة لكن قال بن حجر: إن اتباع الآثار الواردة أرجح, ولم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين إلا في حديث ضعيف عن ابن مسعود, ولو كان مندوبا لما خفي عليهم.

 

ص -102-     كلام الناس والالتفات يمينا ثم يسارا بالتسليمتين ونية الإمام الرجال والحفظة وصالح الجن بالتسلمتين في الأصح ونية المأموم إمامه في جهته وإن حاذاه نواه في التسليمتين مع القوم والحفظة وصالح الجن ونية المنفرد الملائكة فقط, ...............
ــــــــــــــــــــ
صلاته بما يشبه "كلام الناس" لأنه يبطلها إن وجد قبل القعود وقدر التشهد ويفوت الواجب لوجوده بعده قبل السلام بخروجه دون السلام وهو مثل قوله اللهم زوجني فلانة أعطني كذا من الذهب والفضة والمناصب لأنه لا يستحيل حصوله من العباد وما يستحيل مثل العفو والعافية "و" يسن "الالتفات يمينا ثم يسارا بالتسليمتين" لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه فيقول:
"السلام عليكم ورحمة الله" حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره "السلام عليكم" حتى يرى بياض خده الأيسر. فإن نقص فقال السلام عليكم أو سلام عليكم أساء بتركه السنة وصح فرضه ولا يزيد وبركاته لأنه بدعة1 وليس فيه شيء ثابت وإن بدأ بيساره ناسيا أو عامدا يسلم عن يمينه ولا يعيده على يساره ولا شيء عليه سوى الإساءة في العمد ولو سلم تلقاء وجهه عن يساره. ولو نسي يساره وقام يعود ما لم يخرج من المسجد أو يتكلم فيجلس ويسلم "يتبع..."
"تابع: "وهي إحدى وخمسون" تقريبا فيسن "رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين
"و" يسن "نية الإمام الرجال" والنساء والصبيان والخناثى "و" الملائكة "الحفظة" جمع حافظ سموا به لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل أو لحفظهم إياه من الجن وأسباب المعاطب ولا يعين عددا للاختلاف فيه وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال مع كل مؤمن خمس من الحفظة واحد عن يمينه يكتب الحسنات وواحد عن يساره يكتب السيئات وآخر أمامه يلقنه الخيرات وآخر وراءه يدفع عنه المكاره وآخر عند ناصيته يكتب ما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويبلغه إلى الرسول عليه السلام وقيل معه ستون ملكا وقيل مائة وستون يذبون عنه الشياطين فالإيمان بهم كالإيمان بالأنبياء عليهم السلام من غير حصر بعدد "و" نيته "صالح الجن" المقتدين به فينوي الإمام الجميع "بالتسليمتين في الأصح" لأنه يخاطبهم وقيل ينويهم بالتسليمة الأولى وقيل تكفيه الإشارة إليهم "و" يسن "نية المأموم إمامه في جهته" اليمين إن كان فيها أو اليسار إن كان فيها "وإن حاذاه نواه في التسليمتين" لأن له حظا من كل جهة وهو أحق من الحاضرين لأنه أحسن إلى المأموم بالتزام صلاته "مع القوم والحفظة وصالح الجن و" يسن "نية المنفرد الملائكة فقط" إذ ليس معه غيرهم فينبغي التنبه لهذا فإنه قل من يتنبه له من أهل العلم فضلا عن غيرهم

______________________
1 مردود بما في [سنن أبي داود] عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه:
"السلام عليكم ورحمة الله و بركاته" وعن شماله "السلام عليكم ورحمة الله".
2 الأصح ما لم يستدبر القبلة.

 

ص -103-     وخفض الثانية عن الأولى ومقارنته لسلام الإمام والبداءة باليمين وانتظار المسبوق فراغ الإمام.
ــــــــــــــــــــ
"و" يسن "خفض" صوته بالتسليمة "الثانية عن الأولى و" يسن "مقارنته" أي سلام المقتدي "لسلام الإمام" عند الإمام موافقة له وبعد تسليمه عندهما لئلا يسرع بأمور الدنيا "و" يسن "البداءة باليمين" وقد بيناه "و" يسن "انتظار المسبوق فراغ الإمام" لوجوب المتابعة حتى يعلم أن لا سهو1 عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فإن قام قبله كره تحريما, وقد يباح له القيام لضرورة, كما لو خاف مرور الناس بين يديه, أو خاف خروج الوقت وهو معذور, أو خروج وقت الفجر أو الجمعة أو العيد أو مضى مدة مسحه.

فصل من آدابها
من آدابها إخراج الرجل كفيه من كميه عند التكبير ونظر المصلي إلى موضع سجوده قائما والى ظاهر القدم راكعا والى أرنبة أنفه ساجدا والى حجره جالسا والى المنكبين مسلما ودفع السعال ما استطاع وكظم فمه عند التثاؤب والقيام حين قيل
ــــــــــــــــــــ
فصل: من آدابها
الأدب: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود والزيادة على القراءة المسنونة وقد شرع لإكمال السنة فمنها "إخراج الرجل كفيه من كميه عند التكبير" للإحرام لقربه من التواضع إلا لضرورة كبرد. والمرأة تستر كفيها حذرا من كشف ذراعيها ومثلها الخنثى "و" منها "نظر المصلي" سواء كان رجلا أو امرأة "إلى موضع سجوده قائما" حفظا له عن النظر إلى ما يشغله عن الخشوع "و" نظره "إلى ظاهر القدم راكعا وإلى أرنبة أنفه ساجدا وإلى حجره جالسا" ملاحظا قوله صلى الله عليه وسلم:
"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تره فإنه يراك" فلا يشتغل بسواه "و" منها نظره "إلى المنكبين مسلما" وإذا كان بصيرا أو في ظلمة فيلاحظ عظمة الله تعالى "و" من الأدب "دفع السعال ما استطاع" تحرزا عن المفسد فإنه إذا كان بغير عذر يفسد وكذا الجشاء "و" من الأدب "كظم فمه2 عند التثاؤب" فإن لم يقدر غطاه بيده أو كمه لقوله صلى الله عليه وسلم: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" "و" من الأدب "القيام" أي قيام القوم والإمام إن كان حاضرا بقرب المحراب "حين قيل" أي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فإن قام قبله كره تحريما, وقد يباح له القيام لضرورة, كما لو خاف مرور الناس بين يديه, أو خاف خروج الوقت وهو معذور, أو خروج وقت الفجر أو الجمعة أو العيد أو مضى مدة مسحه.
2 إمساكه ولو بأخذ شفتيه بسنه, فإن أمكنه ذلك فمنعه بيده أو كمه كره.

 

ص -104-     حي على الفلاح وشروع الإمام مذ قيل قد قامت الصلاة.
ــــــــــــــــــــ
وقت قول المقيم "حي على الفلاح" لأنه أمر به فيجاب وإن لم يكن حاضرا يقوم كل صف حين ينتهي إليه الإمام1 في الأظهر "و" من الأدب "شروع الإمام" إلى إحرامه "مذ قيل" أي عند قول المقيم "قد قامت الصلاة" عندهما وقال أبو يوسف يشرع إذا فرغ2 من الإقامة فلو أخر حتى يفرغ من الإقامة لا بأس به في قولهم جميعا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وإذا دخل رجل المسجد في بدء الإقامة قعد ولا ينتظر فإنه مكروه.
2 أي بدون فصل, ولو فصل بينهما هل تعاد؟ قال في [الغنية]: لو صلى السنة بعد الإقامة أو حضر الإمام بعدها بساعة لا يعيدها.

فصل في كيفية تركيب الصلاة
اذا أراد الرجل الدخول في الصلاة أخرج كفيه من كيمه ثم رفعهما حذاء أذنيه ثم كبر بلا مد ناويا ويصح الشروع بكل ذكر خالص لله تعالى كسبحان الله وبالفارسية
ــــــــــــــــــــ
فصل: في كيفية تركيب أفعال الصلاة من الابتداء إلى الانتهاء
من غير بيان أوصافها لتقديمها "إذا أراد الرجل الدخول في الصلاة" أي صلاة كانت "أخرج كفيه من كميه" بخلاف المرأة وحال الضرورة كما بيناه "ثم رفعهما حذاء أذنيه" حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه ويجعل باطن كفيه نحو القبلة ولا يفرج أصابعه ولا يضمها وإذا كان به عذر يرفع بقدر الإمكان. والمرأة الحرة حذو منكبيها والأمة كالرجل كما تقدم "ثم كبر" هو الأصح فإذا لم يرفع يديه حتى فرغ من التكبير لا يأتي به لفوات محله وإن ذكره في أثنائه رفع "بلا مد"3 فإن مد همزه لا يكون شارعا في الصلاة وتفسد به في أثنائها وقوله "ناويا" شرط لصحة التكبير "ويصح الشروع بكل ذكر خالص لله تعالى" عن اختلاطه بحاجة الطالب وإن كره لترك الواجب وهو لفظ التكبير وفيه إشارة إلى أنه لا بد لصحة الشروع من جملة تامة وهو ظاهر الرواية "كسبحان الله" أو لا إله إلا الله أو الحمد لله "و" يصح الشروع أيضا "بالفارسية"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وإذا دخل رجل المسجد في بدء الإقامة قعد ولا ينتظر فإنه مكروه.
2 أي بدون فصل, ولو فصل بينهما هل تعاد؟ قال في [الغنية]: لو صلى السنة بعد الإقامة أو حضر الإمام بعدها بساعة لا يعيدها.
3 إذا مد همزة: الله, أو اكبر, لم يصح شروعه وتفسد به أثنائها, وإذا زاد مد اللام عن حركتين كره, وإذا سكن الهاء أو أشبعها أخطأ إن لم تفسد. وإن مد: الباء, قيل: تفسد لأنه جمع: كبر, وهو اسم الطبل, واسم لولد الشيطان, ولو حذف مد اللام اختلف في صحة الشروع وانعقاد اليمين وحل الذبيحة. واعلم أن العاجز عن النطق بها أو عن القراءة لا يلزمه تحريك لسانه.

 

ص -105-     إن عجز عن العربية وإن قدر لا يصح شروعه بالفارسية ولا قراءته بها في الأصح ثم وضع يمينه على يساره تحت سرته عقب التحريمة بلا مهلة مستفتحا وهو أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ويستفتح كل مصل ثم تعوذ للقراءة فيأتي به المسبوق لا المقتدي ويؤخر عن تكبيرات العيدين ثم يسمي سرا ويسمي في كل ركعة قبل الفاتحة فقط, .........................
ــــــــــــــــــــ
وغيرها من الألسن "إن عجز عن العربية وإن قدر لا يصح شروعه بالفارسية" ونحوها "ولا قراءته بها في الأصح" من قول الإمام الأعظم موافقة لهما لأن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا. وأما التلبية في الحج والسلام من الصلاة والتسمية على الذبيحة والأيمان فجائز بغير العربية مع القدرة عليها إجماعا "ثم وضع يمينه على يساره" وتقدم صفته "تحت سرته عقب التحريمة بلا مهلة" لأنه سنة القيام في ظاهر المذهب. وعند محمد سنة القراءة فيرسل حال الثناء وعندهما يعتمد في كل قيام فيه ذكر مسنون كحالة الثناء والقنوت وصلاة الجنازة ويرسل بين تكبيرات العيدين إذ ليس فيه ذكر مسنون "مستفتحا وهو أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" وإن قال وجل ثناؤك لم يمنع وإن سكت لا يؤمر ولا يأتي بدعاء التوجه لا قبل الشروع ولا بعده ويضمه في التهجد للاستفتاح ومعنى سبحانك اللهم وبحمدك نزهتك عن صفات النقص بالتسبيح وأثبت صفات الكمال لذاتك بالتحميد وتبارك أي دام وثبت وتنزه اسمك وتعالى جدك أي ارتفع سلطانك وعظمتك وغناك بمكانتك ولا إله غيرك في الوجود معبود بحق بدأ بالتنزيه الذي يرجع إلى التوحيد ثم ختم بالتوحيد ترقيا في الثناء على الله تعالى من ذكر النعوت السلبية والصفات الثبوتية إلى غاية الكمال في الجلال والجمال وسائر الأفعال وهو الانفراد بالألوهية وما يختص به من الأحدية والصمدية "ويستفتح كل مصل" سواء المقتدي وغيره ما لم يبدأ الإمام بالقراءة
"ثم تعوذ" بالله من الشيطان الرجيم لأنه مطرود عن حضرة الله تعالى ويريد أن يجعلك شريكا له في العقاب وأنت لا تراه فتعتصم بمن يراه ليحفظك منه بالتعوذ "سرا للقراءة" مقدما عليها "فيأتي به المسبوق" في ابتداء ما يقضيه بعد الثناء فإنه يثني حال اقتدائه ولو في سكتات الإمام على ما قيل ولا يأتي به في الركوع ويأتي فيه بتكبيرات العيدين لوجوبها "لا المقتدي" لأنه للقراءة ولا يقرأ المقتدي وقال أبو يوسف هو تبع للثناء فيأتي به "ويؤخر" التعوذ "عن تكبيرات" الزوائد في "العيدين" لأنه للقراءة وهي بعد التكبيرات في الركعة الأولى "ثم يسمي سرا" كما تقدم "ويسمى" كل من يقرأ في صلاته "في كل ركعة" سواء صلى فرضا أو نفلا "قبل الفاتحة" بأن يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" وأما في الوضوء والذبيحة فلا يتقيد بخصوص البسملة بل كل ذكر له يكفي "فقط" فلا تسن التسمية بين الفاتحة و السورة ولا كراهة فيها وإن فعلها اتفاقا للسورة

 

ص -106-     ثم قرأ الفاتحة وأمن الإمام والمأموم سرا ثم قرأ سورة أو ثلاث آيات ثم كبر راكعا مطمئنا مسويا رأسه بعجزه آخذا ركبتيه بيديه مفرجا أصابعه وسبح فيه ثلاثا وذلك أدناه ثم رفع رأسه واطمأن قائلا سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد لو أماما أو منفردا والمقتدي يكتفي بالتحميد ثم كبر خارا للسجود ثم وضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه بين كفيه وسجد بأنفه وجبهته مطمئنا مسبحا ثلاثا وذلك أدناه وجافى بطنه عن فخذيه وعضديه عن إبطيه في غير زحمة موجها أصابع يديه.............................
ــــــــــــــــــــ
سواء جهر أو خافت بالسورة وغلط من قال لا يسمي إلا في الركعة الأولى "ثم قرأ الفاتحة وأمن الأمام والمأموم سرا" وحقيقته إسماع النفس كما تقدم "ثم قرأ سورة" من المفصل على ما تقدم "أو" قرأ "ثلاث آيات قصار أو آية طويلة وجوبا "ثم كبر" كل مصل "راكعا" فيبدأ بالتكبير مع ابتداء الانحناء يختمه ليشرع في التسبيح فلا تخلو حالة من حالات الصلاة عن ذكر "مطمئنا مسويا رأسه بعجزه آخذا ركبته بيديه" ويكون الرجل "مفرجا أصابعه" ناصبا ساقيه وإحناؤهما شبه القوس مكروه والمرأة لا تفرج أصابعها "وسبح فيه" أي الركوع كل مصل فيقول سبحان ربي العظيم مرات "ثلاثا وذلك" العدد "أدناه" أي أدنى كمال الجمع المسنون ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد بإجماع الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم:
"نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا" "ثم رفع رأسه واطمأن" قائما "قائلا: سمع الله لمن حمده" أي قبيل الله حمد من حمده لأن السماع يذكر ويراد به القبول مجازا كما يقال: سمع الأمير كلام فلان وفي الحديث: "أعوذ بك من دعاء لا يسمع" أي لا يستجاب والهاء للسكتة والاستراحة لا للكناية "ربنا لك الحمد" فيجمع بين التسميع والتحميد "لو" كان "إماما" هذا قولهما وهو رواية عن الإمام اختارها في الحاوي القدسي وكان الفضلي والطحاوي وجماعة من المتأخرين يميلون إلى الجمع وهو قول أهل المدينة وقوله "أو منفردا" متفق عليه على الأصح عن الإمام موافقة لهما عنه يكتفي بالتحميد وعنه يكتفي بالتسميع "والمقتضي يكتفي بالتحميد" اتفاقا للأمر في الحديث: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" رواه الشيخان والأفضل: اللهم ربنا لك الحمد ويليه ربنا لك الحمد "ثم كبر" كل مصل "خارا للسجود" ويختمه عند وضع جبهته للسجود "ثم وضع ركبته ثم يديه" إن لم يكن به عذر من هذه الصفة "ثم" وضع "وجهه بين كفيه لما روينا "وسجد بأنفه وجبهته" وتقدم الحكم "مطمئنا مسبحا" بأن يقول سبحان ربي الأعلى مرات "ثلاثا وذلك أدناه" لما تقدم "وجافى" أي بإعداد الرجل "بطنه عن فخذيه وعضديه عن إبطه" لأنه أبلغ في السجود بالأعضاء "في غير زحمة" وينضم فيها حذرا عن إضرار الجار "موجها أصابع يديه" ويضمها كل الضم لا يندب إلا

 

ص -107-     ورجليه نحو القبلة والمرأة تخفض وتلزق بطنها بفخذيها ثم رفع رأسه مكبرا وجلس بين السجدتين واضعا يديه على فخذيه مطمئنا ثم كبر وسجد مطمئنا وسبح فيه ثلاثا وجافى بطنه عن فخذيه وأبدى عضديه ثم رفع رأسه مكبرا للنهوض بلا اعتماد على الأرض بيديه وبلا قعود والركعة الثانية كالأولى إلا أنه لا يثني ولا يتعوذ ولا يسن رفع اليدين إلا عند افتتاح كل صلاة وعند تكبير القنوت في الوتر وتكبيرات الزوائد في العيدين وحين يرى الكعبة وحين يستلم الحجر الأسود وحين يقوم على الصفا والمروة وعند الوقوف بعرفة ومزدلفة وبعد رمي الجمرة الأولى والوسطى وعند التسبيح عقب الصلوات وإذا فرغ........................
ــــــــــــــــــــ
هنا لأن الرحمة تنزل عليه في السجود وبالضم ينال الأكثر "و" يكون موجها أصابع "رجليه نحو القبلة والمرأة تخفض" فتضم عضديها لجنبيها "وتلزق بطنها بفخذيها" لأنه أستر لها ثم رفع1 رأسه مكبرا "وجلس" كل مصل "بين السجدتين واضعا يديه على فخذيه مطمئنا" وليس فيه ذكر مسنون والوارد فيه محمول على التهجد "ثم كبر" للسجود "وسجد" بعده "مطمئنا وسبح فيه" أي السجود "ثلاثا وجافى بطنه عن فخذيه وأبدى عضديه" وهما ضبعاه والضبع بسكون الباء لا غير العضد "ثم رفع رأسه مكبرا للنهوض" أي القيام بالركعة الثانية "بلا اعتماد على الأرض بيديه" إن لم يكن به عذر "وبلا قعود" قبل القيام يسمى جلسة الاستراحة عند الشافعي سنة "والركعة الثانية" يفعل فيها "كالأولى" وعلمت ما شملته "إلا أنه" أي المصلي "لا يثني" لأنه للافتتاح فقط "ولا يتعوذ" لعدم تبدل المجلس
"و" لا يرفع يديه إذ "لا يسن رفع اليدين" في حالتي الركوع وقيامه ولا يفسد الصلاة في الصحيح فلا يسن "إلا عند افتتاح كل صلاة وعند تكبير القنوت في الوتر وتكبيرات الزوائد في العيدين" لاتفاق الأخبار وصفة الرفع فيها حذو الأذنين "و" يسن رفعهما مبسوطتين نحو السماء "حين يرى الكعبة" المشرفة أي وقت معاينتها فتكون العين في فقعس [هكذا في النسخ ] للعيدين ومعاينة البيت للدعاء وهو مستجاب "و" يسن رفعهما "حين يستلم الحجر الأسود" مستقبلا بباطنهما الحجر "و" يسن رفعهما مبسوطتين نحو السماء داعيا "حين يقوم على الصفا والمروة و" كذلك "عند الوقوف بعرفة و" وقوف "مزدلفة و" في الوقوف "بعد رمي الجمرة الأولى و" الجمرة "الوسطى" كما ورد بذلك السنة الشريفة وترفع في دعاء الاستسقاء ونحوه لأن رفع اليد في الدعاء سنة "و" كذلك "عند" دعائه بعد فراغه من "التسبيح" والتحميد والتكبير الذي سنذكره "عقب الصلوات" كما عليه المسلمون في سائر البلدان "وإذا فرغ" الرجل من سجدتي الركعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومقدار الرفع المطلوب أن يكون إلى الجلوس أقرب.

 

ص -108-     والمرأة تتورك وقرأ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وأشار بالمسبحة في الشهادة يرفعها عند النفي ويضعها عند الإثبات ولا يزيد على التشهد في القعود الأول وهو:
"التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".
ــــــــــــــــــــ
الثانية افترش رجله اليسرى وجلس عليها ونصب يمناه ووجه أصابعها نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه وجعلها منتهية إلى رأس ركبتيه "والمرأة تتورك" وقدمنا صفته "وقرأ" المصلي ولو مقتديا "تشهد ابن مسعود رضي الله عنه" ويقصد معانيه مرادة له على أنه ينشئها تحية وسلاما منه "وأشار بالمسبحة" من أصابعه اليمنى "في الشهادة" على الصحيح "يرفعها عند النفي ويضعها عند الإثبات ولا يزيد على التشهد في القعود الأول" لوجوب القيام للثالثة "وهو" كما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد أخذ كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن فقال:
"إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات" جمع تحية من حيا فلان فلانا إذا دعا له عند ملاقاته كقولهم حياك الله أي أبقاك والمراد هنا أعز الألفاظ التي تدل على الملك والعظمة وكل عبادة قولية لله تعالى والمراد بالصلوات هنا العبادات البدنية والطيبات العبادات المالية لله تعالى وهي الصادرة منه ليلة الإسراء فلما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بإلهام من الله سبحانه رد الله عليه وحياه بقوله "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" فقابل التحيات بالسلام الذي هو تحية الإسلام وقابل الصلوات بالرحمة التي هي بمعناها وقابل الطيبات بالبركات المناسبة للمال لكونها النمو والكثرة فلما أفاض الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم بالثلاثة مقابل الثلاثة والنبي أكرم خلق الله وأجودهم عطف بإحسانه من ذلك الفيض لإخوانه الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين من الإنس والجن فقال "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فعمهم به كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض" وليس أشرف من العبودية في صفات المخلوقين هي الرضا بما يفعل الرب والعبادة ما يرضيه والعبودية أقوى من العبادة لبقائها في العقبى بخلاف العبادة والصالح القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد فلما أن قال ذلك صلى الله عليه وسلم إحسانا منه شهد أهل الملكوت الأعلى والسماوات وجبريل بوحي وإلهام بأن قال كل منهم "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" أي أعلم وأبين وجمع بين أشرف أسمائه وبين أشرف وصف للمخلوق وأرقى وصف ملتزم للنبوة لمقام الجمع فيقصد المصلي إنشاء هذه الألفاظ مرادة له قاصدا معناها الموضوعة له من عنده كأنه يحيي الله سبحانه وتعالى ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه وأولياء الله تعالى خلافا لما قاله بعضهم أنه حكاية سلام الله لا ابتداء سلام

 

ص -109-     وقرأ الفاتحة فقط فيما بعد الأوليين ثم جلس وقرأ التشهد ثم صلى على سيدنا النبي  صلى الله عليه وسلم  ثم دعا بما يشبه القرآن والسنة ثم سلم يمينا ويسارا فيقول السلام عليكم ورحمة الله ناويا من معه كما تقدم.
ــــــــــــــــــــ
من المصلي "وقرأ الفاتحة فيما بعد" الركعتين "الأوليين" من الفرائض فشمل المغرب "ثم جلس" مفترشا رجله اليسرى ناصبا اليمنى وتتورك المرأة "وقرأ التشهد" المتقدم "ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا" ليكون مقبولا بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "بما يشبه" ألفاظ "القرآن والسنة ثم سلم يمينا" ابتداء "ويسارا" انتهاء "فيقول السلام عليكم ورحمة الله ناويا من معه" من القوم والحفظة "كما تقدم" بيانه بحمد الله سبحانه ومنته.

باب الامامة
هي أفضل من الأذان والصلاة بالجماعة سنة للرجال الاحرار بلا عذر وشروط صحة الإمامة للرجال الأصحاء ستة أشياء الإسلام
ــــــــــــــــــــ
باب الإمامة1
قدمنا شيئا يدل على فضل الأذان وعندنا "هي" أي الإمامة "أفضل من الأذان" لمواظبته صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين عليها والأفضل كون الإمام هو المؤذن وهذا مذهبنا وكان عليه أبو حنيفة رحمه الله "والصلاة بالجماعة سنة"2 في الأصح مؤكدة شبيهة بالواجب في القوة "للرجال" للمواظبة ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا" وفي رواية "درجة" فلا يسع تركها إلا بعذر ولو تركها أهل مصر بلا عذر يؤمرون بها فإن قبلوا وإلا قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام ومن خصائص هذا الدين. ويحصل فضل الجماعة بواحد ولو صبيا يعقل أو امرأة ولو في البيت مع الإمام وأما الجمعة فيشترط ثلاثة أو اثنان كما سنذكره "الأحرار" لأن العبد مشغول بخدمة المولى "بلا عذر" لأنها تسقط به "وشروط صحة الإمامة للرجال الأصحاء ستة أشياء الإسلام" وهو شرط عام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإمامة: اتباع الإمام في جزء من صلاته. والإمام هو المتبوع. والجماعة: الفرق المجتمعة وشرعا الإمام مع واحد: رجلا امرأة حرا أو عبدا أو صبيا يعقل.
2 هي سنة عين إلا في التراويح فسنة كافية. وفي وتر رمضان مستحبة وفي وتر غيره وتطوعه مكروهة على سبيل متداع, فإن اقتدى به ثلاثة لا يكون تداعيا وإن اقتدى أربعة فالأصح للكراهة, وتستحب في الكسوف وتكره في الخوف وتشترط لصحة الجمعة والعيدين وفي "الغنية": الأصح أن إقامتها في البيت كإقامتها في المسجد, وإن تفاوتت الفضيلة, ويحصل فضلها ب": الأصح أن إقامتها في البيت كإقامتها في المسجد, وإن تفاوتت الفضيلة, ويحصل فضلها ب": الأصح أن إقامتها في البيت كإقامتها في المسجد, وإن تفاوتت الفضيلة, ويحصل فضلها بإدراك جزء من صلاة الإمام ولو آخر القعدة الأخيرة قبل السلام, واختلفوا هل الأفضل مسجد حيه أم جماعة المسجد الجامع.

 

ص -110-     والبلوغ والعقل والذكورة والقرءاة والسلامة من الأعذار كالرعاف والفأفأة والتمتمة واللثغ وفقد شرط كطهارة وستر عورة.
وشروط صحة الإقتداء أربعة عشر شيئا: نية المقتدي المتابعة مقارنة لتحريمته ونية الرجل الإمامة شرط لصحة اقتداء النساء به وتقدم الإمام بعقبه عن المأموم وألا يكون أدنى حالا من المأموم وألا يكون الإمام مصليا فرضا غير فرضه,
ــــــــــــــــــــ
فلا تصح إمامة منكر البعث أو خلافة الصديق أو صحبته أو يسب الشيخين أو ينكر الشفاعة أو نحو ذلك ممن يظهر الإسلام مع ظهور صفته المكفرة له "والبلوغ" لأن صلاة الصبي نفل ونفله لا يلزمه "والعقل" لعدم صحة صلاته بعدمه كالسكران "والذكورة" خرج به المرأة للأمر بتأخيرهن والخنثى امرأة فلا يقتدي به غيرها "والقراءة" بحفظ آية تصح بها الصلاة على الخلاف "و" السادس "السلامة من الأعذار" فإن المعذور صلاته ضرورية فلا يصح اقتداء غيره به "كالرعاف" الدائم وانفلات الريح ولا يصح اقتداء من به انفلات ريح ممن به سلس بول لأنه ذو عذرين "والفأفأة" بتكرار الفاء "والتمتمة" بتكرار التاء فلا يتكلم إلا به "واللثغ" بالثاء المثلثة والتحريك وهو واللثغة بضم اللام وسكون الثاء تحرك اللسان من السين إلى الثاء ومن الراء إلى الغين ونحوه لا يكون إماما1. وإذا لم يجد في القرآن شيئا خاليا عن لثغة وعجز عن إصلاح لسانه آناء الليل وأطراف النهار فصلاته جائزة لنفسه وإن ترك التصحيح والجهد فصلاته2 فاسدة "و" السلامة من "فقد شرط كطهارة" فإن عدمها بحمل خبث لا يعفى لا تصح إمامته لطاهر "و" كذا حكم "ستر عورة" لأن العاري لا يكون إماما لمستور.
"وشروط صحة الاقتداء أربعة عشر شيئا" تقريبا: "نية المقتدي المتابعة مقارنة لتحريمته" إما مقارنة حقيقية أو حكمية كما تقدم فينوي الصلاة والمتابعة أيضا "ونية الرجل الإمامة شرط لصحة اقتداء النساء به" لما يلزم من الفساد بالمحاذاة ومسألتها مشهورة ولو في الجمعة والعيدين على ما قاله الأكثر "وتقدم الأمام بعقبه عن" عقب "المأموم" حتى لو تقدم أصابعه لطول قدمه لا يضر "وأن لا يكون" الإمام "أدنى حالا من المأموم" كأن يكون متنفلا والمقتدي مفترضا أو معذورا والمقتدي خاليا عنه "و" يشترط "أن لا يكون الإمام مصليا فرضا غير فرضه" أي فرض المأموم كظهر وعصر وظهرين من يومين للمشاركة ولا بد فيها من الاتحاد فلا يصح اقتداء ناذر بناذر لم ينذر عين نذر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إلا لمثله وأجازها أبوبكر محمد بن الفضل وابن أمير حاج.
2 في [فتاوى أبي الليث] لو قال: الهمد لله, بالهاء بدل الحاء أو: كل هو الله أحد, بالكاف بدل القاف جاز إذا لم يقدر على غير ذلك أو بلسانه علة, قال الفقيه: وإن لم يكن بلسانه علة ولكن جرى ذلك على لسانه لا تفسد. ا هـ فلم يذكر هذا الشرط.

 

ص -111-     وألا يكون مقيما لمسافر بعد الوقت في رباعية ولا مسبوقا وألا يفصل بين الامام والمأموم صف من النساء وألا يفصل نهر يمر فيه الزورق ولا طريق تمر فيه العجلة ولا حائط يشتبه معه العلم بانتقالات الإمام فإن لم يشتبه لسماع أو رؤية صح الاقتداء في الصحيح وألا يكون الإمام راكبا والمقتدي راجلا أو راكبا غير دابة إمامه وألا يكون في سفينة والإمام في أخر غير مقترنة بها وألا يعلم المقتدي من حال إمامه.
ــــــــــــــــــــ
الإمام لعدم ولايته على غيره فيما التزمه ولا الناذر بالحالف لأن المنذورة أقوى "وأن لا يكون" الإمام "مقيما لمسافر بعد الوقت في رباعية" لما قدمناه فيكون اقتداء مفترض بمتنفل في حق القعدة أو القراءة "ولا مسبوقا" لشبهة افتدائه "وأن يفصل بين الإمام والمأموم صف من النساء" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له فإن كان ثلاثا فسدت صلاة ثلاثة خلفهن من كل صف إلى آخر الصفوف" وعليه الفتوى وجاز اقتداء الباقي وقيل الثلاث صف مانع من صحة الاقتداء لمن خلفه صفهن جميعا وإن كانتا اثنتين فسدت صلاة اثنين خلفهما فقط وإن كانت واحدة في الصف محاذية فسدت صلاة من حاذته عن يمينها ويسارها وآخر خلفها "وأن لا يفصل" بين الإمام والمأموم "نهر يمر فيه الزورق" في الصحيح والزورق نوع من السفن الصغار "ولا طريق تمر فيه العجلة" وليس فيه صفوف متصلة والمانع في الصلاة فاصل يسع فيه صفين على المفتى به "و" يشترط أن "لا" يفصل بينهما "حائط" كبير "يشتبه معه العلم بانتقالات الإمام فإن لم يشتبه" العلم بانتقالات الإمام "لسماع أو رؤية" ولم يكن الوصول إليه "صح الاقتداء" به "في الصحيح" وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرة عائشة رضي الله عنها والناس في المسجد يصلون بصلاته وعلى هذا الافتداء في الأماكن المتصلة بالمسجد الحرام وأبوابها من خارجه صحيح إذا لم يشتبه حال الإمام عليهم بسماع أو رؤية ولم يتخلل إلا الجدار كما ذكره شمس الأئمة فيمن صلى على سطح بيته المتصل بالمسجد أو في منزله بجنب المسجد وبينه وبين المسجد حائط مقتديا بإمام في المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو من المكبر تجوز صلاته كذا في الجنيس والمزيد ويصح اقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت ولا يخفى عليه حاله "و" يشترط "أن لا يكون الإمام راكبا والمقتدي راجلا" أو بالقلب "أو راكبا" دابة "غير دابة إمامه" لاختلاف المكان وإذا كان على دابة إمامه صح الاقتداء لاتحاد المكان "و" يشترط "أن لا يكون" المقتدي "في سفينة والإمام في" سفينة "أخرى غير مقترنة بها" لأنهما كالدابتين وإذا اقترنتا صح للاتحاد الحكمي "و" الرابع عشر من شروط صحة الاقتداء "أن لا يعلم المقتدي من حال إمامه"

 

ص -112-     مفسدا في زعم المأموم كخروج دم وقيء لم يعد بعده وضوءه وصح اقتداء متوضىء بمتيمم وغاسل بماسح وقائم بقاعد وبأحدب وموم بمثله ومتنفل بمفترض.
ــــــــــــــــــــ
المخالف لمذهبه "مفسدا في زعم المأموم" يعني في مذهب المأموم "كخروج دم" سائل "أو قيء" يملأ الفم وتيقن أنه "لم يعد بعده وضوءه" حتى لو غاب بعدما شاهد منه ذلك بقدر ما يعيد الوضوء ولم بعلم حاله فالصحيح جواز الاقتداء مع الكراهة كما لو جهل حاله بالمرة وأما إذا علم منه أنه لا يحتاط في مواضع الخلاف يصح الاقتداء به سواء علم حاله في خصوص ما يقتدى به فيه أو لا وإن علم أنه يحتاط في مواضع الخلاف يصح الاقتداء به على الأصح ويكره كما في المجتبى وقال الديري في شرحه لا يكره إذا علم الاحتياط في مذهب الحنفي وأما إذا علم المقتدي على الإمام ما يفسد الصلاة على زعم الإمام كمس المرأة أو الذكر أو حمل نجاسة قدر الدرهم والإمام لا يدري بذلك فإنه يجوز اقتداؤه به على قول الأكثر وقال بعضهم لا يجوز منهم الهندواني لأن الإمام يرى بطلان هذه الصلاة فتبطل صلاة المقتدي تبعا له وجه الأول وهو الأصح أن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه والمعتبر في حقه رأي نفسه فوجب القول بجوازها كما في التبيين وفتح القدير وإنما قيد بقوله والإمام لا يدري بذلك ليكون جازما بالنية وأمكن حمل صحة صلاته على معتقد إمامه وأما إذا علم به وهو على اعتقاد مذهبه صار كالمتلاعب ولا نية له فلا وجه لحمل صحة صلاته "وصح اقتداء متوضئ بمتيمم" عندهما وقال محمد لا يصح والخلاف مبني على أن الخليفة بين الآلتين التراب والماء أو الطهارتين الوضوء والتيمم فعندهما: بين الآلتين وظاهر النص يدل عليه فاستوى الطهارتان وعند محمد: بين الطهارتين التيمم والوضوء فيصير بناء القوي على الضعيف وهو لا يجوز ولا خلاف في صحة الاقتداء بالمتيمم في صلاة الجنازة "و" صح اقتداء "غاسل بماسح" على خف أو جبيرة أو خرقة قرحة لا يسيل منه شيء "و" صح اقتداء "قائم بقاعد" لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم السبت أو الأحد في مرض موته جالسا والناس خلفه قياما وهي آخر صلاة صلاها إماما وصلى خلف أبي بكر الركعة الثانية صبح يوم الإثنين مأموما ثم أتم لنفسه ذكره البيهقي في المعرفة "و" صح اقتداء "بأحدب" لم يبلغ حدبه حد الركوع اتفاقا على الأصح وإذا بلغ وهو ينخفض للركوع قليلا يجوز عندهما وبه أخذ عامة العلماء وهو الأصح بمنزلة الاقتداء بالقاعد لاستواء نصفه الأسفل ولا يجوز عند محمد قال الزيلعي وفي الظهيرية هو الأصح انتهى. فقد اختلف التصحيح فيه "و" صح اقتداء "موم بمثله" بأن كانا قاعدين أو مضطجعين أو المأموم مضطجعا والإمام قاعدا لقوة حاله "ومتنفل بمفترض" لأنه بناء للضعيف على القوي وصار تبعا

 

ص -113-     وإن ظهر بطلان صلاة إمامه أعاد ويلزم الإمام إعلام القوم بإعادة صلاتهم بالقدر الممكن في المختار.
فصل
يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئا مطر وبرد وخوف وظلمة وحبس وعمى وفلج وقطع يد ورجل وسقام وإقعاد ووحل وزمانة وشيخوخة وتكرار فقه بجماعة تفوته وحضور طعام تتوقه نفسه وإرادة سفر وقيامه بمريض وشدة ريح ليلا لا نهارا وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها المبيحة للتخلف يحصل له ثوابها.
ــــــــــــــــــــ
لإمامه في القراءة "وإن ظهر بطلان صلاة إمامه" بفوات شرط أو ركن "أعاد" لزوما يعني افترض عليه الإتيان بالفرض وليس المراد الإعادة الجابرة لنقص في المؤدى لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه" وإذا طرأ المبطل لا إعادة على المأموم كارتداد الإمام وسعيه للجمعة بعد ظهره دونهم وعوده لسجود تلاوة بعد تفرقهم
"ويلزم الإمام" الذي تبين فساد صلاته "إعلام القوم بإعادة صلاتهم بالقدر الممكن" ولو بكتاب أو رسول "في المختار" لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بهم وعلي رضي الله عنه صلى بالناس ثم تبين له أنه كان محدثا فأعاد وأمرهم أن يعيدوا وفي الدراية لا يلزم الإمام الإعلام إن كانوا قوما غير معينين وفي خزانة الأكمل لأنه سكت عن خطأ معفو عنه وعن الوبري يخبرهم وإن كان مختلفا فيه ونظيره إذا رأى غيره يتوضأ من ماء نجس أو على ثوبه نجاسة
فصل:
يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئا"
منها "مطر وبرد" شديد "وخوف" ظالم "وظلمة" شديدة في الصحيح "وحبس" معسر أو مظلوم "وعمى وفلج1 وقطع يد ورجل وسقام وإقعاد ووحل" بعد انقطاع مطر قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" "وزمانة وشيخوخة وتكرار فقه" لا نحو ولغة "بجماعة تفوته" ولم يدوام على تركها "وحضور طعام تتوقه نفسه" لشغل باله كمدافعة أحد الأخبثين أو الريح "وإرادة سفر" تهيأ له "وقيامه بمريض" يستضر بغيبته "وشدة ريح ليلا لا نهارا" للحرج "وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها المبيحة للتخلف" وكانت نيته حضورها لولا العذر الحاصل "يحصل له ثوابها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السقام: المرض. والإقعاد: الكساح. والفلج: الشلل, والزمانة: العاهة الملازمة.

 

ص -114-     فصل في الأحق بالإمامة وترتيب الصفوف
إذا لم يكن بين الحاضرين صاحب منزل ولا وظيفة ولا ذو سلطان فالأعلم أحق بالإمامة ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسن ثم الأحسن خلقا ثم الأحسن وجها ثم الأشرف نسبا ثم الأحسن صوتا ثم الأنظف ثوبا فإن استووا يقرع أو الخيار إلى القوم فإن اختلفوا فالعبرة بما اختراه الأكثر وإن قدموا غير الأولى فقد أساءوا.......................
ــــــــــــــــــــ
"فصل: في" بيان "الأحق بالإمامة و" في بيان "ترتيب الصفوف"
"إذا" اجتمع قوم و "لم يكن بين الحاضرين صاحب منزل" اجتمعوا فيه ولا فيهم ذو وظيفة وهو إمام المحل "ولا ذو سلطان" كأمير ووال وقاض "فالأعلم" بأحكام الصلاة الحافظ ما به سنة القراءة ويجتنب الفواحش الظاهرة وإن كان غير متبحر في بقية العلوم "أحق بالإمامة" وإذا اجتمعوا يقدم السلطان فالأمير فالقاضي فصاحب المنزل ولو مستأجرا يقدم على المالك ويقدم القاضي على إمام المسجد لما ورد في الحديث:
"ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه"1 "ثم الأقرأ" أي الأعلم بأحكام القراءة لا مجرد كثرة حفظ دونه "ثم الأورع" الورع اجتناب الشبهات أرقى من التقوى لأنها اجتناب المحرمات "ثم الأسن" لقوله صلى الله عليه وسلم: "وليؤمكما أكبركما"2 "ثم الأحسن خلقا" بضم الخاء واللام أي ألفة بين الناس "ثم الأحسن وجها" أي أصبحهم لأن حسن الصورة يدل على حسن السيرة لأنه مما يزيد الناس رغبة في الجماعة "ثم الأشرف نسبا" لاحترامه وتعظيمه "ثم الأحسن صوتا" للرغبة في سماعه للخضوع "ثم الأنظف ثوبا" لبعده عن الدنس ترغيبا فيه فالأحسن زوجة لشدة عفته فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا فأكثرهم مالا فأكبرهم مالا فأكبرهم جاها واختلف في المسافر مع المقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى "فإن استووا يقرع" بينهم فمن خرجت قرعته قدم "أو الخيار إلى القوم فإن اختلفوا فالعبرة بما اختاره الأكثر وإن قدموا غير الأولى فقد أساؤوا" ولكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قطعة من حديث رواه مسلم ج2 ص 133 ط الآستانة: عن أبي مسعود الأنصاري بلفظها فيه:
"ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه, ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه".
2 قاله لمالك بن الحويرث وابن عمه حين أراد السفر ولفظه:
"إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما". رواه الشيخان.

 

ص -115-     وكره إمامة العبد والأعمى والأعرابي وولد الزنا والجاهل والفاسق والمبتدع وتطويل الصلاة, ...................
ــــــــــــــــــــ
لا يأثمون كذا في [التجنيس] وفيه لو أم قوما وهم له كارهون فهو من ثلاثة أوجه إن كانت الكراهة لفساد فيه أو كانوا أحق بالإمامة منه يكره وإن كان هو أحق بها منهم ولا فساد فيه ومع هذا يكرهونه لا يكره له التقدم لأن الجاهل والفاسق يكره العالم والصالح قال صلى الله عليه وسلم:
"إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" وفي رواية: "فليؤمكم خياركم" "وكره إمامة العبد" إن لم يكن عالما تقيا "والأعمى" لعدم اهتدائه إلى القبلة وصون ثيابه عن الدنس وإن لم يوجد أفضل منه فلا كراهة "والأعرابي"1 الجاهل أو الحضري لجاهل "وولد الزنا" الذي لا علم عنده ولا تقوى فلذا قيده مع ما قبله بقوله "الجاهل" إذ لو كان عالما تقيا لا تكره إمامته لأن الكراهة للنقائض حتى إذا كان الأعرابي أفضل من الحضري والعبد من الحر وولد الزنا من ولد الرشد والأعمى من البصير فالحكم بالضد كذا في الاختيار "و" لذا كره إمامة "الفاسق" العالم لعدم اهتمامه بالدين فتجب إهانته شرعا فلا يعظم بتقديمه للإمامة وإذا تعذر منعه ينتقل عنه إلى غير مسجده للجمعة وغيرها وإن لم يقم الجمعة إلا هو تصلى معه "والمبتدع" بارتكابه ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان وروى محمد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز والصحيح أنها تصح مع الكراهة خلف من لا تكفره بدعته لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر" رواه الدار قطني كما في [البرهان] وقال في [مجمع الروايات]: وإذا صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرزا ثواب الجماعة لكن لا ينال ثواب من يصلي خلف إمام تقي "و" كره للإمام "تطويل الصلاة"2 لما فيه من تنفير الجماعة لقوله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بالأعرابي: هنا من سكن البادية عربيا أو عجميا لغلبة الجهل عليهم لبعدهم عن مجالس العلم وهذا ظاهر في كراهة العامي الذي لا علم عنده.
2 الصحيح أن التطويل المكروه ما زاد على القدر المسنون, وحديث معاذ كان في العشاء فخالف بقراءة البقرة. ولو كان الأمر بالتخفيف مدعاة إلى ترك السنة للزم التسوية بين سائر الصلاوات في القراءة وهذا مالا يريده الرسول وما لم يؤثر عنه فقد صح أنه كان يقرأ في الفجر ق ونحوها, وبالصافات وبالواقعة وبما بين الستين إلى المائة كما في مسلم. أما ما روي من أنه قرأ في الصبح بالمعوذتين فلأنه كان في سفر وأما ما روي من أنه صلى في الفجر بأقصر سورتين من القرآن فلما قضى صلاته قال:
"إنما عملت – أو أسرعت – لتفرغ أم الصبي إلى صبيها" فلا دليل فيه لأنها ضرورة. وحديثه يدل على أنه خالف عادته وهي التطويل في الفجر ومن ثم وجب البيان ليزيل العجب. والخلاصة: أن التخفيف لمعنى نسبي والحكم فيه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه من بعده لا شهوتنا وهوانا. واسمع إلى أنس يقول: كان – عليه الصلاة والسلام – يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات, وعلى ذلك جرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعجب من الطحطاوي كيف ارتضى بالصافات كراهة القدر المسنون للإمام.

 

ص -116-     وجماعة العراة والنساء فإن فلعن يقف الإمام وسطهن كالعراة ويقف الواحد عن يمين الإمام والأكثر خلفه ويصف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.
ــــــــــــــــــــ
عليه السلام:
"من أم فليخفف" "وجماعة المرأة" لما فيها من الإطلاع على عورات بعضهم "و" كره جماعة "النساء" بواحدة منهن ولا يحضرن الجماعات لما فيه من الفتنة والمخالفة "فإن فعلن" يجب أن "يقف الإمام وسطهن" مع تقدم عقبها فلو تقدمت كالرجال أثمت وصحت الصلاة والإمام من يؤتم به ذكرا كان أو أنثى والوسط بالتحريك ما بين طرفي الشيء كما هنا وبالسكون لما يبين بعضه عن بعض كجلست وسط الدار بالسكون "ك" الإمام العاري "العراة" يكون وسطهم لكن جالسا ويمد كل منهم رجليه ليستتر مهما أمكن ويصلون بإيماء وهو الأفضل "ويقف الواحد" رجلا أو صبيا مميزا "عن يمين الإمام" مساويا له متأخرا بعقبه ويكره أن يقف عن يساره وكذا خلفه في الصحيح لحديث ابن عباس أنه قام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه "و" يقف "الأكثر" من واحد "خلفه" لأنه عليه الصلاة والسلام تقدم عن أنس واليتيم حين صلى بهما وهو دليل الأفضلية وما ورد من القيام بينهما فهو دليل الإباحة "ويصف الرجال" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" فيأمرهم الإمام بذلك وقال صلى الله عليه وسلم: "استووا تستوي قلوبكم وتماسوا تراحموا" وقال صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم لا تذروا فرجات للشيطان من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله" وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول أحد بجنبه في الصف يظن أنه رياء بل هو إعانة على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وإذا وجد فرجة في الصف الأول دون الثاني فله خرقه لتركهم سد الأول ولو كان الصف منتظما ينتظر مجيء آخر فإن خاف فوت الركعة جذب عالما بالحكم لا يتأذى به وإلا قام وحده وهذه ترد القول بفساد من فسح لامرئ داخل بجنبه وأفضل الصفوف أولها ثم الأقرب فالأقرب لما روى أن الله تعالى ينزل الرحمة أولا على الإمام ثم تتجاوز عنه إلى من يحاذيه في الصف الأول ثم إلى الميامن ثم إلى المياسر ثم إلى الصف الثاني وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكتب للذي خلف الإمام بحذائه مائة صلاة وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعون صلاة وللذي في الأيسر خمسون صلاة وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرون صلاة " "ثم" يصف "الصبيان" لقول أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وأقام الرجال يلونه وأقام الصبيان خلف ذلك وأقام النساء خلف ذلك وإن لم يكن جمع من الصبيان يقوم الصبي بين الرجال "ثم الخناثى" جمع خنثى والمراد به المشكل احتياطا لأنه إن كان رجلا فقيامه خلف الصبيان لا يضره وإن كان امرأة فهو متأخر ويلزم جعل الخناثى صفا واحدا متفرقا اتقاء عن القيام خلف مثله وعن المحاذاة لاحتمال الذكورة والأنوثة وهو معامل بالأضر في أحواله "ثم" يصف "النساء" إن حضرن وإلا فهن ممنوعات عن حضور الجماعات كما تقدم

 

ص -117-     فصل فيما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره
لو سلم الإمام قبل فراغ المتقدي من التشهد يتمه ولو رفع الإمام رأسه قبل تسبيح المقدي ثلاثا في الركوع أو السجود يتابعه ولو زاد الإمام سجدة أو قام بعد العقود الأخير ساهيا لا يتعبه المؤتم وإن قيدها سلم وحده وإن قام الإمام قبل العقود الأخير ساهيا انتظره المأموم فإن سلم المقتدي قبل أن يقيد إمامه الزائدة بسجدة
ــــــــــــــــــــ
"فصل: فيما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره"
"لو سلم الإمام" أو تكلم "قبل فراغ المقتدي من" قراءة "التشهد يتمه" لأنه من الواجبات ثم يسلم لبقاء حرمة الصلاة وأمكن الجمع بالإتيان بهما وإن بقيت الصلوات والدعوات يتركها ويسلم مع الإمام لأن ترك السنة دون ترك الواجب وأما إن أحدث الإمام عمدا ولو بقهقهته عند السلام لا يقرأ المقتدي التشهد ولا يسلم لخروجه من الصلاة ببطلان الجزء الذي لاقاه حدث الإمام فلا يبني على فاسد ولا يضر في صحة الصلاة لكن يجب إعادتها لجبر نقصها بترك السلام وإذا لم يجلس بقدر التشهد بطلت بالحدث العمد ولو قام الإمام إلى الثالثة ولم يتم المقتدي التشهد أتمه وإن لم يتمه جاز وفي فتاوى الفضلى والتجنيس يتمه ولا يتبع الإمام وإن خاف فوت الركوع لأن قراءة بعض التشهد لم تعرف قربة والركوع لا يفوته في الحقيقة لأنه يدرك فكان خلف الإمام ومعارضة واجب آخر لا يمنع الإتيان بما كان فيه من واجب غيره لإتيانه به بعده فكان تأخير أحد الواجبين مع الإتيان بهما أولى من ترك أحدهما بالكلية بخلاف ما إذا عارضته سنة لأن ترك السنة أولى من تأخير الواجب أشار إليه بقوله ولو رفع الإمام رأسه قبل تسبيح المقتدي ثلاثا في الركوع أو السجود يتابعه" في الصحيح ومنهم من قال يتمها ثلاثا لأن من أهل العلم من قال بعدم جواز الصلاة بتنقيصها عن الثلاث "ولو زاد الإمام سجدة أو قام بعد القعود الأخير ساهيا لا يتبعه المؤتم" فيما ليس من صلاته بل يمكث فإن عاد قبل تقييده الزائدة بسجدة سلم معه "وإن قيدها" أي الإمام أي الركعة الزائدة بسجدة "سلم" المقتدي "وحده" ولا ينتظر لخروجه إلى غير صلاته "وإن قام الإمام قبل القعود الأخير ساهيا انتظره المأموم" وسبح لينتبه إمامه "فإن سلم المقتدي قبل1 أن يقيد إمامه الزائدة بسجدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكذا لو سلم بعد أن قيد الإمام الزائدة بسجدة, وفي هذه الحالة تفسد صلاتهما معا.

 

ص -118-     فسد فرضه وكره سلام المقتدي بعد تشهد الإمام قبل سلامه.
ــــــــــــــــــــ
فسد فرضه" لانفراده بركن القعود حال الاقتداء كما تفسد بتقييد الإمام الزائدة بسجدة لتركه القعود الأخير في محله "وكره سلام المقتدي بعد تشهد الإمام" لوجود فرض القعود "بعد سلامه" لتركه المتابعة وصحت صلاته حتى لا تبطل بطلوع الشمس في الفجر ووجدان الماء للتيمم وبطلت صلاة الإمام على المرجوح وعلى الصحيح صحت كما سنذكره

فصل في الأذكار الواردة بعد الفرض
القيام الى السنة متصلا بالفرض مسنون وعن شمس الأئمة الحلواني لا بأس بقراءة الأوراد بين الفريضة والسنة ويستحب للإمام بعد سلامه أني يتحول إلى
ــــــــــــــــــــ
"فصل: في صفة "الأذكار الواردة بعد" صلاة "الفرض" وفضلها وغيره
"القيام إلى" أداء "السنة" التي تلي الفرض متصلا بالفرض مسنون" أي أنه يستحب الفصل بينهما كما كان عليه السلام إذا سلم يمكث قدر ما يقول:
"اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم يقوم إلى السنة قال الكمال وهذا هو الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأذكار التي تؤخر عنه السنة ويفصل بينها وبين الفرض انتهى. قلت: ولعل المراد غير ما ثبت أيضا بعد المغرب وهو ثان رجله لا إله إلا الله إلى آخره عشرا وبعد الجمعة من قراءة الفاتحة والمعوذات سبعا سبعا اه "و" قال الكمال "عن شمس الأئمة الحلواني أنه قال لا بأس بقراءة الأوراد بين الفريضة والسنة" فالأولى تأخير الأوراد عن السنة فهذا ينفي الكراهة ويخالفه ما قاله في الاختيار كل صلاة بعدها سنة يكره القعود بعدها والدعاء بل يشتغل بالسنة كيلا يفصل بين السنة والمكتوبة وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقعد مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام" الخ كما تقدم فلا يزيد عليه أو على قدره ثم قال الكمال ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الفصل بالأذكار التي يواظب عليها في المساجد في عصرنا من قراءة آية الكرسي والتسبيحات وأخواتها ثلاثا وثلاثين وقوله صلى الله عليه وسلم لفقراء المهاجرين: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة" الخ لا يقتضي وصلها بالفرض بل كونها عقب السنة من غير اشتغال بما ليس من توابع الصلاة فصح كونها دبرها وقد أشرنا إلى أنه إذا تكلم بكلام كثير أو أكل أو شرب بين الفرض والسنة لا تبطل وهو الأصح بل نقص ثوابها والأفضل في السنن أداؤها فيما هو أبعد من الرياء وأجمع للخلوص سواء البيت أو غيره "ويستحب للإمام بعد سلامه أن يتحول" إلى يمين القبلة وهو الجانب المقابل "إلى"

 

ص -119-     يساره لتطوع بعد الفرض وأن يستقبل بعده الناس ويستغفرون الله ثلاثا ويقرءون آية الكرسي والمعوذات ويسبحون الله ثلاثا وثلاثين ويحمدونه كذلك ويكبرونه كذلك ثم يقولون لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين ........................
ــــــــــــــــــــ
جهة "يساره" أي يسار المستقبل لأن يمين المقابل جهة يسار المستقبل فيتحول إليه "لتطوع بعد الفرض" لأن لليمين فضلا ولدفع الاشتباه بظنه في الفرض فيقتدي به "وكذلك للقوم ولتكثير شهوده لما روي أن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة "و" يستحب "أن يستقبل بعده" أي بعد التطوع وعقب الفرض إن لم يكن بعده نافلة يستقبل "الناس" إن شاء أن لم يكن في مقابلة مصل لما في الصحيحين كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه وإن شاء الإمام انحرف عن يساره وجعل القبلة عن يمينه وإن شاء انحرف عن يمينه وجعل القبلة عن يساره وهذا أولى لما في مسلم: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه حتى يقبل علينا بوجهه" وإن شاء ذهب لحوائجه قال تعالى
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: من الآية10] " والأمر للإباحة وفي مجمع الروايات: إذا فرغ من صلاته إن شاء قرأ ورده جالسا وإن شاء قرأه قائما "ويستغفرون الله" العظيم "ثلاثا" لقول ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله تعالى ثلاثا وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: "من استغفر الله تعالى في دبر كل صلاة ثلاث مرات فقال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف" "ويقرؤون آية الكرسي" "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت" ومن قرأها حين يأخذ مضجعه آمنه الله على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله"و" يقرؤون "المعوذات" لقول عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات في دبر كل صلاة ويسبحون الله ثلاثا وثلاثين ويحمدونه كذلك ثلاثا وثلاثين ويكبرونه كذلك ثلاثا وثلاثين ثم يقولون تمام المائة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه مسلم وفيما قدمناه إشارة إلى مثله وهو حديث المهاجرين
"ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين" بالأدعية المأثورة الجامعة لقول أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال:
"جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك

 

ص -120-     رافعي أيديهم ثم يمسحون بها وجوههم في آخره.
ــــــــــــــــــــ
وشكرك وحسن عبادتك" "رافعي أيديهم" حذاء الصدر وبطونها مما يلي الوجه بخشوع وسكون ثم يختمون بقوله تعالى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات:180] لقول علي رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه {سُبْحَانَ رَبِّكَ} الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال دبر كل صلاة {سُبْحَانَ رَبِّكَ.....} الآية ثلاث مرات فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر" "ثم يمسحون بها أي بأيديهم "وجوههم في آخره" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعوت الله فادع بباطن كفيك ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك: "وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحيطهما وفي رواية لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه والله تعالى الموفق.

باب ما يفسد الصلاة
وهو ثمانية وستون شيئا: الكلمة ولو سهوا أو خطأ والدعاء بما يشبه كلامنا والسلام بنية التحية ولو ساهيا ورد السلام بلسانه أو بالمصافحة والعمل الكثير
ــــــــــــــــــــ
باب ما يفسد الصلاة
الفساد ضد الصلاح والفساد والبطلان في العبادة كالبيع مفترقان1 وحصر المفسد بالعد تقريبا لا تحديدا فقال "وهو ثمانية وستون شيئا" منه "الكلمة" وإن لم تكن مفيدة ك "يا" "ولو" نطق بها "سهوا" يظن كونه ليس في الصلاة "أو" نطق بها "خطأ" كما لو أراد أن يقول يا أيها الناس فقال يا زيد ولو جهل كونه مفسدا ولو نائما في المختار لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" والعمل القليل عفو لعدم الاحتراز منه "و" يفسدها "الدعاء بما يشبه كلامنا" نحو اللهم ألبسني ثوب كذا أو أطعمني كذا أو اقض ديني أو ارزقني فلانة على الصحيح لأنه يمكن تحصيله من العباد بخلاف قوله اللهم عافني واعف عني وارزقني "و" يفسدها "السلام بنية التحية" وإن لم يقل عليكم "ولو" كان "ساهيا" لأنه خطاب "و" يفسدها "رد السلام بلسانه" ولو سهوا لأنه من كلام الناس "أو" رد السلام "بالمصافحة" لأنه كلام معنى "و" يفسدها "العمل الكثير" لا القليل والفاصل بينهما أن الكثير هو الذي لا يشك الناظر لفاعله أنه ليس في الصلاة وإن اشتبه فهو قليل على الأصح وقيل في تفسيره غير هذا كالحركات الثلاث المتواليات كثير ودونها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المعاملات: الفاسد: ما كان مشروعا بأصله دون وصفه, كأن يبيع العبد بشرط أن يستخدمه شهرا. والباطل: ما ليس مشروعا بأصله ووصفه: كبيع الميتة.

 

ص -121-     وتحويل الصدر عن القبلة وأكل شيء من خارج فمه ولو قل وأكل ما بين أسنانه وهو قدر الحمصة وشربه والتنحنح بلا عذر والتأفيف والأنين والتأوه وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة لا من ذكر جنة أو نار وتشميت عاطس بيرحمك الله وجواب مستفهم عن ند بلا إله إلا الله وخبر سوء بالاسترجاع وسار بالحمد لله وعجب بلا إله إلا الله أو سبحان الله وكل شيء قصد به الجواب كيا يحيى خذ الكتاب ورؤية متيمم ماء, ...............
ــــــــــــــــــــ
قليل ويكره رفع اليدين عند إرادة الركوع والرفع عندنا لا يفسد على الصحيح "و" يفسدها "تحويل الصدر عن القبلة لتركه فرض التوجه إلا لسبق حدث أو لاصطفاف حراسة بإزاء العدو في صلاة الخوف "و" يفسدها "أكل شيء من خارج فمه ولو قل" كسمسمة لإمكان الاحتراز عنه "و" يفسدها "أكل ما بين أسنانه" إن كان كثيرا "وهو" أي الكثير "قدر الحمصة" ولو بعمل قليل لإمكان الاحتراز عنه بخلاف القليل بعمل قليل لأنه نبع لريقه وإن كان بعمل كثير أفسد بالعمل "و" يفسدها "شربه" لأنه ينافي الصلاة ولو رفع رأسه إلى السماء فوقع في حلقه برد أو مطر ووصل إلى جوفه بطلت صلاته "و" يفسدها "التنحنح بلا عذر" لما فيه من الحروف وإن كان لعذر كمنعه البلغم من القراءة لا يفسد "والتأفيف"1 كنفخ التراب والتضجر "والأنين" وهو آه بسكون الهاء مقصور بوزن دع "والتأوه" وهو أن يقول أوه وفيها لغات كثيرة تمد لا تمد مع تشديد الواو المفتوحة وسكون الهاء وكسرها "وارتفاع بكائه" وهو أن يحصل به حروف مسموعة وقوله "من وجع" بجسه "أو مصيبة" بفقد حبيب أو مال قيد للأنين وما بعده لأنه كلام معنى "لا" تفسد بحصولها "من ذكر جنة أو نار" اتفاقا لدلالتها على الخشوع "و" يفسدها "تشميت" بالشين المعجمة أفصح من المهملة الدعاء بالخير خطاب "عاطس بيرحمك الله" عندهما خلافا لأبي يوسف "وجواب مستفهم عن ند"2 لله سبحانه أي قال هال مع الله إله آخر فأجابه المصلي "بلا إله إلا الله" يفسد عندهما خلافا لأبي يوسف وهو يقول أنه ثناء لا يتغير بعزيمته وهما يقولان أنه صار جوابا فيكون متكلما بالمنافي "وخبر سوء بالاسترجاع" إنا لله وإنا إليه راجعون "وسار بالحمد لله و" جواب خبر "عجب بلا إله إلا الله أو بسبحان الله و" يفسدها "كل شيء" من القرآن "قصد به الجواب كـ
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: من الآية12] " لمن طلب كتابا ونحوه وقوله: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: من الآية62] لمستفهم عن الإتيان بشيء {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: من الآية187] نهيا لمن استأذن في الأخذ وهكذا وإن لم يرد به الجواب بل أراد إعلام أنه في الصلاة لا تفسد بالاتفاق "و" يفسدها "رؤية متيمم" أو مقتد به ولم يره إمامه "ماء" قدر على استعماله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التأفيف أن يقول: أف, أو: تف.
2 الند: المثيل.

 

ص -122-     وتمام مدة ماسح الخف ونزعه وتعلم الأمي آية ووجدان العاري ساترا وقدرة المومي على الركوع والسجود وتذكر فائتة لذي ترتيب واستخلاف من لا يصلح إماما وطلوع الشمس في الفجر وزوالها في العيدين ودخول وقت العصر في الجمعة وسقوط الجبيرة عن برء وزوال عذر المعذور والحدث عمدا أو بصنع غيره والإغماء والجنون والجنابة بنظر أو احتلام ومحاذاة المشتهاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمه في مكان متحد بلا حائل ونوى إمامتها وظهور عورة من سبقه الحدث ..........................
ــــــــــــــــــــ
قبل قعوده قدر التشهد كما سنقيد به المسائل التي بعد هذه أيضا وكذا تبطل بزوال كل عذر أباح التيمم "و" كذلك "تمام مدة ماسح الخف" وتقدم بيانها "و" كذا "نزعه" أي الخف ولو بعمل يسير لوجوده قبل القعود قدر التشهد "وتعلم الأمي آية" ولم يكن مقتديا بقارئ نسبة إلى أمة العرب الخالية عن العلم والكتابة كأنه كما ولدته أمه وسواء تعلمها بالتلقي أو تذكرها "ووجدان العاري ساترا" يلزمه الصلاة فيه فخرج نجس الكل وما لم يبحه مالكه "وقدرة المومي على الركوع والسجود" لقوة باقيها فلا يبني على ضعيف "وتذكر فائتة لذي ترتيب" والفساد موقوف فإن صلى خمسا متذكرا الفائتة وقضاها قبل خروج وقت الخامسة بطل وصف ما صلاه قبلها وصار نفلا وإن لم يقضها حتى خرج وقت الخامسة صحت وارتفع فسادها "واستخلاف من لا يصلح إماما" كأمي ومعذور "وطلوع الشمس في الفجر" لطرو الناقض على الكامل "وزوالها" أي الشمس "في" صلاة "العيدين ودخول وقت العصر في الجمعة" لفوات شرط صحتها وهو الوقت "وسقوط الجبيرة عن برء" لظهور الحدث السابق "وزوال عذر المعذور" يناقض ويعلم زواله بخلو وقت كامل عته "والحدث عمدا" أي لا يسبقه لأنه به يبني "أو يصنع غيره" كوقوع ثمرة أدمته "والإغماء والجنون والجنابة" الحاصلة "بنظر أو احتلام" نائم متمكن1 "ومحاذاة المشتهاة" بساقها وكعبها في الأصح ولو محرما له أو زوجة اشتهت ولو ماضيا كعجوز شوهاء في أداء ركن عند محمد أو قدره عند أبي يوسف "في صلاة" ولو بالإيماء "مطلقة" فلا تبطل صلاة الجنازة إذ لا سجود لها "مشتركة تحريمة" باقتدائهما بإمام أو اقتدائها به "في مكان متحد" ولو حكما بقيامها على ما دون قامة "بلا حائل" قدر ذراع أو فرجة تسع رجلا ولم يشر إليها لتتأخر عنه فإن لم تتأخر بإشارته فسدت صلاتها لا صلاته ولا يكلف بالتقدم عنها لكراهته "و" تاسع شروط المحاذاة المفسدة أن يكون الإمام قد "نوى إمامتها" فإن لم ينوها لا تكون في الصلاة فانتفت المحاذاة "و" يفسدها "ظهور عورة من سبقه الحدث" في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر التمكن لدفع ما يقال: إنه سبق بطلانها بالنوم فلا حاجة إلى الاحتلام.

 

ص -123-     ولو اضطر اليه ككشف المرأة ذراعها للوضوء وقراءته ذاهبا أو عائدا للوضوء ومكثه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظا ومجاوزته ماء قريبا لغيره وخروجه من المسجد يظن الحدث ومجاوزته الصفوف في غيره بظنه وانصرافه ظانا أنه غير متوضىء أو أن مدة مسحه انقضت أو أن عليه فائتة أو نجاسة وإن لم يخرج من المسجد والأفضل الاستئناف وفتحه على غير إمامه والتكبير بنية الانتقال .............................
ــــــــــــــــــــ
ظاهر الرواية "ولو اضطر إليه"1 للطهارة "ككشف المرأة ذراعها للوضوء" أو عورته بعد سبق الحدث على الصحيح "وقراءته" لا تسبيحه في الأصح أي قراءة من سبقه الحدث حالة كونه "ذاهبا أو عائدا للوضوء" وإتمام الصلاة لف ونشر لإتيانه بركن مع الحدث أو المشي ذاهبا وعائدا "ومكثه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظا" بلا عذر فلو مكث لزحام أو لينقطع رعافه أو نوم رعف فيه متمكنا فإنه يبني ويرفع رأسه من ركوع أو سجود سبقه فيه الحدث بنية التطهير لا بنية إتمام الركن حذرا عن الإفساد به ويضع يده على أنفه تسترا "ومجاوزته ماء قريبا" بأكثر من صفين "لغيره" عامدا مع وجود آلة وله خرز دلو وفتح باب وتكرار غسل وسنن طهارة على الأصح وتطهير ثوبه من حدثه وإلقاء النجس عنه "و" يفسدها "خروجه من المسجد يظن الحدث" لوجود المنافي بغير عذر إلا إذا لم يخرج من المسجد أو الدار أو البيت أو الجبانة أو مصلى العيد استحسانا لقصد الإصلاح
"و" يفسدها "مجاوزته الصفوف" أو سترته "في غيره" أي غير المسجد وهو فيحكمه كما ذكرناه وهو الصحراء وإن لم يكن أمامه صف أو صلى منفردا وليس بين يديه سترة اغتفر له قدر موضع سجوده من كل جانب في الصحيح فإن تجاوز ذلك "بظنه" الحدث ولم يكن أحدث كما إذا نزل من أنفه ماء فظنه دما فسدت صلاته كما إذا لم يعد لإمامه وقد بقي فيها وإذا فرغ منها فله الخيار إن شاء أتمها في مكانه أو عاد واختلفوا في الأفضل "و" يفسدها "انصرافه" عن مقامه "ظنا أنه غير متوضئ أو" ظانا "أن مدة مسحه انقضت أو" ظانا "أن عليه فائتة أو" أن عليه "نجاسة وإن لم يخرج" في هذه المسائل "من المسجد" ونحوه لانصرافه على سبيل الترك لا الإصلاح وهو الفرق بينه وبين ظن الحدث.
وعلمت بما ذكرناه شروط البناء لسبق الحدث السماوي فأغنى عن انفراده بباب "والأفضل الاستئناف" خروجا من الخلاف وعملا بالإجماع "و" يفسدها "فتحه"2 أي المصلي "على غير إمامه" لتعليمه بلا ضرورة وفتحه على إمامه جائز ولو قرأ المفروض أو انتقل لآية أخرى على الصحيح لإصلاح صلاتهما "و" يفسدها "التكبير بنية الانتقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال بعضهم: إذا اضطر إلى الكشف يبني وإلا فلا.
2 الفتح شبهة التلقين لمن كان يقرأ فسكت واضطرب أو وضع كلمة موضع كلمة أو تجاوزها لأخرى.

 

ص -124-     لصلاة أخرى غير صلاته إذا حصلت هذه المذكورات قبل الجلوس الأخير مقدار التشهد ويفسدها أيضا مد الهمزة في التكبيرة وقراءة ما لا يحفظه من مصحف وأداء ركن أو إمكانه مع كشف العورة أو مع نجاسة مانعة ومسابقة المقتدي بركن لم يشاركه فيه إمامه ومتابعة الإمام في سجود السهو للمسبوق,...................................
ــــــــــــــــــــ
لصلاة أخرى غير صلاته" لتحصيل ما نواه وخروجه عما كان فيه كالمنفرد إذا نوى الاقتداء وعكسه كمن انتقل بالتكبير من فرض إلى فرض أو نفل وعكسه بنيته وأشرنا إلى أنه لو كبر يريد استئناف عين ما هو فيه من غير تلفظ بالنية لا يفسد إلا أن يكون مسبوقا لاختلاف حكم المنفرد والمسبوق وإذا لم يفسد ه ما مضى يلزمه الجلوس على ما هو آخر صلاته به فإن تركه معتمدا على ما ظنه بطلت صلاته ولا يفسده الجلوس في آخر ما ظن أنه افتتح به وفيه إشارة إلى أن الصائم عن قضاء فرض لو نوى بعد شروعه فيه الشروع في غيره لا يضره ثم قيد بطلان الصلاة فيما ذكره بما "إذا حصلت" واحدة من "هذه" الصور "المذكورات قبل الجلوس الأخير مقدار التشهد" فتبطل بالاتفاق وأما إذا عرض المنافي قبل السلام بعد القعود قدر التشهد فالمختار صحة الصلاة لأن الخروج منها بفعل المصلي واجب على الصحيح وقيل تفسد بناء على ما قيل أنه فرض عند الإمام ولا نص عن الإمام بل تخريج أبي سعيد البردعي من الإثني عشرية لأن الإمام لما قال بفساد الصلاة فيها لا يكون إلا بترك فرض ولم يبق إلا الخروج بالصنع فحكم بأنه فرض لذلك وعندهما ليس بفرض لأنه لو كان كذلك لتعين بما هو قربة ولم يتعين به لصحة الخروج بالكلام والحدث العمد فدل على أنه واجب لا فرض فإذا عرضت هذه العوارض ولم يبق عليه فرض صار كما بعد السلام وغلط الكرخي البردعي في تخريجه لعدم تعيين ما هو قربة وهو السلام وإنما الوجه فيه وجود المغير وفيه بحث "ويفسدها أيضا مد الهمزة في التكبير" وقدمنا الكلام عليه "وقراءة ما لا يحفظه من مصحف" وإن لم يحمله للتلقي من غيره وأما إذا كان حافظا له ولم يحمله فلا تفسد لانتفاء العمل والتلقي "و" يفسدها "أداء ركن" كركوع "أو إمكانه" أي مضى زمن يسع أداء ركن "مع كشف العورة أو مع نجاسة مانعة" لوجود المنافي فإن دفع النجاسة بمجرد وقوعها ولا أثر لها ستر عورته بمجرد كشفها فلا يضره "و" يفسدها "مسابقة المقتدي بركن لم يشاركه فيه إمامه" كما لو ركع ورفع رأسه قبل الإمام ولم يعده معه أو بعده وسلم وإذا لم يسلم مع الإمام وسابقه بالركوع والسجود في كل الركعات قضى ركعة بلا قراءة لأنه مدرك أول صلاة الإمام لاحق وهو يقضي قبل فراغ الإمام وقد فاتته الركعة الأولى بتركه متابعة الإمام في الركوع والسجود ويكون ركوعه وسجوده في الثانية قضاء عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وفي الرابعة عن الثالثة فيقضي بعده ركعة بغير قراءة وتمام تعريفه بالأصل "و" يفسدها "متابعة الإمام في سجود السهو للمسبوق" إذا

 

ص -125-     وعدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية تذكرها بعد الجلوس وعدم إعادة ركن أداة نائما وقهقهة إمام المسبوق وحدثه العمد بعد الجلوس الأخير والسلام على رأس ركعتين في غير الثنائية ظانا أنه مسافر أو أنها الجمعة أو أنها التراويح وهي العشاء أو كان قريب عهد بالإسلام فظن الفرض ركعتين.
ــــــــــــــــــــ
تأكد انفراده بأن قام بعد سلام الإمام أو قبله بعد قعوده قدر التشهد وقيد ركعته بسجدة فتذكر الإمام سجود سهو فتابعه فسدت صلاته لأنه اقتدى بعد وجود الانفراد ووجوبه فتفسد صلاته وقيدنا قيام المسبوق بكونه بعد قعود الإمام قدر التشهد لأنه إن كان قبله لم يجزه لأن الإمام بقي عليه فرض لا ينفرد به المسبوق فتفسد صلاته "و" يفسدها "عدم إعادة الجلوس الأخير" بعد أداء سجدة صلبية" أو سجدة تلاوة "تذكرها بعد الجلوس" لأنه لا يعتد بالجلوس الأخير إلا بعد تمام الأركان لأنه لختمها ولا تعارض ولارتفاض الأخير بسجدة التلاوة على المختار "و" يفسدها "عدم إعادة ركن أداه نائما" لأن شرط صحته أداؤه مستيقظا كما تقدم "و" يفسدها "قهقهة إمام المسبوق" وإن لم يتعمدها "وحدثه العمد" الحاصل بغير القهقهة إذا وجدا "بعد الجلوس الأخير" قدر التشهد عند الإمام بفساد الجزء الذي حصلت فيه ويفسد مثله من صلاة المسبوق فلا يمكن بناؤه الفائت عليه "و" يفسدها "السلام على رأس ركعتين في غير الثانية" المغرب ورباعية المقيم "ظانا أنه مسافر" وهو مقيم "أو" ظانا "أنها الجمعة" أو ظانا "أنها التراويح وهي العشاء أو كان قريب عهد بالإسلام" أو نشأ مسلما جاهلا "فظن الفرض ركعتين" في غير الثنائية لأنه سلام عمد على جهة القطع1 قبل أوانه فيفسد الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بخلاف ما إذا سلم على رأس الركعتين من الرباعية على ظن أنها الرابعة حيث لا تفسد.

فصل فيما لا يفسد الصلاة
لو نظر المصلي الى مكتوب وفهمه أو أكل ما بين أسنانه وكان دون الحمصة بلا عمل كثير,
ــــــــــــــــــــ
فصل فيما لا يفسد1 الصلاة
"لو نظر المصلي إلى مكتوب وفهمه" سواء كان قرآنا أو غيره قصد الاستفهام أو لا أساء الأدب ولم تفسد صلاته لعدم النطق بالكلام "أو أكل ما بين أسنانه وكان دون الحمصة بلا عمل كثير" كره ولا تفسد لعسر الاحتراز عنه وإذا ابتلع ما ذاب من سكر في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لو أدخله مع المكروهات كان أولى وأخصر.

 

ص -126-     أو مر مار في موضع سجوده لا تفسد وإن أثم المار ولا تفسد بنظره الى فرج المطلقة بشهوة في المختار وإن ثبت به الرجعة.
ــــــــــــــــــــ
فمه فسدت, ولو ابتلعه قبل الصلاة ووجد حلاوته فيها لا تفسد "أو مر مار في موضع سجوده لا تفسد" سواء المرأة والكلب والحمار لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا فإنما هو شيطان" "وإن أثم المار" المكلف1 بتعمده لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه" رواه الشيخان وفي رواية البزار أربعين خريفا والمكروه المرور بمحل السجود على الأصح في المسجد الكبير2 والصحراء وفي الصغير مطلقا وبما دون قامة يصلي عليها لا فيما وراء ذلك في شارع لما فيه من التضييق على المارة "ولا تفسد" صلاته "بنظره إلى فرج المطلقة" أو الأجنبية يعني فرجها الداخل "بشهوة في المختار" لأنه عمل قليل "وإن ثبت به الرجعة" فلو قبلها أو لمسها فسدت صلاته لأنه معنى الجماع والجماع عمل كثير ولو كانت تصلي فأولج بين فخذيها وإن لم ينزل أو قبلها ولو بدون شهوة فسدت صلاتها وإن قبلته ولم يشتهها لم تفسد صلاته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يأثم المصلي إذا تعرض للمرور كما يأثم المار إذا كانت له مندوحة عنه. وغير المكلف وغير المتعمد لا إثم عليهما.
2 المسجد الكبير: ما بلغ أربعين أو ستين ذراعا على الخلاف.

فصل في المكروهات
يكره للمصلي سبعة وسبعون شيئا: ترك واجب أو سنة عمدا ..........................
ــــــــــــــــــــ
فصل في المكروهات
المكروه ضد المحبوب وما كان النهي فيه ظنيا كراهته تحريمية إلا لصارف وإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير جازم فهي تنزيهية والمكروه تنزيها إلى الحل أقرب والمكروه تحريما إلى الحرمة أقرب وتعاد الصلاة مع كونها صحيحة لترك واجب وجوبا1 وتعاد استحبابا بترك غيره قال في التجنيس كل صلاة أديت مع الكراهة فإنها تعاد لا على وجه الكراهة وقوله عليه السلام:
"لا يصلي بعد صلاة مثلها" تأويله النهي عن الإعادة بسبب الوسوسة فلا يتناول الإعادة ذكره صدر الإسلام البزدوي في الجامع الصغير "يكره للمصلي سبعة وسبعون شيئا" تقريبا لا تحديدا "ترك واجب أو سنة عمدا"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وجوبا في الوقت وبعده ندبا.

 

ص -127-     كعبثه بثوبه وبدنه وقلب الحصا إلا للسجود مرة وفرقعة الأصابع وتشبيكها والتخصر والالفتات بعنقه والاقعاء وافتراش ذراعيه, .............................
ــــــــــــــــــــ
صدر بهذا لأنه لما بعده كالأمر الكلي المنطبق على الجزئيات كثيرة كترك الاطمئنان في الأركان وكمسابقة الإمام لما فيها من الوعيد على ما في الصحيحين: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار" وكمجاوزة اليدين الأذنين وجعلهما تحت المنكبين وستر القدمين في السجود عمدا للرجال "كعبثه بثوبه وبدنه" لأنه ينافي الخشوع الذي هو روح الصلاة فكان مكروها لقوله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2,1] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى كره لكم العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك عند المقابر" ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه" والعبث عمل لا فائدة فيه ولا حكمة تقتضيه والمراد بالعبث هنا فعل ما ليس من أفعال الصلاة لأنه ينافيها "وقلب الحصى إلا للسجود مرة"1 قال جابر بن عبد الله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فقال: "واحدة ولأن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة سود الحدق" "وفرقعة الأصابع" ولو مرة وهو غمزها أو مدها حتى تصوت لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة" "وتشبيكها" لقول عمر فيه تلك صلاة المغضوب عليهم "والتخصر" لأنه نهي عنه في الصلاة وهو أن يضع يده على خاصرته2 وهو أشهر وأصح تأويلاتها لما فيه من ترك سنة أخذ اليدين والتشبه بالجبابرة "والالتفات بعنقه" لا بعينه لقول عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال: "هو اختلاس الشيطان من صلاة العبد" رواه البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإن التفت انصرف عنه" ويكره أن يرمي بزاقه إلا أن يضطر فيأخذه في ثوبه أو يلقيه تحت رجله اليسرى إذا صلى خارج المسجد لما في البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله تعالى ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكين وليبصق عن يساره أو تحت قدمه" وفي رواية: "أو تحت قدمه اليسرى" وفي الصحيحين: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" "و" كره "الإقعاء" وهو أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ركبتيه3 لقول أبي هريرة رضي الله عنه نهاني رسول الله عن نقر كنقر الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب وافتراش ذراعيه لقول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ليتمكن من السجود التام أما إذا لم يمكنه أصل السجود فيجب أي قلب الحصى.
2 الخاصرة: ما بين عظم رأس الورك وأسفل الأضلاع أوقيل: التخصر أن يتكئ على عصا في الصلاة وتسمى المخصرة.
3 ويضمها إلى صدره ويضع يديه على الأرض.

 

ص -128-     وتشمير كميه عنهما وصلاته في السراويل مع قدرته على لبس القميص ورد السلام بالإشارة والتربع بلا عذر وعقص شعره والاعتجار وهو شد الرأس بالمنديل وترك وسطها مكشوفا وكف ثوبه وسدله والاندراج فيه بحيث لا يخرج يديه وجعل الثوب تحت إبطه الأيمن وطرح جانبيه على عاتقه الأيسر والقراءة في غير حالة القيام, .............................
ــــــــــــــــــــ
عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن عقبة الشيطان وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع رواه البخاري وعقبة الشيطان الإقعاء "وتشمير كميه عنهما" للنهي عنه لما فيه من الجفاء المنافي للخشوع "وصلاته في السراويل"1 وفي إزار "مع قدرته على لبس القميص" لما فيه من التهاون والتكاسل وقلة الأدب والمستحب للرجل أن يصلي في ثلاثة أثواب إزار وقميص وعمامة وللمرأة في قميص وخمار ومقنعة "ورد السلام بالإشارة" لأنه سلام معنى وفي الذخيرة لبأس للمصلي أن يجيب المتكلم برأسه ورد الأثر به عن عائشة رضي الله عنها ولا بأس بأن يكلم الرجل المصلي
{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: من الآية39] "والتربع بلا عذر" لترك سنة القعود وليس بمكروه خارجها لأن جل قعود النبي صلى الله عليه وسلم كان التربع وكذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو إدخال الساقين في الفخذين فصارت أربعة "وعقص شعره" وه شده على القفا أو الرأس لأنه صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي وهو معقوص الشعر فقال: "دع شعرك يسجد معك ""و" يكره "الاعتجار وهو شد الرأس بالمنديل" أو تكوير عمامته على رأسه "وترك وسطها مكشوفا" وقيل أن ينتقب بعمامته فيغطي أنفه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاعتجار في الصلاة "وكف ثوبه" أي رفعه بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود وقيل أن يجمع ثوبه ويشده في وسطه لما فيه من التجبر المنافي للخشوع لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا" متفق عليه "و" يكره "سدله" تكبرا وتهاونا وبالعذر لا يكره وهو أن يجعل الثوب على رأسه وكتفيه أو كتفيه فقط ويرسل جوانبه من غير أن يضمها لقول أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن السدل وأن يغطي الرجل فاه فيكره التلثم وتغطية الأنف والفم في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران ولا كراهة في السدل خارج الصلاة على الصحيح "و" يكره "الاندراج فيه" أي الثوب "بحيث لا" يدع منفذا "يخرج يديه" منه وهي الاشتمالة الصماء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمالة اليهود" "و" يكره "جعل الثوب تحت إبطه الأيمن وطرح جانبيه على عاتقه الأيسر" أو عكسه لأن ستر المنكبين مستحب في الصلاة فيكره تركه تنزيها بغير ضرورة "والقراءة في غير حالة القيام" كإتمام القراءة حالة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السراويل: الثياب التي يلبسها الرجل على نصفه الأسفل.

 

ص -129-     وإطالة الركعة الأولى في التطوع وتطويل الثانية على الأولى في جميع الصلوات وتكرار السورة في ركعة واحدة من الفرض وقراءة سورة فوق التي قرأها وفصله بسورة بين سورتين قرأهما في ركعتين وشم طيب وترويحه بثوبه أو مروحه مرة أو مرتين وتحويل أصابع يديه أو رجليه عن القبلة في السجود وغيره و ترك وضع اليدين على الركبتين في الركوع, ....................
ــــــــــــــــــــ
الركوع ويكره أن يأتي بالأذكار المشروعة في الانتقال بعد تمام الانتقال لأن فيه خللين تركه في موضع وتحصيله في غيره "و" يكره "إطالة الركعة الأولى في" كل شفع من "التطوع" إلا أن يكون مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو مأثورا عن صحابي كقراءة {سَبِّحِ} [الأعلى: من الآية1]. و
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] في الوتر فإنه من حيث القراءة ملحق بالنوافل وقال الإمام أبو اليسر لا يكره لأن النوافل أمرها أسهل من الفرض "و" يكره "تطويل" الركعة "الثانية على" الركعة "الأولى" بثلاث آيات فأكثر لا تطويل الثالثة لأنه ابتداء صلاة نفل "في جميع الصلوات" الفرض بالاتفاق والنفل على الأصح إلحاقا له بالفرض غيما لم يرد فيه تخصيص من التوسعة "و" يكره "تكرار السورة في ركعة واحدة من الفرض" وكذا تكرارها في الركعتين إن حفظ غيرها وتعمده لعدم وروده فإن لم يحفظه وجب قراءتها لوجوب ضم السورة للفاتحة وإن نسي لا يترك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن افتتحت سورة فاقرأها على نحوها" وقيد بالفرض لأنه لا يكره التكرار في النفل لأن شأنه أوسع لأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى الصباح بآية واحدة يكررها في تهجده وجماعة من السلف كانوا يحيون ليلتهم بآية العذاب أو الرحمة أو الرجاء أو الخوف "و" يكره "قراءة سورة فوق التي قرأها" قال ابن مسعود رضي الله عنه من قرأ القرآن منكوسا فهو منكوس وما شرع لتعليم الأطفال إلا ليتيسر الحفظ بقصر السورة وإذا قرأ في الأولى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] لا عن قصد يكررها في الثانية ولا كراهة فيه حذرا عن كراهة القراءة منكوسة ولو ختم القرآن في الأولى يقرأ من البقرة في الثانية لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس المرتحل" يعني الخاتم المفتتح "و" يكره "فصله بسورة بين سورتين قرأهما في ركعتين" لما فيه من شبهة التفضيل والهجر وقال بعضهم لا يكره إذا كانت السورة طويلة كما لو كان بينهما سورتان قصيرتان ويكره الانتقال لآية من سورتها ولو فصل بآيات والجمع بين سورتين بينهما سور أو سورة وفي الخلاصة لا يكره هذا في النفل "و" يكره "شم طيب" قصدا لأنه ليس من فعل الصلاة "و" يكره "ترويحه" أي جلب الروح بفتح الراء نسيم الريح "بثوبه أو مروحة" بكسر الميم وفتح الواو "مرة أو مرتين" لأنه ينافي الخشوع وإن كان عملا قليلا "و" يكره "تحويل أصابع يديه أو رجليه عن القبلة في السجود" لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع" "و" في "غيره" أي السجود لما فيه من إزالتها عن الموضع المسنون "و" يكره "ترك وضع اليدين على الركبتين في الركوع" وترك

 

ص -130-     والتثاؤب وتغميض عينيه ورفعهما للسماء والتمطي والعمل القليل وأخذ قملة وقتلها وتغطية أنفه وفمه ووضع شيء في فمه يمنع القراءة المسنونة والسجود على كور عمامته وعلى صور والاقتصار على الجبهة بلا عذر بالأنف والصلاة في الطريق والحمام وفي المخرج وفي المقبرة وأرض الغير بلا رضاه,
ــــــــــــــــــــ
وضعهما على الفخذين فيما بين السجدتين وفي حال التشهد وترك وضع اليمين على اليسار حال القيام لتركه السنة "و" يكره "التثاؤب" لأنه من التكاسل والامتلاء فإن غلبه فليكظم ما استطاع ولو بأخذ شفته بسنه وبوضع ظهر يمينه أو كمه في القيام ويساره في غيره لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإن تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقول هاه هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه" وفي رواية "فليمسك يده على فمه فإن الشيطان يدخل فيه " "و" يكره "تغميض عينه" إلا لمصلحة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام في الصلاة فلا يغمض عينيه" لأنه يفوت النظر للمحل المندوب ولكل عضو وطرف حظ من العبادة وبرؤية ما يفوت الخشوع ويفرق الخاطر ربما يكون التغميض أو من النظر "و" يكره "رفعهما للسماء" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء لينتهن أو لتخطفن أبصارهم" "والتمطي" لأنه من التكاسل "والعمل القليل" المنافي للصلاة وأفراده كثيرة كنتف شعرة ومنه الرمية عن القوس مرة في الصلاة الخوف كالمشي في صلاته "و" منه "أخذ قملة وقتلها" من غير عذر فإن كانت تشغله بالعض كنملة وبرغوث لا يكره الأخذ ويحترز عن دمها لقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بنجاسة قشرها ودمها ولا يجوز عندنا إلقاء قشرها في المسجد "وتغطية أنفه وفمه لما روينا "و" يكره "وضع شيء" لا يذوب "في فمه" وهو "يمنع القراءة المسنونة أو يشغل باله كذهب ويكره "السجود على كور عمامته" من غير ضرورة حر وبرد أو خشونة أرض والكور دور من أدوارها بفتح الكاف إذا كان على الجبهة لأنه حائل لا يمنع السجود أما إذا كان على الرأس وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض لا تصح صلاته وكثير من العوام يفعله "و" يكره السجود "على صورة" ذي روح لأنه يشبه عبادتها "و" يكره "الاقتصار على الجبهة في السجود "بلا عذر بالأنف" لترك واجب ضم الأنف تحريما "و" تكره "الصلاة في الطريق" لشغله حق العامة ومنعهم من المرور "و" في "الحمام وفي المخرج" أي الكنيف "و" تكره الصلاة "في المقبرة" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله ولا يصلي في الحمام إلا لضرورة خوف الوقت لإطلاق الحديث ولا بأس بالصلاة في موضع خلع الثياب وجلوس الحمامي "و" تكره في "أرض الغير بلا رضاه" وإذا ابتلى بالصلاة في

 

ص -131-     وقريبا من نجاسة ومدافعا لأحد الأخبثين أو الريح ومع نجاسة غير مائعة إلا إذا خاف فوقت الوقت أو الجماعة وإلا ندب قطعها والصلاة في ثياب البذلة ومكشوف الرأس إلا للتذلل والتضرع وبحضرة طعام يميل إليه وما يشغل البال ويخل بالخشوع وعد .....................
ــــــــــــــــــــ
أرض الغير وليست مزروعة أو الطريق إن كانت لمسلم صلى فيها وإن كانت لكافر صلى في الطريق "و" أداؤها "قريبا من نجاسة" لأن ما قرب من الشيء له حكمه وقد أمرنا بتجنب النجاسات ومكانها "ومدافعا لأحد الأخبثين" البول والغائط "أو الريح" ولو حدث فيها لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حاقن1 حتى يتخفف" "ومع نجاسة غير مائعة" تقدم بيانها سواء كانت بثوبه أو بدنه أو مكانه خروجا من الخلاف "إلا إذا خاف فوت الوقت أو" فوت "الجماعة فحينئذ يصلي بتلك الحالة لأن إخراج الصلاة عن وقتها حرام والجماعة أو واجبة "وإلا" أي وإن لم يخف الفوت "ندب قطعها" وقضية قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل" وجوب القطع للإكمال "و" تكره "الصلاة في ثياب بذلة" بكسر الباء وسكون الذال المعجمة ثوب لا يصان عن الدنس ممتهن وقيل ما لا يذهب به إلى الكبراء ورأى عمر رضي الله عنه رجلا فعل ذلك فقال: أرأيت لو كنت أرسلتك إلى بعض الناس أكنت تمر في ثيابك هذه ؟ فقال: لا. فقال عمر رضي الله عنه: الله أحق أن تتزين له "و" تكره وهو "مكشوف الرأس" تكاسلا لترك الوقار "لا للتذليل والتضرع" وقال في [التجنيس]: ويستحب له ذلك.
قال الجلال السيوطي رحمه الله اختلفوا في الخشوع هل هو من أعمال القلب كالخوف أو من أعمال الجوارح كالسكون أو عبارة عن المجموع قال الرازي الثالث أولى وعن علي رضي الله عنه الخشوع في القلب وعن جماعة من السلف الخشوع في الصلاة السكون فيها وقال البغوي الخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البدن والبصر والصوت.
"و" تكره "بحضرة طعام يميل" طبعه "إليه" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم وما في أبي داود "لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره" محمول على تأخيرها عن وقتها لصريح قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه" رواه الشيخان وإنما أمر بتقديمه لئلا يذهب الخشوع باشتغال فكره به "و" تكره بحضرة كل "ما يشغل البال" كزينة "و" بحضرة ما "يخل بالخشوع" كلهو ولعب ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإتيان للصلاة سعيا بالهرولة ولم يكن ذلك مرادا بالأمر بالسعي للجمعة بل الذهاب والسكينة والوقار "و" كذا يكره "عد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحقن: حبس البول. والمراد هنا: حبس البول أو الغائط أو الريح لعموم العلة.

 

ص -132-     الآي والتسبيح باليد وقيام الإمام في المحراب أو على مكان أو الأرض وحده والقيام خلف صف فيه فرجة ولبس ثوب فيه تصاوير وأن يكون فوق رأسه أو خلفه أو بين يديه أو بحذائه صورة إلا أن تكون صغيرة أو مقطوعة الرأس أولغير ذي روح وأن يكون بين يديه تنور أو كانون فيه جمر أو قوم نيام ومسح الجبهة من تراب لا يضره في خلال الصلاة.
ــــــــــــــــــــ
الآي" جمع الآية وهي الجملة المقدرة من القرآن وتطلق بمعنى العلامة "و" عد "التسبيح" وقوله "باليد" قيد لكراهة عد الآي والتسبيح عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه خلافا لهما بأن يكون بقبض الأصابع ولا يكره الغمز بالأنامل في موضعها ولا الإحصاء بالقلب اتفاقا كعدد تسبيحه في صلاة التسابيح وهي معلومة وباللسان مفسد اتفاقا ولا يكره خارج الصلاة في الصحيح "و" يكره "قيام الإمام" بجملته "في المحراب" لا قيامه خارجه وسجوده فيه - سمي محرابا لأنه يحارب النفس والشيطان بالقيام إليه - والكراهة لاشتباه الحال على القوم وإذا ضاق المكان فلا كراهة "أو" قيام الإمام "على مكان" بقدر ذراع على المعتمد وروي عن أبي يوسف قامة الرجل الوسط واختاره شمس الأئمة الحلواني "أو" على "الأرض وحده" - قيد للمسألتين - فتنتفي الكراهة بقيام واحد معه للنهي عنهما به ورد الأثر. "و" يكره القيام "خلف صف فيه فرجة"1 للأمر بسد فرجات الشيطان ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"من سد فرجة من الصف كتب له عشر حسنات ومحي عن عشر سيئات ورفع عنه عشر درجات" "ولبس ثوب فيه تصاوير" ذي روح لأنه يشبه عبادتها وأشدها كراهة أمامه ثم فوقه ثم يمينه ثم يساره ثم خلفه "وأن يكون فوق رأسه أو خلفه أو بين يديه أو بحذائه صورة إلا أن تكون صغيرة" بحيث لا تبدو للقائم إلا بتأمل كالتي على الدينار لأنها لا تعبد عادة ولو صلى ومعه دراهم عليها تماثيل ملك لا بأس به لأن هذا يصغر عن البصر "أو" تكون كبيرة "مقطوعة الرأس" لأنها لا تعبد بلا رأس "أو" تكون "لغير ذي روح" كالشجر لأنها لا تعبد وإذا رأى صورة في بيت غيره يجوز له محوها وتغييرها "و" يكره "أن يكون بين يديه" أي المصلي "تنور2 أو كانون فيه جمر" لأنه يشبه المجوس في عبادتهم لها لا شمع وقنديل وسراج في الصحيح لأنه لا يشبه التعبد "أو" يكون بين يده "قوم نيام" يخشى خروج ما يضحك أو يخجل أو يؤدي أو يقابل وجها وإلا فلا كراهة لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر "و" يكره "مسح الجبهة من تراب لا يضره في خلال الصلاة" لأنه نوع عبث وإذا ضره لا بأس به في الصلاة وبعد الفراغ وكذا مسح العرق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفرجة المكان الخالي في الصف بحيث يتسع لآخر.
2 التنور: الفرن. والتنور معروف في القرى يستعملونه لخبزهم.

 

ص -133-     وتعيين سورة لا يقرأ غيرها إلا ليسر عليه أو تبركا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــ
"و" يكره "تعيين سورة" غير الفاتحة لأنها متعينة وجوبا وكذا المسنون المعين وهذا بحيث "لا يقرأ غيرها" لما فيه من هجر الباقي "إلا ليسر عليه أو تبركا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم" فلا يكره ويستحب اقتداؤه بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم كالسجدة و
{هَلْ أَتَى} [الانسان: من الآية1] بفجر الجمعة أحيانا.وقد ذكرنا في الأصل جملة من السور التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم مسندة وهذه أصولها.فمما جاء في الصبح: كان يقرأ في الصبح بيس. كان يقرأ في الصبح بالواقعة ونحوها من السور. قرأ في الصبح بسورة الروم. كان في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وصلى بهم الفجر بأقصر سورتين من القرآن وأوجز فلما قضى الصلاة قال له معاذ: يا رسول الله صليت صلاة ما صليت مثلها قط؟ قال: "أما سمعت بكاء الصبي خلفي في صف النساء أردت أن أفرغ له أمه". قرأ في الصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: من الآية1]. صلى الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر هارون وموسى فركع. كان يقرأ في الفجر {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [قّ:1]. كان لا يقرأ في الصبح بدون عشرين آية ولا يقرأ في العشاء بدون عشر آيات.
ومما جاء في صلاة الظهر والعصر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك. كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج:1] {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق:1] ونحوهما من السور. كان يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات. صلى الظهر فسجد فظننا أنه قرأ تنزيل السجدة. كان يقرأ في الظهر والعصر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] صلى بهم الهاجرة فرفع صوته وقرأ والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فقال له أبي بن كعب: يا رسول الله أمرت في هذه الصلاة بشيء ؟ فقال: "لا ولكني أردت أن أوقت لكم" ومما جاء في المغرب: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بالأعراف. كان يقرأ في المغرب سورة الأنفال. كان يقرأ بهم في المغرب {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: من الآية167]. آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقرأ في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. قرأ في صلاة المغرب بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين:1]. قرأ في المغرب حم الدخان. صلى المغرب فقرأ القارعة. كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين.

 

ص -134-     وترك اتخاذ سترة في محل يظن المرور فيه بين يدي المصلي.
ــــــــــــــــــــ
ومما جاء في العشاء منه هذا القريب. وعن جبير بن مطعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء بـ
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}. عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد فقلت له فقال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء الآخرة بـ{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} و{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} كان يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات. عن ابن عمر قال ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة.
انتهى ما نقلناه عن الجلال السيوطي رحمه الله تعالى ليقتدي به من يحافظ على ما بلغه من السنة الشريفة وقد علمت التفصيل في القراءة من المفصل في الأوقات عندنا والله تعالى الموفق "و" يكره "ترك اتخاذ سترة في محل يظن المرور فيه بين يدي المصلي" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه" وسواء كان في الصحراء أو غيرها احتراز عن وقوع المار في الإثم ولذا عقبناه ببيانها فقلنا.

فصل في اتخاذ السترة ودفع المار بين يدي المصلي
إذا ظن مروره يستحب له أن يغرز سترة تكون طول ذراع فصاعدا في غلظ الإصبع والسنة أن يقرب منها,
ــــــــــــــــــــ
فصل في اتخاذ السترة ودفع المار بين يدي المصلى
"إذا ظن" أي مريد الصلاة "مروره" أي المار "يستحب له" أي مريد الصلاة "أن يغرز سترة" لما روينا ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"ليستتر أحدكم ولو بسهم" "وأن تكون طول ذراع فصاعدا" لأنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلى فقال: "مثل مؤخرة الرحل" بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة العود الذي في آخر الرحل يحاذي رأس الراكب على البعير وتشديد الخاء خطا وفسرت بأنها ذراع فما فوقه "في غلظ الأصبع"1 وذلك أدناه لأن ما دونه لا يظهر للناظر فلا يحصل المقصود منها "والسنة أن يقرب منها" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لئلا يقطع الشيطان عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصحيح أنه لا اعتبار بالعرض, ويؤيده ما رواه الحاكم, وقال: على شرط مسلم أنه صلى الله عليه وسلم, قال:
"يجزئ من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة" والمؤخرة: العود الذي في آخر رحل البعير,

 

ص -135-     ويجعلها على أحد حاجبيه ولا يصمد إليها صمدا وإن لم يجد ما ينصبه فليخط خطا طولا وقالوا بالعرض مثل الهلال والمستحب ترك دفع المار ورخص دفعه بالإشارة أو بالتسبيح وكره الجمع بينهما ويدفعه برفع الصوت بالقراءة وتدفعه بالإشارة أو التصفيق بظهر أصابع اليمنى على صفحة كف اليسرى ولا ترفع صوتها لأنه فتنة ولا يقاتل المار وما ورد مؤول بأنه كان والعمل مباح وقد نسخ.
ــــــــــــــــــــ
صلاته" "ويجعلها على" جهة "أحد حاجبيه ولا يصمد1 إليها صمدا" لما روي عن المقداد رضي الله عنه أنه قال: "ما رأيت رسول الله يصلي إلى عمود ولا شجرة إلا جعله على جانبه الأيمن أو الأيسر" ولا يصمد صمدا أي لا يقابله مستويا مستقيما بل كان يميل عنه "وإن لم يجد ما ينصبه" منع جماعة من المتقدمين الخط وأجازه المتأخرون لأن السنة أولى بالاتباع لما روي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن لم يكن معه عصا "فليخط خطا" فيظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كيلا ينتشر ويجعله أما "طولا" بمنزلة الخشبة المغروزة أمامه "و" ما كما "قالوا" أيضا بجعله "بالعرض مثل الهلال" وإذا كانت الأرض صلبة يلقي ما معه طولا كأنه غرز ثم سقط هكذا اختاره الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى وقال هشام حججت مع أبي يوسف وكان يطرح بين يديه السوط وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأبطح عنزة ركزت له ولم يكن للقوم سترة. العنزة عصا ذات زج حديد في أسفلها "و" إذا اتخذها أو لم يتخذ كان "المستحب ترك دفع المار" لأن مبنى الصلاة على السكون والأمر بالدرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل الأسودين في الصلاة "و" كذا "رخص دفعه" أي المار "بالإشارة" بالرأس أو العين أو غيرهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بولدي أم سلمة "أو" دفعه "بالتسبيح" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح" "وكره الجمع بينهما" أي بين الإشارة والتسبيح لأن بأحدهما كفاية" "ويدفعه" الرجل "برفع الصوت بالقراءة" ولو بزيادة على جهره الأصلي "وتدفعه" المرأة "بالإشارة أو التصفيق بظهر أصابع" يدها "اليمنى على صفحة كف اليسرى" لأن لهن التصفيق "ولا ترفع صوتها" بالقراءة والتسبيح "لأنه فتنة" فلا يطلب منهن الدرء به "ولا يقاتل" المصلي "المار" بين يديه "وما ورد به" من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "مؤول بأنه كان" جواز مقاتلته في ابتداء الإسلام "والعمل" المنافي للصلاة "يباح" فيها إذ ذاك "وقد نسخ" بما قدمناه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأفضل أن يميل عنها إلى حاجبه الأيمن.

 

ص -136-     فصل فيما لا يكره للمصلي
لا يكره له شد الوسط ولا تقلد بسيف ونحوه اذا لم يشتغل بحركته ولا عدم إدخال يديه في فرجيه وشقه على المختار ولا التوجه لمصحف أو سيف معلق أو ظهر قاعد يتحدث أوشمع أو سراج على الصحيح والسجود على بساط فيه تصاوير لم يسجد عليها وقتل حية وعقرب خاف أذاهما ولو بضربات وانحراف عن القبلة في الأظهر, .................
ــــــــــــــــــــ
"فصل فيما لا يكره للمصلي" من الأفعال
"لا يكره له شد الوسط" لما فيه من صون العورة "والتشمير للعبادة حتى لو كان يصلي في قباء غير مشدود الوسط فهو مسيء وفي غير القباء قيل بكراهته لأنه صنيع أهل الكتاب "ولا" يكره "تقلد" المصلي "بسيف ونحوه إذا لم يشتغل بحركته" وإن شغله كره في غير حال القتال "ولا" يكره "عدم إدخال يديه في فرجيه وشقه على المختار" لعدم شغل البال "ولا" يكره التوجه لمصحف أو سيف معلق" لأنهما لا يعبدان وقال تعالى
{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: من الآية102] " "أو ظهر قاعد يتحدث" في المختار لعدم التشبه بعبدة الصور وصلى ابن عمر إلى ظهر نافع "أو شمع أو سراج على الصحيح" لأنه لا يشبه عبادة المجوس "و" لا يكره "السجود على بساط فيه تصاوير" ذوات روح "لم يسجد عليها" لإهانتها بالوطء عليها ولا يكره قتل حية بجميع أنواعها لذات الصلاة وأما بالنظر لخشية الجان فليمسك عن الحية البيضاء التي تمشي مستوية لأنها نقضت عهد النبي الذي عاهد به الجان أن لا يدخلوا بيوت أمته ولا يظهروا أنفسهم وناقض العهد خائن فيخشى منه أو مما هو كمثله من أهله الضرر بقتله أو ضربه وقال صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن " "و" لا يكره "قتل حية وعقرب خاف" المصلي "أذاهما" أي الحية والعقرب "ولو" قتلهما "بضربات وانحراف عن القبلة في الأظهر"1 قيد بخوف الأذى لأنه مع الأمن يكره العمل الكثير وفي السبعيات لأبي الليث رحمه الله تعالى: سبعة إذا رآها المصلي لا بأس بقتلها الحية والعقرب والوزغة والزنبور والقراد والبرغوث والقمل ويزاد البق والبعوض والنمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واختلف بعد هذا, فاختار السرخسي أن صلاته صحيحة وإن قتلهما بعمل كثير وانحراف, واختار جماعة – منهم الكمال- البطلان.

 

ص -137-     ولا بأس بنفض ثوبه كيلا يلتصق بجسده في الركوع ولا بمسح جبهته من التراب أو الحشيش بعد الفراغ منالصلاة ولا قبل الفراغ اذا ضره أوشغله عن الصلاة ولا بالنظر بموق عينيه من غير تحويل الوجه ولا بأس بالصلاة على الفرش والبسط واللبود والأفضل الصلاة على الأرض أو على ما تنبته ولا بأس بتكرار السورة في الركعتين من النفل.
ــــــــــــــــــــ
المؤذي بالعض ولكن التحرز عن إصابة دم القمل أولى لئلا يحمل نجاسة تمنع عند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقدمنا كراهة أخذ القملة وقتلها في الصلاة عند الإمام وقال دفنها أحب من قتلها وقال محمد بخلافه وقال أبي يوسف بكراهتما "ولا بأس بنفض ثوبه" بعمل قليل "كيلا يلتصق بجسده في الركوع تحاشيا عن ظهور عورة الأعضاء ولا بأس بصونه عن التراب "ولا" بأس "بالنظر بموق1 عينيه" يمنة ويسرة "من غير تحويل الوجه" والأولى تركه لغير حاجة لما فيه من ترك الأدب بالنظر إلى محل السجود ونحوه كما تقدم "ولا بأس بالصلاة على الفرش والبسط واللبود" إذا وجد حجم الأرض ولا بوضع خرقة يسجد عليها اتقاء الحر والبرد والخشونة الضارة "والأفضل الصلاة على الأرض" بلا حائل "أو على ما تنبته" كالحصير والحشيش في المساجد وهو أولى من البسط لقربه من التواضع "ولا بأس بتكرار السورة في الركعتين من النفل" لأن باب النفل أوسع وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قام بآية واحدة يكررها في تهجده وفقنا الله تعالى بمنه وكرمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الموق طرف العين من جهة الخد, واللحاظ: طرفها من جهة الأنف.

فصل فيما يوجب قطع الصلاة وما يجيزه وغير ذلك
يجب قطع الصلاة باستغاثة ملهوف .....................
ــــــــــــــــــــ
فصل فيما يوجب قطع الصلاة وما يجيزه وغير ذلك
من تأخير الصلاة وتركها "يجب قطع الصلاة" ولو فرضا "باستغاثة" شخص "ملهوف" لمهم أصابه كما لو

 

ص -138-     بالمصلي لا بنداء أحد أبويه ويجوز قطعها بسرقة ما يساوي درهما ولو لغيره وخوف ذئب على غنم أو خوف تردي أعمى في بئر ونحوه واذا خافت القابلة موت الولد وإلا فلا بأس بتأخيرها الصلاة وتقبل على الولد وكذا المسافر اذا خاف من اللصوص أو قطاع الطريق جاز له تأخير الوقتية وتارك الصلاة عمدا كسلا يضرب ضربا شديدا حتى يسيل منه الدم ويحبس حتى يصليها, .....................
ــــــــــــــــــــ
تعلق به ظالم أو وقع في ماء أو صال عليه حيوان فاستغاث "بالمصلي" أو بغيره وقدر على الدفع عنه و "لا" يجب قطع الصلاة "بنداء أحد أبويه" من غير استغاثة لأن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة وقال الطحاوي هذا في الفرض وإن كان في نافلة إن علم أحد أبويه أنه في الصلاة وناداه لا بأس بأن لا يجيبه وإن لم يعلم يجيبه "يجوز قطعها" ولو كانت فرضا "بسرقة" تخشى على "ما يساوي درهما" لأنه مال وقال عليه السلام: "قاتل دون مالك" وكذا فيما دونه في الأصح لأنه يحبس في دانق1 وكذا لو فارت قدرها أو خافت على ولدها أو طلب منه كافر عرض الإسلام عليه "ولو" كان المسروق "لغيره" أي غير المصلي لدفع الظلم والنهي عن المنكر "و" يجوز قطعها لخشية "خوف" من "ذئب" ونحوه "على غنم" ونحوها "أو خوف تردي" أي سقوط "أعمى" أو غيره ممن لا علم عنده "في بئر ونحوه" كحفرة وسطح وإذا غلب على الظن سقوطه وجب قطع الصلاة ولو فرضا "و" هو كما "إذا خافت القابلة" وهي التي يقال لها داية تتلقى الولد حال خروجه من بطن أمه إن غلب على ظنها "موت الولد" أو تلف عضو منه أو أمه بتركها وجب عليها تأخير الصلاة عن وقتها وقطعها لو كانت فيها "وإلا فلا بأس بتأخيرها الصلاة وتقبل على الولد" للعذر كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عن وقتها يوم الخندق "وكذا المسافر" أي السائر في فضاء" "إذا خاف من اللصوص أو قطاع الطريق" أو من سبع أو سيل "جاز له تأخير الوقتية" كالمقاتلين إذا لم يقدروا على الإيماء ركبانا للعذر وكذا يجوز تأخير قضاء الفوائت للعذر كالسعي على العيال وإن وجب قضاؤها على الفور وأما قضاء الصوم فعلى التراخي ما لم يقرب رمضان الثاني وأما سجدة التلاوة والنذر المطلق ففيهما الخلاف قيل موسع وقيل مضيق "وتارك الصلاة عمدا كسلا يضرب ضربا شديدا حتى يسيل منه الدم و" بعده "يحبس" ولا يترك هملا بل يتفقد حاله بالوعظ والزجر والضرب أيضا "حتى يصليها" أو يموت بحبسه وهذا جزاؤه الدنيوي وأما في الآخرة إذا مات على الإسلام عاصيا بتركها فله عذاب طويل بواد في جهنم أشدها حرا وأبعدها قعرا فيه بئر يقال له الهبهب وآبار يسيل إليها الصديد والقيح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدانق سدس الدرهم. والدرهم ست عشرة خرنوبة ويبلغ ستتة وعشرين مليما ونصف مليم تقريبا, أما الدانق فيبلغ أربعة وخمسين مليما تقريبا.

 

ص -139-     وكذا تارك صوم رمضان ولا يقتل إلا إذا جحد أو استخف بأحدهما.
ــــــــــــــــــــ
أعدت لتارك الصلاة وحديث جابر فيه صفته بقوله بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه أحمد ومسلم "وكذا تارك صوم رمضان" كسلا يضرب كذلك ويحبس حتى يصوم "ولا يقتل" بمجرد ترك الصلاة والصوم مع الإقرار بفرضيتهما "إلا إذا جحد" افتراض الصلاة والصوم لإنكاره ما كان معلوما من الدين إجماعا "أو استخف بأحدهما" كما لو أظهر الإفطار في نهار رمضان بلا عذر متهاونا أو نطق بما يدل عليه فيكون حكمه حكم المرتد فتكشف شبهته ويحبس ثم يقتل إن أصر.

باب الوتر
الوتر واجب وهو ثلاث ركعات بتسليمه ويقرأ في كل ركعة منه الفاتحة وسورة ويجلس على رأس الأوليين منه ويقتصر على التشهد ولا يستفتح ...................
ــــــــــــــــــــ
باب الوتر وأحكامه
لما فرغ من بيان الفرض العلمي شرع في العملي وهو في اللغة الفرد خلاف الشفع بالفتح والكسر وفي الشرع صلاة مخصوصة1 وصفه بقوله "الوتر واجب" في الأصح وهو آخر أقوال الإمام وروى عنه أنه سنة وهو قولهما وروي عنه فرضين ووفق المشايخ بين الروايات بأن فرض عملا وهو الذي لا يترك واجب اعتقادا فلا يكفر جاحده سنة دليلا لثبوته بها وجه الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم:
"الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني" رواه أبو داود والحاكم وصححه والأمر وكلمة حق وعلى الوجوب "و" كميته "هو" في الوتر "ثلاث ركعات" يشترط فعلها "بتسليمة" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن" صححه الحاكم وقال على شرط الشيخين "ويقرأ" وجوبا "في كل ركعة منه الفاتحة وسورة" لما روي أنه عليه السلام قرأ في الأولى منه أي بعد الفاتحة بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] وقنت قبل الركوع وفي حديث عائشة رضي الله عنها قرأ في الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] والمعوذتين فيعمل به في بعض الأوقات عملا - بالحديثين لا على الوجوب "ويجلس" وجوبا "على رأس" الركعتين "الأوليتين منه" للمأثور "ويقتصر على التشهد" لشبهة الفرضية "ولا يستفتح" أي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صلاة مخصوصة: هي ثلاث ركعات بتسليمة واحدة وقنوت في الثالثة. وبه فارق صلاة المغرب كما فارقها بوجوب قراءة الفاتحة والسورة في الثالثة.

 

ص -140-     عند قيامه للثالثة واذا فرغ من قراءة السورة فيها رفع يديه حذاء أذنيه ثم كبر وقنت قائما قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر والقنوت معناه الدعاء وهو أن يقول
اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك.
ــــــــــــــــــــ
لا يقرأ دعاء الافتتاح "عند قيامه للثالثة" لأنه ليس ابتداء صلاة أخرى "وإذا فرغ من قراءة السورة فيها" أي الركعة الثالثة "رفع يديه حذاء أذنيه" كما قدمناه إلا إذا قضاه حتى لا يرى تهاونه فيه برفعه يديه عند من يراه "ثم كبر" لانتقاله إلى حالة الدعاء "و" بعد التكبير "قنت قائما" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع وعند الإمام يضع يمينه على يساره وعن أبي يوسف يرفعهما كما كان ابن مسعود يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء روى فرج مولى أبي يوسف قال رأيت مولاي أبا يوسف إذا دخل في القنوت للوتر رفع يديه في الدعاء قال ابن أبي عمران كان فرج ثقة قال الكمال ووجهه عموم دليل الرفع للدعاء ويجاب بأنه مخصوص بما ليس في الصلاة للإجماع على أنه لا رفع في دعاء التشهد انتهى. قلت وفيه نظر لأثر ابن مسعود الذي تقدم قريبا وفي المبسوط عن محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة: دعاء رغبة ففيه يجعل بطون كفيه إلى السماء ودعاء رهبة ففيه يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء ودعاء تضرع ففيه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء خفية وهو ما يفعله المرء في نفسه كذا في معراج الدراية ولما رويناه يقنت "قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر" وهو الصحيح لقول أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب رعل وزكوان وعصية حين قتلوا القراء وهو سبعون أو ثمانون رجلا ثم تركه لما ظهر عليهم فدل على نسخه وروى ابن أبي شيبة لما قنت علي رضي الله عنه في الصبح أنكر الناس عليه ذلك فقال إنما استنصرنا على عدونا وفي الغابة: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر وهو قول الثوري وأحمد وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها اهـ
فعدم قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر بعد ظفره بأولئك لعدم حصول نازلة تستدعي القنوت بعدها فتكون مشروعيته مستمرة وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهو مذهبنا وعليه الجمهور وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى إنما لا يقنت عندنا في الفجر من غير بلية فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد الركوع كما تقدم "والقنوت" من "معناه الدعاء" في الوتر "وهو" باللفظ الذي روي عن ابن مسعود "أن يقول اللهم" أي يا الله "إنا نستعينك" أي نطلب منك الإعانة على طاعتك "ونستهديك" أي نطلب منك الهداية لما يرضيك "ونستغفرك" أي نطلب منك ستر عيوبنا فلا تفضحنا بها "ونتوب إليك" التوبة الرجوع عن الذنب وشرعا الندم على ما مضى

 

ص -141-     ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك الله إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك
ــــــــــــــــــــ
من الذنب والإقلاع عنه في الحال والعزم على ترك العود في المستقبل تعظيما لأمر الله تعالى فإن تعلق به حق لآدمي فلا بد من مسامحته وإرضائه "ونؤمن" أي نصدق معتقدين بقلوبنا ناطقين بلساننا فقلنا آمنا "بك" وبما جاء من عندك وبملائكتك وكتبك ورسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره "ونتوكل" أي نعتمد "عليك" بتفويض أمورنا إليك لعجزنا "ونثني عليك الخير كله" أي نمدحك بكل خير مقرين بجميع آلائك إفضالا منك "نشكرك" بصرف جميع ما أنعمت به من الجوارح إلى ما خلقته لأجله سبحانك لك الحمد لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "ولا نكفرك" أي لا نجحد نعمة لك علينا ولا نضيفها إلى غيرك الكفر نقيض الشكر وأصله الستر يقال كفر النعمة إذا لم يشكرها كأنه سترها بجحد وقولهم كفرت فلانا على حذف مضاف والأصل كفرت نعمته ومنته ولا نكفرك "ونخلع" بثبوت حرف العطف أن نلقى ونطرح ونزيل ربقة الكفر من أعناقنا وربقة كل ما لا يرضيك يقال خلع الفرس رسنه ألقاه "ونترك" أي نفارق "من يفجرك" بجحده نعمتك وعبادته غيرك نتحاشى عنه وعن صفته بأن نفرضه عدما تنزيها لجنابك إذ كل ذرة في الوجود شاهدة بأنك المنعم المتفضل الموجود المستحق لجميع المحامد الفرد المعبود والمخالف لهذا هو الشقي المطرود "اللهم إياك نعبد" عود للثناء وتخصيص لذاته بالعبادة أي لا نعبد إلا إياك إذ تقديم المفعول للحصر "ولك نصلي" أفردت الصلاة بالذكر لشرفها بتضمنها جميع العبادات "ونسجد" تخصيص بعد تخصيص إذ هو أقرب حالات العبد من الرب المعبود "وإليك نسعى" هو إشارة إلى قوله في الحديث حكاية عنه تعالى: "من أتاني سعيا أتيته هرولة" والمعنى نجهد في العمل لتحصيل ما يقربنا إليك "ونحفد" نسرع في تحصيل عبادتك بنشاط لأن الحفد يعني السرعة ولذا سميت الخدم حفدة لسرعتهم في خدمة ساداتهم وهو بفتح النون ويجوز ضمها وبالحاء المهملة وكسر الفاء وبالدال المهملة يقال حفد وأحفد لغة فيه ولو أبدل الدال ذالا معجمة فسدت صلاته لأنه كلام أجنبي لا معنى له "نرجو" أي نؤمل "رحمتك" دوامها وإمدادها وسعة عطائك بالقيام لخدمتك والعمل في طاعتك وأنت كريم فلا تخيب راجيك "ونخشى عذابك" مع اجتنابنا ما نهيتنا عنه فلا نأمن مكرك فنحن بين الرجاء والخوف وهو إشارة إلى المذهب الحق فإن أمن المكر كفر كالقنوت من الرحمة وجمع بين الرجاء والخوف لأن شأن القادر أن يرجى نواله ويخاف نكاله وفي الحديث: "لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف" فلإنعامك علينا بالإيمان وتوفيقك للعمل بالأركان ممتثلين

 

ص -142-     إن عذابك الجد بالكفار ملحق وصلى الله على سيدنا النبي وآله وسلم. والمؤتم يقرأ القنوت كالإمام وإذا شرع الإمام في الدعاء بعد ما تقدم قال أبو يوسف رحمه الله يتابعونه ويقرءونه معه وقال محمد لا يتابعونه ولكن يؤمنون والدعاء هو اللهم أهدنا .................
ــــــــــــــــــــ
لأمرك مقتصرين على القلب واللسان إذ هو طمع الكاذبين ذوي البهتان نعتقد ونقول "إن عذاب الجد" أي الحق وهو بكسر الجيم اتفاقا بمعنى الحق وهو ثابت في مراسيل أبي داود فلا يلتفت لمن قال أنه لا يقول الجد "بالكفار ملحق" أي لاحق بهم بكسر الحاء أفصح وقيل بفتحها يعني أن الله سبحانه وتعالى ملحقه بهم ولما روى النسائي بإسناد حسن أن في حديث القنوت "وصلى الله على النبي" صلينا عليه صلى الله عليه "و" على "آله وسلم" كما اختار الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنه يصلي في القنوت على النبي صلى الله عليه وسلم "والمؤتم يقرأ القنوت كالإمام" على الأصح ويخفي الإمام والقوم على الصحيح لكن استحب للإمام الجهر في بلاد العجم ليتعلموه كما جهر عمر رضي الله عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق ولذا فصل بعضهم إن لم يعلم القوم فالأفضل للإمام الجهر ليتعلموا وإلا فالإخفاء أفضل "وإذا شرع الإمام في الدعاء" وهو اللهم اهدنا الخ كما سنذكره "بعد ما تقدم" من قوله اللهم إنا نستعينك الخ "قال أبو يوسف رحمه الله يتابعونه ويقرؤونه معه" أيضا "وقال محمد لا يتابعونه" فيه ولا في القنوت الذي هو اللهم إنا نستعينك ونستغفرك "ولكن يؤمنون" على دعائه والدعاء قال طائفة من المشايخ أنه لا توقيت فيه والأولى أن يقرأ بعد المتقدم قنوت الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر وفي لفظ في قنوت الوتر ورواه الحاكم وقال فيه إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت وحسنه الترمذي وزاد البيهقي بعد واليت ولا يعز من عاديت وزاد النسائي بعد وتعاليت وصلى الله على النبي فهو كما ترى بصيغة الإفراد المروى عنه صلى الله عليه وسلم حال دعائه في قنوت الفجر لما كان يفعله قال الكمال ابن الهمام لكنهم أي المشايخ لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت فقالوه بنون الجمع أي اللهم اهدنا وعافنا وتولنا إلى أخره انتهى. قلت ومنهم صاحب الدرر والغرر والبرهان "والدعاء" الذي قالوه "هو اللهم اهدنا" ورواية الحسن اهدني كما نبهنا عليها - أصل الهداية الرسالة والبيان كقوله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: من الآية52] فأما قوله {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: من الآية56] فهي من الله تعالى التوفيق والإرشاد فطلب المؤمنين مع كونهم مهتدين

 

ص -143-     بفضلك فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
ومن لم يحسن القنوت يقول: اللهم اغفر لي ثلاث مرات أو
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: من الآية201] أو يا رب يا رب يا رب واذا اقتدى بمن يقنت في الفجر قام معه في قنونته ساكتا في الأظهر ويرسل يديه في جنبيه واذا نسي القنوت في الوتر وتذكره في الركوع أو ........................
ــــــــــــــــــــ
بمعنى طلب التثبيت عليها أو بمعنى المزيد منها "بفضلك" لا وجوب عليك وهذه الزيادة ليست في قنوت الحسن اللهم اهدني "فيمن هديت" أي مع من هديته "وعافنا" العافية السلامة من الأسقام والبلايا والمحن والمعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك "فيمن عافيت" أي مع من عافيته "وتولنا" من توليت الشيء إذا اعتنيت به ونظرت فيه بالمصلحة كما ينظر الولي في حال اليتيم لأنه سبحانه ينظر في أمور من تولاه بالعناية "فيمن توليت" أي مع من توليت أمره من عبادك المقربين "وبارك لنا فيما أعطيت" البركة الزيادة من الخير فطلب ترقيا على المقامين السابقين ثم رجع إلى مقام الخشية والجلال فقال "وقنا" من الوقاية وهي الحفظ بالعناية بدفع "شر ما قضيت" لالتجائنا إليك "إنك تقضي" بما شئت "ولا يقضي عليك" لأنك المالك الواحد لا شريك لك في الملك فنطلب موالاتك "لأنه لا يذل من واليت" لعزتك وسلطان قهرك "ولا يعز من عاديت" ذلك بأن تقدست وتنزهت فهي صفة خاصة لا تستعمل إلا لله "ربنا" أي سيدنا ومالكنا ومعبودنا ومصلحنا وقال البيضاوي تبارك الله تعالى شأنه في قدرته وحكمته فهو معنى "وتعاليت" - ووجه تقديم تباركت الاختصاص به سبحانه - "وصلى الله على" النبي "سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" لما روينا.
"ومن لم يحسن" دعاء "القنوت" المتقدم قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى "يقول اللهم اغفر لي" ويكررها "ثلاث مرات أو" يقول "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" في التجنيس هو اختيار مشايخنا "أو" يقول "يا رب يا رب يا رب" ثلاثا ذكره الصدر الشهيد فهذه ثلاثة أقوال مختارة "وإذا اقتدى بمن يقنت في الفجر" كشافعي "قام معه في" حال "قنوته ساكتا في الأظهر" لوجوب متابعته في القيام ولكن عندهما يقوم ساكتا وقال أبو يوسف يقرؤه معه لأنه تبع للإمام والقنوت مجتهد فيه فصار كتكبيرات العيدين والقنوت في الوتر بعد الركوع "ويرسل يديه في جنبيه" لأنه ذكر ليس مسنونا "وإذا نسي القنوت في" ثالثة "الوتر وتذكره في الركوع أو" في

 

ص -144-     الرفع منه لا يقنت ولو قنت بعد رفع رأسه من الركوع لا يعيد الركوع ويسجد للسهو لزوال القنوت عن محله الأصلي ولو ركع الإمام قبل فراغ المقتدي من قراءة القنوت أو قبل شروعه فيه وخاف فوت الركوع تابع إمامه ولو ترك الإمام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الإمام في الركوع وإلا تابعه ولو أدرك الإمام في ركوع الثالثة من الوتر كان مدركا للقنوت فلا يأتي فيما سبق به ويوتر بجماعة في رمضان فقط وصلاتة مع الجماعة في رمضان أفضل من أدائه منفردا آخر الليل في اختيار قاضيخان قال هو الصحيح وصحح غيره خلافه.
ــــــــــــــــــــ
"الرفع منه" أي من الركوع "لا يقنت" على الصحيح لا في الركوع الذي تذكر فيه ولا بعد الرفع منه ويسجد للسهو "ولو قنت بعد رفع رأسه من الركوع لا يعيد الركوع ويسجد للسهو لزوال القنوت عن محله الأصلي" وتأخير الواجب "ولو ركع الإمام قبل فراغ المقتدي من قراءة القنوت أو قبل شروعه فيه وخاف فوت الركوع" مع الإمام "تابع إمامه" لأن اشتغاله بذلك يفوت واجب المتابعة فتكون أولى وإن لم يخف فوت المشاركة في الركوع يقنت جمعا بين الواجبين "ولو ترك الإمام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الإمام في الركوع" لجمعه بين الواجبين بحسب الإمكان "وإن" كان "لا" يمكنه المشاركة "تابعه" لأن متابعته أولى "ولو أدرك الإمام في ركوع الثالثة من الوتر كان مدركا للقنوت" حكما "فلا يأتي به فيما سبق به" كما لو قنت المسبوق معه في الثالثة أجمعوا أنه لا يقنت مرة أخرى فيما يقضيه لأنه غير مشروع وعن أبي الفضل تسويته بالشاك وسيأتي في سجود السهو "ويوتر بجماعة" استحبابا "في رمضان فقط" عليه إجماع المسلمين لأنه نقل من وجه والجماعة في النقل في غير التراويح مكروهة فالاحتياط تركها في الوتر خارج رمضان وعن شمس الأئمة أن هذا فيما كان على سبيل التداعي أما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره وإذا اقتدى ثلاثة بواحد اختلف فيه وإذا اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقا "وصلاته" أي الوتر "مع الجماعة في رمضان أفضل من أدائه منفردا آخر الليل في اختيار قاضيخان قال" قاضيخان رحمه الله "هو الصحيح" لأنه لما جازت الجماعة كان أفضل ولأن عمر رضي الله عنه كان يؤمهم في الوتر "وصححه غيره" أي غير قاضيخان "خلافه" قال في النهاية حكاية هذا واختار علماؤنا أن يوتر في منزله لا بجماعة لعدم اجتماع الصحابة على الوتر بجماعة في رمضان لأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يؤمهم فيه وأبي بن كعب كان لا يؤمهم وفي الفتح والبرهان ما يفيد أن قول قاضيخان أرجح لأنه صلى الله عليه وسلم أوتر بهم فيه ثم بين عذر الترك وهو خشية أن يكتب علينا قيام رمضان وكذا الخلفاء الراشدون صلوه بالجماعة ومن تأخر عن الجماعة فيه أحب صلاته آخر الليل والجماعة إذ ذاك متعذرة فلا يدل على أن الأفضل فيه ترك الجماعة أول الليل انتهى. وإذا صلى الوتر قبل النوم ثم تهجد لا يعيد الوتر لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا وتران في ليلة".

 

ص -145-     فصل في النوافل
سن سنة مؤكدة ركعتان قبل الفجر وركعتان بعد الظهر وبعد المغرب وبعد العشاء وأربع قبل الظهر, ........................
ــــــــــــــــــــ
"فصل في بيان النوافل"
عبر بالنوافل دون السنن لأن النفل أعم إذ كل سنة نافلة ولا عكس والنفل لغة الزيادة وفي الشرع فعل ما ليس بفرض ولا واجب ولا مسنون من العبادة والسنة لغة مطلق الطريقة مرضية أو غير مرضية وفي الشريعة الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب وقال القاضي أبو زيد رحمه الله النوافل شرعت لجبر نقصان تمكن في الفرض لأن العبد وإن علت رتبته لا يخلو من تقصير وقال قاضيخان السنة قبل المكتوبة شرعت لقطع طمع الشيطان فإنه يقول من لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه؟.
والسنة مندوبة ومؤكدة وبين المؤكدة بقوله "من سنة مؤكدة" منها: "ركعتان قبل" صلاة "الفجر" وهو أقوى السنن حتى روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو صلى قاعدا من غير عذر لا يجوز وروى المرغيناني عن أبي حنيفة رحمه الله أنها واجبة وقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل" وقال صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها " ثم اختلف في الأفضل بعد ركعتي سنة الفجر قال الحلواني ركعتا المغرب ثم التي بعد الظهر ثم التي بعد العشاء ثم التي قبل الظهر ثم التي قبل العصر ثم التي قبل العشاء وقيل التي بعد العشاء والتي قبل الظهر وبعده وبعد المغرب كلها سواء وقيل التي قبل الظهر آكد قال الحسن وهو الأصح وقد ابتدأ في المبسوط بها "ركعتان بعد الظهر" ويندب أن يضم إليها ركعتان فتصير أربعا "و" منها ركعتان "بعد المغرب" ويستحب أن يطيل القراءة في سنة المغرب لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى منهما {ألم  تَنْزِيلُ} [السجدة: من الآية2] وفي الثانية {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: من الآية1] كذا في الجوهرة وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد يقرأ في الأولى بالحمد و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] والثانية بالحمد و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها "و" منها ركعتان "بعد العشاء" "وأربع قبل الظهر" لقوله صلى الله عليه وسلم:

 

ص -146-     وقبل الجمعة وبعدها بتسليمة.
وندب أربع قبل العصر والعشاء وبعده وست بعد المغرب, ................
ــــــــــــــــــــ
"من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي" كذا في الاختيار وقال في البرهان كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس فسأله أبو أيوب الأنصاري عن ذلك فقال:
"إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير" قلت: أفي كلهن قراءة؟ قال: "نعم", قلت: أيفصل بينهن بسلام؟ قال: "لا" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي في كل يوم اثنتي عشر ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة" رواه مسلم زاد في الترمذي والنسائي: "أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة" منها أربع "قبل الجمعة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن "و" منها أربع "بعدها" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة أربع ركعات يسلم في آخرهن فلذا قيدنا به في الرباعيات فقلنا "بتسليمة" لتعلقه بقوله وأربع وقال الزيلعي حتى لو صلاها بتسليمتين لا يعتد بها عن السنة. انتهى ولعله بدون عذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت" رواه الجماعة إلا البخاري والقسم الثاني المستحب من السنن شرع فيه بقوله "وندب" أي استحب "أربع" ركعات "قبل" صلاة "العصر" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى أربع ركعات قبل صلاة العصر لم تمسه النار" وورد أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وورد أربعا فلذا خيره القدوري بينهما "و" ندب أربع قبل "العشاء" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يصلي قبل العشاء أربعا ثم يصلي بعدها أربعا ثم يضطجع "و" ندب أربع "بعده" أي بعد العشاء لما روينا ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر " "و" ندب "ست" ركعات "بعد المغرب" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين" وتلا قوله تعالى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الاسراء: من الآية25] والأواب هو الذي إذا أذنب ذنبا بادر إلى التوبة.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه السلام قال: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى له بيتا في الجنة" وعن ابن عباس أنه عليه السلام قال: "من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة" وعن عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله بيتا في الجنة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام قال: "من صلى أربع ركعات بعد المغرب قبل أن يكلم أحدا رفعت له في عليين وكان كمن أدرك ليلة القدر في المسجد الأقصى وهو خير له من قيام نصف ليلة". وعن ابن عمر

 

ص -147-     ويقتصر في الجلوس الأول من الرباعية المؤكدة على التشهد ولا يأتي في التالية بدعاء الاستفتاح بخلاف المندوبة وإذا صلى نافله أكثر من ركعتين ولم يجلس إلا في آخرها صح استحبابا لأنها صارت صلاة واحدة وفيها الفرض الجلوس آخرها وكره الزيادة على أربع بتسليمة في النهار وعلى ثمان ليلا, ..........................
ــــــــــــــــــــ
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له ذنوب خمسين سنة". وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" لم يقيد فيها بكونها قبل التكلم وفي التجنيس الست بثلاث تسليمات وذكر القوني أنها بتسليمتين وفي الدرر بتسليمة واحدة وقد عطفنا المندوبات على المؤكدات كما في الكنز وغيره من المعتبرات وظاهره المغايرة فتكون الست في المغرب غير الركعتين المؤكدتين. وكذا في الأربع بعد الظهر. وقيل بها لما في الدراية أنه عليه السلام قال:
"من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار" ومثله في [الاختيار]
"ويقتصر" المتنفل "في الجلوس الأول من" السنة "الرباعية المؤكدة" وهي التي قبل الظهر والجمعة وبعدها "على" قراءة "التشهد" فيقف على قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وإذا تشهد في الآخر يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "و" إذا قام للشفع الثاني من الرباعية المؤكدة "لا يأتي في" ابتداء "الثالثة بدعاء الاستفتاح" كما في فتح القدير وهو الأصح كما في شرح المنية لأنها لتأكدها أشبهت الفرائض فلا تبطل شفعته ولا خيار المحيرة ولا يلزمه كمال المهر بالانتقال إلى الشفع الثاني منها لعدم صحة الخلوة بدخولها في الشفع الأول ثم أتم الأربع كما في صلاة الظهر "بخلاف" الرباعيات "المندوبة" فيستفتح ويتعوذ ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء كل شفع منها وقال في شرح المنية مسألة الاستفتاح ونحوه ليست مروية عن المتقدمين من الأئمة وإنما هي اختيار بعض المتأخرين "وإذا صلى نافلة أكثر من ركعتين" كأربع فأتمها "ولم يجلس إلا في آخرها" فالقياس فسادها وبه قال زفر وهو رواية عن محمد وفي الاستحسان لا تفسد وهو قوله "صح" نفله "استحسانا لأنها صارت صلاة واحدة" لأن التطوع كما شرع ركعتين شرع أربعا أيضا "وفيها الفرض الجلوس آخرها" لأنها صارت من ذوات الأربع ويجبر ترك القعود على الركعتين ساهيا بالسجود ويجب العود إليه بتذكره بعد القيام ما لم يسجد كذا في الفتح وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى تسع ركعات لم يجلس إلا في الثامنة ثم نهض فصلى التاسعة وإذا لم يقعد إلا على الثالثة وسلم اختلف في صحتها وصحح الفساد في الخلاصة "وكره الزيادة على أربع بتسليمة في" نفل "النهار و" الزيادة "على ثان ليلا" بتسليمة واحدة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد عليه وهذا اختيار

 

ص -148-     والأفضل فيهما رباع عند أبي حنيفة وعندهما الأفضل في الليل مثنى مثنى وبه يفتى وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار وطول القيام أحب من كثرة السجود.
ــــــــــــــــــــ
أكثر المشايخ وفي [المعراج] والأصح أنه لا يكره لما فيه من وصل العبادة وكذا صحح السرخسي عدم كراهة الزيادة عليها لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين فتبقى العشرة نفلا أي والثلاث وترا كما في البرهان "والأفضل فيهما" أي الليل والنهار "رباع عند" الإمام الأعظم "أبي حنيفة" رحمه الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل أربع ركعات لا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا لا تسل عن طولهن وحسنهن وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى "وعندهما" أي أبي يوسف ومحمد "الأفضل" في النهار كما قال الإمام و "في الليل مثنى مثنى" قال في الدراية وفي العيون "وبه" أي بقولهما "يفتى" اتباعا للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "صلاة الليل مثنى مثنى ""وصلاة الليل" خصوصا في الثلث الأخير منه "أفضل من صلاة النهار" لأنه أشق على النفس وقال تعالى:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: من الآية16] "وطول القيام" في الصلاة ليلا أو نهارا "أحب من كثرة السجود" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت" أي القيان ولأن القراءة تكثر بطول القيام وبكثرة الركوع والسجود يكثر التسبيح والقراءة أضل منه ونقل في المجتبي عن محمد خلافه وهو أن كثرة الركوع والسجود أفضل وفصل أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن تكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود.

فصل في تحية المسجد وصلاة الضحى وإحياء الليالي
سن تحية المسجد بركعتين قبل الجلوس وأداء الفرض ينوب عنها وكل صلاة أداها عند الدخول بلا نية التحية, ...........
ــــــــــــــــــــ
فصل في تحية المسجد وصلاة الضحى وإحياء الليالي وغيرها
"سن تحية المسجد بركعتين" يصليهما في غير وقت مكروه "قبل الجلوس" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين" "وأداء الفرض ينوب عنها" قاله الزيلعي "و" كذا "كل صلاة أداها" أي فعليها "عند الدخول بلا نية التحية"

 

ص -149-     وندب ركعتان بعد الوضوء قبل جفافه وأربع فصاعدا في الضحى وندب صلاة الليل وصلاة الاستخارة ...........................
ــــــــــــــــــــ
لأنها لتعظيمه وحرمته وقد حصل ذلك بما صلاه ولا تفوت بالجلوس عندنا وإن كان الأفضل فعلها قبله وإذا تكرر دخوله يكفيه ركعتان في اليوم وندب أن يقول عند دخوله المسجد اللهم افتح لي أبواب رحمتك وعند خروجه اللهم إني أسألك من فضلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به "وندب ركعتان بعد الوضوء قبل جفافه" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه إلا وجبت له الجنة" رواه مسلم "و" ندب صلاة الضحى على الراجع وهي "أربع" ركعات لما رويناه قريبا عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء فلذا قلنا ندب أربع "فصاعد في" وقت "الضحى" وابتداؤه من ارتفاع الشمس إلى قبل زوالها فيزيد على الأربع اثنتي عشرة ركعة لما روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانية كتبه الله تعالى من القانتين ومن صلى اثني عشر ركعة بنى الله له بيتا في الجنة" "وندب صلاة الليل" خصوصا آخره كما ذكرناه وأقل ما ينبغي أن يتنفل بالليل ثمان ركعات كذا في الجوهرة وفضلها لا يحصر قال تعالى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: من الآية17] وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بصلاة الليل فإنها دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم".
"و" ندب "صلاة الاستخارة" وقد أفصحت السنة عن بيانها قال جابر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به" قال: ويسمي حاجته رواه الجماعة إلا مسلم وينبغي أن يجمع بين الروايتين فيقول وعاقبة أمري وعاجله وآجله والاستخارة في الحج والجهاد وجميع أبواب الخير تحمل على تعيين الوقت لا نفس الفعل وإذا استخار يمضي لا ينشرح له صدره وينبغي أن يكررها سبع مرات لما روي عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه".

 

ص -150-     وصلاة الحاجة وندب إحياء ليالي العشر الأخير من رمضان وإحياء ليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة ....................
ــــــــــــــــــــ
"و" ندب "صلاة الحاجة"1 وهي ركعتان. عن عبد الله بن أبي أوفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثني على الله وليصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة لك فيها رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين"2 ومن دعائه اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يا محمد إني توجهت بك إلى ربك في حاجتي هذه لتقضى لك اللهم فشفعه في "وندب إحياء ليالي العشر الأخير من رمضان" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر والقصد منه إحياء ليلة القدر فإن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها وروى أحمد:
"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وقال صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه وقال ابن مسعود رضي الله عنه هي في كل السنة وبه قال الإمام الأعظم في المشهور عنه أنها تدور في السنة وقد تكون في رمضان وقد تكون في غيره قاله قاضيخان وفي المبسوط أن المذهب عند أبي حنيفة أنها تكون في رمضان لكن تتقدم وتتأخر وعندهما3 لا تتقدم ولا تتأخر.
"و" ندب "إحياء ليلة العيدين" الفطر والأضحى لحديث: "من أحيا ليلة العيد أحيا قلبه يوم تموت القلوب" ويستحب الإكثار من الاستغفار بالأسحار وسيد الاستغفار:
"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" والدعاء فيها مستجاب.
"و" ندب إحياء "ليالي عشر ذي الحجة" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الاستخارة: طلب مافيه الخير وهي تكون لأمر المستقبل ليظهره الله تعالى خير الأمرين, أما صلاة الحاجة فتكون لأمر نزل أو سينزل, وهذا لأمر مقصود دفعه أو تحصيله.
2 ثم يسال الله حاجته.
3 في [طرح التثريب] نسب إلى الصاحبين وأبي حنيفة أنهم تابعوا ابن مسعود في القول بأنها تدور في السنة كلها. وفي [عمدة القاري] عزا إليهما ليلة سبع وعشرين, وفي [المبسوط] ما ذكر فلعلها روايات عنهما.

 

ص -151-     وليلة النصف من شعبان ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد
ــــــــــــــــــــ
بقيام ليلة القدر". وقال صلى الله عليه وسلم:
"صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية".
"و" ندب إحياء "ليلة النصف من شعبان" لأنها تكفر ذنوب السنة والليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع وليلة القدر تكفر ذنوب العمر ولأنها تقدر فيها الأرزاق والآجال والإغناء والإفقار والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة وعدد الحاج وفيها يسح الله تعالى الخير سحا وخمس ليالي لا يرد فيهن الدعاء ليلة الجمعة وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيدين. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه حتى يطلع الفجر" وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان" وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"ومعنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة وقيل بساعة منه يقرأ أو يسمع القرآن أو الحديث أو يسبح أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس بصلاة العشاء في جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة كما إحياء ليلتي العيدين, و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" رواه مسلم.
"ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي" المتقدم ذكرها "في المساجد" وغيرها لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة فأنكره أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك وغيرهم وقالوا ذلك كله بدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إحياء ليلتي العيدين جماعة واختلف علماء الشم في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان على قولين أحدهما أنه استحب إحياؤها بجماعة في المسجد طائفة من أعيان التابعين كخالد بن معدان ولقمان بن عامر ووافقهم اسحق بن راهويه والقول الثاني أنه يكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.

فصل في صلاة النفل جالسا والصلاة على الدابة
يجوز النفل قاعدا ..................
ــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة النفل جالسا و في الصلاة على الدابة وصلاة الماشي
"يجوز النفل" إنما عبر به ليشمل السنن المؤكدة وغيرها فتصح إذا صلاها "قاعدا

 

ص -152-     مع القدرة على القيام لكن له نصف أجر القائم إلا من عذر ويقعد كالمتشهد في المختار وجاز إتمامه قاعدا بعد افتتاحه قائما بلا كراهة على الأصح ويتنفل راكبا خارج المصر ............
ــــــــــــــــــــ
مع القدرة على القيام" وقد حكي فيه إجماع العلماء وعلى غير المعتمد يقال إلا سنة الفجر لما قيل بوجوبها وقوة تأكدها إلا التراويح على غير الصحيح لأن الأصح جوازه قاعدا من غير عذر فلا يستثنى من جواز النفل جالسا بلا عذر شيء على الصحيح لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر قاعدا وكان يجلس في عامة صلاته بالليل تخفيفا وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها فلما أراد أن يركع قام فقرأ آيات ثم ركع وسجد وعاد إلى القعود وقال في معراج الدراية وهو المستحب في كل تطوع يصليه قاعدا موافقة للسنة ولو لم يقرأ حين استوى قائما وركع وسجد أجزأه ولو لم يستو قائما وركع لا يجزئه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا كما في التجنيس و "لكن له" أي للمتنفل جالسا "نصف أجر القائم" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد" "إلا" أنهم قالوا هذا في حق القادر أما العاجز "من عذر" فصلاته بالإيماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل والإجماع منعقد على أن صلاة القاعد بعذر مساوية لصلاة القائم في الأجر كذا في الدراية. قلت بل هو أرقى منه لأنه أيضا جهد المقل ونية المرء خير من عمله "ويقعد" المتنفل جالسا "كالتشهد" إذا لم يكن به عذر فيفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب يمناه "في المختار" وعليه الفتوى ولكن ذكر شيخ الإسلام الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبيا لأن عامة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره كان محتبيا أي في النفل ولأن المحتبي أكثر توجها لأعضائه القبلة لتوجه الساقين كالقيام وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى يقعد كيف شاء لأنه لما جاز له ترك أصل القيام فترك صفة القعود أولى وأما المريض فلا يتقيد صفة جلوسه بشيء "وجاز إتمامه" أي إتمام القادر نفله "قاعدا" سواء كان في الأولى أو الثانية "بعد افتتاحه قائما" عند أبي حنيفة رحمه الله لأن القيام ليس ركنا في النفل فجاز تركه وعندهما لا يجوز لأن الشروع ملزم فأشبه النذر ولأبي حنيفة أن نذره ملزم صلاة مطلقة وهي الكاملة بالقيام مع جميع الأركان والشروع لا يلزمه إلا صيانة النفل وهي لا توجب القيام فيتمه جالسا "بلا كراهة على الأصح" لأن البقاء أسهل من الابتداء وابتداؤه جالسا لا يكره فالبقاء أولى وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح التطوع ثم ينتقل من القيام إلى القعود ومن القعود إلى القيام روته عائشة رضي الله عنها "وينتقل" أي جاز له التنفل بل ندب له "راكبا خارج المصر" يعني خارج العمران ليشمل خارج القرية والأخبية بمحل إذا دخله مسافر قصر الفرض وسواء كان مسافرا أو خرج لحاجة في

 

ص -153-     موميا الى أي جهة توجهت دابته وبنى بنزوله لا ركوبه ولو كان بالنوافل الراتبة وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه ينزل لسنة الفجر لأنها آكد من غيرها وجاز للمتطوع الاتكاء على شيء إن تعب بلا كراهة وإن كان بغير عذر كره في الأظهر لإساءة الأدب ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة عليها ولو في
ــــــــــــــــــــ
بعض النواحي على الأصح وقيل إذا خرج قدر ميل وقيل إذا خرج قدر فرسخين جاز له وإلا فلا وعن أبي يوسف جوازها في المصر أيضا على الدابة "موميا إلى أي جهة" ويفتتح الصلاة حيث "توجهت" به "دابته" لمكان الحاجة ولا يشترط عجزه عن إيقافها للتحريمة في ظاهر الرواية لقول جابر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين ورواه ابن حبان في صحيحه وإذا حرك رجله أو ضرب دابته فلا بأس به إذا لم يصنع شيئا كثيرا "وبنى بنزوله" على ما مضى إذا لم يحصل منه عمل كثير كما إذا ثنى رجله فانحدر لأن إحرامه انعقد مجوزا للركوع والسجود عزيمة بنزوله بعده فكان له الإيماء بهما راكبا رخصة وبهذا يفرق1 بين جواز بنائه وعدم بناء المريض بالركوع والسجود وكان موميا لأن إحرام المريض لم يتناولهما لعدم قدرته عليهما فلذا "لا" يجوز البناء بعد "ركوبه" على ما مضى من صلاته نازلا في ظاهر الرواية عنهم لأن افتتاحه على الأرض استلزم جميع الشروط وفي الركوب يفوت شرط الاستقبال واتحاد المكان وطهارته وحقيقة الركوع والسجود "و" جاز الإيماء على الدابة و "لو كان بالنوافل الراتبة" المؤكدة وغيرها حتى سنة الفجر "و" روي "عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه ينزل" الراكب "لسنة الفجر لأنها آكد من غيرها" قال ابن شجاع رحمه الله يجوز أن يكون هذا لبيان الأولى يعني أن الأولى أن ينزل لركعتي الفجر كذا في العناية وقدمنا أن هذا على رواية وجوبها "وجاز للمتطوع الاتكاء على شيء" كحصى وحائط وخادم "إن تعب" لأنه عذر كما جاز أن يقعد "بلا كراهة وإن كان" الاتكاء "بغير عذر كره في الأظهر لإساءة الأدب" بخلاف القعود بغير عذر بعد القيام كما قدمناه "ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة" كثيرة "عليها" أي الدابة "ولو كانت" التي تزيد على الدرهم "في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إن قيل: إن بناء الكامل على الناقص لا يجوز كالمريض إذا صلى بالإيماء ثك قدر على الركوع والسجود قلنا: إن إحرام المريض لم يتناول الأركان الأصلية بدون إيماء لعدم قدرته عليها فلا يجوز بناء مالم يتناوله إحرامه على ما تناوله أما هنا فإحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما صح ومن هنا يعلم أن صاحب [سبيل الفلاح] قد سها في قوله: "بناء الكامل على الناقص جائز دون عكسه" فالصحيح العكس وإن لزم منه الاعتراض السابق فقد عرفت جوابه.

 

ص -154-     السرج والركابين على الأصح ولا تصح صلاة الماشي بالإجماع.
ــــــــــــــــــــ
السرج والركابين على الأصح" وهو قول أكثر مشايخنا للضرورة "ولا تصح صلاة الماشي بالإجماع" أي إجماع أئمتنا لاختلاف المكان.

فصل: في صلاة الفرض والواجب على الدابة
لا يصح على الدابة صلاة الفرائض ولا الواجبات كالوتر والمنذور وما شرع فيه نفلا فأفسده ولا صلاة الجنازة وسجدة تليت آيتها على الأرض إلا لضرورة كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل وخوف سبع وطين المكان وجموح الدابة وعدم وجدان من يركبه لعجزه والصلاة في المحمل على الدابة كالصلاة عليها سواء كانت سائرة أو واقفة ولو جعل تحت المحمل خشبة حتى
ــــــــــــــــــــ
فصل: في صلاة الفرض والواجب على الدابة والمحمل
"لا يصح على الدابة صلاة الفرائض ولا الواجبات كالوتر والمنذور" والعيدين "و" لا قضاء "ما شرع فيه نفلا فأفسده ولا صلاة الجنازة و" لا "سجدة" تلاوة قد "تليت آيتها على الأرض إلا لضرورة" نص عليها في الفرض بقوله تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] والواجب ملحق به "كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل" ولم تقف له رفقته "وخوف سبع" على نفسه أو دابته "و" وجود مطر و "طين" في "المكان" يغيب فيه الوجه أو يلطخه أو يتلف ما يبسطه عليه أما مجرد نداوة فلا يبيح ذلك والذي لا دابة له يصلي قائما في الطين بالإيماء "وجموح الدابة وعدم وجدان من يركبه" دابته ولو كانت غير جموح "لعجزه" بالاتفاق ولا تلزمه الإعادة بزوال العذر والمريض الذي يحصل له بالنزول والركوب زيادة مرض أو بطؤ برء يجوز له الإيماء بالفرض على الدابة واقفة مستقبل القبلة إن أمكن وإلا فلا وكذا لطين المكان وإن وجد العاجز عن الركوب معينا فهي مسألة القادر بقدرة غيره خلافا لهما كالمرأة إذا لم تقدر على النزول إلا بمحرم أو زوج ومعادل زوجته أو محرمه إذا لم يقم ولده محله كالمرأة "والصلاة في المحمل"1 وهو "على الدابة كالصلاة عليها" في الحكم الذي علمته "سواء كانت سائرة أو واقفة ولو" أوقفها و "جعل تحت المحمل خشبة" أو نحوها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المحمل: الهودج.

 

ص -155-     بقي قراره إلى الأرض كان بمنزلة الأرض فتصح الفريضة فيه قائما.
ــــــــــــــــــــ
"حتى بقي قراره" أي المحمل "إلى الأرض" بواسطة ما جعل تحته "كان" أي صار المحمل "بمنزلة الأرض فتصح الفريضة فيه قائما" لا قاعدا بالركوع والسجود.

فصل في الصلاة في السفينة
صلاة الفرض فيها وهي جارية قاعدا بلا عذر صحيحة عند أبي حنيفة بالركوع والسجود وقالا لا تصح إلا من عذر وهو الأظهر والعذر كدوران الرأس وعدم القدرة على الخروج ولا تجوز فيها بالإيماء اتفاقا والمربوطة في لجة البحر
ــــــــــــــــــــ
فصل في الصلاة في السفينة1
"صلاة الفرض" والواجب "فيها وهي جارية" حال كونه "قاعدا بلا عذر" به وهو يقدر على الخرج منها "صحيحة عند" الإمام الأعظم "أبي حنيفة" رحمه الله تعالى لكن "بالركوع والسجود" لا بالإيماء لأن الغالب في القيام دوران الرأس والغالب كالمتحقق لكن القيام فيها والخروج أفضل إن أمكنه لأنه أبعد عن شبهة الخلاف وأسكن لقلبه "وقالا" أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى "لا تصح" جالسا "إلا من عذر وهو الأظهر" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في السفينة فقال:
"صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق" وقال مثله لجعفر ولأن القيام ركن فلا يترك إلا بعذر محقق لا موهوم ودليل الإمام أقوى فيتبع لأن ابن سيرين قال صلينا مع أنس في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الجد وقال مجاهد صلينا مع جنادة رضي الله عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لقمنا وقال الزاهدي وحديث عمر وجعفر محمول على الندب فظهر قوة دليله لموافقة تابعيين ابن سيرين ومجاهد وصحابيين أنس وجنادة فيتبع قول الإمام رحمه الله تعالى "والعذر كدوران الرأس وعدم القدرة على الخروج ولا تجوز" أي لا تصح الصلاة "فيها بالإيماء" لمن يقدر على الركوع والسجود "اتفاقا" لفقد المبيح حقيقة وحكما "والمربوطة في لجة البحر" بالمراسي والجبال "و" مع ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للسفينة شبه بالدابة لأنها مركب البحر, وهذه مركب البر ولهذا الشبه سقط القيام كصلاة الدابة ولها شبه آخر بالأرض من حيث الجلوس عليها باستقرار, ولهذا وجب الركوع والسجود والاستقبال. وفي القيام خلاف عندنا كما ذكره.

 

ص -156-     وتحركها الريح شديدا كالسائرة وإلا فكالواقفة على الأصح وإن كانت مربوطة بالشط لا تجوز صلاته قاعدا بالإجماع فإن صلى قائما وكان شيء من السفينة على قرار الأرض صحت الصلاة وإلا فلا تصح على المختار إلا إذا لم يمكنه الخروج ويتوجه المصلي فيها الى القبلة عند افتتاح الصلاة وكلما استدارت عنها يتوجه إليها في خلال الصلاة حتى يتمها مستقبلا
ــــــــــــــــــــ
"تحركها الريح" تحريكا "شديدا" هي "كالسائرة" في الحكم الذي قد علمته والخلاف فيه "وإلا" أي وإن لم تحركها شديدا "فكالواقفة" بالشط "على الأصح و" الواقفة ذكرها مع حكمها بقوله "إن كانت مربوطة بالشط لا تجوز صلاته" فيها "قاعدا" مع قدرته على القيام لانتفاء المقتضي للصحة "بالإجماع" على الصحيح وهو احتراز عن قول بعضهم أنها أيضا على الخلاف "فإن صلى" في المربوطة بالشط "قائما وكان شيء من السفينة على قرار الأرض صحت الصلاة" بمنزلة الصلاة على السرير "وإلا" أي وإن لم يستقر منها شيء على الأرض "فلا تصح" الصلاة فيها "على المختار" كما في المحيط والبدائع لأنها حينئذ كالدابة. وظاهر الهداية والنهاية جواز الصلاة في المربوطة بالشط قائما مطلقا أي سواء استقرت بالأرض أو لا "إلا إذا لم يمكنه الخروج" بلا ضرر فيصلي فيها للحرج "و" إذا كانت سائرة "يتوجه المصلي فيها إلى القبلة" لقدرته على فرض الاستقبال "عند افتتاح الصلاة وكلما استدارت" السفينة "عنها" أي القبلة "يتوجه" المصلي باستدارتها "إليها" أي القبلة "في خلال الصلاة" وإن عجز يمسك عن الصلاة "حتى" يقدر إلى أن "يتمها مستقبلا" ولو ترك الاستقبال لا تجزئه في قولهم جميعا

فصل في التراويح
التراويح سنة .........................
ــــــــــــــــــــ
فصل: في صلاة التراويح
الترويحة1 الجلسة في الأصل ثم سميت بها الأربع ركعات التي آخرها الترويحة. روى الحسن عن أبي حنيفة صفتها بقوله "التراويح سنة" كما في الخلاصة وهي مؤكدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الترويحة المرة الواحدة من الراحة ومنها: الجلسة لأنها راحة للبدن, والأصل فيها ما رواه الشيخان عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بصلاته ناس كثير ثم صلى من القابلة فكثروا ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم, فلما أصبح قال:
"قد رأيت صنيعكم, فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم". وفي [الصحيحين]: عن عائشة: ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة وقد كان الناس يصلونها عشرين عدا الوتر وأفاد المحقق الكمال بن الهمام في [الفتح]: أن السنة إحدى عشرة ركعة وما زاده عمر فمستحب.

 

ص -157-     على الرجال والنساء وصلاتها بالجماعة سنة كفاية وقتها بعد صلاة العشاء ويصح تقديم الوتر على التراويح وتأخيره عنها ويستحب تأخير التراويح إلى ثلث الليل أو نصفه, .......
ــــــــــــــــــــ
كما في [الاختيار] وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر رضي الله عنه فقال: التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سنة عين مؤكدة "على الرجال والنساء" ثبتت سنيتها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله قال:
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقد واظب عليها عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث: "افترض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه" وفيه رد لقول بعض الروافض هي سنة للرجال دون النساء وقول بعضهم سنة عمر لأن الصحيح أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم والجماعة سنة فيها أيضا لكن على الكفاية بينه بقوله "وصلاتها بالجماعة سنة كفاية" لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة إحدى عشر ركعة بالوتر على سبيل التداعي ولم يجرها مجرى سائر النوافل ثم بين العذر في الترك وهو خشيته صلى الله عليه وسلم افتراضها علينا وقال الصدر الشهيد الجماعة سنة كفاية فيها حتى لو أقامها البعض في المسجد بجماعة وباقي أهل المحلة منفردا في بيته لا يكون تاركا للسنة لأنه يروي عن أفراد الصحابة للتخلف. وقال في المبسوط لو صلى إنسان في بيته لا يأثم فقد فعله ابن عمر وعروة وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع فدل فعل هؤلاء أن الجماعة في المسجد سنة على سبيل الكفاية إذ لا يظن بابن عمر ومن تبعه ترك السنة اه. وإن صلاها بجماعة في بيته فالصحيح أنه نال إحدى الفضيلتين فإن الأداء في المسجد له فضيلة ليس للأداء في البيت ذلك وكذا الحكم في الفرائض "ووقتها" ما "بعد صلاة العشاء" على الصحيح إلى طلوع الفجر
"و" لتبعيتها للعشاء "يصح تقديم الوتر على التراويح وتأخيره عنها" وهو أفضل حتى لو تبين فساد العشاء دون التراويح والوتر أعادوا العشاء ثم التراويح دون الوتر عند أبي حنيفة لوقوعها نافلة مطلقة بوقوعها في غير محلها وهو الصحيح وقال جماعة من أصحابنا منهم إسماعيل الزاهد أن الليل كله وقت لها قبل العشاء وبعده وقبل الوتر وبعده لأنها قيام الليل "ويستحب تأخير التروايح إلى" قبل "ثلث الليل أو" قبيل "نصفه" واختلفوا في أدائها بعد

 

ص -158-     ولا يكره تأخيرها إلى ما بعده على الصحيح وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات ويستحب الجلوس بعد كل أربع بقدرها وكذا بين الترويحة الخامسة والوتر وسن ختم القرآن فيها مرة في الشهر على الصحيح وإن مل به القوم قرأ بقدر ما لا يؤدي إلى تنفيرهم في المختار ولا يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل تشهد منها ولو مل القوم على المختار ولا يترك الثناء وتسبيح الركوع والسجود ولا يأتي بالدعاء
ــــــــــــــــــــ
النصف فقال بعضهم يكره لأنها تبع للعشاء فصارت كسنة العشاء "و" قال بعضهم "لا يكره تأخيرها إلى ما بعده" أي ما بعد نصف الليل "على الصحيح" لأن أفضل صلاة الليل آخره في حد ذاتها لكن الأحب أن لا يؤخر التراويح إليه خشية الفوات "وهي عشرون ركعة" بإجماع الصحابة رضي الله عنهم "بعشر تسليمات" كما هو المتوارث يسلم على رأس كل ركعتين فإذا وصلها وجلس على كل شفع فالأصح أنه إن تعمد ذلك كره وصحت وأجزأته عن كلها وإذا لم يجلس إلا في آخر أربع نابت عن تسليمة فتكون بمنزلة ركعتين في الصحيح "ويستحب الجلوس بعد" صلاة "كل أربع" ركعات "بقدرها وكذا" يستحب الجلوس يقدرها "بين الترويحة الخامسة والوتر" لأن المتوارث عن السلف وهذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله ولأن اسم التراويح ينبئ عن ذلك وهم مخيرون في الجلوس بين التسبيح والقراءة والصلاة فرادى والسكوت "وسن ختم القرآن فيها" أي التراويح "مرة في الشهر على الصحيح" وهو قول الأكثر رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله يقرأ فيكل ركعة عشر آيات أو نحوها وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يختم في رمضان إحدى وستين ختمة في كل يوم ختمة وفي كل ليلة ختمة وفي كل التروايح ختمة وصلى بالقرآن في ركعتين وصلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة "وإن مل به" أي بختم القرآن في الشهر "القوم قرأ بقدر ما لا يؤدي إلى تنفيرهم في المختار" لأن الأفضل في زماننا ما لا يؤدي إلى تنفير الجماعة كذا في الاختيار وفي المحيط الأفضل في زماننا أن يقرأ بما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة لأن تكثير القوم أفضل من تطويل القراءة وبه يفتى. وقال الزاهد يقرأ كما في المغرب أي بقصار المفصل بعد الفاتحة ويكره الاقتصار على دون ثلاث آيات أو آية طويلة بعد الفاتحة لترك الواجب "ولا يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل تشهد منها" لأنها سنة مؤكدة عندنا وفرض على قول بعض المجتهدين فلا تصح بدونها ويحذر من الهذرمة وترك الترتيل وترك تعديل الأركان وغيرها كما يفعله من لا خشية له "ولو مل القوم" بذلك "على المختار" لأنه عين الكسل منهم فلا يلتفت إليهم فيه "و" كذا "لا يترك الثناء" في افتتاح كل شفع "و" كذا "تسبيح الركوع والسجود" لا يترك لافتراضه عند البعض وتأكيد سنيته عندنا "ولا يأتي" الإمام "بالدعاء" عند السلام "إن

 

ص -159-     إن مل القوم ولا تقضى التراويح بفواتها منفردا ولا بجماعة.
ــــــــــــــــــــ
مل القوم" به ولا يتركه بالمرة فيدعو بما قصر تحصيلا للسنة "ولا تقضى التراويح" أصلا "بفواتها" عن وقتها "منفردا ولا بجماعة" على الأصح لأن القضاء من خصائص الواجبات وإن قضاها كانت نفلا مستحبا لا تراويح وهي سنة الوقت لا سنة الصوم في الأصح فمن صار أهلا للصلاة في آخر اليوم يسن له التراويح كالحائض إذا طهرت والمسافر والمريض المفطر.

باب الصلاة في الكعبة
صح فرض ونفل فيها وكذا فوقها وإن لم يتخذ سترة لكنه مكروه لإساءة الأدب باستعلائه عليها ومن جعل ظهره الى غير وجه إمامه فيها أو فوقها صح وإن جعل ظهره إلى وجه إمامه لا يصح وصح الاقتداء خارجها بإمام فيها والباب مفتوح وإن تحلقوا حولها والإمام خارجها
ــــــــــــــــــــ
باب الصلاة في الكعبة
قدمنا من شروط الصلاة استقبال القبلة وهي الكعبة والشرط استقبال جزء من بقعة الكعبة أو هوائها لأن القبلة اسم لبقعة الكعبة المحدودة وهو أنها إلى عنان السماء عندنا كما في العناية وليس بناؤها قبلة ولذا حين أزيل البناء صلى الصحابة رضي الله عنهم إلى البقعة ولم ينقل عنهم أنهم اتخذوا سترة فلذا "صح فرض ونفل فيها" أي في داخلها إلى أي جزء منها توجه لقوله تعالى
{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} الآية. لأن الأمر بالتطهير للصلاة فيه ظاهر في صحتها فيه "وكذا" صح فرض ونفل "فوقها وإن لم يتخذ" مصليهما "سترة" لما ذكرنا "لكنه مكروه" له الصلاة فوقها "لإساءة الأدب باستعلائه عليها" وترك تعظيمها "ومن جعل ظهره إلى غير وجه أمامه فيها أو فوقها" بأن كان وجهه إلى ظهر إمامه وإلى جنب إمامه أو ظهره إلى جنب إمامه أو ظهره إلى ظهر إمامه أو جنبيه إلى وجه إمامه أو جنبيه إلى جنب إمامه متوجها إلى غير جهته أو وجهه إلى وجه إمامه "صح" اقتداؤه في هذه الصور السبع إلا أنه يكره إذا قابل وجهه وجه إمامه وليس بينهما حائل لما تقدم من كراهته لشبهه عبادة الصور وكل جانب قبلة والتقدم والتأخر إنما يظهر عنه اتحاد الجهة وهي مختلفة في جوف الكعبة وقوله "وإن جعل ظهره إلى وجه إمامه لا يصح" اقتداؤه تصريح بما علم التزاما من السابق لإيضاح الحكم وذلك لتقدمه على إمامه "وصح" الاقتداء لمن كان "خارجها بإمام فيها" أي في جوفها سواء كان معه جماعة فيها أو لم يكن "والباب مفتوح" لأن كقيامه في المحراب في غيرها من المساجد والقيد بفتح الباب اتفاقا فإذا سمع التبليغ والباب مغلق لا مانع من صحة الاقتداء كما تقدم "وإن تحلقوا حولها والإمام" يصلي "خارجها

 

ص -160-     صح إلا لمن كان أقرب إليها في جهة إمامه.
ــــــــــــــــــــ
صح" اقتداء جميعهم "إلا" أنه لا يصح "لمن كان أقرب إليها" من إمامه وهو "في جهة إمامه لتقدمه على إمامه وأما من كان أقرب إليها من إمامه وليس في جهته فاقتداؤه صحيح لأن التقدم والتأخر لا يظهر إلا عند اتحاد الجانب المتوجه إليه كل منهما

باب صلاة المسافر
أقل سفر تتغير به الأحكام .................
ــــــــــــــــــــ
باب صلاة المسافر1
من باب إضافة الشرط إلى شرطه ويقال إلى محله أو الفعل إلى فاعله والسفر في اللغة قطع المسافة وفي الشرع مسافة مقدرة بسير مخصوص بينه بقوله "أقل" مدة "سفر تتغير به" أي السفر "الأحكام" وهي لزوم قصر الصلاة كرخصة الإسقاط. واعلم أن الرخصة على قسمين رخصة حقيقية ورخصة مجازية وتسمى رخصة ترفيه مثل الفطر وإجراء كلمة الكفر للإكراه والثانية مثل الإكراه على شرب الخمر وقصر الصلاة في السفر فالأولى العبد مخير بين ارتكاب الرخصة والعمل بالعزيمة فيثاب والثانية لا تخيير له لتعين الفعل فيها بالرخصة وسقوط العزيمة2 فلا يتضمن إكمال الصلاة ثوابا لأن الثواب في فعل العبد ما عليه ولو بالتخيير بينه وبين ما هو أيسر منه كلابس الخف فإنه مخير بين إبقائه والمسح وبين قلعه والغسل وأما الصلاة في السفر فليست إلا ركعتين من الرباعية فإذا صلاهما لم يبق عليه شيء فلا ثواب له في الإكمال أربعا لمخالفته المفروض عليه عينا وإساءته بتأخير السلام وظنه فرضية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للمسافر سفرا شرعيا أحكام يخالف فيها المقيم, وهي: لزوم قصر الصلوات الرباعية, وإباحة الفطر في رمضان, وامتداد مدة المسح ثلاثة أيام, وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والأضحية, وحرمة الخروج على الحرة بغير زوج أو محرم. وما في [سبيل الفلاح]: من أن المسافر يباح له التنفل على الدابة دون المقيم فسهو, فشرط جواز التنفل على الدابة أن يكون خارج العمران ولو لم يك مسافرا بأن خرج لقضاء حاجة.
2 العزيمة: ما شرع أول الأمر لغير عذر كالأربع للمقيم , وقد تسمى حينا رخصة إسقاط على المجاز لأنها مسقطة للحكم أصلا لا إلى بدل كصلاة المسافر فإن فرضه ركعتان , والشفع الثاني سقط عنه لا يقضيه بعد الإقامة, ولا يتضمن الإكمال فضل ثواب لأن تمام الثواب في فعله جميع ما عليه وقد أتى به كالمقيم.
والرخصة: وتطلق حقيقة على رخصة الترفيه: كفطر المسافر في رمضان مع وجوب القضاء في ذمته, وفيها يجوز له فعل العزيمة ويثاب عليه. وهذه كما علمت مبنية على أعذار العباد وفيها يتغير الحكم من عسر إلى يسر ويصح له فعل العزيمة.

 

ص -161-     مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة بسير وسط مع الاستراحات والوسط سير الإبل ومشي الأقدام في البر وفي الجبل بما يناسبه وفي البحر اعتدال الريح فيقصر الفرض الرباعي
ــــــــــــــــــــ
الزائدتين ولا ثواب له بالصبر على القتل وعدم شربه الخمر بالإكراه بل يأثم بصبره وتسمية هذه وتسمية القصر في السفر رخصة مجاز لأن الرخصة الحقيقية يثبت معها الخيار للعبد بين الإقدام على الرخصة وبين الإتيان بالعزيمة كالمسح على الخف كما ذكرناه والفطر في رمضان وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والأضحية ولا تخيير له بين شرب الخمر مكرها وصبره على قتله ولا بين إكمال الصلاة الرباعية وقصره بالسفر "مسيرة ثلاثة أيام من أقصر1 أيام السنة" وقدر بالأيام دون المراحل والفراسخ وهو الأصح "بسير وسط" نهارا لأن الليل ليس محلا للسير بل للاستراحة ولا بد أن يكون السير نهارا "مع الاستراحات" فينزل المسافر فيه للأكل والشرب وقضاء الضرورة والصلاة ولأكثر النهار حكم كله فإذا خرج قاصدا محلا وبكر في اليوم الأول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل فيها للاستراحة وبات فيها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في الثالث وسار إلى الزوال فبلغ المقصد قال شمس الأئمة السرخسي الصحيح أنه مسافر "و" اعتبر السير "الوسط" وهو "سير الإبل ومشي الأقدام في البر" يعتبر "في الجبل بما يناسبه" لأنه يكون صعودا أو هبوطا ومضيقا ووعرا فيكون مشي الإبل والأقدام فيه دون سيرهما في السهل فإذا قطع بذلك السير مسافة ليست ببعيدة من ابتداء اليوم ونزل بعد الزوال احتسبه على نحو ما قدمناه يوما فإذا بات ثم أصبح وفعل كذلك إلى ما بعد الزوال ثم نزل كان يوما ثانيا ولا يعتبر أعجل السير وهو سير البريد2 ولا أبطأ السير وهو مشي العجلة التي تجرها مع الدواب فإن خير الأمور أوساطها وهو هنا سير الإبل والأقدام كما ذكرناه"وفي البحر" يعتبر "اعتدال الريح" على المفتى به فإذا سار أكثر اليوم به كان ككله وإن كانت المسافة دون ما في السهل "فيقصر" المسافر "الفرض" العلمي "الرباعي" فلا قصر للثنائي والثلاثي ولا للوتر فإنه فرض عملي ولا في السنن فإن كان في حال نزول وقرار وأمن يأتي بالسنن وإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بعض الحنفية قدرها بخمسة عشر فرسخا والفرسخ: ثلاثة أميال وربع الميل, والميل4000 أربعة ىلاف ذراع فلكي, والذراع الفلكي 3/468 سم ثلاثة أثمان وستة وأربعون سنتيمترا, فيكون الميل 1855 مترا خمسا وخمسين وثمانمائة وألف متر, وعن الإمام أنها مقدرة بثلاث مراحل. وعلى تقدير الكتاب تبلغ المسافة في مصر وما سواها عرضا سبع ساعات إلا ربعا, فمجموع الثلاثة أيام عشرون ساعة وربع ساعة, وفي دليل المسافر قدرها: 81000 متر في الطريق السهل وتختلف عن ذلك في الوعر.
2 البريد: البغل. العجلة: آلة يجرها الثور كما في [المختار].

 

ص -162-     من نوى السفر ولو كان عاصيا بسفره إذا جاوز بيوت مقامه وجاوز أيضا ما اتصل به من فنائه وإن انفصل الفناء بمزرعة أو قدر غلوة لا يشترط مجاوزته  والفناء المكان المعد لمصالح البلد كركض الدواب ودفن الموتى ويشترط لصحة نية السفر ثلاثة أشياء الاستقلال بالحكم والبلوغ وعدم نقصان مدة السفر عن ثلاثة أيام فلا يقصر من لم يجاوز عمران مقامه أو جاوز وكان صبيا أو تابعا لم ينو متبوعة السفر كالمرأة مع زوجها والعبد ..................
ــــــــــــــــــــ
كان سائرا أو خائفا فلا يأتي بها وهو المختار - قالت عائشة رضي الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر إلا المغرب فإنها وتر النهار والجمعة لمكانتها من الخطبة والصبح لطول قراءتها - وعندنا يقصر "من نوى السفر ولو كان عاصيا بسفره" كأبق من سيده وقاطع طريق لإطلاق نص الرخصة "إذا جاوز بيوت مقامه" ولو بيوت الأخبية من الجانب الذي خرج منه ولو حاذاه في أحد جانبيه فقط لا يضره "و" يشترط أن يكون قد "جاوز" أيضا "ما اتصل به" أي بمقامه "من فنائه" كما يشترط مجاوزة ربضه وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر وكذا القرى المتصلة بربض يشترط مجاوزتها في الصحيح "وإن انفصل البناء بمزرعة أو" فضاء "قدر غلوة" وتقدم أنها من ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة "لا يشترط مجاوزته" أي الفناء وكذا لو اتصلت القرية بالفناء لا بالربض لا يشترط مجاوزتها بل مجاوزة الفناء كذا في قاضيخان ويخالفه ما في النهاية والفتاوى الولوالجية والتجنيس والمزيد ونصها. يقصر بخروجه عن عمران المصر ولا يلحق فناء المصر بالمصر في حق السفر ويلحق الفناء بالمصر لصحة صلاة الجمعة من مصالح المصر وفناء المصر ملحق بالمصر فيما هو من حوائج المصر وأداء الجمعة منها وقصر الصلاة ليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق فناء المصر بالمصر في حق هذا الحكم أي قصر الصلاة "والفناء المكان المعد لمصالح البلد كركضي الدواب ودفن الموتى" وإلقاء التراب ولا تعتبر البساتين من عمران المدينة وإن كانت متصلة ببنائها ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها ولا تعتبر سكنى الحفظة وإلا كرة اتفاقا "ويشترط لصحة نية السفر ثلاثة أشياء: الاستقلال1 بالحكم و" الثاني "البلوغ و" الثالث "عدم نقصان مدة السفر عن ثلاثة أيام فلا يقصر من لم يجاوز عمران مقامه أو جاوز" العمران ناويا "و" لكن "كان صبيا أو تابعا لم ينومتبوعه السفر" والتابع "كالمرأة مع زوجها" وقد أوفاها معجل مهرها وإن لم يوفها لم تكن تبعا له ولو دخل بها لأنها يجوز لها منعه من الوطء والإخراج للمهر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى "والعبد" غير المكاتب فيشمل أم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الانفراد بحكم نفسه بحيث لا يكون تابعا لغيره في حكمه.

 

ص -163-     مع مولاه والجندي مع أميره أو ناويا دون الثلاثة وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل دون التبع إن علم نية المتبوع في الأصح والقصر عزيمة عندنا فإذا أتم الرباعية وقعد القعود الأول صحت صلاته مع الكراهة وإلا فلا تصح إلا إذا نوى الإقامة لما قام للثالثة ولا يزال يقصر حتى يدخل مصره أو ينوي إقامته نصف شهر ببلد أو قرية وقصر إن نوى أقل منه أو لم ينو وبقي سنين ولا تصح نية الإقامة ببلدتين لم يعين المبيت بإحداهما .............
ــــــــــــــــــــ
الولد والمدبر "مع مولاه والجندي مع أميره إذا كان يرتزق منه والأجير مع المستأجر والتلميذ مع أستاذه والأسير والمكره مع من أكرهه على السفر والأعمى مع المتبرع بقوده وإن كان أجيرا فالعبرة لنية الأعمى "أو" كان "ناويا دون الثلاثة" الأيام لأن ما دونها لا يصير به مسافرا شرعا "وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل" كالزوج والمولى والأمير "دون التبع" كالمرأة والعبد والجندي "إن علم" التبع "نية المتبوع في الأصح" فلا يلزمه الإتمام بنية الأصل والإقامة حتى يعلم كما في توجه الخطاب الشرعي الوكيل حتى لو صلى مخالفا له قبل علمه صحت في الأصح "والقصر عزيمة عندنا" لما قدمناه "فإذا أتم الرباعية و" الحال أنه "قعد القعود الأول" قدر التشهد "صحت صلاته" لوجود الفرض في محله وهو الجلوس على الركعتين وتصير الأخريان نافلة له "مع الكراهة" لتأخير الواجب وهو السلام عن محله إن كان عامدا فإن كان ساهيا يسجد للسهو "وإلا" أي وإن لم يكن قد جلس قدر التشهد على رأس الركعتين الأوليين "فلا تصح" صلاته لتركه فرض الجلوس في محله واختلاط النفل بالفرض قبل كماله "إلا إذا نوى الإقامة لما قام للثالثة" في محل تصح الإقامة فيه لأنه صار مقيما بالنية فانقلب فرضه أربعا وترك واجب القعود الأول لا يفسد وكذا لو قرأ في ركعة لأنه أمكنه تدارك فرض القراءة في الأخريين بنية الإقامة "ولا يزال" المسافر الذي استحكم سفره بمضي ثلاثة أيام مسافرا "يقصر حتى يدخل مصره"1 يعني وطنه الأصلي "أو ينوي إقامته نصف شهر ببلد أو قرية" قدره ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وإذا لم يستحكم سفره بأن أراد الرجوع لوطنه قبل مضي ثلاثة أيام يتم بمجرد الركوع وإن لم يصل لوطنه لنقضه السفر لأنه ترك بخلاف السفر لا يوجد بمجرد النية حتى يسير لأنه فعل "وقصر إن نوى أقل منه" أي من نصف شهر "أو لم ينو" شيئا "وبقي" على ذلك "سنين" وهو ينوي الخروج في غذ أو بعد جمعة لأن علقمة بن قيس مكث كذلك بخوارزم سنتين يقصر الصلاة "ولا تصح نية الإقامة ببلدتين لم يعين المبيت بإحداهما" وكل واحدة أصل بنفسها وإذا كانت تابعة كقرية يجب على ساكنها الجمعة تصح الإقامة بدخول أيتهما وكذا تصح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يدخله للإقامة أو لحاجة فيها ونحو ذلك.

 

ص -164-     ولا في مفازة لغير أهل الأخبية ولا لعسكرنا بدار الحرب ولا بدارنا في محاصرة أهل البغي
وإن اقتدى مسافر بمقيم في الوقت صح وأتمها أربعا وبعده لا يصح وبعكسه صح فيهما وندب للإمام أن يقول أتموا صلاتكم فإني مسافر وينبغي أن يقول ذلك قبل شروعه في الصلاة ولا يقرأ المقيم فيما يتمه بعد فراغ إمامه المسافر في الأصح وفائته السفر والحضر تقضى ركعتين وأربعا
ــــــــــــــــــــ
إذا عين المبيت بواحدة من البلدتين لأن الإقامة تضاف لمحل المبيت "ولا" تصح نية الإقامة "في مفازة1 لغير أهل الأخبية" لعدم صلاحية المكان في حقه والأخبية جمع خبا بغير همزة مثل كسا وأكسية: بيت من وبر أو صوف والمراد ما هو أعم من ذلك وأما أهل الأخبية فتصح نيتهم الإقامة في الأصح في المغارة "ولا" تصح نية الإقامة "لعسكرنا بدار الحرب" ولو حاصروا مصرا لمخالفة حالهم بالتردد بين القرار والفرار
"ولا" تصح نية الإقامة لعسكرنا "بدارنا في" حال "محاصرة أهل البغي"2 للتردد كما ذكرنا ولو كانت الشوكة ظاهرة لنا عليهم "وإن اقتدى مسافر بمقيم" يصلي رباعية ولو في التشهد الأخير "في الوقت صح" اقتداؤه "وأتمها أربعا" تبعا لإمامه واتصال المغير بالسبب الذي هو الوقت ولو خرج الوقت قبل إتمامه أو ترك الإمام القعود الأول في الصحيح "وبعده" أي بعد خروج الوقت "لا يصح" اقتداء المسافر بالمقيم ولو كان إحرام المقيم قبل خروج الوقت لأن فرضه لا يتغير بعد خروجه "وبعكسه" بأن اقتدى مقيم بمسافر "صح" الاقتداء "فيهما" أي في الوقت وفيما بعد خروجه لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأهل مكة وهو مسافر وقال
"أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" وقعوده فرض أقوى من الأول في حق المقيم ويتم المقيمون منفردين بلا قراءة ولا سجود سهو ولا يصح الاقتداء بهم "وندب للإمام" بعد التسليمتين في الأصح وقيل بعد التسليمة الأولى "أن يقول أتموا صلاتكم فإني مسافر" كما روينا وإنما كان مندوبا لأنه لم يتعين مصرفا لحال الأمام لجواز السؤال قبل الصلاة أو بعد إتمامهم صلاتهم "وينبغي أن يقول" لهم الإمام "ذلك قبل شروعه في الصلاة" لدفع الاشتباه ابتداء "ولا يقرأ" المؤتم "المقيم فيما يتمه بعد فراغ إمامه المسافر في الأصح" لأنه أدرك مع الإمام أول صلاته وفرض القراءة قد تأدى بخلاف المسبوق "وفائتة السفر و" فائتة "الحضر تقضى ركعتين وأربعا" فيه لف ونشر مرتب لأن القضاء بحسب الأداء بخلاف فائتة المريض والقوي فإن المريض إذا برأ يقضي بالركوع والسجود وإذا مرض يقضي بالإيماء فائتة الصحة لسقوط الركوع والسجود بالعذر ولزومهما بالقدرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المفازة الصحراء ومثلها الجزيرة وأهل الخيبة: العرب الذين يتخذون الخيام بيوتا لهم في المفازة.
2 أهل البغي: جماعة من المسلمين تخرج عن طاعة إمامهم.

 

ص -165-     والمعتبر فيه آخر الوقت. ويبطل الوطن الأصلي بمثله فقط ويبطل وطن الإقامة بمثله و بالسفر وبالأصلي والوطن الأصلي هو الذي ولد فيه أو تزوج أو لم يتزوج وقصد التعيش لا الارتحال عنه ووطن الإقامة موضع نوى الإقامة فيه نصف شهر فما فوقه ولم يعتبر المحققون وطن السكنى وهو ما ينوي الإقامة فيه دون نصف شهر.
ــــــــــــــــــــ
حال القضاء "والمعتبر فيه" أي لزوم الأربع بالحضر والركعتين بالسفر "آخر الوقت" فإن كان في آخره مسافرا صلى ركعتين وإن كان مقيما صلى أربعا لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء فيما قبله من الوقت فتلزمه الصلاة لو صار أهلا لها في آخر الوقت ببلوغ وإسلام وإفاقة من جنون وإغماء وطهر من حيض ونفاس وتسقط بفقد الأهلية فيه بجنون وإغماء ممتد ونفاس وحيض "ويبطل الوطن الأصلي بمثله فقط" أي لا يبطل بوطن الإقامة ولا بالسفر لأن الشيء لا يبطل بما دونه بل هو مثله أو فوقه ولا يشترط تقدم السفر لثبوت الوطن الأصلي إجماعا ولا لوطن الإقامة في ظاهر الرواية وإذا لم ينقل أهله بل استحدث أهلا في بلدة أخرى فلا يبطل وطنه الأول وكل منهما وطن أصلي له "ويبطل وطن الإقامة بمثله و" يبطل أيضا "ب" إنشاء "السفر" بعده "وب" العود للوطن "الأصلي" لما ذكرنا "والوطن الأصلي هو الذي ولد فيه" الإنسان "أو تزوج" فيه "أو لم يتزوج" ولم يولد فيه "و" لكن "قصد التعيش لا الارتحال عنه ووطن الإقامة موضع" صالح لها على ما قدمناه وقد "نوى الإقامة فيه نصف شهر فما فوقه" وفائدة هذا أن يتم الصلاة إذا دخله وهو مسافر قبل بطلانه "ولم يعتبر المحققون وطن السكنى وهو ما" أي موضع "ينوي الإقامة فيه دون نصف شهر" وكان مسافرا فلا يبطل به وطن الإقامة ولا يبطل السفر.

باب صلاة المريض
إذا تعذر على المريض كل القيام أو تعسر بوجود ألم شديد أو خاف ............
ــــــــــــــــــــ
باب صلاة المريض
من إضافة الفعل إلى فاعله والمرض حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي "إذا تعذر1 على المريض كل القيام" وهو الحقيقي ومثله الحكمي ذكره فقال "أو تعسر" كل القيام "بوجود ألم شديد أو خاف" بأن غلب على ظنه بتجربة سابقة أو إخبار طبيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفرق بين التعذر والتعسر أن الأول: مالا يمكن الإتيان به أصلا, والثاني: ما يمكن بمشقة زائدة.

 

ص -166-     زيادة المرض أو بطأه به صلى قاعدا بركوع وسجود ويقعد كيف شاء في الأصح وإلا قام بقدر ما يمكنه وإن تعذر الركوع والسجود صلى قاعدا بالإيماء وجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع فإن لم يخفضه عنه لا تصح ولا يرفع لوجهه شيء يسجد عليه, .......
ــــــــــــــــــــ
مسلم حاذق أو ظهور الحال "زيادة المرض أو" خاف "بطأه" أي طول المرض "به" أي بالقيام "صلى قاعدا بركوع وسجود" لما روى عن عمران بن الحصين قال كان بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال:
"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" زاد النسائي "فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"1 "ويقعد كيف شاء" أي كيف يتيسر له بغير ضرر من تربع أو غيره "في الأصح" من غير كراهة كذا روي عن الإمام للعذر "وإلا" بأن قدر على بعض القيام "قام بقدر ما يمكنه" بلا زيادة مشقة ولو بالتحريمة وقراءة آية وإن حصل به ألم شديد يقعد ابتداء كما لو عجز وقعد ابتداء هو المذهب الصحيح لأن الطاعة بحسب الطاقة "وإن تعذر الركوع والسجود" وقدر على القعود ولو مستندا "صلى قاعدا بالإيماء" للركوع والسجود برأسه ولا يجزيه مضجعا "وجعل إيماءه" برأسه "للسجود أخفض من إيمائه" برأسه "للركوع" وكذا لو عجز عن السجود وقدر على الركوع يومئ بهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فرمى به وقال: "صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك" "فإن لم يخفضه" أي الإيماء للسجود "عنه" أي عن الإيماء للركوع بأن جعلهما على حد سواء "لا تصح" صلاته لفقد السجود حقيقة وحكما مع القدرة "ولا يرفع" بالبناء للمجهول "لوجهه شيء" كحجر وخشبة "يسجد عليها" لما قدمناه ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن يسجد فليسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه وليكن في ركوعه وسجوده يومئ برأسه" ورواه الطبراني وقال في المجتبى كانت كيفية الإيماء بالركوع والسجود مشتبهة على أنه يكفي بعض الانحناء أم أقصى ما يمكن فظفرت على الرواية فإنه ذكر شيخ الإسلام المومئ إذا خفض رأسه للركوع شيئا جاز ا ه. وفي شرح المقدسي مريض عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة يجوز وقال ابن الفضل لا يجوز لأنه لم يوجد منه الفعل. ا ه. فحقيقة الإيماء طأطأة الرأس انتهت عبارته وقال أبو بكر إذا كان بجبهته وأنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه وهذا نص في الباب كما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه دليل على يسر الشريعة وتمشيها مع ظروف الإنسان كما فيه دليل على عظم منزلة الصلاة حيث لم تسقط لعذر المرض ولم تؤخر إلى حين البرء.

 

ص -167-     فإن فعل وخفض رأسه صح وإلا لا وإن تعسر القعود أومأ مستلقيا أو على جنبه والأول أولى ويجعل تحت رأسه وسادة ليصير وجهه الى القبلة لا السماء وينبغي نصب ركبتيه إن قدر حتى لا يمدهما الى القبلة وإن تعذر الإيماء أخرت عنه ما دام يفهم الخطاب قال في الهداية هو الصحيح وجزم صاحب الهداية في التجنيس والمزيد بسقوط القضاء إذا دام عجزه عن الإيماء أكثر من خمس صلوات وإن كان يفهم الخطاب وصححه قاضيخان ومثله في المحيط واختراه شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقال في الظهيرية هو ظاهر الرواية وعليه الفتوى .............
ــــــــــــــــــــ
في [معراج الدراية] "فإن فعل" أي وضع شيئا فسجد عليه "وخفض رأسه" للسجود عن إيمائه للركوع "صح" أي صحت صلاته لوجود الإيماء لكن مع الإساءة لما روينا. وقيل هو سجود كذا في الغابة ويفعل المريض في صلاته من القراءة والتسبيح والتشهد ما يفعله الصحيح وإن عجز عن ذلك تركه كما في التتارخانية عن التجريد "وإلا" أي وإن لم يخفض رأسه للسجود أنزل عن الركوع بأن جعلها سواء "لا" تصح صلاته لترك فرض الإيماء للسجود كما لو فعل ذلك من غير رفع شيء كما تقدم بيانه "وإن تعسر القعود" فلم يقدر عليه متكئا ولا مستندا إلى حائط أو غيره بلا ضرر "أومأ مستلقيا" على قفاه "أو على جنبه" والأيمن أفضل من الأيسر ورد به الأثر "والأول" وهو الاستلقاء على قفاه "أولى" من الجنب الأيمن إن تيسر بلا مشقة لحديث:
"فإن لم يستطع فعلى قفاه" ولأن التوجه للقبلة فيه أكثر ولو قدر على القعود مستندا فتركه لم تجز على المختار وقدمنا جواز التوجه لما قدر عليه بلا عسر وسقوط التوجه إلى القبلة بعذر المرض ونحوه "و" المستلقي "يجعل تحت رأسه وسادة" أو نحوها "ليصير وجهه إلى القبلة لا" إلى "السماء" وليتمكن من الإيماء إذ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء بهما فكيف بالمرضى "وينبغي" للمريض "نصب ركبتيه إن حتى لا يمدهما" فيمتد برجليه "إلى القبلة" وهو مكروه للقادر على من الامتناع منه "وإن تعذر الإيماء" برأسه "أخرت عنه" الصلاة القليلة وهي صلاة يوم وليلة فما دونها اتفاقا وأما إن زادت على يوم وليلة "مادام يفهم" مضمون "الخطاب" فإنه يقضيها في رواية "قال في الهداية" والمستصفى "هو الصحيح و" قد "جزم صاحب الهداية" مخالفة لها "في" كتابه "التجنيس والمزيد بسقوط القضاء إذا دام عجزه عن الإيماء" برأسه "أكثر من خمس صلوات وإن كان يفهم" مضمون "الخطاب" كالمغمى عليه اه وصححه قاضي غنى و "قاضيخان" قال هو الأصح لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب. أهو قال الكمال "ومثله" أي مثل تصحيح قاضيخان "في المحيط واختاره شيخ الإسلام" خواهر ؟ ؟ زاده "وفخر الإسلام" السرخي ا ه "وقال في [الظهيرية] هو ظاهر الراوية وعليه الفتوى" كذا في [معراج

 

ص -168-     وفي الخلاصة هو المختار وصححه في الينابيع والبدائع وجزم به الولو الجي رحمهم الله
ولم يوم بعينه وقلبه وحاجبه وإن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قاعدا بالإيماء وإن عرض له مرض يتمها بما قدر ولو بالإماء في المشهور ولو صلى قاعدا يركع ويسجد فصح بنى ولو كان موميا لا ومن جن أو أغمي عليه خمس صلوات قضى ولو أكثر لا.
ــــــــــــــــــــ
الدراية] "وفي [الخلاصة] هو المختار وصححه في الينابيع" قال هو الصحيح كما في التتارخانية "والبدائع وجزم به الولوالجي" والفتاوى الصغرى وفي شرح الطحاوي لو عجز عن الإيماء وتحريك الرأس سقطت عنه الصلاة والعبرة في اختلاف الترجيح بما عليه الأكثر وهم القائلون بالسقوط هنا "رحمهم الله" أجمعين وأعاد علينا من بركاتهم ومددهم "و" من عجز عن الإيماء برأسه "لم يوم" أي لم يصح إيماؤه "بعينه و" لا "بقلبه و" لا "حاجبه" لأن السجود لأن السجود تعلق بالرأس دون العين والحجب والقلب فلا ينتقل إليها خلفه كاليد لقوله صلى الله عليه وسلم:
"يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه" وقد اختلفوا في معنى قوله عليه الصلاة: "فالله أحق بقبول العذر منه" فمنهم من فسره بقبول عذر التأخير فقال بلزوم القضاء ومنهم من فسره بقبول عذر الإسقاط فقال بعدم القضاء وهم الأكثرون وقد علمتهم "وإن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قاعدا بالإيماء" وهو أفضل من إيمائه قائما ويسقط الركوع عمن عجز عن السجود وإن قدر على الركوع لأن القيام وسيلة إلى السجود فإذا فات المقصود بالذات لا يجب ما دونه وإذا استمسك عذره بالقعود ويسيل بالقيام أو يستمسك بالإماء ويسيل بالسجود ترك القيام والسجود وصلى قاعدا وموميا ولو عجز عن القيام بخروجه للجماعة وقدر عليه في بيته اختلف الترجيح "وإن" افتتح صلاته صحيحا و "عرض له مرض" فيها "يتمها بما قدر ولو" أتمها "بالإيماء في المشهور" وهو الصحيح لأن أداء بعضها بالركوع والسجود أولى من الإبطال وأدائها كلها بعده بالإيماء "ولو صلى" المريض "قاعدا يركع ويسجد فصح بنى" لأن البناء كالاقتداء فيصح عندهما خلافا لمحمد وفي قوله صلى إشارة إلى أنه لو قدر قبل الركوع والسجود بنى اتفاقا لعدم بناء قوي على ضعيف "ولو كان" قد أدى بعضها "موميا" فقدر على الركوع والسجود ولو قاعدا "لا" يبنى لما فيه من بناء القوي على الضعيف وكذا يستأنف من قدر على القعود للإيماء وكان يومئ مضطجعا على المختار "ومن جن" بعارض سماوي "أو أغمي عليه" ولو بفزع من سبع أو آدمي واستمر به "خمس صلوات قضى" تلك الصلوات "ولو" كانت "أكثر" بأن خرج وقت السادسة "لا" يقضي ما فاته كذا عن ابن عمر في الإغماء والجنون مثله هو الصحيح.

 

ص -169-     فصل في إسقاط الصلاة والصوم
اذا مات المريض ولم يقدر على الصلاة بالإيماء لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت وكذا الصوم إن أفطر فيه المسافر والمريض ومانا قبل الإقامة والصحة وعليه الوصية بما قدر عليه وبقي بذمته فيخرج عنه وليه من ثلث ما ترك, ..........................
ــــــــــــــــــــ
فصل في إسقاط الصلاة والصوم1 وغيرهما
"إذا مات المريض ولم يقدر على" أداء "الصلاة بالإيماء" برأسه "لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت" بنقصها عن صلاة يوم وليلة لما رويناه لعدم قدرته على القضاء بإدراك زمن له على قول من يفسر قبول العذر بجواز التأخير ومن فسره بالسقوط ظاهر "وكذا" حكم "الصوم" في شهر رمضان "إن أفطر فيه المسافر والمريض وماتا قبل الإقامة" للمسافر "و" قبل "الصحة" للمريض لعدم إدراكهما
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فلا يلزمهما الإيصاء به "و" لزم "عليه" يعني على من أفطر في رمضان ولو بغير عذر "الوصية بما" أي بفدية ما "قدر عليه" من إدراك عدة من أيام أخر إن أفطر بعذر وإن لم يدرك عدة من أيام أخر إن أفطر بدون عذر لزمه بجميع ما أفطره لأن التقصير منه لكنه يرجى له العفو بفضل الله بفدية ما لزمه "وبقي بذمته" حتى أدركه الموت من صوم فرض وكفارة وظهار وجناية على إحرام ومنذور "فيخرج عنه وليه" أي من له التصرف في حاله لوراثة أو وصاية "من ثلث ما ترك" الموصي لأن حقه في ثلث ماله حال مرضه وتعلق حق الوارث بالثلثين فلا ينفذ قهرا على الوارث إلا في الثلث إن أوصى به وإن لم يوص لا يلزم الوارث الإخراج فإن تبرع جاز كما سنذكره وعلى هذا دين صدقة الفطر أو النفقة الواجبة والخراج والجزية والكفارات المالية والوصية بالحج والصدقة المنذورة والاعتكاف المنذور عن صومه لا عن اللبث في المسجد وقد لزمه وهو صحيح ولم يعتكف حتى أشرف على الموت كان عليه أن يوصي لصوم اعتكاف كل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد النص في الصوم بإسقاطه بالفدية، والحنفية يرون أن الصلاة كالصوم استحسانا لكونها أهم منه. وغيرهم يرى ألا كفارة للصلاة إلا قضاؤها، فمن مات وعليه صلوات لا يكفي في إسقاطها الإطعام، لحديث أنس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" أخرجه السبعة إلا الطحاوي، فقوله: "لا كفارة لها إلا ذلك" أي: قضاؤها، وهو يدل على أنه لا يكفي الإطعام، فقياسها على الصوم معارض للنص. والحنفية مع قولهم بذلك يرجون القبول والشفاعة.

 

ص -170-     لصوم كل يوم ولصلاة كل وقت حتى الوتر نصف صاع من بر أو قيمته وإن لم يوص وتبرع عنه وليه جاز ولا يصح أن يصوم ولا أن يصلي عنه وإن لم يف ما أوصى به عما عليه يدفع ذلك المقدار للفقير فيسقط عن الميت بقدره ثم يهبه الفقير للولي ويقبضه ثم يدفعه للفقير فيسقط بقدره ثم يهبه الفقير للولي ويقبضه ثم يدفعه الولي للفقير، ............
ـــــــــــــــ
يوم بنصف صاع من ثلث ماله وإن كان مريضا وقت الإيجاب ولم يبرأ حتى مات فلا شيء عليه فإذا لم يف به الثلث توقف الزائد على إجازة الوارث فيعطي "لصوم كل يوم" طعام مسكين لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين" "و" كذا يخرج "لصلاة كل وقت" من فروض اليوم والليلة "حتى الوتر" لأنه فرض عملي عند الإمام وقد ورد النص في الصوم والصلاة كالصيام باستحسان المشايخ لكونها أهم واعتبار كل صلاة بصوم يوم هو الصحيح وقيل فدية جميع صلوات اليوم الواحد كفدية صوم يوم والصحيح أن لكل صلاة فدية هي "نصف صاع من بر" أو دقيقه أو سويقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير "أو قيمته" وهي "أفضل لتنوع حاجات الفقير "وإن لم يوص وتبرع عنه وليه" أو أجنبي "جاز" إن شاء الله تعالى لأن محمدا قال في تبرع الوارث بالإطعام في الصوم يجزئه إن شاء الله تعالى من غير جزم وفي إيصائه به جزم بالأجزاء وإذا تبرع أحد بالإعتاق عنه لا يصح لما فيه من إلزام الولاء على الميت بغير رضاه بخلاف وصيته به وفي الوصية بالحج يحج من منزله من ثلث ماله والمتبرع من حيث شاء سواء الوارث وغيره "ولا يصح أن يصوم" الولي ولا غيره عن الميت "ولا" يصح "أن يصلي" أحد "عنه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه" وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "فصومي عن أمك" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" فمنسوخ كذا في البرهان وغيره فما يفعله جهلة الناس الآن من إعطاء دراهم للفقير على أن يصوم أو يصلي عن الميت أو يعطيه شيئا من صلاته أو صومه ليس بشيء وإنما الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن الميت بواسطة الصدقة التي قدرها الشارع كما بيناه وإن قلنا بأن للعبد أن يجعل ثواب طاعته لغيره فهو غير هذا الحكم فليتنبه له "وإن لم يف ما أوصى به" الميت "عما عليه" أولم يكف ثلث ماله أو لم يوص بشيء وأراد أحد التبرع بقليل لا يكفي فحيلته لإبراء ذمة الميت عن جميع ما عليه أن "يدفع ذلك المقدار" اليسير ليسير بعد تقديره لشيء من صيام أو صلاة أو نحوه ويعطيه "للفقير" بقصد إسقاط ما يريد عن الميت "فيسقط عن الميت بقدره ثم" بعد قبضه "يهبه الفقير للولي" أو للأجنبي "ويقبضه" لتتم الهبة وتملك "ثم يدفعه" الموهوب له "للفقير" بجهة الإسقاط متبرعا به عن الميت "فيسقط" عن الميت "بقدره" أيضا "ثم يهبه الفقير للولي" أو للأجنبي "ويقبضه ثم يدفعه الولي للفقير" متبرعا

 

ص -171-     وهكذا حتى يسقط ما كان على الميت من صلاة وصيام؛ ويجوز إعطاء فدية صلوات لواحد جملة بخلاف كفارة اليمين والله سبحانه وتعالى أعلم.
ــــــــــــــــــ
عن الميت "وهكذا" يفعل مرارا "حتى يسقط ما كان" يظنه "على الميت من الصلاة والصيام" ونحوهما مما ذكرناه من الواجبات وهذا هو المخلص في ذلك إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه "ويجوز إعطاء فدية صلوات" وصيام أيام ونحوها "لواحد" من الفقراء "جملة بخلاف كفارة اليمين" حيث لا يجوز أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها وكذا ما نص على عدده في كفارة "والله سبحانه وتعالى أعلم" وهو الموفق بمنه وكرمه.

باب قضاء الفوائت
الترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت مستحق، ويسقط بأحد ثلاثة أشياء: ضيق الوقت المستحب في الأصح، .......................
ــــــــــــــــــ
باب قضاء الفوائت
القضاء لغة الأحكام وشريعة إسقاط الواجب بمثل ما عنده "والترتيب بين الفائتة" القليلة وهي ما دون ست صلوات "و" بين "الوقتية" المتسع وقتها مع تذكر الفائتة لازم "و" كذا الترتيب "بين" نفس "الفوائت" القليلة "مستحق" أي لازم لأنه فرض عملي يفوت الجواز بفوته والأصل في لزوم الترتيب قوله صلى الله عليه وسلم:
"من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام" وهو خبر مشهور وتلقنه العلماء بالقبول فيثبت به الفرض العملي ورتب النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الفوائت يوم الخندق "ويسقط" الترتيب "بأحد ثلاثة أشياء" الأول "ضيق الوقت" عن قضاء كل الفوائت وأداء الحاضرة للزوم العمل بالمتواتر حينئذ لأن العمل بالمشهور يستلزم إبطال القطعي وهو لا يعمل به إلا مع إمكان الجمع بينهما بسعة الوقت وليس من الحكمة إضاعة الموجود في طلب المفقود بضيق الوقت "المستحب" لأنه لا يلزم من مراعاة الترتيب وقوع حاضرة ناقصة فيتغير به حكم الكتاب فيسقط بضيق الوقت المستحب الترتيب ولا يعود بعد خروجه "في الأصح" مثاله لو اشتغل بقضاء الظهر يقع العصر أو بعضه في وقت التغير فيسقط الترتيب في الأصح والعبرة لضيقه عند الشروع فلو شرع في الوقتية متذكر الفائتة وأطالها حتى ضاق الوقت لا تجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيق الوقت جازت الوقتية ولو تعددت الفائتة والوقت يسع بعضها مع الوقتية سقط الترتيب في الأصح كما أشرنا إليه لأنه ليس الصرف إلى هذا البعض من الفوائت أولى منه للآخر كما في

 

ص -172-     والنسيان، وإذا صارت الفوائت ستا غير الوتر فإنه لا يعد مسقطا وإن لزم ترتيبه، ولم يعد الترتيب بعودها إلى القلة ولا بفوت حديثة بعد ست قديمة على الأصح فيهما فلو صلى فرضا ذاكرا فائتة ولو وترافسد فرضه فسادا موقوفا فإن خرج وقت الخامسة مما صلاه بعد المتروكة ذاكرا لها صحت جميعها فلا تبطل بقضاء المتروكة بعده، .................
ــــــــــــــــــ
الفتح "و" الثاني "النسيان" لأنه لا يقدر على الإتيان بالفائتة مع النسيان:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ولأنه لم يصر وقتها موجودا بعدم تذكرها فلم تجتمع مع الوقتية "و" الثالث "إذا صارت الفوائت" الحقيقية أو الحكمية "ستا" لأنه لو وجب الترتيب فيها لوقعوا في حرج عظيم وهو مدفوع بالنص والمعتبر خروج وقت السادسة في الصحيح لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار وروى بدخول وقت السادسة لأن الزائدة على الخمس في حكم التكرار ومثال الكثرة الحكمية سنذكرها لصلاته خمسا متذكرا فائتة لم يقضها حتى خرج وقت السادسة من المؤديات متذكرا وكما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها على الأصح وقيدناها بكونها ستا "غير الوتر فإنه لا يعد مسقطا" في كثرة الفوائت بالإجماع أما عندهما فظاهر لقولهما بأنه سنة ولأنه فرض عملي عنده وهو من تمام وظيفة اليوم والليلة والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الأوقات أو من حيث الساعات ولا مدخل للوتر في ذلك بوجه "وإن لزم ترتيبه" مع العشاء والفجر وغيرهما كما بيناه "ولم يعد الترتيب" بين الفوائت التي كانت كثيرة "بعودها إلى القلة" بقضاء بعضها لأن الساقط لا يعود في أصح الروايتين وعليه الفتوى وترجيح عود الترتيب ترجيح بلا مرجح "ولا" يعود الترتيب أيضا "بفوت" صلاة "حديثة" أي جديدة تركها "بعد" نسيان "ست قديمة" ثم تذكرها "على الأصح فيهما" أي الصورتين لما ذكرنا وعليه الفتوى ثم فرع غلى لزوم الترتيب في أصل الباب بقوله "فلو صلى فرضا ذاكرا الفائتة ولو" كانت "وترا فسد فرضه فسادا موقوفا" يحتمل تقرر الفساد ويحتمل رفعه بينه بقوله "فإن" صلى خمس صلوات متذكرا في كلها تلك المتروكة وبقيت في ذمته حتى "خرج وقت الخامسة مما صلاه بعد المتروكة ذاكرا لها" أي للمتروكة "صحت جميعها" عند أبي حنيفة رحمه الله لأن الحكم وهو الصحة مع العلة وهي الكثرة يقترنان والكثرة صفة هذا المجموع لأن الفاسد في حكم المتروك فكانت المتروكات ستا حكما واستندت الصفة إلى أولها فجازت كلها كتعجيل الزكاة يتوقف كونها فرضا على تمام الحول وبقاء بعض النصاب فإذا تم على نمائه كان التعجيل فرضا وإلا كان نفلا "فلا تبطل" الخمس التي صلاها متذكرا للفائتة "بقضاء" الفائتة "المتروكة بعده" أي بعد خروج وقت الخامسة لسقوط

 

ص -173-     وإن قضى المتروكة قبل خروج وقت الخامسة بطل وصف ما صلاه متذكرا قبلها وصار نفلا، وإذا كثرت الفوائت يحتاج لتعيين كل صلاة فإن أراد تسهيل الأمر عليه نوى أول ظهر عليه أو آخره وكذا الصوم من رمضانين على أحد تصحيحين مختلفين، ويعذ من أسلم بدار الحرب بجهله الشرائع.
ــــــــــــــــــ
الترتيب مستندا، "وإن قضى" الفائتة "المتروكة قبل خروج وقت الخامسة" مما صلاه متذكرا لها "وبطل وصف" لا أصل له "ما صلاه متذكرا" للفائتة "قبلها" أي قبل قضائها "و" لا يبقى متصفا بأنه فرض بل "صار" الذي صلاه "نفلا" عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهذه هي التي يقال فيها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا فالمتروكة تفسد الخمس بقضائها في وقت الخامسة من المؤديات بتقرير الفساد والسادسة من المؤديات تصحح الخمس قبلها وفي الحقيقة خروج وقت الخامسة هو المصحح لها ولكن لما كان من لازم الخروج دخول وقتية وتأديتها غالبا أقيم ذكر أدائها مقام ذلك "وإذا كثرت الفوائت يحتاج لتعيين كل صلاة" يقضيها لتزاحم الفروض والأوقات كقوله أصلي ظهر يوم الإثنين ثامن عشر جمادى الثانية سنة أربع وخمسين وألف وهذا فيه كلفة "فإن أراد تسهيل الأمر عليه نوى أول ظهر عليه" أدرك وقته ولم يصله فإذا نواه كذلك فيما يصليه يصير أولا فيصح بمثل ذلك وهكذا "أو" إن شاء نوى "آخره" فيقول أصلي آخر ظهر أدركته ولم أصله بعد فإذا فعل كذلك فيما يليه يصير آخرا بالنظر لما قبله فيحصل التعيين ويخالف هذا ما قاله في الكنز في مسائل شتى أنه لا يحتاج للتعيين وهو الأصح على ما قاله في القنية من يقضي ليس عليه أن ينوي أول صلاة كذا أو آخر فينوي ظهرا علي أو عصرا أو نحوهما على الأصح انتهى. وإن خالفه تصحيح الزيلعي فقد اتسع الأمر باختلاف التصحيح فليرجع للكنز فإنه واسع والله رؤوف رحيم واسع عليم. "وكذا الصوم" الذي عليه "من رمضانين" إذا أراد قضاءه يفعل مثل هذا "على أحد تصحيحين مختلفين" صحح الزيلعي لزوم التعيين وصحح في الخلاصة عدم لزوم التعيين وإن كان من رمضان واحد لا يحتاج لتعيين "ويعذر من أسلم بدار الحرب" فلم يصم ولم يصل ولم يزك وهكذا "بجهله الشرائع" أي الأحكام المشروعات مدة جهله لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله ولم يوجد بخلاف المسلم بدار الإسلام وألزمه زفر بها كما يلزمه الأيمان. قلنا دليل وجود الصانع ظاهر عقلا فلا يعذر بجهله ولا دليل عنده على وجود فرض الصلاة ونحوها فيعذر به.

 

ص -174-     باب ادراك الفريضة
إذا شرع في فرض منفردا فأقيمت الجماعة قطع واقتدى إن لم يسجد لما شرع فيه أو سجد في غير رباعية وإن سجد في رباعية ضم ركعة ثانية وسلم لتصير الركعتان له نافلة ثم اقتدى مفترضا، وإن صلى ثلاثا أتمها ثم افتدى متنقلا إلا في العصر، وإن قام لثالثة فأقيمت قبل سجوده قطع قائما بتسليمة في الأصح، ...........
ــــــــــــــــــ
"باب إدراك الفريضة" مع الإمام وغيره
"إذا شرع" المصلي "في" أداء "فرض" أو قضائه "منفردا" أو في نفل وحضرت جنازة يخشى فواتها أو منذور "فأقيمت الجماعة" في محل أدائه لا في غيره بأن أحرم الإمام لأن حقيقة إقامة الشيء فعله لا مجرد الشروع في الإقامة فإذا لم يقيد بسجدة "قطع" بتسليمة قائما "و" بعده "اقتدى" على الصحيح ولا يقطع حتى يتم ركعتين من رباعية كالمنتقل الذي لا يخشى فوت جنازة قلنا القطع للإكمال إكمال وهو بمحل الرفض ولأنه لو حلف لا يصلي لا يحنث بما دون الركعة والجنازة لا خلف لها وبالقضاء يجمع بين المصلحتين "إن لم يسجد لما شرع فيه" ولو غير رباعية "أو سجد" للركعة الأولى "في غير رباعية" بأن كان في الفجر أو المغرب فيقطع بعد السجود بتسليمة لأنه لو أضاف في الثنائية ركعة أخرى تم الفرض وتفوته الجماعة في الفجر ولا يتنفل بعدها مطلقا وفي المغرب للأكثر حكم الكل فتفوته الجماعة ولا يتنفل مع الإمام فيها لمنع التنفل بالبتيراء ومخالفة الإمام بإضافة رابعة "وإن سجد" وهو "في رباعية" كالظهر "ضم ركعة ثانية" صيانة للمؤدي عن البطلان وتشهد "وسلم لتصير الركعتان له نافلة ثم اقتدى مفترض" لإحراز فضل الجماعة "وإن صلى ثلاثا" من رباعية فأقيمت "أتمها" أربعا منفردا حكما للأكثر وعن محمد يتمها جالسا لتنقلب نفلا فيجمع بين ثواب النفل والفرض بالجماعة "ثم" بعد الإتمام "اقتدى متنفلا" إن شاء وهو أفضل لعدم الكراهة "لا في العصر" والفجر للنهي عن التنفل بعدهما وفي المغرب للمخالفة لأنه صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة فصلها إلا الفجر والمغرب" وقوله فصلها يعني نفلا لأنه أمر به نصا لرجلين لم يصليا معه الظهر وأخبرا بصلاتهما في رحالهما فقال عليه السلام: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة" أي نافلة كما في العناية "وإن قام لثالثة" رباعية منفردا "فأقيمت" الجماعة "قبل سجوده" للثالثة "قطع قائما" لأن القعود للتحلل وهذا قطع "بتسليمة" واحدة أو عاد إلى القعود "في الأصح" وقال شمس الأئمة السرخسي إن لم يعد للقعود فسدت صلاته لأنه لا بد له من القعود ولأن المؤداة لم تقع فرضا وقال فخر الإسلام الأصح أنه يكبر قائما ينوي الشروع في صلاة الإمام فيحصل الختم في

 

ص -175-     وإن كان في سنة الجمعة فخرج الخطيب أو في سنة الظهر فأقيمت سلم على رأس ركعتين وهو الأوجه ثم قضى السنة بعد الفرض، ومن حضر والإمام في صلاة الفرض اقتدى به ولا يشتغل عنه بالسنة إلا في الفجر إن أمن فوته وإن لم يأمن تركها، ولم تقض سنة الفجر إلا بفوتها مع الفرض وقضى السنة التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه، .........
ــــــــــــــــــ
ضمن شروعه في صلاة الإمام وإن شاء رفع يديه "وإن كان" قد شرع "في سنة الجمعة فخرج الخطيب أو" شرع "في سنة الظهر فأقيمت" الجماعة "سلم" بعد الجلوس "على رأس ركعتين" كما روي عن أبي يوسف والإمام "وهو الأوجه" لجمعه بين المصلحتين "ثم قضى السنة" أربعا لتمكنه منه "بعد" أداء "الفرض" مع ما بعده فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على وجه أكمل ولا إبطال وإليه مال شمس الأئمة السرخسي والبقالي وصحح جماعة من المشايخ أنه يتمها أربعا لأنها كصلاة واحدة قلت والإكمال حال اشتغال المرقي والمؤذنين بالتلحين أولى لأنه ليس حالة استماع خطبة وإليه يرشد تعليل شمس الأئمة، "ومن حضر و" كان "الإمام في صلاة الفرض اقتدى به ولا يشتغل عنه بالسنة" في المسجد ولو لم يفته شيء وإن كان خارج المسجد وخاف فوت ركعة اقتدى وإلا صلى السنة ثم اقتدى لإمكان جمعه بين الفضيلتين "إلا في الفجر" فإنه يصلي سنته ولو في المسجد بعيدا1 عن الصف "إن أمكن فوته" ولو بإدراكه في التشهد وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" محمول على غير صلاة الفجر لما قدمناه في سنة الفجر والأفضل فعلهما في البيت. قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى ركعتي الفجر" أي سنته "في بيته يوسع له في رزقه ويقل المنازع بينه وبين أهل بيته ويختم له بالإيمان" والأحب فعلهما أول طلوع الفجر وقيل بقرب الفريضة وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة" "وإن لم يأمن" فوت الإمام باشتغاله بسنة الفجر "تركها" واقتدى لأن ثواب الجماعة أعظم من فضيلة ركعتي الفجر لأنها تفضل الفرض منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا تبلغ ركعة الفجر ضعفا واحدا منها "ولم تقض سنة الفجر إلا بفوتها مع الفرض" إلى الزوال وقال محمد رحمه الله تقضى منفردة بعد الشمس قبل الزوال فلا قضاء لها قبل الشمس ولا بعد الزوال اتفاقا وسواء صلى منفردا أو بجماعة "وقضى السنة التي قبل الظهر" في الصحيح "في وقته قبل" صلاة "شفعة" على المفتي به كذا في شرح الكنز للعلامة المقدسي وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يأتي بها عند باب المسجد مثلاً، فإن لم يجد مكانا تركها لأن الإتيان بها في المسجد حينئذً مخالفة الجماعة فتكره، وترك المكروه مقدم على فعل السنة.

 

ص -176-     ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة بل أدرك فضلها واختلف في مدرك الثلاث. ويتطوع قبل الفرض إن أمن فوت الوقت، وإلا: فلا، ومن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لم يدرك الركعة وأن ركع قبل إمامه بعد قراءة الإمام ما تجوز به الصلاة ...............
ــــــــــــــــــ
[فتاوى العتابي]: المختار تقديم الاثنتين على الأربع وفي مبسوط شيخ الإسلام هو الأصح لحديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر يصليهن بعد الركعتين وحكم الأربع قبل الجمعة كالتي قبل الظهر ولا مانع عن التي قبل العشاء من قضائها بعده "ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة" أو ركعتين اتفاقا حتى لا يبر به في حلفه ليصلينه جماعة "بل أدرك فضلها" أي فضل الجماعة اتفاقا ولو في التشهد، "واختلف في مدرك الثلاث" من رباعية أو الاثنتين من الثلاثية فإذا حلف لا يصلي الظهر أو المغرب جماعة اختار شمس الأئمة أنه يحنث لأن للأكثر حكم الكل وعلى ظاهر الجواب لا يحنث لأنه لم يصلها بل بعضها بجماعة ويقضي الشيء ليس بالشيء وهو الظاهر ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر فإنه يحنث بإدراك ركعة لأن إدراك الشيء بإدراك آخره يقال إدراك أيامه أي آخرها كذا في الكافي وفي الخلاصة يحنث بإدراكه في التشهد "ويتطوع قبل الفرض" بمؤكد وغيره مقيما أو مسافرا "إن أمن فوت الوقت" ولو منفردا فإنها شرعت قبلها لقطع طمع الشيطان فإنه يقول من لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه والمنفرد في ذلك أحوج وهو أصح والأخذ به أحوط لتكميل نقصها في حقنا أما في حقه صلى الله عليه وسلم فزيادة الدرجات إذ لا خلل في صلاته ولا طمع للشيطان فيها "وإلا" أي وإن لم يأمن بأن يفوته الوقت أو الجماعة بالتنفل أو إزالة نجس قليل "فلا" يتطوع ولا يغسل لأن الاشتغال بما يفوت الأداء لا يجوز وإن كان يدرك جماعة أخرى فالأفضل غسل ثوبه واستقبال الصلاة لتكون صحيحة اتفاقا "ومن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه" من الركوع أو لم يقف بل انحط بمجرد إحرامه فرفع الإمام رأسه قبل ركوع المؤتم "لم يدرك الركعة" كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما فكان الشرط لإدراك الركعة إما مشاركة الإمام في جزء من القيام أو جزء مما له حكم القيام وهو الركوع ولا يشترط تكبيرتان للإحرام والركوع ولو كبر ينوي الركوع لا الافتتاح جازت ولغت نيته وإذا وجد الإمام ساجدا تجب مشاركته فيه فيخر ساجدا وإن لم يحسب له من صلاته فلو ركع وحده ثم شاركته في السجدتين لا تفسد صلاته ولا يحسب له ذلك وإن لم يشاركه إلا في الثانية بطلت صلاته والفرق أنه في الأولى لم يزد إلا ركوعا وزيادته لا تضر وفي الثانية زاد ركعة وهي مفسدة ولو أدركه جالسا للقعود الأخير واستمر قائما وقرأ فما وجد فراغ الإمام من التشهد لا يكون معتبرا. "وإن ركع" المقتدي "قبل إمامه وكان ركوعه "بعد قراءة الإمام ما تجوز به الصلاة"

 

ص -177-     فأدركه إمامه فيه صح، وإلا: لا، وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلي إلا إذا كان مقيم جماعة أخرى وإن خرج بعد صلاته منفردا لا يكره إلا إذا أقيمت الجماعة قبل خروجه في الظهر والعشاء فيقتدي فيهما متنفلا ولا يصلي بعد صلاة مثلها.
ــــــــــــــــــ
وهو آية "فأدركه إمامه فيه" أي في ركوعه "صح" ركوعه وكره لوجود المشاركة والمسابقة "وإلا" أي وإن لم يدركه الإمام أو أدركه لكن لم يكن قرأ المفروض قبل ركوع المقتدي "لا" يصح ركوعه لكونه قبل أوانه فليزمه أن يركع بعده ثانيا وإن لم يفعل وانصرف من صلاته بطلت ولو سجد قبل إمامه إن كان بعد رفع الإمام من الركوع ثم شاركه الإمام في السجود صح وإن كان قبل رفع الإمام من الركوع روي عن أبي حنيفة رحمه الله لا يجزئه لأنه قبل أوانه في حق الإمام فكذا في حقه لأنه تبع له ولو أطال الإمام السجود فرفع المقتدي ثم سجد والإمام ساجد إن نوى الثانية والمتابعة تكون عن الأولى كما لو نواها أو لم تكن له نية ترجيحا للمتابعة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية فإن أدرك الإمام فيها صحت وعلى قياس المروي عن الإمام في السجود قبل رفع الإمام يجب أن لا يجوز لكونه قبل أوانه كما تقدم "وكره خروجه من مسجد أذن فيه" أو في غيره "حتى يصلي" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الركوع" "إلا إذا كان مقيم جماعة أخرى" كإمام ومؤذن لمسجد آخر لأنه تكميل معنى "وإن خرج بعد صلاته منفردا لا يكره" لأن قد أجاب داعي الله مرة فلا يجب عليه ثانيا "إلا" أنه يكره خروجه "إذا أقيمت الجماعة قبل خروجه في الظهر و" في "العشاء" لأنه يجوز النفل فيهما مع الإمام لئلا يتهم بمخالفة الجماعة كالخوارج والشيعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم"، "فيقتدي فيهما" أي الظهر والعشاء "متنفلا" لدفع التهمة عنه ويكره جلوسه من غير اقتداء لمخالفة الجماعة بخلاف الصبح والعصر والمغرب لكراهة التنفل والمخالفة في المغرب لأنه لا ينتقل مع الإمام في ظاهر الرواية وإتمامها أربعا أولى من موافقته وروي فسادها بالسلام معه فيقضي أربعا كما لو نذر ثلاثا يلزمه أربع "ولا يصلي بعد صلاة مثلها" هذا لفظ الحديث قيل معناه لا يصلي ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة وقيل نهوا عن الإعادة لطلب الأجر وقيل نهى عن الإعادة بمجرد توهم الفساد لدفع الوسوسة وقيل نهوا عن تكرار الجماعة في المسجد على الهيئة الأولى أو عن إعادة الفرائض مخافة لخلل في المؤدى.

باب سجود السهو
يجب ..............
ــــــــــــــــــ
باب سجود السهو
من إضافة الحكم إلى السبب والسهو الغفلة "يجب" لأنه ضمان فائت، وهو

 

ص -178-     سجدتان بتشهد وتسليم لترك واجب سهوا وإن تكرر، وإن كان تركه عمدا أثم ووجب إعادة الصلاة لجبر نقصها، ولا يسجد في العمد للسهو قيل إلا في ثلاث ترك القعود الأول أو تأخيره سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة وتفكره عمدا حتى شغله عن ركن، ويسن الإتيان بسجود السهو بعد السلام ويكتفي بتسليمه واحدة عن يمينه في الأصح فإن سجد قبل السلام كره تنزيها، ويسقط سجود
ــــــــــــــــــ
لا يكون إلا واجبا وهو الصحيح وقيل يسن وجه الصحيح أنه يرفع الواجب من قراءة التشهد والسلام ويرفع القعدة لأنها ركن حتى لو سلم من غير إعادتها أو لم يسلم صحت صلاته مع النقصان وأما السجدة الصلبية والتلاوية فكل يرفع القعود فيفترض إعادته ويجب "سجدتان" لأنه صلى الله عليه وسلم، سجد سجدتين للسهو وهو جالس بعد التسليم وعمل به الأكابر من الصحابة والتابعين "بتشهد وتسليم" لما ذكرنا ويأتي فيه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء على المختار "لترك واجب" أو زيادة أو نقص لما روينا والمتعمد لا يستحق إلا التغليظ بإعادة صلاته لجبر خللها "وإن تكرر" بالإجماع كترك الفاتحة والاطمئنان في الركوع والسجود والجلوس الأول وتأخير القيام للثالثة بزيادة قدر أداء ركن ولو ساكنا "وإن كان تركه" الواجب "عمدا أثم ووجب" عليه "إعادة الصلاة" تغليظا عليه "لجبر نقصها" فتكون مكملة وسقط الفرض بالأولى وقيل تكون الثانية فرضا فهي المسقطة "ولا يسجد في" الترك "العمد للسهو" لأنه أقوى "قيل إلا في ثلاث" مسائل "ترك القعود الأول" عمدا "أو تأخير سجدة من الركعة الأولى" عمدا "إلى آخر الصلاة و" الثالثة "تفكره عمدا حتى شغله عن" مقدار "ركن" سئل فخر الإسلام البديعي كيف يجب بالعمد ؟ قال ذاك سجود العذر لا سجود السهو، "ويسن الإتيان بسجود السهو بعد السلام" في ظاهر الرواية وقيل يجب فعله بعد السلام وجه الظاهر ما رويناه "ويكتفي بتسليمة واحدة" قاله شيخ الإسلام وعامة المشايخ وهو الأضمن للاحتياط والأحسن ويكون "عن يمينه" لأنه المعهود وبه يحصل التحليل فلا حاجة إلى غيره خصوصا وقد قال شيخ الإسلام خواهر زاده: لا يأتي بسجود السهو بعد التسليمتين لأن ذلك بمنزلة الكلام "في الأصح" وقيل تلقاء وجهه فرقا بين سلام القطع وسلام السهو قاله فخر الإسلام في الهداية ويأتي بتسليمتين هو الصحيح ولكن علمت إن الأحوط بعد تسليمه والمنع من فعله بعد تسليمتين فكان الأعدل الأصح "فإن سجد قبل السلام كره تنزيها" ولا يعيده لأنه مجتهد فيه فكان جائزا ولم يقل أحد بتكراره وإن كان إمامه يراه قبل إسلام تابعه كما يتابعه في قنوت رمضان بعد الركوع "ويسقط سجود

 

ص -179-     السهو بطلوع الشمس بعد السلام في الفجر واحمرارها في العصر وبوجود ما يمنع البناء بعد السلام، ويلزم المأموم بسهو إمامه لا بسهوه ويسجد المسبوق مع إمامه ثم يقوم لقضاء ما سبق به ولو سها المسبوق فيما يقضيه سجد له أيضا لا اللاحق، ولا يأتي الإمام بسجود السهو في الجمعة والعيدين، ومن سها عن القعود الأول من الفرض عاد إليه ما لم يستو قائما في ظاهر الرواية وهو الأصح،
ــــــــــــــــــ
السهو بطلوع الشمس بعد السلام في" صلاة "الفجر" وبخروج وقت الجمعة والعيد لفوات شرط الصحة "و" كذا يسقط لو سلم قبيل "احمرارها" أي تضير الشمس "في العصر" تحوزا عن المكروه "و" يسقط "بوجود ما يمنع البناء بعد السلام" كحدث عمد وعمل مناف لفوات الشرط "ويلزم المأموم" السجود مع الإمام "بسهو إمامه" لأنه صلى الله عليه وسلم سجد وسجد القوم معه وإن اقتدى به بعد سهوه وإن لم يدرك إلا ثانيتهما لا يقضي الأولى كما لو تركهما الإمام أو اقتدى به بعدهما لا يقضيهما "لا بسهوه" لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا فلا يسجد أصلا قال صلى الله عليه وسلم
"الإمام لكم ضامن يرفع عنكم سهوكم وقراءتكم"، "ويسجد المسبوق مع إمامه" لالتزام متابعته "ثم يقوم لقضاء ما سبق به" واللاحق بعد إتمامه وينبغي أن يمكث المسبوق بقدر ما يعلم أنه لا سهو عليه وله أن يقوم قبل سلامه بعد قعوده قدر التشهد في مواضع خوف مضى مدة المسح وخروج الوقت لذي عذر وجمعة وعيد وفجر ومرور الناس بين يديه إلى قضاء ما سبق به ولا ينتظر سلامه "ولو سها المسبوق فيما يقضيه سجد له" أي سهوه "أيضا" ولا يجزيه عنه سجوده مع الإمام وتكراره وإن لم يشرع في صلاة واحدة باعتبار أن صلاته كصلاتين حكما لأنه منفردا فيما يقضيه ولو لم يكن تابع إمامه كفاه سجدتان وإن سلم مع الإمام مقرنا له أو قبله ساهيا فلا سهو عليه لأنه في حال اقتدائه وإن سلم بعده يلزمه السهو لأنه منفرد "لا" أي لا يسجد "اللاحق" وهو من أدرك أول صلاة الإمام وفاته باقيها بعذر كنوم وغفلة وسبق حدث وخوف وهو من الطائفة الأولى لأنه كالمدرك لا سجود عليه لسهوه ولو سجد مع الإمام للسهو لم يجزه لأنه في غير أوانه في حقه فعليه إعادته إذا فرغ من قضاء ما عليه ولا تفسد صلاته لأنه لم يزد إلا سجدتين حال اقتدائه. والمقيم إذا سها في باقي صلاته الأصح لزوم سجود السهو لأنه صار منفردا حكما ويتصور الجلوس عشر مرات في ثلاث ركعات بالسهو وسجود التلاوة وهو ظاهر وبسطه في الأصل "ولا يأتي الإمام بسجود. السهو في الجمعة والعيدين" دفعا للفتنة بكثرة الجماعة وبطلان صلاة من يرى لزوم المتابعة وفساد الصلاة بتركه "ومن سها" وكان إماما أو منفردا" "عن القعود الأول من الفرض" ولو عمليا وهو الوتر "عاد إليه" وجوبا "ما لم يستو قائما في ظاهر الرواية وهو الأصح" كما في التبيين والبرهان والفتح

 

ص -180-     والمقتدي كالمتنفل يعود ولو استتم قائما فإن عاد وهو إلى القيام أقرب سجد للسهو وإن كان إلى العقود أقرب لا سجود عليه في الأصح وإن عاد بعد ما استتم قائما اختلف التصحيح في فساد صلاته وإن سها عن القعود الأخير عاد ما لم يسجد وسجد لتأخيره فرض القعود فإن سجد صار فرضه نفلا وضم سادسة إن شاء ولو في العصر ورابعة في الفجر ولا كراهة في الضم فيهما على الصحيح
ــــــــــــــــــ
لصريح قوله صلى الله عليه وسلم
"إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أبو داود في الهداية والكنز إن كان إلى القيام أقرب لا يعود وإلا عاد "و" إذا سها "المقتدي" فحكمه "كالمنتقل" إذا قام "يعود ولو استتم قائما" لحكم المتابعة وكل نفل صلاة على حده وقعودها فرض فيعود إليه وقيل لا يعود كالمفترض قال في [التتار خانية]: هو الصحيح "فإن عاد" من سها عن القعود "وهو إلى القيام أقرب" بأن استوى النصف الأسفل مع انحناء الظهر وهو الأصح في تفسيره "سجد للسهو" لترك الواجب "وإن كان إلى القعود أقرب" بانعدام استواء النصف الأسفل لا سجود "سهو عليه في الأصح" وعليه الأكثر "وإن عاد" الساهي عن القعود الأول إليه "بعد ما استتم قائما اختلف التصحيح في فساد صلاته" وأرجحهما عدم الفساد لأن غاية ما في الرجوع إلى القعدة زيادة قيام في الصلاة وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل لأن زيادة ما دون ركعة لا يفسد وقد يقال إنه نقص للإكمال فإنه إكمال لأنه لم يفعله إلا لإحكام صلاته وقال صاحب البحر والحق عدم الفساد، "وإن سها عن القعود الأخير عاد ما لم يسجد" لعدم استحكام خروجه من الفرض لإصلاح صلاته وبه وردت السنة عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قيامه إلى الخامسة وسجد للسهو ولو قعد يسيرا فقام ثم عاد كذلك فقام ثم عاد فتم به قدر التشهد صح حتى لو أتى بمناف صحت صلاته إذ لا يشترط القعود قدر بمرة واحدة "وسجد" للسهو "لتأخيره" فرض القعود "فإن" لم يعد حتى "سجد" للزائد على الفرض "صار فرضه نفلا" يرفع رأسه من السجود عند محمد وهو المختار للفتوى لاستحكام دخوله في النفل قبل إكمال الفرض وقال أبو يوسف يوضع الجبهة لأنه سجود كامل ووجه المختار أن تمام الركن بالانتقال عنه وثمرة الخلاف تظهر بسبق الحدث حال الوضع يبنى عند محمد لا عند أبي يوسف "وضم سادسة إن شاء" لأنه لم يشرع في النفل قصدا ليلزمه إتمامه بل يندب "ولو في العصر" لأن التنفل قبله قصدا لا يكره فبالظن أولى "و" ضم "رابعة في الفجر" وسكت عن المغرب لأنها تصير أربعا فلا ضم فيها "ولا كراهة في الضم فيهما" أي صلاة الفجر والمغرب لأنه تعارض كراهة التنفل بالبتيراء وكراهة الضم للوقت فتقاوما وصار كالمباح "على الصحيح" لعدم القصد حال الشروع كمن صلى ركعة تجهداً

 

ص -181-     ولا يسجد للسهو في الأصح وإن قعد الأخير ثم قام عاد وسلم من غير إعادة التشهد فإن سجد لم يبطل فرضه وضم إليها أخرى لتصير الزائدتان له نافلة وسجد للسهو ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه استحبابا فإن بنى أعاد سجود السهو في المختار ولو سلم من عليه سهو فاقتدى به غيره صح إن سجد للسهو وإلا فلا يصح، ............................
ــــــــــــــــــ
فطلع الفجر يتم شفعا بلا كراهة "ولا يسجد للسهو" لتر ك القعود في هذا الضم "في الأصح" لأن النقصان بالفساد لا ينجبر بالسجود ولو اقتدى به أحد حال الضم ثم قطع لزمه ست ركعات في التي كانت رباعية لأنه المؤدي بهذه التحريمة وسقوطه عن الإمام للظن ولم يوجد في حقه بخلاف ما إذا عاد الإمام إلى القعود بعد اقتدائه حيث يلزمه أربع ركعات لأنه لما عاد جعل كأن لم يقم، "وإن قعد" الجلوس "الأخير" قدر التشهد "ثم قام" ولو عمدا وقرأ وركع "عاد" للجلوس لأن ما دون الركعة بمحل الرفض "وسلم" فلو سلم قائما صح وترك السنة لأن السنة التسليم جالسا "من غير إعادة التشهد" لعدم بطلانه بالقيام وقال الناطفي يعيده وإذ مضى على نافلته الزائدة فالصحيح أن القوم لا يتبعونه لأن لا اتباع في البدعة وينتظرونه قعودا فإن عاد قبل تقييده الزائدة بسجدة اتبعوه في السلام "فإن سجد" سلموا للحال و "لم يبطل فرضه" لوجود الجلوس الأخير "وضم" استحبابا وقيل وجوبا "إليها" أي إلى الزائدة ركعة "أخرى" في المختار "لتصير الزائدتان" له ؟ ؟ نافلة" ولا تنوب عن سنة الفرض في الصحيح لأن المواظبة عليها بتحريمه مبتدأة ولو اقتدى به أحد يصلي ستا عند محمد لأنه المؤدي بهذه التحريمة وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض ولا قضاء عليه لو أفسد عند محمد كإمامه وقضى ركعتين عندهما وعليه الفتوى لأن السقوط بعارض يخص الإمام "وسجد للسهو" لتأخير السلام "ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه استحبابا" لأن البناء يبطل سجوده للسهو بلا ضرورة لوقوعه في وسط الصلاة "فإن بنى" صح لبقاء التحريمة و "أعاد سجود السهو في المختار" وهو الأصح لبطلان الأول بما طرأ عليه من البناء وقيدنا بالتطوع لأن المسافر إذا نوى الإقامة بعد سجوده للسهو يبني تصحيحا لفرضه ويعيد سجود السهو لبطلان ذاك بالبناء "ولو سلم من عليه" سجود "سهو فاقتدى به غيره صح إذا سجد" الساهي "للسهو" لعوده لحرمة الصلاة لأن خروجه كان موقوفا ويتابعه المقتدي في السجود ولا يعيده في آخر صلاته وإن وقع في خلالها لأن آخر صلاته حكما وحقيقة لإمامه كما تقدم "وإلا" أي وإن لم يسجد الساهي "فلا يصح" الاقتداء به لتبين خروجه من الصلاة حين سلم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأبي يوسف خلافا لمحمد وزفر وثمرته بصحة اقتدائه عندهما لا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وفي انتقاض الطهارة

 

ص -182-     ويسجد للسهو وإن سلم عامدا للقطع ما لم يتحول عن القبلة أو يتكلم ولو توهم مصل رباعية أو ثلاثية أنه أتمها فسلم ثم علم أنه صلى ركعتين أتمها وسجد للسهو، وإن طال تفكره ولم يسلم حتى استيقن إن كان قدر أداء ركن وجب عليه سجود السهو، وإلا: لا.
ــــــــــــــــــ
بقهقهته، "ويسجد للسهو" وجوبا "وإن سلم عامدا" مريدا "للقطع" لأن مجرد نية تغيير المشروع لا تبطله ولا تعتبر مع سلام غير مستحق وهو ذكر فيسجد للسهو لبقاء حرمة الصلاة "ما لم يتحول عن القبلة أو يتكلم" لإبطالهما التحريمة وقيل التحول لا يضره ما لم يخرج من المسجد أو يتكلم وسلام من عليه سجدة صلبية أو فرض متذكرا مبطل لوجوده في حقيقة الصلاة وتفريعاته مبسوطة في الأصل "توهم" الوهم رجحان جهة الخطأ والظن رجحان جهة الصواب "مصل رباعية" فريضة "أو ثلاثية" ولو وترا "أنه أتمها فسلم ثم علم" قبل إتيانه بمناف "أنه صلى ركعتين" أو علم أنه ترك سجدة صلبية أو تلاوية "أتمها" بفعل ما تركه "وسجد للسهو" لبقاء حرمة الصلاة بخلاف السلام على ظن أن مسافر أو نحوه كما تقدم "وإن طال تفكره" لتيقن المتروك "ولم يسلم حتى استيقن" المتروك "إن كان" زمن التفكر زائدا عن التشهد "قدر أداء ركن وجب عليه سجود السهو" لتأخيره واجب القيام للثالثة "وإلا" أي إن لم يكن تفكره قدر أداء ركن "لا" يسجد لكونه عفوا.

فصل في الشك
تبطل الصلاة بالشك في عدد ركعاتها إذا كان قبل إكمالها وهو أول ما عرض له من الشك أو كان الشك غير عادة له، .................
ــــــــــــــــــ
فصل في الشك في الصلاة والطهارة
"تبطل الصلاة بالشك" وهو تساوي الأمرين "في عدد ركعاتها" كتردده بين ثلاث واثنتين "إذا كان" ذلك الشك "قبل إكمالها و" كان أيضا "هو" أي الشك "أول ما عرض له من الشك" بعد بلوغه في صلاة ما وهذا قول أكثر المشايخ وقال فخر الإسلام أول ما عرض له في هذه الصلاة واختاره بن الفضل وذهب الإمام السرخسي إلى أن معناه أن السهو ليس عادة له وليس المراد أنه لم يسه قط فحكمه حكم من ابتدأ الشك فلذلك قال "أو كان الشك غير عادة له" فتبطل به لقوله صلى الله عليه وسلم
"إذا شك أحدكم في صلاته

 

ص -183-     فلو شك بعد سلامه لا يعتبر إلا إن تيقن بالترك، وإن كثر الشك عمل بغالب ظنه فإن لم يغلب له ظن أخذ بالأقل وقعد بعد كل ركعة ظنها آخر صلاته.
ــــــــــــــــــ
أنه كم صلى فليستقبل الصلاة". وقد حمل على ما إذا كان دون شك عرض له لما سنذكره من الرواية الأخرى ولقدرته على إسقاط ما عليه بيقين كما لو شك أنه صلى أولم يصل والوقت باق يلزمه أن يصلي "فلو شك بعد سلامه" أو قعوده قدر التشهد قبل السلام في عدد الركعات "لا يعتبر" شكه فلا شيء عليه حملا لحاله على الصلاح "إلا إن" كان قد "تيقن بالترك" فيأتي بما تركه ولو أخبره عدل بعد السلام أنه نقص ركعة وعند المصلي أنه أتم لا يلتفت إلى إخباره ولو أخبره عدلان لا يعتبر شكه وعليه الأخذ بقولهما ولو اختلف الإمام والمؤتمون إن كان على يقين لا يأخذ بقولهم وإلا أخذ به وإن كان معهم بعضهم أخذ بقوله "وإن كثر1 الشك" تحرى و "عمل" أي أخذ "بغالب ظنه لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه" وحمل على ما إذا كثر الشك للرواية السابقة "فإن لم يغلب له ظن أخذ بالأقل" لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة فإن لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على اثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم" يعني للسهو فلما ثبت عندهم كل الروايات الثلاث التي رويناها في المسائل الثلاث سلكوا فيها طريق الجميع بحمل كل منها على محمل يتجه حمله عليه كما في فتح القدير "وقعد" وتشهد "بعد كل ركعة ظنها آخر2 صلاته" لئلا يصير تاركا فرض القعدة مع تيسر طريق يوصله إلى يقين عدم تركها وكذا كل قعود ظنه واجبا يقعده.
تتمة:
شك في الحدث وتيقن الطهارة فهر متطهر وبالقلب محدث وشك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع وإن كثر شكه لا يلتفت إليه وكذا لو شك أنه كبر للافتتاح وهو في الصلاة أو أصابته نجاسة أو حدث أو مسح رأسه أم لا فإن كان أول ما عرض استقبل وإن كثر يمضي وفي العتابية لو شك هل كبر قيل إن كان في الركعة الأولى يعيده وإن كان في الثانية لا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بأن وقع مرتين قبل هذه عند السرخسي ومرة واحدة قبل هذه عند الأكثر أو في تلك الصلاة عند اليزوري وابن الفضل.
2 ويسجد للسهو وإن بنى على الأقل مطلقا وإن تحرى سجد إن شغله ذلك قدر أداء ركن وهو مقدر بثلاث تسبيحات. وإلا لا على الصحيح.

 

ص -184-     باب سجود التلاوة
سببه: التلاوة على التالي والسامع في الصحيح وهو واجب على التراخي إن لم يكن في الصلاة وكره تأخيره تنزيها و يجب على من تلا آية ولو بالفارسية وقراءة حرف السجدة مع كلمة قبله أو بعده من آيتها كالآية في الصحيح، وآياتها أربع عشرة آية في الأعراف والرعد والنحل والإسراء،
ــــــــــــــــــ
باب سجود التلاوة
من إضافة الحكم إلى سببه وهو الأصل في الإضافة لأنها للاختصاص، وأقوى وجوهه اختصاص المسبب بالسبب لأنه حادث به وشرطها الطهارة عن الحدث والخبث ولا يجوز لها التيمم بلا عذر واستقبال القبلة وستر العورة وركنها وضع الجبهة على الأرض وصفتها الوجوب على الفور في الصلاة وعلى التراخي إن كانت غير صلاتية وحكمها سقوط الواجب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى.
ثم شرع في بيان السبب فقال "سببه التلاوة على التالي" اتفاقا "و" على "السامع في الصحيح" والسماع شرط عمل التلاوة في حقه فالأصم إذا تلاها ولم يسمع وجب عليه السجدة "وهو" أي سجود التلاوة "واجب" لأنه أمر صريح به أو تضمن استنكاف الكفار عنه أو امتثال الأنبياء وكل منها واجب "على التراخي" عند محمد ورواية عن الإمام وهو المختار وعند أبي يوسف وهو رواية عن الإمام يجب على الفور "إن لم تكن" وجب بتلاوته "في الصلاة" لأنها صارت جزءا من الصلاة لا يقضي خارجها فتجب فورية فيها وغيرها تجب موسعا "و" لكن "كره تأخيره" السجود عن وقت التلاوة في الأصح إذا لم يكن مكروها لأنه بطول الزمان قد ينساها فيكره تأخيرها "تنزيها ويجب" السجود "على من تلا آية" مكلفا بالصلاة وليس مقتديا في غير ركوع وسجود وتشهد للحجر فيها عن القراءة "ولو" تلاها "بالفارسية" اتفاقا فهم أو لم يفهم لكونها قرآنا من وجه "وقراءة حرف السجدة مع كلمة قبلة أو بعده من آيتها" توجب السجود "كالآية" المقروءة بتمامها "في الصحيح" وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة وفي مختصر البحر لو قرأ وسجد وسكت ولم يقرأ واقترب يلزمه السجدة "وآياتها أربع عشر آية" فتجب السجدة "في الأعراف" عند قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] "وفي الرعد {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] "والنحل" {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 49، 50] "والإسراء" {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً  وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ

 

ص -185-     ومريم وأولى الحج والفرقان والنمل والسجدة وص وحم السجدة والنجم وانشقت، .....
ــــــــــــــــــ
رَبِّنَا لَمَفْعُولاً  وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: 107 - 109] "ومريم" {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم: 58] "والحج" {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] "والفرقان" {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: 60] "والنمل" {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 25، 26] وهذا على قراءة العامة بالتشديد وعند قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} على قراءة الكسائي بالتخفيف وفي المجتبي قال الفراء إنما تجب السجدة في النمل على قراءة الكسائي أي بالتخفيف وينبغي أن لا تجب بالتشديد لأن معناها زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا والأصح هو الوجوب على القراءتين لأن كتب في مصحف عثمان رضي الله عنه كذا في الدراية "والسجدة" {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] "ص" {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ  فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 24، 25] وهذا هو الأولى مما قال الزيلعي تجب عند قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} وعند بعضهم عند قوله تعالى: {وَحُسْنَ مَآبٍ} لما نذكره "وحم السجدة" {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ  فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 37، 38] وهذا على مذهبنا وهو المروي عن ابن عباس ووائل بن حجر وعند الشافعي رحمه الله عند قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر ورجح أئمتنا الأول أخذا بالاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة، فإن السجدة لو وجبت عند قوله تعالى: {تَعْبُدُونَ} فالتأخير إلى قوله تعالى: {لا يَسْأَمُونَ} لكانت السجدة المرادة قبله حاصلة قبل وجوبها ووجوب سبب وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة ولو كانت صلاتية ولا نقص فيما قلناه أصلا وهذا هو إمارة التبحر في الفقه كذا عن البدائع ففيما قلته قبله في ص كذلك، وإلا يلزمنا التناقض وهذا هو الوجه الذي وعدنا به "و" في "النجم" عند قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 59 - 62] "و" في إذا السماء "انشقت" عند قوله تعالى:

 

ص -186-     واقرأ. ويجب السجود: على من سمع وإن لم يقصد السماع إلا الحائض والنفساء والإمام والمقتدى به بالسماع من مقتد ولو سمعوها من غيره سجدوا بعد الصلاة ولو سجدوا فيها لم تجزهم ولم تفسد صلاتهم في ظاهر الرواية ويجب بسماع الفارسية إن فهمها على المعتمد واختلف التصحيح في وجوبها بالسماع من نائم ومجنون ولا تجب بسماعها من الطير والصدى؛ وتؤدى بركوع أو سجود في الصلاة غير ركوع الصلاة.....
ــــــــــــــــــ
{فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ  وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20، 21] "و" في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] عند قوله تعالى: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
ونذكر فائدة هذا الجمع أيضا "ويجب السجود على من سمع" التلاوة العربية "وإن لم يقصد السماع" فهم أو لم يفهم مروي عن أكابر الصحابة "إلا" أنه استثنى "الحائض و النفساء" فلا تجب عليهما بتلاوتهما و سماعهما شيئا وتجب بالسماع منهما كما تجب على الجنب وبسماعهما من كافر وصبي مميز "و" إلا "الإمام والمقتدي به" فلا تجب عليهما بالسماع من مقتد بالإمام السامع أو بإمام آخر وتجب على من ليس في الصلاة بسماعه من المقتدي على الأصح "ولو سمعوها" أي المقتدون والإمام "من غيره" أي غير المؤتم "سجدوا بعد الصلاة" لتحقق السبب وزوال المانع من فعلها في الصلاة "ولو سجدوا فيها لم تجزهم" لنقصانها "ولم تفسد صلاتهم" لأنها من جنسها "في ظاهر الرواية" وهو الصحيح "وتجب" السجدة "بسماع" القراءة باللغة "الفارسية إن فهمها على المعتمد" وهذا عندهما وتجب عليه عند أبي حنيفة وإن لم يفهم معناها إذا أخبر بأنها آية سجدة ومبنى الخلاف على أن الفارسية قرآن من كل وجه أو من وجه وإذا فهم تجب احتياطا "واختلف التصحيح في وجوبها" على السامع "بالسماع من نائم أو مجنون" ذكر شيخ الإسلام أنه لا يجب لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز وفي التتار خانية سمعها من نائم قيل تجب والصحيح هو المختار ومن نائم الصحيح أنها تجب ومثله قاضيخان وإذا أخبر أنه قرأها في نومه تجب عليه وهو الأصح وفي الهداية لا يلزمه هو الصحيح وقراءة السكران موجبة عليه وعلى السامع والأبكم والأصم وكاتب السجدة لا تجب برؤية من سجد والكتابة لعدم التلاوة والسماع "ولا تجب" سجدة التلاوة "بسماعها من الطيور" على الصحيح وقيل تجب وفي الحجة هو الصحيح لأنه سمع كلام الله وكذا الخلاف بسماعها من القرد المعلم "و" لا تجب بسماعها من "الصدى" وهو ما يجيب مثل صوتك في الجبال والصحاري ونحوها "وتؤدي بركوع أو سجود" كاثنين "في الصلاة غير ركوع الصلاة و"

 

ص -187-     وسجودها ويجزىء عنها ركوع الصلاة إن نواها وسجودها وإن لم ينوها إذا لم ينقطع فور التلاوة بأكثر من آيتين ....................
ــــــــــــــــــ
غير "سجودها" والسجود أفضل لأنه تحصيل قربتين سورة الواجب ومعناه وبالركوع المعنى وهو الخضوع وإذا كانت آخر تلاوة ينبغي أن يقرأ ولو آيتين من سورة أخرى بعد قيامه منها حتى لا يصير بانيا الركوع على السجود ولو ركع بمجرد قيامه منها كره "ويجزئ عنها" أي عن سجدة التلاوة "ركوع الصلاة إن نواها" أي نوى أدائها فيه نص عليه محمد لأن معنى التعظيم فيها واحد وينبغي ذلك للإمام مع كثرة القوم أو حال المخافتة حتى لا يؤدي إلى التخليط "و" يجزئ عنها أيضا "سجودها" أي سجود الصلاة "وإن لم ينوها" أي التلاوة "إذا لم ينقطع فور التلاوة" وانقطاعه "ب" أن يقرأ "أكثر من آيتين" بعد آية سجدة التلاوة بالإجماع وقال شمس الأئمة الحلواني لا ينقطع الفور ما لم يقرأ أكثر من ثلاث آيات وقال الكمال أن قول شمس الأئمة هو الرواية.
تنبيه مهم: إذا انقطع فور التلاوة صارت دينا فلا بد من فعلها بنية فيأتي لها بسجود أو ركوع خاص. قال المحقق الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى فإن قلت قد قالوا إن تأديتها في ضمن الركوع وهو القياس والاستحسان عدمه والقياس هنا مقدم على الاستحسان فاستغنى بكشف هذا المقام.
فالجواب: أن مرادهم من الاستحسان ما خفي من المعاني التي يناط بها الحكم ومن القياس ما كان ظاهرا متبادرا فظهر من هذا أن الاستحسان لا يقابل بالقياس المحدود في الأصول بل هو أعم منه فقد يكون الاستحسان بالنص وقد يكون بالضرورة بالقياس إذا كان قياس آخر متبادرا وذلك خفي وهو القياس الصحيح فيسمى الخفي استحسانا بالنسبة إلى ذلك المتبادر فثبت به أن مسمى الاستحسان في بعض الصور هو القياس الصحيح ويسمى مقابله قياسا باعتبار الشبه وبسبب كون القياس المقابل ما ظهر بالنسبة إلى الاستحسان ظن محمد بن سلمة أن الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع فكان القياس على قوله أن تقوم الصلبية وفي الاستحسان لا تقوم بل الركوع لأن سقوط السجدة بالسجدة أمر ظاهر فكان هو القياس وفي الاستحسان لا يجوز لأن السجدة قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها كصوم يوم من رمضان لا يقوم عن نفسه وعن قضاء يوم آخر فصح أن القياس وهو الآمر الظاهر هنا مقدم على الاستحسان بخلاف قيام الركوع مقامها فإن القياس يأبى الجواز لأن الظاهر وفي الاستحسان يجوز وهو الخفي فكان حينئذ من تقديم الاستحسان لا القياس.
لكن عامة المشايخ على الركوع هو القائم مقامها كذا ذكره محمد رحمه الله في الكتاب فإنه قال قلت فإن أراد أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك قال: أما

 

ص -188-     ولو سمع من إمام فلم يأتم به أو ائتم في ركعة أخرى سجد خارج الصلاة في الأظهر وإن ائتم قبل سجود إمامه لها سجد معه وإن اقتدى به بعد سجودها في ركعتها صار مدركا لها حكما فلا يسجدها أصلا ولم تقض الصلاتية خارجها ولو تلا خارج الصلاة فسجد ثم ..................
ــــــــــــــــــ
في القياس فالركعة في ذلك والسجدة سواء لأن كل ذلك صلاة وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ هذا لفظ محمد وجه القياس ما ذكره محمد أن معنى التعظيم فيهما واحد فكانا في حصول التعظيم بهما جنسا واحدا والحاجة إلى تعظيم الله إما اقتداء بمن عظم وإما مخالفة لمن استكبر فكان الظاهر هو الجواز ووجه الاستحسان أن الواجب هو التعظيم مخصوصة وهو السجود بدليل أنه لو لم يركع على الفور حتى طالت القراءة ثم نوى بالركوع أن يقع عن السجدة لا يجوز ثم أخذوا بالقياس لقوة دليله وذلك لما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كانا أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة ولم يرو عن غيرهما خلافه فلذا قدم القياس فإنه لا ترجيح للخفي لخفائه ولا للظاهر لظهوره بل يرجح في الترجيح إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوي الخفي أخذوا به والظاهر أخذوا به غير أن استقراءهم أوجب قله قوة الظاهر المتبادر بالنسبة إلى الخفي المعارض له فلذا حصروا مواضع تقديم القياس على الاستحسان في بضعة عشرة موضعا تعرف في الأصول هذا أحدها ولا حصر لمقابله. اهـ.
"ولو سمع" آية السجدة "من إمام فلم يأتم به" أصلا "أو ائتم" به "في ركعة أخرى" غير التي تلا الآية فيها وسجد لها الإمام "سجد" السامع سجودا "خارج الصلاة" لتحقق السمع وهو التلاوة الملزمة أو السماع من تلاوة صحيحة على اختلاف المشايخ في السبب وقوله "في الأظهر" متعلق بالمسألة الأخيرة صونا لها عن الضياع وللصلاة عن الزائد وأشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه بالاقتداء في ركعتها بناء على أنها صلوية "وإن ائتم" السامع "قبل سجود إمامه لها سجد معه" لوجود السبب وعدم المانع "فإن اقتدى" السامع "به" أي بالإمام "بعد سجودها" وكان اقتداؤه "في ركعتها صار" السامع "مدركا لها" أي للسجدة "حكما" بإدراكه ركعتها فيصير مؤديا لها حكما "فلا يسجدها أصلا" باتفاق الروايات لأنه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة لما فيه من مخالفته الإمام ولا بعد فراغه منها لأنها صلوية "ولم تقض الصلاتية خارجها" لأن لها مزية فلا تتأدى بناقض وعليه التوبة لإثمه بتعمد تركها كالجمعة لفوات الشرط إذا لم تفسد الصلاة بغير حيض ونفاس فإذا فسدت به فعليه السجدة لأن المفسد لا يبطل جميع أجزاء الصلاة وإنما يفسد الجزء المقارن فيمنع البناء عليه والحائض تسقط عنها السجدة بالحيض كالصلاة وفي حكمها النفساء، "ولو تلا" آية "خارج الصلاة فسجد" لها "ثم"

 

ص -189-     أعاد فيها: سجد أخرى، وإن لم يسجد أولا كفته واحدة في ظاهر الرواية كمن كررها في مجلس واحد لا مجلسين، ويتبدل المجلس بالانتقال منه ولو مسديا وبالانتقال من غصن إلى غصن وعوم في نهر أو حوض كبير في الأصح، ولا يتبدل بزوايا البيت والمسجد ولو كبيرا ولا بسير سفينة ولا بركعة وبركعتين وشربة وأكل لقمتين ومشى خطوتين ولا باتكاء وقعود وقيام ......................
ــــــــــــــــــ
دخل في الصلاة و "أعاد" تلاوتها "فيها" أي في الصلاة في مجلسه "سجد" سجدة "أخرى" لعدم تبعيتها للخارجية لقوة الصلاتية "وإن لم يسجد أولا" حين تلا أو سمع خارج الصلاة "كفته" سجدة "واحدة" وهي الصلاتية من التلاوتين لقوتها "في ظاهر الرواية" وإذا تبدل المجلس بنحو أكل لزم سجدتان وكذا إذا سجد في الصلاة ثم أعادها بعد سلامه يسجد أخرى في ظاهر الرواية لعدم بقاء الصلوية حكما "كمن كررها" أي الآية الواحدة "في مجلس واحد" حيث تكفيه سجدة واحدة سواء كانت في ابتداء التلاوة أو أثنائها أو بعدها للتداخل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحابه مرارا ويسجد مرة وهذا تداخل في السبب لا الحكم فتنوب عما قبلها وبعدها لأنه أليق بالعبادات والتداخل في الحكم لا ينوب إلا عن السابق لا اللاحق وهو أليق بالعقوبات فالحد بعد الشرب أو الزنا مرارا كاف لها وإذا عاد يعاد عليه لأنه للزجر ولم ينزجر بالأول "لا" في "مجلسين" لعدم ما يقتضي التداخل "ويتبدل المجلس بالانتقال منه" بخطوات ثلاث في الصحراء والطريق "ولو كان مسديا"1 في الأصح بأن يذهب وبيده السدى ويلقيه على أعواد مضروبة في الحائط والأرض لا الذي يدير دولابا يسمى دوارة يلقي عليه السدى وهو جالس أو قائم بمحل "و" يتبدل المجلس "بالانتقال من غصن" شجرة "إلى غصن" منها في ظاهر الرواية وهو الصحيح "و" يتبدل المجلس في "عوم" أي سباحة "في نهر" "أو" سباحة في "حوض كبير" ودياسة ودور حول الرحى لاختلاف المجلس وقوله "في الأصح" رجع إلى المسائل كلها "ولا يتبدل" مجلس السماع والتلاوة "بزوايا البيت" الصغير "و" لا يتبدل مجلس التلاوة بزوايا "المسجد ولو" كان "كبيرا" لصحة الاقتداء مع اتساع الفضاء فيه "ولا" يتبدل مجلس التلاوة والسماع "بسير سفينة" كما لو كانت واقفة "ولا" يتبدل "بركعة" تكررت فيها التلاوة اتفاقا "و" لا يتبدل "بركعتين" عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذا الخلاف في الشفع الثاني من الفرض إذا كررها فيه وبتكرارها في الشفع الثاني من سنة الظهر يسجد ثانيا "و" لا يتبدل بشرب "شربة وأكل لقمتين ومشي خطوتين" في الصحراء بخلاف الأكثر منها "ولا باتكاء وقعود وقيام"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسدي: الرجل يأخذ بيده خيوط النسيج فيلقيها على أعواد مضروبة في الحائط أو في الأرض. وهذه الخيوط تسمى السدا، وعمله يسمى التسدية.

 

ص -190-     وركوب ونزول في محل تلاوته ولا بسير دابته مصليا ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل مجلسه وقد اتحد مجلس التالي لا بعكسه على الأصح، وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة لا عكسه وندب ضم آية أو أكثر إليها وندب إخفاؤها عن غير متأهب لها وندب القيام ثم السجود لها ولا يرفع السامع رأسه منها قبل تاليها ولا يؤمر التالي بالتقدم ولا السامعون بالاصطفاف فيسجدون كيف كانوا. وشرط لصحتها شرائط الصلاة إلا التحريمة، وكيفيتها أن يسجد سجدة واحدة بين تكبيرتين هما سنتان، ........
ــــــــــــــــــ
بدون مشي في الصحراء "وركوب ونزول" كائن "في محل تلاوته" كما في الخانية، "ولا" يتبدل المجلس "بسير دابته" إذا كررها "مصليا" لجعل المجلس متحدا ضرورة جواز الصلاة "ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل مجلسه و" الحال أنه "قد اتحد مجلس التالي" كأن سمع تاليا بمكان فذهب السامع ثم عاد فسمعه يكررها تكرر على السامع السجود إجماعا و "لا" يتكرر الوجوب على السامع "بعكسه" وهو اتحاد مجلس السامع واختلاف مجلس التالي بأن تلا فذهب ثم عاد مكررا فسمعه الجالس أيضا تكفيه سجدة "على الأصح" لأن السبب في حقه السماع ولم يتبدل مجلسه "وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة" منها لأنه يشبه1 الاستنكاف عنها "لا" يكره "عكسه" وهو أن يفرد آية السجدة بالقراءة لأنه مبادرة إليها "و" لكن "ندب ضم آية أو" ضم "أكثر" من آية "إليها" أي إلى آية السجدة لدفع توهم التفضيل "وندب إخفاؤها" يعني استحب المشايخ إخفاؤها "من غير متأهب لها" شفقة على السامعين إن لم يتهيئوا لها "وندب القيام" لم تلا جالسا "ثم السجود لها" روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها "و" ندب أن "لا يرفع السامع" عند تلاوتها "رأسه منها" أي السجدة "قبل" رفع رأس "تاليها" لأنه الأصل في إيجابها فيتبع في أدائها وليس هو حقيقة اقتداء "و" لذا "لا يؤمر التالي بالتقدم ولا" يؤمر "السامعون بالاصطفاف فيسجدون" معه حيث كانوا و "كيف كانوا" قال شيخ الإسلام "وشرط لصحتها" أن تكون "شرائط الصلاة" موجودة في الساجد الطهارة من الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة وتحريها عند الاشتباه والنية "إلا التحريمة" فلا تشترط لأن التكبير سنة فيها وفي التتار خانية عن الحجة ويستحب للتالي أو السامع إذا لم يمكنه السجود أن يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير انتهى يعني ثم يقضيها "وكيفيتها أن يسجد سجدة واحدة" كائنة "بين تكبيرتين" تكبيرة للوضع وتكبيرة للرفع "هما سنتان" كذا قال في مبسوط فخر الإسلام: التكبير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولأنه يوهم الفرار من لزوم السجود هجران بعض القرآن وكل ذلك مكروه.

 

ص -191-     بلا رفع يد ولا تشهد ولا تسليم.
ــــــــــــــــــ
ليس بواجب وصححه في البدائع "بلا رفع يد" إذ لا تحريم لها والتكبير للانحطاط "ولا تشهد" لعدم وروده "ولا تسليم" لأنه يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة وتسبيحها مثل الصلاتية سبحان ربي الأعلى ثلاثا وهو الأصح قال الكمال ينبغي أن يقال في ذلك غير النفل وفيه يقول ما شاء مما ورد كسجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته اللهم اكتب لي عندك بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك فخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك.

فصل سجدة الشكر
مكروهة عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وقالا هي قربة يثاب عليها، وهيئتها: مثل سجدة التلاوة.
فائدة مهمة لدفع كل مهمة: ..................
ــــــــــــــــــ
فصل: سجدة الشكر
مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله" قاله القدوري والكمال وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ما دون الركعة ليس بقربة شرعا إلا في محل النص وهو سجود التلاوة فلا يكون للسجود في غير قربة انتهى وعن محمد عن أبي حنيفة أن كرهه وروي عن أبي حنيفة أنه قال لا أراه شيئا ثم قيل أنه لم يرد به نفي شرعيتها قربة بل أراد نفي وجوبها شكرا لعدم إحصاء نعم الله تعالى فتكون مباحة ولا يراها شكرا تاما وتمام الشكر في صلاة ركعتين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كذا في السير الكبير وقال الأكثرون إنها ليست بقربة عنده بل هي مكروهة لا يثاب عليها وما روي أنه عليه السلام كان يسجد إذا رأى مبتلي فهو منسوخ "وقالا" أي محمد وأبو يوسف في إحدى الروايتين عنه "هي" أي سجدة الشكر "قربة يثاب عليها" لما روي الستة إلا النسائي عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا "وهيئتها" أن يكبر مستقبل القبلة ويسجد فيحمد الله ويشكر ويسبح ثم يرفع رأسه مكبرا "مثل سجدة التلاوة" بشرائطها.
فائدة مهمة
لدفع كل نازلة: "مهمة" ينبغي الاهتمام بتعلمها وتعليمها.

 

ص -192-     قال الإمام النسفي في الكافي: من قرأ آي السجدة كلها في مجلس واحد وسجد لكل منها كفاه الله ما أهمه.
ــــــــــــــــــ
"قال" الشيخ "الإمام" حافظ الحق والملة والدين عبد الله بن أحمد بن محمود "النسفي في" كتابه "الكافي" شرح الوافي "من قرأ آي السجدة كلها" وهي التي قصدت جمعها لهذه الفائدة وتقريب الأمر مع حكم السجود رجاء فضل الله الكريم الودود "في مجلس واحد وسجد" بتلاوته "لكل" آية "منها" سجدة "كفاه الله" تعالى "ما أهمه" من دنياه وآخرته ونقله أيضا المحقق ابن الهمام وغيره من الشراح رحمهم الله.

باب صلاة الجمعة
صلاة الجمعة: فرض عين على من اجتمع فيه سبعة شرائط: الذكورة، والحرية، والإقامة بمصر،............
ــــــــــــــــــ
باب الجمعة
هي من الاجتماع - بسكون الميم والقراء يضمونها وفي المصباح ضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل - "صلاة الجمعة فرض عين" بالكتاب1 والسنة والإجماع ونوع من2 المعنى يكفر جاحدها لذلك. وقال عليه السلام في حديث "واعلموا أن الله تعالى فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا فمن تركها تهاونا بها واستخفافا وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا فلا صلاة له ألا فلا زكاة له ألا فلا صوم له إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه" وقال صلى الله عليه وسلم
"من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله على قلبه ومن يطبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم". والجمعة فرض آكد من الظهر "على" كل "من اجتمع فيه سبعة شرائط" وهي: "الذكورة" خرج به النساء "والحرية" خرج به الأرقاء "والإقامة" خرج به المسافر وأن تكون الإقامة "بمصر" خرج به المقيم بقرية لقوله عليه السلام: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" وفي البخاري "إلا على صبي أو مملوك أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال تعالى:
{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}: الذكر الخطبة أو الصلاة فإن كان الصلاة فدلالة فرضية الجمعة ظاهرة وإن كان المراد الخطبة فكذلك لأن افتراض السعي إلى الشرط فرع افتراض المشروط. وأيضا حرم الله البيع في وقت النداء والحكمة تقضي بألا يحرم المباح إلا الواجب.
2 أما المعنى فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة والظهر فريضة ولا يجوز ترك فرض إلا لفرض آكد منه فدل على أن الجمعة آكد من الظهر في الفرضية.

 

ص -193-     أو فيها هو داخل في حد الإقامة بها في الأصح والصحة والأمن من ظالم وسلامة العينين وسلامة الرجلين.
ويشترط لصحتها ستة أشياء، المصر أو فناؤه، والسلطان أو نائبه، ............
ــــــــــــــــــ
مسافر" ولقوله عليه السلام "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة" ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم حين فتحوا البلاد اشتغلوا بنصب المنابر والجمع إلا في الأمصار دون القرى ولو كان لنقل ولو آحادا فلا بد من الإقامة "أو" الإقامة "فيما" أي في محل "هو داخل في حد الإقامة بها" أي بالنص وهو المكان الذي من فارقه بنية السفر يصير مسافرا ومن وصل إليه يصير مقيما "في الأصح" كربض المصر وفنائه الذي لم ينفصل عنه بغلوة كما تقدم ولا يجب على من كان خارجه ولو سمع النداء من المصر سواء كان سواده قريبا من المصر أو بعيدا على الأصح فلا يعمل بما قيل بخلافه وإن صح "و" الرابع "الصحة" خرج به المريض لما روينا والشيخ الكبير الذي ملحق بالمريض "و" الخامس "الأمن من ظالم" فلا تجب على من اختفى من ظالم ويلحق به المفلس الخائف من الحبس كما جاز له التيمم "و" السادس "سلامة العينين" فلا تجب على أعمى عند أبي حنيفة خلافا لهما إذا وجد قائدا يوصله وهي مسألة القادر بقدرة الغير "و" السابع "سلامة الرجلين" فلا تجب على المقعد لعجزه عن السعي اتفاقا ومن العذر المطر العظيم وأما البلوغ والعقل فليسا خاصين فلذا لم يذكرهما.
"ويشترط لصحتها" أي صلاة الجمعة "ستة أشياء" الأول "المصر أو فناؤه" سواء مصلى العيد وغيره لأنه بمنزلة المصر في حق حوائج أهله وتصح إقامة الجمعة في مواضع كثيرة بالمصر وفنائه وهو قول أبي حنيفة ومحمد في الأصح ومن لازم جواز التعدد سقوط اعتبار السبق وعلى القول الضعيف المانع من جواز التعدد قيل بصلاة أربع بعدها بنية آخر ظهر عليه وليس الاحتياط في فعلها لأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما إطلاق جواز تعدد الجمعة وبفعل الأربع مفسدة اعتقاد الجهلة عدم فرض الجمعة أو تعدد المفروض في وقتها ولا يفتى بالأربع إلا للخواص ويكون فعلهم إياها في منازلهم "و" الثاني من شروط الصحة أن يصلي بهم "السلطان"1 إماما فيها "أو نائبه" يعني من أمره بإقامة الجمعة للتحرز عن تفويتها بقطع الأطماع في التقدم وله الاستنابة وإن لم يصرح له بها السلطان دلالة بعذر أو بغيره حضر أو غاب عنه وأما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السلطان: من لا والي فوقه. ونائبه: الأمير أو القاضي أو الخلفاء. ولو مات وله أذن أقاموا الجمعة لأنهم على حالهم ما لم يعزلوا وأذن السلطان أو نائبه إنما هو شرط عند بناء المسجد والأذن مستصحب بعد ذلك لكل خطيب والاستخلاف جائز ولا يشترط اتحاد الخطيب والإمام.

 

ص -194-     ووقت الظهر فلا تصح قبله وتبطل بخروجه، والخطبة قبلها بقصدها في وقتها، وحضور أحد لسماعها ممن تنعقد بهم الجمعة ولو واحدا في الصحيح والإذن العام والجماعة وهم: ثلاثة رجال ......
ــــــــــــــــــ
إذا سبقه حدث فإن كان بعد شروعه في الصلاة فكل من صلح إماما صح استخلافه وإذا كان قبل إحرامه للصلاة بعد الخطبة فيشترط أن يكون الخليفة قد شهد الخطبة أو بعضها أيضا، "و" الثالث "وقت الظهر" لقوله صلى الله عليه وسلم
"إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة" "فلا تصح" الجمعة "قبله وتبطل بخروجه" لفوات الشرط. "و" الرابع "الخطبة" ولو بالفارسية من قادر على العربية ويشترط لصحة الخطبة فعلها "قبلها" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "بقصدها" حتى لو عطس الخطيب فحمد لعطاسه لا ينوب عن الخطبة "في وقتها" للمأثور "وحضور أحد لسماعها" ولو كان أصم أو نائما أو بعيدا "ممن تنعقد بهم الجمعة" فيكفي حضور عبد أو مريض أو مسفر ولو كان جنبا فإذا حضر غيره أو تطهر بعد الخطبة تصح الجمعة به لا صبي أو امرأة فقط ولا يشترط سماع جماعة فتصح الخطبة "ولو" كان الحاضر "واحد" وروي عن الإمام وصاحبيه صحتها وإن لم يحضره أحد و "في" الرواية الثانية عنهم يشتر حضور واحد في "الصحيح" ويشترط أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل وعمل قاطع واختلف في صحتها لو ذهب لمنزلة لغسل أو وضوء فهذه خمس شروط أو ست لصحة الخطبة فلينتبه لها. "و" الخامس من شروط صحة الجمعة "الإذن العام" كذا في الكنز لأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين فلزم إقامتها على سبيل الاشتهار والعموم حتى غلق الإمام باب قصره أو المحل الذي يصلي فيه بأصحابه لم يجز وإن أذن للناس بالدخول فيه صحت ولكن لم يقض حق المسجد الجامع فيكره ولم يذكر في [الهداية] هذا الشرط لأنه غير مذكور في ظاهر الرواية وإنما هو رواية [النوادر].
قلت اطلعت على رسالة العلامة بن الشحنة وقد قال فيها بعدم صحة الجمعة في قلعة القاهرة لأنها تقفل وقت صلاة الجمعة وليست مصرا على حدتها. وأقول في المنع نظر ظاهر لأن وجه القول بعدم صحة صلاة الإمام بقفله قصره اختصاصه بها دون العامة والعلة مفقودة في هذه القضية فإن القلعة وإن قفلت لم يختص الحاكم فيها بالجمعة لأن عند باب القلعة عدة جوامع في كل منها خطبة لا يفوت من منع من دخول القلعة الجمعة بل لو بقيت القلعة مفتوحة لا يرغب في طلوعها للجمعة لوجودها فيما هو أسهل من التكلف بالصعود لها وفي كل محلة من المصر عدة من الخطب فلا وجه لمنع صحة الجمعة بالقلعة عند قفلها.
"و" السادس "الجماعة" لأن الجمعة مشتقة منها ولأن العلماء أجمعوا على أنها لا تصح من المنفرد "و" واختلفوا في تقدير الجماعة فعندنا: "هم ثلاثة رجال" وإن لم

 

ص -195-     غير الإمام ولو كانوا عبيدا أو مسافرين أو مرضى والشرط بقاؤهم مع الإمام حتى يسجد فإن نفروا بعد سجوده أتمها وحده جمعة وإن نفروا قبل سجوده بطلت ولا تصح بامرأة أو صبي مع رجلين وجاز للعبد والمريض أن يؤم فيها.
والمصر: كل موضع له مفت وأمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود وبلغت أبنيته أبنية منى في ظاهر الرواية وإذا كان القاضي أو الأمير مفتيا أغنى عن التعداد وجازت الجمعة بمنى في الموسم للخليفة أو أمير الحجاز، ...
ــــــــــــــــــ
يحضروا الخطبة وقد جاءوا فإن صرف من شهدها وصلى بهم الإمام جاز من غير إعادة الخطبة في ظاهر الرواية وهم "غير الإمام" عند الإمام الأعظم ومحمد وقال أبو يوسف اثنان سوى الإمام لما في المثنى من معنى الاجتماع ولهما إن الجمع الصحيح إنما هو الثلاثة "وكانوا عبيدا أو مسافرين أو مرضى" أو مختلطين لأنهم صلحوا للإمامة فيها فأولى أن يصلحوا للاقتداء "والشرط" عند الإمام لانعقاد أدائها بهم "بقاؤهم" محرمين "مع الإمام" ولو كان اقتداؤهم في حال ركوعه قبل رفع رأسه "حتى يسجد" السجدة الأولى "فإن نفروا" أي أفسدوا صلاتهم "بعد سجوده" أي الإمام "أتمها وحده جمعة" باتفاق أئمتنا الثلاثة وقال زفر يشترط دوامهم كالوقت إلى تمامها "وإن نفروا" أو بعضهم ولم يبق إلا اثنان من الرجال إذ لا عبرة بالنساء والصبيان الباقين "قبل سجوده" أي الإمام "بطلت" عند أبي حنيفة لأنه يقول الجماعة شرط انعقاد الأداء وعندهما يتمها وحده لأن الجماعة شرط انعقاد التحريمة، "ولا تصح" أي لا تنعقد الجمعة "بامرأة أو صبي مع رجلين" لعدم صلاحية الصبي والمرأة للإمامة "وجاز للعبد والمريض" والمسافر "أن يؤم فيها" بالإذن أصالة أو نيابة صريحا أو دلالة كما تقدم لأهليتهم للإمامة وإنما سقط عنهم وجوبها تخفيفا.
ولما كان حد المصر مختلفا فيه على أقوال كثيرة ذكر الأصح منها فقال "والمصر" عند أبي حنيفة "كل موضع" أي بلد "له مفت" يرجع إليه في الحوادث "وأمير" ينصف المظلوم من الظالم "وقاض" مقيمون بها وإنما قال "ينفذ الأحكام ويقيم الحدود" احترازا عن المحكم والمرأة وذكر الحدود يغني عن القصاص "و" الحال أنه موضع "بلغت أبنيته" قدر "أبنية منى" وهذا "في ظاهر الرواية" قاله قاضيخان وعليه الاعتماد، "وإذا كان القاضي أو الأمير مفتيا أغنى عن التعداد" لأن المدار على معرفة الأحكام لا على كثرة الأشخاص "وجازت الجمعة بمنى في الموسم1 للخليفة وأمير الحجاز" لا أمير الموسم لأنه يلي أمر الحاج لا غير عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: لا تصح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بالموسم: أيام الحج وفيه إيذان بأنها لا تقام في غير الموسم لزوال تمصرها بزوال أيامه.

 

ص -196-     وصح الاقتصار في الخطبة: على نحو تسبيحة أو تحميدة مع الكراهة.
وسنن الخطبة ثمانية عشر شيئا الطهارة وستر العورة والجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة والأذان بين يديه كالإقامة ثم قيامه والسيف بيساره متكئا عليه في كل بلدة فتحت عنوة وبدونه في بلدة فتحت صلحا واستقبال القوم بوجهه وبداءته بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله والشهادتان وللصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه سلم والعظة والتذكير وقراءة آية من القرآن وخطبتان والجلوس بين الخطبتين،
ــــــــــــــــــ
بها لأنها قربة وقالا تتمصر في الموسم "وصح الاقتصار في الخطبة على" ذكر خالص لله تعالى "نحو تسبيحة أو تحميدة" أو تهليلة أو تكبيرة لكن "مع الكراهة" لترك السنة عند الإمام وقالا لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة وأقله قدر التشهد إلى قوله عبده ورسوله حمد وصلاة ودعاء للمسلمين والتسبيحة ونحوها لا تسمى خطبة وله قوله تعالى:
{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] من غير فصل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة أو لا ولقضية عثمان رضي الله عنه لما قال الحمد لله فارتج عليه ثم نزل وصلى بهم ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا منهم.
"وسنن الخطبة" التي في ذات الخطيب والتي في نفس الخطبة "ثمانية عشر شيئا" بل يزاد عليها، فمن السنة أن يكون جلوس الخطيب في مخدعه عن يمين المنبر أو جهته لابسا السواد أو البياض، ومنها "الطهارة" حال الخطبة لأنها ليست صلاة ولا كشطرها وتأويل الأثر أنها في حكم الثواب كشطر الصلاة هو الصحيح، "وستر العورة"، "و" كذا "الجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة والأذان بين يديه" جرى به التوارث "كالإقامة" بعد الخطبة، "ثم قيامه" بعد الأذان في الخطبتين ولو قعد فيهما أو في إحداهما أجزأ وكره من غير عذر وإن خطب مضطجعا أجزأ "و" إذا قام يكون "السيف بيساره متكئا عليه في كل بلدة فتحت عنوة" ليريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك باق بأيدي المسلمين يقاتلونكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام "و" يخطب "بدونه" أي السيف "في" كل "بلدة فتحت صلحا" ومدينة الرسول فتحت بالقرآن فيخطب فيها بلا سيف ومكة فتحت بالسيف، "و" يسن "استقبال القوم بوجهه" كما استقبل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، "و" يسن "بداءته بحمد الله" بعد التعوذ في نفسه سرا "والثناء عليه بما هو أهله" سبحانه "والشهادتان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والعظة" بالزجر عن المعاصي والتخويف والتحذير مما يوجب مقت الله تعالى وعقابه سبحانه "والتذكير" بما به النجاة "وقراءة آية من القرآن" لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في خطبته:
{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] والأكثر على أنه يتعوذ قبلها ولا يسمي إلا أن يقرأ سورة كاملة فيسمي أيضا، "و" يسن "خطبتان" للتوارث إلى وقتنا، "و" يسن "الجلوس بين الخطبتين"

 

ص -197-     وإعادة الحمد والثناء والصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الخطبة الثانية والدعاء فيها للمؤمنين بالاستغفار لهم وأن يسمع القوم الخطبة و تخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل ويكره التطويل وترك شيء من السنن. ويجب السعي للجمعة وترك البيع بالأذان الأول في الأصح، وإذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام
ــــــــــــــــــ
جلسة خفيفة وظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات، "و" يسن "إعادة الحمد و" إعادة "الثناء و" إعادة "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" كائنة تلك الإعادة "في ابتداء الخطبة الثانية" وذكر الخلفاء الراشدين والعمين مستحسن بذلك جرى التوارث "و" يسن "الدعاء فيها" أي الخطبة الثانية "للمؤمنين والمؤمنات" مكان الوعظ "بالاستغفار لهم" الباء بمعنى مع أي يدعو لهم بإجراء النعم ودفع النقم والنصر على الأعداء والمعافاة من الأمراض والأدواء مع الاستغفار، "و" يسن "أن يسمع القوم الخطبة" ويجهر في الثانية دون الأولى وإن لم يسمع أجزأ كما في الدراية "و" يسن "تخفيف الخطبتين" قال ابن مسعود رضي الله عنه طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل "بقدر سورة من طوال المفصل" كذا في الدراية ولكن يراعى الحال بما هو دون ذلك فإنه إذا جاء بذكر وإن قل يكون خطبة.
"ويكره التطويل" من غير قيد بزمن في الشتاء لقصر الزمان وفي الصيف للضرر بالزحام والحر، "وترك شيء من السنن" التي بيناها، "ويجب" يعني يفترض "السعي" أراد الذهاب ماشيا بالسكينة والوقار لا الهرولة لأنها تذهب بهاء المؤمن والمشي أفضل لمن يقدر عليه وفي العود منها وإنما ذكر بلفظ السعي لمطابقة الأمر به في الآية وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله:
"إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وأخرجه أحمد وقال: "وما فاتكم فاقضوا" فيذهب في الساعة الأولى وهو الأفضل ثم ما يليها وهكذا "للجمعة و" يجب بمعنى يفترض "ترك البيع" وكذا ترك كل شيء يؤدي إلى الاشتغال عن السعي إليها أو يخل به كالبيع ماشيا إليها لإطلاق الأمر "بالأذان الأول" الواقع بعد الزوال "في الأصح" لحصول الإعلام به لأنه لو انتظر الأذان الثاني الذي عند المنبر تفوته السنة وربما لا يدرك الجمعة لبعد محله وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني.
"وإذا خرج1 الإمام فلا صلاة2 ولا كلام" وهو قول الإمام لأنه نص النبي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خرج من حجرته إن كانت وإلا فقيامه للصعود.
2 فلا صلاة. سواء كانت قضاء فائتة أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو منذورة أو نفلا إلا إذا تذكر فائتة ولو وترا وذلك لصاحب الترتيب فيصليها لضرورة صحة الجمعة ولا يكره الشروع قبل الخروج ويتم بعده دون كراهة إلا في النفل فيتم شفعا ثم يقطع إلا إن خرج بعد شروعه في الثالثة فيتم أيضا.

 

ص -198-     حتى يفرغ من صلاته وكره لحاضر الخطبة الأكل والشرب والعبث والالتفات ولا يرد سلاما، ولا يشمت عاطسا ولا يسلم الخطيب على القوم إذا استوى على المنبر وكره الخروج من المصر بعد النداء ما لم يصل ومن لا جمعة عليه إن أداها جاز عن فرض الوقت ومن لا عذر له .................
ــــــــــــــــــ
عليه الصلاة والسلام وقال أبو يوسف ومحمد ولا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر واختلفا في جلوسه إذا سكت فعند أبي يوسف يباح وعند محمد لا يباح لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا وله إطلاق الأمر وإذا أمر الخطيب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يصلي سرا إحرازا للفضيلتين ويحمد في نفسه إذا عطس على الصحيح وفي الينابيع يكره التسبيح وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والكتابة إذا كان يسمع الخطبة وروي عن نصير بن يحيى إن كان بعيدا من الإمام يقرأ القرآن وروي عنه أن كان يحرك شفتيه ويقرأ القرآن فمن فعل مثله ولا يشتغل غيره بسماع تلاوته لا بأس به كالنظر في الكتاب والكتابة وفيه خلاف وروي عن أبي يوسف أن لا بأس به وقال الحسن بن زياد ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير وأن الحكم كان يجلس مع أبي يوسف يوم الجمعة وينظر في كتابه ويصحح بالقلم وقت الخطبة.
"ولا يرد سلاما ولا يشمت عاطسا" لاشتغاله بسماع واجب قال في الحجة كان أبو حنيفة رحمه الله يكره تشميت العاطس ورد السلام إذا خرج الإمام "حتى يفرغ من صلاته" لما قدمناه وليس منه الإنذار والنداء لخوف على أعمى ونحوه التردي في بئر أو خوف حية أو عقرب لأن حق الآدمي مقدم على الإنصات وحق الله والدعاء المستجاب وقت الإقامة يحصل بالقلب لا باللسان، "وكره لحاضر الخطبة الأكل والشرب" وقال الكمال يحرم وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا والأكل والشرب والكتابة انتهى يعني إذا كان يسمع ما يجتنبه في الصلاة، "ولا يسلم الخطيب على القوم إذا استوى على المنبر" لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه والمروي من سلامه عندنا غير مقبول.
"وكره" لمن تجب عليه الجمعة "الخروج من المصر" يوم الجمعة "بعد النداء" أي الأذان الأول وقبل الثاني "ما لم يصل" الجمعة لأنه شمله الأمر بالسعي قبل تحققه بالسفر وإذا خرج قبل الزوال فلا بأس به بلا خلاف عندنا وكذا بعد الفراغ منها وإن لم يدركها، "ومن لا جمعة عليه" كمريض ومسافر ورقيق وامرأة وأعمى ومقعد "إن أداها جاز عن فرض الوقت" لأن سقوط الجمعة عنه للتخفيف عليه فإذا تحمل ما لم يكلف به وهو الجمعة جاز عن ظهره كالمسافر إذا صام وكلام الشراح يدل على أن الأفضل لهم الجمعة غير أنه يستثنى منه المرأة لمنعها عن الجماعة. "ومن لا عذر له" يمنعه عن

 

ص -199-     لو صلى الظهر قبلها حرم، فإن سعى إليها والإمام فيها بطل ظهره وإن لم يدركها. وكره للمعذور والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر يومها، ومن أدركها في التشهد أو سجود السهو أتم جمعته والله أعلم.
ــــــــــــــــــ
حضور الجمعة "لو صلى الظهر قبلها أي قبل صلاة الجمعة انعقد ظهره لوجود وقت الأصل في حق الكافة وهو الظهر لكنه لما أمر بالجمعة "حرم" عليه الظهر وكان انعقاده موقوفا "فإن سعى" أي مشى "إليها" أي إلى الجمعة "و" كان "الإمام فيها" وقت انفصاله عن داره لم يتمها أو أقيمت بعد ما سعى إليها "بطل ظهره" أي وصفه وصار نفلا وكذا المعذور "وإن لم يدركها" في الأصح وقيل إذا مشى خطوتين في البيت الواسع يبطل ولا يبطل إذا كان مقارنا للفراغ منها كما بعده أو لم تقم الجمعة أصلا وقال لا يبطل ظهره حتى يدخل مع القوم وفي رواية حتى يتمها حتى لو أفسد الجمعة قبل تمامها لا يبطل ظهره على هذه الرواية ويقتصر الفساد عليه لو كان إماما ولم يحضر الجمعة من اقتدى به في الظهر، "وكره للمعذور" كمريض ورقيق ومسافر "والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر يومها" أي الجمعة يروى ذلك عن علي رضي الله عنه ويستحب له تأخير الظهر عن الجمعة فإنه يكره له صلاتها منفردا قبل الجمعة في الصحيح، "ومن أدركها" أي الجمعة "في التشهد أو" في "سجود السهو" وتشهده "أتم جمعة" لما رويناه:
"وما فاتكم فاقضوا" وهذا عندهما وقال محمد إن أدركه قبل رفع رأسه من ركوع الثانية أتم جمعة وإلا أتم ظهرا وفي العيد يتمه اتفاقا ويتخير في الجهر والإخفاء وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهره ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم يسكت إذا تكلم الخطيب إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يعصمهم الله من عذاب القبر المؤذن والشهيد والمتوفى ليلة الجمعة".

باب صلاة العيدين
صلاة العيدين: واجبة ...............
ــــــــــــــــــ
باب أحكام العيدين
من الصلاة وغيرها سمي عيدا لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان إلى عباده1 "صلاة العيدين واجبة" وليست فرضا، ورد نص الوجوب عن الإمام في رواية، وهي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرعت في السنة الأولى من الهجرة والأصل فيها ما رواه أبو داود عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال:
"ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكما بهما خيرا منهما عيد الفطر وعيد الأضحى".

 

ص -200-     في الأصح1 على من تجب عليه الجمعة بشرائطها سوى الخطبة فتصح بدونها مع الإساءة كما لو قدمت الخطبة على صلاة، وندب في الفطر ثلاثة عشر شيئا: أن يأكل وأن يكون المأكول تمرا ووترا ويغتسل ويستاك، ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه ويودي صدقة الفطر إن وجبت عليه ويظهر الفرح والبشاشة وكثرة الصدقة حسب طاقته والتبكير وهو سرعة الانتباه والابتكار وهو المسارعة إلى المصلى وصلاة الصبح في مسجد حيه ثم يتوجه إلى .................
ــــــــــــــــــ
الأصح رواية ودراية وبه قال الأكثرون وتسميتها في الجامع الصغير سنة لأنه ثبت الوجوب بها لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة العيدين من غير ترك فتجب "على من تجب عليه الجمعة بشرائطها" وقد علمتها فلا بد من شرائط الوجوب جميعها وشرائط الصحة "سوى الخطبة"2 لأنها لما أخرت عن الصلاة لم تكن شرطا لها بل سنة "فتصح" صلاة العيدين "بدونها" أي الخطبة لكن "مع الإساءة"3 لترك السنة "كما" يكون مسيئا "لو قدمت الخطبة على الصلاة" لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم "وندب" أي استحب لمصلي العيد "في" يوم "الفطر ثلاثة عشر شيئا أن يأكل" بعد الفجر قبل ذهابه للمصلى شيئا حلوا كالسكر "و" ندب "أن يكون المأكول تمرا" إن وجد "و" أن يكون عدده "وترا" لما روي عن البخاري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا" ولو لم يأكل قبلها لا يأثم ولو لم يأكل في يومه ذلك ربما يعاقب كذا في الرواية "و" ندب أي سن أن "يغتسل" وتقدم أنه للصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة" وهذا نص على أنه يسن لغير الحاج يوم عرفة وفيه رد على ابن أمير حاج "ويستاك" لأنه مطلوب في سائر الصلوات وأعم الحالات "ويتطيب" لأنه عليه السلام كان يتطيب يوم العيد ولو من طيب أهله "ويلبس أحسن ثيابه" التي يباح لبسها ويندب للرجال وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة فنك يلبسها في الجمع والأعياد "ويؤدي صدقة الفطر إن وجبت عليه" لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأدائها قبل خروج الناس إلى الصلاة "ويظهر الفرح" بطاعة الله وشكر نعمته ويتختم، "و" يظهر "البشاشة" في وجه من يلقاه من المؤمنين "وكثرة الصدقة" النافلة "حسب طاقته" زيادة عن عادته "والتبكر وهو سرعة الانتباه" أول الوقت أو قبله لأداء العبادة بنشاط "والابتكار" وهو المسارعة إلى المصلى لينال فضيلة الصف الأول "وصلاة الصبح في مسجد حيه" لقضاء حقه ولتمحض ذهابه لعبادة مخصوصة وفي قوله "ثم يتوجه إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلمة في الأصح غير موجودة في الشرح. فلينتبه.
2 وأيضا لا يشترط الجماعة المذكورة في الجمعة بل الواحد مع الإمام جماعة.
3 الإساءة دون الكراهة.

 

 

ص -201-     المصلى ماشيا مكبرا سرا ويقطعه إذا انتهى إلى المصلى في رواية وفي رواية أخرى إذا افتتح الصلاة و يرجع من طريق آخر، ويكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى والبيت وبعدها في المصلى فقط على اختيار الجمهور. ووقت صلاة العيد: من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين إلى زوالها، وكيفية صلاتها: أن ينوي صلاة العيد ثم يكبر للتحريمة ثم يقرأ الثناء ثم يكبر تكبيرات الزوائد ثلاثا يرفع يديه في كل منها، ثم يتعوذ
ــــــــــــــــــ
المصلى" إشارة لتقديم ما تقدم على الذهاب إلى المصلى "ماشيا" بسكون ووقار وغض بصر روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ماشيا وكان يقول عند خروجه
"اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل ""مكبرا سرا" قال عليه السلام "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي"1 وعندهما جهرا وهو رواية عن الإمام وكان ابن عمر يرفع صوته بالتكبير "ويقطعه" أي التكبير "إذا انتهى إلى المصلى في رواية" جزم بها في الدراية "وفي رواية إذا افتتح الصلاة" كذا في الكافي وعليه عمل الناس قال أبو جعفر وبه نأخذ "ويرجع من طريق آخر" اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتكثيرا للشهود "ويكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى" اتفاقا "و" في "البيت" عند عامتهم وهو الأصح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها" متفق عليه "و" يكره التنفل "بعدها" أي بعد صلاة العيد "في المصلى فقط" فلا يكره في البيت "على اختيار الجمهور" لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين"، "و" ابتداء "وقت" صحة "صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين" حتى تبيض للنهي عن الصلاة وقت الطلوع إلى أن تبيض ولأنه صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي العيد وهي حين ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين"، فلو صلوا قبل ذلك لا تكون صلاة العيد بل نفلا محرما "إلى" قبيل "زوالها" أي الشمس كما ورد به الأثر "وكيفية صلاتهما" أي العيدين "أن ينوي" عند أداء كل منهما "صلاة العيد" بقلبه ويقول بلسانه أصلي صلاة العيد لله تعالى إماما والمقتدي ينوي المتابعة أيضا "ثم يكبر للتحريمة ثم يقرأ" الإمام والمؤتم "الثناء" سبحانك اللهم وبحمدك الخ لأنه شرع في أول الصلاة فيقدم على تكبيرات الزوائد في ظاهر الرواية "ثم يكبر" الإمام والقوم "تكبيرات الزوائد" سميت بها لزيادتها على تكبير الإحرام والركوع يكررها "ثلاثا" وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه ويسكت بعد كل تكبيرة مقدار ثلاث تكبيرات في رواية عن أبي حنيفة لئلا يشتبه على البعيد عن الإمام ولا يسن ذكر ولا بأس بأن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "يرفع يديه" الإمام والقوم "في كل منها" وتقدم أنه سنة "ثم يتعوذ" الإمام "ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

 

ص -202-     ثم يسمي سرا، ثم يقرأ الفاتحة ثم سورة وندب أن تكون {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، ثم يركع
فإذا قام للثانية ابتدأ بالبسملة ثم بالفاتحة ثم بالسورة وندب أن تكون سورة الغاشية ثم يكبر تكبيرات الزوائد ثلاثا ويرفع يديه فيها كما في الأولى وهذا أولى من تقديم تكبيرات الزوائد في الركعة الثانية على القراءة فإن قدم التكبيرات على القراءة فيها جاز؛ ثم يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين يعلم فيهما
ــــــــــــــــــ
يسمي سرا ثم يقرأ" الإمام "الفاتحة ثم" يقرأ "سورة وندب أن تكون" سورة "
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}" [الأعلى: 1] تماما "ثم يركع" الإمام ويتبعه القوم "فإذا قام للثانية ابتدأ بالبسملة ثم بالفاتحة ثم بالسورة" ليوالي بين القراءتين وهو الأفضل عندنا "وندب أن تكون" سورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] رواه الإمام أبو حنيفة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ورواه مرة في العيدين فقط "ثم يكبر" الإمام والقوم "تكبيرات الزوائد ثلاثا ويرفع يديه" الإمام والقوم "فيها كما في" الركعة "الأولى وهذا" الفعل وهو الموالاة بين القراءتين والتكبير ثلاثا في كل ركعة "أولى" من زيادة التكبير على الثلاث في كل ركعة و "من تقديم تكبيرات الزوائد في الركعة الثانية على القراءة" لأثر ابن مسعود رضي الله عنه وموافقة جمع من الصحابة له قولا وفعلا وسلامته من الاضطراب وإنما اختير قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رضيت لأمتي ما رضيه ابن أم عبد"، "فإن قدم التكبيرات" في الركعة الثانية "على القراءة جاز" لأن الخلاف في الأولوية لا الجواز وعدمه وكذا لو كبر الإمام زائدا عما قلناه يتابعه المقتدي إلى ست عشر تكبيرة فإن زاد لا يلزمه متابعته لأنه بعدها محظور بيقين لمجاوزته ما ورد به الآثار وإذا كان مسبوقا يكبر فيما فاته بقول أبي حنيفة وإذا سبق بركعة يبتدئ في قضائها بالقراءة ثم يكبر لأنه لو بدأ بالتكبير والى بين التكبيرات ولم يقل به أحد من الصحابة فيوافق رأي الإمام علي بن أبي طالب فكان أولى وهو مخصص لقولهم المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار وإن أدرك الإمام راكعا أحرم قائما وكبر تكبيرات الزوائد قائما أيضا إن أمن فوت الركوع بمشاركته الإمام في الركوع وإلا يكبر للإحرام قائما ثم يركع مشاركا للإمام في الركوع ويكبر للزوائد منحنيا بلا رفع يد لأن الفائت من الذكر يقضي قبل فراغ الإمام بخلاف الفعل والرفع حينئذ سنة في غير محله ويفوت السنة التي في محلها وهي وضع اليدين على الركبتين وإن رفع الإمام رأسه سقط عن المقتدي ما بقي من التكبيرات لأنه إن أتى به في الركوع لزم ترك المتابعة المفروضة للواجب وإن أدركه بعد رفع رأسه قائما لا يأتي بالتكبير لأنه يقضي الركعة مع تكبيراتها كذا في فتح القدير، "ثم يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين" اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم "يعلم فيهما

 

ص -203-     أحكام صدقة الفطر ومن فاتته الصلاة مع الإمام لا يقضيها وتؤخر بعذر إلى الغد فقط، وأحكام الأضحى كالفطر لكنه في الأضحى يؤخر الأكل عن الصلاة ويكبر في الطريق جهرا ويعلم الأضحية وتكبير التشريق..
ــــــــــــــــــ
أحكام صدقة الفطر" لأن الخطبة شرعت لأجله فيذكر من تجب عليه ولمن تجب ومم تجب ومقدار الواجب ووقت الوجوب ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة ويكبر في خطبة العيدين وليس لذلك عدد في ظاهر الرواية لكن لا ينبغي أن يجعل أكثر الخطبة التكبير ويكبر في خطبة عيد الأضحى أكثر مما يكبر في خطبة الفطر كذا في قاضيخان ويبدأ الخطيب بالتحميد في الجمعة وغيرها ويبدأ بالتكبير في خطبة العيدين ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تترى متوالية والثانية بسبع قال عبد الله بن مسعود هو السنة ويكبر القوم معه ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في أنفسهم امتثالا للأمر وسنة الإنصات "ومن فاتته الصلاة" فلم يدركها "مع الإمام لا يقضيها" لأنها لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بدون الإمام أي السلطان أو مأموره فإن شاء انصرف وإن شاء صلى نفلا والأفضل أربع فيكون له صلاة الضحى لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال من فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات يقرأ في الأولى بـ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وفي الثالثة: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] وفي الرابعة: {وَالضُّحَى} وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدا جميلا وثوابا جزيلا انتهى. "وتؤخر" صلاة عيد الفطر "بعذر" كأن غم الهلال وشهدوا بعد الزوال أو صلوها في غيم فطهر أنها كانت بعد الزوال فتؤخر "إلى الغد فقط" لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أنا تركناه بما روينا من أنه عليه السلام أخرها إلى الغد بعذر ولم يرو أنه أخرها إلى ما بعده فبقي على الأصل وقيد العذر للجواز لا لنفي الكراهة فإذا لم يكن عذر لا تصح في الغد "وأحكام" عيد "الأضحى كالفطر" وقد علمتها "لكنه في الأضحى يؤخر الأكل عن الصلاة" استحبابا فإن قدمه لا يكره في المختار لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته فلذلك قيل لا يستحب تأخير الأكل إلا لم يضحي ليأكل منها أولا "ويكبر في الطريق" ذاهبا إلى المصلى "جهرا" استحبابا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، "ويعلم الأضحية" فيبين من تجب عليه ومم تجب وسن الواجب ووقت ذبحه والذابح وحكم الأكل والتصدق والهدية والادخار "و" يعلم "تكبير التشريق"1 من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التشريق: تقدير اللحم بإلقائه في الشرقة أي الشمس وقد جرت عادتهم بتشريق اللحوم في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فلذا سميت أيام التشريق. وأيام النحر ثلاثة عشر ويومان بعده. فالعاشر يوم نحر فقط والثالث عشر يوم تشريق فقط وما بينهما نحر وتشريق وتكبير التشريق سيذكره المؤلف.

 

ص -204-     في الخطبة وتؤخر بعذر إلى ثلاثة أيام. والتعريف ليس بشيء. ويجب تكبير التشريق من بعد فجر عرفة إلى عصر العيد مرة فور كل فرض أدي بجماعة متسحبة على أمام مقيم بمصر وعلى من اقتدى به ولو كان مسافرا أو رقيقا أو أنثى عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وقالا تجب فور كل فرض على من صلاه ولو منفردا أو مسافرا أو قرويا إلى عصر الخامس من يوم عرفة وبه يعمل وعليه الفتوى؛
ــــــــــــــــــ
إضافة الخاص إلى العام "في الخطبة" لأن الخطبة شرعت وينبغي للخطيب التنبيه عليها في خطبة الجمعة التي يليها العيد، "وتؤخر" صلاة عيد الأضحى "بعذر" لنفي الكراهة وبلا عذر مع الكراهة لمخالفة المأثور "إلى ثلاثة أيام" لأنها مؤقتة بوقت الأضحية فيما بين الارتفاع إلى الزوال ولا تصح بعدها "والتعريف"1 وهو التشبه بالوافقين بعرفات "ليس بشيء" معتبر فلا يستحب بل يكره في الصحيح لأنه اختراع في الدين ولا يخفى ما يحصل من رعاع العامة باجتماعهم واختلاطهم بالنساء والأحداث في هذا الزمان ودرء المفسدة مقدم.
"ويجب تكبير التشريق" في اختيار الأكثر لقوله تعالى:
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] "من بعد" صلاة "فجر عرفة إلى" عقب "عصر العيد" لانعقاد الإجماع على الأقل ويأتي به "مرة" بشرط أن يكون "فور كل" صلاة "فرض" شمل الجمعة وخرج النفل والوتر وصلاة الجنازة والعيد إذا كان الفرض "أدي أي صلي ولو كان قضاء من فروض هذه المدة فيها وهي الثمانية "بجماعة" خرج به المنفرد لما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ليس التكبير أيام التشريق على الواحد والاثنين التكبير على من صلى بجماعة "مستحبة" خرج به جماعة النساء فتجب "على إمام مقيم بمصر" لا مسافر ومقيم بقرية "و" يجب التكبير على "من اقتدى به" أي بالإمام المقيم "ولو كان" المقتدي "مسافرا أو رقيقا أو أنثى" تبعا للإمام والمرأة تخفض صوتها دون الرجال لأنه عورة وعلى المسبوق التكبير لأنه مقتد بتحريمه فيكبر بعد فراغه ولو تابع الإمام ناسيا لم تفسد صلاته وفي التلبية تفسد ويبدأ المحرم بالتكبير ثم بالتلبية ولا يفتقر التكبير للطهارة وتكبير الإمام "عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى" لما رويناه "وقالا" أي أبي يوسف ومحمد رحمهما الله "يجب" التكبير "فور كل فرض على من صلاه ولو" كان "منفردا أو مسافرا أو قرويا" لأنه تبع للمكتوبة من فجر عرفة "إلى" عقب "عصر" اليوم "الخامس من يوم عرفة" فيكون إلى آخر أيام التشريق "وبه" أي بقولهما "يعمل وعليه الفتوى" إذ هو الاحتياط لأن الإتيان بما ليس عليه أولى من ترك ما قيل أنه عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن الوقوف عمل قربة بمكان مخصوص فلم يجز فعله في غيره كالطواف لا يجوز أن يطوف حول بيت أو مسجد سوى الكعبة تشبها بل قيل يخشى عليه الكفر.

 

ص -205-     ولا بأس بالتكبير عقب صلاة العيدين، والتكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ــــــــــــــــــ
للأمر بذكر الله في الأيام المعلومات والمعدودات وعدم وجدان ذكر سوى التكبيرات في أيام التشريق والأوسطان منها من المعلومات والمعدودات لأن المعلومات عشر الحجة والمعدودات أيام التشريق وقيل المعلومات أيام النحر والمعدودات أيام التشريق سميت معدودات لقلتها وهكذا روي عن أبي يوسف أنه قال اليوم الأول من المعلومات واليومان الأوسطان من المعلومات والمعدودات "ولا بأس بالتكبير عقب صلاة العيدين" كذا في مبسوط أبي الليث لتوارث المسلمين ذلك وكذا في الأسواق وغيرها، "والتكبير" هو "أن يقول الله أكبر الله أكبر" مرتان "لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد" لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة يوم عرفة ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال
"خير ما قلنا وقالت الأنبياء قبلنا في يومنا هذا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد" ومن جعل التكبيرات ثلاثا في الأول لا تثبت له ويزيد1 على هذا إن شاء فيقول "الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى أزواج محمد وسلم تسليما كثيرا" كذا في مجمع الروايات شرح القدوري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه الزيادة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها اهـ. وقد ينافيها الأصل الذي حج به أبو حنيفة آخر تكبير التشريق وهو كما في فتح القدير وغيره والأصل في الأذكار الإخفاء. وتكبير التشريق يقال مرة واحدة وقيل يقال ثلاث مرات والمشهور الأول.

باب صلاة الكسوف والخسوف والافزاع
سن ركعتان كهيئة النفل للكسوف، .........................
ــــــــــــــــــ
باب صلاة الكسوف1 والخسوف والإفزاع
"سن ركعتان كهيئة النفل للكسوف" من غير زيادة فلا يركع ركوعين في كل ركعة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكسوف: ذهاب ضوء الشمس والخسوف: ذهاب ضوء القمر والأفزاع: جمع فزع وهو الخوف والمراد ما يخيف من زلزلة أو ريح شديدة ونحو ذلك. والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام فيما روته عائشة
"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة" أخرجه الستة.

 

ص -206-     بأمام الجمعة أو مأمور السلطان بلا أذان ولا إقامة ولا جهر، ولا خطبة بل ينادى الصلاة جامعة، وسن تطويلهما وتطويل ركوعهما وسجودهما ثم يدعو الإمام جالسا مستقبل القبلة إن شاء أو قائما مستقبل الناس وهو أحسن ويؤمنون على دعائه حتى يكمل انجلاء الشمس، وإن لم يحضر الإمام صلوا فرادى كالخسوف والظلمة الهائلة نهارا والريح الشديدة والفزع.
ــــــــــــــــــ
بل ركوع واحد لما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانحلت الشمس فقال
"إنما هذه الآيات يخوف الله تعالى به عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدى صلاة صليتموها من المكتوبة" قال الكمال وهي الصبح فان كسوف الشمس كان عند ارتفاعها قيد رمحين وفي السنة أنها بركوع واحد في كل ركعة للكسوف ولا جماعة فيها إلا "بإمام الجمعة أو مأمور السلطان" دفعا للفتنة فيصليهما "بلا أذان ولا إقامة ولا جهر" في القراءة فيهما عنده خلافا لهما ولا خطبة" بإجماع أصحابنا لعدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخطبة "بل ينادى الصلاة جامعة" ليجتمعوا "وسن تطويلهما" بنحو سورة البقرة قال الكمال وهذا مستنثى من تطويل الصلاة ولو خففها جاز ولا يكون مخالفا للسنة لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء فإذا خفف إحداهما طول الأخرى ليبقى على الخشوع والخوف إلى انجلاء الشمس "و" سن "تطويل ركوعهما وسجودهما" لما روي أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقام فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع" وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك أخرجه الحاكم وصححه "ثم يدعو الإمام" لأن السنة تأخيره عن الصلاة "جالسا مستقلا القبلة أن شاء أو يدعو" يدعو "قائما مستقبل الناس" قال شمس الأئمة الحلواني "وهو أحسن من استقبال القبلة ولو اعتمد قائما على عصا أو قوس كان أيضا حسنا ولا يصعد المنبر للدعاء ولا يخرج "و" إذا دعا "يؤمنون على دعائه" ويستمرون كذلك "حتى يكمل إجلاء الشمس" كما ورد "وإن لم يحضر الإمام صلوا" أي الناس "فرادى" ركعتين أو أربعا في منازلهم "ك" أداء صلاة "الخسوف" فرادى لأن القمر خسف مرارا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل إلينا أنه صلى الله عليه وسلم جمع الناس دفعا للفتنة وكسوف القمر ذهاب ضوئه والخسوف دائرته والحكم أعم "و" كالصلاة فرادى لحصول "الظلمة الهائلة نهارا والريح الشديدة" ليلا كان أو نهارا "والفزع" بالزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل ليلا والثلج والأمطار الدائمة والأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال لأنها آيات مخوفة للعباد ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي بها فوزهم وصلاحهم وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة نسأل الله من فضله العفو والعافية بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

ص -207-     باب الاستسقاء
له صلاة من غير جماعة وله استغفار، ويستحب الخروج له ثلاثة أيام مشاة في ثياب خلقة غسيلة أو مرقعة متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسين رؤوسهم مقدمين الصدقة كل يوم قبل خروجهم، ويستحب إخراج الدواب والشيوخ الكبار والأطفال، وفي .................
ــــــــــــــــــ
باب الاستسقاء
هو طلب السقا أي طلب العباد السقي من الله تعالى1 بالاستغفار والحمد والثناء وشرع بالكتاب2 والسنة والإجماع "له صلاة" جائزة بلا كراهة وليست سنة لعدم فعل عمر رضي الله تعالى عنه لها حين استسقى لأنه كان أشد الناس اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الصحابة ولو ثبت صلاته فيها لاشتهر نقله اشتهارا واسعا ولم يتركها عمر رضي الله عنه وبتركه لم ينكروا عليه وقد ورد شاذا صلاته صلى الله عليه وسلم للاستسقاء فقلنا بجوازها "من غير جماعة" عند الإمام كما قال إن صلوا وحدانا فلا بأس به وقال أبو يوسف ومحمد يصلي الأمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة كالعيد لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيهما ركعتين كصلاة العيد في الجهر بالقراءة والصلاة بلا أذان وإقامة قال شيخ الإسلام فيه دليل على الجواز وعندنا يجوز لو صلوا بجماعة لكن ليس بسنة "وله استغفار" لقوله تعالى:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح: 10، 11] "ويستحب الخروج3 له" أي للاستسقاء "ثلاثة أيام متتابعات ولم ينقل أكثر منهما ويخرجون "مشاة في ثياب خلقة غسيلة" غير مرقعة "أو مرقعة" وهو أولى إظهارا صفة كونهم "متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسين رؤوسهم مقدمين الصدقة كل يوم قبل خروجهم" ويجددون التوبة للمسلمين ويردون المظالم "ويستحب إخراج الدواب" بأولادها ويشتتون بينها ليحصل ظهور الضجيج بالحاجات "و" خروج "الشيوخ الكبار والأطفال" لأن نزول الرحمة بهم قال صلى الله عليه وسلم: "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" رواه البخاري وفي خبر "لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا "و" يخرجون للصحراء إلا "في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إذا احتاجوا إلى الماء لأنفسهم أو دوابهم أو زروعهم.
2 الكتاب قوله تعالى:
{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً  يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينكره الإسلام والأحاديث في هذا مشهورة.
3 من البلد إلى الخلاء للاتباع ولأنه أقرب إلى التواضع وأوسع للجمع.

 

ص -208-     مكة وبيت المقدس ففي المسجد الحرام والمسجد الأقصى يجتمعون وينبغي ذلك أيضا لأهل مدينة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، ويقوم الإمام مستقبل القبلة رافعا يديه والناس قعود مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه يقول: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا عاجلا غير رائث1 مجللا سحا طبقا". وما أشبهه سرا أو جهرا، .........
ــــــــــــــــــ
مكة وبيت المقدس فـ" إنهم "في المسجد الحرام والمسجد الأقصى يجتمعون" اقتداء بالسلف والخلف وشرف المحل وزيادة نزول الرحمة به ولا شك، "وينبغي ذلك" أي الاجتماع للاستسقاء بالمسجد النبوي "أيضا لأهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا أمر جلي إذ لا يستغاث وتستنزل الرحمة في مدينته بغير حضرته ومشاهدته في حادثة للمسلمين
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وهو المشفع في المذنبين فيتوسل إليه بصاحبيه ويتوسل بالجميع إلى الله تعالى فلا مانع من الاجتماع عند حضرته وإيقاف الدواب بباب المسجد لشفاعته "ويقوم الإمام مستقبل القبلة" حالة دعائه "رافعا يديه" لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائما يدعو رافعا يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه اهـ. ولم يزل يجافي في الرفع حتى بدى بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره "والناس قعود مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه" بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه ما نص عليه بأن "يقول اللهم اسقنا غيثا" أي مطرا "مغيثا" بضم أوله أي منقذا من الشدة "هنيئا" بالمد والهمز أي لا ينغصه شيء أو ينمي الحيوان من غير ضرر "مريئا" بفتح أوله وبالمد والهمز أي محمود العاقبة والهنيء النافع ظاهرا أو المريء النافع باطنا "مريعا" بضم الميم وبالتحتية أي آتيا بالمريع وهو الزيادة من المرواعة وهو الخصب بكسر أوله ويجوز فتح الميم هنا أي ذا ريع أي نماء أو بالموحدة من أربع البعير أكل الربيع أو الفوقية من رتعت الماشية أكلت ما شاءت والمقصود واحد "غدقا" أي كثير الماء والخير أو قطره كبار "4" "مجللا" بكسر اللام أي ساترا للأفق لعمومه أو للأرض بالنبات كجل الفرس "سحا" بفتح السين المهملة وتشديد الحاء أي شديد الوقع بالأرض من سح جرى "طبقا" بفتح أوله أي يطبق الأرض حتى يعمها "دائما" إلى انتهاء الحاجة إليه "و" يدعو أيضا بكل "ما أشبهه" أي أشبه الذي ذكرناه مما يناسب المقام "سرا أو جهرا" وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل اللهم اسق عبادتك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين" فإذا أمطروا قالوا استحبابا: "اللهم صيبا نافعا"، وإذا طلب رفعه عن الأماكن قالوا: "اللهم حوالينا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في بعض المتون زيادة "عاجلا غير رائث" أي غير مؤجل ولا بطيء.

 

ص -209-     وليس فيه قلب رداء ولا يحضره ذمي.
ــــــــــــــــــ
ولا علينا، اللهم على الآكام1 والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر "وليس فيه" أي الاستسقاء "قلب رداء" عند أبي حنيفة وأبي يوسف وفي رواية عنه وما رواه محمد محمول على التفاؤل2، ولا يخطب عند أبي حنيفة لأنها تبع للصلاة بالجماعة ولا جماعة عنده وعندهما يخطب لكن عند أبي يوسف خطبة واحدة وعند محمد خطبتين "ولا يحضره" أي الاستسقاء "ذمي" لنهي عمر رضي الله عنه ولا يمكنون من فعله وحدهم أيضا لاحتمال أن يسقوا فقد يفتن به ضعفاء العوام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآكام جمع أكمة التراب المجتمع والظراب جمع ظرب: الجبل الصغير.
2 بأن الحال يتغير.

باب صلاة الخوف
هي جائزة: بحضور عدو أو سبع وبخوف غرق أو حرق، وإذا تنازع القوم في الصلاة خلف إمام واحد فيجعلهم طائفتين واحدة بإزاء العدو ويصلى بالأخرى ركعة من الثنائية وركعتين من الرباعية أو المغرب وتمضي هذه إلى العدو مشاة وجاءت تلك فصلى بهم ما بقي وسلم وحده فذهبوا إلى العدو ثم جاءت الأولى وأتموا بلا قراءة وسلموا ومضوا ثم جاءت الأخرى إن شاءوا وصلوا ما بقي .....................
ــــــــــــــــــ
باب صلاة الخوف
"هي" أي صلاته بالصفة الآتية "جائزة بحضور عدو" لوجود المبيح وإن لم يشتد الخوف "وبخوف غرق" من سيل "أو حرق" من نار "وإذا تنازع القوم في الصلاة خلف إمام واحد فيجعلهم طائفتين" ويقيم "واحدة بإزاء" أي مقابل "العدو" للحراسة "ويصلي" الإمام "ب" الطائفة "الأخرى ركعة من" الصلاة "الثنائية" الصبح والمقصورة بالسفر "و" يصلي بالأولى المذكورة "ركعتين من الرباعية أو المغرب" لأن الشفع شرط لشرطها فلو صلى بها ركعة وبالثانية اثنتين بطلت صلاتهما لانصراف كل في غير أوانه "وتمضي هذه" الطائفة "إلى" جهة "العدو مشاة" فإن كبرا أو مشوا لغير جهة الاصطفاف بمقابلة العدو بطلت "وجاءت تلك" الطائفة التي كانت في الحراسة فأحرموا مع الإمام "فصلى بهم ما بقي" من الصلاة "وسلم" الإمام "وحده" لتمام صلاته "فذهبوا إلى" جهة "العدو" مشاة ثم "جاءت" الطائفة "الأولى" إن شاؤوا "و" إن أرادوا "أتموا" في مكانهم "بلا قراءة" لأنهم لاحقون فيهم خلف الإمام حكما لا يقرؤون "وسلموا ومضوا" إلى العدو "ثم جاءت" الطائفة الأخرى "إن شاؤوا صلوا ما بقي" في مكانهم لفراغ الإمام ويقضون

 

ص -210-     بقراءة، وإن اشتد الخوف: صلوا ركبانا فرادى بالإيماء إلى أي جهة قدروا، ولم تجز بلا حضور عدو ويستحب حمل السلاح في الصلاة عند الخوف، وإن لم يتنازعوا في الصلاة خلف إمام واحد فالأفضل صلاة كل طائفة بإمام مثل حالة الأمن.
ــــــــــــــــــ
"بقراءة" لأنهم مسبوقون لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على هذه الصفة وقد ورد في صلاة الخسوف روايات كثيرة وأصحها ست عشر رواية مختلفة وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين مرة وكل ذلك جائز والأولى والأقرب من ظاهر القرآن هو الوجه الذي ذكرناه، "وإن اشتد الخوف" فلم يتمكنوا بالهجوم "صلوا ركبانا" ولو مع السير مطلوبين لضرورة لا طالبين لعدمها في حقهم "فرادى بالإيماء إلى أي جهة قدروا" إذ لا يصح الاقتداء لاختلاف المكان إلا أن يكون رديفا لإمامه "ولم تجز" صلاة الخوف "بلا حضور عدو" حتى لو ظنوا سوادا عدوا وتين بخلافه أعادوها دون الإمام "ويحتسب حمل السلاح في الصلاة عند الخوف" وقال الإمام مالك والشافعي رحمهما الله تعالى بوجوبه للأمر قلنا هو للندب لأنه ليس من أعمال الصلاة "وإن لم يتنازعوا" أي للقوم "في الصلاة خلف إمام واحد فالأفضل صلاة كل طائفة" مقتدين "بإمام" فتذهب الأولى بعد إتمامها ثم تجيء الأخرى فتصلى بإمام آخر "مثل حالة الأمن" للتوقي عن المشي ونحوه كذا في فتح للقدير وهو حسبي ونعم الوكيل.

باب أحكام الجنائز
يسن توجيه المحتضر على يمينه وجاز الاستلقاء وترفع رأسه قليلا، ويلقن بذكر الشهادة عنده..............
ــــــــــــــــــ
باب أحكام الجنائز
جمع جنازة بالفتح والكسر للميت والسرير وقال الأزهري ولا تسمى جنازة حتى يشتد الميت عليه مكفنا "يسن توجيه المحتضر" أي من قرب1 من الموت "على يمينه" لأنه السنة "وجاز الاستلقاء" على ظهره لأنه أيسر لمعالجته "و" لكن "ترفع رأسه قليلا" ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء "و" يسن أن "يلقن" وذلك "بذكر" كلمة "الشهادة عنده" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله فإنه مسلم ليس يقولها عند الموت إلا أنجته من النار" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أي مع الفائزين، وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يموت على الإيمان يدخل الجنة ولو بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بأن ظهرت عليه علاماته من استرخاء يديه واعوجاج منخره ومعنى توجيهه جعل وجهه إلى القبلة وهو مقيد بما إذا لم يشق عليه وإلا ترك على حاله.

 

ص -211-     من غير إلحاح ولا يؤمر بها وتلقينه في القبر مشروع وقيل لا يلقن وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه، .........
ــــــــــــــــــ
طول العذاب وإنما اقتصرنا على ذكر الشهادة تبعا للحديث الصحيح ولذا قال في المستصفى وغيره: ويلقن الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله معللا بأن الأولى لا تقبل بدون الثانية ليس إلا في حق الكافر وكلامنا في تلقين المؤمن قال شيخ الإسلام ابن حجر: وقول جمع: "يلقن محمد رسول الله" أيضا لأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما: مردود بأنه مسلم وإنما المراد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب وأما الكافر فيلقنهما قطعا مع أشهد لوجوبه إذ لا يصير مسلما إلا بهما. انتهى. فتذكر الشهادة عند المسلم المتحضر "من غير إلحاح" لأن الحال صعب عليه فإذا قالها مرة ولم يتكلم بعدها حصل المراد "ولا يؤمر بها" فلا يقال له قل لأنه يكون في شدة فربما يقول لا جوابا لغير الأمر فيظن به خلاف الخير وقالوا إنه إذا ظهر منه ما يوجب الكفر لا يحكم بكفره حملا على أنه زال عقله واختار بعضهم زوال عقله عند موته لهذا الخوف.
ومما ينبغي أن يقال له على جهة الاستتابة أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبحانه لا إله إلا هو الحي القيوم لأنه قد يستضر بذكر ما يشعر أنه محتضر وأما الكافر فيؤمر بهما لما روى البخاري عن أنس، رضي الله عنه، قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال:
"أسلم" فنظر إلى أبيه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار" "وتلقينه" بعد ما وضع "في القبر مشروع" لحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله". أخرجه الجماعة إلا البخاري ونسب إلى أهل السنة والجماعة "وقيل لا يلقن" في القبر ونسب إلى المعتزلة "وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه" وكيفيته أن يقال: "يا فلان أين فلان أذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولاشك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل تعيبنه يقول "موتاكم" حقيقة ونفى صاحب الكافي فائدته مطلقا ممنوع نعم الفائدة الأصلية منفية ويحتاج إليه لتثبيت الجنان للسؤال في القبر قال المحقق ابن الهمام: وحمل أكثر مشايخنا إياه على المجاز - أي من قرب من الموت - مبناه على أن الميت لا يسمع عندهم وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب: "ما أنتم بأسمع منهم" وأجابوا تارة بأنه مردود من عائشة رضي الله عنها وتارة بأنه خصوصية له وتارة بأنه من ضرب المثل ويشكل عليهم ما في مسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا وتمامه بفتح القدير.
قلت يمكن الجمع فيلقن عند الاحتضار لصريح قوله:
"فإنه ليس مسلم يقولها عند

 

ص -212-     ويستحب لأقرباء المحتضر وجيرانه الدخول عليه ويتلون عنده سورة يس واستحسن بعض المتأخرين سورة الرعد واختلفوا في إخراج الحائض والنفساء من عنده؛ فإذا مات شد لحياه وغمض عيناه ويقول مغمضه بسم الله وعلى ملة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه وتوضع على بطنه حديدة لئلا ينتفخ وتوضع يداه بجنبيه ولا يجوز وضعهما على صدره وتكره قراءة القرآن عنده حتى يغسل، ...................
ــــــــــــــــــ
الموت إلا أنجته من النار" وعملا بحقيقة: "موتاكم" لتثبيته للسؤال في القبر لما روى سعيد بن منصور وسمرة ابن حبيب وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أني أتوسل إليك بحبيبك المصطفى أن ترحم فاقتي بالموت على الإسلام والإيمان وآن تشفع فينا نبيك عليه أفضل الصلاة والسلام "ويستحب لأقرباء المحتضر" وأصدقائه "وجيرانه الدخول عليه" للقيام بحقه وتذكيره وتجريعه وسقيه الماء لأن العطش يغلب لشدة النزع حينئذ ولذلك يأتي الشيطان كما ورد بماء زلال ويقول لا إله غيري حتى أسقيك نعوذ بالله منه ويذكرون فضل الله وسعة كرمه ويحسنون ظنه بالله تعالى لخبر مسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أنه يرحمه ويعفو عنه" وخبر الصحيحين: قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي" "ويتلون عنده سورة يس" للأمر به وفي خبر "ما من مريض يقرأ عنده سورة يس إلا مات ريانا وأدخل قبره ريانا" "واستحسن" بعض المتأخرين قراءة "سورة الرعد" لقول جابر رضي الله عنه فإنها تهون عليه خروج روحه "واختلفوا في إخراج الحائض والنفساء" والجنب "من عنده" وجه الإخراج امتناع حضور الملائكة محلا به حائض أو نفساء كما ورد ويحضر عنده طبيب "فإذا مات شد لحياه" بعصابة عريضة تعمهما وتربط فوق رأسه تحسينا وحفظا لفمه "وغمض عيناه" للأمر به في السنة "ويقول مغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله" صلى الله عليه وسلم "اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه" قاله الكمال ثم يسجى بثوب "ويوضع على بطنه حديدة لئلا ينتفخ" وهو مروي عن الشعبي والحديد يدفع النفخ لسر فيه وإن لم يوجد فيوضع على بطنه شيء ثقيل وروى البيهقي أن أنسا أمر بوضع حديد على بطن مولى له مات "وتوضع يداه بجنبيه" إشارة لتسليمه الأمر لربه "ولا يجوز وضعهما على صدره" لأنه صنيع أهل الكتاب وتلين مفاصله وأصابعه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وفخذه لبطنه ويردها مليئة ليسهل غسله وإدراجه في الكفن، وتكره قراءة القرآن عنده حتى يغسل" تنزيها للقراءة عن نجاسة الحدث بالموت أو

 

ص -213-     ولا بأس بإعلام الناس بموته، ويعجل بتجهيزه فيوضع كما مات على سرير مجمر وترا ويوضع كيف اتفق على الأصح ويستر عورته ثم جرد عن ثيابه ووضىء في الصحيح "*" "إلا أن يكون صغيرا لا يعقل الصلاة" بلا مضمضة واستنشاق إلا أن يكون جنبا، وصب عليه ماء مغلي بسدر أو حرض، .......................
ــــــــــــــــــ
الخبث فإنه يزول عن المسلم فالغسل تكريما له بخلاف الكافر "ولا بأس بإعلام الناس بموته" بل يستحب لتكثير المصلين عليه لما روى الشيخان أن صلى الله عليه وسلم نعى لأصحابه النجاشي في اليوم الذي مات فيه وأنه نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وقال في النهاية إن كان عالما أو زاهدا أو ممن يتبرك به فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته وهو الأصح اهـ. وكثير من المشايخ لم يرو بأسا بأن يؤذن بالجنازة ليؤدي أقاربه وأصدقاؤه حقه لكن لا على جهة التفخيم والإفراط في المدح "و" إذا تيقن موته "يعجل بتجهيزه" إكراما له لما في الحديث
"وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" والصارف عن وجوب التعجيل الاحتياط قال بعض الأطباء إن كثيرين ممن يموت بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء لأنه يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفضل الأطباء فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغيير وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين ضحوة ودفن في جوف الليل من ليلة الأربعاء "فيوضع كما مات" الكاف للمفاجأة إذا تيقن في موته "على سرير مجمر" أي مبخر إخفاء لكريه الرائحة وتعظيما للميت ويكون "وترا" ثلاثا أو خمسا ولا يزاد عليه قاله الزيلعي وفي الكافي والنهاية أو سبعا ولا يزاد عليه وكيفيته أن يدار بالمجمرة حول السرير "ويوضع" الميت "كيف اتفق على الأصح" قاله شمس الأئمة السرخسي وقيل عرضا وقيل إلى القبلة "ويستر عورته" ما بين سرته إلى ركبته قاله الزيلعي والنهاية هو الصحيح وفي الهداية يكتفي بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا وهو ظاهر الرواية ولبطلان الشهوة "ثم" بعد ستر العورة بإدخال الساتر من تحت الثياب "جرد من ثيابه" إن لم يكن خنثى وتغسل عورته بخرقة ملفوفة تحت الساتر أو من فوقه إن لم توجد خرقة "و" بعده "وضئ" يبدأ بوجهه ويمسح رأسه "في الصحيح" إلا أن يكون صغيرا لا يعقل الصلاة فلا يوضأ "بلا مضمضة واستنشاق" للتعسر ويمسح فمه وأنفه بخرقة عليه عمل الناس "إلا أن يكون جنبا" أو1 حائضا أو نفساء فيكلف غسل فمه وأنفه تتميما لطهارته "و" بعد الوضوء "صب عليه ماء مغلي"2 قد مزج "بسدر أو حرض" أشنان غير مطحون مبالغة في التنظيف وقد أمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"*" ما بين القوسين محذوف في أغلب النسخ وهي من الشرح - المصحح.
1 المشهور أن الجنب والحائض والنفساء كغيرهم.
2 من أغليت الماء إغلاء لا من الغلي والغليان لأنهما مصدران اللازم واللازم لا يبني منه اسم المفعول على المشهور اهـ طحطاوي.

 

ص -214-     وإلا فالقراح وهو الماء الخالص، ويغسل رأسه ولحيته بالخطمى ثم يضجع على يساره فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التخت منه ثم على يمينه كذلك ثم أجلس مسندا إليه ومسح بطنه رفيقا وما خرج منه غسله ولم يعد ينشف بثوب ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته والكافور على مساجده، وليس في الغسل استعمال القطن في الروايات الظاهرة، .......................
ــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل بنته والمحرم الذي وقصته دابته بماء وسدر "وإلا" أي وإن لم يوجد "فـ" الغسل بـ"القراح: وهو الماء الخالص" كاف ويسخن إن تيسر لأنه أبلغ في التنظيف، "ويغسل رأسه" أي شعر رأسه "و" شعر "لحيته بالخطمى" نبت بالعراق طيب الرائحة يعمل عمل الصابون في التنظيف وإن لم يكن فالصابون وإن لم يكن به شعر لا يتكلف لهذا "ثم" بعد تنظيف الشعر والبشرة "يضجع" الميت "على يساره فيغسل" شقه الأيمن ابتداء لأن البداءة بالميامن سنة "حتى يصل الماء إلى ما" أي الجنب الذي "يلي التخت" بالخاء المعجمة "منه" أي الميت "ثم" يضجع "على يمينه" فيغسل "كذلك" حتى يصل الماء إلى سائر جسده "ثم أجلس" الميت "مسندا إليه" لئلا يسقط "ومسح بطنه" مسحا رقيقا ليخرج فضلاته "وما خرج منه غسله" فقط تنظيفا "ولم يعد غسله" ولا وضوءه لأنه ليس بناقض في حقه "ثم ينشف بثوب" كيلا تبتل أكفانه والنية في تغسيله لإسقاط الفرض عنا حتى أنه إذا وجد غريقا يحرك في الماء بنية غسله لهذا لا لصحة الصلاة عليه وإذا يمم لفقد الماء ثم وجد بعد الصلاة عليه بالتيمم غسل وصلي عليه ثانيا والمنتفخ الذي تعذر مسه يصب عليه الماء ويغسله أقرب الناس إليه وإلا فأهل الأمانة والورع ويستر ما لا ينبغي إظهاره ويكره أن يكون جنبا أو بها حيض ويندب الغسل من تغسيله وتقدم "و" بعد تنشيفه يلبس القميص ثم تبسط الأكفان و "يجعل الحنوط" هو عطر مركب من أشياء طيبة ولا بأس بسائر أنواعه غير الزعفران والورس1 للرجال "على رأسه ولحيته" روي ذلك عن علي وأنس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم "و" يجعل "الكافور2 على مساجده" سواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطى رأسه ليطرد الدود عنها وهي الجبهة وأنفه ويداه وركبتاه وقدماه روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه فتخص بزيادة إكراه "وليس في الغسل استعمال القطن في الروايات الظاهرة" وقال الزيلعي: لا بأس بأن يجعل القطن على وجهه وأن يحشى به مخارقه كالدبر والقبل والأذنين والأنف والفم انتهى. وفي الظهيرية واستقبح عامة المشايخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الورس: الكركم فيكره هو والزعفران اعتبارا بحال الرجال في الحياة. ولا يكرهان للنساء اعتبارا بحال حياتهن
2 ورق شجر عظيم أصل منبته بالهند والصين اهـ. طحطاوي.

 

ص -215-     ولا يقص ظفره وشعره ولا يسرح شعره، ولحيته والمرأة تغسل زوجها بخلافه كأم الولد لا تغسل سيدها ولو ماتت امرأة مع الرجال يمموها كعكسه بخرقة وإن وجد ذو رحم محرم ييمم بلا خرقة وكذا الخنثى المشكل ييمم في ظاهر الرواية ويجوز للرجل والمرأة تغسيل صبي وصبية لم يشتهيا ولا بأس بتقبيل الميت، وعلى الرجل تجهيز امرأته ولو معسرا في الأصح ومن لا مال له فكفنه على من تلزمه نفقته وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته ففي بيت المال فإن لم يعط عجزا أو ظلما: ........................
ــــــــــــــــــ
جعله في دبره أو قبله، "ولا يقص ظفره" أي الميت "و" لا "شعره ولا يسرح شعره" أي شعر رأسه "ولحيته" لأنه للزينة وقد استغنى عنها "والمرأة تغسل زوجها" ولو معتدة من رجعي أو إظهار منها في الأظهر أو إيلاء لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة فلو ولدت عقب موته أو انقضت عدتها من رجعي أو كانت مبانة أو حرمت بردة أو رضاع أو صهرية لا تغسله "بخلافه" أي الرجل لا يغسل زوجته لانقطاع النكاح وإذا لم توجد امرأة لتغسيلها ييممها وليس عليه غض بصره عن ذراعيها بخلاف الأجنبي وهو "كأم الولد" والمدبرة والقنة "لا تغسل سيدها" وتيممه بخرقة "ولو ماتت امرأة مع الرجال" المحارم وغيرهم "يمموها كعكسه" وهو موت بين النساء وكن محارمه يممنه "بخرقة" تلف على يد الميمم الأجنبي حتى لا يمس الجسد ويغص بصره عن ذراعي المرأة ولو عجوزا وإن وجد ذو رحم محرم يمم" الميت ذكرا كان أو أنثى "بلا خرقة" لجواز مس أعضاء التيمم للمحرم بلا شهوة كالنظر إليها منها له "وكذا الخنثى المشكل ييمم في ظاهر الرواية" وقيل يجعل في قميص لا يمنع وصول الماء إليه.
"ويجوز للرجل والمرأة تغسيل صبي وصبية لم يشتهيا" لأنهما ليس لأعضائهما حكم العورة وعن أبي يوسف أنه قال أكره أن يغسلهما الأجنبي والمجبوب كالفحل "ولا بأس بتقبيل الميت" للمحبة والتبرك توديعا خالصة عن محظور "وعلى الرجل تجهيز امرأته" أي تكفينها ودفنها عند أبي يوسف لو كانت معسرة وهذا التخصيص مختار صاحب المغني والمحيط والظهيرية اهـ. ويلزمه أبي يوسف بالتجهيز مطلقا أي "ولو" كان الزوج "معسرا" وهي موسرة "في الأصح" وعليه الفتوى وقال محمد ليس عليه تكفينها لانقطاع الزوجية من كل وجه "ومن" مات "ولا مال له فكفنه على من تلزمه نفقته" من أقاربه وإذا تعدد من وجبت عليه النفقة فالكفن على قدر ميراثهم كالنفقة ولو كان له مولى وخالة فعلى معتقه وقال محمد على خالته "وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته ففي بيت المال" تكفينه وتجهيزه من أموال التركات التي لا وارث لأصحابها "فإن لم يعط" بيت المال "عجزا" لخلوه من الأموال "أو ظلما" بمنعه صرف الحق لمستحقه

 

ص -216-     فعلى الناس ويسأل له التجهيز من لا يقدر عليه غيره، وكفن الرجل سنة قميص وإزار ولفافه مما كان يلبسه في حياته وكفاية إزار ولفافة، وفضل البياض من القطن، وكل من الإزار واللفافة من القرن إلى القدم ولا يجعل لقميصه كم ولا دخريص ولا جيب ولا تكف أطرافه وتكره العمامة في الأصح ولف من يساره ثم يمينه، .....................
ــــــــــــــــــ
وجهته "فعلى الناس" القادرين "و" يجب أن "يسأل له" أي للميت "التجهيز من" علم به وهو "لا يقدر عليه" أي التجهيز "غيره" من القادرين بخلاف الحي إذا عري لا يجب السؤال له بل يسأل لنفسه ثوبا لقدرته عليه وإذا فضل عنه شيء صرف لمالكه وإن لم يعرف كفن به آخر وإلا تصدق به ولا يجب على من له ثوب فقط تكفين ميت ليس عنده غيره وإذا أكل الميت سبع فالكفن لمن تبرع به لا لوارث الميت وإذا وجد أكثر البدن أو نصفه مع الرأس غسل وصلي عليه وإلا لا. والتكفين فرض.
وأما عدد أثوابه فهي على ثلاثة أقسام سنة وكفاية وضرورة.
الأول: "و" هو "كفن الرجل سنة" ثلاثة أثواب "قميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص1 وكمين "وإزار" من القرن إلى القدم "و" الثالث "لفافة" تزيد على ما فوق القرن والقدم ليلف بها الميت وتربط من أعلاه وأسفله ويؤخذ الكفن "مما كان يلبسه" الرجل "في حياته" يوم الجمعة والعيدين ويحسن للحديث
"حسنوا أكفان الموتى فإنهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن أكفانهم" ولا يغالى فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا" وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية بفتح السين وبالضم قرية باليمن.
"و" الثاني كفن "كفاية" للرجل "إزار ولفافة" في الأصح مع قلة المال وكثرة الورثة هو أولى وعلى القلب كفن السنة أولى "وفضل البياض من القطن" لما روينا والخلق الغسيل والجديد فيه سواء "وكل من الإزار واللفافة" للميت يكون "من القرن" يعني شعر الرأس "إلى القدم" مع الزيادة للربط، "ولا يجعل لقميصه كم" لأنه لحاجة الحي "ولا دخريص"1 لأنه لا يفعل إلا للحي ليتسع الأسفل للمشي فيه "ولا جيب" وهو الشق النازل عن الصدر لأنه لحاجة الحي ولو كفن في قميص حي قطع جيبه ولبنته وكميه "ولا تكف أطرافه" لعدم الحاجة إليه "وتكره العمامة في الأصح" لأنها لم تكن في كفن النبي صلى الله عليه وسلم واستحسنها بعضهم لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه "و" تبسط اللفافة ثم الإزار فوقها ثم يوضع الميت مقمصا ثم يعطف عليه الإزار و "لف" الإزار "من" جهة "يساره ثم" من جهة "يمينه" ليكون اليمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدخريص: ما يضاف في جوانب ثوب الحي يتبع أسفله تسهيلا للمشي.

 

ص -217-     وعقد إن خيف انتشاره، وتزاد المرأة في السنة خمارا لوجهها وخرقة لربط ثدييها وفي الكفاية خمارا ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق القميص ثم الخمار فوقه تحت اللفافة ثم الخرقة فوقها وتجمر الأكفان وترا قبل أن يدرج فيها وكفن الضرورة ما يوجد.
ــــــــــــــــــ
أعلى ثم فعل باللفافة كذلك اعتبارا بحالة الحياة "وعقد" الكفن إن خيف انتشاره" صيانة للميت عن الكشف "وتزاد المرأة" على ما ذكرناه للرجل "في" كفنها على جهة "السنة خمارا لوجهها" ورأسها "وخرقة" عرضها ما بين الثدي إلى السرة وقيل إلى الركبة كيلا ينتشر الكفن بالفخذ وقت المشي بها "لربط ثدييها" فسنة كفنها درع وإزار وخمار وخرقة ولفافة "و" تزاد المرأة "في" كفن "الكفاية" على كفن الرجل "خمارا" فيكون ثلاثة خمار ولفافة وإزار "ويعل شعرها ضفيرتين" وتوضعان "على صدرها فوق القميص ثم" يوضع "الخمار" على رأسها ووجهها "فوقه" أي القميص فيكون "تحت اللفافة ثم" تربط "الخرقة فوقها" لئلا تنتشر الأكفان وتعطف من اليسار ثم من اليمين "وتجمر الأكفان" للرجل والمرأة جميعا تجميرا "وترا قبل أن يدرج" الميت "فيها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أجمرتم الميت فأجمروا وترا"، ولا يزاد على خمس ولا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ويكره تجمير القبر.
"وكفن الضرورة" للمرأة والرجل ويكتفي فيه بكل "ما يوجد" روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة ومن كفنه كساه الله من السندس والإستبرق ومن حفر له قبرا حتى يجنه فكأنما أسكنه مسكنا حتى يبعث" ورد: "يا علي غسل الموتى فإنه من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت مغفرة منها على جميع الخلائق لوسعتهم" قلت "ما يقول من غسل ميتا". قال: "يقول: غفرانك يا رحمن، حتى يفرغ من الغسل".

فصل الصلاة عليه
فرض كفاية، وأركانها: التكبيرات، والقيام، ...................
ــــــــــــــــــ
فصل الصلاة عليه
ككفنه ودفنه وتجهيزه "فرض كفاية" مع عدم الانفراد بالخطاب بها ولو امرأة "وأركانها التكبيرات والقيام" لكن التكبيرة الأولى شرط باعتبار الشروع بها، وركن

 

ص -218-     وشرائطها ستة: إسلام الميت، وطهارته وتقدمه أمام القوم وحضوره أو حضور أكثر بدنه أو نصفه مع رأسه، وكون المصلي عليها غير راكب بلا عذر، وكون الميت على الأرض، فإن كان على دابة أو على أيدي الناس لم تجز على المختار إلا من عذر، وسننها أربع: قيام الإمام بحذاء صدر الميت ذكرا كان أو أنثى والثناء بعد التكبيرة الأولى والصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية والدعاء للميت بعد الثالثة، ولا يتعين له شيء وإن دعاء بالمأثور فهو أحسن وأبلغ ومنه ما حفظ عوف من دعاء سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،
ــــــــــــــــــ
باعتبار قيامها مقام ركعة كباقي التكبيرات كما في المحيط "وشرائطها" ستة أو لها "إسلام الميت" لأنها شفاعة وليست لكافر "و" الثاني "طهارته" وطهارة مكانه لأنه كالإمام "و" الثالث "تقدمه" أمام القوم "و" الرابع "حضوره أو حضور أكثر بدنه أو نصفه مع رأسه" والصلاة على النجاشي كانت بمشهده كرامة له ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. "و" الخامس "كون المصلي عليها غير راكب" وغير قاعد "بلا عذر" لأن القيام فيها ركن فلا يترك بلا عذر "و" السادس "كون الميت" موضوعا "على الأرض" لكونه كالإمام من وجه "فإن كان على دابة أو على أيدي الناس لم تجز الصلاة على المختار إلا" إن كان "من عذر" كما في التبيين "وسننها أربع" الأولى "قيام الإمام بحذاء" صدر "الميت ذكرا كان" الميت "أو أنثى" لأنه موضع القلب ونور الإيمان "و" الثانية "الثناء بعد التكبيرة الأولى" وهو سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره وجاز قراءة الفاتحة يقصد الثناء كذا نص عليه عندنا وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنه من السنة وصححه الترمذي وقد قال أئمتنا بأن مراعاة الخلاف مستحبة وهي فرض عند الشافعي رحمه الله تعالى فلا مانع من قصد القرآنية بها خروجا من الخلاف وحق الميت "و" الثالثة "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد" التكبيرة "الثانية" اللهم صل على محمد وآل محمد إلى آخره "و" الرابعة من السنن "الدعاء للميت" ولنفسه وجماعة المسلمين "بعد" التكبيرة "الثالثة ولا يتعين له" أي الدعاء "شيء" سوى كونه بأمور الآخرة "و" لكن "إن دعا بالمأثور" عن النبي صلى الله عليه وسلم "فهو أحسن وأبلغ" لرجاء قبوله "ومنه ما حفظ عوف" بن مالك "من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم" لما صلى معه على جنازة "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم1 نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينق الثوب الأبيض من الدنس،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النزل: ما يعد للضيف والمراد: أكثر ثوابه ونعيمه. المدخل: القبر. الدنس: الوسخ.

 

ص -219-     وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، ويسلم بعد الرابعة من غير دعاء في ظاهر الرواية ولا يرفع يديه في غير التكبيرة الأولى ولو كبر الإمام خمسا لم يتبع ولكن ينتظر سلامه في المختار ولا يستغفر لمجنون وصبي ويقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا مشفعا.
فصل
السلطان أحق بصلاته، ثم نائبه، ثم القاضي، ثم إمام الحي ثم الولي، ..............
ــــــــــــــــــ
وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" قال عوف رضي الله عنه حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت رواه مسلم والترمذي والنسائي وفي الأصل روايات أخرى "ويسلم" وجوبا "بعد" التكبيرة "الرابعة من غير دعاء" بعدها "في ظاهر الرواية" واستحسن بعض المشايخ أن يقول:
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً...} [البقرة: 201] الخ أو: {ربنا لا تزغ قلوبنا...} [آل عمران: 8] الخ وينوي بالتسليمتين الميت مع القوم كما ينوي الإمام ولا ينبغي أن يرفع صوته بالتسليم فيها كما يرفع في سائر الصلوات ويخافت بالدعاء ويجهر بالتكبير "ولا يرفع يديه بغير التكبيرة الأولى" في ظاهر الرواية وكثير من مشايخ بلخ اختاروا الرفع بكل تكبيرة كما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما "ولو كبر الإمام خمسا لم يتبع" لأنه منسوخ "ولكن ينتظر سلامه في المختار" ليسلم معه في الأصح وفي رواية يسلم المأموم كما كبر إمامه الزائدة ولو سلم الإمام يعد الثالثة ناسيا كبر الرابعة ويسلم "ولا يستغفر لمجنون أو صبي" إذ لا ذنب لهما "ويقول" في الدعاء "اللهم اجعله لنا فرطا" الفرط بفتحتين الذي يتقدم الإنسان من ولده أي أجرا متقدما "واجعله لنا أجرا" أي ثوابا "وذخرا" بضم الذال المعجمة وسكون الخاء المعجمة الذخيرة "واجعله لنا شافعا مشفعا" بفتح الفاء مقبول الشفاعة.
فصل
"السلطان أحق بصلاته" لواجب تعظيمه "ثم نائبه" لأنه السنة "ثم القاضي" لولايته ثم صاحب الشرط ثم خليفة الوالي ثم خليفة القاضي "ثم إمام الحي" لأنه رضيه في حياته فهو أولى من الولي في الصحيح "ثم الولي" الذكر المكلف فلا حق للمرأة والصغير والمعتوه وهو قليل العقل ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم في النكاح ولكن يقدم الأب على الابن في قول الكل على الصحيح لفضله وقال شيخ مشايخي العلامة نور الدين علي المقدسي رحمهم الله تعالى: لتقديم الأب وجه حسن وهو أن

 

ص -220-     ولمن له حق التقدم أن يأذن لغيره فإن صلى غيره أعادها إن شاء ولا يعيد معه من صلى مع غيره ومن له ولاية التقدم فيها أحق ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه على المفتى به وإن دفن بلا صلاة صلى على قبره وإن لم يغسل ما لم يتفسخ، وإذا اجتمعت الجنائز فالإفراد بالصلاة لكل منها أولى ويقدم الأفضل فالأفضل وإن اجتمعن وصلى عليها مرة جعلها صفا طويلا مما يلي القبلة بحيث يكون صدر كل قدام الإمام،.....
ــــــــــــــــــ
المقصود الدعاء للميت ودعوته مستجابة روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده" رواه الطيالسي والسيد أولى من قريب عبده على الصحيح والقريب مقدم على المعتق فإن لم يكن ولي فالزوج ثم الجيران "ولمن له حتى التقدم أن يأذن لغيره" لأن له إبطال حقه وإن تعدد فللثاني المنع والذي يقدمه الأكبر أولى من الذي يقدمه الأصغر "فإن صلى غيره" أي غير من له حق التقدم بلا إذن ولم يقتد به "أعادها" هو "إن شاء" لعدم سقوط حقه وإن تأدى الفرض بها "ولا" يعيد "معه" أي مع من له حق التقدم "من صلى مع غيره" لأن التنفل بها غير مشروع كما لا يصلي أحد عليها بعده وإن صلى وحده "ومن له ولاية التقدم فيها أحق" بالصلاة عليها "ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه" لأن الوصية باطلة "على المفتى به" قاله الصدر الشهيد وفي نوادر ابن رستم الوصية جائزة "وإن دفن" وأهيل عليه التراب "بلا صلاة" لأمر اقتضى ذلك "صلى على قبره وإن لم يغسل" لسقوط شرط طهارته لحرمة نبشه وتعاد لو صلي عليه قبل الدفن بلا غسل لفساد الأولى بالقدرة على تغسيله قبل الدفن وقي تنقلب صحيحة لتحقق العجز ولو لم يهل التراب يخرج فيغسل ويصلى عليه "ما لم يتفسخ" والمعتبر فيه أكبر الرأي على الصحيح لاختلافه باختلاف الزمان والمكان1 والإنسان، وإذا كان القوم سبعة يقدم واحد إماما وثلاثة بعده واثنان بعدهم وواحد بعدهما لأن في الحديث "من صلى عليه ثلاث صفوف غفر له وخيرها آخرها" لأنه أدعى للإجابة بالتواضع، "وإذا اجتمعت الجنائز فالإفراد بالصلاة لكل منها أولى" وهو ظاهر "ويقدم الأفضل فالأفضل" إن لم يكن سبق "وإن اجتمعن" ولو مع السبق "وصلى عليها مرة" واحدة صح وإن شاء جعلهم صفا عريضا ويقوم عند أفضلهم وإن شاء "جعلها" أي الجنائز "صفا طويلا مما يلي القبلة بحيث يكون صدر كل" واحد منهم "قدام الإمام" محاذيا له وقال ابن أبي ليلى يجعل رأس كل واحد أسفل من رأسه صاحبه هكذا درجات وقال أبو حنيفة وهو حسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يختلف باختلاف الأزمنة حرارة وبرودة والأمكنة جفافا ورطوبة وصلابة والإنسان هزالا وسمنا. والمعتبر غلبة الظن.

 

ص -221-     وراعى الترتيب فيجعل الرجال مما يلي الإمام والصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم النساء ولو دفنوا بقبر واحد وضعوا على عكس هذا، ولا يقتدي بالإمام من وجده بين تكبيرتين بل ينتظر تكبيرة الإمام فيدخل معه ويوافقه في دعائه ثم يقضي ما فاته قبل رفع الجنازة ولا ينتظر تكبير الإمام من حضر تحريمته ومن حضر بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام فاتته الصلاة في الصحيح، وتكره الصلاة عليه في مسجد الجماعة وهو فيه أو خارجه وبعض الناس في المسجد ...................
ــــــــــــــــــ
وصاحبيه دفنوا هكذا والوضع للصلاة كذلك قال وإن وضعوا رأس كل واحد بحذاء رأس الآخر فحسن وهذا كل عند التفاوت في الفضل فإن لم يكن ينبغي أن لا يعدل عن المحاذاة فلذا قال "وراعي الترتيب" في وضعهم "فيجعل الرجال مما يلي الإمام ثم الصبيان بعدهم" أي بعد الرجال "ثم الخناثى ثم النساء" ثم المراهقات ولو كان الكل رجالا روى الحسن عن أبي حنيفة يوضع أفضلهم وأسنهم مما يلي الإمام وهو قول أبي يوسف والحر مقدم على العبد وفي رواية الحسن إذا كان العبد أصلح قدم "ولو دفنوا بقبر واحد" لضرورة "وضعوا" فيه "على عكس هذا" الترتيب ويقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة والأكثر قرآنا وعلما كما فعل في شهداء أحد "ولا يقتدي بالإمام من" سبق ببعض التكبيرات و "وجده بين تكبيرتين" حين حضر "بل ينتظر تكبير الإمام" ويدخل معه إذا كبر عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر ويحسب له وعندهما يقضي الجميع ولا يحسب له تكبير إحرامه كالمسبوق بركعات "ويوافقه" أي المسبوق إمامه "في دعائه" لو علمه بسماعه على ما قاله مشايخ بلخ أن السنة أن يسمع كل صف ما يليه "ثم يقضي" المسبوق "ما فاته" من التكبيرات "قبل رفع الجنازة" مع الدعاء إن أمن رفع الجنازة وإلا كبر قبل وضعها على الأكتاف متتابعا اتقاءا عن بطلانها بذهابها "ولا ينتظر تكبير الإمام من حضر تحريمته" فيكبر ويكون مدركا ويسلم مع الإمام "ومن حضر بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام فاتته الصلاة" عندهما "في الصحيح" لأنه لا وجه إلى أن يكبر وحده كما في البزازية وغيرها وعن محمد أن يكبر كما قال أبو يوسف ثم يكبر ثلاثا بعد سلام الإمام قبل رفع الجنازة وعليه الفتوى كذا في الخلاصة وغيرها فقد اختلف التصحيح كما ترى "وتكره الصلاة عليه في مسجد الجماعة وهو" أي الميت "فيه" كراهة تنزيه في رواية ورجحها المحقق ابن الهمام وتحريمية في أخرى والعلة فيه إن كان خشية التلويث فهي تحريمية وإن كان شغل المسجد بما لم يبن له فتنزيهية والمروي قوله صلى الله عليه وسلم
"من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" وفي رواية: "فلا أجر له" "أو" كان الميت خارجه أي المسجد مع بعض القوم "و" كان "بعض الناس في المسجد" أو عكسه ولو مع الإمام

 

ص -222-     على المختار، ومن استهل: سمي وغسل وصلي عليه وإن لم يستهل غسل في المختار وأدرج في خرقة ودفن ولم يصل عليه كصبي سبي مع أحد أبويه إلا أن يسلم أحدهما أو هو أو لم يسب أحدهما معه، وأن كان لكافر قريب مسلم غسله كغسل خرقة نجسة وكفنه في خرقة وألقاه في حفرة أو دفعه إلى أهل ملته، ولا
ــــــــــــــــــ
"على المختار" كما في الفتاوى الصغرى خلافا لما أورده النسفي من أن الإمام إذا كان خارج المسجد مع بعض القوم لا يكره بالاتفاق لما علمت من الكراهة على المختار.
تنبيه
تكره صلاة الجنائز في الشارع وأراضي الناس "ومن استهل" أي وجد منه حال ولادته حياة بحركة أو صوت وقد خرج أكثره وصدره ونزل برأسه مستقيما وسرته إن خرج برجليه منكوسا "سمي وغسل" وكفن كما علمته "وصلي عليه" وورث ويورث لما روي عن جابر يرفعه: الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند الإمام وقالا يقبل قول النساء فيه إلا الأم في الميراث إجماعا لأنه لا يشهده الرجال وقول القابلة مقبول في حق الصلاة عليه وأمه كالقابلة إذا اتصفت بالعدالة وفي الظهيرية ماتت واضطرب الولد في بطنها يشق ويخرج ولا يسع إلا ذلك كذا في شرح المقدسي "وإن لم يستهل غسل" وإن لم يتم خلقه "في المختار" لأنه نفس من وجه "وأدرج في خرقة" وسمي "ودفن ولم يصل عليه" ويحشر إن بان بعض خلقه وذكر في المبسوط قولا آخر إن نفخ فيه الروح حشر وإلا فلا كذا في شرح المقدسي "كصبي" أو مجنون بالغ "سبي" أي أسر "مع أحد أبويه" من دار الحرب ثم مات لتبعيته له في أحكام الدنيا وتوقف الإمام في أولاد أهل الشرك وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله لا يعذب أحدا بغير ذنب "إلا أن يسلم أحدهما" للحكم بإسلامه بالتبعية له "أو" يسلم "هو" أي الصبي إذا كان يعقله لأن إقراره صحيح بإقراره بالوحدانية والرسالة أو صدق وصف الإيمان له ولا يشترط ابتداؤه الوصف من نفسه أو لا يعرفه إلا الخواص "أو لم يسب أحدهما" أي أحد أبويه "معه" للحكم بإسلامه لتبعية السابي أو دار الإسلام حتى لو سرق ذمي صغيرا فأخرجه لدار الإسلام ثم مات يصلى عليه وإن بقي حيا يجب تخليصه من يده أي بالقيمة "وإن كان لكافر قريب مسلم" حاضر ولا ولي له كافر "غسله" المسلم "كغسل خرقة نجسة" لا يراعي فيه سنة عامة في بني آدم ليكون حجة عليه لا تطهيرا له حتى لو وقع في ماء نجسة "وكفنه في خرقة" من غير مراعاة كفن السنة "وألقاه في حفرة" من غير وضع كالجيفة مراعاة لحق القرابة "أو دفعه" القريب "إلى أهل ملته" ويتبع جنازته من بعيد وفيه إشارة إلى أن المرتد لا يمكن منه أحد لغسله لأنه لا ملة له

 

ص -223-     يصلى على باغ وقاطع طريق قتل في حالة المحاربة وقاتل بالخنق غيلة ومكابر في المصر ليلا بالسلاح ومقتول عصبية وإن غسلوا. وقاتل نفسه يغسل ويصلى عليه لا على قاتل أحد أبويه عمدا.
ــــــــــــــــــ
فيلقى كجيفة كلب في حفرة وإلى أن الكافر لا يمكن من قريبه المسلم لأنه فرض على المسلمين كفاية ولا يدخل قبره لأن الكافر تنزل عليه اللعنة والمسلم محتاج إلى الرحمة خصوصا في هذه الساعة "ولا يصلى على باغ" اتفاقا وإن كان مسلما "و" لا على "قاطع طريق" إذا "قتل" كل منهم "حالة المحاربة" ولا يغسل لأن عليا رضي الله عنه لم يغسل البغاة. وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام فإنهم يغسلون ويصلى عليهم "و" لا يصلى على "قاتل بالخنق غيلة" بالكسر الاغتيال يقال قتله غيلة وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله والمراد أعم كما لو خنقه في منزل لسعيه في الأرض بالفساد "و" لا على "مكابر في المصر ليلا بالسلاح" إذا قتل في تلك الحالة "و" لا يصلى على "مقتول عصبية" إهانة لهم وزجرا لغيرهم "وإن غسلوا" كالبغاة على إحدى الروايتين لا يصلى عليهم وإن غسلوا "وقاتل نفسه" عمدا لا لشدة وجع "يغسل ويصلى عليه" عند أبي حنيفة ومحمد وهو الأصح عندي لأنه مؤمن مذنب وقال أبو يوسف لا يصلى عليه وكان القاضي الإمام علي السعدي يقول الأصح عندي أنه لا يصلى عليه وإن كان خطأ أو لوجع يصلى عليه اتفاقا وقاتل نفسه أعظم وزرا وإثما من قاتل غيره "ولا" يصلى "على قاتل أحد أبويه عمدا" ظلما إهانة له.

فصل في حملها ودفنها
يسن لحملها أربعة بجال وينبغي حملها أربعين خطوة يبدأ بمقدمها الأيمن على يمينه، ................
ــــــــــــــــــ
فصل في حملها ودفنها
"يسن لحملها" حمل "أربعة رجال" تكريما له وتخفيفا وتحاشيا عن تشبيهه بحمل الأمتعة ويكره حمله على ظهر دابة بلا عذر والصغير يحمله واحد على يديه ويتداوله الناس كذلك بأيديهم "وينبغي" لكل واحد "حملها أربعين خطوة يبدأ" الحامل "بمقدمها الأيمن" فيضعه "على يمينه" أي على عاتقه الأيمن ويمينها أي الجنازة ما كان جهة يسار الحامل لأن الميت يلقى على ظهره ثم يوضع مؤخرها الأيمن عليه أي على عاتقه

 

ص -224-     ثم مقدمها الأيسر على يساره، ثم يختم بالأيسر عليه ويستحب الإسراع بها بلا خبب وهو ما يؤدي إلى اضطراب الميت. والمشي خلفها أفضل من المشي أمامها، كفضل صلاة الفرض على النفل؛ ويكره رفع الصوت بالذكر والجلوس قبل وضعها،
ــــــــــــــــــ
الأيمن "ثم" يضع "مقدمها الأيسر على يساره" أي على عاتقه الأيسر "ثم يختم ب" الجانب "الأيسر" بحملها "عليه" أي على عاتقه الأيسر فيكون من كل جانب عشر خطوات لقوله صلى الله عليه وسلم "من حمل الجنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة" ولقول أبي هريرة رضي الله عنه "من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد قضى الذي عليه"ويستحب الإسراع بها" لقوله صلى الله عليه وسلم
"أسرعوا بالجنازة" أي ما دون الخبب كما في رواية ابن مسعود رضي الله عنه. "فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" وكذا يستحب الإسراع بتجهيزه كله "بلا خبب" بخاء معجمة وموحدتين مفتوحتين ضرب من العدو دون العنق والعنق خطو فسيح فيمشون به دون ما دون العنق "وهو ما يؤدي إلى اضطراب الميت" فيكره للازدراء به وإتعاب المتبعين "والمشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الفرض على النفل" لقول علي: والذي بعث محمدا بالحق إن فضل المشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع. فقال أبو سعيد الخدري: أبرأيك تقول أم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فغضب وقال: لا والله بل سمعته غير مرة لا اثنتين ولا ثلاث حتى عد سبعا. فقال أبو سعيد: إني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمامها. فقال علي رضي الله عنه "يغفر الله لهما لقد سمعا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعته وإنهما والله لخير هذه الأمة ولكنهما كرها أن يجتمع الناس ويتضايقوا فأحبا أن يسهلا على الناس. ولقول أبي أسامة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم حافيا. ويكره أن يتقدم الكل عليها أو ينفرد واحد متقدما ولا بأس بالركوب خلفها من غير إضرار لغيره في السنن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراكب يسير خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها". "ويكره رفع الصوت1 بالذكر" والقرآن وعليهم الصمت وقولهم كل حي سيموت ونحو ذلك خلف الجنازة بدعة ويكره اتباع النساء الجنائز وإن لم تنزجر نائحة فلا بأس بالمشي معها وينكره بقلبه ولا بأس بالبكاء بدمع في منزل الميت ويكره النوح والصياح وشق الجيوب ولا يقوم من مرت به جنازة ولم يرد المشي معها والأمر به منسوخ "و" يكره "الجلوس قبل وضعها" لقوله عليه السلام "من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لقوله عليه الصلاة والسلام:
"ولا تتبع الجنازة بصوت ولا نار"، وقوله: "إن الله، عز وجل، يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة".

 

ص -225-     ويحفر القبر نصف قامة أو إلى الصدر وإن زيد كان حسنا ويلحد ولا يشق إلا في أرض رخوة ويدخل الميت من قبل القبلة يقول واضعه بسم الله وعلى ملة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن وتحل العقدة ويسوى اللبن عليه والقصب .................
ــــــــــــــــــ
"ويحفر القبر نصف قامة أو إلى الصدر وإن زيد كان حسنا" لأنه أبلغ في الحفظ "ويلحد" في الأرض1 صلبة من جانب القبلة "ولا يشق" بحفيرة في وسط القبر يوضع2 فيها الميت "إلا في أرض رخوة" فلا بأس به فيها ولا باتخاذ التابوت ولو من حديد ويفرش فيه التراب لقوله صلى الله عليه وسلم:
"اللحد لنا والشق لغيرنا" ويدخل الميت في القبر "من قبل القبلة" كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم إن أمكن فتوضع الجنازة على القبر من جهة القبلة ويحمله الآخذ مستقبلا حال الأخذ ويضعه في اللحد لشرف القبلة وهو أول من السل لأنه يكون ابتداء بالرأس أو يكون بالرجلين "ويقول واضعه" في قبره كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقوله إذا أدخل الميت القبر "بسم الله وعلى ملة رسول الله" قال شمس الأئمة السرخسي: أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك وفي الظهيرية: إذا وضعوه قالوا بسم الله وبالله وفي الله وعلى ملة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولا يضر دخول وتر أو شفع في القبر بقدر الكفاية والسنة الوتر وأن يكونوا أقرباء أمناء صلحاء وذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة ثم ذو الرحم غير المحرم ثم الصالح من مشايخ جيرانها ثم الشبان الصلحاء ولا يدخل أحد من النساء القبر ولا يخرجهن إلا الرجال ولو كانوا أجانب لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها فكذا بعد موتها "ويوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن" بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي داود "البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا"، "وتحل العقدة" لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لسمرة وقد مات له ابن "أطلق عقد رأسه وعقد رجليه" لأنه أمن من الانتشار.
"ويسوى اللبن" بكسر الباء الموحدة واحدة لبنة بوزن كلمة الطوب النيء "عليه" أي على اللحد اتقاء لوجهه عن التراب لما روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل على قبره اللبن وروي طن من قصب بضم الطاء المهملة الحزمة ولا منافاة لإمكان الجمع بوضع اللبن منصوبا ثم أكمل بالقصب وقال محمد في الجامع الصغير "و" يستحب "القصب"3 واللبن وقال في الأصل اللبن والقصب فدل المذكور في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللحد: حفيرة تجعل في جانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت وينصب عليها اللبن، والسنة أن يدخل فيه مستوي الجسم لا منكوساً على رأسه.
2 يوضع فيها بعد أن يبنى حافتاه باللبن أو غيره، ثم يوضع الميت بينهما ويسقف عليه باللبن، وأوصى كثير من الصحابة أن يوضعوا في قبورهم من غير لحد ولا شق.
3 القصب: عيدان مجوفة من النبات.

 

ص -226-     وكره الآجر والخشب ويسجى قبرها لا قبره ويهال التراب ويسنم القبر ولا يربع، ويحرم البناء عليه للزينة ويكره للإحكام بعد الدفن ولا بأس بالكتابة عليه لئلا يذهب الأثر ولا يمتهن ويكره الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكره الدفن في الفساقي ولا بأس بدفن أكثر من ...............
ــــــــــــــــــ
الجامع على أنه لا بأس بالجمع بينهما واختلف في القصب المنسوج ويكره إلقاء الحصير في القبر وهذا عند الوجدان وفي محل لا يوجد إلا الصخر فلا كراهة فيه فقولهم "وكره" وضع "الآجر" بالمد المحرق من اللبن "والخشب" محمول على وجود اللبن بلا كلفة وإلا فقد يكون الخشب والآجر موجودين ويقدم اللبن لأن الكراهة لكونهما للإحكام والزينة ولذا قال بعض مشايخنا إنما يكره الآجر إذا أريد به الزينة أما إذا أريد به دفع أذى السباع أو شيء آخر لا يكره وما قيل إنه لمس النار فليس بصحيح "و" يستحب "أن يسجى" أي يستر "قبرها" أي المرأة سترا لها إلى أن يسوى عليها اللحد "لا" يسجى قبره لأن عليا رضي الله عنه مر بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره ثوبا فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء إلا إذا كان لضرورة دفع حر أو مطر أو ثلج عن الداخلين في القبر فلا بأس به "ويهال التراب" سترا له ويستحب أن يحثى ثلاثا لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى القبر فحثا عليه التراب من قبل رأسه ثلاثا.
"ويسنم القبر"، ويكره أن يزيد فيه على التراب الذي خرج منه ويجعله مرتفعا عن الأرض قدر شبر أو أكثر بقليل ولا بأس برش الماء حفظا له "ولا يربع" ولا يجصص لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تربيع القبور وترصيصها "ويحرم البناء عليه للزينة" لما رويناه "ويكره" البناء عليه "للإحكام بعد الدفن" لأنه للبقاء والقبر للفناء وأما قبل الدفن فليس بقبر وفي النوازل لا بأس بتطيينه وفي الغياثية: وعليه الفتوى. "ولا بأس" أيضا "بالكتابة" في حجر صين به القبر ووضع "عليه لئلا يذهب الأثر" فيحترم للعلم بصاحبه "ولا يمتهن" وعن أبي يوسف أنه كره أن يكتب عليه. وإذا خربت القبور فلا بأس بتطيينها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبر ابنه إبراهيم فرأى فيه جحرا فسده وقال: "من عمل عملا فليتقنه" وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:
"خفق الرياح وقطر الأمطار على قبر المؤمن كفارة لذنوبه".
"ويكره الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام" قال الكمال لا يدفن صغير ولا كبير في البيت الذي مات فيه فإن ذلك خاص بالأنبياء عليهم السلام بل يدفن في مقابر المسلمين "ويكره الدفن في" الأماكن التي تسمى "الفساقي" وهي كبيت معقود في البناء يسع جماعة قياما ونحوه لمخالفتها السنة "ولا بأس بدفن أكثر من

 

ص -227-     واحد في قبر للضرورة ويحجز بين كل اثنين بالتراب، ومن مات في سفينة وكان البر بعيدا وخيف الضرر غسل وكفن وصلي عليه وألقي في البحر. ويستحب الدفن في مقبرة محل مات به أو قتل فإن نقل قبل الدفن قدر ميل أو ميلين لا باس به وكره نقله لأكثر منه ولا يجوز نقله بعد دفنه بالإجماع إلا أن تكون الأرض مغصوبة أو أخذت بالشفغة وإن دفن في قبر حفر لغيره ضمن قيمة الحفر .................
ــــــــــــــــــ
واحد" في قبر واحد "للضرورة" قال قاضيخان "ويحجز بين كل اثنين بالتراب" هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره ولا يجوز كسر عظامه ولا تحويلها ولو كان ذميا ولا ينبش وإن طال الزمان وأما أهل الحرب فلا بأس بنبشهم إن احتيج إليه "ومن مات في سفينة وكان البر بعيدا وخيف الضرر" به "غسل وكفن" وصلى عليه "وألقي في البحر" وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يثقل ليرسب وعن الشافعية كذلك إن كان قريبا من دار الحرب والأشد بين لوحين ليقذفه البحر فيدفن.
"ويستحب الدفن في" المقبرة "محل مات به أو قتل" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكان مات بالشام وحمل منها: لو كان الأمر فيك إلي ما نقلتك ولدفنتك حيث مت "فإن نقل قبل الدفن قدر ميل أو ميلين" ونحو ذلك "لا بأس به" لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار "وكره نقله لأكثر منه" أي أكثر من الميلين كذا في الظهيرية وقال شمس الأئمة السرخسي وقول محمد في الكتاب لا بأس أن ينقل الميت قدر ميل أو ميلين بيان أن النقل من بلد إلى بلد مكروه وقال قاضيخان وقد قال قبله لو مات في غير بلده يستحب تركه فإن نقل إلى مصر آخر لا بأس به لما روي أن يعقوب صلوات الله عليه مات بمصر ونقل إلى الشام وسعد ابن أبي وقاص مات في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة ونقل على أعناق الرجال إلى المدينة. قلت يمكن الجمع بأن الزيادة مكروهة في تغيير الرائحة أو خشيتها وتنتفي بانتفائها لمن هو مثل يعقوب عليه السلام وسعد رضي الله عنه لأنهما من أحياء الدارين "ولا يجوز نقله" أي الميت "بعد دفنه" بأن أهيل عليه التراب وأما قبله فيخرج "بالإجماع" بين أئمتنا طالت مدة دفنه أو قصرت للنهي عن نبشه والنبش حرام حقا لله تعالى "إلا أن تكون لأرض مغصوبة" فيخرج لحق صاحبها إن طلبه وإن شاء سواه بالأرض وانتفع بها زراعة أو غيرها "أو أخذت" الأرض "بالشفعة" بأن دفن بها بعد الشراء ثم أخذت بالشفعة لحق الشفيع فيتخير كما قلنا "وإن دفن في قبر حفر لغيره" من الأحياء بأرض ليست مملوكة لأحد "ضمن قيمة الحفر" وأخذ من تركته وإلا فمن بيت المال أو المسلمين كما قدمناه فإن كانت المقبرة واسعة يكره لأن صاحب القبر يستوحش بذلك وإن كانت الأرض ضيقة جاز أي بلا كراهة قال الفقيه أبو الليث رحمه الله لأن أحدا من الناس لا يدري بأي أرض يموت وهذا كمن بسط

 

ص -228-     ولا يخرج منه، وينبش لمتاع سقط فيه ولكفن مغصوب ومال مع الميت ولا ينبش بوضعه لغير القبلة أو على يساره والله أعلم.
ــــــــــــــــــ
بساطا أو مصلى أي سجادة في المسجد أو المجلس فإن كان واسعا لا يصلي ولا يجلس عليه غيره وإن كان المكان ضيقا جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس ومن حفر قبرا قبل موته فلا بأس به ويؤجر عليه هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خثعم وغيرهم "ولا يخرج منه" لأن الحق صار له وحرمته مقدمة "وينبش" القبر "لمتاع" كثوب ودرهم "سقط فيه" وقيل لا ينبش بل يحفر من جهة المتاع ويخرج "و" ينبش "لكفن مغصوب" لم يرض صاحبه إلا بأخذه "ومال مع الميت" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح نبش قبر أبي رغال لذلك "ولا ينبش" الميت "بوضعه لغير القبلة أو" وضعه "على يساره" أو جعل رأسه موضع رجليه ولو سوي اللبن عليه ولم يهل التراب نزع اللبن وراعى السنة.
تتمة
قال كثير من متأخرة أئمتنا رحمهم الله يكره الاجتماع عند صاحب جلوس على باب الدار للمصيبة فإن ذلك عمل أهل الجاهلية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ويكره في المسجد ويكره الضيافة من أهل الميت لأنها شرعت في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة وقال عليه السلام:
"لا عقر في الإسلام" وهو الذي كان يعقر عند القبر بقرة أو شاة ويستحب لجيران الميت والأباعد من أقاربه تهيئة طعام لأهل الميت يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم" ويلح عليهم في الأكل لأن الحزن يمنعهم فيضعفهم والله ملهم الصبر ومعوض الأجر وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى مصابا فله مثل أجره" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى ثكلى كسي بردين في الجنة" ولا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي أخرى.

فصل في زيارة القبور
ندب يارتها للرجال والنساء .............................
ــــــــــــــــــ
فصل في زيارة القبور
"ندب زيارتها" من غير أن يطأ القبور "للرجال والنساء" وقيل تحرم على النساء،

 

ص -229-     على الأصح ويستحب قراءة يس لما ورد أنه من دخل المقابر فقرأ يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد ما فيها حسنات ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار وكره القعود على القبور لغير قراءة ووطؤها والنوم وقضاء الحاجة ........................
ــــــــــــــــــ
والأصح أن الرخصة ثابتة للرجال والنساء فتندب لهن أيضا "على الأصح" والسنة زيارتها قائما كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العاقبة" "ويستحب" للزائر "قراءة" سورة "يس لما ورد" عن أنس رضي الله عنه "أنه" قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل المقابر فقرأ سورة يس" يعني وأهدى ثوابها للأموات "خفف الله عنه يومئذ" العذاب ورفعه وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ثم لا يعود على المسلمين "وكان له" أي للقارئ "بعدد ما فيها" رواية الزيلعي من فيها من الأموات "حسنات" وعن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم فقال: "نعم إنه ليصل ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه" رواه أبو جعفر العكبري فلإنسان أن يجعل ثواب عمله بغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار أو غير ذلك من أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه قال الزيلعي في باب الحج عن الغير وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مر على المقابر فقرأ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحدى عشرا مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات" رواه الدارقطني وأخرج ابن أي شيبة عن الحسن أنه قال من دخل المقابر فقال اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا وسلاما مني أستغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم. وأخرج ابن أبي الدنيا بلفظ كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.
"ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار" لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والاتعاظ "وكره القعود على القبور بغير قراءة" لقوله عليه السلام:
"لئن يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلدته خير له من أن يجلس على قبر" "و" كره "وطئها" بالأقدام لما فيه من عدم الاحترام وأخبرني شيخي العلامة محمد بن أحمد الحموي الحنفي رحمه الله بأنهم يتأذون بخفق النعال اهـ. وقال الكمال وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه اهـ. وقال قاضيخان: ولو وجد طريقا في المقبرة وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك وإن لم يقع في ضميره بأن يمشي فيه.
"و" كره "النوم" على القبور "و" كره تحريما "قضاء الحاجة" أي البول والتغوط

 

ص -230-     عليها وقلع الحشيش والشجر من المقبرة ولا بأس بقلع اليابس منهما.
ــــــــــــــــــ
عليها" بل وقريبا منها وكذا كل ما لم يعهد من غير فعل السنة "و" كره "قلع الحشيش" الرطب "و" كذا "الشجر من المقبرة" لأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكر الله تعالى الرحمة "ولا بأس بقلع اليابس منهما" أي الحشيش والشجر لزوال المقصود

باب احكام الشهيد
المقتول ميت بأجله عندنا، والشهيد من قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق أو اللصوص في منزله ليلا ولو بمثقل أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما عمدا بمحدد وكان مسلما بالغا خاليا عن حيض ونفاس وجنابة ولم يرتث بعد انقضاء الحرب فيكفن بدمه وثيابه ويصلى عليه بلا غسل ............
ــــــــــــــــــ
باب أحكام الشهيد1
سمي به لأنه مشهود له بالجنة "المقتول" بأي سبب كان "ميت ب" انقضاء أجله لم يبق من "أجله" ولا رزقه شيء "عندنا" معاشر أهل السنة والجماعة قاله في العناية "والشهيد" شرعا هو "من قتله أهل الحرب" مباشرة أو تسببا بأي آلة كانت ولو بماء أو نار رموها بين المسلمين "أو" قتله "أهل البغي أو" قتله "قطاع الطريق" بأي آلة كانت "أو" قتله "اللصوص في منزله ليلا ولو بمثقل" أو نهارا "أو وجد في المعركة" سواء كانت معركة أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق "وبه أثر" كجرح وكسر وحرق وخروج دم من أذن أو عين لا من فم وأنف ومخرج "أو قتله مسلم ظلما" لا بحد وقود "عمدا" لا خطأ "بمحدد" خرج به المقتول شبه عمد بمثقل وشمل من قتله أبوه أو سيده "وكان" المقتول "مسلما بالغا خاليا من حيض ونفاس وجنابة ولم يرتث" أي ما صار خلقا في الشهادة كالثوب بوجود رفق من مرافق الحياة "بعد انقضاء الحرب" فيلحق بشهداء أحد "فيكفن بدمه" أي مع دمه من غير تغسيل لقوله صلى الله عليه وسلم:
"زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلمة تكلم قي سبيل الله إلا تأتي يوم القيامة تدمي لونه لون دم والريح ريح المسك" "و" بكفن مع "ثيابه" للأمر به في شهداء أحد "ويصلي عليه" أي الشهيد "بلا غسل" نص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشهيد في اللغة يطلق على الأمين في شهادته وعلى الذي لا يغيب على علمه شيء وعلى القتيل في سبيل الله لأن ملائكة الرحمة تشهده، أو لأن الله وملائكته شهود له بالجنة، أو لأنه شاهد وحاضر عند ربه يرزق.

 

ص -231-     وينزع عنه ماليس صالحا للكفن كالفرو والحشو والسلاح والدرع ويزاد وينقص في ثيابه وكره نزع جميعها ويغسل إن قتل جنبا أو صبيا أو مجنونا أو حائضا أو نفساء أو ارتث بعد انقضاء الحرب بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى أو مضى وقت الصلاة وهو يعقل أو نقل من المعركة لا لخوف وطء الخيل، أو
ــــــــــــــــــ
عليه تأكيدا وإن علم مما سبق لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حمزة رضي الله عنه وجئ برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة كما في مسند أحمد وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر والصلاة على الميت لإظهار كرامته حتى اختص به المسلم وحرم المنافق والشهيد أولى بهذه الكرامة "فينزع عنه" أي عن الشهيد "ما ليس صالحا للكفن كالفرو والحشو" إن وجد غيره صالحا للكفن "و" ينزع عنه "السلاح والدرع" لما في أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهما الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم "ويزاد" إن نقص ما عليه عن كفن السنة ليتم "وينقص" إن زاد العدد "في ثيابه" على كفن السنة توفرة على الورثة أو المسلمين "وكره نزع جميعها" أي ثيابه التي قتل فيها ليبقى عليها أثره "ويغسل" الشهيد عند الإمام "إن قتل جنبا" لأن حنظلة بن الراهب استشهد يوم أحد وقال عليه السلام:
"إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف الفضة" قال أبو أسيد فذهبنا ونظرنا فإذا برأسه يقطر ماء فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جنب "أو صبيا أو مجنونا" لأن السيف كفى عن التغسيل فيمن يوصف بذنب ولا ذنب لهم فلم يكونا في معنى شهداء أحد "أو" قتل "حائضا أو نفساء" سواء كان بعد انقطاع الدم أو قبل استمراره في الحيض ثلاثة أيام في الصحيح والمعنى فيها كالجنب "أو ارتث" بالبناء للمجهول أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق كذا في الصحاح وسمي مرتثا لأنه صار خلقا في حكم الشهادة بما كلف به من أحكام الدنيا أو وصل إليه من منافعها "بعد انقضاء الحرب" فسقط حكم الدنيا وترك الغسل فيغسل وهو شهيد في حكم الآخرة له ثواب الموعود للشهداء ولو ارتث "بأن أكل أو شرب أو نام" ولو قليلا "أو تداوى" لرفق الحياة "أو مضى عليه وقت الصلاة وهو يعقل" ويقدر على أدائها إذ لا يلزمه بدون قدرة فمع العجز لا يغسل "أو نقل من المعركة" حيا ليمرض "لخوف وطء الخيل" أو الدواب فإنه بهذا لا يكون مرتثا "أو أوصى" عطف على قوله أكل سواء أوصى بأمر الدنيا أو الآخرة عند أبي يوسف وقال محمد لا يكون مرتثا إذا زادت الوصية على كلمتين إما بالكلمة والكلمتين فلا تبطل الشهادة، "أو

 

ص -232-     أوصى أو باع أو اشترى أو تكلم بكلام كثير. وإن وجد ما ذكر قبل انقضاء الحرب لا يكون به مرتثا، ويغسل من قتل في المصر ولم يعلم أنه قتل بحد ظلما أو قتل بحد أو قود ويصلى عليه.
ــــــــــــــــــ
باع أو اشترى أو تكلم بكلام كثير" بخلاف القليل من شهداء أحد من تكلم كسعد بن الربيع وهذا كله إذا كان بعد انقضاء الحرب "وإن وجد ما ذكر" من الأكل ونحوه مع الجراحة وكان "قبل انقضاء الحرب لا يكون" الشهيد "مرتثا" بذلك كذا قاله الكمال وإذا اختلط قتلى المسلمين بقتلى الكفار أو موتاهم بموتاهم فإن كان المسلمون أكثر يصلي عليهم وينوي المسلمين وإلا فلا إلا من عرف أنه من المسلمين ويتخذ لهم مقبرة على حدة كذمية ماتت حبلى بمسلم1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من كثير من النسخ "ويغسل من قتل في المصر ولم يعلم أنه قتل بحد ظلماً، أو قتل بحد أو قود ويصلى عليه": والضابط في قتل من يكون شهيدا ألا يجب بنفس القتل مال، أما لو قتله مسلم خطأ أو عمدأ بالمثقل فليس بشهيد لوجوب الدية بقتله، وكذا لو وجد مذبوحاً ولم يعلم قاتله أو وجد في محله مقتولاً ولم يعلم قاتله فإنه لا يدري أقتل ظالماً أم مظلوماً عمداً أو خطأ.