الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الصُّلْح
وَمَا يذكر من إشراع الروشن فِي الطَّرِيق وَالصُّلْح لُغَة قطع النزاع وَشرعا عقد يحصل بِهِ ذَلِك وَهُوَ أَنْوَاع صلح بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وَبَين الإِمَام والبغاة وَبَين الزَّوْجَيْنِ عِنْد الشقاق وَصلح فِي الْمُعَامَلَات وَهُوَ المُرَاد هُنَا
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْح خير} وَخبر الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَلَفظه يتَعَدَّى للمتروك بِمن وَعَن وللمأخوذ بعلى وَالْبَاء غَالِبا وَهُوَ قِسْمَانِ صلح على إِقْرَار وَصلح على إِنْكَار
وَقد بَدَأَ بالقسم الأل فَقَالَ (وَيصِح الصُّلْح مَعَ الْإِقْرَار فِي الْأَمْوَال) الثَّابِتَة فِي الذِّمَّة فَلَا يَصح على غير إِقْرَار من إِنْكَار أَو سكُوت كَمَا قَالَه فِي الْمطلب عَن سليم الرَّازِيّ وَغَيره كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا فَأنْكر أَو سكت ثمَّ تصالحا عَلَيْهَا أَو على بَعْضهَا أَو على غير ذَلِك كَثوب أَو دين لِأَنَّهُ فِي الصُّلْح على غير الْمُدَّعِي بِهِ صلح محرم للْحَلَال إِن كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقا لتَحْرِيم الْمُدَّعِي بِهِ أَو بعضه عَلَيْهِ أَو مُحَلل لحرام إِن كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا بِأَخْذِهِ مَا لَا يسْتَحقّهُ
وَيلْحق بذلك الصُّلْح على الْمُدعى بِهِ أَو بعضه فَقَوْل الْمِنْهَاج إِن جري

(2/304)


على نفس الْمُدعى بِهِ صَحِيح وَإِن لم يكن فِي الْمُحَرر وَلَا غَيره من كتب الشَّيْخَيْنِ
وَالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيم لِأَن على وَالْبَاء يدخلَانِ على الْمَأْخُوذ وَمن وَعَن على الْمَتْرُوك مَرْدُود بِأَن ذَلِك جري على الْغَالِب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَبِأَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور مَأْخُوذ ومتروك باعتبارين غَايَته أَن إِلْغَاء الصُّلْح فِي ذَلِك للإنكار ولفساد الصِّيغَة باتحاد الْعِوَضَيْنِ
وَقَوله صالحني عَمَّا تدعيه لَيْسَ إِقْرَارا لِأَنَّهُ قد يُرِيد بِهِ قطع الْخُصُومَة وَيسْتَثْنى من بطلَان الصُّلْح على الْإِنْكَار مسَائِل مِنْهَا اصْطِلَاح الْوَرَثَة فِيمَا وقف بَينهم إِذا لم يبْذل أحدهم عوضا من خَالص ملكه وَمِنْهَا مَا إِذا أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة وَمَات قبل الِاخْتِيَار أَو طلق إِحْدَى زوجتيه وَمَات قبل الْبَيَان أَو التَّعْيِين ووقف الْمِيرَاث بَينهُنَّ فاصطلحن وَمِنْهَا مَا لَو تداعيا وَدِيعَة عِنْد رجل فَقَالَ لَا أعلم لأيكما هِيَ أَو دَارا فِي يدهما وَأقَام كل بَيِّنَة ثمَّ اصطلحا وَإِذا تصالحا ثمَّ اخْتلفَا فِي أَنَّهُمَا تصالحا على إِقْرَار أَو إِنْكَار فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن القَوْل قَول مدعي الْإِنْكَار لِأَن الأَصْل أَن لَا عقد وَلَو أُقِيمَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بعد الْإِنْكَار جَازَ الصُّلْح كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن لُزُوم الْحق بِالْبَيِّنَةِ كلزومه بِالْإِقْرَارِ
وَلَو أقرّ ثمَّ أنكر جَازَ الصُّلْح وَلَو أنكر فصولح ثمَّ أقرّ كَانَ الصُّلْح بَاطِلا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
(و) يَصح الصُّلْح أَيْضا فِي كل (مَا يُفْضِي) أَي يؤول (إِلَيْهَا) أَي الْأَمْوَال كالعفو عَن الْقصاص كمن ثَبت لَهُ على شخص قصاص فَصَالحه عَلَيْهِ على مَال بِلَفْظ الصُّلْح كصالحتك من كَذَا على مَا تستحقه عَليّ من قصاص فَإِنَّهُ يَصح أَو بِلَفْظ البيع فَلَا
القَوْل فِي أَنْوَاع الصُّلْح (وَهُوَ) أَي الصُّلْح ضَرْبَان صلح عَن دين وَصلح عَن عين وكل مِنْهُمَا (نَوْعَانِ) فَالْأول من نَوْعي الدّين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (إِبْرَاء) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه
وَالثَّانِي من نَوْعي الدّين وَتَركه المُصَنّف اختصارا مُعَاوضَة وَهُوَ الْجَارِي على غير الْعين المدعاة
فَإِن صَالح عَن بعض أَمْوَال الرِّبَا على مَا يُوَافقهُ فِي الْعلَّة اشْترط قبض الْعِوَض فِي الْمجْلس وَلَا يشْتَرط تَعْيِينه فِي نفس الصُّلْح على الْأَصَح وَإِن لم يكن العوضان ربوبين فَإِن كَانَ الْعِوَض عينا صَحَّ الصُّلْح وَإِن لم يقبض فِي الْمجْلس وَإِن كَانَ دينا صَحَّ على الْأَصَح وَيشْتَرط تَعْيِينه فِي الْمجْلس
وَالنَّوْع الأول من نَوْعي الْعين وَتَركه المُصَنّف اختصارا صلح الحطيطة وَهُوَ الْجَارِي على بعض الْعين المدعاة كمن صَالح من دَار على بَعْضهَا أَو من ثَوْبَيْنِ على أَحدهمَا وَهَذَا هبة لبَعض الْعين المدعاة لمن هُوَ فِي يَده فَيشْتَرط لصِحَّته الْقبُول ومضي مُدَّة إِمْكَان الْقَبْض
وَيصِح فِي الْبَعْض الْمَتْرُوك بِلَفْظ الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وشبههما وَكَذَا بِلَفْظ الصُّلْح على الْأَصَح كصالحتك من الدَّار على ربعهَا وَلَا يَصح بِلَفْظ البيع لعدم الثّمن
(و) الثَّانِي من نَوْعي الْعين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (مُعَاوضَة) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه
القَوْل فِي صلح الْإِبْرَاء (فالإبراء) الَّذِي هُوَ النَّوْع الأول من نَوْعي الدّين (اقْتِصَاره من حَقه) من الدّين الْمُدعى بِهِ

(2/305)


(على بعضه) وَيُسمى صلح الحطيطة وَيصِح بِلَفْظ الْإِبْرَاء والحط وَنَحْوهمَا كالوضع والإسقاط لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن كَعْب بن مَالك طلب من عبد الله بن أبي حَدْرَد رَضِي الله عَنْهُمَا دينا لَهُ عَلَيْهِ فارتفعت أصواتهما فِي الْمَسْجِد حَتَّى سمعهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج إِلَيْهِمَا ونادى يَا كَعْب فَقَالَ لبيْك يَا رَسُول الله فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن ضع الشّطْر فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُم فاقضه وَإِذا جرى ذَلِك بِصِيغَة الْإِبْرَاء كأبرأتك من خَمْسمِائَة من الْألف الَّذِي لي عَلَيْك أَو نَحْوهَا مِمَّا تقدم كوضعتها أَو أسقطتها عَنْك لَا يشْتَرط الْقبُول على الْمَذْهَب سَوَاء أقلنا الْإِبْرَاء إِسْقَاط أم تمْلِيك
وَكَونه إِسْقَاطًا وتمليكا اخْتِلَاف تَرْجِيح أوضحته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
وَيصِح بِلَفْظ الصُّلْح فِي الْأَصَح كصالحتك عَن الْألف الَّذِي لي عَلَيْك على خَمْسمِائَة وَهل يشْتَرط الْقبُول فِي هَذِه الْحَالة فِيهِ خلاف مدركه مُرَاعَاة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى وَالأَصَح مَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطه وَلَا يَصح هُنَا الصُّلْح بِلَفْظ البيع كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْح عَن الْعين (وَلَا يجوز) أَي وَلَا يَصح (فعله) أَي تَعْلِيق الصُّلْح بِمَعْنى الْإِبْرَاء (على شَرط) كَقَوْلِه إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد صالحتك
القَوْل فِي صلح الْمُعَاوضَة (والمعاوضة) الَّذِي هُوَ النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الْعين (عدوله عَن حَقه) الْمُدعى بِهِ (إِلَى غَيره) كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَو شِقْصا مِنْهَا فَأقر لَهُ بذلك وَصَالَحَهُ مِنْهُ على ثوب أَو نَحْو ذَلِك كَعبد صَحَّ (وَيجْرِي عَلَيْهِ) أَي عى هَذَا الصُّلْح (حكم البيع) من الرَّد بِعَيْب وَثُبُوت الشُّفْعَة وَمنع تصرفه فِي الْمصَالح عَلَيْهِ قبل قَبضه وفساده بالغرر والجهالة والشروط الْفَاسِدَة إِلَى غير ذَلِك سَوَاء أعقد بِلَفْظ الصُّلْح أم بِغَيْرِهِ لِأَن حد البيع يصدق على ذَلِك
وَلَو صَالح من الْعين على دين فَإِن كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة فَهُوَ بيع أَيْضا وَإِن كَانَ عبدا أَو ثوبا مثلا مَوْصُوفا بِصفة السّلم فَهُوَ سلم تثبت فِيهِ أَحْكَامه وَإِن صَالح من الْعين المدعاة على منفعَته لغير الْعين المدعاة كخدمة عبد مُدَّة مَعْلُومَة فإجارة تثبت أَحْكَام الْإِجَارَة فِي ذَلِك لِأَن حد الْإِجَارَة صَادِق عَلَيْهِ فَإِن صَالح على مَنْفَعَة الْعين فَهُوَ عَارِية تثبت أَحْكَام الْعَارِية فِيهَا فَإِن عين مُدَّة فإعارة مُؤَقَّتَة وَإِلَّا فمطلقة
وَلَو قَالَ صالحني عَن دَارك مثلا بِكَذَا من غير سبق خُصُومَة فَأَجَابَهُ فَالْأَصَحّ بُطْلَانه لِأَن لفظ الصُّلْح يَسْتَدْعِي سبق الْخُصُومَة سَوَاء كَانَت عِنْد حَاكم أم لَا
تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن أَقسَام الصُّلْح سَبْعَة البيع وَالْإِجَارَة وَالْعَارِية وَالْهِبَة وَالسّلم وَالْإِبْرَاء والمعاوضة من دم الْعمد
وَبَقِي مِنْهَا أَشْيَاء أخر مِنْهَا الْخلْع كصالحتك من كَذَا على أَن تُطَلِّقنِي طَلْقَة
وَمِنْهَا الْجعَالَة كصالحتك من كَذَا على رد عَبدِي
وَمِنْهَا الْفِدَاء كَقَوْلِه لحربي صالحتك من كَذَا على إِطْلَاق هَذَا الْأَسير
وَمِنْهَا الْفَسْخ كَأَن صَالح من الْمُسلم فِيهِ على رَأس المَال
تَتِمَّة لَو صَالح من دين حَال على مُؤَجل مثله أَو صَالح من مُؤَجل على حَال مثله لَغَا الصُّلْح لِأَنَّهُ وعد فِي الأولى من الدَّائِن بإلحاق الْأَجَل وَصفَة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها وَفِي الثَّانِيَة وعد من الْمَدْيُون بِإِسْقَاط الْأَجَل وَهُوَ لَا يسْقط فَلَو صَالح من عشرَة حَالَة على خَمْسَة مُؤَجّلَة برىء من خَمْسَة وَبَقِي خَمْسَة حَالَة لِأَنَّهُ سامح بحط الْبَعْض ووعد بتأجيل الْبَاقِي والوعد لَا يلْزم والحط

(2/306)


صَحِيح
وَلَو عكس بِأَن صَالح من عشرَة مُؤَجّلَة على خَمْسَة حَالَة لَغَا الصُّلْح لِأَن صفة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها والخمسة الْأُخْرَى إِنَّمَا تَركهَا فِي مُقَابلَة ذَلِك فَإِذا لم يحصل الْحُلُول لَا يَصح التّرْك
القَوْل فِي الروشن وَحكمه (وَيجوز للْإنْسَان أَن يشرع) بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه أَي يخرج (روشنا) أَي جنَاحا وَهُوَ الْخَارِج من نَحْو الْخشب وساباطا وَهُوَ السَّقِيفَة على حائطين وَالطَّرِيق بَينهمَا (فِي طَرِيق نَافِذ) ويعبر عَنهُ بالشارع وَقيل بَينه وَبَين الطَّرِيق اجْتِمَاع وافتراق لِأَنَّهُ يخْتَص بالبنيان وَلَا يكون إِلَّا نَافِذا وَالطَّرِيق يكون ببنيان أَو صحراء نَافِذا أَو غير نَافِذ وَيذكر وَيُؤَنث (بخيث لَا يضر) كل من الْجنَاح والساباط (الْمَارَّة) فِي مرورهم فِيهِ فَيشْتَرط ارْتِفَاع كل مِنْهُمَا بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمَاشِي منتصبا من غير احْتِيَاج إِلَى أَن يطأطىء رَأسه لِأَن مَا يمْنَع ذَلِك إِضْرَار حَقِيقِيّ وَيشْتَرط مَعَ هَذَا أَن يكون على رَأسه الحمولة الْعَالِيَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ ممر الفرسان والقوافل فيرفع ذَلِك بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمحمل على الْبَعِير مَعَ أخشاب المظلة لِأَن ذَلِك قد يتَّفق وَإِن كَانَ نَادرا
وَالْأَصْل فِي جَوَاز ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب بِيَدِهِ الشَّرِيفَة ميزابا فِي دَار عَمه الْعَبَّاس رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ إِن الْمِيزَاب كَانَ شَارِعا لمسجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن فعل مَا منع مِنْهُ أزيل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام والمزيل لَهُ الْحَاكِم لَا كل أحد لَهُ لما فِيهِ من توقع الْفِتْنَة لَكِن لكل أحد مُطَالبَته بإزالته لِأَنَّهُ من إِزَالَة الْمُنكر
تَنْبِيه مَا ذكر من جَوَاز إِخْرَاج الْجنَاح غير المضر هُوَ فِي الْمُسلم أما الْكَافِر فَلَيْسَ لَهُ الإشراع إِلَى شوارع الْمُسلمين وَإِن جَازَ استطراقه لِأَنَّهُ كإعلاء الْبناء على الْمُسلم فِي الْمَنْع
وَيمْنَعُونَ أَيْضا من آبار حشوشهم فِي أفنية دُورهمْ
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن لَا يمنعوا من إِخْرَاج الْجنَاح وَلَا من حفر آبار حشوشهم فِي محالهم وشوارعهم المختصة بهم فِي دَار الْإِسْلَام كَمَا فِي رفع الْبناء

(2/307)


وَهُوَ بحث حسن وَحكم الشَّارِع الْمَوْقُوف حكم غَيره فِيمَا مر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الشَّيْخَيْنِ
وَالطَّرِيق مَا جعل عِنْد إحْيَاء الْبَلَد أَو قبله طَرِيقا أَو وَقفه الْمَالِك
وَلَو بِغَيْر إحْيَاء كَذَلِك
وَصرح فِي الرَّوْضَة نقلا عَن الإِمَام بِأَنَّهُ لَا حَاجَة فِي ذَلِك إِلَى لفظ قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَمحله فِيمَا عدا ملكه أما فِيهِ فَلَا بُد من لفظ يصير بِهِ وَقفا على قَاعِدَة الْأَوْقَاف انْتهى
وَهَذَا ظَاهر وَحَيْثُ وجدنَا طَرِيقا اعتمدنا فِيهِ الظَّاهِر وَلَا يلْتَفت إِلَى مبدأ جعله طَرِيقا فَإِن اخْتلفُوا عِنْد الْإِحْيَاء فِي تَقْدِيره قَالَ النَّوَوِيّ جعل سَبْعَة أَذْرع لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الطَّرِيق أَن يَجْعَل عرضه سَبْعَة أَذْرع
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اعْتِبَار قدر الْحَاجة والْحَدِيث مَحْمُول عَلَيْهِ اه
وَهَذَا ظَاهر فَإِن كَانَ أَكثر من سَبْعَة أَذْرع أَو من قدر الْحَاجة على مَا مر لم يجز لأحد أَن يستولي على شَيْء مِنْهُ وَإِن قل وَيجوز إحْيَاء مَا حوله من الْموَات بِحَيْثُ لَا يضر بالمار وَأما إِذا كَانَت الطَّرِيق مَمْلُوكَة يسبلها مَالِكهَا فتقديرها إِلَى خيرته وَالْأَفْضَل لَهُ توسيعها
وَيحرم الصُّلْح على إشراع الْجنَاح أَو الساباط بعوض وَإِن صَالح عَلَيْهِ الإِمَام لِأَن الْهَوَاء لَا يفرد بِالْعقدِ
وَيحرم أَن يبْنى فِي الطَّرِيق دكة أَو غَيرهَا أَو يغْرس فِيهَا شَجَرَة
وَلَو اتَّسع الطَّرِيق وَأذن الإِمَام وانتفى الضَّرَر لمنع الطروق فِي ذَلِك الْمحل ولتعثر الْمَار بهما عِنْد الازدحام وَلِأَنَّهُ إِذا طَالَتْ الْمدَّة أشبه موضعهَا الْأَمْلَاك وَانْقطع أثر اسْتِحْقَاق الطَّرِيق فِيهِ بِخِلَاف الأجنحة وَنَحْوهَا
القَوْل فِي الروشن وَفتح الْبَاب فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك (وَلَا يجوز) إِخْرَاج روشن (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) وَهُوَ غير النَّافِذ الْخَالِي عَن نَحْو مَسْجِد كرباط وبئر موقوفين على جِهَة عَامَّة لغير أَهله ولبعضهم (إِلَّا بِإِذن من الشُّرَكَاء) كلهم فِي الأولى وَمن باقيهم مِمَّن بَابه أبعد عَن رَأسه من مَحل الْمخْرج أَو مُقَابِله فِي الثَّانِيَة
فَلَو أَرَادوا الرُّجُوع بعد الْإِخْرَاج بِالْإِذْنِ قَالَ فِي الْمطلب فَيُشبه منع قلعه لِأَنَّهُ وضع بِحَق وَمنع إبقائه بِأُجْرَة لِأَن الْهَوَاء لَا أُجْرَة لَهُ وَيعْتَبر إِذن الْمُكْتَرِي إِن تضرر كَمَا فِي الْكِفَايَة
وَأهل غير النَّافِذ من نفذ بَابه إِلَيْهِ لَا من لاصق جِدَاره من غير نُفُوذ بَاب إِلَيْهِ وتختص شركَة كل مِنْهُم بِمَا بَين بَابه وَرَأس غير النَّافِذ لِأَنَّهُ مَحل تردده
(وَيجوز) لمن لَهُ بَاب (تَقْدِيم الْبَاب) بِغَيْر إِذن بَقِيَّة الشُّرَكَاء (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) إِذا سد الْبَاب الْقَدِيم لِأَنَّهُ ترك بعض حَقه فَإِن لم يسده فلشركائه مَنعه لِأَن انضمام الثَّانِي إِلَى الأول يُورث زحمة ووقوف الدَّوَابّ فِي الدَّرْب فيتضررون بِهِ
وَلَو كَانَ بَابه آخر الدَّرْب فَأَرَادَ تَقْدِيمه وَجعل الْبَاقِي دهليزا لداره جَازَ (وَلَا يجوز) لمن لَهُ بَاب فِي رَأس الدَّرْب الْمُشْتَرك (تَأْخِيره) أَي الْبَاب الْجَدِيد إِلَى أَسْفَل الدَّرْب سَوَاء أقرب من الْقَدِيم أم

(2/308)


بعد عَنهُ وَسَوَاء أَسد الأول أم لَا (إِلَّا بِإِذن) مِمَّن تَأَخّر بَاب دَاره (من الشُّرَكَاء) عَن بَاب دَار المريد لذَلِك لِأَن الْحق فِي زِيَادَة الاستطراق لمن تَأَخّر دَاره فَجَاز لَهُ إِسْقَاطه بِخِلَاف من بَابه بَين المفتوح وَرَأس الدَّرْب أَو مُقَابل للمفتوح كَمَا فِي الرَّوْضَة عَن الإِمَام أَي المفتوح الْقَدِيم كَمَا فهمه السُّبْكِيّ وَغَيره
وَفهم البُلْقِينِيّ أَنه الْجَدِيد فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِأَن الْمُقَابل للمفتوح مشارك فِي الْقدر المفتوح فِيهِ فَلهُ الْمَنْع
وَخرج بالخالي عَن نَحْو مَسْجِد مَا لَو كَانَ بِهِ ذَلِك فَلَا يجوز الْإِخْرَاج بقيده السَّابِق عِنْد الْإِضْرَار وَإِن أذن الْبَاقُونَ وَلَا يَصح الصُّلْح بِمَال على إِخْرَاج جنَاح أَو فتح بَاب لِأَن الْحق فِي الاستطراق لجَمِيع الْمُسلمين
تَتِمَّة يجوز لمن لاصق جِدَاره الدَّرْب الْمُفْسد أَن يفتح فِيهِ بَابا لاستضاءة وَغَيرهَا سَوَاء أسمره أم لَا لِأَن لَهُ رفع الْجِدَار فبعضه أولى لَا فَتحه لتطرق بِغَيْر إذْنهمْ لتضررهم بمرور الفاتح أَو بمرورهم عَلَيْهِ
وَلَهُم بعد الْفَتْح بإذنهم الرُّجُوع مَتى شاؤوا وَلَا غرم عَلَيْهِم وللمالك فتح الطاقات لاستضاءة وغرها بل لَهُ إِزَالَة بعض الْجِدَار وَجعل شباك مَكَانَهُ وَفتح بَاب بَين داريه وَإِن كَانَتَا تفتحان إِلَى دربين أَو درب وشارع لِأَنَّهُ تصرف مصادف للْملك فَهُوَ كَمَا لَو أَزَال الْحَائِط بَينهمَا وجعلهما دَارا وَاحِدَة وَترك بابيهما بحالهما
وَلَو تنَازعا جدارا أَو سقفا بَين ملكيهما فَإِن علم أَنه بنى مَعَ بِنَاء أَحدهمَا فَلهُ الْيَد لظُهُور أَمارَة الْملك بذلك وَإِن لم يعلم ذَلِك فَلَهُمَا الْيَد لعدم الْمُرَجح فَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه لَهُ أَو حلف وَنكل الآخر قضى لَهُ بِهِ وَإِلَّا جعل بَينهمَا لظَاهِر الْيَد فينتفع بِهِ كل مِمَّا يَلِيهِ

فصل فِي الْحِوَالَة
وَهِي بِفَتْح الْحَاء أفْصح من كسرهَا لُغَة التَّحَوُّل والانتقال وَشرعا عقد يَقْتَضِي نقل دين من ذمَّة إِلَى ذمَّة أُخْرَى وَتطلق على انْتِقَاله من ذمَّة إِلَى أُخْرَى وَالْأول هُوَ غَالب اسْتِعْمَال الْفُقَهَاء
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ بِإِسْكَان التَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَي فَليَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيّ وَيسن قبُولهَا على مَلِيء لهَذَا الحَدِيث

(2/309)


وَصَرفه عَن الْوُجُوب الْقيَاس على سَائِر الْمُعَاوَضَات
وَيعْتَبر فِي الِاسْتِحْبَاب كَمَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ أَن يكون المليء وفيا وَلَا شُبْهَة فِي مَاله وَالأَصَح أَنَّهَا بيع دين بدين جوز للْحَاجة وَلِهَذَا لم يعْتَبر التَّقَابُض فِي الْمجْلس وَإِن كَانَ الدينان ربوبيين
القَوْل فِي أَرْكَان الْحِوَالَة وأركانها سِتَّة محيل ومحتال ومحال عَلَيْهِ وَدين للمحتال على الْمُحِيل وَدين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ وَصِيغَة وَكلهَا تُؤْخَذ مِمَّا يَأْتِي وَإِن سمي بَعْضهَا شرطا كَمَا قَالَ (وشرائط) صِحَة (الْحِوَالَة أَرْبَعَة) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (رضَا الْمُحِيل) (و) الثَّانِي (قبُول الْمُحْتَال) لِأَن للْمُحِيل إِيفَاء الْحق من حَيْثُ شَاءَ فَلَا يلْزم بِجِهَة وَحقّ الْمُحْتَال فِي ذمَّة الْمُحِيل فَلَا ينْتَقل إِلَّا بِرِضَاهُ لِأَن الذمم تَتَفَاوَت وَالْأَمر الْوَارِد للنَّدْب كَمَا مر
تَنْبِيه إِنَّمَا عبر بِالْقبُولِ المستدعي للْإِيجَاب لإِفَادَة أَنه لَا بُد من إِيجَاب الْمُحِيل كَمَا فِي البيع
وَهِي دقيقة حَسَنَة وَلَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحل الْحق وَالتَّصَرُّف كَالْعَبْدِ الْمَبِيع وَلِأَن الْحق للْمُحِيل فَلهُ أَن يَسْتَوْفِيه بِغَيْرِهِ كَمَا لَو وكل غَيره بِالِاسْتِيفَاءِ
(و) الثَّالِث (كَون الْحق) أَي الدّين الْمحَال بِهِ وَعَلِيهِ لَازِما وَهُوَ مَا لَا خِيَار فِيهِ وَلَا بُد أَن يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ كَالثّمنِ بعد زمن الْخِيَار وَإِن لم يكن (مُسْتَقرًّا فِي الذِّمَّة) كالصداق قبل الدُّخُول وَالْمَوْت وَالْأُجْرَة قبل مُضِيّ الْمدَّة وَالثمن قبل قبض الْمَبِيع بِأَن يحِيل بِهِ المُشْتَرِي البَائِع على ثَالِث وَعَلِيهِ كَذَلِك بِأَن يحِيل البَائِع غَيره على المُشْتَرِي سَوَاء اتّفق الدينان فِيهِ بِسَبَب الْوُجُوب أم اخْتلفَا كَأَن كَانَ أَحدهمَا ثمنا وَالْآخر أُجْرَة أَو قرضا فَلَا تصح بِالْعينِ لما مر أَنَّهَا بيع دين بدين وَلَا بِمَا لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ كَدين السّلم فَلَا تصح الْحِوَالَة بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَازِما وَلَا تصح الْحِوَالَة للساعي وَلَا للْمُسْتَحقّ بِالزَّكَاةِ مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكسه وَإِن تلف الذّهاب بعد التَّمَكُّن لِامْتِنَاع الِاعْتِيَاض عَنْهَا وَتَصِح على الْمَيِّت لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صحت عَلَيْهِ مَعَ خراب ذمَّته لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للمستقبل أَي لم تقبل

(2/310)


ذمَّته شَيْئا بعد مَوته وَإِلَّا فذمته مَرْهُونَة بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين أَن يكون لَهُ تَرِكَة أَو لَا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ فِي الثَّانِي خلاف وَلَا تصح على التَّرِكَة لعدم الشَّخْص الْمحَال عَلَيْهِ وَتَصِح بِالدّينِ الْمثْلِيّ كالنقود والحبوب وبالمتقوم كالعبيد وَالثيَاب وبالثمن فِي زمن الْخِيَار بِأَن يحِيل بِهِ المُشْتَرِي البَائِع على إِنْسَان وَعَلِيهِ بِأَن يحِيل البَائِع إنْسَانا على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم بِنَفسِهِ وَالْجَوَاز عَارض فِيهِ
وَيبْطل الْخِيَار بالحوالة بِالثّمن لتراضي عاقديها وَلِأَن مقتضاها اللُّزُوم فَلَو بَقِي الْخِيَار فَاتَ مقتضاها وَفِي الْحِوَالَة عَلَيْهِ يبطل فِي حق البَائِع لرضاه بهَا لَا فِي حق مُشْتَر لم يرض فَإِن رَضِي بهَا بَطل فِي حَقه أَيْضا فِي أحد وَجْهَيْن رَجحه ابْن الْمقري وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَتَصِح حِوَالَة الْمكَاتب سَيّده بالنجوم لوُجُود اللُّزُوم من جِهَة السَّيِّد والمحال عَلَيْهِ فَيتم الْغَرَض مِنْهُمَا دون حِوَالَة السَّيِّد غَيره عَلَيْهِ بِمَال الْكِتَابَة فَلَا تصح لِأَن الْكِتَابَة جَائِزَة من جِهَة الْمكَاتب فَلَا يتَمَكَّن الْمُحْتَال من مُطَالبَته وإلزامه
وَخرج بنجوم الْكِتَابَة وَلَو كَانَ للسَّيِّد على الْمكَاتب دين مُعَاملَة وأحال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصح كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة
وَلَا نظر إِلَى سُقُوطه بالتعجيز لِأَن دين الْمُعَامَلَة لَازم فِي الْجُمْلَة وَلَا تصح بِجعْل الْجعَالَة وَلَا عَلَيْهِ قبل تَمام الْعَمَل وَلَو بعد الشُّرُوع فِيهِ لعدم ثُبُوت دينهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ بعد التَّمام
(و) الرَّابِع (اتِّفَاق) أَي مُوَافقَة (مَا فِي ذمَّة الْمُحِيل) للمحتال من الدّين الْمحَال بِهِ (و) مَا فِي ذمَّة (الْمحَال عَلَيْهِ) للْمُحِيل من الدّين الْمحَال عَلَيْهِ (فِي الْجِنْس) فَلَا يَصح بالدارهم على الدَّنَانِير وَعَكسه وَفِي الْقدر فَلَا يَصح بِخَمْسَة على عشرَة وَعَكسه لِأَن الْحِوَالَة مُعَاوضَة إرفاق جوزت للْحَاجة فَاعْتبر فِيهَا الِاتِّفَاق فِيمَا ذكر كالقرض
(و) فِي (النَّوْع والحلول والتأجيل) وَفِي قدر الْأَجَل وَفِي الصِّحَّة والتكسير إِلْحَاقًا لتَفَاوت الْوَصْف بتفاوت الْقدر
تَنْبِيه أفهم كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يعْتَبر اتِّفَاقهمَا فِي الرَّهْن وَلَا فِي الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك بل لَو أحَال بدين أَو على دين بِهِ رهن أَو ضَامِن أَنْفك الرَّهْن وبرىء الضَّمَان لِأَن الْحِوَالَة كَالْقَبْضِ وَالْخَامِس الْعلم بِمَا يُحَال بِهِ وَعَلِيهِ قدرا وَصفَة بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبرَة فِي السّلم
القَوْل فِي أثر عقد الْحِوَالَة الصَّحِيح (وتبرأ بهَا) أَي بالحوالة الصَّحِيحَة (ذمَّة الْمُحِيل) من دين الْمُحْتَال وَيسْقط دينه عَن الْمحَال عَلَيْهِ وَيلْزم دين محتال محالا عَلَيْهِ أَي يصير نَظِيره فِي ذمَّته فَإِن تعذر أَخذه مِنْهُ بفلس أَو غَيره كجحد للدّين أَو وَمَوْت لم يرجع على محيل كَمَا لَو أَخذ عوضا عَن الدّين وَتلف فِي يَده وَإِن شَرط يسَار الْمحَال عَلَيْهِ أَو جَهله فَإِنَّهُ لَا يرجع على الْمُحِيل كمن اشْترى شَيْئا وَهُوَ مغبون فِيهِ
وَلَا عِبْرَة بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ مقصر بترك الفحص عَنهُ وَلَو شَرط الرُّجُوع عِنْد التَّعَذُّر بِشَيْء مِمَّا ذكر لم تصح الْحِوَالَة وَلَو شَرط الْعَاقِد فِي الْحِوَالَة راهنا أَو ضمينا هَل يَصح أَو لَا رجح ابْن الْمقري الأول وَصَاحب الْأَنْوَار الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَلَا يثبت

(2/311)


فِي عقدهَا خِيَار شَرط لِأَنَّهَا لم تبن على المعاينة وَلَا خِيَار مجْلِس فِي الْأَصَح وَإِن قُلْنَا مُعَاوضَة لِأَنَّهَا على خلاف الْقيَاس
تَتِمَّة لَو فسخ بيع بِعَيْب أَو غَيره كإقالة وَقد أحَال مُشْتَر بَائِعا بثمر بطلت الْحِوَالَة لارْتِفَاع الثّمن بانفساخ البيع لَا إِن أحَال بَائِع بِهِ ثَالِثا على المُشْتَرِي فَلَا تبطل الْحِوَالَة لتَعلق الْحق بثالث بِخِلَافِهِ فِي الأولى
وَلَو بَاعَ عبدا وأحال بِثمنِهِ على المُشْتَرِي ثمَّ اتّفق الْمُتَبَايعَانِ والمحتال على حُرِّيَّته أَو ثبتَتْ بِبَيِّنَة يقيمها العَبْد أَو شهِدت حسبَة بطلت الْحِوَالَة لِأَنَّهُ بَان أَن لَا ثمن حَتَّى يُحَال بِهِ فَيرد الْمُحْتَال مَا أَخذه على المُشْتَرِي وَيبقى حَقه كَمَا كَانَ وَإِن كذبهما الْمُحْتَال فِي الْحُرِّيَّة وَلَا بَيِّنَة حلفاه على نفي الْعلم بهَا ثمَّ بعد حلفه يَأْخُذ المَال من المُشْتَرِي لبَقَاء الْحِوَالَة ثمَّ يرجع بِهِ المُشْتَرِي على البَائِع لِأَنَّهُ قضى دينه بِإِذْنِهِ الَّذِي تضمنته الْحِوَالَة
وَلَو قَالَ الْمُسْتَحق عَلَيْهِ للْمُسْتَحقّ وَكلتك لتقبض لي ديني من فلَان
وَقَالَ الْمُسْتَحق أحلتين بِهِ
أَو قَالَ الأول أردْت بِقَوْلِي أحلتك بِهِ الْوكَالَة
وَقَالَ الْمُسْتَحق بل أردْت بذلك الْحِوَالَة صدق الْمُسْتَحق عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بإرادته وَالْأَصْل بَقَاء الْحَقَّيْنِ وَإِن قَالَ الْمُسْتَحق عَلَيْهِ أحلتك فَقَالَ الْمُسْتَحق وكلتني أَو قَالَ أردْت بِقَوْلِي أحلتك الْوكَالَة صدق الثَّانِي بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل بَقَاء حَقه
نعم لَو قَالَ أحلتك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك على عَمْرو فَلَا يحلف مُنْكرا الْحِوَالَة لِأَن هَذَا لَا يحْتَمل إِلَّا حَقِيقَتهَا فَيحلف مدعيها
وللمحتال أَن يحِيل وَأَن يحتال من الْمحَال عَلَيْهِ على مدينه

فصل فِي الضَّمَان
وَهُوَ فِي اللُّغَة الِالْتِزَام وَشرعا يُقَال لالتزام حق ثَابت فِي ذمَّة الْغَيْر أَو إِحْضَار عين مَضْمُونَة أَو بدن من يسْتَحق حُضُوره

(2/312)


وَيُقَال للْعقد الَّذِي يحصل بِهِ ذَلِك وَيُسمى الْمُلْتَزم لذَلِك ضَامِنا وزعيما وكفيلا وَغير ذَلِك كَمَا بَينته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع أَخْبَار كَخَبَر الزعيم زعيم غَارِم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَخبر الْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحمل عَن رجل عشرَة دَنَانِير
أَرْكَان الضَّمَان وأركان ضَمَان المَال خَمْسَة ضَامِن ومضمون لَهُ ومضمون عَنهُ ومضمون بِهِ وَصِيغَة
القَوْل فِي شُرُوط الضَّامِن إِذا علمت ذَلِك فنبدأ بِشَرْط الضَّامِن فَنَقُول (وَيصِح ضَمَان) من يَصح تبرعه وَيكون مُخْتَارًا فَيصح الضَّمَان من سَكرَان وسفيه لم يحْجر عَلَيْهِ ومحجور فلس كشرائه فِي الذِّمَّة وَإِن لم يُطَالب إِلَّا بعد فك الْحجر لَا من صبي وَمَجْنُون ومحجور وسفيه ومريض مرض الْمَوْت عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لمَاله ومكره وَلَو بإكراه سَيّده وَصَحَّ ضَمَان رَقِيق بِإِذن سَيّده لَا ضَمَانه لسَيِّده وكالرقيق الْمبعض إِن لم تكن مُهَايَأَة أَو كَانَت وَضمن فِي نوبَة سَيّده فَإِن عين للْأَدَاء جِهَة فَذَاك وَإِلَّا فمما يكسبه بعد الْإِذْن فِي الضَّمَان وَمِمَّا بيد مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة
القَوْل فِي شُرُوط الْمَضْمُون وَيشْتَرط فِي الْمَضْمُون كَونه حَقًا ثَابتا حَال العقد فَلَا يَصح ضَمَان مَا لم يجب كَنَفَقَة مَا بعد الْيَوْم للزَّوْجَة وَيشْتَرط فِي (الدُّيُون) الْمَضْمُونَة أَن تكون لَازِمَة
وَقَول المُصَنّف (المستقرة فِي الذِّمَّة) لَيْسَ بِقَيْد بل يَصح ضَمَانهَا وَإِن لم تكن مُسْتَقِرَّة كالمهر قبل الدُّخُول أَو الْمَوْت وَثمن الْمَبِيع قبل قَبضه لِأَنَّهُ آيل إِلَى الِاسْتِقْرَار لَا كنجوم كِتَابَة لِأَن للْمكَاتب إِسْقَاطهَا بِالْفَسْخِ فَلَا معنى للتوثق عَلَيْهِ
وَيصِح الضَّمَان عَن الْمكَاتب بغَيْرهَا لأَجْنَبِيّ لَا للسَّيِّد بِنَاء على أَن غَيرهَا يسْقط من الْمكَاتب بعجزه وَهُوَ الْأَصَح وَيصِح بِالثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم بِنَفسِهِ فَألْحق باللازم وَصِحَّة الضَّمَان فِي الدُّيُون مَشْرُوطَة بِمَا (إِذا علم) الضَّامِن (قدرهَا) وجنسها وصفتها لِأَنَّهُ إِثْبَات مَال فِي الذِّمَّة لآدَمِيّ بِعقد فَأشبه البيع وَالْإِجَارَة وَلَا بُد أَن يكون معينا فَلَا يَصح ضَمَان غير الْمعِين كَأحد الدينَيْنِ وَالْإِبْرَاء من الدّين الْمَجْهُول جِنْسا أَو قدرا أَو صفة بَاطِل لِأَن الْبَرَاءَة متوقفة على الرِّضَا وَلَا يعقل مَعَ الْجَهَالَة

(2/313)


وَلَا تصح الْبَرَاءَة من الْأَعْيَان
وَيصِح ضَمَان رد كل عين مِمَّن هِيَ فِي يَده مَضْمُونَة عَلَيْهِ كمغصوبة ومستعارة كَمَا يَصح بِالْبدنِ بل أولى لِأَن الْمَقْصُود هُنَا المَال وَيبرأ الضَّامِن بردهَا للمضمون لَهُ وَيبرأ أَيْضا بتلفها فَلَا يلْزمه قيمتهَا كَمَا لَو مَاتَ الْمَكْفُول بِبدنِهِ لَا يلْزم الْكَفِيل الدّين
وَلَو قَالَ ضمنت مِمَّا لَك على زيد من دِرْهَم إِلَى عشرَة صَحَّ وَكَانَ ضَامِنا لتسعة إدخالا للطرف الأول لِأَنَّهُ مبدأ الِالْتِزَام وَقيل عشره إِدْخَال للطرفين فِي الِالْتِزَام
فَإِن قيل رجح النَّوَوِيّ فِي بَاب الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث وُقُوع الثَّلَاث وَقِيَاسه تعْيين الْعشْرَة
أُجِيب بِأَن الطَّلَاق مَحْصُور فِي عدد فَالظَّاهِر اسْتِيفَاؤهُ بِخِلَاف الدّين
وَلَو ضمن مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة لزمَه ثَمَانِيَة كَمَا فِي الْإِقْرَار
القَوْل فِي شَرط الصِّيغَة وَشرط فِي الصِّيغَة للضَّمَان وَالْكَفَالَة الْآتِيَة لفظ يشْعر بالالتزام كضمنت دينك الَّذِي على فلَان أَو تكفلت بِبدنِهِ وَلَا يصحان بِشَرْط بَرَاءَة أصيل لمُخَالفَته مقتضاهما وَلَا بتعليق وَلَا بتوقيت
وَلَو كفل بدن غَيره وَأجل إِحْضَاره لَهُ بِأَجل مَعْلُوم صَحَّ للْحَاجة كضمان حَال مُؤَجّلا بِأَجل مَعْلُوم
وَيثبت الْأَجَل فِي حق الضَّامِن وَيصِح ضَمَان الْمُؤَجل حَالا وَلَا يلْزم الضَّامِن تَعْجِيل الْمَضْمُون وَإِن الْتَزمهُ حَالا كَمَا لَو الْتَزمهُ الْأَصِيل
القَوْل فِي مَا يَتَرَتَّب على الضَّمَان الصَّحِيح (وَلِصَاحِب الْحق) وَلَو وَارِثا (مُطَالبَة من شَاءَ من الضَّامِن) وَلَو مُتَبَرعا (والمضمون عَنهُ) بِأَن يطالبهما جَمِيعًا أَو يُطَالب أَيهمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ أَو يُطَالب أَحدهمَا بِبَعْضِه وَالْآخر بباقيه أما الضَّامِن فلخبر الزعيم غَارِم وَأما الْأَصِيل فَلِأَن الدّين بَاقٍ عَلَيْهِ
وَلَو برىء الْأَصِيل من الدّين برىء الضَّامِن مِنْهُ وَلَا عكس فِي إِبْرَاء الضَّامِن بِخِلَاف مَا لَو برىء بِغَيْر إِبْرَاء كأداء
وَلَو مَاتَ أَحدهمَا وَالدّين مُؤَجل حل عَلَيْهِ لِأَن ذمَّته خربَتْ بِخِلَاف الْحَيّ فَلَا يحل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يرتفق بالأجل
وَإِنَّمَا يُخَيّر فِي الْمُطَالبَة (إِذا كَانَ الضَّمَان) صَحِيحا (على مَا بَيناهُ) فِيمَا تقدم من كَون الدّين لَازِما مَعْلُوم الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة وَشرط فِي الْمَضْمُون لَهُ
هُوَ الدَّائِن معرفَة الضَّامِن عينه لتَفَاوت النَّاس فِي اسْتِيفَاء الدّين تشديدا وتسهيلا وَمَعْرِفَة وَكيله كمعرفته كَمَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح وَإِن أفتى ابْن عبد السَّلَام بِخِلَافِهِ لِأَن الْغَالِب أَن الشَّخْص لَا يُوكل إِلَّا من هُوَ أَشد مِنْهُ فِي الْمُطَالبَة وَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لِأَن الضَّمَان مَحْض الْتِزَام لم يوضع على قَوَاعِد المعاقدات وَلَا رضَا الْمَضْمُون عَنهُ وَهُوَ الْمَدِين وَلَا مَعْرفَته لجَوَاز التَّبَرُّع بأَدَاء دين غَيره بِغَيْر إِذْنه ومعرفته (وَإِذا غرم الضَّامِن) الْحق لصَاحبه (رَجَعَ) بِمَا غرمه (على الْمَضْمُون عَنهُ إِذا كَانَ الضَّمَان وَالْقَضَاء) للدّين (بِإِذْنِهِ) أَي الْمَضْمُون عَنهُ لَهُ فيهمَا لِأَنَّهُ صرف مَاله إِلَى مَنْفَعَة الْغَيْر بِإِذْنِهِ هَذَا إِذا أدّى من مَاله
أما لَو أَخذ من سهم الغارمين فَأدى بِهِ الدّين فَإِنَّهُ لَا يرجع كَمَا ذَكرُوهُ فِي قسم الصَّدقَات وَإِن انْتَفَى إِذْنه فِي الضَّمَان وَالْأَدَاء فَلَا رُجُوع لَهُ لتبرعه فَإِن أذن فِي الضَّمَان فَقَط وَسكت عَن الْأَدَاء رَجَعَ فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أذن فِي سَبَب الْأَدَاء وَلَا يرجع إِذا ضمن بِغَيْر الْإِذْن وَأدّى بِالْإِذْنِ لِأَن وجوب الْأَدَاء بِسَبَب الضَّمَان وَلم يَأْذَن فِيهِ
نعم لَو أدّى بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ كَغَيْر الضَّامِن وَحَيْثُ ثَبت الرُّجُوع فَحكمه حكم الْقَرْض حَتَّى يرجع فِي الْمُتَقَوم بِمثلِهِ صُورَة كَمَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن
وَمن أدّى دين غَيره بِإِذن وَلَا ضَمَان رَجَعَ وَإِن لم يشرط الرُّجُوع للْعُرْف بِخِلَاف مَا إِذا أَدَّاهُ بِلَا إِذن لِأَنَّهُ مُتَبَرّع وَإِنَّمَا يرجع مؤد وَلَو ضَامِنا إِذا أشهد بذلك وَلَو رجلا ليحلف مَعَه لِأَن ذَلِك حجَّة أَو أدّى بِحَضْرَة مَدين وَلَو

(2/314)


مَعَ تَكْذِيب الدَّائِن أَو فِي غيبته لَكِن صدقه الدَّائِن لسُقُوط الطّلب بِإِقْرَارِهِ
القَوْل فِي ضَمَان الْمَجْهُول (وَلَا يَصح ضَمَان) الدّين (الْمَجْهُول) قدره أَو قِيمَته أَو صفته لِأَنَّهُ إِثْبَات مَال فِي الذِّمَّة بِعقد فَأشبه البيع إِلَّا فِي إبل دِيَة فَيصح ضَمَانهَا مَعَ الْجَهْل بصفتها لِأَنَّهَا مَعْلُومَة السن وَالْعدَد وَلِأَنَّهُ قد اغتفر ذَلِك فِي إِثْبَاتهَا فِي ذمَّة الْجَانِي فيغتفر فِي الضَّمَان وَيرجع فِي صفتهَا إِلَى غَالب إبل الْبَلَد
(وَلَا) يَصح ضَمَان (مَا لم يجب) كضمان مَا سيقرضه زيدا وَنَفَقَة الزَّوْجَة الْمُسْتَقْبلَة وَتَسْلِيم ثوب رَهنه شخص وَلم يتسلمه كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (إِلَّا) ضَمَان (دَرك الْمَبِيع) أَو الثّمن بعد قبض مَا يضمن كَأَن يضمن لمشتر الثّمن أَو لبائع الْمَبِيع
إِن خرج مُقَابِله مُسْتَحقّا أَو مَبِيعًا ورد أَو نَاقِصا لنَقص صفة شرطت أَو صنجة أَي وزن ورد وَذَلِكَ للْحَاجة إِلَيْهِ
وَمَا وَجه بِهِ القَوْل بِبُطْلَانِهِ من أَنه ضَمَان مَا لم يجب
أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِن خرج الْمُقَابل كَمَا ذكر تبين وجوب رد الْمَضْمُون وَلَا يَصح قبل قبض الْمَضْمُون لِأَنَّهُ إِنَّمَا يضمن مَا دخل فِي ضَمَان البَائِع أَو المُشْتَرِي
تَتِمَّة لَو صَالح الضَّامِن عَن الدّين الْمَضْمُون بِمَا دونه كَأَن صَالح عَن مائَة بِبَعْضِهَا أَو بِثَوْب قِيمَته دونهَا لم يرجع إِلَّا بِمَا غرم لِأَنَّهُ الَّذِي بذله
نعم لَو ضمن ذمِّي لذِمِّيّ دينا على مُسلم ثمَّ تصالحا على خمر لم يرجع لتعلقها بِالْمُسلمِ وَلَا قيمَة للخمر عِنْده وحوالة الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ كالأداء فِي ثُبُوت الرُّجُوع وَعَدَمه وَلَو ضمن اثْنَان ألفا لشخص كَانَ لَهُ مُطَالبَة كل مِنْهُمَا بِالْألف لِأَن كلا مِنْهُمَا ضَامِن للألف على الْمَكْفُول قَالَه الْمُتَوَلِي

فصل فِي كَفَالَة الْبدن
وَتسَمى أَيْضا كَفَالَة الْوَجْه
وَهِي بِفَتْح الْكَاف اسْم لضمان الْإِحْضَار دون المَال (وَالْكَفَالَة بِالْبدنِ) أَي ببدن من يسْتَحق حُضُوره مجْلِس الحكم عِنْد الاستدعاء (جَائِزَة إِذا كَانَ على الْمَكْفُول بِهِ حق) لله تَعَالَى أَو حق (لآدَمِيّ) للْحَاجة إِلَى ذَلِك واستؤنس لَهَا بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام {لن أرْسلهُ مَعكُمْ حَتَّى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني بِهِ}

(2/315)


بِخِلَاف عُقُوبَة الله تَعَالَى
وَإِنَّمَا تصح كَفَالَة بدن من ذكر بِإِذْنِهِ وَلَو بنائبه وَلَو كَانَ من ذكر صَبيا أَو مَجْنُونا بِإِذن وليه أَو مَحْبُوسًا وَإِن تعذر تَحْصِيل الْغَرَض فِي الْحَال أَو مَيتا قبل دَفنه ليشهد على صورته إِذا تحمل الشَّاهِد عَلَيْهِ كَذَلِك وَلم يعرف اسْمه وَنسبه قَالَ فِي الْمطلب وَيظْهر اشْتِرَاط إِذن الْوَارِث إِذا اشترطنا إِذن الْمَكْفُول وَظَاهر أَن مَحَله فِيمَن يعْتَبر إِذْنه وَإِلَّا فَالْمُعْتَبر إِذن وليه فَإِن كفل بدن من عَلَيْهِ مَال شَرط لُزُومه لَا علم بِهِ لعدم لُزُومه للْكَفِيل وكالبدن الْجُزْء الشَّائِع كثلثه والجزء الَّذِي لَا يعِيش بِدُونِهِ كرأسه
ثمَّ إِن عين مَحل تَسْلِيم فِي الْكفَالَة فَذَاك وَإِلَّا تعين محلهَا كَمَا فِي السّلم فيهمَا وَيبرأ الْكَفِيل بِتَسْلِيم الْمَكْفُول فِي مَحل التَّسْلِيم الْمَذْكُور بِلَا حَائِل كتسليمه نَفسه عَن الْكَفِيل فَإِن غَابَ لزمَه إِحْضَاره إِن أمكن بِأَن عرف مَحَله وَأمن الطَّرِيق وَلَا حَائِل وَلَو كَانَ بمسافة الْقصر ويمهل مُدَّة إِحْضَاره
بِأَن يُمْهل مُدَّة ذَهَابه وإيابه على الْعَادة وَظَاهر أَنه إِن كَانَ السّفر طَويلا أمْهل مُدَّة إِقَامَة الْمسَافَة وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام غير يومي الدُّخُول وَالْخُرُوج
ثمَّ إِن مَضَت الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَلم يحضرهُ حبس إِلَّا أَن يتَعَذَّر إِحْضَار الْمَكْفُول بِمَوْت أَو غَيره أَو يُوفي الدّين فَإِن وفاه ثمَّ حضر الْمَكْفُول قَالَ الْإِسْنَوِيّ فَالْمُتَّجه أَن لَهُ الِاسْتِرْدَاد وَلَا يُطَالب كَفِيل بِمَال وَلَا عُقُوبَة وَإِن فَاتَ التَّسْلِيم بِمَوْت أَو غَيره لِأَنَّهُ لم يلتزمه وَلَو شَرط أَنه يغرم المَال وَلَو مَعَ قَوْله إِن فَاتَ التَّسْلِيم للمكفول لم تصح الْكفَالَة لِأَن ذَلِك خلاف مقتضاها