الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة
كَمَا قَالَ (وَالْمَرْأَة تخَالف الرجل) حَالَة الصَّلَاة (فِي خَمْسَة أَشْيَاء) وَفِي بعض النّسخ أَرْبَعَة أَشْيَاء أما الأول (فالرجل) أَي الذّكر وَإِن كَانَ صَبيا مُمَيّزا (يُجَافِي) أَي يخرج (مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ) فِي رُكُوعه وَسُجُوده لِلِاتِّبَاعِ
(و) الثَّانِي (يقل) بِضَم حرف المضارعة أَي يرفع (بَطْنه عَن فخذته فِي السُّجُود) لِأَنَّهُ أبلغ فِي تَمْكِين الْجَبْهَة وَالْأنف من مَحل سُجُوده وَأبْعد من هيئات الكسالى
كَمَا هُوَ فِي شرح مُسلم عَن الْعلمَاء
(و) الثَّالِث (يجْهر فِي مَوضِع الْجَهْر) الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي الْفَصْل قبله
(و) الرَّابِع (إِذا نابه) أَي أَصَابَهُ (شَيْء فِي الصَّلَاة) كتنبيه إِمَامه على سَهْو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خشِي وُقُوعه فِي مَحْذُور (سبح) أَي قَالَ سُبْحَانَ الله لخَبر الصَّحِيحَيْنِ من نابه شَيْء فِي صلَاته فليسبح وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء
وَيعْتَبر فِي التَّسْبِيح أَن يقْصد بِهِ الذّكر أَو الذّكر والإعلام وَإِلَّا بطلت صلَاته
(و) الْخَامِس (عَورَة الرجل) أَي الذّكر وَإِن كَانَ صَغِيرا حرا كَانَ أَو غَيره وَيتَصَوَّر فِي غَيره الْمُمَيز فِي الطّواف (مَا بَين سرته وركبته) لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَإِذا زوج أحدكُم أمته عَبده أَو أجيره فَلَا تنظر أَي الْأمة إِلَى عَوْرَته
والعورة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة أما السُّرَّة وَالركبَة فليسا من الْعَوْرَة وَإِن وَجب ستر بعضهما لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب
(و) أما (الْمَرْأَة) أَي الْأُنْثَى وَإِن كَانَت صَغِيرَة مُمَيزَة وَمثلهَا الْخُنْثَى فَإِنَّهَا تخَالف الرجل فِي هَذِه الْخَمْسَة أُمُور الأول أَنَّهَا (تضم بَعْضهَا إِلَى بعض) بِأَن تلصق مرفقيها لجنبيها فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود
(و) الثَّانِي أَن (تلصق بَطنهَا لفخذيها) فِي السُّجُود لِأَنَّهُ أستر لَهَا
(و) الثَّالِث أَنَّهَا (تخْفض صَوتهَا) إِن صلت (بِحَضْرَة الرِّجَال) دفعا للفتنة وَإِن كَانَ الْأَصَح أَن صَوتهَا لَيْسَ بِعَوْرَة (و) الرَّابِع (إِذا نابها) أَي أَصَابَهَا (شَيْء) مِمَّا مر (فِي الصَّلَاة) أَي صلَاتهَا (صفقت) للْحَدِيث الْمَار بِضَرْب بطن كف أَو ظهرهَا على ظهر أُخْرَى أَو ضرب ظهر كف على بطن أُخْرَى لَا بِضَرْب بطن كل مِنْهُمَا على بطن أُخْرَى فَإِن فعلته على وَجه اللّعب وَلَو ظهرا على ظهر عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاتهَا وَإِن قل لمنافاته للصَّلَاة
تَنْبِيه لَو صفق الرجل وَسبح غَيره جَازَ مَعَ مخالفتهما السّنة وَالْمرَاد بَيَان التَّفْرِقَة بَينهمَا فِيمَا ذكر لَا بَيَان حكم التَّنْبِيه وَإِلَّا فإنذار الْأَعْمَى وَنَحْوه وَاجِب فَإِن لم يحصل الْإِنْذَار إِلَّا بالْكلَام أَو بِالْفِعْلِ الْمُبْطل وَجب وَتبطل الصَّلَاة بِهِ على الْأَصَح
(و) الْخَامِس (جَمِيع بدن) الْمَرْأَة (الْحرَّة) وَلَو صَغِيرَة مُمَيزَة (عَورَة) فِي الصَّلَاة (إِلَّا وَجههَا وكفيها) ظهرهما وبطنهما من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى الكوعين لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا هُوَ الْوَجْه والكفان

(1/146)


(وَالْأمة) وَلَو مبعضة (كَالرّجلِ) عورتها مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وألحقت بِالرجلِ بِجَامِع أَن رَأس كل مِنْهُمَا لَيست بِعَوْرَة
فَائِدَة السُّرَّة الْموضع الَّذِي يقطع من الْمَوْلُود والسر مَا يقطع من سرته وَلَا يُقَال لَهُ سرة لِأَن السُّرَّة لَا تقطع كَمَا مر
تَنْبِيه الْخُنْثَى كالأنثى رقا وحرية فَإِن اقْتصر الْخُنْثَى الْحر على ستر مَا بَين سرته وركبته لم تصح صلَاته على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة والأفقه فِي الْمَجْمُوع للشَّكّ فِي السّتْر وَصحح فِي التَّحْقِيق الصِّحَّة وَنقل فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء عَن الْبَغَوِيّ وَكثير الْقطع بِهِ للشَّكّ فِي عَوْرَته وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وعَلى الأول يجب الْقَضَاء وَإِن بَان ذكرا للشَّكّ حَال الصَّلَاة وَالْأولَى حمل الأول على مَا إِذا شرع فِي الصَّلَاة وَهُوَ سَاتِر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَالثَّانِي على مَا إِذا شرع وَهُوَ سَاتِر لجَمِيع بدنه وانكشف مِنْهُ مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة لِأَن صلَاته قد انْعَقَدت وشككنا فِي الْمُبْطل وَالْأَصْل عَدمه وَهَذَا الْحمل وَإِن كَانَ بَعيدا فَهُوَ أولى من التَّنَاقُض كَمَا مر

فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة
(وَالَّذِي يبطل الصَّلَاة) المنعقدة أُمُور الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (أحد عشر شَيْئا) الأول (الْكَلَام) أَي النُّطْق بِكَلَام الْبشر بلغَة الْعَرَب وبغيرها بحرفين فَأكْثر أفهما كقم وَلَو لمصْلحَة الصَّلَاة كَقَوْلِه لَا تقم أَو اقعد أَو لَا كعن وَمن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس والحرفان من جنس الْكَلَام وتخصيصه بالمفهم فَقَط اصْطِلَاح حَادث للنحاة أَو حرف مفهم نَحْو ق من الْوِقَايَة وع من الوعي وَكَذَا مُدَّة بعد حرف وَإِن لم يفهم نَحْو آوالمد ألف أَو وَاو أَو يَاء فالممدود فِي الْحَقِيقَة حرفان
وَيسْتَثْنى من ذَلِك إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته مِمَّن ناداه والتلفظ بقربة كنذر وَعتق بِلَا تَعْلِيق وخطاب وَلَو كَانَ النَّاطِق بذلك مكْرها لندرة الْإِكْرَاه فِيهَا وَشَرطه فِي الِاخْتِيَار (الْعمد) مَعَ الْعلم بِتَحْرِيمِهِ وَأَنه فِي صَلَاة فَلَا تبطل بِقَلِيل كَلَام نَاسِيا للصَّلَاة أَو سبق إِلَيْهِ لِسَانه أَو جهل تَحْرِيمه فِيهَا وَإِن علم تَحْرِيم جنس الْكَلَام فِيهَا وَقرب إِسْلَامه أَو بعد عَن الْعلمَاء

(1/147)


بِخِلَاف من بعد إِسْلَامه وَقرب من الْعلمَاء لتَقْصِيره بترك التَّعَلُّم والتنحنح والضحك والبكاء وَلَو من خوف الْآخِرَة والأنين والتأوه والنفخ من الْفَم أَو الْأنف إِن ظهر بِوَاحِد من ذَلِك حرفان بطلت صلَاته وَإِلَّا فَلَا
وَلَو سلم إِمَامه فَسلم مَعَه ثمَّ سلم الإِمَام ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُوم قد سلمت قبل هَذَا
فَقَالَ كنت نَاسِيا لم تبطل صَلَاة وَاحِد مِنْهُمَا وَيسلم الْمَأْمُوم وَينْدب لَهُ سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ تكلم بعد انْقِطَاع الْقدْوَة
وَلَو سلم الْمُصَلِّي من اثْنَتَيْنِ ظَانّا كَمَال صلَاته فكالجاهل كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الصّيام
أما الْكثير من ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يعْذر فِيهِ لِأَنَّهُ يقطع نظم الصَّلَاة والقليل يحْتَمل لقلته وَلِأَن السَّبق وَالنِّسْيَان فِي الْكثير نَادِر وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين الصَّوْم حَيْثُ لَا يبطل بِالْأَكْلِ الْكثير على الْأَصَح أَن الْمُصَلِّي متلبس بهيئة مذكرة للصَّلَاة يبعد مَعهَا النسْيَان بِخِلَاف الصَّائِم
القَوْل فِي حكم التنحنح ويعذر فِي الْيَسِير عرفا من التنحنح وَنَحْوه مِمَّا مر وَغَيره كالسعال والعطاس وَإِن ظهر مِنْهُ حرفان وَلَو من كل نفخة وَنَحْوهَا للغلبة إِذْ لَا تَقْصِير ويعذر فِي التنحنح لتعذر ركن قولي أما إِذا كثر التنحنح وَنَحْوه للغلبة كَأَن ظهر مِنْهُ حرفان من ذَلِك فَأكْثر فَإِن صلَاته تبطل كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ فِي الضحك والسعال وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا لِأَن ذَلِك يقطع نظم الصَّلَاة وَمحل هَذَا إِذا لم يصر السعال وَنَحْوه مَرضا ملازما لَهُ أما إِذا صَار السعال وَنَحْوه كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يضر كمن بِهِ سَلس بَوْل وَنَحْوه بل أولى وَلَا يعْذر فِي يسير التنحنح للجهر لِأَنَّهُ سنة لَا ضَرُورَة إِلَى التنحنح لَهُ وَفِي معنى الْجَهْر سَائِر السّنَن كَقِرَاءَة السُّورَة والقنوت وتكبيرات الِانْتِقَالَات
فروع لَو جهل بُطْلَانهَا بالتنحنح مَعَ علمه بِتَحْرِيم الْكَلَام فمعذور لخفاء حكمه على الْعَوام وَلَو علم تَحْرِيم الْكَلَام وَجَهل كَونه مُبْطلًا لم يعْذر كَمَا لَو علم تَحْرِيم شرب الْخمر دون إِيجَابه الْحَد فَإِنَّهُ يحد إِذْ من حَقه بعد الْعلم بِالتَّحْرِيمِ الْكَفّ وَلَو تكلم نَاسِيا لتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة بطلت كنسيان النَّجَاسَة على ثَوْبه صرح بِهِ الْجُوَيْنِيّ وَغَيره
وَلَو جهل تَحْرِيم مَا أَتَى بِهِ

(1/148)


مِنْهُ مَعَ علمه بِتَحْرِيم جنس الْكَلَام فمعذور كَمَا شَمله كَلَام ابْن الْمقري فِي روضه وَصرح بِهِ أَصله وَكَذَا لَو سلم نَاسِيا ثمَّ تكلم عَامِدًا أَي يَسِيرا كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الصَّوْم وَلَو تنحنح إِمَامه فَبَان مِنْهُ حرفان لم يُفَارِقهُ حملا على الْعذر لِأَن الظَّاهِر تحرزه عَن الْمُبْطل وَالْأَصْل بَقَاء الْعِبَادَة وَقد تدل كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ قرينَة حَال الإِمَام على خلاف ذَلِك فَتجب الْمُفَارقَة
وَلَو لحن فِي الْفَاتِحَة لحنا يُغير الْمَعْنى وَجَبت مُفَارقَته لَكِن لَا تجب مُفَارقَته فِي الْحَال بل حَتَّى يرْكَع لجَوَاز أَنه لحن سَاهِيا وَقد يتَذَكَّر فَيُعِيد الْفَاتِحَة وَلَو نطق بنظم الْقُرْآن بِقصد التفهيم ك {يَا يحيى خُذ الْكتاب} فهما بِهِ من اسْتَأْذن أَنه يَأْخُذ شَيْئا إِن قصد مَعَ التفهيم قِرَاءَة لم تبطل وَإِلَّا بطلت
وَتبطل بمنسوخ التِّلَاوَة وَإِن لم ينْسَخ حكمه لَا بمنسوخ الحكم دون التِّلَاوَة وَلَا تبطل بِالذكر وَالدُّعَاء وَإِن لم يندبا إِلَّا أَن يُخَاطب بِهِ كَقَوْلِه لعاطس رَحِمك الله وَكَذَا تبطل بخطاب مَا لَا يعقل كَقَوْلِه يَا أَرض رَبِّي وَرَبك الله أعوذ بِاللَّه من شرك وَمن شَرّ مَا فِيك
أما خطاب الْخَالِق كإياك نعْبد وخطاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالسلام عَلَيْك فِي التَّشَهُّد فَلَا يضر
وَمُقْتَضى كَلَام الرَّافِعِيّ أَن خطاب الْمَلَائِكَة وَبَاقِي الْأَنْبِيَاء تبطل بِهِ الصَّلَاة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْمُتَّجه كَمَا قَالَه الْإِسْنَوِيّ أَن إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفِعْلِ كإجابته بالْقَوْل
وَلَا تجب إِجَابَة الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاة بل تحرم فِي الْفَرْض وَتجوز فِي النَّفْل وَالْأولَى الْإِجَابَة فِيهِ إِن شقّ عَلَيْهِمَا عدمهَا
وَلَو قَرَأَ إِمَامه {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فَقَالَهَا الْمَأْمُوم بطلت صلَاته إِن لم يقْصد تِلَاوَة أَو دُعَاء كَمَا فِي التَّحْقِيق فَإِن قصد ذَلِك لم تبطل
وَلَو قَالَ استعنت بِاللَّه أَو استعنا بِاللَّه بطلت صلَاته إِلَّا أَن يقْصد بذلك الدُّعَاء وَلَو سكت طَويلا عمدا فِي غير ركن قصير لم تبطل صلَاته لِأَن ذَلِك لَا يخرم هَيْئَة الصَّلَاة
(و) الثَّانِي من الْأَشْيَاء الَّتِي تبطل الصَّلَاة (الْعَمَل) الَّذِي لَيْسَ من جنس الصَّلَاة (الْكثير) فِي الْعرف فَمَا يعده الْعرف قَلِيلا كخلع الْخُف وَلبس الثَّوْب الْخَفِيف فقليل وَكَذَا الخطوتان المتوسطتان والضربتان كَذَلِك وَالثَّلَاث من ذَلِك أَو غَيره كثير إِن توالت سَوَاء أَكَانَت من جنس كخطوات أم أَجنَاس كخطوة وضربة وخلع نعل وَسَوَاء أَكَانَت الخطوات الثَّلَاث بِقدر خطْوَة أم لَا وَلَو فعل وَاحِدَة بنية الثَّلَاث بطلت صلَاته قَالَه العمراني

(1/149)


فَائِدَة الخطوة بِفَتْح الْخَاء هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة وبالضم اسْم لما بَين الْقَدَمَيْنِ
وَلَو تردد فِي فعل هَل انْتهى إِلَى حد الْكَثْرَة أم لَا
قَالَ الإِمَام ينقدح فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه لَا يُؤثر
وَتبطل بالوثبة الْفَاحِشَة لَا الحركات الْخَفِيفَة المتوالية كتحريك أَصَابِعه بِلَا حَرَكَة كَفه فِي سبْحَة أَو عقد أَو حل أَو نَحْو ذَلِك كتحريك لِسَانه أَو أجفانه أَو شَفَتَيْه أَو ذكره مرَارًا وَلَاء فَلَا تبطل صلَاته بذلك إِذْ لَا يخل ذَلِك بهيئة الْخُشُوع والتعظيم فَأشبه الْفِعْل الْقَلِيل وسهو الْفِعْل الْمُبْطل كعمده
(و) الثَّالِث (الْحَدث) فَإِن أحدث قبل التسليمة الأولى عمدا كَانَ أَو سَهوا بطلت صلَاته لبُطْلَان طَهَارَته بِالْإِجْمَاع وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن فَاقِد الطهُورَيْنِ إِذا سبقه الْحَدث لم تبطل صلَاته وَجرى على ذَلِك الْإِسْنَوِيّ وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالتَّعْلِيل خرج مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم} فَإِن الربيبة تحرم مُطلقًا فَلفظ الحجور لَا مَفْهُوم لَهُ
تَنْبِيه لَو صلى نَاسِيا للْحَدَث أثيب على قَصده لَا على فعله إِلَّا الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يتَوَقَّف على وضوء فَإِنَّهُ يُثَاب على فعله أَيْضا
أما الْحَدث بَين التسليمتين فَلَا يضر لِأَن عرُوض الْمُفْسد بعد التَّحَلُّل من الْعِبَادَة لَا يُؤثر وَيسن لمن أحدث فِي صلَاته أَن يَأْخُذ بِأَنْفِهِ ثمَّ ينْصَرف ليوهم أَنه رعف سترا على نَفسه وَيَنْبَغِي أَن يفعل كَذَلِك إِذا أحدث وَهُوَ منتظر للصَّلَاة خُصُوصا إِذا قربت إِقَامَتهَا أَو أُقِيمَت
(و) الرَّابِع (حُدُوث النَّجَاسَة) الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي ثَوْبه أَو بدنه حَتَّى دَاخل أَنفه أَو فَمه أَو عينه أَو أُذُنه لقَوْله تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَإِنَّمَا جعل دَاخل الْفَم وَالْأنف هُنَا كظاهرهما بِخِلَاف غسل الْجَنَابَة لغلظ أَمر النَّجَاسَة فَلَو وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة رطبَة أَو يابسة فأزالها فِي الْحَال بقلع ثوب أَو نفض لم يضر
وَلَا يجوز أَن ينحي النَّجَاسَة بِيَدِهِ أَو كمه فَإِن فعل بطلت صلَاته فَإِن نحاها بِعُود كَذَا فِي أحد وَجْهَيْن وَهُوَ الْمُعْتَمد
تَنْبِيه لَو تنجس ثَوْبه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَلم يجد مَاء يغسلهُ بِهِ وَجب قطع موضعهَا إِن لم تنقص قِيمَته بِالْقطعِ أَكثر من أُجْرَة ثوب يُصَلِّي فِيهِ لَو اكتراه هَذَا مَا قَالَه الشَّيْخَانِ تبعا للمتولي وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من ذَلِك وَمن ثمن المَاء لَو اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَة غسله عِنْد الْحَاجة لِأَن كلا مِنْهُمَا لَو انْفَرد وَجب تَحْصِيله اه
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وَقيد الشَّيْخَانِ أَيْضا وجوب الْقطع بِحُصُول ستر الْعَوْرَة بالطاهر
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلم يذكرهُ الْمُتَوَلِي وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِقَيْد بِنَاء على أَن من وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة لزمَه ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح اه
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر أَيْضا
وَلَا تصح صَلَاة ملاق بعض لِبَاسه نَجَاسَة وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته كطرف عمَامَته الطَّوِيل وَخَالف ذَلِك مَا لَو سجد على مُتَّصِل بِهِ حَيْثُ تصح صلَاته إِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَن اجْتِنَاب النَّجَاسَة فِي الصَّلَاة شرع للتعظيم وَهَذَا يُنَافِيهِ وَالْمَطْلُوب فِي السُّجُود كَونه مُسْتَقرًّا على غَيره لحَدِيث مكن جبهتك فَإِذا سجد على مُتَّصِل بِهِ وَلم يَتَحَرَّك بحركته حصل الْمَقْصُود وَلَا

(1/150)


تصح صَلَاة قَابض طرف شَيْء كحبل على نجس وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَنَّهُ حَامِل لمتصل بِنَجَاسَة فَكَأَنَّهُ حَامِل لَهَا وَلَو كَانَ طرف الْحَبل ملقى على ساجور نَحْو كلب وَهُوَ مَا يَجْعَل فِي عُنُقه أَو مشدودا فِي سفينة صَغِيرَة بِحَيْثُ تنجر بجر الْحَبل لم تصح صلَاته بِخِلَاف سفينة كَبِيرَة لَا تنجر بجره فَإِنَّهَا كَالدَّارِ وَلَا فرق فِي السَّفِينَة بَين أَن تكون فِي الْبر أَو فِي الْبَحْر خلافًا لما قَالَه الْإِسْنَوِيّ من أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْبر لم تبطل قطعا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة
وَلَو وصل عظمه لانكساره مثلا بِنَجس لفقد الطَّاهِر الصَّالح للوصل فمعذور فِي ذَلِك فَتَصِح صلَاته مَعَه للضَّرُورَة
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَلَا يلْزمه نَزعه إِذا وجد الطَّاهِر اه
وَظَاهره أَنه لَا يجب نَزعه وَإِن لم يخف ضَرَرا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن خَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فِي ذَلِك أما إِذا وَصله بِهِ مَعَ وجود الطَّاهِر الصَّالح أَو لم يحْتَج إِلَى الْوَصْل فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ نَزعه وَإِن لم يخف ضَرَرا ظَاهرا وَهُوَ مَا يُبِيح التَّيَمُّم فَإِن مَاتَ من وَجب عَلَيْهِ النزع لم ينْزع لهتك حرمته ولسقوط التَّكْلِيف عَنهُ
وَقَضِيَّة التَّعْلِيل الأول تَحْرِيم النزع وَهُوَ مَا نَقله فِي الْبَيَان عَن عَامَّة الْأَصْحَاب
القَوْل فِي حكم الوشم فروع الوشم وَهُوَ غرز الْجلد بالإبرة حَتَّى يخرج الدَّم ثمَّ يذر عَلَيْهِ نَحْو نيلة ليزرق أَو يخضر بِسَبَب الدَّم الْحَاصِل بغرز الْجلد بالإبرة حرَام للنَّهْي عَنهُ فَتجب إِزَالَته إِن لم يخف ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم فَإِن خَافَ لم تجب إِزَالَته وَلَا إِثْم عَلَيْهِ بعد التَّوْبَة وَهَذَا إِذا فعله بِرِضَاهُ بعد بُلُوغه وَإِلَّا فَلَا تلْزمهُ إِزَالَته وَتَصِح صلَاته وإمامته وَلَا ينجس مَا وضع فِيهِ يَده مثلا إِذا كَانَ عَلَيْهَا وشم
وَلَو داوى جرحه بدواء نجس أَو خاطه بخيط نجس أَو شقّ موضعا فِي بدنه وَجعل فِيهِ دَمًا فكالجبر بِعظم نجس فِيمَا مر
(و) الْخَامِس (انكشاف) شَيْء من (الْعَوْرَة) وَإِن لم يقصر كَمَا لَو طيرت الرّيح سترته إِلَى مَكَان بعيد فَإِن أمكن ستر الْعَوْرَة فِي الْحَال بِأَن كشف الرّيح ثَوْبه فَرده فِي الْحَال لم تبطل صلَاته لانْتِفَاء الْمَحْظُور وَيغْتَفر هَذَا الْعَارِض الْيَسِير
(و) السَّادِس (تَغْيِير النِّيَّة) إِلَى غير الْمَنوِي فَلَو قلب صلَاته الَّتِي هُوَ فِيهَا صَلَاة أُخْرَى عَالما عَامِدًا بطلت صلَاته وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِالْمَشِيئَةِ لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو طلق لم تصح صلَاته للمنافاة وَلَو قلب فرضا نفلا مُطلقًا ليدرك جمَاعَة مَشْرُوعَة وَهُوَ مُنْفَرد وَلم يعين فَسلم من رَكْعَتَيْنِ ليدركها صَحَّ ذَلِك
أما لَو قَلبهَا نفلا معينا كركعتي الضُّحَى فَلَا تصح صلَاته لافتقاره إِلَى التَّعْيِين أما إِذا لم تشرع الْجَمَاعَة كَمَا لَو كَانَ يُصَلِّي الظّهْر فَوجدَ من يُصَلِّي الْعَصْر فَلَا يجوز الْقطع كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع
(و) السَّابِع (استدبار الْقبْلَة) والتحول بِبَعْض صَدره عَنْهَا بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ عذر فقد تقدم فِي مَوْضِعه
(و) الثَّامِن (الْأكل) وَلَو قَلِيلا لشدَّة منافاته لَهَا لِأَن ذَلِك يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا إِلَّا أَن يكون نَاسِيا للصَّلَاة أَو جَاهِلا تَحْرِيمه لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو لبعده عَن الْعلمَاء فَلَا تبطل بقليله لعدم منافاته للصَّلَاة أما كَثِيره فَيبْطل مَعَ النسْيَان أَو الْجَهْل بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يبطل بذلك
وَفرقُوا بِأَن للصَّلَاة هَيْئَة مذكرة بِخِلَافِهِ وَهَذَا لَا يصلح فرقا فِي جهل التَّحْرِيم وَالْفرق الصَّالح لذَلِك أَن الصَّلَاة

(1/151)


ذَات أَفعَال منظومة وَالْفِعْل الْكثير يقطع نظمها بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ كف وَالْمكْره هُنَا كَغَيْرِهِ لندرة الْإِكْرَاه فَلَو كَانَ بفمه سكرة فَبَلع ذوبها بمص وَنَحْوه لَا بمضغ بطلت صلَاته لمنافاته للصَّلَاة كَمَا مر أما المضغ فَإِنَّهُ من الْأَفْعَال فَتبْطل بكثيره وَإِن لم يصل إِلَى الْجوف شَيْء من الممضوغ
(و) التَّاسِع (الشّرْب) وَهُوَ كَالْأَكْلِ فِيمَا مر وَمثل الشّرْب ابتلاع الرِّيق الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ إِذْ الْقَاعِدَة أَن كل مَا أبطل الصَّوْم أبطل الصَّلَاة
(و) الْعَاشِر (القهقهة) فِي الضحك بِخُرُوج حرفين فَأكْثر والبكاء وَلَو من خوف الْآخِرَة والأنين والتأوه والنفخ من الْفَم أَو الْأنف مثل الضحك إِن ظهر بِوَاحِد مِمَّا ذكر حرفان فَأكْثر كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
(و) الْحَادِي عشر (الرِّدَّة) فِي أَثْنَائِهَا لَا بعد الْفَرَاغ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تبطل الْعَمَل إِلَّا إِذا اتَّصَلت بِالْمَوْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حبطت أَعْمَالهم} وَلَكِن تحبط ثَوَاب عمله كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
القَوْل فِي بَقِيَّة مبطلات الصَّلَاة وَمن مبطلات الصَّلَاة تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير عمدا وَهُوَ الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا غير مقصودين كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَهُوَ الْمُعْتَمد وتخلف الْمَأْمُوم عَن إِمَامه بركنين فعليين عمدا وَكَذَا تقدمه بهما عَلَيْهِ عمدا بِغَيْر عذر وابتلاع نخامة نزلت من رَأسه إِن أمكنه مجها وَلم يفعل
تَتِمَّة يكره الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة بِوَجْهِهِ يمنة أَو يسرة إِلَّا لحَاجَة فَلَا يكره وَيكرهُ رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وكف شعره أَو ثَوْبه وَمن ذَلِك كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَن يُصَلِّي وشعره معقوص أَو مَرْدُود تَحت عمَامَته أَو ثَوْبه أَو كمه مشمر وَمِنْه شدّ الْوسط وغرز العذبة وَوضع يَده على فِيهِ بِلَا حَاجَة فَإِن كَانَ لَهَا كَمَا إِذا تثاءب فَلَا كَرَاهَة
وَيكرهُ الْقيام على رجل وَاحِدَة وَالصَّلَاة حاقنا بالنُّون أَو حاقبا بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَو حاذقا بِالْقَافِ أَو حاقما بِالْمِيم الأول بالبول وَالثَّانِي بالغائط وَالثَّالِث بِالرِّيحِ وَالرَّابِع بالبول وَالْغَائِط
وَتكره الصَّلَاة بِحَضْرَة طَعَام مَأْكُول أَو مشروب يتوق إِلَيْهِ وَأَن يبصق قبل وَجهه أَو عَن يَمِينه وَيكرهُ للْمُصَلِّي وضع يَده على خاصرته وَالْمُبَالغَة فِي خفض الرَّأْس عَن الظّهْر فِي رُكُوعه وَتكره الصَّلَاة فِي الْأَسْوَاق والرحاب الْخَارِجَة عَن الْمَسْجِد وَفِي الْحمام وَلَو فِي مسلخه وَفِي الطَّرِيق فِي الْبُنيان دون الْبَريَّة وَفِي المزبلة وَنَحْوهَا كالمجزرة وَفِي الْكَنِيسَة وَهِي معبد النَّصَارَى وَفِي الْبيعَة بِكَسْر الْبَاء وَهِي معبد الْيَهُود وَنَحْوهمَا من أَمَاكِن الْكفْر وَفِي عطن الْإِبِل وَفِي الْمقْبرَة الطاهرة وَهِي الَّتِي لم تنبش أما المنبوشة فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهَا بِغَيْر حَائِل وَيكرهُ اسْتِقْبَال الْقَبْر فِي الصَّلَاة قَالَ صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد
فَائِدَة أجمع الْمُسلمُونَ إِلَّا الشِّيعَة على جَوَاز الصَّلَاة على الصُّوف وَفِيه وَلَا كَرَاهَة فِي الصَّلَاة على شَيْء

(1/152)


من ذَلِك إِلَّا عِنْد مَالك فَإِنَّهُ كره الصَّلَاة عَلَيْهِ تَنْزِيها
وَقَالَت الشِّيعَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ من نَبَات الأَرْض
(القَوْل فِي الستْرَة أَمَام الْمُصَلِّي) وَيسن أَن يُصَلِّي لنَحْو جِدَار كعمود فَإِن عجز عَنهُ فلنحو عَصا مغروزة كمتاع لِلِاتِّبَاعِ فَإِن عجز عَن ذَلِك بسط مصلى كسجادة فَإِن عجز عَنهُ خطّ أَمَامه خطا طولا وَطول الْمَذْكُورَات ثلثا ذِرَاع فَأكْثر وَبَينهَا وَبَين الْمُصَلِّي ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل فَإِذا صلى إِلَى شَيْء من ذَلِك على هَذَا التَّرْتِيب سنّ لَهُ وَلغيره دفع مار بَينه وَبَينهَا
وَالْمرَاد بالمصلي والخط أعلاهما وَيحرم الْمُرُور بَينه وَبَينهَا وَإِن لم يجد الْمَار سَبِيلا آخر وَإِذا صلى إِلَى ستْرَة فَالسنة أَن يَجْعَلهَا مُقَابلَة ليمينه أَو شِمَاله وَلَا يصمد إِلَيْهَا بِضَم الْمِيم أَي لَا يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه