الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل
وَقد شرع فِي النَّوْع الأول فَقَالَ (وشرائط وجوب الصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء) الأول (الْإِسْلَام) فَلَا تجب على كَافِر أُصَلِّي وجوب مُطَالبَة بهَا فِي الدُّنْيَا لعدم صِحَّتهَا مِنْهُ لَكِن تجب عَلَيْهِ وجوب عِقَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة لتمكنه من فعلهَا بِالْإِسْلَامِ
(و) الثَّانِي (الْبلُوغ) فَلَا تجب على صَغِير لعدم تَكْلِيفه لرفع الْقَلَم عَنهُ كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث
(و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا تجب على مَجْنُون لما ذكر
وَسكت المُصَنّف عَن الرَّابِع وَهُوَ النَّقَاء عَن الْحيض وَالنّفاس فَلَا تجب على حَائِض ونفساء لعدم صِحَّتهَا مِنْهُمَا فَمن اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة بِالْإِجْمَاع وَلَا قَضَاء على الْكَافِر إِذا أسلم لقَوْله تَعَالَى {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} نعم الْمُرْتَد يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَهُ زمن الرِّدَّة بعد إِسْلَامه تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ التزمها بِالْإِسْلَامِ فَلَا تسْقط عَنهُ بالجحود كحق الْآدَمِيّ وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ جن قضى أَيَّام الْجُنُون مَعَ مَا قبلهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلَو سكر مُتَعَدِّيا ثمَّ جن قضى الْمدَّة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا سكره لَا مُدَّة جُنُونه بعْدهَا بِخِلَاف مُدَّة جُنُون الْمُرْتَد لِأَن من جن فِي ردته مُرْتَد فِي جُنُونه حكما وَمن جن فِي سكره لَيْسَ بسكران فِي داوم جُنُونه قطعا وَلَو ارْتَدَّت أَو سكرت ثمَّ حَاضَت أَو نفست لم تقض زمن الْحيض وَالنّفاس وَفَارَقت الْمَجْنُون بِأَن إِسْقَاط الصَّلَاة عَنْهَا عَزِيمَة لِأَنَّهَا مكلفة بِالتّرْكِ وَعنهُ رخصَة وَالْمُرْتَدّ والسكران ليسَا من أَهلهَا وَمَا وَقع فِي الْمَجْمُوع من قَضَاء الْحَائِض الْمُرْتَدَّة زمن الْجُنُون نسب فِيهِ إِلَى السَّهْو وَلَا قَضَاء على الطِّفْل إِذا بلغ ويأمره الْوَلِيّ بهَا إِذا ميز وَلَو قَضَاء لما فَاتَهُ بعد

(1/113)


التَّمْيِيز والتمييز بعد استكمال سبع سِنِين وَيضْرب على تَركهَا بعد عشر سِنِين لخَبر مروا الصَّبِي أَي والصبية بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا أَي على تَركهَا كَمَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره
تَنْبِيه ظَاهر كَلَامهم أَنه يشْتَرط للضرب تَمام الْعَاشِرَة لَكِن قَالَ الصَّيْمَرِيّ إِنَّه يضْرب فِي أَثْنَائِهَا وَصَححهُ الْإِسْنَوِيّ وَجزم بِهِ ابْن الْمقري وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْبلُوغ وَمُقْتَضى مَا فِي الْمَجْمُوع أَن التَّمْيِيز وَحده لَا يَكْفِي فِي الْأَمر بل لَا بُد مَعَه من السَّبع
وَقَالَ فِي الْكِفَايَة إِنَّه الْمَشْهُور وَأحسن مَا قيل فِي حد التَّمْيِيز أَنه يصير الطِّفْل بِحَيْثُ يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويستنجي وَحده وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَتى يُصَلِّي الصَّبِي قَالَ إِذا عرف شِمَاله من يَمِينه قَالَ الدَّمِيرِيّ وَالْمرَاد إِذا عرف مَا يضرّهُ وَمَا يَنْفَعهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالْأَمر وَالضَّرْب واجبان على الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو جدا أَو وَصِيّا أَو قيمًا من جِهَة القَاضِي
وَفِي الْمُهِمَّات والملتقط وَمَالك الرَّقِيق فِي معنى الْأَب وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وَنَحْوهمَا
قَالَ الطَّبَرِيّ وَلَا يقْتَصر على مُجَرّد صيغته بل لَا بُد مَعَه من التهديد
وَقَالَ فِي الرَّوْضَة يجب على الْآبَاء والأمهات تَعْلِيم أَوْلَادهم الطَّهَارَة وَالصَّلَاة والشرائع
وَلَا قَضَاء على الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا طهرتا وَهل يحرم عَلَيْهِمَا أَو يكره وَجْهَان
أوصحهما الثَّانِي وَلَا على مَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ إِذا أفاقا لحَدِيث رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يبرأ فورد النَّص فِي الْمَجْنُون وَقيس عَلَيْهِ كل من زَالَ عقله بِسَبَب يعْذر فِيهِ
الحكم إِذا زَالَت الْمَوَانِع آخرالوقت أَو طرأت أول الْوَقْت وَلَو زَالَت هَذِه الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من وجوب الصَّلَاة وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة فَأكْثر وَجَبت الصَّلَاة لِأَن الْقدر الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْإِيجَاب يَسْتَوِي فِيهِ قدر الرَّكْعَة ودونها وَيجب الظّهْر مَعَ الْعَصْر بِإِدْرَاك قدر زمن تَكْبِيرَة آخر وَقت الْعَصْر وَيجب الْمغرب مَعَ الْعشَاء بِإِدْرَاك ذَلِك آخر وَقت الْعشَاء لِاتِّحَاد وقتي الظّهْر وَالْعصر ووقتي الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْعذر فَفِي الضَّرُورَة أولى وَيشْتَرط للْوُجُوب أَن يَخْلُو الشَّخْص عَن الْمَوَانِع قدر الطَّهَارَة وَالصَّلَاة أخف مَا يَجْزِي كركعتين فِي صَلَاة الْمُسَافِر
تَنْبِيه لَو بلغ الشَّخْص فِي الصَّلَاة بِالسِّنِّ وَجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا لِأَنَّهُ أدْرك الْوُجُوب وَهِي صَحِيحَة فَلَزِمَهُ إِتْمَامهَا كَمَا لَو بلغ بِالنَّهَارِ وَهُوَ صَائِم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وأجزائه وَلَو جُمُعَة لِأَنَّهُ صلى الْوَاجِب بِشَرْطِهِ وَوُقُوع أَولهَا نفلا لَا يمْنَع وُقُوع آخرهَا وَاجِبا كَصَوْم مَرِيض شفي فِي أَثْنَائِهِ وَإِن بلغ بعد فعلهَا بِالسِّنِّ أَو بِغَيْرِهِ فَلَا يجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا بِخِلَاف الْحَج إِذا بلغ بعده يجب عَلَيْهِ إِعَادَته لِأَن وُجُوبه مرّة فِي الْعُمر فَاشْترط وُقُوعه فِي حَال الْكَمَال بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو حَاضَت أَو نفست أَو جن

(1/114)


أَو أُغمي عَلَيْهِ
أول الْوَقْت وَجَبت تِلْكَ الصَّلَاة إِن أدْرك من ذكر قدر الْفَرْض بأخف مَا يُمكن وَإِلَّا فَلَا وجوب فِي ذمَّته لعدم التَّمَكُّن من فعلهَا
القَوْل فِي الصَّلَوَات المسنونات الَّتِي تشرع لَهَا الْجَمَاعَة وينادى لَهَا ثمَّ شرع فِي النَّوْع الثَّانِي فَقَالَ (والصلوات المسنونات) والمسنون وَالْمُسْتَحب وَالنَّفْل والمرغب فِيهِ أَلْفَاظ مترادفة وَهُوَ الزَّائِد على الْفَرَائِض
وَأفضل عبادات الْبدن بعد الْإِسْلَام الصَّلَاة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَي الْأَعْمَال أفضل فَقَالَ الصَّلَاة لوَقْتهَا وَقيل الصَّوْم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ وَإِذا كَانَت الصَّلَاة أفضل الْعِبَادَات ففرضها أفضل الْفُرُوض وتطوعها أفضل التَّطَوُّع وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ قسم تسن الْجَمَاعَة فِيهِ وَهُوَ (خمس العيدان والكسوفان وَالِاسْتِسْقَاء) ورتبتها فِي الْأَفْضَلِيَّة على حكم ترتيبها الْمَذْكُور وَلها أَبْوَاب تذكر فِيهَا
القَوْل فِي السّنَن الرَّوَاتِب وَقسم لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ
(و) مِنْهُ (السّنَن) الرَّوَاتِب وَهِي على الْمَشْهُور (التابعة للفرائض) وَقيل هِيَ مَا لَهُ وَقت
وَالْحكمَة فِيهَا تَكْمِيل مَا نقص من الفرائص بِنَقص نَحْو خشوع كَتَرْكِ تدبر قِرَاءَة
(وَهِي سَبْعَة عشر رَكْعَة رَكعَتَا الْفجْر) قبل الصُّبْح (وَأَرْبع) أَي أَربع رَكْعَات (قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وَأَرْبع قبل الْعَصْر وركعتان بعد الْمغرب وَثَلَاث بعد سنة الْعشَاء يُوتر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ) لم يبين المُصَنّف الْمُؤَكّد من غَيره
وَبَيَانه أَن الْمُؤَكّد من الرَّوَاتِب عشر رَكْعَات رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وَكَذَا بعْدهَا وَبعد الْمغرب وَالْعشَاء لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء
وَغير الْمُؤَكّد أَن يزِيد رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ مُسلم وَيزِيد رَكْعَتَيْنِ بعْدهَا لحَدِيث من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله على النَّار رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَأَرْبع قبل الْعَصْر لخَبر عمر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا
رَوَاهُ ابْنا خُزَيْمَة وحبان وصححاه وَمن غير الْمُؤَكّد رَكْعَتَانِ خفيفتان قبل الْمغرب فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس أَن كبار الصَّحَابَة كَانُوا يبتدرون السَّوَارِي لَهما أَي للركعتين إِذا أذن الْمغرب
وركعتان قبل الْعشَاء لخَبر بَين كل أذانين صَلَاة وَالْمرَاد الْأَذَان والأقامة
وَالْجُمُعَة كالظهر فِيمَا مر فَيصَلي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا لخَبر مُسلم إِذا

(1/115)


صلى أحدكُم الْجُمُعَة فَليصل بعْدهَا أَرْبعا وَخبر التِّرْمِذِيّ إِن ابْن مَسْعُود كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا وَالظَّاهِر أَنه تَوْقِيف
وَقَول المُصَنّف يُوتر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن من الْقسم الَّذِي لَا يسن لَهُ جمَاعَة الْوتر وَأَن أَقَله رَكْعَة لخَبر مُسلم من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر بِوَاحِدَة
وَلَا كَرَاهَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهَا خلافًا لما فِي الْكِفَايَة عَن أبي الطّيب وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث وأكمل مِنْهُ خمس ثمَّ سبع ثمَّ تسع ثمَّ إِحْدَى عشرَة وَهِي أَكْثَره للْأَخْبَار الصَّحِيحَة مِنْهَا خبر عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة
فَلَا تصح الزِّيَادَة عَلَيْهَا كَسَائِر الرَّوَاتِب وَلمن زَاد على رَكْعَة الْفَصْل بَين الرَّكْعَات بِالسَّلَامِ وَهُوَ أفضل من الْوَصْل بتشهد فِي الْأَخِيرَة أَو بتشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْل غير ذَلِك وَوَقته بَين صَلَاة الْعشَاء وطلوع الْفجْر الثَّانِي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ خير لكم من حمر النعم وَهِي الْوتر فَجَعلهَا لكم من الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر وَيسن جعله آخر صَلَاة اللَّيْل لخَبر الصَّحِيحَيْنِ اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ من اللَّيْل وترا فَإِن كَانَ لَهُ تهجد آخر أخر الْوتر إِلَى أَن يتهجد وَإِلَّا أوتر بعد فَرِيضَة الْعشَاء وراتبتها هَذَا مَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَقَيده فِي الْمَجْمُوع بِمَا إِذا لم يَثِق بيقظته آخر اللَّيْل وَإِلَّا فتأخيره أفضل لخَبر مُسلم من خَافَ أَن لَا يقوم آخر اللَّيْل فليوتر أَوله وَمن طمع أَن يقوم آخِره فليوتر آخِره فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة وَذَلِكَ أفضل وَعَلِيهِ حمل خَبره أَيْضا بَادرُوا الصُّبْح بالوتر فَإِن أوتر ثمَّ تهجد لم ينْدب لَهُ إِعَادَته لخَبر لَا وتران فِي لَيْلَة وَينْدب الْقُنُوت آخر وتره فِي النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان وَهُوَ كقنوت الصُّبْح فِي لفظ وَمحله والجهر بِهِ وَيسن جمَاعَة فِي وتر رَمَضَان
القَوْل فِي النَّوَافِل الْمُؤَكّدَة بعد الرَّوَاتِب (والنوافل الْمُؤَكّدَة) بعد الرَّوَاتِب (ثَلَاثَة) الأولى (صَلَاة اللَّيْل) وَهُوَ التَّهَجُّد وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أولى لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلقَوْله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَوله تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} وَهُوَ لُغَة رفع النّوم بالتكلف وَاصْطِلَاحا صَلَاة التَّطَوُّع فِي اللَّيْل بعد النّوم كَمَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن سمي بذلك لما فِيهِ من ترك النّوم وَيسن للمتهجد القيلولة وَهِي النّوم قبل الزَّوَال وَهِي بِمَنْزِلَة السّحُور للصَّائِم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعِينُوا بالقيلولة على قيام اللَّيْل رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
فَائِدَة ذكر أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي أَن المتهجد يشفع فِي أهل بَيته وَرُوِيَ أَن الْجُنَيْد رئي فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ طاحت تِلْكَ الإشارات وَغَابَتْ تِلْكَ الْعبارَات وفنيت تِلْكَ الْعُلُوم ونفدت تِلْكَ الرسوم وَمَا نفعنا إِلَّا ركيعات كُنَّا نركعها

(1/116)


عِنْد السحر وَيكرهُ ترك التَّهَجُّد لمعتاده بِلَا عذر وَيكرهُ قيام بلَيْل يضر
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ألم أخبر أَنَّك تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل فَقلت بلَى
قَالَ فَلَا تفعل صم وَأفْطر وقم ونم فَإِن لجسدك عَلَيْك حَقًا

إِلَى آخِره
أما قيام لَا يضر وَلَو فِي لَيَال كَامِلَة فَلَا يكره فقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أَحْيَا اللَّيْل كُله وَيكرهُ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام بِصَلَاة لخَبر مُسلم لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أما إحياؤها بِغَيْر صَلَاة فَلَا يكره خُصُوصا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك مَطْلُوب فِيهَا
(و) الثَّانِيَة (صَلَاة الضُّحَى) وأقلها رَكْعَتَانِ وأكثرها ثَمَان كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَكْثَرين وَصَححهُ فِي التَّحْقِيق وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَفِي الْمِنْهَاج أَن أَكْثَرهَا اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة
وَقَالَ فِي الرَّوْضَة أفضلهَا ثَمَان وأكثرها اثْنَتَا عشرَة وَيسن أَن يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ ووقتها من ارْتِفَاع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وَالِاخْتِيَار فعلهَا عِنْد مُضِيّ ربع النَّهَار
(و) الثَّالِثَة (صَلَاة التَّرَاوِيح) وَهِي عشرُون رَكْعَة وَقد اتَّفقُوا على سنيتها وعَلى أَنَّهَا المرادة من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَوله إِيمَانًا أَي تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حق مُعْتَقدًا أفضليتهواحتسابا أَي إخلاصا وَالْمَعْرُوف أَن الغفران مُخْتَصّ بالصغائر وَتسن الْجَمَاعَة فِيهَا لِأَن عمر جمع النَّاس على قيام شهر رَمَضَان الرِّجَال على أبي بن كَعْب وَالنِّسَاء على سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة وَسميت كل أَربع مِنْهَا ترويحة لأَنهم كَانُوا يتروحون عَقبهَا أَي يستريحون قَالَ الْحَلِيمِيّ والسر فِي كَونهَا عشْرين أَن الرَّوَاتِب المؤكدات فِي غير رَمَضَان عشر رَكْعَات فضوعفت لِأَنَّهُ وَقت جد وتشمير اه
وَلأَهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فعلهَا سِتا وَثَلَاثِينَ لِأَن الْعشْرين خمس ترويحات فَكَانَ أهل مَكَّة يطوفون بَين كل ترويحتين سَبْعَة أَشْوَاط فَجعل لأهل الْمَدِينَة بدل كل أُسْبُوع ترويحة ليساووهم وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ لِأَن لأَهْلهَا شرفا بهجرته وَدَفنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفعلها بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيع الشَّهْر أفضل من تَكْرِير سُورَة الْإِخْلَاص ووقتها بَين صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا وطلوع الْفجْر الثَّانِي
قَالَ فِي الرَّوْضَة وَلَا تصح بنية مُطلقَة بل يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ من التَّرَاوِيح أَو من قيام رَمَضَان وَلَو صلى أَرْبعا بِتَسْلِيمَة
لم يَصح لِأَنَّهُ خلاف الْمَشْرُوع بِخِلَاف سنة الظّهْر وَالْعصر وَالْفرق أَن التَّرَاوِيح بمشروعية الْجَمَاعَة فِيهَا أشبهت الْفَرَائِض فَلَا تغير عَمَّا وَردت
تَنْبِيه يدْخل وَقت الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرْض بِدُخُول وَقت الْفَرْض وَالَّتِي بعده بِفِعْلِهِ وَيخرج وَقت النَّوْعَيْنِ بِخُرُوج وَقت الْفَرْض لِأَنَّهُمَا تابعان لَهُ وَلَو فَاتَ النَّفْل الْمُؤَقت ندب قَضَاؤُهُ
وَمن الْقسم الَّذِي لَا تندب فِيهِ الْجَمَاعَة تَحِيَّة الْمَسْجِد
وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الْجُلُوس لكل دَاخل وَتحصل لفرض أَو نفل آخر وتتكرر بِتَكَرُّر الدُّخُول وَلَو على قرب وتفوت بجلوسه قبل فعلهَا وَإِن قصر الْفَصْل إِلَّا إِن جلس سَهوا وَقصر الْفَصْل وتفوت بطول الْوُقُوف كَمَا أفتى بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين

(1/117)


فَائِدَة قَالَ الْإِسْنَوِيّ التَّحِيَّات أَربع تَحِيَّة الْمَسْجِد بِالصَّلَاةِ وَالْبَيْت بِالطّوافِ وَالْحرم بِالْإِحْرَامِ وَمنى بِالرَّمْي وَزيد عَلَيْهِ تَحِيَّة عَرَفَة بِالْوُقُوفِ وتحية لِقَاء الْمُسلم بِالسَّلَامِ
تَتِمَّة من الْقسم الَّذِي لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ صَلَاة التسابيح وَهِي أَربع رَكْعَات يَقُول فِيهَا ثَلَاثمِائَة مرّة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر بعد التَّحَرُّم وَقبل الْقِرَاءَة خَمْسَة عشرَة وَبعد الْقِرَاءَة وَقبل الرُّكُوع عشرا وَفِي الرُّكُوع عشرا وَكَذَلِكَ فِي الرّفْع مِنْهُ وَفِي السُّجُود وَالرَّفْع مِنْهُ وَالسُّجُود الثَّانِي فَهَذِهِ خمس وَسَبْعُونَ فِي أَربع بثلاثمائة
وَصَلَاة الْأَوَّابِينَ وَتسَمى صَلَاة الْغَفْلَة لغفلة النَّاس عَنْهَا بِسَبَب عشَاء أَو نوم أَو نَحْو ذَلِك وَهِي عشرُون رَكْعَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء وأقلها رَكْعَتَانِ لحَدِيث التِّرْمِذِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى سِتّ رَكْعَات بَين الْمغرب وَالْعشَاء كتب الله لَهُ عبَادَة اثْنَتَيْ عشرَة سنة
وركعتا الْإِحْرَام وركعتا الطّواف وركعتا الْوضُوء وركعتا الاستخارة وركعتا الْحَاجة وركعتا التَّوْبَة وركعتان عِنْد الْخُرُوج من الْمنزل وَعند دُخُوله وَعند الخروح من مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند مروره بِأَرْض لم يمر بهَا قطّ وركعتان عقب الْخُرُوج من الْحمام وركعتان فِي الْمَسْجِد إِذا قدم من سَفَره وركعتان عِنْد الْقَتْل إِن أمكنه وركعتان إِذا عقد على امْرَأَة وزفت إِلَيْهِ إِذْ يسن لكل مِنْهُمَا قبل الوقاع أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وأدلة هَذِه السّنَن مَشْهُورَة لَا يحتملها شرح هَذَا الْكتاب
القَوْل فِي الْبدع المذمومة قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمن الْبدع المذمومة صَلَاة الرغائب اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء لَيْلَة أول جُمُعَة من رَجَب وَصَلَاة لَيْلَة نصف شعْبَان مائَة رَكْعَة
وَلَا يغتر بِمن يفعل ذَلِك وَأفضل الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة الْوتر ثمَّ رَكعَتَا الْفجْر وهما أفضل من رَكْعَتَيْنِ فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ بَاقِي رواتب الْفَرَائِض ثمَّ الضُّحَى ثمَّ مَا يتَعَلَّق بِفعل غير سنة الْوضُوء كركعتي الطّواف وَالْإِحْرَام والتحية وَهَذِه الثَّلَاثَة فِي الْأَفْضَلِيَّة سَوَاء وَالْقسم الَّذِي تسن الْجَمَاعَة فِيهِ أفضل من الْقسم الَّذِي لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ نعم تفضل راتبة الْفَرَائِض على التَّرَاوِيح وَأفضل الْقسم الَّذِي فِيهِ تسن الْجَمَاعَة صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَقَضِيَّة كَلَامهم تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَة قَالَ فِي الْخَادِم لَكِن الْأَرْجَح فِي النّظر تَرْجِيح عيد الْأَضْحَى فَصلَاته أفضل من صَلَاة الْفطر وتكبير الْفطر أفضل من تكبيره ثمَّ بعد الْعِيد فِي الْفَضِيلَة كسوف الشَّمْس ثمَّ خُسُوف الْقَمَر ثمَّ الاسْتِسْقَاء ثمَّ التَّرَاوِيح

(1/118)


وَلَا حصر للنفل الْمُطلق وَهُوَ مَا لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ذَر الصَّلَاة خير مَوْضُوع استكثر أَو أقل فَإِن نوى فَوق رَكْعَة تشهد آخرا فَقَط أَو آخر كل رَكْعَتَيْنِ فَأكْثر فَلَا يتَشَهَّد فِي كل رَكْعَة وَإِذا نوى قدرا فَلهُ الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالنَّقْص عَنهُ إِن نويا وَإِلَّا بطلت صلَاته فَإِن قَامَ لزائد سَهوا فَتذكر قعد ثمَّ قَامَ للزائد إِن شَاءَ وَالنَّفْل الْمُطلق بلَيْل أفضل مِنْهُ بِالنَّهَارِ وبأوسطه أفضل من طَرفَيْهِ إِن قسمه ثَلَاثَة أَقسَام ثمَّ آخِره أفضل من أَوله إِن قسمه قسمَيْنِ وَأفضل من ذَلِك السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس وَيسن السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ نَوَاهَا أَو أطلق النِّيَّة وَيسن أَن يفصل بَين سنة الْفجْر وَالْفَرِيضَة باضطجاع على يَمِينه لِلِاتِّبَاعِ وَأَن يقْرَأ فِي أول رَكْعَتي الْفجْر وَالْمغْرب والاستخارة وتحية الْمَسْجِد {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَة الاخلاص ويتأكد إكثار الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فِي جَمِيع سَاعَات اللَّيْل وَهُوَ فِي النّصْف الْأَخير آكِد
وَعند السحر أفضل
القَوْل فِي سَجْدَتي التِّلَاوَة وَالشُّكْر تَنْبِيه لم يتَعَرَّض المُصَنّف لسجدتي التِّلَاوَة وَالشُّكْر ونذكره مُخْتَصرا لتتم بِهِ الْفَائِدَة لحافظ هَذَا الْمُخْتَصر
تسن سَجدَات تِلَاوَة لقارىء وسامع قصد السماع أم لَا قِرَاءَة لجَمِيع آيَة السَّجْدَة مَشْرُوعَة وتتأكد للسامع بسجود القارىء وَهِي أَربع عشرَة سَجْدَة سجدتا الْحَج وَثَلَاث فِي الْمفصل فِي النَّجْم والانشقاق واقرأ والبقية فِي الْأَعْرَاف والرعد والنحل والإسراء وَمَرْيَم وَالْفرْقَان والنمل وآلم تَنْزِيل وحم السَّجْدَة ومحالها مَعْرُوفَة لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَة (ص) بل هِيَ سَجْدَة شكر
تسن فِي غير الصَّلَاة وَيسْجد مصل لقرَاءَته إِلَّا مَأْمُوما فلسجدة إِمَامه فَإِن تخلف عَن إِمَامه أَو سجد هُوَ دونه بطلت صلَاته وَيكبر الْمُصَلِّي كَغَيْرِهِ ندبا بالهوي ولرفع من السَّجْدَة بِلَا رفع يَد فِي الرّفْع
من السَّجْدَة كَغَيْر الْمُصَلِّي وأركان السَّجْدَة لغير مصل تحرم وَسُجُود وَسَلام وَشَرطهَا كَصَلَاة وَأَن لَا يطول فصل عرفا بَينهَا وَبَين قِرَاءَة الْآيَة وتتكرر بِتَكَرُّر الْآيَة وَسجْدَة الشُّكْر لَا تدخل صَلَاة وَتسن لهجوم نعْمَة أَو اندفاع نقمة أَو رُؤْيَة مبتلي أَو فَاسق معلن ويظهرها لِلْفَاسِقِ إِن لم

(1/119)


يخف ضَرَره وَلَا للمبتلي لِئَلَّا يتَأَذَّى وَهِي كسجدة التِّلَاوَة ولمسافر فعلهمَا كنافلة وَيسن مَعَ سَجْدَة الشُّكْر كَمَا فِي الْمَجْمُوع الصَّدَقَة وَلَو تقرب إِلَى الله بِسَجْدَة من غير سَبَب حرم
وَمِمَّا يحرم مَا يَفْعَله كثير من الجهلة من السُّجُود بَين يَدي الْمَشَايِخ وَلَو إِلَى الْقبْلَة أَو قَصده لله تَعَالَى
وَفِي بعض صوره مَا يَقْتَضِي الْكفْر
عَافَانَا الله تَعَالَى من ذَلِك

فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن
أبعاض وَهِي الَّتِي تجبر بسجود السَّهْو وهيئات وَهِي الَّتِي لَا تجبر بسجود السَّهْو
والركن كالشرط فِي أَنه لَا بُد مِنْهُ ويفارقه بِأَن الشَّرْط هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم على الصَّلَاة وَيجب استمراره فِيهَا كالطهر والستر
والركن مَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة كالركوع وَالسُّجُود فَخرج بتعريف الشَّرْط التروك كَتَرْكِ الْكَلَام فَلَيْسَتْ بِشُرُوط كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع بل مبطلة للصَّلَاة كَقطع النِّيَّة وَقيل إِنَّهَا شُرُوط كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ
وَيشْهد للْأولِ أَن الْكَلَام الْيَسِير نَاسِيا لَا يضر وَلَو كَانَ تَركه من الشُّرُوط لضر
فَائِدَة قد شبهت الصَّلَاة بالإنسان فالركن كرأسه وَالشّرط كحياته وَالْبَعْض كأعضائه والهيئة كشعره
وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وشرائط الصَّلَاة) جمع شَرط وَالشّرط بِسُكُون الرَّاء لُغَة الْعَلامَة وَمِنْه أَشْرَاط السَّاعَة أَي علاماتها وَاصْطِلَاحا مَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وجود وَلَا عدم لذاته كَالْكَلَامِ فِيهَا عمدا وَالْمُعْتَبر من الشُّرُوط لصِحَّة الصَّلَاة (قبل الدُّخُول فِيهَا) أَي قبل التَّلَبُّس بهَا (خمس)
القَوْل فِي طَهَارَة الْأَعْضَاء من الْحَدث وَالْجِنْس الأول (طَهَارَة الْأَعْضَاء من الْحَدث) الْأَصْغَر وَغَيره فَلَو لم يكن متطهرا عِنْد إِحْرَامه مَعَ الْقُدْرَة على الطَّهَارَة لم تَنْعَقِد صلَاته وَإِن أحرم متطهرا فَإِن سبقه الْحَدث غير الدَّائِم بطلت صلَاته لبُطْلَان طَهَارَته وَلَو صلى نَاسِيا للْحَدَث أثيب على قَصده لَا على فعله إِلَّا الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يتَوَقَّف على الْوضُوء فَإِنَّهُ يُثَاب على فعله أَيْضا
قَالَ ابْن عبد السَّلَام وَفِي إثابته على الْقِرَاءَة إِذا كَانَ جنبا نظر
اه
وَالظَّاهِر عدم الإثابة
القَوْل فِي تَعْرِيف الْحَدث لُغَة وَشرعا وَالْحَدَث لُغَة هُوَ الشَّيْء الْحَادِث
وَاصْطِلَاحا أَمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة معنى ينزل منزلَة المحسوس وَلذَلِك يُقَال بتبعيضه وارتفاعه عَن كل عُضْو

(1/120)


(و) طَهَارَة (النَّجس) الَّذِي لَا يُعْفَى عَنهُ فِي ثَوْبه أَو بدنه حَتَّى دَاخل أَنفه أَو فَمه أَو عينه أَو أُذُنه أَو مَكَانَهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَلَا تصح صلَاته مَعَ شَيْء من ذَلِك وَلَو مَعَ جَهله بِوُجُودِهِ أَو بِكَوْنِهِ مُبْطلًا لقَوْله تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَإِنَّمَا جعل دَاخل الْأنف والفم هُنَا كظاهرهما بِخِلَاف غسل الْجَنَابَة لغلظ أَمر النَّجَاسَة بِدَلِيل أَنه لَو وَقعت نَجَاسَة فِي عينه وَجب غسلهَا وَلَا يجب غسلهَا فِي الطَّهَارَة فَلَو أكل متنجسا لم تصح صلَاته مَا لم يغسل فَمه وَلَو رَأينَا فِي ثوب من يُرِيد الصَّلَاة نَجَاسَة لَا يعلم بهَا لزمنا إِعْلَامه لِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يتَوَقَّف على الْعِصْيَان قَالَه ابْن عبد السَّلَام
كَمَا لَو رَأينَا صَبيا يَزْنِي بصبية فَإِنَّهُ يجب علينا منعهما وَإِن لم يكن عصيان واستثني من الْمَكَان مَا لَو كثر زرق الطُّيُور فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ للْمَشَقَّة فِي الِاحْتِرَاز عَنهُ وَقيد فِي الْمطلب الْعَفو بِمَا إِذا لم يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهِ
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ قيد مُتَعَيّن وَزَاد غَيره أَن لَا يكون رطبا أَو رجله مبلولة
تَنْبِيه لَو تنجس ثَوْبه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَلم يجد مَاء يغسلهُ بِهِ وَجب قطع موضعهَا إِن لم تنقص قِيمَته بِالْقطعِ أَكثر من أُجْرَة ثوب يُصَلِّي فِيهِ لَو اكتراه هَذَا مَا قَالَه الشَّيْخَانِ تبعا للمتولي وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من ذَلِك وَمن ثمن المَاء لَو اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَة غسله عِنْد الْحَاجة لِأَن كلا مِنْهُمَا لَو انْفَرد وَجب تَحْصِيله انْتهى
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَقيد الشَّيْخَانِ أَيْضا وجوب الْقطع بِحُصُول ستر الْعَوْرَة بالطاهر قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلم يذكرهُ الْمُتَوَلِي وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِقَيْد بِنَاء على أَن من وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة لزمَه ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح اه
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
القَوْل فِي الِاجْتِهَاد عِنْد اشْتِبَاه الطَّاهِر بِالْجِنْسِ وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ طَاهِر ونجس من ثَوْبَيْنِ أَو بَيْتَيْنِ اجْتهد فيهمَا للصَّلَاة وَصلى فِيمَا ظَنّه الطَّاهِر من الثَّوْبَيْنِ أَو الْبَيْتَيْنِ فَإِذا صلى بِالِاجْتِهَادِ ثمَّ حضرت صَلَاة أُخْرَى لم يجب تَجْدِيد الِاجْتِهَاد
فَإِن قيل إِن ذَلِك يشكل بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمِيَاه فَإِنَّهُ يجْتَهد فِيهَا لكل فرض
أُجِيب بِأَن بَقَاء الثَّوْب أَو الْمَكَان كبقاء الطَّهَارَة فَلَو اجْتهد فَتغير ظَنّه عمل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فَيصَلي فِي الآخر من غير إِعَادَة كَمَا لَا يجب إِعَادَة الأولى إِذْ لَا يلْزم من ذَلِك نقض اجْتِهَاد بِاجْتِهَاد بِخِلَاف الْمِيَاه

(1/121)


وَلَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صحت الصَّلَاة فيهمَا وَلَو جَمعهمَا عَلَيْهِ وَلَو اجْتهد فِي الثَّوْبَيْنِ أَو الْبَيْتَيْنِ فَلم يظْهر لَهُ شَيْء صلى عَارِيا أَو فِي أحد الْبَيْتَيْنِ لحُرْمَة الْوَقْت وَأعَاد لتَقْصِيره بِعَدَمِ إِدْرَاك الْعَلامَة وَلِأَن مَعَه ثوبا فِي الأولى ومكانا فِي الثَّانِيَة طَاهِرا بِيَقِين وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ إمامان يُرِيد الِاقْتِدَاء بِأَحَدِهِمَا اجْتهد فيهمَا وَعمل بِاجْتِهَادِهِ فَإِن صلى خلف وَاحِد ثمَّ تغير ظَنّه إِلَى الآخر صلى خَلفه وَلَا يُعِيد الأولى كَمَا لَو صلى بِاجْتِهَاد إِلَى الْقبْلَة ثمَّ تغير ظَنّه إِلَى جِهَة أُخْرَى فَإِن تحير صلى مُنْفَردا وَلَو تنجس بعض ثوب أَو بدن أَو مَكَان ضيق وَجَهل ذَلِك الْبَعْض وَجب غسل كُله لتصح الصَّلَاة فِيهِ فَإِن كَانَ الْمَكَان وَاسِعًا لم يجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِيهِ فَلهُ أَن يُصَلِّي فِيهِ بِلَا اجْتِهَاد وسكتوا عَن ضبط الْوَاسِع والضيق وَالْأَحْسَن فِي ضبط ذَلِك الْعرف وَلَو غسل بعض نجس كَثوب ثمَّ غسل بَاقِيه فَإِن غسل مَعَه جزاءا من مجاوره طهر كُله وَإِلَّا فَغير المجاور يطهر والمجاور تجس
القَوْل فِي حكم من صلى وَهُوَ قَابض حبلا مُتَّصِلا بِنَجس وَلَا تصح صَلَاة نَحْو قَابض طرف شَيْء كحبل مُتَّصِل بِنَجس وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته وَلَا يضر جعل طرفه تَحت رجله وَلَا نجس يحاذيه
القَوْل فِي من وصل عظمه بِنَجس وَلَو وصل عظمه لحَاجَة بِنَجس من عظم لَا يصلح للوصل غَيره عذر فِي ذَلِك فَتَصِح صلَاته مَعَه وَلَا يلْزمه نَزعه إِذا وجد الطَّاهِر كَمَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا فَإِن لم يحْتَج لوصله أَو وجد صَالحا غَيره من غير الْآدَمِيّ وَجب عَلَيْهِ نَزعه إِن أَمن من نَزعه ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم وَلم يمت وَمثل الْوَصْل بالعظم فِيمَا ذكر الوشم فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور وعفي عَن مَحل استجماره فِي الصَّلَاة وَلَو عرق مَا لم يُجَاوز الصفحة والحشفة فِي حَقه لَا فِي غَيره ويعفى عَمَّا عسر الِاحْتِرَاز عَنهُ غَالِبا من طين شَارِع نجس يَقِينا لعسر تجنبه وَيخْتَلف المعفو عَنهُ وقتا ومحلا من ثوب وبدن وَعَن دم نَحْو براغيث ودمامل كقمل وَعَن دم فصد وحجم

(1/122)


بمحلهما وَعَن رَوْث ذُبَاب وَإِن كثر مَا ذكر وَلَو بانتشار عرق لعُمُوم الْبلوى بذلك لَا إِن كثر بِفِعْلِهِ فَإِن كثر بِفِعْلِهِ كَأَن قتل براغيث أَو عصر الدَّم لم يعف عَن الْكثير عرفا كَمَا هُوَ حَاصِل كَلَام الرَّافِعِيّ وَالْمَجْمُوع
وَعَن قَلِيل دم أَجْنَبِي لَا عَن قَلِيل دم نَحْو كلب لغلظه وكالدم فِيمَا ذكر قيح وصديد وَمَاء قُرُوح ومتنفط لَهُ ريح وَلَو صلى بِنَجس غير مَعْفُو عَنهُ لم يُعلمهُ أَو علمه ثمَّ نسي فصلى ثمَّ تذكر وَجَبت الْإِعَادَة وَيجب إِعَادَة كل صَلَاة تَيَقّن فعلهَا مَعَ النَّجس بِخِلَاف مَا احْتمل حُدُوثه بعْدهَا
القَوْل فِي الْكَلَام على ستر الْعَوْرَة وبيانها (و) الثَّانِي (ستر الْعَوْرَة) عَن الْعُيُون وَلَو كَانَ خَالِيا فِي ظلمَة عِنْد الْقُدْرَة لقَوْله تَعَالَى {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد}
قَالَ ابْن عَبَّاس المُرَاد بِهِ الثِّيَاب فِي الصَّلَاة فَلَو عجز وَجب أَن يُصَلِّي عَارِيا وَيتم رُكُوعه وَسُجُوده وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَيجب ستر الْعَوْرَة فِي غير الصَّلَاة أَيْضا وَلَو فِي الْخلْوَة إِلَّا لحَاجَة كاغتسال وَقَالَ صَاحب الذَّخَائِر يجوز كشف الْعَوْرَة فِي الْخلْوَة لأدنى غَرَض
قَالَ وَمن الْأَغْرَاض كشف الْعَوْرَة للتبريد وصيانة الثَّوْب من الأدناس وَالْغُبَار عِنْد كنس الْبَيْت وَغَيره وَإِنَّمَا وَجب السّتْر فِي الْخلْوَة لإِطْلَاق الْأَمر بالستر وَلِأَن الله تَعَالَى أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ وَلَا يجب ستر عَوْرَته عَن نَفسه بل يكره نظره إِلَيْهَا من غير حَاجَة
القَوْل فِي عَورَة الرجل وعورة الرجل مَا بَين سرته وركبته
لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَإِذا زوج أحدكُم أمته عَبده أَو أجيره فَلَا تنظر
أَي الْأمة إِلَى عَوْرَته والعورة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَمثل الذّكر من بهَا رق بِجَامِع أَن رَأس كل مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَة وَخرج بذلك السُّرَّة وَالركبَة فليسا من الْعَوْرَة على الْأَصَح
فَائِدَة السُّرَّة مَوضِع الَّذِي يقطع من الْمَوْلُود والسر مَا يقطع من سرته وَلَا يُقَال لَهُ سرة لِأَن السُّرَّة لَا تقطع وَالركبَة موصل مَا بَين أَطْرَاف الْفَخْذ وأعالي السَّاق وكل حَيَوَان ذِي أَربع ركبتاه فِي يَدَيْهِ وعرقوباه فِي رجلَيْهِ
القَوْل فِي عَورَة الْحرَّة وعورة الْحرَّة غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ظهرا وبطنا إِلَى الكوعين لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَهُوَ مُفَسّر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِنَّمَا لم يَكُونَا عَورَة لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ابرازهما وَالْخُنْثَى كالأنثى رقا وحرية فَإِن اقْتصر الْخُنْثَى الْحر على ستر مَا بَين سرته وركبته لم تصح صلَاته على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة والأفقه فِي الْمَجْمُوع للشَّكّ فِي السّتْر وَصحح فِي التَّحْقِيق الصِّحَّة وَنقل فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء عَن الْبَغَوِيّ وَكثير الْقطع بِهِ للشَّكّ فِي عَوْرَته قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
اه
وَيُمكن الْجمع بَين العبارتين بِأَن يُقَال إِن دخل فِي الصَّلَاة مُقْتَصرا على ذَلِك لم تصح صلَاته للشَّكّ فِي الِانْعِقَاد وَإِن

(1/123)


دخل مَسْتُورا كَالْحرَّةِ وانكشف شَيْء من غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة لم يضر للشَّكّ فِي الْبطلَان نَظِير مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَة إِن الْعدَد لَو كمل بخنثى لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة للشَّكّ فِي الِانْعِقَاد وَإِن انْعَقَدت الْجُمُعَة بِالْعدَدِ الْمُعْتَبر وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِد عَلَيْهِ ثمَّ بطلت صَلَاة وَاحِد مِنْهُم وكمل الْعدَد بالخنثى لم تبطل الصَّلَاة لأننا تَيَقنا الِانْعِقَاد وشككنا فِي الْبطلَان وَهَذَا فتوح من الْعَزِيز الرَّحِيم فتح الله على من تَلقاهُ بقلب سليم
القَوْل فِي شُرُوط السَّاتِر فِي الصَّلَاة وَشرط السَّاتِر جرم يمْنَع إِدْرَاك لون الْبشرَة لَا حجمها وَلَو بطين وَنَحْو مَاء كدر كَمَاء صَاف متراكم بخضرة وَيجب التطيين على فَاقِد الثَّوْب وَنَحْوه وَلَو لمن هُوَ خَارج الصَّلَاة خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين وَيجب ستر الْعَوْرَة من أَعْلَاهَا وجوانبها لَا من أَسْفَلهَا وَلَو كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَة فَلَو رؤيت عَوْرَته من جيبه أَي طوق قَمِيصه لسعته فِي رُكُوعه أَو غَيره ضرّ
وَله ستر بَعْضهَا بِيَدِهِ لحُصُول الْمَقْصُود من السّتْر فَإِن وجد من الستْرَة مَا يَكْفِي قبله وَدبره تعين لَهما للاتفاق على أَنَّهُمَا عَورَة وَلِأَنَّهُمَا أفحش من غَيرهمَا فَإِن لم يجد مَا يكفيهما قدم قبله وجوبا لِأَنَّهُ مُتَوَجّه بِهِ للْقبْلَة وَبدل الْقبْلَة كالقبلة كَمَا لَو صلى صوب مقْصده وَيسْتر الْخُنْثَى قبليه فَإِن كفى لأَحَدهمَا تخير وَالْأولَى لَهُ ستر آلَة الرجل إِن كَانَ هُنَاكَ امْرَأَة وَآلَة النِّسَاء إِن كَانَ هُنَاكَ رجل
تَنْبِيه لَو وجد الرجل ثوب حَرِير فَقَط لزمَه السّتْر بِهِ وَلَا يلْزمه قطع مَا زَاد من على الْعَوْرَة وَيقدم على الْمُتَنَجس للصَّلَاة وَيقدم الْمُتَنَجس عَلَيْهِ فِي غَيرهَا مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى طَهَارَة الثَّوْب وَلَو صلت أمة مكشوفة الرَّأْس فعتقت فِي صلَاتهَا وَوجدت ستْرَة وَجب عَلَيْهَا أَن تستر رَأسهَا بهَا فَإِن لم تَجِد مَا تستر بِهِ رَأسهَا بنت على صلَاتهَا وَيسن للرجل أَن يلبس للصَّلَاة أحسن ثِيَابه وَأَن يُصَلِّي فِي ثَوْبَيْنِ لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} والثوبان أهم الزِّينَة وَلخَبَر إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه فَإِن الله تَعَالَى أَحَق أَن يتزين لَهُ وَيكرهُ أَن يُصَلِّي فِي ثوب فِيهِ صُورَة وَأَن يُصَلِّي الرجل متلثما وَالْمَرْأَة منتقبة إِلَّا أَن تكون فِي مَكَان وَهُنَاكَ أجانب لَا يحترزون عَن النّظر إِلَيْهَا فَلَا يجوز لَهَا رفع النقاب وَيجب أَن يكون السّتْر (بلباس طَاهِر) حَيْثُ قدر عَلَيْهِ
القَوْل فِي من عجز عَن الثَّوْب للستر فَإِن عجز عَنهُ أَو وجده متنجسا وَعجز عَمَّا يطهره بِهِ أَو حبس فِي مَكَان نجس وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا ثوب لَا يَكْفِيهِ للعورة وللمكان صلى عَارِيا فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا قدر
وَلَو وجد ثوبا لغيره حرم عَلَيْهِ لبسه وَأَخذه مِنْهُ قهرا وَلَا يلْزمه قبُول هِبته للمنة على الْأَصَح بل يُصَلِّي عَارِيا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَو أَعَارَهُ لَهُ لزمَه قبُوله لضعف الْمِنَّة فَإِن لم يقبل لم تصح صلَاته لقدرته على الستْرَة وَلَو بَاعه إِيَّاه أَو آجره فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّم
القَوْل فِي الْوُقُوف على مَكَان طَاهِر (و) الثَّالِث (الْوُقُوف على مَكَان طَاهِر) فَلَا تصح صَلَاة شخص يلاقي بعض بدنه أَو لِبَاسه نَجَاسَة فِي قيام أَو قعُود أَو رُكُوع أَو سُجُود
القَوْل فِي الْعلم بِدُخُول الْوَقْت ومراتبه (و) الرَّابِع (الْعلم بِدُخُول الْوَقْت) الْمَحْدُود شرعا فَإِن جَهله لعَارض كغيم أَو حبس فِي مَوضِع مظلم وَعدم ثِقَة يُخبرهُ عَن علم اجْتهد جَوَازًا إِن قدر على الْيَقِين بِالصبرِ أَو الْخُرُوج ورؤية الشَّمْس مثلا وَإِلَّا فوجوبا بورد من قُرْآن ودرس ومطالعة وَصَلَاة وَنَحْو ذَلِك كخياطة وَصَوت ديك مجرب وَسَوَاء الْبَصِير وَالْأَعْمَى وَعمل على الْأَغْلَب فِي ظَنّه وَإِن قدر على الْيَقِين بِالصبرِ أَو غَيره كالخروج لرؤية الْفجْر وللأعمى كالبصير الْعَاجِز تَقْلِيد مُجْتَهد لعَجزه فِي الْجُمْلَة أما إِذا أخبرهُ ثِقَة من رجل أَو امْرَأَة وَلَو رَقِيقا

(1/124)


بِدُخُولِهِ عَن علم أَي مُشَاهدَة كَأَن قَالَ رَأَيْت الْفجْر طالعا أَو الشَّفق غاربا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بقوله إِن لم يُمكنهُ الْعلم بِنَفسِهِ وَجَاز إِن أمكنه وَفِي الْقبْلَة لَا يعْتَمد الْمخبر عَن علم إِلَّا إِذا تعذر علمه وَفرق بَينهمَا بِتَكَرُّر الْأَوْقَات فيعسر الْعلم بِكُل وَقت بِخِلَاف الْقبْلَة فَإِنَّهُ إِذا علم عينهَا مرّة اكْتفى بهَا مَا دَامَ مُقيما بمحله فَلَا عسر وَلَا يجوز لَهُ أَن يُقَلّد من أخبرهُ عَن اجْتِهَاد لِأَن الْمُجْتَهد لَا يُقَلّد مُجْتَهدا حَتَّى لَو أخبرهُ عَن اجْتِهَاد أَن صلَاته وَقعت قبل الْوَقْت لم يلْزمه إِعَادَتهَا وَهل يجوز للبصير تَقْلِيد الْمُؤَذّن الثِّقَة الْعَارِف أَو لَا
قَالَ الرَّافِعِيّ يجوز فِي الصحو دون الْغَيْم لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهد وَهُوَ لَا يُقَلّد مُجْتَهدا وَفِي الصحو مخبر عَن عيان وَصحح النَّوَوِيّ جَوَاز تَقْلِيده فِيهِ أَيْضا وَنَقله عَن النَّص فَإِنَّهُ لَا يُؤذن فِي الْعَادة إِلَّا فِي الْوَقْت فَلَا يتقاعد عَن الديك المجرب
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَلَعَلَّه إِجْمَاع الْمُسلمين وَلَو كثر المؤذنون وَغلب على الظَّن إصابتهم جَازَ اعتمادهم مُطلقًا بِلَا خلاف وَلَو صلى بِلَا اجْتِهَاد أعَاد مُطلقًا لتَركه الْوَاجِب وعَلى الْمُجْتَهد التَّأْخِير حَتَّى يغلب على ظَنّه دُخُول الْوَقْت وتأخيره إِلَى خوف الْفَوات أفضل وَيعْمل المنجم بِحِسَابِهِ جَوَازًا وَلَا يقلده غَيره على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَغَيره والحاسب وَهُوَ من يعْتَمد منَازِل النُّجُوم وَتَقْدِير سَيرهَا فِي معنى المنجم وَهُوَ من يرى أَن أول الْوَقْت طُلُوع النَّجْم الْفُلَانِيّ كَمَا يُؤْخَذ من نَظِيره فِي الصَّوْم
القَوْل فِي الْقبْلَة ومراتها (وَفِي) الْخَامِس (اسْتِقْبَال الْقبْلَة) بالصدر لَا بِالْوَجْهِ لقَوْله تَعَالَى {فول وَجهك شطر} أَي نَحْو {الْمَسْجِد الْحَرَام} والاستقبال لَا يجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين أَن يكون فِيهَا
وَقد ورد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمسيء صلَاته وَهُوَ خَلاد بن رَافع الزرقي الْأنْصَارِيّ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركع رَكْعَتَيْنِ قبل الْكَعْبَة أَي وَجههَا
وَقَالَ هَذِه الْقبْلَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
فَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهِ إِجْمَاعًا وَالْفَرْض فِي الْقبْلَة إِصَابَة الْعين فِي الْقرب يَقِينا وَفِي الْبعد ظنا فَلَا تَكْفِي إِصَابَة الْجِهَة لهَذِهِ الْأَدِلَّة فَلَو خرج عَن محاذاة الْكَعْبَة بِبَعْض بدنه بِأَن وقف بطرفها وَخرج عَنهُ بِبَعْضِه بطلت صلَاته وَلَو امْتَدَّ صف طَوِيل بِقرب الْكَعْبَة وَخرج بَعضهم عَن الْمُحَاذَاة بطلت صلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبلا لَهَا وَلَا شكّ أَنهم إِذا بعدوا عَنْهَا حاذوها وَصحت صلَاتهم وَإِن طَال الصَّفّ لِأَن صَغِير الحجم كلما زَاد بعده زَادَت محاذاته كغرض الرُّمَاة وَاسْتشْكل بِأَن ذَلِك إِنَّمَا يحصل مَعَ الانحراف وَلَو اسْتقْبل الرُّكْن صَحَّ كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبل للْبِنَاء المجاور للركن وَإِن كَانَ بعض بدنه خَارِجا عَن الرُّكْن من الْجَانِبَيْنِ بِخِلَاف مَا لَو اسْتقْبل الْحجر بِكَسْر الْحَاء فَقَط فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي لِأَن كَونه من الْبَيْت مظنون لَا مَقْطُوع بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَبت بالآحاد
تَنْبِيه أسقط المُصَنّف شرطا سادسا وَهُوَ الْعلم بكيفية الصَّلَاة بِأَن يعلم فرضيتها ويميز فَرضهَا من سننها نعم إِن اعتقدها كلهَا فرضا أَو بَعْضهَا وَلم يُمَيّز وَكَانَ عاميا وَلم يقْصد فرضا بنفل صحت
القَوْل فِي الصَّلَاة الَّتِي يجوز ترك الْقبْلَة فِيهَا (وَيجوز) للْمُصَلِّي (ترك) اسْتِقْبَال (الْقبْلَة فِي حالتين) الْحَالة الأولى (فِي) صَلَاة (شدَّة الْخَوْف) فِيمَا يُبَاح من قتال أَو غَيره فرضا كَانَت أَو نفلا فَلَيْسَ التَّوَجُّه بِشَرْط فِيهَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ فرجالا أَو ركبانا}
قَالَ ابْن عمر مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير
قَالَ فِي الْكِفَايَة نعم إِن قدر أَن يُصَلِّي قَائِما إِلَى غير الْقبْلَة وراكبا إِلَى الْقبْلَة وَجب الِاسْتِقْبَال رَاكِبًا لِأَنَّهُ آكِد من الْقيم لِأَن الْقيام يسْقط فِي النَّافِلَة بِغَيْر عذر بِخِلَاف الِاسْتِقْبَال

(1/125)


(و) الْحَالة الثَّانِيَة فِي (النَّافِلَة فِي السّفر) الْمُبَاح لقاصد مَحل معِين لِأَن النَّفْل يتوسع فِيهِ كجوازه قَاعِدا للقادر فللمسافر الْمَذْكُور التَّنَفُّل مَاشِيا وَكَذَا (على الرَّاحِلَة) لحَدِيث جَابر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ
أَي فِي جِهَة مقْصده فَإِذا أَرَادَ الْفَرِيضَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَجَاز للماشي قِيَاسا على الرَّاكِب بل أولى
وَالْحكمَة فِي التَّخْفِيف فِي ذَلِك على الْمُسَافِر أَن النَّاس محتاجون إِلَى الْأَسْفَار فَلَو شَرط فِيهَا الِاسْتِقْبَال للنفل لَأَدَّى إِلَى ترك أورادهم أَو مصَالح مَعَايشهمْ فَخرج بذلك النَّفْل فِي الْحَضَر فَلَا يجوز وَإِن احْتِيجَ للتردد كَمَا فِي السّفر لعدم وُرُوده
تَنْبِيه يشْتَرط فِي حق الْمُسَافِر تِلْكَ الْأَفْعَال الْكَثِيرَة من غير عذر كالركض والعدو وَلَا يشْتَرط طول سَفَره لعُمُوم الْحَاجة قِيَاسا على ترك الْجُمُعَة وَالسّفر الْقصير قَالَ القَاضِي وَالْبَغوِيّ مثل أَن يخرج إِلَى مَكَان لَا تلْزمهُ فِيهِ الْجُمُعَة لعدم سَماع النداء
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغَيره مثل أَن يخرج إِلَى ضَيْعَة مسيرتها ميل أَو نَحوه وهما متقاربان فَإِن سهل توجه رَاكب غير ملاح بمرقد كهودج وسفينة فِي جَمِيع صلَاته وإتمام الْأَركان كلهَا أَو بَعْضهَا لزمَه ذَلِك لتيسيره عَلَيْهِ فَإِن لم يسهل ذَلِك لم يلْزمه إِلَّا توجه فِي تحرمه إِن سهل بِأَن تكون الدَّابَّة واقفة وَأمكن انحرافه عَلَيْهَا أَو تحريفها أَو سائرة وَبِيَدِهِ زمامها وَهِي سهلة فَإِن لم يسهل ذَلِك بِأَن تكون صعبة أَو مقطورة وَلم يُمكنهُ انحرافه عَلَيْهَا وَلَا تحريفها لم يلْزمه تَحْرِيف للْمَشَقَّة واختلال أَمر السّير عَلَيْهِ
أما ملاح السَّفِينَة وَهُوَ مسيرها فَلَا يلْزمه توجه لِأَن تَكْلِيفه ذَلِك يقطعهُ عَن النَّفْل أَو عمله وَلَا ينحرف عَن صوب طَرِيقه إِلَّا إِلَى الْقبْلَة لِأَنَّهَا الأَصْل فَإِن انحرف إِلَى غَيرهَا عَالما مُخْتَارًا بطلت صلَاته وَكَذَا النسْيَان أَو خطأ طَرِيق أَو جماع دَابَّة إِن طَال الزَّمن وَإِلَّا فَلَا
وَلَكِن يسن أَن يسْجد للسَّهْو لِأَن عمد ذَلِك يبطل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد
وَفِي ذَلِك خلاف فِي كَلَام الشَّيْخَيْنِ ويكفيه إِيمَاء فِي رُكُوعه وَسُجُوده وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه لِلِاتِّبَاعِ والماشي يتم رُكُوعه وَسُجُوده وَيتَوَجَّهُ فيهمَا وَفِي تحرمه وجلوسه بَين سجدتيه وَلَو صلى فرضا عينيا أَو غَيره على دَابَّة واقفة وَتوجه للْقبْلَة وَأتم الْفَرْض جَازَ وَإِن لم تكن معقولة وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَن سير الدَّابَّة مَنْسُوب إِلَيْهِ
القَوْل فِي مَرَاتِب الْقبْلَة وَتعلم أدلتها وَمن صلى فِي الْكَعْبَة فرضا أَو نفلا أَو على سطحها
وَتوجه شاخصا مِنْهَا كعتبتها ثُلثي ذِرَاع تَقْرِيبًا جَازَ مَا صلاه وَمن أمكنه علم الْقبْلَة وَلَا حَائِل بَينه وَبَينهَا لم يعْمل بِغَيْرِهِ فَإِن لم يُمكنهُ اعْتمد ثِقَة يُخبرهُ عَن علم كَقَوْلِه أَنا أشاهد الْكَعْبَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يجْتَهد مَعَ وجود إخْبَاره وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَة محاريب الْمُسلمين بِبَلَد كَبِير أَو صَغِير يكثر طارقوه فَإِن فقد الثِّقَة الْمَذْكُور وَأمكنهُ اجْتِهَاد اجْتهد لكل فرض إِن لم يذكر الدَّلِيل الأول فَإِن ضَاقَ الْوَقْت عَن الِاجْتِهَاد أَو تحير صلى إِلَى أَي جِهَة شَاءَ وَأعَاد

(1/126)


وجوبا فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد وَلم يُمكنهُ تعلم كأعمى الْبَصَر أَو البصيرة قلد ثِقَة عَارِفًا بأدلتها وَمن أمكنه تعلم أدلتها لزمَه تعلمهَا وتعلمها فرض عين لسفر فَإِن ضَاقَ الْوَقْت عَن تعلمهَا صلى كَيفَ كَانَ وَأعَاد وجوبا وَفرض كِفَايَة لحضر وَقيد السُّبْكِيّ السّفر بِمَا يقل فِيهِ الْعَارِف بالأدلة فَإِن كثر كركب الْحَاج فكالحضر وَمن صلى بِاجْتِهَاد فتيقن خطأ معينا أعَاد صلَاته وجوبا فَإِن تيقنه فِيهَا استأنفها وَإِن تغير اجْتِهَاده ثَانِيًا عمل بِالثَّانِي وجوبا إِن ترجح سَوَاء أَكَانَ فِي الصَّلَاة أم لَا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما فعله بِالْأولِ حَتَّى لَو

(1/127)


صلى أَربع رَكْعَات لأَرْبَع جِهَات بِالِاجْتِهَادِ أَربع مَرَّات فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَن كل رَكْعَة مُؤَدَّاة بِاجْتِهَاد وَلم يتَعَيَّن فِيهَا الْخَطَأ فَإِن اسْتَويَا وَلم يكن فِي صَلَاة تخير بَينهمَا إِذْ لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر وَإِن كَانَ فِيهَا عمل بِالْأولِ وجوبا كَمَا نَقله فِي أصل الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ وَفَارق حكم التَّسَاوِي قبلهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتزم بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَة فَلَا يتَحَوَّل إِلَّا بأرجح وَشرط الْعَمَل الثَّانِي فِي الصَّلَاة أَن يظنّ الصَّوَاب مُقَارنًا لظُهُور الْخَطَأ فَإِن لم يَظُنّهُ مُقَارنًا بطلت صلَاته وَإِن قدر على الصَّوَاب عَن قرب لمضي جُزْء من صلَاته إِلَى غير قبْلَة وَلَا يجْتَهد فِي محاريب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِهَة وَلَا يمنة وَلَا يسرة وَلَا فِي محاريب الْمُسلمين جِهَة

فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها
وَتقدم معنى الرُّكْن لُغَة وَاصْطِلَاحا وَالْفرق بَين الرُّكْن وَالشّرط (وأركان الصَّلَاة ثَمَانِيَة عشر ركنا) وَهَذَا مَا فِي التَّنْبِيه فَجعل الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع والاعتدال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّة الْخُرُوج أركانا وَفِي بعض النّسخ سَبْعَة عشر وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَة وَالتَّحْقِيق لِأَن الْأَصَح أَن نِيَّة الْخُرُوج لَا تجب وَجعلهَا فِي الْمِنْهَاج ثَلَاثَة عشر كَمَا فِي الْمُحَرر بِجعْل الطُّمَأْنِينَة كالهيئة التابعة وَجعلهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَة عشر فَزَاد الطُّمَأْنِينَة إِلَّا أَنه جعلهَا فِي الْأَركان الْأَرْبَعَة ركنا وَاحِدًا وَالْخلف بَينهم لَفْظِي فَمن لم يعد الطُّمَأْنِينَة ركنا جعلهَا فِي كل ركن كالجزء مِنْهُ وكالهيئة التابعة لَهُ وَيُؤَيِّدهُ كَلَامهم فِي

(1/128)


التَّقَدُّم والتأخر بِرُكْن أَو أَكثر وَبِه يشْعر خبر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة الْآتِي
وَمن عدهَا أركانا فَذَاك لاستقلالها وَصدق اسْم السُّجُود وَنَحْوه بِدُونِهَا وَجعلت أركانا لتغايرها باخْتلَاف محلهَا وَمن جعلهَا ركنا وَاحِدًا فلكونها جِنْسا وَاحِدًا كَمَا عدوا السَّجْدَتَيْنِ ركنا لذَلِك
الأول (النِّيَّة) لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي بعض الصَّلَاة وَهُوَ أَولهَا لَا فِي جَمِيعهَا فَكَانَت ركنا كالتكبير وَالرُّكُوع
وَقيل هِيَ شَرط لِأَنَّهَا عبارَة عَن قصد فعل الصَّلَاة فَتكون خَارج الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ بِالشّرطِ أشبه
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالْإِخْلَاص فِي كَلَامهم النِّيَّة
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى
وأجمعت الْأمة على اعْتِبَار النِّيَّة فِي الصَّلَاة وَبَدَأَ بهَا لِأَن الصَّلَاة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بهَا فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي فرضا وَلَو نذرا أَو قَضَاء أَو كِفَايَة وَجب قصد فعلهَا لتتميز عَن سَائِر الْأَفْعَال وتعيينها لتتميز عَن سَائِر الصَّلَوَات وَتجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة لتتميز عَن النَّفْل وَلَا تجب فِي صَلَاة الصَّبِي كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَن صلَاته تقع نفلا فَكيف يَنْوِي الْفَرْضِيَّة وَلَا تجب الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الْعِبَادَة لَا تكون إِلَّا لَهُ تَعَالَى وتستحب ليتَحَقَّق معنى الْإِخْلَاص وتستحب نِيَّة اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَعدد الرَّكْعَات وَلَو غير الْعدَد كَأَن نوى الظّهْر ثَلَاثًا أَو خمْسا لم تَنْعَقِد
وَتَصِح نِيَّة الْأَدَاء بنية الْقَضَاء وَعَكسه عِنْد جهل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه كَأَن ظن خُرُوج الْوَقْت فَصلاهَا قَضَاء فَبَان وقته أَو ظن بَقَاء الْوَقْت فَصلاهَا أَدَاء فَبَان خُرُوجه لاستعمال كل بِمَعْنى الآخر تَقول قضيت الدّين وأديته بِمَعْنى وَاحِد
قَالَ تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} أَي أديتم أما إِذا فعل ذَلِك عَالما فَلَا تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن تصريحهم
نعم إِن قصد بذلك الْمَعْنى اللّغَوِيّ لم يضرّهُ كَمَا قَالَه فِي الْأَنْوَار وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للْوَقْت فَلَو عين الْيَوْم وَأَخْطَأ لم يضر كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام أصل الرَّوْضَة
وَمن عَلَيْهِ فوائت لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي ظهر يَوْم كَذَا بل يَكْفِيهِ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَالنَّفْل ذُو الْوَقْت أَو ذُو السَّبَب كالفرض فِي اشْتِرَاط قصد فعل الصَّلَاة وتعيينها كَصَلَاة الْكُسُوف وراتبة الْعشَاء
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وكسنة الظّهْر الَّتِي قبلهَا أَو الَّتِي بعْدهَا وَالْوتر صَلَاة مُسْتَقلَّة فَلَا يُضَاف إِلَى الْعشَاء فَإِن أوتر بِوَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ ووصلى نوى الْوتر وَإِن فصل نوى بالواحدة الْوتر
وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل أَو مُقَدّمَة الْوتر وسنته وَهِي أولى أَو رَكْعَتَيْنِ من الْوتر على الْأَصَح هَذَا إِذا نوى عددا فَإِن قَالَ أُصَلِّي الْوتر وَأطلق صَحَّ وَيحمل على مَا يُريدهُ من رَكْعَة إِلَى إِحْدَى عشرَة وترا وَلَا تشْتَرط نِيَّة النفلية
وَيَكْفِي فِي النَّفْل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب نِيَّة فعل الصَّلَاة
وَالنِّيَّة بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا الْقَصْد فَلَا يَكْفِي النُّطْق مَعَ غَفلَة الْقلب بِالْإِجْمَاع وَفِي سَائِر الْأَبْوَاب كَذَلِك وَلَا يضر النُّطْق بِخِلَاف مَا فِي الْقلب كَأَن قصد الصُّبْح وَسبق لِسَانه إِلَى الظّهْر وَينْدب النُّطْق بالمنوي قبيل التَّكْبِير ليساعد اللِّسَان الْقلب وَلِأَنَّهُ أبعد عَن الوسواس وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِمَشِيئَة الله لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو أطلق لم يَصح للمنافاة
(فَائِدَة) لَو قَالَ شخص لآخر صل فرضك وَلَك عَليّ دِينَار فصلى بِهَذِهِ النِّيَّة لم يسْتَحق الدِّينَار وأجزأته صلَاته وَلَو نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم صحت صلَاته لِأَن دَفعه حَاصِل وَإِن لم يُنَوّه بِخِلَاف مَا لَو نوى بِصَلَاتِهِ فرضا ونفلا غير تَحِيَّة وَسنة وضوء لتشريكه بَين عبادتين لَا تندرج إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى
وَلَو قَالَ أُصَلِّي لثواب الله تَعَالَى أَو للهرب من عِقَابه صحت صلَاته خلافًا للفخر الرَّازِيّ

(1/129)


(و) الثَّانِي من أَرْكَان الصَّلَاة (الْقيام) فِي الْفَرْض (مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ وَلَو بِمعين بِأُجْرَة فاضلة عَن مُؤْنَته وَمؤنَة ممونه يَوْمه وَلَيْلَته فَيجب حَالَة الْإِحْرَام بِهِ لخَبر البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى جنب زَاد النَّسَائِيّ فَإِن لم تستطع فمستلقيا لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا
وأجمعت الْأمة على ذَلِك وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل وبالقادر الْعَاجِز
وَقد يفهم من ذَلِك صِحَة صَلَاة الصَّبِي الْفَرْض قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَالأَصَح كَمَا فِي الْبَحْر خِلَافه
وَمثل صَلَاة الصَّبِي الصَّلَاة الْمُعَادَة وَاسْتثنى بَعضهم من ذَلِك مسَائِل الأولى مَا لَو خَافَ رَاكب السَّفِينَة غرقا أَو دوران رَأس فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ
وَالثَّانيَِة مَا لَو كَانَ بِهِ سَلس بَوْل لَو قَامَ سَالَ بَوْله وَإِن قعد لم يسل فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود على الْأَصَح بِلَا إِعَادَة وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ طَبِيب ثِقَة لمن بِعَيْنِه مَاء إِن صليت مُسْتَلْقِيا أمكن مداواتك فَلهُ ترك الْقيام على الْأَصَح
وَلَو أمكن الْمَرِيض الْقيام مُنْفَردا بِلَا مشقة وَلم يُمكنهُ ذَلِك فِي جمَاعَة إِلَّا بِأَن يُصَلِّي بَعْضهَا قَاعِدا فَالْأَفْضَل الِانْفِرَاد وَتَصِح مَعَ الْجَمَاعَة وَإِن قعد فِي بَعْضهَا كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة
الثَّالِثَة مَا لَو كَانَ للغزاة رَقِيب يرقب الْعَدو وَلَو قَامَ لرآه الْعَدو أَو جلس الْغُزَاة فِي مكمن وَلَو قَامُوا لرآهم الْعَدو وَفَسَد تَدْبِير الْحَرْب صلوا قعُودا وَوَجَبَت الْإِعَادَة على الْمَذْهَب لندرة ذَلِك
لَا إِن خَافُوا قصد الْعَدو لَهُم فَلَا تلزمهم الْإِعَادَة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق
وَالْفرق بَين مَا هُنَا وَبَين مَا مر أَن الْعذر هُنَا أعظم مِنْهُ ثمَّ وَفِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء لِأَن من ذكر عَاجز إِمَّا لضَرُورَة التَّدَاوِي أَو خوف الْغَرق أَو الْخَوْف على الْمُسلمين أَو نَحْو ذَلِك
فَإِن قيل لم أخر الْقيام عَن النيه مَعَ أَنه مقدم عَلَيْهَا أُجِيب بِأَنَّهَا ركن فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَهُوَ ركن فِي الْفَرِيضَة فَقَط فَلذَلِك قدمت عَلَيْهِ
وَشرط الْقيام نصب ظهر الْمُصَلِّي لِأَن اسْم الْقيام دائر مَعَه فَإِن وقف منحنيا إِلَى قدامه أَو خَلفه أَو مائلا إِلَى يَمِينه أَو يسَاره بِحَيْثُ لَا يُسمى قَائِما لم يَصح قِيَامه لتَركه الْوَاجِب بِلَا عذر والانحناء السالب للاسم أَن يصير إِلَى الرُّكُوع أقرب كَمَا فِي الْمَجْمُوع
وَلَو اسْتندَ إِلَى شَيْء كجدار أَجزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو تحامل عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَو رفع مَا اسْتندَ إِلَيْهِ لسقط لوُجُود اسْم الْقيام وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يرفع قَدَمَيْهِ إِن شَاءَ وَهُوَ مُسْتَند لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يُسمى قَائِما بل مُعَلّق نَفسه فَإِن عجز عَن ذَلِك وَصَارَ كراكع لكبر أَو غَيره وقف وجوبا كَذَلِك لقُرْبه من الانتصاب وَزَاد وجوبا انحناءه لركوعه إِن قدر على الزِّيَادَة ليتميز الركنان وَلَو أمكنه الْقيام مُتكئا على شَيْء أَو الْقيام على رُكْبَتَيْهِ لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ ميسوره وَلَو عجز عَن رُكُوع وَسُجُود دون قيام قَامَ وجوبا وَفعل مَا أمكنه فِي انحنائه لَهما بصلبه فَإِن عجز فبرقبته وَرَأسه فَإِن عجز أَوْمَأ إِلَيْهِمَا أَو عجز عَن قيام بلحوق مشقة شَدِيدَة قعد كَيفَ شَاءَ وافتراشه أفضل من تربعه وَغَيره لِأَنَّهُ قعُود عبَادَة
وَيكرهُ الإقعاء فِي قعدات الصَّلَاة بِأَن يجلس الْمُصَلِّي على وركيه ناصبا رُكْبَتَيْهِ للنَّهْي

(1/130)


عَن الإقعاء فِي الصَّلَاة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ
وَمن الإقعاء نوع مسنون بَين السَّجْدَتَيْنِ وَإِن كَانَ الافتراش أفضل مِنْهُ وَهُوَ أَن يضع أَطْرَاف أَصَابِع رجلَيْهِ وَيَضَع أليتيه على عَقِبَيْهِ ثمَّ ينحني الْمُصَلِّي قَاعِدا لركوعه إِن قدر وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تحاذي جَبهته مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ وأكمله أَن تحاذي جَبهته مَحل سُجُوده وركوع الْقَاعِد فِي النَّفْل كَذَلِك فَإِن عجز عَن الْقعُود اضْطجع على جنبه وجوبا لخَبر عمرَان السَّابِق وَسن على الْأَيْمن فَإِن عجز عَن الْجنب اسْتلْقى على ظَهره رَافعا رَأسه بِأَن يرفعهُ قَلِيلا بِشَيْء ليتوجه إِلَى الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ومقدم بدنه إِلَّا أَن يكون فِي الْكَعْبَة وَهِي مسقوفة ويركع وَيسْجد بِقدر إِمْكَانه فَإِن قدر الْمُصَلِّي على الرُّكُوع فَقَط كَرَّرَه للسُّجُود وَمن قدر على زِيَادَة على أكمل الرُّكُوع تعيّنت تِلْكَ الزِّيَادَة للسُّجُود لِأَن الْفرق بَينهمَا وَاجِب على المتمكن وَلَو عجز عَن السُّجُود إِلَّا أَن يسْجد بِمقدم رَأسه أَو صُدْغه وَكَانَ بذلك أقرب إِلَى الأَرْض وَجب فَإِن عجز عَن ذَلِك أَوْمَأ بِرَأْسِهِ
وَالسُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن عجز فببصره فَإِن عجز أجْرى أَفعَال الصَّلَاة بسننها على قلبه وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ
وَلَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة وعقله ثَابت لوُجُود منَاط التَّكْلِيف وللقادر على الْقيام النَّفْل قَاعِدا سَوَاء الرَّوَاتِب وَغَيرهَا وَمَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيد وَمَا لَا تسن فِيهِ ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وعَلى الْقعُود لحَدِيث البُخَارِيّ من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما أَي مُضْطَجعا فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد وَيلْزمهُ أَن يقْعد للرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِن اسْتلْقى مَعَ إِمْكَان الِاضْطِجَاع لم تصح صلَاته
وَمحل نُقْصَان أجر الْقَاعِد والمضطجع عِنْد الْقُدْرَة وَإِلَّا لم ينقص من أجرهما شَيْء
وَالثَّالِث من أَرْكَان الصَّلَاة (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) بشروطها وَهِي إيقاعها بعد الانتصاب فِي الْفَرْض باللغة الْعَرَبيَّة للقادر عَلَيْهَا وَلَفظ الْجَلالَة وَلَفظ أكبر وَتَقْدِيم لفظ الْجَلالَة على أكبر وَعدم مد همزَة الْجَلالَة وَعدم مد بَاء أكبر وَعدم تشديدها وَعدم زِيَادَة وَاو سَاكِنة أَو متحركة بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَعدم وَاو قبل الْجَلالَة وَعدم وَقْفَة طَوِيلَة بَين كلمتيه كَمَا قَيده الزَّرْكَشِيّ فِي شرح التَّنْبِيه
وَمُقْتَضَاهُ أَن الْيَسِيرَة لَا تضر وَبِه صرح فِي الْحَاوِي الصَّغِير وَأقرهُ عَلَيْهِ ابْن الملقن فِي شَرحه وَأَن يسمع نَفسه جَمِيع حروفها إِن كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا مَانع من لغط وَغَيره وَإِلَّا فيرفع صَوته بِقدر مَا يسمعهُ لَو لم يكن أَصمّ وَدخُول وَقت الْفَرْض لتكبيرة الْفَرَائِض وَالنَّفْل الْمُؤَقت وَذي السَّبَب وإيقاعها حَال الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شرطناه وتأخيرها عَن تَكْبِيرَة الإِمَام فِي حق الْمُقْتَدِي فَهَذِهِ خَمْسَة عشر شرطا إِن اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته
وَدَلِيل وجوب التَّكْبِير خبر الْمُسِيء صلَاته إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والاتباع مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
وَلَا تضر زِيَادَة لَا تمنع اسْم التَّكْبِير كالله الْأَكْبَر لِأَنَّهَا تدل على زِيَادَة مُبَالغَة فِي التَّعْظِيم وَهُوَ الْإِشْعَار بالتخصيص وَكَذَا الله أكبر وَأجل أَو الله الْجَلِيل الْأَكْبَر وَكَذَا كل صفة من صِفَاته تَعَالَى إِن لم يطلّ بهَا الْفَصْل فَإِن طَال كالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس أكبر ضرّ
وَلَو لم يجْزم الرَّاء من أكبر لم يضر خلافًا لما اقْتَضَاهُ كَلَام ابْن يُونُس فِي شرح التَّنْبِيه وَاسْتدلَّ لَهُ الدَّمِيرِيّ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّكْبِير جزم اه
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن هَذَا لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَول النَّخعِيّ وعَلى تَقْدِير وجوده فَمَعْنَاه عدم التَّرَدُّد فِيهِ
وَيسن

(1/131)


أَن لَا يقصر التَّكْبِير بِحَيْثُ لَا يفهم وَأَن لَا يمططه بِأَن يُبَالغ فِي مده بل يَأْتِي بِهِ مُبينًا والإسراع بِهِ أولى من مده لِئَلَّا تَزُول النِّيَّة وَأَن يجْهر بتكبيرة الْإِحْرَام وتكبيرات الِانْتِقَالَات ليسمع الْمَأْمُومين فيعلموا صلَاته بِخِلَاف غَيره من مَأْمُوم ومنفرد فَالسنة فِي حَقه الْإِسْرَار نعم إِن لم يبلغ صَوت الإِمَام جَمِيع الْمَأْمُومين جهر بَعضهم ندبا وَاحِدًا أَو أَكثر بِحَسب الْحَاجة ليبلغ عَنهُ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي مَرضه بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يسمعهم التَّكْبِير وَلَو كبر للْإِحْرَام تَكْبِيرَات نَاوِيا بِكُل مِنْهَا الِافْتِتَاح دخل فِي الصَّلَاة بالأوتار وَخرج مِنْهَا بالأشفاع لِأَن من افْتتح صَلَاة ثمَّ نوى افْتِتَاح صَلَاة أُخْرَى بطلت صلَاته هَذَا إِن لم ينْو بَين كل تكبيرتين خُرُوجًا أَو افتتاحا وَإِلَّا فَيخرج بِالنِّيَّةِ وَيدخل بِالتَّكْبِيرِ فَإِن لم ينْو بِغَيْر التَّكْبِيرَة الأولى شَيْئا لم يضر لِأَنَّهُ ذكر وَمحل مَا ذكر مَعَ الْعمد كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة أما مَعَ السَّهْو فَلَا بطلَان
وَمن عجز وَهُوَ نَاطِق عَن النُّطْق بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ ترْجم عَنْهَا بِأَيّ لُغَة شَاءَ وَوَجَب التَّعَلُّم إِن قدر عَلَيْهِ وَلَو بسفر إِلَى بلد آخر لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب
فَائِدَة إِنَّمَا سميت هَذِه التَّكْبِيرَة تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لِأَنَّهُ يحرم بهَا على الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالا لَهُ قبلهَا من مفسدات الصَّلَاة كَالْأَكْلِ وَالشرب وَالْكَلَام وَنَحْو ذَلِك وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام بِالْإِجْمَاع مُسْتَقْبلا بكفيه الْقبْلَة مميلا أَطْرَاف أصابعهما نَحْوهَا مفرقا أصابعهما تفريقا وسطا كاشفا لَهما ويرفعهما مُقَابل مَنْكِبَيْه لحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم معنى حَذْو مَنْكِبَيْه أَن تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه
وَيجب قرن النِّيَّة بتكبيرة الْإِحْرَام لِأَنَّهَا أول الْأَركان بِأَن يقرنها بأوله ويستصحبها إِلَى آخِره
وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ فِي شرحي الْمُهَذّب والوسيط تبعا للْإِمَام وَالْغَزالِيّ الِاكْتِفَاء بالمقارنة الْعُرْفِيَّة عِنْد الْعَوام بِحَيْثُ يعد مستحضرا للصَّلَاة اقْتِدَاء بالأولين فِي تسامحهم بذلك وَقَالَ ابْن الرّفْعَة إِنَّه الْحق وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ ولي بهما أُسْوَة والوسوسة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام من تلاعب الشَّيْطَان وَهِي تدل على خبل فِي الْعقل أَو جهل فِي الدّين وَلَا يجب اسْتِصْحَاب النِّيَّة بعد التَّكْبِير للعسر لَكِن يسن وَيعْتَبر عدم الْمنَافِي كَمَا فِي عقد الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَإِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو تردد فِي أَن يخرج أَو يسْتَمر بطلت بِخِلَاف الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَالْحج وَالصَّوْم لِأَنَّهَا أضيق بَابا من الْأَرْبَعَة فَكَانَ تأثيرها باخْتلَاف النِّيَّة أَشد
(و) الرَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (قِرَاءَة) سُورَة (الْفَاتِحَة) فِي كل رَكْعَة فِي قِيَامهَا أَو بدله لخَبر الشَّيْخَيْنِ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ

(1/132)


بِفَاتِحَة الْكتاب أَي فِي كل رَكْعَة لما مر فِي خبر الْمُسِيء صلَاته إِلَّا رَكْعَة مَسْبُوق فَلَا تجب فِيهَا بِمَعْنى أَنه لَا يسْتَقرّ وُجُوبهَا عَلَيْهِ لتحمل الإِمَام لَهَا عَنهُ
تَنْبِيه يتَصَوَّر سُقُوط الْفَاتِحَة فِي كل مَوضِع حصل للْمَأْمُوم فِيهِ عذر تخلف بِسَبَبِهِ عَن الإِمَام بأَرْبعَة أَرْكَان طَوِيلَة وَزَالَ عذره وَالْإِمَام رَاكِع فيتحمل عَنهُ الْفَاتِحَة كَمَا لَو كَانَ بطيء الْقِرَاءَة أَو نسي أَنه فِي الصَّلَاة أَو امْتنع من السُّجُود بِسَبَب زحمة أَو شكّ بعد رُكُوع إِمَامه فِي قِرَاءَته الْفَاتِحَة فَتخلف لَهَا
نبه على ذَلِك الْإِسْنَوِيّ
(وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا) أَي من الْفَاتِحَة لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا
رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله فاقرؤوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها
وروى ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَى آخرهَا سِتّ آيَات
وَهِي آيَة من كل سُورَة إِلَّا بَرَاءَة لإِجْمَاع الصَّحَابَة على إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ أَوَائِل السُّور سوى بَرَاءَة
دون الأعشار وتراجم السُّور والتعوذ فَلَو لم تكن قُرْآنًا لما أَجَازُوا ذَلِك لِأَنَّهُ يحمل على اعْتِقَاد مَا لَيْسَ بقرآن قُرْآنًا وَلَو كَانَت للفصل كَمَا قيل لأثبتت فِي أول بَرَاءَة وَلم تثبت فِي أول الْفَاتِحَة
فَإِن قيل الْقُرْآن إِنَّمَا يثبت بالتواتر

(1/133)


أُجِيب بِأَن مَحَله فِيمَا يثبت قُرْآنًا قطعا أما مَا يثبت قُرْآنًا حكما فَيَكْفِي فِيهِ الظَّن كَمَا يَكْفِي فِي كل ظَنِّي وَأَيْضًا إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ من غير نَكِير فِي معنى التَّوَاتُر
فَإِن قيل لَو كَانَت قُرْآنًا لكفر جاحدها
أُجِيب بِأَنَّهَا لَو لم تكن قُرْآنًا لكفر مثبتها وَأَيْضًا التَّكْفِير لَا يكون بالظنيات وَهِي آيَة من أول الْفَاتِحَة قطعا وَكَذَا فِيمَا عدا بَرَاءَة من بَاقِي السُّور على الْأَصَح وَالسّنة أَن يصلها بِالْحَمْد لله وَأَن يجْهر بهَا حَيْثُ يشرع الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ
فَائِدَة مَا أثبت فِي الْمُصحف الْآن من أَسمَاء السُّور والأعشار شَيْء ابتدعه الْحجَّاج فِي زَمَنه
وَيجب رِعَايَة حُرُوف الْفَاتِحَة فَلَو أَتَى قَادر أَو من أمكنه التَّعَلُّم بدل حرف مِنْهَا بآخر لم تصح قِرَاءَته لتِلْك الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو أبدل ذال الَّذين الْمُعْجَمَة بِالْمُهْمَلَةِ لم تصح كَمَا اقْتضى إِطْلَاق الرَّافِعِيّ وَغَيره الْجَزْم بِهِ خلافًا للزركشي وَمن تبعه وَكَذَا لَو أبدل حاء الْحَمد لله بِالْهَاءِ وَلَو نطق بِالْقَافِ مترددة بَينهَا وَبَين الْكَاف كَمَا تنطق بِهِ الْعَرَب صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا جزم بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَغَيره وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع فِيهِ نظر وَيجب رِعَايَة تشديداتها الْأَرْبَع عشرَة مِنْهَا ثَلَاث فِي الْبَسْمَلَة فَلَو خفف مِنْهَا تشديدة بطلت قِرَاءَة تِلْكَ الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو شدد المخفف أَسَاءَ وأجزأه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَيجب رِعَايَة ترتيبها بِأَن يَأْتِي بهَا على نظمها الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ منَاط البلاغة والإعجاز فَلَو بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لم يعْتد بِهِ وَيَبْنِي على الأول إِن سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلم يطلّ الْفَصْل ويستأنف إِن تعمد أَو طَال الْفَصْل وَيجب رِعَايَة موالاتها بِأَن يَأْتِي بكلماتها على الْوَلَاء لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فيقطعها تخَلّل ذكر وَإِن قل وسكوت طَال عرفا بِلَا عذر فيهمَا أَو سكُوت قصد بِهِ قطع الْقِرَاءَة لإشعار ذَلِك بِالْإِعْرَاضِ عَن الْقِرَاءَة بِخِلَاف سكُوت قصير لم يقْصد بِهِ الْقطع أَو طَوِيل أَو تخَلّل ذكر بِعُذْر من جهل أَو سَهْو أَو إعياء أَو تعلق ذكر بِالصَّلَاةِ كتأمينه لقِرَاءَة إِمَامه وفتحه عَلَيْهِ إِذا توقف فِيهَا فَإِن عجز عَن جَمِيع الْفَاتِحَة لعدم معلم أَو مصحف أَو غير ذَلِك فسبع آيَات عدد آياتها يَأْتِي بهَا وَلَو مُتَفَرِّقَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة
تَنْبِيه ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا فرق بَين أَن تفِيد المتفرقة معنى منظوما أم لَا كثم نظر
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ أَي الثَّانِي الْمُخْتَار

(1/134)


كَمَا أطلقهُ الْجُمْهُور وَاخْتَارَ الإِمَام الأول وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا
قَالَ بَعضهم وَالثَّانِي هُوَ الْقيَاس
وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ الْمُخْتَار مَا ذكره الإِمَام وإطلاقهم مَحْمُول على الْغَالِب ثمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَي النَّوَوِيّ إِنَّمَا ينقدح إِذا لم يحسن غير ذَلِك أما مَعَ حفظه آيَات مُتَوَالِيَة أَو مُتَفَرِّقَة منتظمة الْمَعْنى فَلَا وَجه لَهُ وَإِن شَمله إِطْلَاقهم انْتهى
وَهَذَا يشبه أَن يكون جمعا بَين الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ جمع حسن
وَمن يحسن بعض الْفَاتِحَة يَأْتِي بِهِ ويبدل الْبَاقِي إِن أحْسنه وَإِلَّا كَرَّرَه فِي الْأَصَح وَكَذَا من يحسن بعض بدلهَا من الْقُرْآن
وَيجب التَّرْتِيب بَين الأَصْل وَالْبدل فَإِن كَانَ يحسن الْآيَة فِي أول الْفَاتِحَة أَتَى بهَا ثمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَإِن كَانَ فِي آخر الْفَاتِحَة أَتَى بِالْبَدَلِ ثمَّ بِالْآيَةِ وَإِن كَانَ فِي وَسطهَا أَتَى بِبَدَل الأول ثمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوسط ثمَّ أَتَى بِبَدَل الآخر فَإِن عجز عَن الْقُرْآن أَتَى بسبعة أَنْوَاع من ذكر أَو دُعَاء لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة وَيجب تعلق الدُّعَاء بِالآخِرَة كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فَإِن عجز عَن ذَلِك كُله حَتَّى عَن تَرْجَمَة الذّكر وَالدُّعَاء لزمَه وَقْفَة قدر الْفَاتِحَة فِي ظَنّه لِأَنَّهُ وَاجِب فِي نَفسه وَلَا يترجم عَنْهَا بِخِلَاف التَّكْبِير لفَوَات الإعجاز فِيهَا دونه
وَسن عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها آمين لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة وَقيس بهَا خَارِجهَا مخففا ميمها بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر وَهُوَ اسْم فعل بِمَعْنى استجب وَلَو شدد الْمِيم لم تبطل صلَاته لقصدة الدُّعَاء وَيسن فِي جهرية جهر بهَا للْمُصَلِّي حَتَّى للْمَأْمُوم لقِرَاءَة إِمَامه تبعا لَهُ وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الشَّيْخَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
فَائِدَة فَاتِحَة الْكتاب لَهَا عشرَة أَسمَاء فَاتِحَة الْكتاب وَأم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وَسورَة الْحَمد وَالصَّلَاة والكافية والواقية والشفاء والأساس
(و) الْخَامِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الرُّكُوع) لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وللإجماع وَتقدم رُكُوع الْقَاعِد وَأما أقل الرُّكُوع فِي حق الْقَائِم فَهُوَ أَن ينحني انحناء خَالِصا لَا انخناس فِيهِ قدر بُلُوغ راحتي يَدي المعتدل خلقَة رُكْبَتَيْهِ إِذا أَرَادَ وضعهما فَلَا يحصل بانخناس لِأَنَّهُ لَا يُسمى رُكُوعًا فَلَو طَالَتْ يَدَاهُ أَو قصرتا أَو قطع شَيْء مِنْهُمَا لم يعْتَبر ذَلِك فَإِن عجز عَمَّا ذكر إِلَّا بِمعين وَلَو باعتماد على شَيْء أَو انحناء على شقَّه لزمَه
وَالْعَاجِز ينحني قدر إِمْكَانه فَإِن عجز عَن الانحناء أصلا أَوْمَأ بِرَأْسِهِ ثمَّ بطرفه
(و) السَّادِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي الرُّكُوع لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته الْمَار وأقلها أَن تَسْتَقِر أعضاؤه رَاكِعا بِحَيْثُ ينْفَصل رَفعه عَن رُكُوعه عَن هويه أَي سُقُوطه فَلَا تقوم زِيَادَة الْهَوِي مقَام الطُّمَأْنِينَة وَلَا يقْصد بالهوي غير الرُّكُوع قَصده هُوَ أم لَا كَغَيْرِهِ من بَقِيَّة الْأَركان لِأَن نِيَّة الصَّلَاة منسحبة عَلَيْهِ فَلَو هوى لتلاوة فَجعله رُكُوعًا لم يكف لِأَنَّهُ صرفه إِلَى غير الْوَاجِب بل ينْتَصب ليركع وَلَو قَرَأَ إِمَامه آيَة سَجْدَة ثمَّ ركع عَقبهَا فَظن الْمَأْمُوم أَنه يسْجد للتلاوة فهوى لذَلِك فَرَآهُ لم يسْجد فَوقف عَن السُّجُود فَالْأَقْرَب كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنه يحْسب لَهُ وَيغْتَفر ذَلِك لمتابعته
وأكمل الرُّكُوع تَسْوِيَة ظَهره وعنقه أَي يمدهما بانحناء

(1/135)


خَالص بِحَيْثُ يصيران كالصفيحة الْوَاحِدَة لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ مُسلم
فَإِن تَركه كره نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم
وَنصب سَاقيه وفخذيه وَأخذ رُكْبَتَيْهِ بكفيه لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ البُخَارِيّ
وتفريق أَصَابِعه تفريقا وسطا لجِهَة الْقبْلَة لِأَنَّهَا أشرف الْجِهَات والأقطع وَنَحْوه كقصير الْيَدَيْنِ لَا يُوصل يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بل يرسلهما إِن لم يسلما مَعًا أَو يُرْسل إِحْدَاهمَا إِن سلمت الْأُخْرَى
(و) السَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (الِاعْتِدَال) وَلَو لنافلة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيحصل بِعُود البدء بِأَن يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا
(و) الثَّامِن من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) كَمَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته بِأَن تَسْتَقِر أعضاؤه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه بِحَيْثُ ينْفَصل ارتفاعه عَن عوده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَو ركع عَن قيام فَسقط عَن رُكُوعه قبل الطُّمَأْنِينَة فِيهِ عَاد وجوبا إِلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثمَّ اعتدل أَو سقط عَنهُ بعْدهَا نَهَضَ معتدلا ثمَّ سجد وَإِن سجد ثمَّ شكّ هَل أتم اعتداله اعتدل وجوبا ثمَّ سجد وَلَا يقْصد بِهِ غَيره فَلَو رفع خوفًا من شَيْء كحية لم يكف رَفعه لذَلِك عَن رفع الصَّلَاة لِأَنَّهُ صَارف كَمَا مر
(و) التَّاسِع من أَرْكَان الصَّلَاة (السُّجُود) مرَّتَيْنِ فِي كل رَكْعَة لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا واسجدوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وَإِنَّمَا عدا ركنا وَاحِدًا لاتحادهما كَمَا عد بَعضهم الطُّمَأْنِينَة فِي محالها الْأَرْبَع ركنا وَاحِدًا لذَلِك
وَهُوَ لُغَة التطامن والميل وَقيل الخضوع والتذلل وَشرعا أَقَله مُبَاشرَة بعض جَبهته مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ من أَرض أَو غَيرهَا لخَبر إِذا سجدت فمكن جبهتك وَلَا تنقر نقرا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
وَإِنَّمَا اكْتفى بِبَعْض الْجَبْهَة لصدق اسْم السُّجُود عَلَيْهَا بذلك وَخرج بالجبهة الجبين وَالْأنف فَلَا يَكْفِي وضعهما
فَإِن سجد على مُتَّصِل بِهِ كطرف كمه الطَّوِيل أَو عمَامَته جَازَ إِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُنْفَصِل عَنهُ فَإِن تحرّك بحركته فِي قيام أَو قعُود أَو غَيره كمنديل على عَاتِقه لم يجز فَإِن كَانَ مُتَعَمدا عَالما بطلت صلَاته أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا لم تبطل وَأعَاد السُّجُود وَلَو صلى من قعُود فَلم يَتَحَرَّك بحركته وَلَو صلى من قيام لتحرك لم يضر إِذْ الْعبْرَة بالحالة الراهنة
هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلم أر من ذكره وَخرج بِمُتَّصِل بِهِ مَا هُوَ فِي حكم الْمُنْفَصِل وَإِن تحرّك بحركته كعود بِيَدِهِ فَلَا يضر السُّجُود عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء وَلَو سجد على شَيْء فِي مَوضِع سُجُوده كورقة فالتصقت بجبهته وَارْتَفَعت مَعَه وَسجد عَلَيْهَا ثَانِيًا ضرّ وَإِن نحاها ثمَّ سجد لم يضر وَلَو سجد على عِصَابَة جرح أَو نَحوه لضَرُورَة بِأَن شقّ عَلَيْهِ إِزَالَتهَا لم تلْزمهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهَا إِذا لم تلْزمهُ مَعَ الْإِيمَاء للْعُذْر فَهَذَا أولى وَكَذَا لَو سجد على شعر نبت على جَبهته لِأَن مَا نبت عَلَيْهَا مثل بَشرته ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ
وَيجب وضع جُزْء من رُكْبَتَيْهِ وَمن بَاطِن كفيه وَمن بَاطِن أَصَابِع قَدَمَيْهِ فِي السُّجُود لخَبر الشَّيْخَيْنِ أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ
وَلَا يجب كشفها بل يكره كشف الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم
فرع لَو خلق لَهُ رأسان وَأَرْبع أيد وَأَرْبع أرجل هَل يجب عَلَيْهِ وضع بعض كل من الجبهتين وَمَا بعدهمَا أم لَا الَّذِي يظْهر أَنه ينظر فِي ذَلِك إِن عرف الزَّائِد فَلَا اعْتِبَار بِهِ وَإِلَّا اكْتفى فِي الْخُرُوج عَن عُهْدَة الْوَاجِب بِوَضْع بعض إِحْدَى الجبهتين وَبَعض يدين وركبتين وأصابع رجلَيْنِ إِن كَانَت كلهَا أَصْلِيَّة فَإِن اشْتبهَ الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ وَجب وضع جُزْء من كل مِنْهُمَا
(و) الْعَاشِر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي السُّجُود لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن يُصِيب مَحل سُجُوده ثقل رَأسه للْخَبَر الْمَار إِذا سجدت فمكن جبهتك
وَمعنى الثّقل أَن يتحامل بِحَيْثُ لَو فرض تَحْتَهُ قطن أَو حشيش لانكبس وَظهر أَثَره فِي يَد لَو فرضت تَحت ذَلِك وَلَا يعْتَبر هَذَا فِي بَقِيَّة الْأَعْضَاء كَمَا يُؤْخَذ من عبارَة الرَّوْضَة وَعبارَة التَّحْقِيق وَينْدب أَن يضع كفيه

(1/136)


حَذْو مَنْكِبَيْه وينشر أصابعهما مَضْمُومَة للْقبْلَة ويعتمد عَلَيْهِمَا وَيجب أَن يهوي لغير السُّجُود كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو سقط على وَجهه من الِاعْتِدَال وَجب الْعود إِلَيْهِ ليهوي مِنْهُ لانْتِفَاء المهوي فِي السُّقُوط فَإِن سقط من الْهَوِي لم يلْزمه الْعود بل يحْسب ذَلِك سجودا إِلَّا إِن قصد بِوَضْع الْجَبْهَة الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فَقَط فَإِنَّهُ يلْزمه إِعَادَة السُّجُود لوُجُود الصَّارِف
وَلَو سقط من الْهَوِي على جنبه فَانْقَلَبَ بنية السُّجُود أَو بِلَا نِيَّة أَو بنيته وَنِيَّة الاسْتقَامَة فَقَط وَسجد أَجزَأَهُ فَإِن نوى الاسْتقَامَة لم يجزه لوُجُود الصَّارِف بل يجلس ثمَّ يسْجد وَلَا يقوم ثمَّ يسْجد فَإِن قَامَ عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَإِن نوى مَعَ ذَلِك صرفه عَن السُّجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ زَاد فعلا لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة عَامِدًا
وَيجب فِي السُّجُود أَن ترْتَفع أسافله على أعاليه لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَححهُ ابْن حبَان فَلَو صلى فِي سفينة مثلا وَلم يتَمَكَّن من ارْتِفَاع ذَلِك لميلانها صلى على حسب حَاله وَلَزِمتهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهُ عذر نَادِر
نعم إِن كَانَ بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ مَعهَا السُّجُود إِلَّا كَذَلِك صَحَّ فَإِن أمكنه السُّجُود على وسَادَة بتنكيس لزمَه لحُصُول هَيْئَة السُّجُود بذلك أَو بِلَا تنكيس لم يلْزمه السُّجُود عَلَيْهَا لفَوَات هَيْئَة السُّجُود بل يَكْفِيهِ الانحناء الْمُمكن خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير
(و) الْحَادِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ) وَلَو فِي نفل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا فِيهِ رد على أبي حنيفَة حَيْثُ يَقُول يَكْفِي أَن يرفع رَأسه عَن الأَرْض أدنى رفع كَحَد السَّيْف
(و) الثَّانِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن لَا يقْصد بِرَفْعِهِ غَيره كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو رفع فَزعًا من شَيْء لم يكف وَيجب عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى السُّجُود وَيجب أَن لَا يطوله وَلَا الِاعْتِدَال لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ليسَا مقصودين لذاتهما بل للفصل وأكمله أَن يكبر بِلَا رفع يَد مَعَ رفع رَأسه من سُجُوده لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيجْلس مفترشا وَسَيَأْتِي بَيَانه لِلِاتِّبَاعِ وَاضِعا كفيه على فَخذيهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ تسامتهما رُؤُوس الْأَصَابِع ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود قَائِلا رب اغْفِر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وَعَافنِي لِلِاتِّبَاعِ ثمَّ يسْجد الثَّانِيَة كالأولى فِي الْأَقَل والأكمل
(و) الثَّالِث عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس الْأَخير) لِأَنَّهُ مَحل ذكر وَاجِب فَكَانَ وَاجِبا كالقيام لقِرَاءَة الْفَاتِحَة
(و) الرَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التَّشَهُّد فِيهِ) أَي الْجُلُوس الْأَخير لقَوْل ابْن مَسْعُود كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد السَّلَام على الله قبل عباده السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام على مِيكَائِيل السَّلَام على فلَان
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام وَلَكِن قُولُوا التَّحِيَّات لله

إِلَى آخِره
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالدّلَالَة فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا التَّعْبِير بِالْفَرْضِ
الثَّانِي الْأَمر بِهِ وَالْمرَاد فَرْضه فِي الْجُلُوس آخر الصَّلَاة وَأقله مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالا فِيهِ حسن صَحِيح التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَو أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَهل يجزىء وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله قَالَ الْأَذْرَعِيّ الصَّوَاب إجزاؤه لثُبُوته فِي تشهد ابْن مَسْعُود بِلَفْظ عَبده وَرَسُوله وَقد حكوا الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّشَهُّد بالروايات كلهَا وَلَا أعلم أحدا اشْترط لفظ عَبده
اه
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وأكمله التَّحِيَّات

(1/137)


المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
(و) الْخَامِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ) أَي التَّشَهُّد الْأَخير لقَوْله تَعَالَى {صلوا عَلَيْهِ} قَالُوا وَقد أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا لَا تجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين وُجُوبهَا فِيهَا وَالْقَائِل بِوُجُوبِهَا مرّة فِي غَيرهَا محجوج بِإِجْمَاع من قبله وَلِحَدِيث عرفنَا كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك
فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد

إِلَى آخِره مُتَّفق عَلَيْهِ
وَفِي رِوَايَة كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد

إِلَى آخِره
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
وَالْمُنَاسِب لَهَا من الصَّلَاة التَّشَهُّد آخرهَا فَتجب فِيهِ أَي بعده كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع
وَقد صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه فِي الْوتر كَمَا رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي مُسْنده وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي وَلم يُخرجهَا شَيْء عَن الْوُجُوب وَأما عدم ذكرهَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته فَمَحْمُول على أَنَّهَا كَانَت مَعْلُومَة لَهُ وَلِهَذَا لم يذكر لَهُ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس لَهُ وَالنِّيَّة وَالسَّلَام
وَإِذا وَجَبت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجب الْقعُود لَهَا بالتبعية وَلَا يُؤْخَذ وجوب الْقعُود لَهَا من عبارَة المُصَنّف وَأَقل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله
وأكملها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد
وَفِي بعض طرق الحَدِيث زِيَادَة على ذَلِك وَنقص
وَآل إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وأولادهما وَخص إِبْرَاهِيم بِالذكر لِأَن الرَّحْمَة وَالْبركَة لم يجتمعا لنَبِيّ غَيره أَي مِمَّن قبْلَة قَالَ تَعَالَى {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}
فَائِدَة كل الْأَنْبِيَاء من بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من وَلَده إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَأما إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن من نَسْله نَبِي إِلَّا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ مُحَمَّد بن أبي بكر الرَّازِيّ وَلَعَلَّ الْحِكْمَة فِي ذَلِك انْفِرَاده بالفضيلة فَهُوَ أفضل الْجَمِيع عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
والتحيات جمع تَحِيَّة وَهِي مَا يحيى بِهِ من سَلام وَغَيره وَالْقَصْد بذلك الثَّنَاء على الله تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالك لجَمِيع التَّحِيَّات من الْخلق وَمعنى المباركات الناميات والصلوات الصَّلَوَات الْخمس والطيبات الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالسَّلَام مَعْنَاهُ اسْم السَّلَام أَي اسْم الله عَلَيْك وعلينا أَي الْحَاضِرين من إِمَام ومأموم وملائكة وَغَيرهم
والعباد جمع عبد وَالصَّالِحِينَ جمع صَالح وَهُوَ الْقَائِم بِمَا عَلَيْهِ فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق عباده وَالرَّسُول هُوَ الَّذِي يبلغ خبر من أرْسلهُ وَحميد بِمَعْنى مَحْمُود ومجيد بِمَعْنى ماجد وَهُوَ من كمل شرفا وكرما
(و) السَّادِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التسليمة الأولى) لخَبر مُسلم تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم
قَالَ الْقفال الْكَبِير وَالْمعْنَى فِي السَّلَام أَن الْمُصَلِّي كَانَ مَشْغُولًا عَن النَّاس وَقد أقبل عَلَيْهِم قَالَه الْقفال وَأقله السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يجزىء عَلَيْهِم وَلَا تبطل بِهِ صلَاته لِأَنَّهُ دُعَاء لغَائِب وَلَا عَلَيْك وَلَا عَلَيْكُمَا وَلَا سلامي عَلَيْكُم وَلَا سَلام عَلَيْكُم فَإِن تعمد ذَلِك مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته
ويجزىء عَلَيْكُم السَّلَام مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن النَّص وأكمله السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله لِأَنَّهُ الْمَأْثُور
وَلَا تسن زِيَادَة وَبَرَكَاته كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَصَوَّبَهُ
(و) السَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة) وَيجب قرنها بالتسليمة الأولى (فِي قَول) فَإِن قدمهَا عَلَيْهَا أَو

(1/138)


أَخّرهَا عَنْهَا عَامِدًا بطلت صلَاته وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تجب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات وَلِأَن النِّيَّة السَّابِقَة منسحبة على جَمِيع الصَّلَاة وَلَكِن تسن خُرُوجًا من الْخلاف
(و) الثَّامِن عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (ترتيبها) أَي الْأَركان (كَمَا ذَكرْنَاهُ) فِي عَددهَا الْمُشْتَمل على قرن النِّيَّة بِالتَّكْبِيرِ وجعلهما مَعَ الْقِرَاءَة فِي الْقيام وَجعل التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقعُود
فالترتيب عِنْد من أطلقهُ مُرَاد فِيمَا عدا ذَلِك وَمِنْه الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا بعد التَّشَهُّد كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع كَمَا مر فَهِيَ مرتبَة وَغير مرتبَة باعتبارين
وَدَلِيل وجوب التَّرْتِيب الِاتِّبَاع كَمَا فِي الْأَخْبَار الصَّحِيحَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وعده من الْأَركان بِمَعْنى الْفُرُوض صَحِيح وَبِمَعْنى الْإِجْزَاء فِيهِ تَغْلِيب
وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف لعد الْوَلَاء من الْأَركان وصوره الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام بِعَدَمِ تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَابْن الصّلاح بِعَدَمِ طول الْفَصْل بعد سَلَامه نَاسِيا وَلم يعده الْأَكْثَرُونَ ركنا لكَونه كالجزء من الرُّكْن الْقصير أَو لكَونه أشبه بالتروك
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه الْوَلَاء وَالتَّرْتِيب شَرْطَانِ وَهُوَ أظهر من عدهما ركنين
اه
وَالْمَشْهُور عد التَّرْتِيب ركنا وَالْوَلَاء شرطا وَأما السّنَن فترتيب بَعْضهَا على بعض كالاستفتاح والتعوذ وترتيبها على الْفَرَائِض كالفاتحة وَالسورَة شَرط فِي الِاعْتِدَاد بهَا سنة لَا فِي صِحَة الصَّلَاة
فَإِن ترك تَرْتِيب الْأَركان عمدا بِتَقْدِيم ركن فعلي أَو سَلام كَأَن ركع قبل قِرَاءَته أَو سجد أَو سلم قبل رُكُوعه بطلت صلَاته أَو سَهَا فَمَا فعله بعد متروكه لَغْو لوُقُوعه فِي غير مَحَله فَإِن تذكر متروكه قبل فعل مثله فعله وَإِلَّا أَجزَأَهُ عَن متروكه وتدارك الْبَاقِي
نعم إِن لم يكن الْمثل من الصَّلَاة كسجود تِلَاوَة لم يجزه فَلَو علم فِي آخر صلَاته ترك سَجْدَة من رَكْعَة أخيرة سجد ثمَّ تشهد أَو من غَيرهَا أَو شكّ لزمَه رَكْعَة فيهمَا أَو علم فِي قيام ثَانِيَة مثلا ترك سَجْدَة من الأولى فَإِن كَانَ جلس بعد سجدته الَّتِي فعلهَا سجد من قِيَامه وَإِلَّا فليجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد أَو علم فِي آخر ربَاعِية ترك سَجْدَتَيْنِ أَو ثَلَاث جهل مَحل الْخمس فيهمَا وَجب رَكْعَتَانِ أَو أَربع جهل محلهَا وَجب سَجْدَة ثمَّ رَكْعَتَانِ أَو خمس أَو سِتّ جهل محلهَا فَثَلَاث أَو سبع جهل محلهَا فسجدة ثمَّ ثَلَاث وَفِي ثَمَانِي سَجدَات سَجْدَتَانِ وَثَلَاث رَكْعَات وَيتَصَوَّر ذَلِك بترك طمأنينة أَو سُجُود على عِمَامَة وكالعلم بترك مَا ذكر الشَّك فِيهِ
القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة قبل الدُّخُول فِيهَا وَلما فرغ من الْأَركان شرع فِي ذكر السّنَن فَقَالَ (وسننها) أَي الْمَكْتُوبَة (قبل الدُّخُول فِيهَا) أَي قبل التَّلَبُّس بهَا (شَيْئَانِ) الأول (الْأَذَان) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَة الْإِعْلَام قَالَ تَعَالَى {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} أَي أعلمهم بِهِ
وَشرعا قَول مَخْصُوص يعلم بِهِ وَقت الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم

(1/139)


(و) الثَّانِي (الْإِقَامَة) فِي الأَصْل مصدر أَقَامَ وَسمي الذّكر الْمَخْصُوص بِهِ لِأَنَّهُ يُقيم إِلَى الصَّلَاة
وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان بِالْإِجْمَاع فهما سنة للمكتوبة دون غَيرهَا من الصَّلَوَات كالسنن وَصَلَاة الْجِنَازَة والمنذورة لعدم ثبوتهما فِيهِ بل يكرهان فِيهِ كَمَا صرح بِهِ صَاحب الْأَنْوَار ويشرع الْأَذَان فِي أذن الْمَوْلُود الْيُمْنَى وَالْإِقَامَة فِي الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْعَقِيقَة
ويشرع الْأَذَان أَيْضا إِذا تغولت الغيلان أَي تمردت الجان لخَبر صَحِيح ورد فِيهِ وَينْدب الْأَذَان للمنفرد وَأَن يرفع صَوته بِهِ إِلَّا بِموضع وَقعت فِيهِ جمَاعَة
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَانْصَرفُوا وَيُؤذن للأولى فَقَط من صلوَات والاها ومعظم الْأَذَان مثنى ومعظم الْإِقَامَة فُرَادَى
وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر الصَّحِيحَيْنِ أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَالْمرَاد مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ
وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة كلمة وَالْأَذَان كَلِمَاته تسع عشرَة كلمة بالترجيع وَيسن الْإِسْرَاع بِالْإِقَامَةِ مَعَ بَيَان حروفها فَيجمع بَين كل كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْت والكلمة الْأَخِيرَة بِصَوْت والترتيل فِي الْأَذَان فَيجمع بَين كل تكبيرتين بِصَوْت ويفرد بَاقِي كَلِمَاته لِلْأَمْرِ بذلك كَمَا أخرجه الْحَاكِم
وَيسن الترجيع فِي الْأَذَان وَهُوَ أَن يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ سرا قبل أَن يَأْتِي بهما جَهرا والتثويب فِي أَذَان الصُّبْح وَهُوَ قَوْله بعد الحيعلتين الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ وَيسن الْقيام فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة على عَال إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ والتوجه للْقبْلَة وَأَن يلْتَفت بعنقه فيهمَا يَمِينا مرّة فِي حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ فِي الْأَذَان وَمرَّة فِي الْإِقَامَة وَشمَالًا فِي حَيّ على الْفَلاح كَذَلِك من غير تَحْويل صَدره عَن الْقبْلَة وقدميه عَن مكانهما وَأَن يكون كل من الْمُؤَذّن والمقيم عدلا فِي الشَّهَادَة عالي الصَّوْت حسنه وَكرها من فَاسق وَصبي مُمَيّز وأعمى وَحده وجنب ومحدث وَالْكَرَاهَة لجنب أَشد وَهِي فِي الْإِقَامَة أغْلظ
القَوْل فِي شُرُوط الْأَذَان والإمامة وَيشْتَرط فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة التَّرْتِيب وَالْوَلَاء بَين

(1/140)


كلماتهما ولجماعة جهر وَدخُول وَقت الْأَذَان صبح فَمن نصف اللَّيْل
وَيشْتَرط فِي الْمُؤَذّن والمقيم الْإِسْلَام والتمييز ولغير النِّسَاء الذُّكُورَة وَيسن مؤذنان لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوه وَمن فوائدهما أَن يُؤذن وَاحِد للصبح قبل الْفجْر وَآخر بعده وَيسن لسامع الْمُؤَذّن والمقيم أَن يَقُول مثل قَوْلهمَا إِلَّا فِي حيعلات وتثويب وكلمتي الْإِقَامَة فيحوقل فِي كل كلمة فِي الأولى وَيَقُول فِي الثَّانِيَة صدقت وبررت وَفِي الثَّالِثَة أَقَامَهَا الله وأدامها وَجَعَلَنِي من صالحي أَهلهَا
وَيسن لكل من مُؤذن ومقيم وسامع ومستمع أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته
تَنْبِيه الْأَذَان وَحده أفضل من الْإِمَامَة وَقيل إِن الْأَذَان مَعَ الْإِقَامَة أفضل من الْإِمَامَة وَصحح النَّوَوِيّ هَذَا فِي نكته
القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة بعد الدُّخُول فِيهَا وَتسَمى الأبعاض (و) سننها أَي الصَّلَاة مُطلقًا (بعد الدُّخُول فِيهَا) أبعاض وهيئات فأبعاضها ثَمَانِيَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (شَيْئَانِ) الأول (التَّشَهُّد الأول) كُله أَو بعضه
(و) الثَّانِي الْقُنُوت (فِي) ثَانِيَة (الصُّبْح) كُله أَو بعضه وَمحل الِاقْتِصَار على الصُّبْح من بَقِيَّة الصَّلَوَات الْخمس فِي حَال الْأَمْن فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة لَا نزلت اسْتحبَّ فِي سَائِر الصَّلَوَات وَلَكِن لَيْسَ هَذَا من الأبعاض وَهُوَ اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت وَلَا يعز من عاديت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت لِلِاتِّبَاعِ
(و) كَذَا (فِي) اعْتِدَال رَكْعَة (الْوتر فِي) جَمِيع (النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان) سَوَاء أصلى التَّرَاوِيح أم لَا وَهُوَ كقنوت الصُّبْح

(1/141)


فِي أَلْفَاظه وجبره بِالسُّجُود وَيسن للمنفرد ولإمام قوم مَحْصُورين رَضوا بالتطويل أَن يَقُول بعده قنوت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك
ونتوب إِلَيْك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله نشكرك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك واللهم إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك وَإِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق (اللَّهُمَّ عذب الْكَفَرَة أهل الْكتاب الَّذِي يصدون عَن سَبِيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك واللهم اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات وَأصْلح ذَات بَينهم ومواصلاتهم ألف بَين قُلُوبهم واجمع فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة وثبتهم على مِلَّة رَسُولك وأوزعهم أَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ وانصرهم على عَدوك وعدوهم إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم)
وَهُوَ مَشْهُور وَقد ذكرته فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره
وَالْبَعْض الثَّالِث الْقعُود للتَّشَهُّد الأول وَالْمرَاد بالتشهد الأول اللَّفْظ الْوَاجِب فِي التَّشَهُّد الْأَخير دون مَا هُوَ فِيهِ سنة
وَالرَّابِع الْقيام للقنوت الرَّاتِب
وَالْخَامِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد الأول
وَالسَّادِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْقُنُوت
وَالسَّابِع الصَّلَاة على الْآل بعد الْقُنُوت
وَالثَّامِن الصَّلَاة على الْآل بعد التَّشَهُّد الْأَخير
وَظَاهر أَن الْقعُود للصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد الأول وللصلاة على الْآل بعد الْأَخير كالقعود للْأولِ وَأَن الْقيام لَهما بعد الْقُنُوت كالقيام لَهُ فتزيد الأبعاض بذلك
وَسميت هَذِه السّنَن أبعاضا لقربها بالجبر بِالسُّجُود من الأبعاض الْحَقِيقَة أَي الْأَركان وَخرج بهَا بَقِيَّة السّنَن كأذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود فَلَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود
وَلَا تسن الصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الأول خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين
القَوْل فِي هيئات الصَّلَاة وَهِي السّنَن غير الأبعاض (وهيئاتها) جمع هَيْئَة وَالْمرَاد بهَا هُنَا مَا عدا الأبعاض من السّنَن الَّتِي لَا تجبر بِالسُّجُود وَهِي كَثِيرَة وَالْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة عشر خصْلَة) الأولى (رفع الْيَدَيْنِ) أَي رفع كفيه للْقبْلَة مكشوفتين منشورتي الْأَصَابِع مفرقة وسطا (عِنْد) ابْتِدَاء (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) مُقَابل مَنْكِبَيْه بِأَن تحاذي أَطْرَاف أصابعهما أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه (وَعند) الْهَوِي إِلَى (الرُّكُوع و) عِنْد (الرّفْع مِنْهُ) وَعند الْقيام إِلَى الثَّالِثَة من التَّشَهُّد الأول كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع وَفِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَجزم بِهِ فِي شرح مُسلم أَيْضا
(و) الثَّانِيَة (وضع) بطن كف (الْيَمين على) ظهر (الشمَال) بِأَن يقبض فِي قيام أَو بدله بِيَمِين كوع يسَاره وَبَعض ساعدها ورسغها تَحت صَدره فَوق سرته لِلِاتِّبَاعِ وَقيل يتَخَيَّر بَين بسط أَصَابِع الْيَمين فِي عرض الْمفصل وَبَين نشرها صوب الساعد
وَالْقَصْد من الْقَبْض الْمَذْكُور تسكين الْيَدَيْنِ فَإِن أرسلهما وَلم يعبث فَلَا بَأْس
والكوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الْيَد والبوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الرجل
يُقَال الغبي هُوَ الَّذِي لَا يعرف كوعه من بوعه
والرسغ هُوَ الْمفصل بَين الْكَفّ والساعد
(و) الثَّالِثَة دُعَاء (التَّوَجُّه) نَحْو {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين} {إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين} لِلِاتِّبَاعِ
فَائِدَة معنى {وجهت وَجْهي}

(1/142)


أَي أَقبلت بوجهي وَقيل قصدت بعبادتي
وَمعنى {فطر} ابْتَدَأَ الْخلق على غير مِثَال والحنيف المائل إِلَى الْحق وَعند الْعَرَب من كَانَ على مِلَّة إِبْرَاهِيم والمحيا وَالْمَمَات الْحَيَاة وَالْمَوْت والنسك الْعِبَادَة
(و) الرَّابِعَة (الِاسْتِعَاذَة) للْقِرَاءَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} أَي إِذا أردْت قِرَاءَته فَقل أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم يَقُول ذَلِك فِي كل رَكْعَة لِأَنَّهُ يبتدىء فِيهَا قِرَاءَة وَفِي الأولى آكِد للاتفاق عَلَيْهَا
فَائِدَة الشَّيْطَان اسْم لكل متمرد مَأْخُوذ من شطن إِذا بعد وَقيل من شاط إِذا احْتَرَقَ
والرجيم المطرود وَقيل المرجوم
وَيسن الْإِسْرَار بِدُعَاء الِافْتِتَاح والتعوذ فِي السّريَّة والجهرية كَسَائِر الْأَذْكَار المسنونة
(و) الْخَامِسَة (الْجَهْر) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعه) فَيسنّ لغير الْمَأْمُوم أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْح وأولتي العشاءين وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وخسوف الْقَمَر وَالِاسْتِسْقَاء
والتراويح ووتر رَمَضَان وركعتي الطّواف لَيْلًا أَو وَقت الصُّبْح (والإسرار) بهَا (فِي مَوْضِعه) فيسر فِي غير مَا ذكر إِلَّا فِي نَافِلَة اللَّيْل الْمُطلقَة فيتوسط فِيهَا بَين الْإِسْرَار والجهر إِن لم يشوش على نَائِم أَو مصل أَو نَحوه
وَمحل الْجَهْر والتوسط فِي الْمَرْأَة حَيْثُ لَا يسمع أَجْنَبِي
وَوَقع فِي الْمَجْمُوع مَا يُخَالِفهُ فِي الْخُنْثَى وأجبت عَنهُ فِي شرح الْمِنْهَاج
وَالْعبْرَة فِي الْجَهْر والإسرار فِي الْفَرِيضَة المقضية بِوَقْت الْقَضَاء لَا بِوَقْت الْأَدَاء
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن يلْحق بهَا الْعِيد وَالْأَشْبَه خِلَافه كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْمَجْمُوع فِي بَاب صفة صَلَاة الْعِيدَيْنِ قبيل بَاب التَّكْبِير عملا بِأَصْل أَن الْقَضَاء يَحْكِي الْأَدَاء وَلِأَن الشَّرْع ورد بالجهر بِصَلَاتِهِ فِي مَحل الْإِسْرَار فيستصحب
(و) السَّادِسَة (التَّأْمِين) عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها لِلِاتِّبَاعِ بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر فآمين اسْم فعل بِمَعْنى استجب مَبْنِيّ على الْفَتْح وتخفف الْمِيم فِيهِ وَلَو شدده لم تبطل الصلاته لقصده الدُّعَاء
وَيسن فِي جهرية جهر بهَا وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
فَائِدَة فِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ حِكَايَة أَقْوَال كَثِيرَة فِي آمين من أحْسنهَا قَول وهب بن مُنَبّه آمين أَرْبَعَة أحرف يخلق الله تَعَالَى من كل حرف ملكا يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لمن يَقُول آمين
وَخرج ب فِي جهرية السّريَّة فَلَا جهر بالتأمين فِيهَا وَلَا معية بل يُؤمن الإِمَام وَغَيره سرا مُطلقًا
(و) السَّابِعَة (قِرَاءَة السُّورَة) وَلَو قَصِيرَة (بعد) قِرَاءَة (الْفَاتِحَة) فِي رَكْعَتَيْنِ أوليين لغير الْمَأْمُوم من إِمَام ومنفرد جهرية كَانَت

(1/143)


الصَّلَاة أَو سَرِيَّة لِلِاتِّبَاعِ
أما الْمَأْمُوم فَلَا تسن لَهُ السُّورَة إِن سمع للنَّهْي عَن قِرَاءَته لَهَا بل يستمع قِرَاءَة إِمَامه فَإِن لم يسْمعهَا لصمم أَو بعد أَو سَماع صَوت لم يفهمهُ أَو إسرار إِمَامه وَلَو فِي جهرية قَرَأَ سُورَة إِذْ لَا معنى لسكوته فَإِن سبق الْمَأْمُوم بأوليين من صَلَاة إِمَامه بِأَن لم يدركهما مَعَه قَرَأَهَا فِي بَاقِي صلَاته إِذا تَدَارُكه إِن لم يكن قَرَأَهَا فِيمَا أدْركهُ وَإِلَّا سَقَطت عَنهُ لكَونه مَسْبُوقا لِئَلَّا تَخْلُو صلَاته عَن السُّورَة بِلَا عذر
وَيسن أَن يطول من تسن لَهُ السُّورَة قِرَاءَة أولى على ثَانِيَة لِلِاتِّبَاعِ
نعم إِن ورد نَص بتطويل الثَّانِيَة اتبع كَمَا فِي مَسْأَلَة الزحام أَنه يسن للْإِمَام تَطْوِيل الثَّانِيَة ليلحقه منتظر السُّجُود وَيسن لمنفرد وَإِمَام مَحْصُورين فِي صبح طوال الْمفصل وَفِي ظهر قريب مِنْهَا وَفِي عصر وعشاء أوساطه وَفِي مغرب قصاره وَفِي صبح جُمُعَة فِي أولى {الم تَنْزِيل} وَفِي الثَّانِيَة {هَل أَتَى} لِلِاتِّبَاعِ
(و) الثَّامِنَة (التَّكْبِيرَات عِنْد) ابْتِدَاء (الْخَفْض) لركوع وَسُجُود (و) عِنْد ابْتِدَاء (الرّفْع) من السُّجُود ويمده إِلَى انْتِهَاء الْجُلُوس وَالْقِيَام
(و) التَّاسِعَة (قَول سمع الله لمن حَمده) أَي تقبل الله مِنْهُ حَمده وَلَو قَالَ من حمد الله سمع لَهُ كفى (و) قَول (رَبنَا لَك الْحَمد) أَو (اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد) وبواو فيهمَا قبل (لَك) ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد أَي بعدهمَا كالكرسي {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَأَن يزِيد مُنْفَرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل
أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد أَي الْغَنِيّ مِنْك أَي عنْدك الْجد لِلِاتِّبَاعِ
ويجهر الإِمَام بسمع الله لمن حَمده وَيسر بربنا لَك الْحَمد وَيسر غَيره بهما
نعم الْمبلغ يجْهر بِمَا يجْهر بِهِ الإِمَام وَيسر بِمَا يسر بِهِ كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ ناقل وَتَبعهُ عَلَيْهِ جمع من شارحي الْمِنْهَاج وَبَالغ بَعضهم فِي التشنيع على تَارِك الْعَمَل بِهِ بل استحسنه فِي الْمُهِمَّات وَقَالَ يَنْبَغِي مَعْرفَتهَا لِأَن غَالب عمل النَّاس على خِلَافه اه
وَترك هَذَا من جهل الْأَئِمَّة والمؤذنين
(و) الْعَاشِرَة (التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لِلِاتِّبَاعِ
وَتكره الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَغَيره من بَقِيَّة الْأَركان غير الْقيام كَمَا فِي الْمَجْمُوع
(و) الْحَادِيَة عشرَة التَّسْبِيح فِي (السُّجُود) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ
وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك امنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ
وَيسن الدُّعَاء فِي السُّجُود لخَبر مُسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء أَي فِي سُجُودكُمْ
وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص الْعَظِيم بِالرُّكُوعِ والأعلى بِالسُّجُود كَمَا فِي الْمُهِمَّات أَن الْأَعْلَى أفعل تَفْضِيل وَالسُّجُود فِي غَايَة التَّوَاضُع

(1/144)


لما فِيهِ من وضع الْجَبْهَة الَّتِي هِيَ أشرف الْأَعْضَاء على مواطىء الْأَقْدَام وَلِهَذَا كَانَ أفضل من الرُّكُوع فَجعل الأبلغ مَعَ الأبلغ انْتهى
(و) الثَّانِيَة عشرَة (وضع) رُؤُوس أَصَابِع (الْيَدَيْنِ على) طرف (الفخذين) فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود وَفِي التَّشَهُّد الأول وَفِي الْأَخير (يبسط) يَده (الْيُسْرَى) مَعَ ضم أصابعها فِي تشهده إِلَى جِهَة الْقبْلَة بِأَن لَا يفرج بَينهَا لتتوجه كلهَا إِلَى الْقبْلَة (وَيقبض) أَصَابِع يَده (الْيُمْنَى) كلهَا (إِلَّا المسبحة) وَهِي بِكَسْر الْبَاء الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يرسلها و (يُشِير بهَا) أَي يرفعها مَعَ إمالتها قَلِيلا حَال كَونه (متشهدا) عِنْد قَوْله إِلَّا الله لِلِاتِّبَاعِ
ويديم رَفعهَا ويقصد من ابْتِدَائه بِهَمْزَة إِلَّا الله أَن المعبود وَاحِد فَيجمع فِي توحيده بَين اعْتِقَاده وَقَوله وَفعله
وَلَا يحركها لِلِاتِّبَاعِ فَلَو حركها كره وَلم تبطل صلَاته وَالْأَفْضَل قبض الْإِبْهَام بجنبها بِأَن يَضَعهَا تحتهَا على طرف رَاحَته لِلِاتِّبَاعِ فَلَو أرسلها مَعهَا أَو قبضهَا فَوق الْوُسْطَى أَو حلق بَينهمَا أَو وضع أُنْمُلَة الْوُسْطَى بَين عقدتي الْإِبْهَام أَتَى بِالسنةِ لَكِن مَا ذكر أفضل
(و) الثَّالِثَة عشرَة (الافتراش) بِأَن يجلس على كَعْب يسراه بِحَيْثُ يَلِي ظهرهَا الأَرْض وَينصب يمناه وَيَضَع أَطْرَاف أَصَابِعه مِنْهَا للْقبْلَة يفعل ذَلِك (فِي جَمِيع الجلسات) الْخمس وَهِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وجلوس الْمَسْبُوق وجلوس الساهي وجلوس الْمُصَلِّي قَاعِدا للْقِرَاءَة
(و) الرَّابِعَة عشرَة (التورك) وَهُوَ كالافتراش لَكِن يخرج يسراه من جِهَة يَمِينه ويلصق وركه للْأَرْض لِلِاتِّبَاعِ (فِي الجلسة الْأَخِيرَة) فَقَط وحكمته التَّمْيِيز بَين جُلُوس التشهدين ليعلم الْمَسْبُوق حَالَة الإِمَام
(و) الْخَامِسَة عشرَة (التسليمة الثَّانِيَة) على الْمَشْهُور فِي الرَّوْضَة إِلَّا أَن يعرض لَهُ عقب الأولى مَا يُنَافِي صلَاته فَيجب الِاقْتِصَار على الأولى وَذَلِكَ كَأَن خرج وَقت الْجُمُعَة بعد الأولى أَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح أَو شكّ فِيهَا أَو تخرق الْخُف أَو نوى الْقَاصِر الْإِقَامَة أَو انكشفت عَوْرَته أَو سقط عَلَيْهِ نجس لَا يُعْفَى عَنهُ أَو تبين لَهُ خَطؤُهُ فِي الِاجْتِهَاد أَو عتقت أمة مكشوفة الرَّأْس وَنَحْوه أَو وجد العاري ستْرَة
وَيسن إِذا أَتَى بالتسليمتين أَن يفصل بَينهمَا كَمَا صرح بِهِ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء وَأَن تكون الأولى يَمِينا وَالْأُخْرَى شمالا
ملتفتا فِي التسليمة الأولى حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْمن فَقَط وَفِي التسليمة الثَّانِيَة حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْسَر كَذَلِك فيبتدىء بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ يلْتَفت وَيتم سَلَامه بِتمَام التفاته نَاوِيا السَّلَام على من الْتفت هُوَ إِلَيْهِ من مَلَائِكَة ومؤمني إنس وجن فينويه بِمرَّة الْيَمين على من عَن يَمِينه وبمرة الْيَسَار على من عَن يسَاره وينويه على من خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأولَى أولى وَيَنْوِي مَأْمُوم الرَّد على من سلم عَلَيْهِ من إِمَام ومأموم فينويه من على يَمِين الْمُسلم بالتسليمة الثَّانِيَة وَمن على يسَاره بالتسليمة الأولى وَمن خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيسن للْمَأْمُوم كَمَا فِي التَّحْقِيق أَن لَا يسلم إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من تسليمتيه

(1/145)