الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة
وَهِي لُغَة كل مَا يستقذر وَشرعا مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص
(وكل مَائِع خرج من) أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي الْقبل والدبر سَوَاء أَكَانَ مُعْتَادا كالبول وَالْغَائِط أم نَادرا كالودي والمذي (نجس) سَوَاء أَكَانَ ذَلِك من حَيَوَان مَأْكُول أم لَا
للأحاديث الدَّالَّة على ذَلِك فقد روى البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جِيءَ لَهُ بحجرين وروثة ليستنجي بهما فَأخذ الحجرين ورد الروثة وَقَالَ هَذَا ركس والركس النَّجس وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث القبرين أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يستبرىء من الْبَوْل رَوَاهُ مُسلم وَقيس بِهِ سَائِر الأبوال وَأما أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العرنيين بِشرب أَبْوَال الْإِبِل فَكَانَ للتداوي والتداوي بِالنَّجسِ جَائِز عِنْد فقد الطَّاهِر الَّذِي يقوم مقَامه وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل الله شِفَاء أمتِي فِيمَا حرم عَلَيْهَا فَمَحْمُول على الْخمر
والمذي وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة قَوِيَّة عِنْد ثورتها
والودي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاء أَبيض كدر ثخين يخرج عقب الْبَوْل أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل
تَنْبِيه فِي بعض نسخ الْمَتْن وكل مَا يخرج بِلَفْظ الْمُضَارع بِإِسْقَاط مَائِع فَمَا نكرَة مَوْصُوفَة أَي كل شَيْء
فَائِدَة هَذِه الفضلات من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاهِرَة كَمَا جزم بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيره وَصَححهُ القَاضِي وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا لَيست من النَّجَاسَة لِأَن بركَة الحبشية شربت بَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لن تلج النَّار بَطْنك صَححهُ

(1/88)


الدَّارَقُطْنِيّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ دم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاهِر لِأَن أَبَا طيبَة شربه وَفعل مثل ذَلِك ابْن الزبير وَهُوَ غُلَام حِين أعطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دم حجامته ليدفنه فشربه فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خالط دَمه دمي لم تمسه النَّار
حكم الْحَصَاة الْخَارِجَة من الْقبل فَائِدَة أُخْرَى اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ فِي حَصَاة تخرج عقب الْبَوْل فِي بعض الأحيان وَتسَمى عِنْد العامية بالحصية هَل هِيَ نَجِسَة أم متنجسة تطهر بِالْغسْلِ وَالَّذِي يظْهر فِيهَا مَا قَالَه بَعضهم وَهُوَ إِن أخبر طَبِيب عدل بِأَنَّهَا منعقدة من الْبَوْل فَهِيَ نَجِسَة وَإِلَّا فمتنجسة
حكم الْمَنِيّ من الْحَيَوَانَات وَحكم الْبيض (إِلَّا الْمَنِيّ) فطاهر من جَمِيع الْحَيَوَانَات إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا أما مني الْآدَمِيّ فلحديث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تحك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ
مُتَّفق عَلَيْهِ وَأما مني غير الْآدَمِيّ فَلِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ
وَيسْتَحب غسل الْمَنِيّ كَمَا فِي الْمَجْمُوع للْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ وخروجا من الْخلاف
وَالْبيض الْمَأْخُوذ من حَيَوَان طَاهِر وَلَو من غير مَأْكُول طَاهِر وَكَذَا الْمَأْخُوذ من ميتَة إِن تصلب وبرز القز
وَهُوَ الْبيض الَّذِي يخرج مِنْهُ دود القز وَلَو استحالت الْبَيْضَة دَمًا فَهِيَ طَاهِرَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه هُنَا وَصحح فِي شُرُوط الصَّلَاة مِنْهُ أَنَّهَا نَجِسَة وَالْأَوْجه حمل هَذَا على مَا إِذا لم تستحل حَيَوَانا وَالْأول على خِلَافه
وَقَوله (وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب) أَي من مَأْكُول وَغَيره أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَة المتوسطة كالبول وَالْغَائِط بِدَلِيل ذكره النَّجَاسَة المخففة والمغلظة بعد ذَلِك وَيَكْفِي غسل ذَلِك مرّة لحَدِيث كَانَت الصَّلَاة خمسين وَالْغسْل من الْجَنَابَة وَالْبَوْل سبع مَرَّات فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل الله التَّخْفِيف حَتَّى جعلت الصَّلَاة خمْسا وَالْغسْل من الْجَنَابَة مرّة وَاحِدَة وَمن الْبَوْل مرّة
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ وَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصب ذنُوب على بَوْل الْأَعرَابِي وَذَلِكَ فِي حكم غسلة وَاحِدَة وَهُوَ حجَّة الْوُجُوب
القَوْل فِي تَقْسِيم النَّجَاسَة إِلَى حكمِيَّة وعينية تَنْبِيه النَّجَاسَة على قسمَيْنِ حكمِيَّة وعينية فالحكمية كبول جف وَلم يدْرك لَهُ صفة يَكْفِي جري المَاء عَلَيْهَا مرّة وَاحِدَة والعينية يجب إِزَالَة صفاتها من طعم ولون وريح إِلَّا مَا عسر زَوَاله من لون أَو ريح فَلَا تجب إِزَالَته بل يطهر الْمحل أما إِذا اجْتمعَا فَتجب إزالتهما مُطلقًا لقُوَّة دلالتهما على بَقَاء الْعين كَمَا يدل على بَقَائِهَا بَقَاء الطّعْم وَحده وَإِن عسر زَوَاله وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا بقيا فِي مَحل وَاحِد فَإِن بقيا مُتَفَرّقين لم يضر وَلَا تجب الِاسْتِعَانَة فِي زَوَال الْأَثر بِغَيْر المَاء إِلَّا إِن تعيّنت
وَيشْتَرط وُرُود المَاء إِن قل لَا إِن كثر على الْمحل لِئَلَّا يَتَنَجَّس المَاء لَو عكس فَلَا يطهر الْمحل والغسالة القليلة الْمُنْفَصِلَة بِلَا تغير وَبلا زِيَادَة وزن بعد اعْتِبَار مَا يتشربه الْمحل وَقد طهر الْمحل طَاهِرَة لِأَن الْمُنْفَصِل بعض مَا كَانَ مُتَّصِلا وَقد فرض طهره وَلَا يشْتَرط الْعَصْر إِذا البلل بعض الْمُنْفَصِل وَقد فرض طهره وَلَكِن يسن خُرُوجًا من الْخلاف فَإِن كَانَت كَثِيرَة وَلم تَتَغَيَّر أَو لم تنفصل فطاهرة أَيْضا وَإِن انفصلت متغيرة أَو غير متغيرة وَزَاد وَزنهَا بعد مَا ذكر أَو لم يزدْ وَلم يطهر الْمحل فنجسة
فرع مَاء نقل من الْبَحْر فَوجدَ فِيهِ طعم زبل أَو لَونه أَو رِيحه حكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقه وَلَا يشكل عَلَيْهِ

(1/89)


قَوْلهم لَا يحد برِيح الْخمر لوضوح الْفرق وَإِن احْتمل أَن يكون ذَلِك من قربَة جَائِفَة لم يحكم بنجاستة وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تعم بهَا الْبلوى
القَوْل فِي النَّجَاسَة المخففة وإزالتها ثمَّ شرع فِي حكم النَّجَاسَة المخففة فَقَالَ (إِلَّا بَوْل الصَّبِي الَّذِي يَأْكُل الطَّعَام) أَي للتغذي قبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يطهر برش المَاء عَلَيْهِ) بِأَن يرش عَلَيْهِ مَا يعمه ويغمره بِلَا سيلان بِخِلَاف الصبية وَالْخُنْثَى لَا بُد فِي بولهما من الْغسْل على الأَصْل ويتحقق بالسيلان وَذَلِكَ لخَبر الشَّيْخَيْنِ عَن أم قيس أَنَّهَا جَاءَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره فَبَال عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ
وَلخَبَر التِّرْمِذِيّ وَحسنه يغسل من بَوْل الْجَارِيَة ويرش من بَوْل الْغُلَام
وَفرق بَينهمَا بِأَن الائتلاف بِحمْل الصَّبِي يكثر فَخفف فِي بَوْله وَأَن بَوْله أرق من بولها فَلَا يلصق بِالْمحل كلصوق بولها بِهِ وَألْحق بهَا الْخُنْثَى وَخرج بِقَيْد التغذي تحنيكه بِنَحْوِ تمر وتناوله نَحْو سفوف لإِصْلَاح فَلَا يمنعان النَّضْح كَمَا فِي الْمَجْمُوع وبقبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ مَا بعدهمَا إِذْ الرَّضَاع حِينَئِذٍ كالطعام كَمَا نقل عَن النَّص وَلَا بُد فِي النَّضْح من إِزَالَة أَوْصَافه كَبَقِيَّة النَّجَاسَات وَإِنَّمَا سكتوا عَن ذَلِك لِأَن الْغَالِب سهولة زَوَالهَا خلافًا للزركشي من أَن بَقَاء اللَّوْن وَالرِّيح لَا يضر
القَوْل فِي النَّجَاسَات المعفو عَنْهَا (وَلَا يُعْفَى عَن شَيْء من النَّجَاسَات) كلهَا مِمَّا يُدْرِكهُ الْبَصَر (إِلَّا الْيَسِير) فِي الْعرف (من الدَّم والقيح) الأجنبيين سَوَاء أَكَانَ من نَفسه كَأَن انْفَصل مِنْهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ أَو من غَيره غير دم الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا لِأَن جنس الدَّم يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْعَفو فَيَقَع الْقَلِيل مِنْهُ فِي مَحل الْمُسَامحَة
قَالَ فِي الْأُم والقليل مَا تعافاه النَّاس أَي عدوه عفوا والقيح دم اسْتَحَالَ إِلَى نَتن وَفَسَاد وَمثله الصديد
أما دم نَحْو الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لغلظه كَمَا صرح فِي الْبَيَان وَنَقله عَنهُ فِي الْمَجْمُوع وَأقرهُ وَكَذَا لَو أَخذ دَمًا أَجْنَبِيّا ولطخ بِهِ نَفسه أَي بدنه أَو ثَوْبه فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لتعديه بذلك فَإِن التضمخ بِالنَّجَاسَةِ حرَام وَأما دم الشَّخْص نَفسه الَّذِي لم ينْفَصل كَدم الدماميل والقروح وَمَوْضِع الفصد والحجامة فيعفى عَن قَلِيله وَكَثِيره انْتَشَر بعرق أم لَا ويعفى عَن دم البراغيث وَالْقمل والبق وونيم الذُّبَاب وَعَن قَلِيل بَوْل الخفاش وَعَن روثه وَبَوْل الذُّبَاب لِأَن ذَلِك مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى ويشق الِاحْتِرَاز عَنهُ وَدم البراغيث وَالْقمل رشحات تمصها من (بدن) الْإِنْسَان وَلَيْسَ لَهَا دم فِي نَفسهَا ذكره الإِمَام وَغَيره فِي دم البراغيث وَمثلهَا الْقمل
تَنْبِيه مَحل الْعَفو عَن سَائِر الدِّمَاء مَا لم تختلط بأجنبي فَإِن اخْتلطت بِهِ وَلَو دم نَفسه كَأَن خرج من عينه دم أَو دميت لثته لم يعف عَن شَيْء مِنْهُ نعم يُعْفَى عَن مَاء الطَّهَارَة إِذا لم يتَعَمَّد وَضعه عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ
قَالَ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فِي الْكَلَام على كَيْفيَّة الْمسْح على الْخُف لَو تنجس أَسْفَل الْخُف بمعفو عَنهُ لَا يمسح على أَسْفَله لِأَنَّهُ لَو مَسحه زَاد التلويث وَلَزِمَه حِينَئِذٍ غسله وَغسل الْيَد انْتهى
وَاخْتلف فِيمَا إِذا لبس ثوبا فِيهِ دم براغيث وبدنه رطب فَقَالَ الْمُتَوَلِي يجوز وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو

(1/90)


عَليّ السنجي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة إِلَى تلويث بدنه وَبِه جزم الْمُحب الطَّبَرِيّ تفقها وَيُمكن حمل الْكَلَام الأول على مَا إِذا كَانَت الرُّطُوبَة بِمَاء وضوء أَو غسل مَطْلُوب لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ كَمَا لَو كَانَت بعرق وَالثَّانِي فِي غير ذَلِك كَمَا علم مِمَّا مر
وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بِمَاء الطَّهَارَة مَا يتساقط من المَاء حَال شربه أَو من الطَّعَام حَال أكله أَو جعله على جرحه دَوَاء لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَأما مَا لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر فيعفى عَنهُ وَلَو من النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَن ذَلِك
تَنْبِيه اقْتِصَار المُصَنّف فِي حصر الِاسْتِثْنَاء على مَا ذكره مَمْنُوع كَمَا علم مِمَّا تقرر وَتقدم فِي الْمِيَاه بعض صور مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا
(وَمَا) أَي ويعفى عَن الَّذِي (لَا نفس لَهُ سَائِلَة) من الْحَيَوَانَات عِنْد شقّ عُضْو مِنْهَا كالذباب والزنبور وَالْقمل والبراغيث وَنَحْو ذَلِك (إِذا وَقع فِي الْإِنَاء) الَّذِي فِيهِ مَائِع (وَمَات فِيهِ لَا يُنجسهُ) أَي الْمَائِع بِشَرْط أَن لَا يطرحه طارح وَلم يُغَيِّرهُ لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلخَبَر البُخَارِيّ إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء
أَي وَهُوَ الْيَسَار كَمَا قيل وَفِي الآخر شِفَاء زَاد أَبُو دَاوُد وَإنَّهُ يَتَّقِي بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء وَقد يُفْضِي غمسه إِلَى مَوته فَلَو نجس الْمَائِع لما أَمر بِهِ وَقيس بالذباب مَا فِي مَعْنَاهُ من كل ميتَة لَا يسيل دَمهَا فَلَو شككنا فِي سيل دَمهَا امتحن بِمِثْلِهَا فيجرح للْحَاجة قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ
وَلَو كَانَت تِلْكَ الْحَيَوَانَات مِمَّا يسيل دَمهَا لَكِن لَا دم فِيهَا أَو فِيهَا دم لَا يسيل لصغرها فلهَا حكم مَا يسيل دَمهَا فَإِن غيرته الْميتَة لكثرتها أَو طرحت فِيهِ بعد مَوتهَا قصدا تنجس جزما كَمَا جزم بِهِ فِي الشَّرْح وَالْحَاوِي الصغيرين وَيُؤْخَذ من مَفْهُوم قَوْلهمَا بعد مَوتهَا قصدا أَنه لَو طرحها شخص بِلَا قصد أَو قصد طرحها على مَكَان آخر فَوَقَعت فِي الْمَائِع أَو طرحها من لَا يُمَيّز أَو قصد طرحها فِيهِ فَوَقَعت فِيهِ وَهِي حَيَّة فَمَاتَتْ فِيهِ أَنه لَا يضر وَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ فِي بعض نسخ الْكتاب وَمَاتَتْ فِيهِ فَظَاهره أَنَّهَا لَو طرحت وَهِي حَيَّة فيفصل فِيهَا بَين أَن تقع بِنَفسِهَا أم لَا
ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَإِنَّمَا يحصل الِانْتِفَاع أَو يكمل بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا نَص الشَّارِع على نَجَاسَته وَهُوَ الْمُسكر الْمَائِع وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان كُله طَاهِر لما مر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع أَيْضا وَقد نبه على ذَلِك بقوله (وَالْحَيَوَان كُله طَاهِر) أَي طَاهِر الْعين حَال حَيَاته (إِلَّا الْكَلْب) وَلَو معلما لخَبر مُسلم طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَجه الدّلَالَة أَن الطَّهَارَة إِمَّا لحَدث أَو خبث أَو تكرمة وَلَا حدث على الْإِنَاء وَلَا تكرمة فتعينت طَهَارَة الْخبث فثبتت نَجَاسَة فَمه وَهُوَ أطيب

(1/91)


أَجْزَائِهِ بل هُوَ أطيب الْحَيَوَانَات نكهة لِكَثْرَة مَا يَلْهَث فبقيتها أولى
(وَالْخِنْزِير) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا من الْكَلْب لِأَنَّهُ لَا يقتنى بِحَال وَنقض هَذَا التَّعْلِيل بالحشرات وَنَحْوهَا وَلذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ لَيْسَ لنا دَلِيل وَاضح على نَجَاسَته لَكِن ادّعى ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على نَجَاسَته وعورض بِمذهب مَالك وَرِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه طَاهِر وَيرد النَّقْض بِأَنَّهُ مَنْدُوب إِلَى قَتله من غير ضَرَر فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ بِحمْل شَيْء عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِك الحشرات فيهمَا
(وَمَا تولد مِنْهُمَا) أَي من جنس كل مِنْهُمَا (أَو من أَحدهمَا) مَعَ الآخر أَو مَعَ غَيره من الْحَيَوَانَات الطاهرة وَلَو آدَمِيًّا كالمتولد بَين ذِئْب وكلبة تغيبا للنَّجَاسَة لتولده مِنْهُمَا وَالْفرع يتبع الْأَب فِي النّسَب وَالأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة وأشرفهما فِي الدّين وَإِيجَاب الْبَدَل وَتَقْرِيره الْجِزْيَة وأخفهما فِي عدم وجوب الزَّكَاة وأخسهما فِي النَّجَاسَة وَتَحْرِيم الذَّبِيحَة والمناكحة
القَوْل فِي حكم الْميتَة (وَالْميتَة) وَهِي مَا زَالَت حَيَاتهَا لَا بِذَكَاة شَرْعِيَّة كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم بِضَم الْمِيم وَمَا ذبح بالعظم وَغير الْمَأْكُول إِذا ذبح (كلهَا نَجِسَة) بِالْمَوْتِ وَإِن لم يسل دَمهَا لحُرْمَة تنَاولهَا قَالَ تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} وَتَحْرِيم مَا لَيْسَ بمحترم وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَخرج بالتعريف الْمَذْكُور الْجَنِين فَإِن ذَكَاته بِذَكَاة أمه وَالصَّيْد الَّذِي لم تدْرك ذَكَاته والمتردي إِذا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدخل فِي نَجَاسَة الْميتَة جَمِيع أَجْزَائِهَا من عظم وَشعر وصوف ووبر وَغير ذَلِك لِأَن كلا مِنْهَا تحله الْحَيَاة وَدخل فِي ذَلِك ميتَة نَحْو دود خل وتفاح فَإِنَّهَا نَجِسَة وَلَكِن لَا تنجسه لعسر الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَيجوز أكله مَعَه لعسر تَمْيِيزه
(إِلَّا) ميتَة (السّمك و) ميتَة (الْجَرَاد) فطاهرتان بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته
وَالْمرَاد بالسمك كل مَا أكل من حَيَوَان الْبَحْر وَإِن لم يسم سمكًا كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْأَطْعِمَة وَالْجَرَاد اسْم جنس واحدته جَرَادَة يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى
(و) إِلَّا ميتَة (الْآدَمِيّ) فَإِنَّهَا طَاهِرَة لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَنه لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان وَلَو كَانَ نجسا لأوجبنا على غاسله غسل مَا أَصَابَهُ
وَأما خبر الْحَاكِم لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا فَجرى على الْغَالِب وَلِأَنَّهُ لَو تنجس بِالْمَوْتِ لَكَانَ نجس الْعين كَسَائِر الميتات وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة
فَإِن قيل لَو كَانَ طَاهِرا لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان الطاهرة
أُجِيب بِأَنَّهُ عهد غسل الطَّاهِر بِدَلِيل الْمُحدث بِخِلَاف نجس الْعين
القَوْل فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة وإزالتها (وَيغسل الْإِنَاء) وكل جامد وَلَو معضا من صيد أَو غَيره وجوبا
(من ولوغ) كل من (الْكَلْب وَالْخِنْزِير) وَفرع أَحدهمَا وَكَذَا بملاقاة شَيْء من أَجزَاء كل مِنْهُمَا سَوَاء فِي ذَلِك لعابه وبوله وَسَائِر رطوباته وأجزائه الجافة إِذا لاقت رطبا (سبع مَرَّات) بِمَاء طهُور (إِحْدَاهُنَّ) فِي غير أَرض ترابية (بِتُرَاب) طهُور يعم مَحل النَّجَاسَة بِأَن يكون قدرا يكدر المَاء ويصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجزَاء الْمحل وَلَا بُد من مزجه بِالْمَاءِ إِمَّا قبل وضعهما على الْمحل أَو بعده بِأَن يوضعا وَلَو مرتبين ثمَّ يمزجا قبل الْغسْل وَإِن كَانَ الْمحل رطبا إِذْ الطّهُور الْوَارِد على الْمحل بَاقٍ على طهوريته خلافًا للإسنوي فِي اشْتِرَاط المزج قبل الْوَضع على الْمحل وَالْأَصْل

(1/92)


فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فاغسلوه سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
رَوَاهُ مُسلم
وَفِي رِوَايَة لَهُ وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ أَي بِأَن يصاحب السَّابِعَة كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد السَّابِعَة بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَة صححها التِّرْمِذِيّ أولَاهُنَّ أَو آخِرهنَّ بِالتُّرَابِ وَبَين روايتي مُسلم تعَارض فِي مَحل التُّرَاب فيتساقطان فِي تعْيين مَحَله ويكتفي بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَة من السَّبع كَمَا فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ إِحْدَاهُنَّ بالبطحاء فنص على اللعاب وَألْحق بِهِ مَا سواهُ وَلِأَن لعابه أشرف فضلاته وَإِذا ثبتَتْ نَجَاسَته فَغَيره من بَوْل وروث وعرق وَنَحْو ذَلِك أولى
تَنْبِيه إِذا لم تزل (عين) النَّجَاسَة إِلَّا بست غسلات مثلا حسبت وَاحِدَة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَلَو أكل لحم نَحْو كلب لم يجب عَلَيْهِ تسبيع مَحل الِاسْتِنْجَاء كَمَا نَقله الرَّوْيَانِيّ عَن النَّص
فَائِدَة حمام غسل دَاخله كلب وَلم يعْهَد تَطْهِيره وَاسْتمرّ النَّاس على دُخُوله والاغتسال فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة وانتشرت النَّجَاسَة فِي حصر الْحمام وفوطه فَمَا تَيَقّن إِصَابَة شَيْء مِنْهُ من ذَلِك فنجس وَإِلَّا فطاهر لأَنا لَا ننجس بِالشَّكِّ ويطهر الْحمام بمرور المَاء عَلَيْهِ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بطفل لِأَن الطِّفْل يحصل بِهِ التتريب كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة وَلَو مَضَت مُدَّة يحْتَمل أَنه مر عَلَيْهِ ذَلِك وَلَو بِوَاسِطَة الطين الَّذِي فِي نعال داخليه لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الْهِرَّة إِذا أكلت نَجَاسَة وَغَابَتْ غيبَة يحْتَمل فِيهَا طَهَارَة فمها وَيتَعَيَّن التُّرَاب وَلَو غُبَار رمل وَإِن أفسد الثَّوْب جمعا بَين نَوْعي الطّهُور فَلَا يَكْفِي غَيره كأشنان وصابون وَيسن جعل التُّرَاب فِي غير الْأَخِيرَة وَالْأولَى أولى لعدم احْتِيَاجه بعد ذَلِك إِلَى تتريب مَا يترشرش من جَمِيع الغسلات وَلَا يَكْفِي تُرَاب نجس وَلَا مُسْتَعْمل فِي حدث وَلَا يجب تتريب أَرض ترابية إِذْ لَا معنى لتتريب التُّرَاب فَيَكْفِي تسبيعها بِمَاء وَحده وَلَو أصَاب ثَوْبه مثلا مِنْهَا شَيْء قبل تَمام التسبيع لم يجب تتريبه قِيَاسا على مَا أَصَابَهُ من غير الأَرْض بعد تتريبه وَلَو ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل ثمَّ كوثر حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ طهر المَاء دون الْإِنَاء كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه عَن ابْن الْحداد وَأقرهُ فَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء مَاء كثير وَلم ينقص بولوغه عَن الْقلَّتَيْنِ لم ينجس المَاء وَلَا الْإِنَاء إِن لم يكن الْكَلْب أصَاب جرمه الَّذِي لم يصله المَاء مَعَ رُطُوبَة أَحدهمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَقَضيته أَنه لَو أصَاب مَا وَصله المَاء مِمَّا هُوَ فِيهِ لم ينجس وَتَكون كَثْرَة المَاء مَانِعَة من تنجيسه وَبِه صرح الإِمَام وَغَيره
تَنْبِيه هَل يجب إِرَاقَة المَاء الَّذِي تنجس بولوغ الْكَلْب وَنَحْوه أَو ينْدب وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي وَحَدِيث الْأَمر بإراقته مَحْمُول على من أَرَادَ اسْتِعْمَال الْإِنَاء وَلَو أَدخل كلب رَأسه فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل فَإِن خرج فَمه جافا لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ أَو رطبا فَكَذَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ عملا بِالْأَصْلِ ورطوبته يحْتَمل أَنَّهَا من لعابه
القَوْل فِي النَّجَاسَة المتوسطة وإزالتها (وَيغسل من سَائِر) أَي بَاقِي (النَّجَاسَات) المخففة والمتوسطة (مرّة) وجوبا تَأتي عَلَيْهِ (وَاحِدَة) وَقد مر دَلِيل ذَلِك وَكَيْفِيَّة الْغسْل عِنْد قَول المُصَنّف وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب (وَالثَّلَاث) وَفِي بعض النّسخ وَالثَّلَاثَة بِالتَّاءِ (أفضل) أَي من

(1/93)


الِاقْتِصَار على مرّة فَينْدب أَن يغسل غسلتين بعد الغسلة المزيلة لعين النَّجَاسَة لتكمل الثَّلَاث فَإِن المزيلة للنَّجَاسَة وَاحِدَة وَإِن تعدّدت النَّجَاسَة كَمَا مر فِي غسلات الْكَلْب لاستحباب ذَلِك عِنْد الشَّك فِي النَّجَاسَة لحَدِيث إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَعِنْدَ تحققها أولى وَشَمل ذَلِك الْمُغَلَّظَة وَبِه صرح صَاحب الشَّامِل الصَّغِير فَينْدب مَرَّتَانِ بعد طهرهَا
وَقَالَ الجيلي لَا ينْدب ذَلِك لِأَن المكبر لَا يكبر كَمَا أَن المصغر لَا يصغر أَي فتثلث النَّجَاسَة المخففة والمتوسطة دون الْمُغَلَّظَة وَهَذَا أوجه
لَا يشْتَرط النِّيَّة فِي إِزَالَة النَّجَاسَة تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن النَّجَاسَة لَا يشْتَرط فِي إِزَالَتهَا نِيَّة بِخِلَاف طَهَارَة الْحَدث لِأَنَّهَا عبَادَة كَسَائِر الْعِبَادَات وَهَذَا من بَاب التروك كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْب
وَإِنَّمَا وَجَبت فِي الصَّوْم مَعَ أَنه من بَاب التروك لِأَنَّهُ لما كَانَ مَقْصُودا لقمع الشَّهْوَة وَمُخَالفَة الْهوى الْتحق بِالْفِعْلِ وَيجب أَن يُبَادر بِغسْل الْمُتَنَجس عَاص بالتنجيس كَأَن اسْتعْمل النَّجَاسَة فِي بدنه بِغَيْر عذر خُرُوجًا من الْمعْصِيَة فَإِن لم يكن عَاصِيا بِهِ فلنحو الصَّلَاة وَينْدب أَن يعجل بِهِ فِيمَا عدا ذَلِك وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين الْمُغَلَّظَة وَغَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي وجوب الْمُبَادرَة بالمغلظة مُطلقًا
قَالَ الْإِسْنَوِيّ والعاصي بالجنابة يحْتَمل إِلْحَاقه بالعاصي بالتنجيس وَالْمُتَّجه خِلَافه لِأَن الَّذِي عصى بِهِ هُنَا متلبس بِهِ بِخِلَافِهِ ثمَّ وَإِذا غسل فَمه الْمُتَنَجس فليبالغ فِي الغرغرة ليغسل كل مَا فِي حد الظَّاهِر وَلَا يبلع طَعَاما وَلَا شرابًا قبل غسله لِئَلَّا يكون آكلا للنَّجَاسَة نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأقرهُ
حكم تخَلّل الْخمر (وَإِذا تخللت الْخمْرَة) أَي المحترمة وَغَيرهَا والمحترمة هِيَ الَّتِي عصرت بِقصد الخلية أَو هِيَ الَّتِي عصرت لَا بِقصد الخمرية وَهَذَا الثَّانِي أولى (بِنَفسِهَا طهرت) لِأَن عِلّة النَّجَاسَة وَالتَّحْرِيم الْإِسْكَار وَقد زَالا وَلِأَن الْعصير غَالِبا لَا يَتَخَلَّل إِلَّا بعد التخمر فَلَو لم نقل بِالطَّهَارَةِ لتعذر اتِّخَاذ خل من الْخمر وَهُوَ حَلَال إِجْمَاعًا ويطهر دنها مَعهَا وَإِن غلت حَتَّى ارْتَفَعت وتنجس بهَا مَا فَوْقهَا مِنْهُ وتشرب مِنْهَا للضَّرُورَة وَكَذَا تطهر لَو نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه أَو فتح رَأس الدن لزوَال الشدَّة من غير نَجَاسَة خلفتها
(وَإِن تخللت بطرح شَيْء فِيهَا) كالبصل وَالْخبْز الْحَار وَلَو قبل التخمر (لم تطهر) لتنجس الْمَطْرُوح فِيهَا فينجسها بعد انقلابها خلا
تَنْبِيه لَو عبر بالوقوع بدل الطرح لَكَانَ أولى لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ مَا لَو وَقع فِيهَا شَيْء بِغَيْر طرح كإلقاء ريح فَإِنَّهَا لَا تطهر مَعَه على الْأَصَح نعم لَو عصر الْعِنَب وَوَقع مِنْهُ بعض حبات فِي عصيره لم يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تضر وَلَو نزعت الْعين الطاهرة مِنْهَا قبل التخلل لم يضر لفقد الْعلَّة بِخِلَاف الْعين النَّجِسَة لِأَن النَّجس يقبل التَّنْجِيس فَلَا تطهر بالتخلل وَلَو ارْتَفَعت بِلَا غليان بل بِفعل فَاعل لم يطهر الدن إِذْ لَا ضَرُورَة وَلَا الْخمر لاتصالها بالمرتفع النَّجس فَلَو غمر الْمُرْتَفع بِخَمْر طهرت بالتخلل وَلَو بعد جفافه خلافًا لِلْبَغوِيِّ فِي تَقْيِيده بقبل الْجَفَاف وَلَو نقلت من دن إِلَى آخر طهرت بالتخلل بِخِلَاف مَا لَو أخرجت مِنْهُ ثمَّ صب فِيهِ عصير فتخمر ثمَّ تخَلّل
والخمرة هِيَ المتخذة من مَاء الْعِنَب وَيُؤْخَذ من الِاقْتِصَار عَلَيْهَا أَن النَّبِيذ وَهُوَ الْمُتَّخذ من غير مَاء الْعِنَب كالتمر لَا يطهر بالتخلل وَبِه صرح القَاضِي أَبُو الطّيب لتنجس المَاء بِهِ حَالَة الاشتداد فينجسه بعد الانقلاب خلا
وَقَالَ الْبَغَوِيّ يطهر
وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن المَاء من ضرورياته وَيدل لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الرِّبَا أَنه لَو بَاعَ خل تمر بخل عِنَب أَو خل زبيب بخل رطب صَحَّ وَلَو اخْتَلَط عصير بخل مغلوب ضرّ لِأَنَّهُ لقلَّة الْخلّ فِيهِ يتخمر فيتنجس بِهِ بعد تخلله أَو بخل غَالب فَلَا يضر لِأَن

(1/94)


الأَصْل وَالظَّاهِر عدم التخمر وَأما الْمسَاوِي فَيَنْبَغِي إِلْحَاقه بالخل الْغَالِب لما ذكر
فَائِدَة الْخمر مُؤَنّثَة كَمَا استعملها المُصَنّف وَقد تذكر على ضعف وَيُقَال فِيهَا خمرة بِالتَّاءِ على لُغَة قَليلَة
تَتِمَّة قَالَ الْحَلِيمِيّ قد يصير الْعصير خلا من غير تخمر فِي ثَلَاث صور
الأولى أَن يصب فِي الدن الْمُعْتق بالخل
الثَّانِيَة أَن يصب الْخلّ فِي الْعصير فَيصير بمخالطته خلا من غير تخمر لَكِن مَحَله كَمَا علم مِمَّا مر أَن لَا يكون الْعصير غَالِبا
الثَّالِثَة إِذا تجردت حبات الْعِنَب من عناقيده ويملأ مِنْهَا الدن ويطين رَأسه وَيجوز إمْسَاك ظروف الْخمر وَالِانْتِفَاع بهَا واستعمالها إِذا غسلت وإمساك المحترمة لتصير خلا
وَغير المحترمة تجب إراقتها فَلَو لم يرقها فتخللت طهرت على الصَّحِيح كَمَا مر

فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة
وَقد ذكرهَا على هَذَا التَّرْتِيب فَقَالَ (وَالَّذِي يخرج من الْفرج) أَي قبل الْمَرْأَة مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام من الدِّمَاء (ثَلَاثَة دِمَاء) فَقَط وَأما دم الْفساد الْخَارِج قبل التسع وَدم الآيسة فَلَا يتَعَلَّق بِهِ حكم وَالأَصَح أَنه يُقَال لَهُ دم اسْتِحَاضَة وَدم فَسَاد الأول (دم الْحيض و) الثَّانِي دم (النّفاس و) الثَّالِث دم (الِاسْتِحَاضَة) وَلكُل مِنْهَا حد يميزه
القَوْل فِي تَعْرِيف الْحيض وَبَيَان ألوانه وَصِفَاته (فالحيض) لُغَة السيلان تَقول الْعَرَب حَاضَت الشَّجَرَة إِذا سَالَ صمغها وحاض الْوَادي إِذا سَالَ
وَشرعا دم جبلة أَي تَقْتَضِيه الطباع السليمة و (هُوَ) الدَّم (الْخَارِج من فرج الْمَرْأَة) أَي من أقْصَى رَحمهَا (على سَبِيل الصِّحَّة) احْتِرَازًا عَن الِاسْتِحَاضَة (من غير سَبَب الْولادَة) فِي أَوْقَات مَعْلُومَة احْتِرَازًا عَن النّفاس
وَالْأَصْل فِي الْحيض آيَة {ويسألونك عَن الْمَحِيض} أَي الْحيض وَخبر الصَّحِيحَيْنِ هَذَا شَيْء كتبه الله على بَنَات آدم قَالَ الجاحظ فِي كتاب الْحَيَوَان وَالَّذِي يحيض من الْحَيَوَان أَرْبَعَة الآدميات والأرنب والضبع والخفاش وَجَمعهَا بَعضهم فِي قَوْله (الرجز)
أرانب يحضن وَالنِّسَاء ضبع وخفاش لَهَا دَوَاء وَزَاد عَلَيْهِ غَيره أَرْبَعَة أخر وَهِي النَّاقة والكلبة والوزغة وَالْحجر أَي الْأُنْثَى من الْخَيل
وَله عشرَة أَسمَاء حيض وطمث بِالْمُثَلثَةِ وَضحك وإكبار وإعصار ودراس وعراك بِالْعينِ الْمُهْملَة وفراك بِالْفَاءِ وطمس بِالسِّين الْمُهْملَة ونفاس
(ولونه) أَي الدَّم الْأَقْوَى

(1/95)


(أسود) ثمَّ أَحْمَر فَهُوَ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ للأسود وَقَوي بِالنِّسْبَةِ للأشقر والأشقر أقوى من الْأَصْفَر وَهُوَ أقوى من الأكدر وَمَا لَهُ رَائِحَة كريهة أقوى مِمَّا لَا رَائِحَة لَهُ والثخين أقوى من الرَّقِيق وَالْأسود (محتدم) بحاء مُهْملَة سَاكِنة ودال مُهْملَة مَكْسُورَة بَينهمَا مثناة فَوق أَي حَار مَأْخُوذ من احتدام النَّهَار وَهُوَ اشتداد حره
(لذاع) بذال مُعْجمَة وَعين مُهْملَة أَي موجع
تَنْبِيه لَو خلق للْمَرْأَة فرجان فَقِيَاس مَا سبق فِي الْأَحْدَاث أَن يكون الْخَارِج من كل مِنْهُمَا حيضا وَلَو حاض الْمُشكل من الْفرج وأمنى من الذّكر حكمنَا بِبُلُوغِهِ وإشكاله أَو حاض من الْفرج خَاصَّة فَلَا يثبت للدم حكم الْحيض لجَوَاز كَونه رجلا وَالْخَارِج دم فَسَاد قَالَه فِي الْمَجْمُوع
القَوْل فِي تَعْرِيف النّفاس (وَالنّفاس) لُغَة الْولادَة وَشرعا (هُوَ الدَّم الْخَارِج) من فرج الْمَرْأَة (عقب الْولادَة) أَي بعد فرَاغ الرَّحِم من الْحمل
وَسمي نفاسا لِأَنَّهُ يخرج عقب نفس فَخرج بِمَا ذكر دم الطلق وَالْخَارِج مَعَ الْوَلَد فليسا بحيض لِأَن ذَلِك من آثَار الْولادَة وَلَا نِفَاس لتقدمه على خُرُوج الْوَلَد بل ذَلِك دم فَسَاد نعم الْمُتَّصِل من ذَلِك بحيضها الْمُتَقَدّم حيض
تَنْبِيه قَوْله عقب بِحَذْف الْيَاء التَّحْتِيَّة هُوَ الْأَفْصَح وَمَعْنَاهُ أَن لَا يكون متراخيا عَمَّا قبله
القَوْل فِي تَعْرِيف الِاسْتِحَاضَة (والاستحاضة هُوَ) الدَّم (الْخَارِج) لعِلَّة من عرق فِي أدنى الرَّحِم يُقَال لَهُ العاذل بذال مُعْجمَة وَيُقَال بِمُهْملَة كَمَا حَكَاهُ ابْن سَيّده وَفِي الصِّحَاح بِمُعْجَمَة وَرَاء (فِي غير أَيَّام) أَكثر (الْحيض و) غير أَيَّام أَكثر (النّفاس) سَوَاء أخرج إِثْر حيض أم لَا
والاستحاضة حدث دَائِم فَلَا تمنع الصَّوْم وَالصَّلَاة وَغَيرهمَا مِمَّا يمنعهُ الْحيض كَسَائِر الْأَحْدَاث للضَّرُورَة فتغسل الْمُسْتَحَاضَة فرجهَا قبل الْوضُوء أَو التَّيَمُّم إِن كَانَت تتيمم وَبعد ذَلِك تعصبه وتتوضأ بعد عصبه وَيكون ذَلِك وَقت الصَّلَاة لِأَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فَلَا يَصح قبل الْوَقْت كالتيمم وَبعد مَا ذكر تبادر بِالصَّلَاةِ تقليلا للْحَدَث فَلَو أخرت لمصْلحَة الصَّلَاة كستر عَورَة وانتظار جمَاعَة واجتهاد فِي قبْلَة وَذَهَاب إِلَى مَسْجِد وَتَحْصِيل ستْرَة لم يضر لِأَنَّهَا لَا تعد بذلك مقصرة وَإِذا أخرت لغير مصلحَة الصَّلَاة ضرّ فَيبْطل وضؤوها وَيجب إِعَادَته وإعادة الِاحْتِيَاط لتكرر الْحَدث وَالنَّجس مَعَ استغنائها عَن احْتِمَال ذَلِك بقدرتها على الْمُبَادرَة وَيجب الْوضُوء لكل فرض وَلَو منذورا كالتيمم لبَقَاء الْحَدث وَكَذَا يجب لكل فرض تَجْدِيد الْعِصَابَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا من غسل قِيَاسا على تَجْدِيد الْوضُوء وَلَو انْقَطع دَمهَا قبل الصَّلَاة وَلم تَعْتَد انْقِطَاعه وَعوده أَو اعتادت ذَلِك ووسع زمن الِانْقِطَاع بِحَسب الْعَادة الْوضُوء وَالصَّلَاة وَجب الْوضُوء وَإِزَالَة مَا على الْفرج من الدَّم
القَوْل فِي مُدَّة الْحيض قلَّة وَكَثْرَة وغالبا (وَأَقل الْحيض) زَمنا (يَوْم وَلَيْلَة) أَي مِقْدَار يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة فلكية (وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا بلياليها)

(1/96)


وَإِن لم تتصل الدِّمَاء وَالْمرَاد خَمْسَة عشر لَيْلَة وَإِن لم يتَّصل دم الْيَوْم الأول بليلته كَأَن رَأَتْ الدَّم أول النَّهَار للاستقراء وَأما خبر أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام فضعيف كَمَا فِي الْمَجْمُوع
(وغالبه) أَي الْحيض (سِتّ أَو سبع) وَبَاقِي الشَّهْر غَالب الطُّهْر لخَبر أبي دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحمنة بنت جحش رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تحيضي فِي علم الله سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة أَيَّام كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن مِيقَات حيضهن وطهرهن أَي التزمي الْحيض وَأَحْكَامه فِيمَا أعلمك الله من عَادَة النِّسَاء من سِتَّة أَو سَبْعَة وَالْمرَاد غالبهن لِاسْتِحَالَة اتِّفَاق الْكل عَادَة
القَوْل فِي الْمُسْتَحَاضَة والمتحيرة وَلَو اطردت عَادَة امْرَأَة بِأَن تحيض أقل من يَوْم وَلَيْلَة أَو أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا لم يتبع ذَلِك على الْأَصَح لِأَن بحث الْأَوَّلين أتم وَاحْتِمَال عرُوض دم فَسَاد للْمَرْأَة أقرب من خرق الْعَادة المستقرة وَتسَمى الْمُجَاوزَة للخمسة عشر بالمستحاضة فَينْظر فِيهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة وَهِي الَّتِي ابتدأها الدَّم مُمَيزَة بِأَن ترى فِي بعض الْأَيَّام دَمًا قَوِيا وَفِي بَعْضهَا دَمًا ضَعِيفا فالضعيف من ذَلِك اسْتِحَاضَة وَالْقَوِي مِنْهُ حيض إِن لم ينقص الْقوي عَن أقل الْحيض وَلَا جَاوز أَكْثَره وَلَا نقص الضَّعِيف عَن أقل الطُّهْر وَهُوَ خَمْسَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِن كَانَت مُبتَدأَة غير مُمَيزَة بِأَن رَأَتْهُ بِصفة وَاحِدَة أَو فقدت شَرط تَمْيِيز من شُرُوطه السَّابِقَة فحيضها يَوْم وَلَيْلَة
وطهرها تسع وَعِشْرُونَ بَقِيَّة الشَّهْر وَإِن كَانَت مُعْتَادَة غير مُمَيزَة بِأَن سبق لَهَا حيض وطهر وَهِي تعلمهَا قدرا ووقتا فَترد إِلَيْهِمَا قدرا ووقتا وَتثبت الْعَادة الْمُرَتّب عَلَيْهَا مَا ذكر إِن لم تخْتَلف بِمرَّة وَيحكم لمعتادة مُمَيزَة بتمييز لإعادة مُخَالفَة لَهُ وَلم يَتَخَلَّل بَينهمَا أقل طهر لِأَن التَّمْيِيز أقوى من الْعَادة لظُهُوره فَإِن نسيت عَادَتهَا قدرا ووقتا وَهِي غير مُمَيزَة فكحائض فِي أَحْكَامهَا السَّابِقَة لاحْتِمَال كل زمن يمر عَلَيْهَا الْحيض لَا فِي طَلَاق وَعبادَة تفْتَقر لنِيَّة كَصَلَاة وتغتسل لكل فرض إِن جهلت وَقت انْقِطَاع الدَّم وتصوم رَمَضَان لاحْتِمَال أَن تكون طَاهِرَة ثمَّ شهرا كَامِلا فَيحصل لَهَا من كل شهر أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَيبقى عَلَيْهَا يَوْمَانِ إِن لم تَعْتَد الِانْقِطَاع لَيْلًا فَإِن اعتادته لم يبْق عَلَيْهَا شَيْء وَإِذا بَقِي عَلَيْهَا يَوْمَانِ فتصوم لَهما من ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا ثَلَاثَة أَولهَا وَثَلَاثَة آخرهَا فيحصلان فَإِن ذكرت الْوَقْت دون الْقدر أَو بِالْعَكْسِ فلليقين من حيض وطهر حكمه وَهِي فِي الزَّمن الْمُحْتَمل للْحيض وَالطُّهْر كناسية لَهما فِيمَا مر
وَالْأَظْهَر أَن دم الْحَامِل حيض وَإِن ولدت مُتَّصِلا بِآخِرهِ بِلَا تخَلّل نقاء لإِطْلَاق الْآيَة السَّابِقَة وَالْأَخْبَار والنقاء بَين دِمَاء أقل الْحيض فَأكْثر حيض تبعا لَهَا بِشُرُوط وَهِي أَلا يُجَاوز ذَلِك خمس عشر يَوْمًا وَلم

(1/97)


تنقص الدِّمَاء عَن أقل الْحيض وَأَن يكون النَّقَاء محتوشا بَين دمي حيض فَإِذا كَانَت ترى وقتا دَمًا ووقتا نقاء وَاجْتمعت هَذِه الشُّرُوط حكمنَا على الْكل بِأَنَّهُ حيض وَهَذَا يُسمى قَول السحب وَقيل إِن النَّقَاء طهر لِأَن الدَّم إِذا دلّ على الْحيض وَجب أَن يدل النَّقَاء على الطُّهْر وَهَذَا يُسمى قَول اللقط
القَوْل فِي أقل النّفاس وَأَكْثَره وغالبه (وَأَقل) دم (النّفاس مجة) أَي دفْعَة
وَعبارَة الْمِنْهَاج لَحْظَة وَهُوَ زمن المجة وَفِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لَا حد لأقله أَي لَا يتَقَدَّر بل مَا وجد مِنْهُ وَإِن قل يكون نفاسا وَلَا يُوجد أقل من مجة فَالْمُرَاد من الْعبارَات كَمَا قَالَه فِي الإقليد وَاحِد وَتقدم تَعْرِيف النّفاس لُغَة وَاصْطِلَاحا
وَيُقَال لذات النّفاس نفسَاء
بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَجَمعهَا نِفَاس وَلَا نَظِير لَهُ إِلَّا نَاقَة عشراء فجمعها عشار
قَالَ تَعَالَى {وَإِذا العشار عطلت} وَيُقَال فِي فعله نفست الْمَرْأَة بِضَم النُّون وَفتحهَا وبكسر الْفَاء فيهمَا وَالضَّم أفْصح
وَأما الْحَائِض فَيُقَال فِيهَا نفست بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء لَا غير ذكره فِي الْمَجْمُوع
(وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا) بلياليها (وغالبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا بلياليها) اعْتِبَارا بالوجود فِي الْجَمِيع كَمَا مر فِي الْحيض
وَأما خبر أبي دَاوُد عَن أم سَلمَة كَانَت النُّفَسَاء تجْلِس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا
فَلَا دلَالَة فِيهِ على نفي الزِّيَادَة أَو مَحْمُول على الْغَالِب
وَاخْتلف فِي أَوله فَقيل بعد خُرُوج الْوَلَد وَقيل أقل الطُّهْر فأوله فِيمَا إِذا تَأَخّر خُرُوجه عَن الْولادَة من الْخُرُوج لَا مِنْهَا وَهُوَ مَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَمَوْضِع من الْمَجْمُوع عكس مَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَمَوْضِع آخر من الْمَجْمُوع وَقَضِيَّة الْأَخْذ بِالْأولِ أَن زمن النَّقَاء لَا يحْسب من السِّتين لَكِن صرح البُلْقِينِيّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ ابْتِدَاء السِّتين من الْولادَة وزمن النَّقَاء لَا نِفَاس فِيهِ وَإِن كَانَ محسوبا من السِّتين وَلم أر من حقق هَذَا انْتهى
وَمُقْتَضى هذاأنه يلْزمهَا قَضَاء مَا فاتها من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة فِي هَذِه الْمدَّة
وَمُقْتَضى قَول النَّوَوِيّ أَنَّهَا إِذا ولدت ولدا جافا بَطل صَومهَا أَنه لَا يجب عَلَيْهَا ذَلِك وَيحرم على حَلِيلهَا أَن يسْتَمْتع بهَا بِمَا

(1/98)


بَين السُّرَّة وَالركبَة قبل غسلهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد أما إِذا لم تَرَ الدَّم إِلَّا بعد خَمْسَة عشرَة يَوْمًا فَأكْثر فَلَا نِفَاس لَهَا أصلا على الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع وعَلى هَذَا يحل للزَّوْج أَن يسْتَمْتع بهَا قبل غسلهَا كالجنب
وَقَول النَّوَوِيّ فِي بَاب الصّيام إِنَّه يبطل صَومهَا بِالْوَلَدِ الجاف مَحَله مَا إِذا رَأَتْ الدَّم قبل خَمْسَة عشر يَوْمًا
فَائِدَة أبدى أَبُو سهل الصعلوكي معنى لطيفا فِي كَون أَكثر النّفاس سِتِّينَ يَوْمًا أَن الْمَنِيّ يمْكث فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يتَغَيَّر ثمَّ يمْكث مثلهَا علقَة ثمَّ مثلهَا مُضْغَة
ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح
وَالْولد يتغذى بِدَم الْحيض وَحِينَئِذٍ فَلَا يجْتَمع الدَّم من حِين النفخ لكَونه غذَاء للْوَلَد
وَإِنَّمَا يجْتَمع فِي الْمدَّة الَّتِي قبلهَا وَهِي أَرْبَعَة أشهر
وَأكْثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا فَيكون أَكثر النّفاس سِتِّينَ يَوْمًا
القَوْل فِي أقل الطُّهْر بَين الحيضتين (وَأَقل) زمن (الطُّهْر) الْفَاصِل (بَين الحيضتين خَمْسَة عشر يَوْمًا) لِأَن الشَّهْر غَالِبا لَا يَخْلُو عَن حيض وطهر وَإِذا كَانَ أَكثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا لزم أَن يكون أقل الطُّهْر كَذَلِك وَخرج بقوله بَين الحيضتين الطُّهْر الْفَاصِل بَين الْحيض وَالنّفاس فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون أقل من ذَلِك سَوَاء تقدم الْحيض على النّفاس إِذا قُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض وَهُوَ الْأَصَح أم تَأَخّر عَنهُ وَكَانَ طروه بعد بُلُوغ النّفاس أَكْثَره كَمَا فِي الْمَجْمُوع أما إِذا طَرَأَ قبل بُلُوغ النّفاس أَكْثَره فَلَا يكون حيضا إِلَّا إِذا فصل بَينهمَا خَمْسَة عشر يَوْمًا
(وَلَا حد لأكثره) أَي الطُّهْر بِالْإِجْمَاع فقد لَا تحيض الْمَرْأَة فِي عمرها إِلَّا مرّة وَقد لَا تحيض أصلا
القَوْل فِي السن الَّذِي تحيض فِيهِ الْمَرْأَة (وَأَقل زمن) أَي سنّ (تحيض فِيهِ الْمَرْأَة) وَفِي بعض النّسخ الْجَارِيَة (تسع سِنِين) قمرية كَمَا فِي الْمُحَرر وَلَو بالبلاد الْبَارِدَة للوجود لِأَن مَا ورد فِي الشَّرْع وَلَا ضَابِط لَهُ شَرْعِي وَلَا لغَوِيّ يتبع فِيهِ الْوُجُود كَالْقَبْضِ والحرز قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أعجل من سَمِعت من النِّسَاء يحضن نسَاء تهَامَة يحضن لتسْع سِنِين أَي تَقْرِيبًا لَا تحديدا فيتسامح قبل تَمامهَا بِمَا لَا يسع حيضا وطهرا دون مَا يسعهما وَلَو رَأَتْ الدَّم أَيَّامًا بَعْضهَا قبل زمن الْإِمْكَان وَبَعضهَا فِيهِ جعل الثَّانِي حيضا إِن وجدت شُرُوطه الْمَارَّة
(وَلَا حد لأكثره) أَي السن لجَوَاز أَلا تحيض أصلا كَمَا مر
القَوْل فِي أقل الْحمل وَأَكْثَره وغالبه (وَأَقل) زمن (الْحمل سِتَّة أشهر) ولحظتان لَحْظَة للْوَطْء ولحظة للوضع من إِمْكَان اجْتِمَاعهمَا بعد عقد النِّكَاح (وَأَكْثَره) أَي زمن الْحمل (أَربع سِنِين وغالبه تِسْعَة أشهر) للاستقراء كَمَا أخبر بِوُقُوعِهِ الشَّافِعِي وَكَذَا الإِمَام مَالك حُكيَ عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ جارتنا امْرَأَة مُحَمَّد بن عجلَان امْرَأَة صدق وَزوجهَا رجل صدق حملت ثَلَاثَة أبطن فِي اثْنَتَيْ عشرَة سنة تحمل كل بطن أَربع سِنِين وَقد رُوِيَ هَذَا عَن غير الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة
فِي مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْحيض فَقَالَ (وَيحرم الْحيض) وَلَو أَقَله (ثَمَانِيَة أَشْيَاء) الأول (الصَّلَاة) فَرضهَا ونفلها وَكَذَا سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر (و) الثَّانِي (الصَّوْم) فَرْضه ونفله وَيجب قَضَاء صَوْم الْفَرْض بِخِلَاف الصَّلَاة لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ يصيبنا ذَلِك أَي الْحيض فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وانعقد الْإِجْمَاع على ذَلِك وَفِيه من الْمَعْنى أَن الصَّلَاة تكْثر فَيشق قَضَاؤُهَا بِخِلَاف الصَّوْم وَهل يحرم قَضَاؤُهَا أَو يكره فِيهِ خلاف ذكره فِي الْمُهِمَّات فَنقل فِيهَا عَن ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ عَن الْبَيْضَاوِيّ أَنه يحرم لِأَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نهت السائلة عَن ذَلِك وَلِأَن الْقَضَاء مَحَله فِيمَا أَمر بِفِعْلِهِ
وَعَن ابْن الصّلاح وَالرُّويَانِيّ وَالْعجلِي أَنه مَكْرُوه بِخِلَاف الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ فَيسنّ لَهما الْقَضَاء انْتهى
وَالْأَوْجه عدم التَّحْرِيم وَلَا يُؤثر فِيهِ نهي عَائِشَة وَالتَّعْلِيل الْمَذْكُور منتقض بِقَضَاء الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ وعَلى هَذَا هَل تَنْعَقِد صلَاتهَا أم لَا فِيهِ نظر وَالْأَوْجه عدم الِانْعِقَاد لِأَن الأَصْل فِي الصَّلَاة إِذا لم تكن مَطْلُوبَة عدم الِانْعِقَاد وَوُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهَا فِي الصَّوْم بِأَمْر جَدِيد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/99)


فَلم يكن وَاجِبا حَال الْحيض وَالنّفاس لِأَنَّهَا مَمْنُوعَة مِنْهُ وَالْمَنْع وَالْوُجُوب لَا يَجْتَمِعَانِ
(و) الثَّالِث (قِرَاءَة) شَيْء من (الْقُرْآن) بِاللَّفْظِ أَو بِالْإِشَارَةِ من الْأَخْرَس كَمَا قَالَه القَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة النُّطْق هُنَا وَلَو بعض آيَة للإخلال بالتعظيم سَوَاء أقصد مَعَ ذَلِك غَيرهَا أم لَا لحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن و (يقْرَأ) رُوِيَ بِكَسْر الْهمزَة على النَّهْي وَبِضَمِّهَا على الْخَبَر المُرَاد بِهِ النَّهْي ذكره فِي الْمَجْمُوع وَضَعفه لَكِن لَهُ متابعات تجبر ضعفه وَلمن بِهِ حدث أكبر إِجْرَاء الْقُرْآن على قلبه وَنظر فِي الْمُصحف وَقِرَاءَة مَا نسخت تِلَاوَته وتحريك لِسَانه وهمسه بِحَيْثُ لَا يسمع نَفسه لِأَنَّهَا لَيست بِقِرَاءَة قُرْآن وفاقد الطهُورَيْنِ يقْرَأ الْفَاتِحَة وجوبا فَقَط للصَّلَاة لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَيْهَا خلافًا ل لرافعي فِي قَوْله لَا يجوز لَهُ قرَاءَتهَا كَغَيْرِهَا أما خَارج الصَّلَاة فَلَا يجوز لَهُ أَن يقْرَأ شَيْئا وَلَا أَن يمس الْمُصحف مُطلقًا وَلَا أَن تُوطأ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا انْقَطع دَمهَا وَأما فَاقِد المَاء فِي الْحَضَر فَيجوز لَهُ إِذا تيَمّم أَن يقْرَأ وَلَو فِي غير الصَّلَاة
وَهَذَا فِي حق الشَّخْص الْمُسلم
أما الْكَافِر فَلَا يمْنَع من الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد حُرْمَة ذَلِك كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أما تَعْلِيمه وتعلمه فَيجوز إِن رُجي إِسْلَامه وَإِلَّا فَلَا
تَنْبِيه يحل لمن بِهِ حدث أكبر أذكار الْقُرْآن وَغَيرهَا كمواعظه وأخباره وَأَحْكَامه لَا بِقصد قُرْآن كَقَوْلِه عِنْد الرّكُوب {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} أَي مطيقين وَعند الْمُصِيبَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} وَمَا جرى بِهِ لِسَانه بِلَا قصد فَإِن قصد الْقُرْآن وَحده أَو مَعَ الذّكر حرم وَإِن أطلق فَلَا
كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي دقائقه لعدم الْإِخْلَال بحرمته لِأَنَّهُ لَا يكون قُرْآنًا إِلَّا بِالْقَصْدِ قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره وَظَاهره أَن ذَلِك جَار فِيمَا يُوجد نظمه فِي غير الْقُرْآن كالآيتين المتقدمتين والبسملة والحمدلة وَفِيمَا لَا يُوجد نظمه إِلَّا فِيهِ كسورة الْإِخْلَاص وَآيَة الْكُرْسِيّ وَهُوَ كَذَلِك وَإِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ لَا شكّ فِي تَحْرِيم مَا لَا يُوجد نظمه فِي غير الْقُرْآن وَتَبعهُ على ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين كَمَا شَمل ذَلِك قَول الرَّوْضَة أما إِذا قَرَأَ شَيْئا مِنْهُ لَا على قصد الْقُرْآن فَيجوز
(و) الرَّابِع (مس) شي من (الْمُصحف) بِتَثْلِيث الْمِيم لَكِن الْفَتْح غَرِيب سَوَاء فِي ذَلِك ورقه الْمَكْتُوب فِيهِ وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَيحرم أَيْضا مس جلده الْمُتَّصِل بِهِ لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهُ وَلِهَذَا يتبعهُ فِي البيع وَأما الْمُنْفَصِل عَنهُ فقضية كَلَام الْبَيَان حل مَسّه وَبِه صرح الْإِسْنَوِيّ وَفرق بَينه وَبَين حُرْمَة الِاسْتِنْجَاء بِأَن الِاسْتِنْجَاء أفحش وَنقل الزَّرْكَشِيّ عَن الْغَزالِيّ أَنه يحرم مَسّه أَيْضا وَلم ينْقل مَا يُخَالِفهُ
وَقَالَ ابْن الْعِمَاد إِنَّه الْأَصَح إبْقَاء لِحُرْمَتِهِ قبل انْفِصَاله انْتهى
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد إِذا لم تَنْقَطِع نسبته عَن الْمُصحف فَإِن انْقَطَعت كَأَن جعل جلد كتاب لم يرحم مَسّه قطعا (و) كَذَا يحرم (حمله) أَي الْمُصحف لِأَنَّهُ أبلغ من الْمس نعم يجوز حمله لضَرُورَة كخوف عَلَيْهِ من غرق أَو حرق أَو

(1/100)


نَجَاسَة أَو وُقُوعه فِي يَد كَافِر وَلم يتَمَكَّن من الطَّهَارَة بل يجب أَخذه حِينَئِذٍ كَمَا ذكره فِي التَّحْقِيق وَالْمَجْمُوع فَإِن قدر على التَّيَمُّم وَجب وَخرج بالمصحف غَيره كتوراة وإنجيل ومنسوخ تِلَاوَة من الْقُرْآن وَإِن لم ينْسَخ حكمه فَلَا يحرم وَيحل حمله فِي مَتَاع تبعا لَهُ إِذا لم يكن مَقْصُودا بِالْحملِ بِأَن قصد حمل غَيره أَو لم يقْصد شَيْئا لعدم الْإِخْلَال بتعظيمه حِينَئِذٍ
بِخِلَاف ماإذا كَانَ مَقْصُودا بِالْحملِ وَلَو مَعَ الْأَمْتِعَة فَإِنَّهُ يحرم وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحل فِي هَذِه الصُّورَة كَمَا لَو قصد الْجنب الْقِرَاءَة وَغَيرهَا وَيحل حمله فِي تَفْسِير سَوَاء تميزت أَلْفَاظه بلون أم لَا إِذا كَانَ التَّفْسِير أَكثر من الْقُرْآن لعدم الْإِخْلَال بتعظيمه حِينَئِذٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي معنى الْمُصحف بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْقُرْآن أَكثر مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي معنى الْمُصحف أَو كَانَ مُسَاوِيا لَهُ كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام التَّحْقِيق
وَالْفرق بَينه وَبَين الْحل فِيمَا إِذا اسْتَوَى الْحَرِير مَعَ غَيره أَن بَاب الْحَرِير أوسع بِدَلِيل جَوَازه للنِّسَاء وَفِي بعض الْأَحْوَال للرِّجَال كبرد وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب حَيْثُ كَانَ التَّفْسِير أَكثر لَا يحرم مَسّه مُطلقًا قَالَ فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ لَيْسَ بمصحف أَي وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَحَيْثُ لم يحرم حمل التَّفْسِير وَلَا مَسّه بِلَا طَهَارَة كرها
(و) الْخَامِس (دُخُول الْمَسْجِد) بمكث أَو تردد لقَوْله تَعَالَى {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره أَي لَا تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عبور سَبِيل بل فِي موَاضعهَا وَهُوَ الْمَسْجِد وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {لهدمت صوامع وَبيع وصلوات} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا لجنب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
وَخرج بالمكث والتردد العبور لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة إِذا لم تخف الْحَائِض تلويثه وَخرج بِالْمَسْجِدِ الْمدَارِس والربط ومصلى الْعِيد وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا مَا وقف بعضه مَسْجِدا شَائِعا وَإِن قَالَ الْإِسْنَوِيّ الْمُتَّجه إِلْحَاقه بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِك وَفِي التَّحِيَّة للداخل وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف صِحَة الِاعْتِكَاف فِيهِ وَكَذَا صِحَة الصَّلَاة فِيهِ للْمَأْمُوم إِذا تبَاعد عَن إِمَامه أَكثر من ثَلَاثمِائَة ذِرَاع
(و) السَّادِس (الطّواف) فَرْضه وواجبه ونفله سَوَاء أَكَانَ فِي ضمن نسك أم لَا
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف بِمَنْزِلَة الصَّلَاة إِلَّا أَن الله تَعَالَى أحل فِيهِ الْكَلَام فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير
رَوَاهُ الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(و) السَّابِع (الْوَطْء) وَلَو بعد انْقِطَاعه وَقبل الْغسْل لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن}

(1/101)


طؤها فِي الْفرج كَبِيرَة من الْعَامِد الْعَالم بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَار يكفر مستحله كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَغَيرهم بِخِلَاف النَّاسِي وَالْجَاهِل وَالْمكْره لخَبر إِن الله تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَيسن للواطىء الْمُتَعَمد الْمُخْتَار الْعَالم بِالتَّحْرِيمِ فِي أول الدَّم وقوته التَّصَدُّق بمثقال إسلامي من الذَّهَب الْخَالِص وَفِي آخر الدَّم وَضَعفه بِنصْف مِثْقَال لخَبر إِذا وَاقع الرجل أَهله وَهِي حَائِض إِن كَانَ دَمًا أَحْمَر فليتصدق بِدِينَار وَإِن كَانَ أصفر فليتصدق بِنصْف دِينَار
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَيُقَاس النّفاس على الْحيض وَلَا فرق فِي الواطىء بَين الزَّوْج وَغَيره فَغير الزَّوْج مقيس على الزَّوْج الْوَارِد فِي الحَدِيث وَالْوَطْء بعد انْقِطَاع الدَّم إِلَى الطُّهْر كَالْوَطْءِ فِي آخر الدَّم ذكره فِي الْمَجْمُوع وَيَكْفِي التَّصَدُّق وَلَو على فَقير وَاحِد وَإِنَّمَا لم يجب لِأَنَّهُ وَطْء محرم للأذى فَلَا يجب بِهِ كَفَّارَة كاللواط وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْمُتَحَيِّرَة فَلَا كَفَّارَة بِوَطْئِهَا وَإِن حرم وَلَو أخْبرته بحيضها وَلم يُمكن صدقهَا لم يلْتَفت إِلَيْهَا
وَإِن أمكن وصدقها حرم وَطْؤُهَا وَإِن كذبهَا فَلَا لِأَنَّهَا رُبمَا عاندته وَلِأَن الأَصْل عدم التَّحْرِيم بِخِلَاف من علق بِهِ طَلاقهَا وأخبرته بِهِ فَإِنَّهَا تطلق
وَإِن كذبهَا لتَقْصِيره فِي تَعْلِيقه بِمَا لَا يعرف إِلَّا من جِهَتهَا وَلَا يكره طبخها وَلَا اسْتِعْمَال مَا مسته من مَاء أَو عجين أَو نَحوه
(و) الثَّامِن (الِاسْتِمْتَاع) بِالْمُبَاشرَةِ بِوَطْء أَو غَيره (بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة) وَلَو بِلَا شَهْوَة لقَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَلخَبَر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد جيد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَمَّا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَ يحل مَا فَوق الْإِزَار وَخص بمفهومه عُمُوم خبر مُسلم اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح وَلِأَن الِاسْتِمْتَاع بِمَا تَحت الْإِزَار يَدْعُو إِلَى الْجِمَاع فَحرم لخَبر من حام حول الْحمى يُوشك بِالْكَسْرِ أفْصح كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي رياضه أَن يَقع فِيهِ وَخرج بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة هما وَبَاقِي الْجَسَد فَلَا يحرم الِاسْتِمْتَاع بهَا وبالمباشرة الِاسْتِمْتَاع بِالنّظرِ وَلَو بِشَهْوَة فَإِنَّهُ لَا يحرم إِذْ لَيْسَ هُوَ أعظم من تقبيلها فِي وَجههَا بِشَهْوَة وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ وسكتوا عَن مُبَاشرَة الْمَرْأَة للزَّوْج وَالْقِيَاس إِن مَسهَا للذّكر وَنَحْوه من الاستمتاعات الْمُتَعَلّقَة بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة حكمه حكم تمتعاته بهَا فِي ذَلِك الْمحل
انْتهى
وَالصَّوَاب فِي نظم الْقيَاس أَن نقُول كل مَا منعناه مِنْهُ نمنعها أَن تمسه بِهِ فَيجوز لَهُ أَن يلمس بِجَمِيعِ بدنه سَائِر بدنهَا إِلَّا مَا بَين سرتها وركبتها وَيحرم عَلَيْهِ تمكينها من لمسه بِمَا بَينهمَا وَإِذا انْقَطع دم الْحيض لزمن إِمْكَانه ارْتَفع عَنْهَا سُقُوط الصَّلَاة وَلم يحل لَهَا مِمَّا حرم بِهِ قبل الْغسْل أَو التَّيَمُّم غير الصَّوْم لِأَن تَحْرِيمه بِالْحيضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيل صِحَّته من الْجنب وَقد زَالَ وَغير الطَّلَاق لزوَال الْمَعْنى الْمُقْتَضِي للتَّحْرِيم وَهُوَ تَطْوِيل الْعدة وَغير الطُّهْر فَإِنَّهَا مأمورة بِهِ وَمَا عدا ذَلِك من الْمُحرمَات فَهُوَ بَاقٍ إِلَى أَن تطهر بِمَاء أَو تيَمّم أما مَا عَاد الِاسْتِمْتَاع فَلِأَن الْمَنْع {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} وَقد قرىء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف أما قِرَاءَة مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ لأجل

(1/102)


الْحَدث وَالْحَدَث بَاقٍ وَأما الِاسْتِمْتَاع فَلقَوْله تَعَالَى التَّشْدِيد فَهِيَ صَرِيحَة فِيمَا ذكر وَأما التَّخْفِيف فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَيْضا الِاغْتِسَال كَمَا قَالَ بِهِ ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة بِقَرِينَة قَوْله تَعَالَى {فَإِذا تطهرن} فَوَاضِح وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ انْقِطَاع الْحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذا تطهرن} فَلَا بُد مِنْهُمَا مَعًا
فَائِدَة حكى الْغَزالِيّ أَن الْوَطْء قبل الْغسْل يُورث الجذام فِي الْوَلَد وَيجب على الْمَرْأَة تعلم مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من أَحْكَام الْحيض والاستحاضة وَالنّفاس فَإِن كَانَ زَوجهَا عَالما لزمَه تعليمها وَإِلَّا فلهَا الْخُرُوج لسؤال الْعلمَاء بل يجب وَيحرم عَلَيْهِ منعهَا إِلَّا أَن يسْأَل هُوَ ويخبرها فتستغني بذلك وَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوج إِلَى مجْلِس ذكر أَو تَعْلِيم خير إِلَّا بِرِضَاهُ وَإِذا انْقَطع دم النّفاس أَو الْحيض وتطهرت فَللزَّوْج أَن يَطَأهَا فِي الْحَال من غير كَرَاهَة
القَوْل فِي مَا يحرم على الْجنب (وَيحرم على الْجنب خَمْسَة أَشْيَاء) وَهِي (الصَّلَاة وَالطّواف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَمَسّ الْمُصحف وَحمله) على الحكم الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي هَذِه الْأَرْبَعَة سَابِقًا (و) الْخَامِس (اللّّبْث) أَي الْمكْث لمُسلم غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي الْمَسْجِد) أَو التَّرَدُّد فِيهِ لغير عذر لِلْآيَةِ السَّابِقَة والْحَدِيث الْمَار وَخرج بالمكث والتردد العبور وبالمسلم الْكَافِر فَإِنَّهُ يُمكن من الْمكْث فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد حُرْمَة ذَلِك وَلَيْسَ للْكَافِرِ وَلَو غير جنب دُخُول الْمَسْجِد إِلَّا أَن يكون لحَاجَة كإسلام وَسَمَاع قُرْآن لَا كَأَكْل وَشرب وَأَن يَأْذَن لَهُ مُسلم فِي الدُّخُول إِلَّا أَن يكون لَهُ خُصُومَة وَقد قعد الْحَاكِم للْحكم فِيهِ ولهواء الْمَسْجِد حُرْمَة الْمَسْجِد نعم لَو قطع بصاقه هَوَاء الْمَسْجِد وَوَقع خَارجه لم يحرم كَمَا لَو بَصق فِي ثَوْبه أَو فِي الْمَسْجِد وَبِغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فَلَا يحرم عَلَيْهِ
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص ذكر من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُخُوله الْمَسْجِد جنبا وَمَال إِلَيْهِ النَّوَوِيّ وبالمسجد الْمدَارِس وَنَحْوهَا وَبلا عذر إِذا حصل لَهُ عَارض كَأَن احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِد وَتعذر عَلَيْهِ الْخُرُوج لإغلاق بَاب أَو الْخَوْف على نَفسه أَو عضوه أَو مَنْفَعَة ذَلِك أَو على مَاله فَلَا يحرم عَلَيْهِ الْمكْث وَلَكِن يجب عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن يتَيَمَّم إِن وجد تُرَابا غير تُرَاب الْمَسْجِد فَإِن لم يجد غَيره لم يجز لَهُ أَن يتَيَمَّم بِهِ فَلَو خَالف وَتيَمّم بِهِ صَحَّ تيَمّمه كالتيمم بِتُرَاب مَغْصُوب وَالْمرَاد بِتُرَاب الْمَسْجِد الدَّاخِل فِي وقفيته لَا الْمَجْمُوع من الرّيح وَنَحْوه وَلَو لم يجد الْجنب المَاء إِلَّا فِي الْمَسْجِد فَإِن وجد تُرَابا تيَمّم وَدخل واغترف وَخرج إِن لم يشق عَلَيْهِ ذَلِك وَإِلَّا اغْتسل فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّم على الْمُعْتَمد كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه بعد نَقله عَن الْبَغَوِيّ أَنه يتَيَمَّم وَلَا يغْتَسل فِيهِ وَإِطْلَاق الْأَنْوَار جَوَاز الدُّخُول للاستقاء والمكث لَهَا بِقَدرِهَا فَقَط مَحْمُول على هَذَا التَّفْصِيل
فَائِدَة لَا بَأْس بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِد لغير الْجنب وَلَو لغير أعزب فقد ثَبت أَن أَصْحَاب الصّفة وَغَيرهم كَانُوا ينامون فِيهِ فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِن ضيق على الْمُصَلِّين أَو شوش عَلَيْهِم حرم النّوم فِيهِ قَالَه فِي الْمَجْمُوع
قَالَ وَلَا يحرم إِخْرَاج الرّيح فِيهِ لَكِن الأولى اجتنابه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمَلَائِكَة تتأذى مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ بَنو آدم

(1/103)


وَيحرم على الْمُحدث) حَدثا أَصْغَر، وَهُوَ المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق غَالِبا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَالأَصَح أَنه مُخْتَصّ بالأعضاء الْأَرْبَعَة لِأَن وجوب الْغسْل وَالْمسح مختصان بهَا وَأَن كل عُضْو يرْتَفع حَدثهُ بِغسْلِهِ فِي المغسول وبمسحه فِي الْمَمْسُوح وَإِنَّمَا حرم مس الْمُصحف بذلك الْعُضْو بعد غسله قبل تَمام الطَّهَارَة لِأَنَّهُ لَا يُسمى متطهرا وَقد قَالَ تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَهِي (الصَّلَاة وَالطّواف وَمَسّ الْمُصحف وَحمله) على الحكم الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي كل من هَذِه الثَّلَاثَة فِي الْكَلَام على مَا يحرم بِالْحيضِ
تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف تَقْسِيم الْحَدث إِلَى أكبر ومتوسط وأصغر وَبِه صرح كل من ابْن عبد السَّلَام وَالزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِده
خَاتِمَة فِيهَا مسَائِل منثورة مهمة يحرم على الْمُحدث وَلَو أَصْغَر مس خريطة وصندوق فيهمَا مصحف والخريطة وعَاء كالكيس من أَدَم أَو غَيره وَلَا بُد أَن يَكُونَا معدين للمصحف كَمَا قَالَه ابْن الْمقري لِأَنَّهُمَا لما كَانَا معدين لَهُ كَانَا كالجلد وَإِن لم يدخلا فِي بَيْعه والعلاقة كالخريطة
أما إِذا لم يكن الْمُصحف فيهمَا أَو هُوَ فيهمَا وَلم يعدا لَهُ لم يحرم مسهما وَيحرم مس مَا كتب لدرس قُرْآن وَلَو بعض آيَة كلوح لِأَن الْقُرْآن قد أثبت فِيهِ للدراسة فَأشبه الْمُصحف أما مَا كتب لغير الدراسة كالتميمة وَهِي ورقة يكْتب فِيهَا شَيْء من الْقُرْآن وَتعلق على الرَّأْس مثلا للتبرك وَالثيَاب الَّتِي يكْتب عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِم فَلَا يحرم مَسهَا وَلَا حملهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتابا إِلَى هِرقل وَفِيه {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} الْآيَة وَلم يَأْمر حاملها بالمحافظة على الطَّهَارَة وَيكرهُ كِتَابَة الحروز وتعليقها إِلَّا إِذا جعل عَلَيْهَا شمعا أَو نَحوه
وَينْدب التطهر لحمل كتب الحَدِيث ومسها وَيحل للمحدث قلب ورق الْمُصحف بِعُود وَنَحْوه
قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بحامل وَلَا مَاس وَيكرهُ كتب الْقُرْآن على حَائِط وَلَو لمَسْجِد وَثيَاب وَطَعَام وَنَحْو ذَلِك وَيجوز هدم الْحَائِط وَلبس الثَّوْب وَأكل الطَّعَام وَلَا تضر ملاقاته مَا فِي الْمعدة بِخِلَاف ابتلاع قرطاس عَلَيْهِ اسْم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا يكره كتب شَيْء من الْقُرْآن فِي إِنَاء ليسقى مَاؤُهُ للشفاء خلافًا لما وَقع ل ابْن عبد السَّلَام فِي فَتَاوِيهِ من التَّحْرِيم وَأكل الطَّعَام كشرب المَاء لَا كَرَاهَة فِيهِ وَيكرهُ إحراق خشب نقش بِالْقُرْآنِ إِلَّا إِن قصد بِهِ صيانته فَلَا يكره كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام ابْن عبد السَّلَام وَعَلِيهِ يحمل تحريق عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْمَصَاحِف وَيحرم كتب الْقُرْآن أَو شَيْء من أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِنَجس أَو على نجس ومسه بِهِ إِذا كَانَ غير مَعْفُو عَنهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوع لَا بطاهر من مُتَنَجّس وَيحرم الْمَشْي على فرَاش أَو خشب نقش بِشَيْء من الْقُرْآن وَلَو خيف على مصحف تنجس أَو كَافِر أَو تلف بِنَحْوِ غرق أَو ضيَاع وَلم يتَمَكَّن من تطهره جَازَ لَهُ حمله مَعَ الْحَدث فِي الْأَخِيرَة وَوَجَب فِي غَيرهَا صِيَانة لَهُ كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَيحرم السّفر بِهِ إِلَى أَرض الْكفَّار إِن خيف وُقُوعه فِي أَيْديهم وتوسده وَإِن خَافَ سَرقته وتوسده كتب علم إِلَّا لخوف من نَحْو سَرقَة نعم إِن خَافَ على الْمُصحف من تلف بِنَحْوِ غرق أَو تنجس أَو كَافِر جَازَ لَهُ أَن يتوسده بل يجب عَلَيْهِ وَينْدب كتبه وإيضاحه ونقطه وشكله وَيمْنَع الْكَافِر من مَسّه لَا سَمَاعه وَيحرم تَعْلِيمه وتعلمه إِن كَانَ معاندا وَغير المعاند إِن رُجي إِسْلَامه جَازَ تَعْلِيمه وَإِلَّا فَلَا وَتكره الْقِرَاءَة بِفَم مُتَنَجّس وَتجوز بِلَا كَرَاهَة بحمام وَطَرِيق إِن لم يلته عَنْهَا وَإِلَّا كرهت
القَوْل فِي مس الْمُصحف للصَّغِير وَلَا يجب منع الصَّغِير الْمُمَيز من حمل الْمُصحف واللوح للتعلم إِذا كَانَ مُحدثا وَلَو حَدثا أكبر كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيّ لحَاجَة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا بل ينْدب
وَقَضِيَّة كَلَامهم أَن مَحل ذَلِك فِي الْحمل الْمُتَعَلّق بالدراسة فَإِن لم يكن لغَرَض

(1/104)


أَو لغَرَض آخر منع مِنْهُ جزما كَمَا قَالَه فِي الْمُهِمَّات وَإِن نَازع فِي ذَلِك ابْن الْعِمَاد أما غير الْمُمَيز فَيحرم تَمْكِينه من ذَلِك لِئَلَّا ينتهكه وَالْقِرَاءَة أفضل من ذكر لم يخص بِمحل فَإِن خص بِهِ بِأَن ورد الشَّرْع بِهِ فِيهِ فَهُوَ أفضل مِنْهَا وَينْدب أَن يتَعَوَّذ لَهَا جَهرا إِن جهر بهَا فِي غير الصَّلَاة أما فِي الصَّلَاة فيسر مُطلقًا ويكفيه تعوذ وَاحِد مَا لم يقطع قِرَاءَته بِكَلَام أَو فصل طَوِيل كالفصل بَين الرَّكْعَات وَأَن يجلس وَأَن يسْتَقْبل وَأَن يقْرَأ بتدبر وخشوع وَأَن يرتل وَأَن يبكي عِنْد الْقِرَاءَة وَالْقِرَاءَة نظرا فِي الْمُصحف أفضل مِنْهَا عَن ظهر قلب إِلَّا إِن زَاد خشوعه وَحُضُور قلبه فِي الْقِرَاءَة عَن ظهر قلب فَهِيَ أفضل فِي حَقه وَتحرم بالشاذ فِي الصَّلَاة وخارجها وَهُوَ مَا نقل آحادا قُرْآنًا كأيمانهما فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَهُوَ عِنْد جمَاعَة مِنْهُم النَّوَوِيّ مَا وَرَاء السَّبْعَة أبي عَمْرو وَنَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَعند آخَرين مِنْهُم الْبَغَوِيّ مَا وَرَاء الْعشْرَة السَّبْعَة السَّابِقَة وَأبي جَعْفَر وَيَعْقُوب وَخلف
قَالَ فِي الْمَجْمُوع
وَإِذا قَرَأَ بِقِرَاءَة من السَّبع اسْتحبَّ أَن يتم الْقِرَاءَة بهَا فَلَو قَرَأَ بعض الْآيَات بهَا وَبَعضهَا بغَيْرهَا من السَّبع جَازَ بِشَرْط أَن لَا يكون مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مرتبطا بِالْأولَى وَتحرم الْقِرَاءَة بعكس الْآي لَا بعكس السُّور وَلَكِن تكره إِلَّا فِي تَعْلِيم لِأَنَّهُ أسهل للتعليم
القَوْل فِي حكم الْقُرْآن ونسيانه وَيحرم تَفْسِير الْقُرْآن بِلَا علم ونسيانه أَو شَيْء مِنْهُ كَبِيرَة وَالسّنة أَن يَقُول أنسيت كَذَا لَا نَسِيته إِذْ لَيْسَ هُوَ فَاعل النسْيَان وَينْدب خَتمه أول نَهَار أَو ليل وَالدُّعَاء بعده وحضوره والشروع بعده فِي ختمة أُخْرَى وكثره تِلَاوَته وَقد أفرد الْكَلَام على مَا يتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ بالتصانيف وَفِيمَا ذكرته تذكرة لأولي الْأَلْبَاب)

(1/105)