الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

كتاب الصَّلَاة
جمعهَا صلوَات

وَهِي لُغَة الدُّعَاء بِخَير قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أَي ادْع لَهُم ولتضمنها معنى التعطف عديت بعلى
وَشرعا أَقْوَال وأفعال مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ بشرائط مَخْصُوصَة وَلَا ترد صَلَاة الْأَخْرَس لِأَن الْكَلَام فِي الْغَالِب فَتدخل صَلَاة الْجِنَازَة بِخِلَاف سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر لِأَن قَوْلهم أَقْوَال وأفعال يَشْمَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب غير التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم لقَولهم مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ وَسميت بذلك لاشتمالها على الدُّعَاء إطلاقا لاسم الْجُزْء على اسْم الْكل
القَوْل فِي الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وَدَلِيل فرضيتها وَقد بَدَأَ بالمكتوبات لِأَنَّهَا أهم وَأفضل فَقَالَ (الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة) وَفِي بعض النّسخ الصَّلَوَات المفروضات أَي العينية من الصَّلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة (خمس) مَعْلُومَة من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} أَي حَافظُوا عَلَيْهَا دَائِما بإكمال واجباتها وسننها وَقَوله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} أَي محتمة مُؤَقَّتَة وأخبار فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض الله على أمتِي لَيْلَة الْإِسْرَاء خمسين صَلَاة فَلم أزل أراجعه وأسأله التَّخْفِيف حَتَّى جعلهَا خمْسا فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَقَوله للأعرابي حِين قَالَ هَل عَليّ غَيرهَا قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع وَقَوله لِمعَاذ لما بَعثه إِلَى الْيمن أخْبرهُم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَأما وجوب قيام اللَّيْل فمنسوخ فِي حَقنا وَهل

(1/106)


نسخ فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر الْأَصْحَاب لَا
وَالصَّحِيح نعم
وَنَقله الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن النَّص
وَخرج بقولنَا العينية صَلَاة الْجِنَازَة لَكِن الْجُمُعَة من المفروضات العينية وَلم تدخل فِي كَلَامه إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّهَا بدل عَن الظّهْر وَهُوَ رَأْي وَالأَصَح أَنَّهَا صَلَاة مُسْتَقلَّة
وَكَانَ فرض الْخمس لَيْلَة الْمِعْرَاج كَمَا مر قبل الْهِجْرَة بِسنة وَقيل بِسِتَّة أشهر
فَائِدَة فِي شرح الْمسند للرافعي أَن الصُّبْح كَانَت صَلَاة آدم وَالظّهْر كَانَت صَلَاة دَاوُد وَالْعصر كَانَت صَلَاة سُلَيْمَان وَالْمغْرب كَانَت صَلَاة يَعْقُوب وَالْعشَاء كَانَت صَلَاة يُونُس
وَأورد فِي ذَلِك خَبرا فَجمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيع ذَلِك لنبينا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ولأمته تَعْظِيمًا لَهُ ولكثرة الأجور لَهُ ولأمته
وَلما كَانَت الظّهْر أول صَلَاة ظَهرت لِأَنَّهَا أول صَلَاة صلاهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بَدَأَ الله تَعَالَى بهَا فِي قَوْله تَعَالَى {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} بَدَأَ المُصَنّف بهَا فَقَالَ
(الظّهْر) أَي صلَاته سميت بذلك لِأَنَّهَا تفعل وَقت الظهيرة أَي شدَّة الْحر وَقيل لِأَنَّهَا ظَاهِرَة وسط النَّهَار وَقيل لِأَنَّهَا أول صَلَاة ظَهرت فِي الْإِسْلَام
فَإِن قيل قد تقدم أَن الصَّلَوَات الْخمس فرضت لَيْلَة الْإِسْرَاء فَلم لم يبْدَأ بالصبح أُجِيب بجوابين الأول أَنه حصل التَّصْرِيح بِأَن أول وجوب الْخمس من الظّهْر قَالَه فِي الْمَجْمُوع
الثَّانِي أَن الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ مُتَوَقف على بَيَانهَا وَلم تبين إِلَّا عِنْد الظّهْر
وَلما صدر الْأَكْثَرُونَ تبعا للشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْبَاب بِذكر الْمَوَاقِيت لِأَن بِدُخُولِهَا تجب الصَّلَاة وبخروجها تفوت
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ}
قَالَ ابْن عَبَّاس أَرَادَ بِحِين تمسون صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء وبحين تُصبحُونَ صَلَاة الصُّبْح وبعشيا صَلَاة الْعَصْر وبحين تظْهرُونَ صَلَاة الظّهْر وَخبر أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَكَانَ الْفَيْء قدر الشرَاك وَالْعصر

(1/107)


حِين كَانَ ظله أَي الشَّيْء مثله وَالْمغْرب حِين أفطر الصَّائِم أَي دخل وَقت إفطاره وَالْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَالْفَجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم فَلَمَّا كَانَ الْغَد صلى بِي الظّهْر حِين كَانَ ظله مثله وَالْعصر حِين كَانَ ظله مثلَيْهِ وَالْمغْرب حِين أفطر الصَّائِم وَالْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل وَالْفَجْر فأسفر وَقَالَ هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك وَالْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِي الظّهْر حِين كَانَ ظله مثله أَي فرغ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شرع فِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول حِينَئِذٍ قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نافيا بِهِ اشتراكهما فِي وَقت وَاحِد وَيدل لَهُ خبر مُسلم وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس مَا لم تحضر الْعَصْر
تَبِعَهُمْ المُصَنّف فَقَالَ القَوْل فِي وَقت الظّهْر ابْتِدَاء وانتهاء (وَأول وَقتهَا) أَي الظّهْر (زَوَال الشَّمْس) أَي وَقت زَوَالهَا يَعْنِي يدْخل وَقتهَا بالزوال كَمَا عبر بِهِ فِي الْوَجِيز وَغَيره وَهُوَ ميل الشَّمْس عَن وسط السَّمَاء الْمُسَمّى بُلُوغهَا إِلَيْهِ بِحَالَة الاسْتوَاء إِلَى جِهَة الْمغرب لَا فِي الْوَاقِع بل فِي الظَّاهِر لِأَن التَّكْلِيف إِنَّمَا يتَعَلَّق بِهِ وَذَلِكَ بِزِيَادَة ظلّ الشي على ظله حَالَة الاسْتوَاء أَو بحدوثه إِن لم يبْق عِنْده ظلّ قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَذَلِكَ يتَصَوَّر فِي بعض الْبِلَاد كمكة وَصَنْعَاء الْيمن فِي أطول أَيَّام السّنة
فَلَو شرع فِي التَّكْبِير قبل ظُهُور الزَّوَال ثمَّ ظهر الزَّوَال عقب التَّكْبِير أَو فِي أَثْنَائِهِ لم يَصح الظّهْر وَإِن كَانَ التَّكْبِير حَاصِلا بعد الزَّوَال فِي نفس الْأَمر وَكَذَا الْكَلَام فِي الْفجْر وَغَيره
(وَآخره) أَي وَقت الظّهْر (إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله بعد) أَي سوى (ظلّ الزَّوَال) الْمَوْجُود عِنْد الزَّوَال وَإِذا أردْت معرفَة الزَّوَال فاعتبره بقامتك أَو شاخص تُقِيمهُ فِي أَرض مستوية وَعلم على رَأس الظل فَمَا زَالَ الظل ينقص من الْخط فَهُوَ قبل الزَّوَال وَإِن وقف لَا يزِيد وَلَا ينقص فَهُوَ وَقت الاسْتوَاء وَإِن أَخذ الظل فِي الزِّيَادَة علم أَن الشَّمْس زَالَت
قَالَ الْعلمَاء وقامة كل إِنْسَان سِتَّة أَقْدَام وَنصف بقدمه
وَالشَّمْس عِنْد الْمُتَقَدِّمين من أَرْبَاب علم الْهَيْئَة فِي السَّمَاء الرَّابِعَة
وَقَالَ بعض محققي الْمُتَأَخِّرين فِي السَّادِسَة وَهِي أفضل من الْقَمَر لِكَثْرَة نَفعهَا
قَالَ الْأَكْثَرُونَ وللظهر ثَلَاثَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أَوله
وَوقت اخْتِيَار إِلَى آخِره وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الْعَصْر لمن يجمع
وَقَالَ القَاضِي لَهَا أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أَوله إِلَى أَن يصير ظلّ الشَّيْء مثل ربعه وَوقت اخْتِيَار إِلَى أَن يصير مثل نصفه وَوقت جَوَاز إِلَى آخِره وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الْعَصْر لمن يجمع
وَلها وَقت ضَرُورَة وَسَيَأْتِي وَوقت حُرْمَة وَهُوَ آخر وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يَسعهَا وَلَا عذر وَإِن وَقعت أَدَاء ويجريان فِي سَائِر أَوْقَات الصَّلَوَات

(1/108)


القَوْل فِي وَقت الْعَصْر ابْتِدَاء وانتهاء (وَالْعصر) أَي صلَاتهَا وَسميت بذلك لمعاصرتها وَقت الْغُرُوب (وَأول وَقتهَا الزِّيَادَة على ظلّ التل) وَعبارَة التَّنْبِيه إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَزَاد أدنى زِيَادَة وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله فَإِن جَاوز ظلّ الشي مثله بِأَقَلّ زِيَادَة فقد دخل وَقت الْعَصْر وَلَيْسَ ذَلِك مُخَالفا للصحيح وَهُوَ أَنه لَا يشْتَرط حُدُوث زِيَادَة فاصلة كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ بل هُوَ مَحْمُول على أَن وَقت الْعَصْر لَا يكَاد يعرف إِلَّا بهَا وَهِي من وَقت الْعَصْر وَقيل من وَقت الظّهْر وَقيل فاصلة
(وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى ظلّ المثلين) بعد ظلّ الاسْتوَاء إِن كَانَ لحَدِيث جِبْرِيل الْمَار وَسمي مُخْتَارًا لما فِيهِ من الرجحان على مَا بعده
وَفِي الإقليد سمي بذلك لاختيار جِبْرِيل إِيَّاه وَقَول جِبْرِيل فِي الحَدِيث الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ
مَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار
(وَآخره) فِي وَقت (الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس) لحَدِيث من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر
مُتَّفق عَلَيْهِ وروى ابْن شيبَة بِإِسْنَاد فِي مُسلم وَقت الْعَصْر مَا لم تغرب الشَّمْس
تَنْبِيه للعصر سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار وَوقت عذر وَقت الظّهْر لمن يجمع وَوقت ضَرُورَة وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة وَوقت كَرَاهَة وَوقت حُرْمَة وَهُوَ آخر وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يَسعهَا
وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا أَدَاء
وَزَاد بَعضهم ثامنا وَهُوَ وَقت الْقَضَاء فِيمَا إِذا أحرم بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْت ثمَّ أفسدها عمدا فَإِنَّهَا تصير قَضَاء كَمَا نَص عَلَيْهِ القَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقه وَالْمُتوَلِّيّ فِي التَّتِمَّة وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر وَلَكِن هَذَا رَأْي ضَعِيف
القَوْل فِي وَقت الْمغرب (وَالْمغْرب) أَي صلَاتهَا (ووقتها وَاحِد) أَي لَا اخْتِيَار فِيهِ كَمَا فِي الحَدِيث الْمَار (وَهُوَ) أَي أَوله يدْخل بعد (غرُوب الشَّمْس) لحَدِيث جِبْرِيل سميت بذلك لفعلها عقب الْغُرُوب وأصل الْغُرُوب الْبعد يُقَال غرب بِفَتْح الرَّاء أَي بعد وَالْمرَاد تَكَامل الْغُرُوب وَيعرف فِي الْعمرَان بِزَوَال الشعاع عَن رُؤُوس الْجبَال وإقبال الظلام من الْمشرق
(و) يَمْتَد على القَوْل الْجَدِيد (بِمِقْدَار مَا يُؤذن) لوَقْتهَا (وَيتَوَضَّأ وَيسْتر الْعَوْرَة وَيُقِيم الصَّلَاة) وبمقدار خمس رَكْعَات كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَلِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد بِخِلَاف غَيرهَا كَذَا اسْتدلَّ بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب ورد بِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا بَين الْوَقْت الْمُخْتَار وَهُوَ الْمُسَمّى بِوَقْت الْفَضِيلَة أما الْوَقْت الْجَائِز وَهُوَ مَحل النزاع فَلَيْسَ فِيهِ تعرض لَهُ وَإِنَّمَا اسْتثْنِي قدر هَذِه

(1/109)


الْأُمُور للضَّرُورَة وَالْمرَاد بالخمس الْمغرب وسنتها البعدية
وَذكر الإِمَام سبع رَكْعَات فَزَاد رَكْعَتَيْنِ قبلهَا بِنَاء على أَنه يسن رَكْعَتَانِ قبلهَا وَهُوَ مَا رَجحه النَّوَوِيّ والاعتماد فِي جَمِيع مَا ذكر بالوسط المعتدل كَذَا أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْقفال يعْتَبر فِي حق كل إِنْسَان الْوسط من فعل نَفسه لأَنهم يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وَيُمكن حمل كَلَام الرَّافِعِيّ على ذَلِك وَيعْتَبر أَيْضا قدر أكل لقم يكسر بهَا حِدة الْجُوع كَمَا فِي الشرحين وَالرَّوْضَة
لَكِن صوب فِي التَّنْقِيح وَغَيره اعْتِبَار الشِّبَع لما فِي الصَّحِيحَيْنِ إِذا قدم الْعشَاء فابدأوا بِهِ قبل صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا على عشائكم
وَحمل كَلَامه على الشِّبَع الشَّرْعِيّ وَهُوَ أَن يَأْكُل لقيمات يقمن صلبه وَالْعشَاء فِي الحَدِيث مَحْمُول على هَذَا أَيْضا
قَالَ بعض السّلف أتحسبونه عشاءكم الْخَبيث إِنَّمَا كَانَ أكلهم لقيمات
تَنْبِيه لَو عبر المُصَنّف بِالطُّهْرِ بدل الْوضُوء ليشْمل الْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة الْخبث لَكَانَ أولى وَعبر جمَاعَة بِلبْس الثِّيَاب بدل ستر الْعَوْرَة وَاسْتَحْسنهُ الْإِسْنَوِيّ لتنَاوله التعمم والتقمص والارتداء وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ مُسْتَحبّ للصَّلَاة ويمتد وَقتهَا على القَوْل الْقَدِيم حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر
قَالَ النَّوَوِيّ قلت الْقَدِيم أظهر
قَالَ فِي الْمَجْمُوع بل هُوَ جَدِيد أَيْضا لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علق القَوْل بِهِ فِي الْإِمْلَاء وَهُوَ من الْكتب الجديدة على ثُبُوت الحَدِيث فِيهِ وَقد ثَبت فِيهِ أَحَادِيث فِي مُسلم مِنْهَا وَقت الْمغرب مَا لم يغب الشَّفق
وَأما حَدِيث صَلَاة جِبْرِيل فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد فَمَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار كَمَا مر وَأَيْضًا أَحَادِيث مُسلم مُقَدّمَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَة بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدم بِمَكَّة وَلِأَنَّهَا أَكثر رُوَاة وَأَصَح إِسْنَادًا مِنْهُ وعَلى هَذَا للمغرب ثَلَاثَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَاخْتِيَار أول الْوَقْت وَوقت جَوَاز مَا لم يغب الشَّفق وَوقت الْعشَاء لمن يجمع
قَالَ الْإِسْنَوِيّ نقلا عَن التِّرْمِذِيّ وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ تَأْخِيرهَا عَن وَقت الْجَدِيد
انْتهى
وَمَعْنَاهُ وَاضح مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ بِخُرُوج الْوَقْت وَلها أَيْضا وَقت ضَرُورَة وَوقت حُرْمَة
القَوْل فِي وَقت الْعشَاء ابْتِدَاء وانتهاء (وَالْعشَاء (و) يدْخل (أول وَقتهَا إِذا غَابَ الشَّفق الْأَحْمَر) لما سبق وَخرج بالأحمر الْأَصْفَر والأبيض وَلم يُقَيِّدهُ فِي الْمُحَرر بالأحمر لانصراف الِاسْم إِلَيْهِ لُغَة لِأَن الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَن الشَّفق هُوَ الْأَحْمَر كَذَا ذكره الْجَوْهَرِي والأزهري وَغَيرهمَا
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَلِهَذَا لم يَقع التَّعَرُّض لَهُ فِي أَكثر الْأَحَادِيث
تَنْبِيه من لَا عشَاء لَهُم بِأَن يَكُونُوا بنواح لَا يغيب فِيهَا شفقهم يقدرُونَ قدر مَا يغيب فِيهِ الشَّفق بأقرب الْبِلَاد إِلَيْهِم كعادم الْقُوت المجزىء فِي الْفطْرَة بِبَلَدِهِ أَي فَإِن كَانَ شفقهم يغيب عِنْد ربع ليلهم مثلا اعْتبر من ليل هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَا أَنهم يصبرون بِقدر مَا يمْضِي من ليلهم لِأَنَّهُ رُبمَا استغرق ليلهم نبه على ذَلِك فِي الْخَادِم
(وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل) لخَبر جِبْرِيل السَّابِق
وَقَوله فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ مَحْمُول على قَول الِاخْتِيَار وَفِي قَول نصفه لخَبر لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل صَححهُ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَرجحه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَكَلَامه فِي الْمَجْمُوع يَقْتَضِي أَن الْأَكْثَرين عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد (و) آخِره (فِي) وَقت (الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي) أَي الصَّادِق لحَدِيث لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط إِنَّمَا التَّفْرِيط على من

(1/110)


لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يدْخل وَقت الْأُخْرَى
رَوَاهُ مُسلم خرجت الصُّبْح بِدَلِيل فَبَقيَ على مُقْتَضَاهُ فِي غَيرهَا وَخرج بالصادق الْكَاذِب
والصادق هُوَ الْمُنْتَشِر ضوءه مُعْتَرضًا بنواحي السَّمَاء بِخِلَاف الْكَاذِب فَإِنَّهُ يطلع مستطيلا يعلوه ضوء كذنب السرحان وَهُوَ بِكَسْر السِّين كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب الذِّئْب ثمَّ تعقبه ظلمَة وَشبه بذنب السرحان لطوله
فلهَا سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَوقت اخْتِيَار وَوقت جَوَاز وَوقت حُرْمَة وَوقت ضَرُورَة وَوقت عذر هُوَ وَقت الْمغرب لمن يجمع وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد بَين الفجرين
القَوْل فِي وَقت الصُّبْح ابْتِدَاء وانتهاء (وَالصُّبْح) أَي صلَاته وَهُوَ بِضَم الصَّاد وَكسرهَا لُغَة أول النَّهَار فَلذَلِك سميت بِهِ هَذِه الصَّلَاة وَقيل لِأَنَّهَا تقع بعد الْفجْر الَّذِي يجمع بَيَاضًا وَحُمرَة وَالْعرب تَقول وَجه صبيح لما فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة
(وَأول وَقتهَا طُلُوع الْفجْر الثَّانِي) أَي الصَّادِق لحَدِيث جِبْرِيل فَإِنَّهُ علقه على الْوَقْت الَّذِي يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم وَإِنَّمَا يحرمان بالصادق (وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى الْإِسْفَار) وَهُوَ الإضاءة لخَبر جِبْرِيل السَّابِق وَقَوله فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْت مَا بَين هذَيْن مَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار (و) آخِره (فِي) وَقت (الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس) لحَدِيث مُسلم وَقت صَلَاة الصُّبْح من طُلُوع الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس وَالْمرَاد بطلوعها هُنَا طُلُوع بَعْضهَا بِخِلَاف غُرُوبهَا فِيمَا مر إِلْحَاقًا لما يظْهر بِمَا ظهر فيهمَا وَلِأَن وَقت الصُّبْح يدْخل بِطُلُوع بعض الْفجْر فَنَاسَبَ أَن يخرج بِطُلُوع الشَّمْس فلهَا سِتَّة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الاحمرار ثمَّ وَقت كَرَاهَة وَوقت حُرْمَة وَوقت ضَرُورَة وَهِي نهارية لقَوْله تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا} الْآيَة
وللأخبار الصَّحِيحَة فِي ذَلِك وَهِي عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالْأَصْحَاب الصَّلَاة الْوُسْطَى لقَوْله تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} الْآيَة إِذْ لَا قنوت إِلَّا فِي الصُّبْح وَلخَبَر مُسلم قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لمن يكْتب لَهَا مُصحفا اكْتُبْ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر ثمَّ قَالَت سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعَطف يَقْتَضِي التغاير
قَالَ النَّوَوِيّ عَن الْحَاوِي الْكَبِير صحت الْأَحَادِيث أَنَّهَا الْعَصْر لخَبر شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَمذهب الشَّافِعِي اتِّبَاع الحَدِيث فَصَارَ هَذَا مذْهبه وَلَا يُقَال فِيهِ قَولَانِ كَمَا وهم فِيهِ بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ فِي شرح مُسلم الْأَصَح أَنَّهَا الْعَصْر كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَا يكره تَسْمِيَة الصُّبْح غَدَاة كَمَا فِي الرَّوْضَة وَالْأولَى عدم تَسْمِيَتهَا بذلك وَتسَمى صبحا وفجرا لِأَن الْقُرْآن جَاءَ بِالثَّانِيَةِ وَالسّنة بهما مَعًا وَيكرهُ تَسْمِيَة الْمغرب عشَاء وَتَسْمِيَة الْعشَاء عتمة
هَذَا مَا جزم بِهِ فِي التَّحْقِيق والمنهاج وزوائد الرَّوْضَة لَكِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع نَص فِي الْأُم على أَنه يسْتَحبّ أَن لَا تسمى بذلك وَهُوَ مَذْهَب محققي أَصْحَابنَا
وَقَالَت طَائِفَة قَليلَة يكره
وَالْأول هُوَ الظَّاهِر لوُرُود النَّهْي عَن ذَلِك وَيكرهُ النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء بعد دُخُول وَقتهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك وَيكرهُ الحَدِيث

(1/111)


بعد فعلهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك إِلَّا فِي خير كَقِرَاءَة قُرْآن وَحَدِيث ومذاكرة فقه وإيناس ضيف وَزَوْجَة عِنْد زفافها وَتكلم بِمَا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ كحساب ومحادثة الرجل أَهله لملاطفة أَو نَحْوهَا فَلَا كَرَاهَة لِأَن ذَلِك خير ناجز فَلَا يتْرك لمفسدة متوهمة
وروى الْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدثنا عَامَّة ليله عَن بني إِسْرَائِيل
فَائِدَة روى مُسلم عَن النواس بن سمْعَان قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال ولبثه فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَسَائِر أَيَّامه كأيامكم
قُلْنَا فَذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَسنة يكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم قَالَ لَا اقدروا لَهُ قدره
قَالَ الْإِسْنَوِيّ فيستثنى هَذَا الْيَوْم مِمَّا ذكر فِي الْمَوَاقِيت وَيُقَاس بِهِ اليومان التاليان لَهُ
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهَذِه الْمَسْأَلَة سيحتاج إِلَيْهَا نَص على حكمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى
تَنْبِيه اعْلَم أَن وجوب هَذِه الصَّلَوَات موسع إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يَسعهَا وَإِذا أَرَادَ الْمُصَلِّي تَأْخِيرهَا إِلَى أثْنَاء وَقتهَا لزمَه الْعَزْم على فعلهَا فِي الْوَقْت على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق فَإِن أَخّرهَا مَعَ الْعَزْم على ذَلِك وَمَات أثْنَاء الْوَقْت وَقد بَقِي مِنْهُ مَا يَسعهَا لم يعْص بِخِلَاف الْحَج لِأَن الصَّلَاة لَهَا وَقت مَحْدُود وَلم يقصر بإخراجها عَنهُ وَأما الْحَج فقد قصر بِإِخْرَاجِهِ عَن وقته بِمَوْتِهِ قبل الْفِعْل وَالْأَفْضَل أَن يُصليهَا أول وَقتهَا إِذا تيقنه وَلَو عشَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَاب أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره نعم يسن تَأْخِير صَلَاة الظّهْر فِي شدَّة الْحر إِلَى أَن يصير للحيطان ظلّ يمشي فِيهِ طَالب الْجَمَاعَة بِشَرْط أَن يكون بِبَلَد حَار كالحجاز لمصل جمَاعَة بمصلى يأتونه كلهم أَو بَعضهم بِمَشَقَّة فِي طريقهم إِلَيْهِ وَمن وَقع من صلَاته فِي وَقتهَا رَكْعَة فَأكْثر فَالْكل أَدَاء
وَمن جهل الْوَقْت لنَحْو غيم اجْتهد جَوَازًا إِن قدر على الْيَقِين وَإِلَّا فوجوبا بِنَحْوِ ورد فَإِن علم أَن صلَاته بِالِاجْتِهَادِ وَقعت قبل وَقتهَا أَعَادَهَا وجوبا
القَوْل فِي قَضَاء الْفَوَائِت ويبادر بفائت وجوبا إِن فَاتَ بِلَا عذر
وندبا إِن فَاتَ بِعُذْر كنوم ونسيان
وَيسن تَرْتِيب الْفَائِت وتقديمه على الْحَاضِرَة الَّتِي لَا يخَاف فَوتهَا
القَوْل فِي الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم كَمَا صَححهُ فِي الرَّوْضَة فِي غير حرم مَكَّة صَلَاة عِنْد

(1/112)


اسْتِوَاء الشَّمْس إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَعند طُلُوعهَا وَبعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى ترْتَفع كرمح وَبعد صَلَاة الْعَصْر أَدَاء وَلَو مَجْمُوعَة فِي وَقت الظّهْر وَعند اصفرار الشَّمْس حَتَّى تغرب إِلَّا صَلَاة لسَبَب غير مُتَأَخّر عَنْهَا كفائتة لم يقْصد تَأْخِيرهَا إِلَيْهَا وَصَلَاة كسوف وتحية لم يدْخل إِلَيْهِ بنيتها فَقَط وَسجْدَة شكر فَلَا يكره فِي هَذِه الْأَوْقَات وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ