الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الشُّفْعَة
وَهِي إسكان الْفَاء وَحكي ضمهَا لُغَة الضَّم
وَشرعا حق تملك قهري يثبت للشَّرِيك الْقَدِيم على الشَّرِيك الْحَادِث فِيمَا ملك بعوض
وَالْأَصْل فِيهَا خبر البُخَارِيّ عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي أَرض أَو ربع أَو حَائِط
وَالرّبع الْمنزل والحائط الْبُسْتَان
وَالْمعْنَى فِيهِ دفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة واستحداث الْمرَافِق كالمصعد وَالْمُنَوّر والبالوعة فِي الْحصَّة الصائرة إِلَيْهِ
وَذكرت عقب الْغَصْب لِأَنَّهَا تُؤْخَذ

(2/335)


قهرا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاة من تَحْرِيم أَخذ مَال الْغَيْر قهرا
وأركانها ثَلَاثَة آخذ ومأخوذ مِنْهُ ومأخوذ والصيغة إِنَّمَا تجب فِي التَّمَلُّك
القَوْل فِي أَرْكَان الشُّفْعَة وأركانها ثَلَاثَة آخذ ومأخود مِنْهُ ومأخوذ
والصيغة إِنَّمَا تجب فِي التَّمَلُّك
وَبَدَأَ المُصَنّف بِشُرُوط الْآخِذ فَقَالَ (وَالشُّفْعَة وَاجِبَة) أَي ثَابِتَة للشَّرِيك (بالخلطة) أَي خلْطَة الشُّيُوع وَلَو كَانَ الشَّرِيك مكَاتبا أَو غير عَاقل كمسجد لَهُ شقص لم يُوقف بَاعَ شَرِيكه يَأْخُذ لَهُ النَّاظر بِالشُّفْعَة (دون) خلْطَة (الْجوَار) بِكَسْر الْجِيم فَلَا تثبت للْجَار وَلَو ملاصقا لخَبر البُخَارِيّ الْمَار وَمَا ورد فِيهِ مَحْمُول على الْجَار الشَّرِيك جمعا بَين الْأَحَادِيث
وَلَو قضى بِالشُّفْعَة للْجَار حَنَفِيّ لم ينْقض حكمه وَلَو كَانَ الْقَضَاء بهَا لشافعي كَنَظِيرِهِ من الْمسَائِل الاجتهادية
وَلَا تثبت أَيْضا لِشَرِيك فِي الْمَنْفَعَة فَقَط كَأَن ملكهَا بِوَصِيَّة وَتثبت لذِمِّيّ على مُسلم ومكاتب على سَيّده كعكسهما وَلَو كَانَ لبيت المَال شريك فِي أَرض فَبَاعَ شَرِيكه كَانَ للْإِمَام الْآخِذ بِالشُّفْعَة إِن رَآهُ مصلحَة وَلَا شُفْعَة لصَاحب شقص من أَرض مُشْتَركَة مَوْقُوف عَلَيْهِ إِذا بَاعَ شَرِيكه نصِيبه وَلَا لشَرِيكه إِذا بَاعَ شريك آخر نصِيبه كَمَا أفتى بِهِ البُلْقِينِيّ لِامْتِنَاع قسْمَة الْوَقْف عَن الْملك ولانتفاء ملك الأول عَن الرَّقَبَة
نعم على مَا اخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ وَالنَّوَوِيّ من جَوَاز قسمته عَنهُ لَا مَانع من أَخذ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمد إِن كَانَت الْقِسْمَة قسْمَة إِفْرَاز
القَوْل فِي شُرُوط الْمَأْخُوذ بِالشُّفْعَة وَيشْتَرط فِي الْمَأْخُوذ وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي أَن يكون (فِيمَا يَنْقَسِم) أَي فِيمَا يقبل الْقِسْمَة إِذا طلبَهَا الشَّرِيك بِأَن لَا يبطل نَفعه الْمَقْصُود مِنْهُ لَو قسم بِأَن يكون بِحَيْثُ ينْتَفع بِهِ بعد الْقِسْمَة من الْوَجْه الَّذِي كَانَ ينْتَفع بِهِ قبلهَا كطاحون وحمام كبيرين وَذَلِكَ لِأَن عِلّة ثُبُوت الشُّفْعَة فِي المنقسم كَمَا مر دفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة وَالْحَاجة إِلَى إِفْرَاد الْحصَّة الصائرة للشَّرِيك بالمرافق وَهَذَا الضَّرَر حَاصِل قبل البيع وَمن حق الرَّاغِب فِيهِ من الشَّرِيكَيْنِ أَن يخلص صَاحبه مِنْهُ بِالْبيعِ لَهُ فَلَمَّا بَاعَ لغيره سلطه الشَّرْع على أَخذه مِنْهُ (دون مَا لَا يَنْقَسِم) بِأَن يبطل نَفعه الْمَقْصُود مِنْهُ لَو قسم كحمام وطاحون صغيرين وَبِذَلِك علم أَن الشُّفْعَة تثبت لمَالِك عشر دَار صَغِيرَة إِن بَاعَ شَرِيكه بقيتها لَا عَكسه لِأَن الأول يجْبر على الْقِسْمَة دون الثَّانِي (و) أَن يكون (فِي كل مَا لَا ينْقل من الأَرْض) بِأَن يكون أَرضًا بتابعها كشجر وثمر غير مؤبر وَبِنَاء وتوابعه من أَبْوَاب وَغَيرهَا غير نَحْو ممر كمجرى نهر لَا غنى عَنهُ فَلَا شُفْعَة فِي بَيت على سقف وَلَو مُشْتَركا وَلَا فِي شجر أفرد بِالْبيعِ أَو بيع مَعَ مغرسه فَقَط وَلَا فِي شجر جَاف شَرط دُخُوله فِي بيع أَرض لانْتِفَاء التّبعِيَّة وَلَا فِي نَحْو ممر دَار لَا غنى عَنهُ فَلَو بَاعَ دَاره وَله شريك فِي ممرها

(2/336)


الَّذِي لَا غنى عَنهُ فَلَا شُفْعَة فِيهِ حذرا من الْإِضْرَار بالمشتري بِخِلَاف مَا لَو كَانَ لَهُ غنى عَنهُ بِأَن كَانَ للدَّار ممر آخر أَو أمكنه إِحْدَاث ممر لَهَا إِلَى شَارِع أَو نَحوه وَمثل المُصَنّف لما لَا ينْقل بقوله (كالعقار) بِفَتْح الْعين وَهُوَ اسْم للمنزل وللأرض والضياع كَمَا فِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ وتحريره حِكَايَة عَن أهل اللُّغَة (وَغَيره) أَي الْعقار مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كالحمام الْكَبِير إِذا أمكن جعله حمامين وَالْبناء وَالشَّجر تبعا للْأَرْض كَمَا تقدم
تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف أَن كل مَا ينْقل لَا يثبت فِيهِ شُفْعَة وَهُوَ كَذَلِك إِن لم يكن تَابعا كَمَا مر
وَمن الْمَنْقُول الَّذِي لَا تثبت فِيهِ شُفْعَة الْبناء على الأَرْض المحتكرة فَلَا شُفْعَة فِيهِ كَمَا ذكره الدَّمِيرِيّ وَهِي مَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع وَأَن يملك الْمَأْخُوذ بعوض كمبيع وَمهر وَعوض خلع وَصلح دم فَلَا شُفْعَة فِيمَا لم يملك وَإِن جرى سَبَب ملكه كالجعل قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وَلَا فِيمَا ملك بِغَيْر عوض كإرث وَوَصِيَّة وَهبة بِلَا ثَوَاب وَيشْتَرط فِي الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث تَأَخّر سَبَب ملكه عَن سَبَب ملك الْآخِذ فَلَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه بِشَرْط الْخِيَار لَهُ فَبَاعَ الآخر نصِيبه فِي زمن الْخِيَار بيع بت فَالشُّفْعَة للْمُشْتَرِي الأول وَإِن لم يشفع بَائِعه لتقدم سَبَب ملكه على سَبَب ملك الثَّانِي لَا للثَّانِي وَإِن تَأَخّر عَن ملكه ملك الأول لتأخر سَبَب ملكه عَن سَبَب ملك الأول
وَكَذَا لَو باعا مُرَتبا بِشَرْط الْخِيَار لَهما دون المُشْتَرِي سَوَاء أجازا مَعًا أم أَحدهمَا قبل الآخر بِخِلَاف مَا لَو اشْترى اثْنَان دَارا أَو بَعْضهَا مَعًا فَلَا شُفْعَة لأَحَدهمَا على الآخر لعدم السَّبق
وَيَأْخُذ الشَّفِيع الشّقص من المُشْتَرِي (بِالثّمن) الْمَعْلُوم (الَّذِي وَقع عَلَيْهِ) عقد (البيع) أَو غَيره فَيَأْخُذ فِي ثمن مثلي كنقد وَحب بِمثلِهِ إِن تيَسّر وَإِلَّا فبقيمته
وَفِي مُتَقَوّم كَعبد وثوب بِقِيمَتِه كَمَا فِي الْغَصْب
وَتعْتَبر قِيمَته وَقت العقد من بيع وَنِكَاح وخلع وَغَيرهَا لِأَنَّهُ وَقت ثُبُوت الشُّفْعَة وَلِأَن مَا زَاد فِي ملك الْمَأْخُوذ مِنْهُ
وَخير الشَّفِيع فِي ثمن مُؤَجل بَين تَعْجِيله مَعَ أَخذه حَالا وَبَين صبره إِلَى الْحُلُول ثمَّ يَأْخُذ وَإِن حل الْمُؤَجل بِمَوْت الْمَأْخُوذ مِنْهُ لاخْتِلَاف الذمم وَإِن ألزم بِالْأَخْذِ حَالا بنظيره من الْحَال أضرّ بالشفيع لِأَن الْأَجَل يُقَابله قسط من الثّمن وَعلم بذلك أَن الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَو رَضِي بِذِمَّة الشَّفِيع لم يُخَيّر وَهُوَ الْأَصَح
وَلَو بيع مثلا شقص وَغَيره كَثوب أَخذ الشّقص بِقدر حِصَّته من الثّمن بِاعْتِبَار الْقيمَة فَلَو كَانَ الثّمن مِائَتَيْنِ وَقِيمَة الشّقص ثَمَانِينَ وَقِيمَة المضموم إِلَيْهِ عشْرين أَخذ الشّقص بأَرْبعَة أَخْمَاس الثّمن وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي بتفريق الصَّفْقَة عَلَيْهِ لدُخُوله فِيهَا عَالما بِالْحَال
وَخرج بالمعلوم الَّذِي قدرته فِي كَلَامه مَا إِذا اشْترى بجزاف نَقْدا كَانَ أَو غَيره امْتنع الْأَخْذ بِالشُّفْعَة لتعذر الْوُقُوف على الثّمن وَالْأَخْذ بِالْمَجْهُولِ غير مُمكن وَهَذَا من الْحِيَل المسقطة للشفعة وَهِي مَكْرُوهَة لما فِيهَا من إبْقَاء الضَّرَر
وصورها كَثِيرَة

(2/337)


مِنْهَا أَن يَبِيعهُ الشّقص بِأَكْثَرَ من ثمنه بِكَثِير ثمَّ يَأْخُذ بِهِ عرضا يُسَاوِي مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ عوضا عَن الثّمن أَو يحط عَن المُشْتَرِي مَا يزِيد عَلَيْهِ بعد انْقِضَاء الْخِيَار
وَمِنْه أَن يَبِيعهُ بِمَجْهُول مشَاهد ويقبضه ويخلطه بِغَيْرِهِ بِلَا وزن فِي الْمَوْزُون أَو يُنْفِقهُ أَو يتلفه
وَمِنْهَا أَن يَشْتَرِي من الشّقص جُزْءا بِقِيمَة الْكل ثمَّ يَهبهُ الْبَاقِي
وَمِنْهَا أَن يهب كل من مَالك الشّقص وَآخذه للْآخر بِأَن يهب لَهُ الشّقص بِلَا ثَوَاب ثمَّ يهب لَهُ الآخر قدر قِيمَته فَإِن خشِي عدم الْوَفَاء بِالْهبةِ وكلا أمينين ليقبضاهما مِنْهُمَا مَعًا بِأَن يَهبهُ الشّقص ويجعله فِي يَد أَمِين ليقبضه إِيَّاه ثمَّ يتقابضا فِي حَالَة وَاحِدَة
وَمِنْهَا أَن يَشْتَرِي بمتقوم قِيمَته مَجْهُولَة كفص ثمَّ يضيعه أَو يخلطه بِغَيْرِهِ فَإِن كَانَ غَائِبا لم يلْزم البَائِع إِحْضَاره وَلَا الْإِخْبَار بِقِيمَتِه وَلَو عين الشَّفِيع قدر ثمن الشّقص كَقَوْلِه للْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِمِائَة دِرْهَم وَقَالَ المُشْتَرِي لم يكن الثّمن مَعْلُوم الْقدر حلف على نفي الْعلم بِقَدرِهِ لِأَن الأَصْل عدم علمه بِهِ فَإِن ادّعى الشَّفِيع علم المُشْتَرِي بِالثّمن وَلم يعين لَهُ قدرا لم تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لم يدع حَقًا لَهُ
تَنْبِيه لَو ظهر الثّمن مُسْتَحقّا بعد الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَإِن كَانَ معينا كَأَن اشْترى بِهَذِهِ الْمِائَة بَطل البيع وَالشُّفْعَة لعدم الْملك وَإِن اشْترى بِثمن فِي الذِّمَّة وَدفع عَمَّا فِيهَا فَخرج الْمَدْفُوع مُسْتَحقّا أبدل الْمَدْفُوع وَبَقِي البيع وَالشُّفْعَة
وَإِن دفع الشَّفِيع مُسْتَحقّا لم تبطل الشُّفْعَة
وَإِن علم أَنه مُسْتَحقّ لِأَنَّهُ لم يقصر فِي الطّلب وَالْأَخْذ سَوَاء أَخذ بِمعين أم لَا فَإِن كَانَ معينا فِي العقد احْتَاجَ تملكا جَدِيدا
وكخروج مَا ذكر مُسْتَحقّا خُرُوجه نُحَاسا
وَللْمُشْتَرِي تصرف فِي الشّقص لِأَنَّهُ ملكه وللشفيع فَسخه بِأخذ الشّقص سَوَاء كَانَ فِيهِ شُفْعَة كَبيع أم لَا كوقف وَهبة لِأَن حَقه سَابق على هَذَا التَّصَرُّف وَله أَخذ بِمَا فِيهِ شُفْعَة من التَّصَرُّف كَبيع لذَلِك وَلِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ الْعِوَض فِيهِ أقل أَو من جنس هُوَ عَلَيْهِ أيسر
القَوْل فِي طلب الشُّفْعَة على الْفَوْر (وَهِي) أَي الشُّفْعَة بعد علم الشَّفِيع بِالْبيعِ (على الْفَوْر) لِأَنَّهَا حق ثَبت لدفع الضَّرَر
فَكَانَ على الْفَوْر كالرد بِالْعَيْبِ
وَالْمرَاد بِكَوْنِهَا على الْفَوْر هُوَ طلبَهَا وَإِن تَأَخّر التَّمَلُّك
وَاسْتثنى من الْفَوْرِيَّة عشر صور ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج مِنْهَا أَنه لَو قَالَ لم أعلم أَن لي الشُّفْعَة وَهُوَ مِمَّن يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ الْعَاميّ لَا أعلم أَن الشُّفْعَة على الْفَوْر فَإِن الْمَذْهَب هُنَا وَفِي الرَّد بِالْعَيْبِ

(2/338)


قبُول قَوْله فَإِذا علم بِالْبيعِ مثلا فليبادر عقب علمه بِالشِّرَاءِ على الْعَادة وَلَا يُكَلف البدار على خلَافهَا بالعدو وَنَحْوه بل يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَمَا عده الْعرف تقصيرا وتوانيا كَانَ مسْقطًا ومالا فَلَا (فَإِن أَخّرهَا) أَي الشُّفْعَة مَعَ الْعلم بِالْبيعِ مثلا بِأَن لم يطْلبهَا (مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا) بِأَن لم يكن عذر (بطلت) أَي الشُّفْعَة لتَقْصِيره وَخرج بِالْعلمِ مَا إِذا لم يعلم فَإِنَّهُ على شفعته وَلَو مضى سنُون وَلَا يُكَلف الْإِشْهَاد على الطّلب إِذا سَار طَالبا فِي الْحَال أَو وكل فِي الطّلب فَلَا تبطل شفعته بِتَرْكِهِ
وَخرج بِعَدَمِ الْعذر مَا إِذا كَانَ مَعْذُورًا كَكَوْنِهِ مَرِيضا مَرضا يمْنَع من الْمُطَالبَة لَا كصداع يسير أَو كَانَ مَحْبُوسًا ظلما أَو بدين وَهُوَ مُعسر وعاجز عَن الْبَيِّنَة أَو غَائِبا عَن بلد المُشْتَرِي فَلَا تبطل شفعته بِالتَّأْخِيرِ فَإِن كَانَ الْعذر يَزُول عَن قرب كالمصلي والآكل وقاضي الْحَاجة وَالَّذِي فِي الْحمام كَانَ لَهُ التَّأْخِير أَيْضا إِلَى زَوَاله وَلَا يُكَلف الْقطع على خلاف الْعَادة وَلَا يُكَلف الِاقْتِصَار فِي الصَّلَاة على أقل مَا يجزىء بل لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الْمُسْتَحبّ للمنفرد فَإِن زَاد عَلَيْهِ فَالَّذِي يظْهر أَنه لَا يكون عذرا
وَلم أر من تعرض لذَلِك
وَلَو حضر وَقت الصَّلَاة أَو الطَّعَام أَو قَضَاء الْحَاجة جَازَ لَهُ أَن يقدمهَا وَأَن يلبس ثَوْبه فَإِذا فرغ طَالب بِالشُّفْعَة وَإِن كَانَ فِي ليل فحتى يصبح وَلَو أخر الطّلب بهَا وَقَالَ لم أصدق الْمخبر بِبيع الشَّرِيك الشّقص لم يعْذر إِن أخبرهُ عَدْلَانِ أَو عدل وَامْرَأَتَانِ بذلك وَكَذَا إِن أخبرهُ ثِقَة حر أَو عبد أَو امْرَأَة فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ إِخْبَار وَخبر الثِّقَة مَقْبُول ويعذر فِي خبر من لَا يقبل خَبره كفاسق وَصبي وَلَو مُمَيّزا
وَلَو أخبر الشَّفِيع بِالْبيعِ بِأَلف فَترك الشُّفْعَة فَبَان بِخَمْسِمِائَة بَقِي حَقه فِي الشُّفْعَة لِأَنَّهُ لم يتْركهُ زاهدا بل للغلاء فَلَيْسَ مقصرا وَإِن بَان بِأَكْثَرَ مِمَّا أخبر بِهِ بَطل حَقه لِأَنَّهُ إِذا لم يرغب فِيهِ بِالْأَقَلِّ فبالأكثر أولى وَلَو لَقِي الشَّفِيع المُشْتَرِي فَسلم عَلَيْهِ أَو سَأَلَهُ عَن الثّمن أَو قَالَ لَهُ بَارك الله لَك فِي صفقتك لم يبطل حَقه
أما فِي الأولى فَلِأَن السَّلَام سنة قبل الْكَلَام وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن جَاهِل الثّمن لَا بُد لَهُ من مَعْرفَته وَقد يُرِيد الْعَارِف إِقْرَار المُشْتَرِي وَأما فِي الثَّالِثَة فَلِأَنَّهُ قد يَدْعُو بِالْبركَةِ ليَأْخُذ صَفْقَة مباركة
(وَإِذا تزوج امْرَأَة) أَو خَالعهَا (على شقص) فِيهِ شُفْعَة وَهُوَ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْقَاف اسْم للقطعة من الأَرْض وللطائفة من الشَّيْء كَمَا اتّفق عَلَيْهِ أهل اللُّغَة (أَخذه الشَّفِيع) أَي شريك الْمُصدق أَو المخالع من الْمَرْأَة فِي الأولى وَمن المخالع فِي

(2/339)


الثَّانِيَة (بِمهْر الْمثل) مُعْتَبرا بِيَوْم العقد لِأَن الْبضْع مُتَقَوّم وَقِيمَته مهر الْمثل وَتجب فِي الْمُتْعَة مُتْعَة مثلهَا لَا مهر مثلهَا لِأَنَّهَا الْوَاجِبَة بالفراق والشقص عوض عَنْهَا
وَلَو اخْتلفَا فِي قدر الْقيمَة الْمَأْخُوذ بهَا الشّقص الْمَشْفُوع صدق الْمَأْخُوذ مِنْهُ بِيَمِينِهِ قَالَه الرَّوْيَانِيّ (وَإِن كَانَ الشفعاء جمَاعَة) من الشُّرَكَاء (استحقوها على قدر الْأَمْلَاك) لِأَنَّهُ حق مُسْتَحقّ بِالْملكِ فقسط على قدره كالأجرة وَالثَّمَرَة فَلَو كَانَت أَرض بَين ثَلَاثَة لوَاحِد نصفهَا وَلآخر ثلثهَا وَلآخر سدسها فَبَاعَ الأول حِصَّته أَخذ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِث سَهْما وَهَذَا مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَقيل يَأْخُذُونَ بِعَدَد الرؤوس وَاعْتَمدهُ جمع من الْمُتَأَخِّرين
وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ إِن الأول خلاف مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ بعض حِصَّته لرجل ثمَّ بَاقِيهَا لآخر فَالشُّفْعَة فِي الْبَعْض الأول للشَّرِيك الْقَدِيم لانفراده بِالْحَقِّ فَإِن عَفا عَنهُ شَاركهُ المُشْتَرِي الأول فِي الْبَعْض الثَّانِي لِأَنَّهُ صَار شَرِيكا مثله قبل البيع الثَّانِي فَإِن لم يعف عَنهُ بل أَخذه لم يُشَارِكهُ فِيهِ لزوَال ملكه وَلَو عَفا أحد شفيعين عَن حَقه أَو بعضه سقط حَقه كالقود وَأخذ الآخر الْكل أَو تَركه فَلَا يقْتَصر على حِصَّته لِئَلَّا تتبعض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي أَو جضر أَحدهمَا وَغَابَ الآخر أخر الْأَخْذ إِلَى حُضُور الْغَائِب لعذره فِي أَن لَا يَأْخُذ مَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَو أَخذ الْكل فَإِذا حضر الْغَائِب شَاركهُ فِيهِ لِأَن الْحق لَهما فَلَيْسَ للحاضر الِاقْتِصَار على حِصَّته لِئَلَّا تتبعض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي لَو لم يَأْخُذهُ الْغَائِب
وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِر من الْمَنَافِع كالأجرة وَالثَّمَرَة لَا يزاحمه فِيهِ الْغَائِب
وتتعدد الشُّفْعَة بِتَعَدُّد الصَّفْقَة أَو الشّقص فَلَو اشْترى اثْنَان من وَاحِد شِقْصا أَو اشْتَرَاهُ وَاحِد من اثْنَيْنِ فَللشَّفِيع أَخذ نصيب أَحدهمَا وَحده لانْتِفَاء تبعيض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي أَو وَاحِد شقصين من دارين فَللشَّفِيع أَخذ أَحدهمَا لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى تبعيض شَيْء وَاحِد فِي صَفْقَة وَاحِدَة
تَتِمَّة لَو كَانَ لمشتر حِصَّة فِي أَرض كَأَن كَانَت بَين ثَلَاثَة أَثلَاثًا فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه لأحد صَاحِبيهِ اشْترك مَعَ الشَّفِيع فِي الْمَبِيع بِقدر حِصَّته لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشّركَة فَيَأْخُذ الشَّفِيع فِي الْمِثَال السُّدس لَا جَمِيع الْمَبِيع كَمَا لَو كَانَ المُشْتَرِي أَجْنَبِيّا
وَلَا يشْتَرط فِي ثُبُوت الشُّفْعَة حكم بهَا من حَاكم لثبوتها بِالنَّصِّ وَلَا حُضُور ثمن كَالْبيع وَلَا حُضُور مُشْتَر وَلَا رِضَاهُ كالرد بِعَيْب
وَشرط فِي تملك بهَا رُؤْيَة شَفِيع الشّقص وَعلمه بِالثّمن كالمشتري وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي مَنعه من رُؤْيَته
وَشرط فِيهِ أَيْضا لفظ يشْعر بالتملك وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كتملكت أَو أخذت بِالشُّفْعَة مَعَ قبض مُشْتَر الثّمن أَو مَعَ رِضَاهُ بِكَوْن الثّمن فِي ذمَّة الشَّفِيع وَلَا رَبًّا أَو مَعَ حكم لَهُ بِالشُّفْعَة إِذا حضر مَجْلِسه وَأثبت حَقه فِيهَا وَطَلَبه

(2/340)


فصل فِي الْقَرَاض
وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع
سمي بذلك لِأَن الْمَالِك قطع لِلْعَامِلِ قِطْعَة من مَاله يتَصَرَّف فِيهَا وَقطعَة من الرِّبْح
وَيُسمى أَيْضا مُضَارَبَة ومقارضة
وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْحَاجة وَاحْتج لَهُ الْمَاوَرْدِيّ بقوله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} وَبِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَارب لِخَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بمالها إِلَى الشَّام وأنفذت مَعَه عَبدهَا ميسرَة
وَحَقِيقَته تَوْكِيل مَالك بِجعْل مَاله بيد آخر ليتجر فِيهِ وَالرِّبْح مُشْتَرك بَينهمَا
القَوْل فِي أَرْكَان الْقَرَاض وأركانه سِتَّة مَالك وعامل وَعمل وَربح وَصِيغَة وَمَال وَيعرف بَعْضهَا من كَلَام المُصَنّف وباقيها من شَرحه
(وللقراض أَرْبَعَة شَرَائِط) الأول (أَن يكون) عقده (على ناض) بِالْمدِّ وَتَشْديد الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا ضرب (من الدَّرَاهِم) الْفضة الْخَالِصَة (و) من (الدَّنَانِير) الْخَالِصَة وَفِي هَذِه إِشَارَة إِلَى أَن شَرط المَال الَّذِي هُوَ أحد الْأَركان أَن يكون نَقْدا خَالِصا وَلَا بُد أَن يكون مَعْلُوما جِنْسا وَقدرا وَصفَة وَأَن يكون معينا بيد الْعَامِل فَلَا يَصح على عرض وَلَو فُلُوسًا وتبرا وحليا وَمَنْفَعَة لِأَن فِي الْقَرَاض إغرارا إِذْ الْعَمَل فِيهِ غير مضبوط وَالرِّبْح غير موثوق بِهِ وَإِنَّمَا جوز للْحَاجة فاختص بِمَا يروج بِكُل حَال وتسهل التِّجَارَة بِهِ
وَلَا على نقد مغشوش وَلَو رائجا لانْتِفَاء خلوصه
نعم إِن كَانَ غشه مُسْتَهْلكا جَازَ قَالَه الْجِرْجَانِيّ
وَلَا على مَجْهُول جِنْسا أَو قدرا أَو صفة وَلَا على غير معِين كَأَن قارضه على مَا فِي الذِّمَّة من دين أَو غَيره
وَكَأن قارضه على إِحْدَى صرتين وَلَو متساويتين وَلَا يَصح بِشَرْط كَون المَال بيد غير الْعَامِل كالمالك ليوفي مِنْهُ ثمن مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِل لِأَنَّهُ قد لَا يجده عِنْد الْحَاجة
وَشرط فِي الْمَالِك مَا شَرط فِي مُوكل وَفِي الْعَامِل مَا شَرط فِي وَكيل وهما الركنان الْأَوَّلَانِ لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل وتوكل وَأَن يسْتَقلّ الْعَامِل بِالْعَمَلِ ليتَمَكَّن من الْعَمَل مَتى شَاءَ فَلَا يَصح شَرط عمل غَيره مَعَه لِأَن انقسام الْعَمَل يَقْتَضِي انقسام الْيَد وَيصِح شَرط إِعَانَة مَمْلُوك الْمَالِك مَعَه فِي الْعَمَل وَلَا يَد للمملوك لِأَنَّهُ مَال فَجعل عمله تبعا لِلْمَالِ وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما بِرُؤْيَة أَو وصف وَإِن شرطت نَفَقَته عَلَيْهِ جَازَ
(و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن يَأْذَن رب المَال لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّف) فِي البيع وَالشِّرَاء (مُطلقًا) وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى الرُّكْن الرَّابِع

(2/341)


وَهُوَ الْعَمَل فشرطه أَن يكون فِي تِجَارَة
وَأَشَارَ بقوله مُطلقًا إِلَى اشْتِرَاط أَن لَا يضيق الْعَمَل على الْعَامِل فَلَا يَصح على شِرَاء بر يطحنه ويخبزه أَو غزل ينسجه ويبيعه لِأَن الطَّحْن وَمَا مَعَه أَعمال لَا تسمى تِجَارَة بل أَعمال مضبوطة يسْتَأْجر عَلَيْهَا وَلَا على شِرَاء مَتَاع معِين كَقَوْلِه وَلَا تشتر إِلَّا هَذِه السّلْعَة لِأَن الْمَقْصُود من العقد حُصُول الرِّبْح وَقد لَا يحصل فِيمَا يُعينهُ فيختل العقد (أَو) أَي لَا يضر فِي العقد إِذْنه (فِيمَا لَا يَنْقَطِع وجوده غَالِبا) كالبر ويضر فِيمَا ينْدر وجوده كالياقوت الْأَحْمَر وَالْخَيْل البلق لحُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِي الأول دون الثَّانِي وَلَا يَصح على مُعَاملَة شخص كَقَوْلِه وَلَا تبع إِلَّا لزيد أَو لَا تشتر إِلَّا مِنْهُ
(و) الشَّرْط الثَّالِث وَهُوَ الرُّكْن الْخَامِس (أَن يشْتَرط) الْمَالِك (لَهُ) أَي لِلْعَامِلِ فِي صلب العقد
(جُزْءا) وَلَو قَلِيلا (مَعْلُوما) لَهما (من الرِّبْح) بجزأيه كَنِصْف أَو ثلث فَلَا يَصح الْقَرَاض على أَن لأَحَدهمَا معينا أَو مُبْهما الرِّبْح أَو أَن لغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئا لعدم كَونه لَهما
والمشروط لمملوك أَحدهمَا كالمشروط لَهُ فَيصح فِي الثَّانِيَة دون الأولى أَو على أَن لأَحَدهمَا شركَة أَو نَصِيبا فِيهِ للْجَهْل بِحِصَّة الْعَامِل أَو على أَن لأَحَدهمَا عشرَة أَو ربح صنف لعدم الْعلم بالجزئية وَلِأَنَّهُ قد لَا يربح غير الْعشْرَة أَو غير ربح ذَلِك الصِّنْف فيفوز أَحدهمَا بِجَمِيعِ الرِّبْح أَو على أَن للْمَالِك النّصْف مثلا لِأَن الرِّبْح فَائِدَة رَأس المَال فَهُوَ للْمَالِك إِلَّا مَا ينْسب مِنْهُ لِلْعَامِلِ وَلم ينْسب لَهُ شَيْء مِنْهُ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ على أَن لِلْعَامِلِ النّصْف مثلا فَيصح وَيكون الْبَاقِي للْمَالِك لِأَنَّهُ بَين مَا لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي للْمَالِك بِحكم الأَصْل
وَصَحَّ فِي قَوْله قارضتك وَالرِّبْح بَيْننَا وَكَانَ نِصْفَيْنِ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَين زيد وَعَمْرو
وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن السَّادِس مَا مر فِيهَا فِي البيع بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا عقد مُعَاوضَة كقارضتك أَو عاملتك فِي كَذَا على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَقبل الْعَامِل لفظا
(و) الرَّابِع من الشُّرُوط (أَن لَا يقدر) أَحدهمَا الْعَمَل (بِمدَّة) كَسنة سَوَاء أسكت أم مَنعه التَّصَرُّف أم البيع بعْدهَا أم الشِّرَاء لاحْتِمَال عدم حُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِيهَا فَإِن مَنعه الشِّرَاء فَقَط بعد مُدَّة كَقَوْلِه وَلَا تشتر بعد سنة صَحَّ لحُصُول الاسترباح بِالْبيعِ الَّذِي لَهُ فعله بعْدهَا وَمحله كَمَا قَالَ الإِمَام أَن تكون الْمدَّة يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاء لغَرَض الرِّبْح بِخِلَاف نَحْو سَاعَة
تَنْبِيه قد علم من امْتنَاع التَّأْقِيت امْتنَاع التَّعْلِيق لِأَن التَّأْقِيت أسهل مِنْهُ بِدَلِيل احْتِمَاله فِي الْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَيمْتَنع أَيْضا تَعْلِيق التَّصَرُّف بِخِلَاف الْوكَالَة لمنافاته غَرَض الرِّبْح وَيجوز تعدد كل من الْمَالِك وَالْعَامِل فللمالك أَن يقارض اثْنَيْنِ مُتَفَاضلا

(2/342)


ومتساويا فِي الْمَشْرُوط لَهما من الرِّبْح كَأَن يشرط لأَحَدهمَا ثلث الرِّبْح وَللْآخر الرّبع أَو يشرط لَهما النّصْف بِالسَّوِيَّةِ سَوَاء أشرط على كل مِنْهُمَا مُرَاجعَة الآخر أم لَا ولمالكين أَن يقارضا وَاحِدًا وَيكون الرِّبْح بعد نصيب الْعَامِل بَينهمَا بِحَسب المَال
فَإِذا شرطا لِلْعَامِلِ نصف الرِّبْح وَمَال أَحدهمَا مِائَتَان وَمَال الآخر مائَة قسم النّصْف الآخر أَثلَاثًا فَإِن شرطا غير مَا تَقْتَضِيه النِّسْبَة فسد العقد وَإِن فسد قِرَاض صَحَّ تصرف الْعَامِل للْإِذْن فِيهِ وَالرِّبْح كُله للْمَالِك لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَعَلِيهِ لِلْعَامِلِ إِن لم يقل وَالرِّبْح لي أُجْرَة مثله لِأَنَّهُ لم يعْمل مجَّانا وَقد فَاتَهُ الْمُسَمّى ويتصرف الْعَامِل وَلَو بِعرْض بمصلحة لِأَن الْعَامِل فِي الْحَقِيقَة وَكيل لَا بِغَبن فَاحش وَلَا بنسيئة بِلَا إِذن
وَلكُل من الْمَالِك وَالْعَامِل رد بِعَيْب إِن فقدت مصلحَة الْإِبْقَاء فَإِن اخْتلفَا عمل بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِك وَلَا يُعَامل الْعَامِل الْمَالِك كَأَن يَبِيعهُ شَيْئا من مَال الْقَرَاض لِأَن المَال لَهُ وَلَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من مَال الْقَرَاض رَأس مَال وربحا وَلَا يَشْتَرِي زوج الْمَالِك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَا من يعْتق عَلَيْهِ لكَونه بعضه بِلَا إِذن مِنْهُ فَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذْنه لم يَصح الشِّرَاء فِي غير الأولى وَلَا فِي الزَّائِد فِيهَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الزَّائِد فِيهَا ولتضرره بانفساخ النِّكَاح وتفويت المَال فِي غَيرهَا إِلَّا إِن اشْترى فِي ذمَّته فَيَقَع لِلْعَامِلِ
وَلَا يُسَافر بِالْمَالِ بِلَا إِذن لما فِيهِ من الْخطر فَإِن أذن لَهُ جَازَ لَكِن لَا يجوز فِي الْبَحْر إِلَّا بِنَصّ عَلَيْهِ وَلَا يمون مِنْهُ نَفسه حضرا وَلَا سفرا وَعَلِيهِ فعل مَا يعْتَاد فعله كطي ثوب وَوزن خَفِيف كذهب
القَوْل فِي ضَمَان مَال الْقَرَاض (وَلَا ضَمَان على الْعَامِل) بِتَلف المَال أَو بعضه لِأَنَّهُ أَمِين فَلَا يضمن (إِلَّا بعدوان) مِنْهُ كتفريط أَو سفر فِي بر أَو بَحر بِغَيْر إِذن وَيقبل قَوْله فِي التّلف إِذا أطلق فَإِن أسْندهُ إِلَى سَبَب فعلى التَّفْصِيل الْآتِي فِي الْوَدِيعَة وَيملك الْعَامِل حِصَّته من الرِّبْح بقسمة لَا بِظُهُور لِأَنَّهُ لَو ملكهَا بالظهور لَكَانَ شَرِيكا فِي المَال فَيكون النَّقْص الْحَاصِل بعد ذَلِك محسوبا عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِنَّمَا يسْتَقرّ ملكه بِالْقِسْمَةِ إِن نض رَأس المَال وَفسخ العقد حَتَّى لَو حصل بعد الْقِسْمَة فَقَط نقص جبر بِالرِّبْحِ الْمَقْسُوم ويستقر ملكه أَيْضا بنضوض المَال وَالْفَسْخ بِلَا قسْمَة وللمالك مَا حصل من مَال قِرَاض كثمر ونتاج وَكسب وَمهر وَغَيرهَا من سَائِر الزَّوَائِد العينية الْحَاصِلَة بِغَيْر تصرف الْعَامِل لِأَنَّهُ لَيْسَ من فَوَائِد التِّجَارَة
(وَإِذا حصل) فِيمَا بِيَدِهِ من المَال (ربح وخسران) بعده بِسَبَب رخص أَو عيب حَادث (جبر الخسران) الْحَاصِل برخص أَو عيب حَادث (بِالرِّبْحِ) لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك
وَكَذَا لَو تلف بعضه بِآفَة سَمَاوِيَّة بعد تصرف الْعَامِل بِبيع أَو شِرَاء قِيَاسا على مَا مر
وَلَو أَخذ الْمَالِك بعضه قبل ظُهُور ربح وخسر رَجَعَ رَأس المَال للْبَاقِي بعد الْمَأْخُوذ أَو أَخذ بعضه بعد ظُهُور ربح فَالْمَال الْمَأْخُوذ ربح

(2/343)


وَرَأس مَال مِثَاله المَال مائَة وَالرِّبْح عشرُون وَأخذ عشْرين فسدسها وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث من الرِّبْح لِأَن الرِّبْح سدس المَال فيستقر لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوط لَهُ مِنْهُ وَهُوَ وَاحِد وَثُلُثَانِ إِن شَرط لَهُ نصف الرِّبْح أَو أَخذ بعضه بعد ظُهُور خسر فالخسر موزع على الْمَأْخُوذ وبالباقي مِثَاله المَال مائَة والخسر عشرُون وَأخذ عشْرين فحصتها من الخسر ربع الخسر فَكَأَنَّهُ أَخذ خَمْسَة وَعشْرين فَيَعُود رَأس المَال إِلَى خَمْسَة وَسبعين وَيصدق الْعَامِل فِي عدم الرِّبْح وَفِي قدره لموافقته فِيمَا نَفَاهُ للْأَصْل وَفِي شِرَاء لَهُ أَو للقراض وَإِن كَانَ خاسرا وَلَو اخْتلفَا فِي الْقدر الْمَشْرُوط لَهُ تحَالفا كاختلاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن وللعامل بعد الْفَسْخ أُجْرَة الْمثل وَيصدق فِي دَعْوَى رد المَال للْمَالِك لِأَنَّهُ ائتمنه كَالْمُودعِ بِخِلَاف نَظِيره فِي الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر
فَائِدَة كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر
القَوْل فِي الْقَرَاض عقد جَائِز تَتِمَّة الْقَرَاض جَائِز من الطَّرفَيْنِ لكل من الْمَالِك وَالْعَامِل فَسخه مَتى شَاءَ وينفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة كموت أَحدهمَا وجنونه لما مر أَنه تَوْكِيل وتوكل ثمَّ بعد الْفَسْخ أَو الِانْفِسَاخ يلْزم الْعَامِل اسْتِيفَاء الدّين لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبضته ورد قدر رَأس المَال لمثله بِأَن ينضضه وَإِن كَانَ قد بَاعه بِنَقْد على غير صفته أَو لم يكن ربح لِأَنَّهُ فِي عُهْدَة رد رَأس المَال كَمَا أَخذه هَذَا إِذا طلب الْمَالِك الِاسْتِيفَاء أَو التنضيض وَإِلَّا فَلَا يلْزمه ذَلِك إِلَّا أَن يكون لمحجور عَلَيْهِ وحظه فِيهِ
وَلَو تعاقدا على نقد وَتصرف فِيهِ الْعَامِل فَأبْطل السُّلْطَان ذَلِك النَّقْد ثمَّ فسخ العقد فَلَيْسَ للْمَالِك على الْعَامِل إِلَّا مثل النَّقْد الْمَعْقُود عَلَيْهِ على الصَّحِيح فِي الزَّوَائِد

فصل فِي الْمُسَاقَاة
وَهِي لُغَة مَأْخُوذَة من السَّقْي بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْقَاف الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِيهَا غَالِبا لَا سِيمَا فِي الْحجاز فَإِنَّهُم يسقون من الْآبَار لِأَنَّهُ أَنْفَع أَعمالهَا
وحقيقتها أَن يُعَامل غَيره على نخل أَو شجر عِنَب ليتعهده بالسقي والتربية على أَن الثَّمَرَة لَهما
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل أهل خَيْبَر وَفِي رِوَايَة دفع إِلَى يهود خَيْبَر نخلها وأرضها بِشَطْر

(2/344)


مَا يخرج مِنْهَا من ثَمَر أَو زرع وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا لِأَن مَالك الْأَشْجَار قد لَا يحسن تعهدها أَو لَا يتفرغ لَهُ
وَمن يحسن ويتفرغ قد لَا يملك الْأَشْجَار فَيحْتَاج ذَلِك إِلَى الِاسْتِعْمَال وَهَذَا إِلَى الْعَمَل وَلَو اكترى الْمَالِك لَزِمته الْأُجْرَة فِي الْحَال وَقد لَا يحصل لَهُ شَيْء من الثِّمَار ويتهاون الْعَامِل فدعَتْ الْحَاجة إِلَى تجويزها
وأركانها سِتَّة عاقدان وَعمل وثمر وَصِيغَة ومورد الْعَمَل
وَالْمُصَنّف ذكر بَعْضهَا وَنَذْكُر الْبَاقِي فِي الشَّرْح (وَالْمُسَاقَاة جَائِزَة) للْحَاجة إِلَيْهَا كَمَا مر وَلَا يَصح عقدهَا إِلَّا (على) شجر (النّخل وَالْكَرم) هَذَا أحد الْأَركان وَهُوَ المورد أما النّخل فللخبر السَّابِق وَلَو ذُكُورا كَمَا اقْتَضَاهُ إِطْلَاق المُصَنّف وَصرح بِهِ الْخفاف وَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مغروسا معينا مرئيا بيد عَامل لم يبد صَلَاحه وَمثله الْعِنَب لِأَنَّهُ فِي معنى النّخل بِجَامِع وجوب الزَّكَاة وَتَأْتِي الْخرص وَتَسْمِيَة الْعِنَب بِالْكَرمِ ورد النَّهْي عَنْهَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسموا الْعِنَب كرما إِنَّمَا الْكَرم الرجل الْمُسلم رَوَاهُ مُسلم
وَاخْتلفُوا أَيهمَا أفضل وَالرَّاجِح أَن النّخل أفضل لوُرُود أكْرمُوا عماتكم النّخل المطعمات فِي الْمحل وَأَنَّهَا خلقت من طِينَة آدم وَالنَّخْل مقدم على الْعِنَب فِي جَمِيع الْقُرْآن وَشبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخْلَة بِالرجلِ الْمُؤمن فَإِنَّهَا تشرب برأسها وَإِذا قطعت مَاتَت وَينْتَفع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَشبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين الدَّجَّال بِحَبَّة الْعِنَب لِأَنَّهَا أصل الْخمر وَهِي أم الْخَبَائِث فَلَا تصح الْمُسَاقَاة على غير نخل وعنب اسْتِقْلَالا كتين وتفاح ومشمش وبطيخ لِأَنَّهُ يَنْمُو من غير تعهد بِخِلَاف النّخل وَالْعِنَب وَلَا على غير مرئي وَلَا على مُبْهَم كَأحد البستانين كَمَا فِي سَائِر عُقُود الْمُعَاوضَة وَلَا على كَونه بيد غير الْعَامِل كَأَن جعل بِيَدِهِ وبيد الْمَالِك كَمَا فِي الْقَرَاض وَلَا على ودي يغرسه ويتعهده وَالثَّمَرَة بَينهمَا كَمَا لَو سلمه بذرا ليزرعه وَلِأَن الْغَرْس لَيْسَ عمل الْمُسَاقَاة فضمه إِلَيْهِ يُفْسِدهَا وَلَا على مَا بدا صَلَاح ثمره لفَوَات مُعظم الْأَعْمَال وَشرط فِي الْعَاقِدين وهما الرُّكْن الثَّانِي وَالثَّالِث مَا مر فيهمَا فِي الْقَرَاض وَتقدم بَيَانه
وَشريك مَالك كأجنبي فَتَصِح مساقاته لَهُ إِن شَرط لَهُ زِيَادَة على حِصَّته وَشرط فِي الْعَمَل وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع أَن لَا يشْتَرط على الْعَاقِد مَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَو شَرط ذَلِك كَأَن شَرط على الْعَامِل أَن يَبْنِي جِدَار الحديقة أَو على الْمَالِك تنقية النَّهر لم يَصح العقد

(2/345)


وَشرط فِي الثَّمر وَهُوَ الرُّكْن الْخَامِس شُرُوط ذكر المُصَنّف مِنْهَا شرطين بقوله (وَلها شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يقدرها) العاقدان (بِمدَّة مَعْلُومَة) يُثمر فِيهَا الشّجر غَالِبا كَسنة أَو أَكثر كَالْإِجَارَةِ فَلَا تصح مُؤَبّدَة وَلَا مُطلقَة وَلَا مُؤَقَّتَة بِإِدْرَاك الثَّمر للْجَهْل بوقته فَإِنَّهُ يتَقَدَّم تَارَة ويتأخر أُخْرَى وَلَا مُؤَقَّتَة بِزَمن لَا يُثمر فِيهِ الشّجر غَالِبا لخلو الْمُسَاقَاة عَن الْعِوَض وَلَا أُجْرَة لِلْعَامِلِ إِن علم أَو ظن أَنه لَا يُثمر فِي ذَلِك الزَّمن وَإِن اسْتَوَى الاحتمالان أَو جهل الْحَال فَلهُ أجرته لِأَنَّهُ عمل طامعا وَإِن كَانَت الْمُسَاقَاة بَاطِلَة (و) الشَّرْط (الثَّانِي أَن يعين) الْمَالِك (لِلْعَامِلِ جُزْءا) كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا (مَعْلُوما) كالثلث (من الثَّمَرَة) الَّتِي أوقع عَلَيْهَا العقد
وَالشّرط الثَّالِث اختصاصهما بالثمرة فَلَا يجوز شَرط بَعْضهَا لغَيْرِهِمَا وَلَا كلهَا للْمَالِك
قَالَ فِي الرَّوْضَة
وَفِي اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة عِنْد شَرط الْكل للْمَالِك وَجْهَان كالقراض أصَحهمَا الْمَنْع
وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن السَّادِس مَا مر فِيهَا فِي البيع
غير عدم التَّأْقِيت بِقَرِينَة مَا مر آنِفا كساقيتك أَو عاملتك على هَذَا على أَن الثَّمَرَة بَيْننَا فَيقبل الْعَامِل لَا تَفْصِيل أَعمال بِنَاحِيَة بهَا عرف غَالب فِي الْعَمَل عرفه العاقدان فَلَا يشْتَرط فَإِن لم يكن فِيهَا عرف غَالب أَو كَانَ وَلم يعرفاه اشْترط
وَيحمل الْمُطلق على الْعرف الْغَالِب الَّذِي عرفاه فِي نَاحيَة (ثمَّ الْعَمَل فِيهَا على ضَرْبَيْنِ) هَذَا شُرُوع فِي بَيَان حكمهَا الأول (عمل يعود نَفعه على الثَّمَرَة) لزيادتها أَو صَلَاحهَا أَو يتَكَرَّر كل سنة كسقي وتنقية مجْرى المَاء من طين وَنَحْوه وَإِصْلَاح أجاجين يقف فِيهَا المَاء حول الشّجر ليشربه شبهت بأجاجين الغسيل جمع إجانة وتلقيح النّخل وتنحية حشيش وقضبان مضرَّة بِالشَّجَرِ وتعريش للعنب إِن جرت بِهِ عَادَة وَهُوَ أَن ينصب أَعْوَاد أَو يظللها وَيَرْفَعهُ عَلَيْهَا
ويحفظ الثَّمر على الشّجر
وَفِي البيدر عَن السّرقَة وَالشَّمْس وَالطير بِأَن يَجْعَل كل عنقود فِي وعَاء يهيئه الْمَالِك كقوصره وقطعه وتجفيفه (فَهُوَ) كُله (على الْعَامِل) دون الْمَالِك لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك فِي الْمُسَاقَاة
قَالَ فِي الرَّوْضَة وَإِنَّمَا اعْتبر التّكْرَار لِأَن مَا لَا يتَكَرَّر يبْقى أَثَره بعد فرَاغ الْمُسَاقَاة وتكليف الْعَامِل مثل هَذَا إجحاف بِهِ (و) الضَّرْب الثَّانِي (عمل يعود نَفعه إِلَى الأَرْض) من غير أَن يتَكَرَّر كل سنة وَلَكِن يقْصد بِهِ حفظ الْأُصُول كبناء حيطان الْبُسْتَان وحفر نهر وَإِصْلَاح مَا انهار من النَّهر وَنصب الْأَبْوَاب والدولاب وَنَحْو ذَلِك وآلات الْعَمَل كالفأس والمعول والمنجل والطلع الَّذِي يلقح بِهِ النّخل والبهيمة الَّتِي تدير

(2/346)


الدولاب (فَهُوَ) كُله (على رب المَال) دون الْعَامِل لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وَيملك الْعَامِل حِصَّته من الثَّمر بالظهور إِن عقد قبل ظُهُوره وَفَارق الْقَرَاض حَيْثُ لَا يملك فِيهِ الرِّبْح إِلَّا بِالْقِسْمَةِ كَمَا مر بِأَن الرِّبْح وقاية لرأس المَال وَالثَّمَر لَيْسَ وقاية للشجر أما إِذا عقد بعد ظُهُوره فيملكها بِالْعقدِ
وَخرج بالثمر الْجَدِيد والكرناف والليف فَلَا يكون مُشْتَركا بَينهمَا بل يخْتَص بِهِ الْمَالِك كَمَا جزم بِهِ فِي الْمطلب تبعا للماوردي وَغَيره
قَالَ وَلَو شَرط جعله بَينهمَا على حسب مَا شرطاه فِي الثَّمر فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي اه
وَالظَّاهِر مِنْهُمَا الصِّحَّة كَمَا نَقله الزَّرْكَشِيّ وَغَيره عَن الصَّيْمَرِيّ وَلَو شَرطهَا لِلْعَامِلِ بَطل قطعا وعامل الْمُسَاقَاة أَمِين بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب وَلَا يَصح كَون الْعِوَض غير الثَّمر فَلَو ساقاه بِدَرَاهِم أَو غَيرهمَا لم تَنْعَقِد مُسَاقَاة وَلَا إِجَارَة إِلَّا إِن فصل الْأَعْمَال وَكَانَت مَعْلُومَة
وَلَو ساقاه على نوع بِالنِّصْفِ على أَن يساقيه على آخر بِالثُّلثِ فسد الأول للشّرط الْفَاسِد وَأما الثَّانِي فَإِن عقده جَاهِلا بِفساد الأول فَكَذَلِك وَإِلَّا فَيصح
تَتِمَّة الْمُسَاقَاة لَازِمَة كَالْإِجَارَةِ فَلَو هرب الْعَامِل أَو عجز بِمَرَض أَو نَحوه قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وتبرع غَيره بِالْعَمَلِ بِنَفسِهِ أَو بِمَالِه بَقِي حق الْعَامِل فَإِن لم يتَبَرَّع غَيره وَرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم اكترى الْحَاكِم عَلَيْهِ من يعْمل بعد ثُبُوت الْمُسَاقَاة وهرب الْعَامِل مثلا وَتعذر إِحْضَاره من مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا اكترى بمؤجل إِن تَأتي
نعم إِن كَانَت الْمُسَاقَاة على الْعين فَالَّذِي جزم بِهِ صَاحب الْعين الْيُمْنَى والنشائي أَنه لَا يكترى عَلَيْهِ لتمكن الْمَالِك من الْفَسْخ ثمَّ إِن تعذر اكتراؤه اقْترض عَلَيْهِ من الْمَالِك أَو غَيره ويوفي نصِيبه من الثَّمر
ثمَّ إِن تعذر اقتراضه عمل الْمَالِك بِنَفسِهِ أَو أنْفق بإشهاد بذلك شَرط فِيهِ رُجُوعا بِأُجْرَة عمله أَو بِمَا أنفقهُ وَلَو مَاتَ المساقي فِي ذمَّته قبل تَمام الْعَمَل وَخلف تَرِكَة عمل وَارثه إِمَّا مِنْهَا بِأَن يكتري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حق وَاجِب على مُوَرِثه أَو من مَاله أَو بِنَفسِهِ وَيسلم لَهُ الْمَشْرُوط فَلَا يجْبر على الْإِنْفَاق من التَّرِكَة وَلَا يلْزم الْمَالِك تَمْكِينه من الْعَمَل بِنَفسِهِ إِلَّا إِذا كَانَ أَمينا عَارِفًا بِالْأَعْمَالِ فَإِن لم تكن تَركه فللوارث الْعَمَل وَلَا يلْزمه وَلَو أعْطى شخص آخر دَابَّة ليعْمَل عَلَيْهَا أَو يتعهدها وفوائدها بَينهمَا لم يَصح العقد لِأَنَّهُ فِي الأولى يُمكنهُ إِيجَار الدَّابَّة فَلَا حَاجَة إِلَى إِيرَاد عقد عَلَيْهَا فِيهِ غرر وَفِي الثَّانِيَة الْفَوَائِد لَا تحصل بِعَمَلِهِ

فصل فِي الْإِجَارَة
وَهِي بِكَسْر الْهمزَة أشهر من ضمهَا وَفتحهَا لُغَة اسْم للأجرة وَشرعا تمْلِيك مَنْفَعَة بعوض بِشُرُوط تَأتي
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {فَإِن أرضعن لكم} وَجه الدّلَالَة أَن الْإِرْضَاع بِلَا عقد تبرع لَا يُوجب أُجْرَة وَإِنَّمَا يُوجِبهَا

(2/347)


ظَاهرا العقد فَتعين
وَخبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة وَأمر بالمؤاجرة وَالْمعْنَى فِيهَا أَن الْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا إِذْ لَيْسَ لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت لذَلِك كَمَا جوز بيع الْأَعْيَان
وأركانها أَرْبَعَة صِيغَة وَأُجْرَة وَمَنْفَعَة وعاقدان مكر ومكتر
وَأَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أحد الْأَركان وَهُوَ الْمَنْفَعَة بقوله (وكل مَا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ) مَنْفَعَة مَقْصُودَة مَعْلُومَة قَابِلَة للبذل وَالْإِبَاحَة بعوض مَعْلُوم (مَعَ بَقَاء عينه) مُدَّة الْإِجَارَة (صحت إِجَارَته) بِصِيغَة وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي كآجرتك هَذَا الثَّوْب مثلا فَيَقُول الْمُسْتَأْجر قبلت أَو اسْتَأْجَرت
وتنعقد أَيْضا بقول الْمُؤَجّر لدار مثلا أجرتك مَنْفَعَتهَا سنة مثلا على الْأَصَح فَيقبل الْمُسْتَأْجر فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أجرتك وَيكون ذكر الْمَنْفَعَة تَأْكِيدًا كَقَوْل البَائِع بِعْتُك عين هَذِه الدَّار ورقبتها فَخرج بِمَنْفَعَة الْعين وبمقصوده التافهة كاستئجار بياع على كلمة لَا تتعب وبمعلومة الْقَرَاض والجعالة على عمل مَجْهُول ويقابلة لما ذكر مَنْفَعَة الْبضْع فَإِن العقد عَلَيْهَا لَا يُسمى إِجَارَة وبعوض هبة الْمَنَافِع وَالْوَصِيَّة بهَا وَالشَّرِكَة والإعارة وبمعلوم الْمُسَاقَاة والجعالة على عمل مَعْلُوم بعوض مَجْهُول كَالْحَجِّ بالرزق وَدلَالَة الْكَافِر لنا على قلعة بِجَارِيَة مِنْهَا بِبَقَاء عينه مَا تذْهب عينه فِي الِاسْتِعْمَال كالشمع للسراج فَلَا تصح الْإِجَارَة فِي هَذِه الصُّور وَذكرت لَهَا شُرُوطًا أخر أوضحتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
وَإِنَّمَا تصح إِجَارَة مَا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ هَذِه الشُّرُوط (إِذا قدرت منفعَته) فِي العقد (بِأحد أَمريْن) الأول أَن يكون بِتَعْيِين (مُدَّة) فِي الْمَنْفَعَة المجهولة الْقدر كالسكنى وَالرّضَاع وَسقي الأَرْض وَنَحْو ذَلِك إِذْ السُّكْنَى وَمَا يشْبع الصَّبِي من اللَّبن وَمَا تروى بِهِ الأَرْض من السَّقْي يخْتَلف وَلَا يَنْضَبِط فاحتيج فِي منفعَته إِلَى تَقْدِيره بِمدَّة (أَو) أَي وَالْأَمر الثَّانِي بِتَعْيِين مَحل (عمل) فِي الْمَنْفَعَة الْمَعْلُومَة الْقدر فِي نَفسهَا كخياطة الثَّوْب وَالرُّكُوب إِلَى مَكَان فتعيين الْعَمَل فِيهَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَتهَا فَلَو قَالَ لتخيط لي ثوبا لم يَصح

(2/348)


بل يشْتَرط أَن يبين مَا يُرِيد من الثَّوْب من قَمِيص أَو غَيره وَأَن يبين نوع الْخياطَة أَهِي رُومِية أَو فارسية إِلَّا أَن تطرد عَادَة بِنَوْع فَيحمل الْمُطلق عَلَيْهِ
تَنْبِيه بَقِي على المُصَنّف قسم ثَالِث وَهُوَ تقديرهما بهما مَعًا كَقَوْلِه فِي اسْتِئْجَار عين استأجرتك لتعمل لي كَذَا شهرا
أما لَو جمع بَين الزَّمن وَمحل الْعَمَل كاكتريتك لتخيط لي هَذَا الثَّوْب بَيَاض النَّهَار لم يَصح لِأَن الْعَمَل قد يتَقَدَّم وَقد يتَأَخَّر
كَمَا لَو أسلم فِي قفيز حِنْطَة بِشَرْط كَون وَزنه كَذَا لَا يَصح لاحْتِمَال أَن يزِيد أَو ينقص وَبِهَذَا انْدفع مَا قَالَه السُّبْكِيّ من أَنه لَو كَانَ الثَّوْب صَغِيرا يقطع بفراغه فِي الْيَوْم فَإِنَّهُ يَصح
وَشرط فِي الْعَاقِدين وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث مَا شَرط فِي الْمُتَبَايعين وَتقدم بَيَانه ثمَّ نعم إِسْلَام المُشْتَرِي شَرط فِيمَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا مُسلما وَهنا لَا يشْتَرط فَيصح من الْكَافِر اسْتِئْجَار الْمُسلم إِجَارَة ذمَّة وَكَذَا إِجَارَة عين على الْأَصَح مَعَ الْكَرَاهَة وَلَكِن يُؤمر بِإِزَالَة ملكه عَن الْمَنَافِع على الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع بِأَن يؤجره لمُسلم
وَلَا تَنْعَقِد الْإِجَارَة بِلَفْظ البيع على الْأَصَح لِأَن لفظ البيع مَوْضُوع لملك الْأَعْيَان فَلَا يسْتَعْمل فِي الْمَنَافِع كَمَا لَا ينْعَقد البيع بِلَفْظ الْإِجَارَة وكلفظ البيع لفظ الشِّرَاء وَلَا يكون كِنَايَة فِيهَا أَيْضا لِأَن قَوْله بِعْتُك يُنَافِي قَوْله سنة مثلا فَلَا يكون صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة خلافًا لما بَحثه بَعضهم من أَنه فِيهَا كِنَايَة وَترد الْإِجَارَة على عين كإجارة معِين من عقار ورقيق وَنَحْوهمَا كاكتريتك لكذا سنة وَإِجَارَة الْعقار لَا تكون إِلَّا على الْعين وعَلى ذمَّة كإجارة مَوْصُوف من دَابَّة وَنَحْوهَا لحمل مثلا وإلزام ذمَّته عملا كخياطة وَبِنَاء ومورد الْإِجَارَة الْمَنْفَعَة لَا الْعين على الْأَصَح سَوَاء أوردت على الْعين أم على الذِّمَّة
وَشرط فِي الْأُجْرَة وَهِي الرُّكْن الرَّابِع مَا مر فِي الثّمن فَيشْتَرط كَونهَا مَعْلُومَة جِنْسا وَقدرا وَصفَة إِلَّا أَن تكون مُعينَة فَيَكْفِي رؤيتها فَلَا تصح إِجَارَة دَار أَو دَابَّة بعمارة أَو علف للْجَهْل فِي ذَلِك فَإِن ذكر مَعْلُوما وَأذن لَهُ خَارج العقد فِي صرفه فِي الْعِمَارَة أَو الْعلف صحت وَلَا لسلخ الشَّاة بجلدها وَلَا لطحن الْبر مثلا بِبَعْض دقيقه كثلثه للْجَهْل بثخانة الْجلد وبقدر الدَّقِيق وَلعدم الْقُدْرَة على الْأُجْرَة حَالا
وَفِي معنى الدَّقِيق النخالة
وَتَصِح إِجَارَة امْرَأَة مثلا بِبَعْض رَقِيق حَالا لإرضاع بَاقِيه للْعلم بِالْأُجْرَةِ وَالْعَمَل الْمُكْتَرِي لَهُ إِنَّمَا وَقع فِي ملك غير الْمُكْتَرِي تبعا
وَيشْتَرط فِي صِحَة إِجَارَة الذِّمَّة تَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْمجْلس وَأَن تكون حَالَة كرأس مَال السّلم لِأَنَّهَا سلم فِي الْمَنَافِع فَلَا يجوز فِيهَا تَأْخِير الْأُجْرَة وَلَا تأجيلها وَلَا الِاسْتِبْدَال عَنْهَا وَلَا الْحِوَالَة بهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاء مِنْهَا
وَإِجَارَة الْعين لَا يشْتَرط فِي صِحَّتهَا تَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْمجْلس مُعينَة كَانَت الْأُجْرَة أَو فِي الذِّمَّة كَالثّمنِ فِي الْمَبِيع ثمَّ إِن عين لمَكَان التَّسْلِيم مَكَانا تعين وَإِلَّا فموضع العقد
وَيجوز فِي الْأُجْرَة فِي إِجَارَة الْعين تَعْجِيل الْأُجْرَة وتأجيلها إِن كَانَت الْأُجْرَة فِي الذِّمَّة كَالثّمنِ

(2/349)


(وإطلاقها يَقْتَضِي تَعْجِيل الْأُجْرَة) فَتكون حَالَة كَالثّمنِ فِي البيع الْمُطلق (إِلَّا أَن يشْتَرط التَّأْجِيل) فِي صلب العقد فتتأجل كَالثّمنِ وَيجوز الِاسْتِبْدَال عَنْهَا وَالْحوالَة بهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاء مِنْهَا فَإِن كَانَت مُعينَة لم يجز التَّأْجِيل لِأَن الْأَعْيَان لَا تؤجل وتملك فِي الْحَال بِالْعقدِ سَوَاء كَانَت مُعينَة أَو مُطلقَة أم فِي الذِّمَّة ملكا مراعى بِمَعْنى أَنه كل مَا مضى زمن على السَّلامَة بَان أَن الْمُؤَجّر اسْتَقر ملكه من الْأُجْرَة على مَا يُقَابل ذَلِك إِن قبض الْمُكْتَرِي الْعين أَو عرضت عَلَيْهِ فَامْتنعَ فَلَا تَسْتَقِر كلهَا إِلَّا بِمُضِيِّ الْمدَّة سَوَاء انْتفع الْمُكْتَرِي أم لَا لتلف الْمَنْفَعَة تَحت يَده وتستقر فِي إِجَارَة فَاسِدَة أُجْرَة مثل بِمَا يسْتَقرّ بِهِ مُسَمّى فِي صَحِيحه سَوَاء أَكَانَت مثل الْمُسَمّى أم أقل أم أَكثر
وَهَذَا هُوَ الْغَالِب وَقد تخالفها فِي أَشْيَاء مِنْهَا التَّخْلِيَة فِي الْعقار وَمِنْهَا الْوَضع بَين يَدي الْمُكْتَرِي
وَمِنْهَا الْعرض عَلَيْهِ وامتناعه من الْقَبْض إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة فَلَا تَسْتَقِر فِيهَا الْأُجْرَة فِي الْفَاسِدَة ويستقر بهَا الْمُسَمّى فِي الصَّحِيحَة
وَشرط فِي إِيجَار الدَّابَّة إِجَارَة عين لركوب أَو حمل رُؤْيَة الدَّابَّة كَمَا فِي البيع وَشرط فِي إِجَارَتهَا إِجَارَة ذمَّة لركوب ذكر جِنْسهَا كإبل أَو خيل ونوعها كبخاتي أَو عراب وذكورة أَو أنوثة وَصفَة سَيرهَا من كَونهَا مهملجة أَو بحرا أَو قطوفا لِأَن الْأَغْرَاض تخْتَلف بذلك
وَشرط فِي إِجَارَة الْعين والذمة للرُّكُوب ذكر قدر سري وَهُوَ السّير لَيْلًا أَو قدر تأويب وَهُوَ السّير نَهَارا حَيْثُ لم يطرد عرف فَإِن اطرد عرف حمل ذَلِك عَلَيْهِ
وَشرط فيهمَا لحمل رُؤْيَة مَحْمُول إِن حضر أَو امتحانه بيد أَو تَقْدِيره حضر أَو غَابَ وَذكر جنس مَكِيل وعَلى مكري دَابَّة لركوب إكاف وَهُوَ مَا تَحت البرذعة وبرذعة وحزام وثفر وبرة وَهِي الْحلقَة الَّتِي تجْعَل فِي أنف الْبَعِير وخطام وَهُوَ زِمَام يَجْعَل فِي الْحلقَة وَيتبع فِي نَحْو سرج وَحبر وكحل وخيط وصبغ وَنَحْو ذَلِك عرف مطرد بَين النَّاس فِي مَحل الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا ضَابِط لَهُ فِي الشَّرْع وَلَا فِي اللُّغَة فَمن اطرد فِي حَقه من الْعَاقِدين شَيْء من ذَلِك فَهُوَ عَلَيْهِ فَإِن لم يكن عرف أَو اخْتلف الْعرف فِي مَحل الْإِجَارَة وَجب الْبَيَان وَتَصِح الْإِجَارَة مُدَّة تبقى فِيهَا الْعين الْمُؤجرَة غَالِبا فيؤجر الرَّقِيق وَالدَّار ثَلَاثِينَ سنة وَالدَّابَّة عشر سِنِين وَالثَّوْب سنة أَو سنتَيْن على مَا يَلِيق بِهِ وَالْأَرْض مائَة سنة أَو أَكثر
(وَلَا تبطل الْإِجَارَة) سَوَاء كَانَت وَارِدَة على الْعين أم على الذِّمَّة (بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين) وَلَا بموتهما بل تبقى إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة لِأَنَّهَا عقد لَازم فَلَا تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ كَالْبيع ويخلف الْمُسْتَأْجر وَارثه فِي اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة وتنفسخ بِمَوْت الْأَجِير الْمعِين لِأَنَّهُ مورد العقد لَا لِأَنَّهُ عَاقد فَلَا يسْتَثْنى ذَلِك من عدم الِانْفِسَاخ لَكِن اسْتثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا مَا لَو آجر عَبده الْمُعَلق عتقه بِصفة فَوجدت مَعَ مَوته فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ على الْأَصَح
وَمِنْهَا مَا لَو أجر أم وَلَده وَمَات فِي الْمدَّة فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ
وَمِنْهَا

(2/350)


الْمُدبر فَإِنَّهُ كالمعلق عتقه بِصفة
وَاسْتثنى غير ذَلِك مِمَّا ذكرته فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره وَلَا تَنْفَسِخ بِمَوْت نَاظر الْوَقْف من حَاكم أَو منصوبه أَو من شَرط لَهُ النّظر على جَمِيع الْبُطُون
وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو كَانَ النَّاظر هُوَ الْمُسْتَحق للْوَقْف آجر بِدُونِ أُجْرَة الْمثل فَإِنَّهُ يجوز لَهُ ذَلِك فَإِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْمدَّة انْفَسَخت كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَو أجر الْبَطن الأول من الْمَوْقُوف عَلَيْهِم الْعين الْمَوْقُوفَة مُدَّة وَمَات الْبَطن الْمُؤَجّر قبل تَمامهَا وَشرط الْوَاقِف لكل بطن مِنْهُم النّظر فِي حِصَّته مُدَّة اسْتِحْقَاقه فَقَط أَو أجر الْوَلِيّ صَبيا أَو مَاله مُدَّة لَا يبلغ فِيهَا الصَّبِي بِالسِّنِّ فَبلغ فِيهَا بالاحتلام وَهُوَ رشيد انْفَسَخت فِي الْوَقْف لِأَن الْوَقْف انْتقل اسْتِحْقَاقه بِمَوْت الْمُؤَجّر لغيره وَلَا ولية عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَة
وَلَا تَنْفَسِخ فِي الصَّبِي لِأَن الْوَلِيّ تصرف فِيهِ على الْمصلحَة
(وَتبطل) أَي وتنفسخ الْإِجَارَة فِي الْمُسْتَقْبل (بِتَلف) كل (الْعين الْمُسْتَأْجرَة) كانهدام كل الدَّار لزوَال الِاسْم وفوات الْمَنْفَعَة بِخِلَاف الْمَبِيع الْمَقْبُوض لَا يَنْفَسِخ البيع بتلفه فِي يَد المُشْتَرِي لِأَن الِاسْتِيلَاء فِي البيع حصل على جملَة الْمَبِيع والاستيلاء على الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا لَا يحصل إِلَّا شَيْئا فَشَيْئًا
وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِسَبَب انْقِطَاع مَاء أَرض استؤجرت لزراعة لبَقَاء الِاسْم مَعَ إِمْكَان ريعها بِغَيْر الْمُنْقَطع بل يثبت الْخِيَار للعيب على التَّرَاخِي
وتنفسخ بِحَبْس غير مكتر للمعين مُدَّة حَبسه إِن قدر بِمدَّة سَوَاء أحبسه الْمكْرِي أم غَيره لفَوَات الْمَنْفَعَة قبل الْقَبْض وَلَا تَنْفَسِخ بِبيع الْعين الْمُؤجرَة للمكتري أَو لغيره وَلَو بِغَيْر إِذن الْمُكْتَرِي وَلَا بِزِيَادَة أُجْرَة وَلَا بِظُهُور طَالب بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَلَو كَانَت إِجَارَة وقف لجريانها بالغبطة فِي وَقتهَا كَمَا لَو بَاعَ مَال موليه ثمَّ زَادَت الْقيمَة أَو ظهر طَالب بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِإِعْتَاق رَقِيق وَلَا يرجع على سَيّده بِأُجْرَة مَا بعد الْعتْق لِأَنَّهُ تصرف فِيهِ حَالَة ملكه فَأشبه مَا لَو زوج أمته وَاسْتقر مهرهَا بِالدُّخُولِ ثمَّ أعْتقهَا لَا ترجع عَلَيْهِ بِشَيْء
تَنْبِيه يجوز إِبْدَال مستوف ومستوفى بِهِ كمحمول من طَعَام وَغَيره ومستوفي فِيهِ كَأَن اكترى دَابَّة لركوب فِي طَرِيق إِلَى

(2/351)


قَرْيَة بِمثل المستوفي والمستوفى بِهِ والمستوفى فِيهِ أَو بِدُونِ مثلهَا الْمَفْهُوم بِالْأولَى
أما الأول فَكَمَا لَو أكرى مَا اكتراه لغيره وَأما الثَّانِي وَالثَّالِث فلأنهما طَرِيقَانِ للاستيفاء كالراكب لَا مَعْقُود عَلَيْهِمَا
وَلَا يجوز إِبْدَال مُسْتَوفى مِنْهُ كدابة لِأَنَّهُ إِمَّا مَعْقُود عَلَيْهِ أَو مُتَعَيّن بِالْقَبْضِ إِلَّا فِي إِجَارَة ذمَّة فَيجب إِبْدَاله لتلف أَو تعييب
وَيجوز الْإِبْدَال مَعَ سَلامَة مِنْهُمَا بِرِضا مكتر لِأَن الْحق لَهُ
(وَلَا ضَمَان على الْأَجِير) فِي تلف مَا بِيَدِهِ لِأَنَّهُ أَمِين على الْعين المكتراة لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِيفَاء حَقه إِلَّا بِوَضْع الْيَد عَلَيْهَا وَلَو بعد مُدَّة الْإِجَارَة إِن قدرت بِزَمن أَو مُدَّة إِمْكَان الِاسْتِيفَاء إِن قدرت بِمحل عمل استصحابا لما كَانَ كالوديع فَلَو اكترى دَابَّة وَلم ينْتَفع بهَا فَتلفت أَو اكتراه لخياطة ثوب أَو صبغه فَتلف لم يضمن سَوَاء انْفَرد الْأَجِير بِالْيَدِ أم لَا كَأَن قعد الْمُكْتَرِي مِنْهُ حَتَّى يعْمل أَو أحضر منزله ليعْمَل كعامل الْقَرَاض (إِلَّا بعدوان) كَأَن ترك الِانْتِفَاع الدَّابَّة فَتلفت بِسَبَب كانهدام سقف إصطبلها عَلَيْهَا فِي وَقت لَو انْتفع بهَا فِيهِ عَادَة سلمت وَكَأن ضربهَا أَو نخعها باللجام فَوق عَادَة فيهمَا أَو أركبها أثقل مِنْهُ أَو أسكن مَا اكتراه حدادا أَو قصارا دق وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك أَو حمل الدَّابَّة مائَة رَطْل شعير بدل مائَة رَطْل بر أَو عَكسه أَو حملهَا عشرَة أَقْفِزَة بر بدل عشرَة أَقْفِزَة شعير فَيصير ضَامِنا لَهَا لتعديه بِخِلَاف مَا لَو حملهَا عشرَة أَقْفِزَة شعير بدل عشرَة أَقْفِزَة بر فَإِنَّهُ لَا يضمن لخفة الشّعير مَعَ استوائهما فِي الحجم
تَنْبِيه لَا أُجْرَة لعمل كحلق رَأس وخياطة ثوب بِلَا شَرط أُجْرَة وَإِن عرف ذَلِك الْعَمَل بهَا لعدم التزامها مَعَ صرف الْعَامِل منفعَته
هَذَا إِذا كَانَ حرا مُطلق التَّصَرُّف أما لَو كَانَ عبدا أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو نَحوه فَلَا إِذْ لَيْسُوا من أهل التَّبَرُّع بمنافعهم وَهَذَا بِخِلَاف دَاخل الْحمام بِلَا إِذن لِأَنَّهُ استوفى مَنْفَعَة الْحمام بسكونه فِيهِ وَبِخِلَاف عَامل الْمُسَاقَاة إِذا عمل مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِإِذن فَإِنَّهُ يسْتَحق الْأُجْرَة للْإِذْن فِي أصل الْعَمَل الْمُقَابل بعوض
تَتِمَّة لَو قطع الْخياط ثوبا وخاطه قبَاء وَقَالَ لمَالِكه بذا أَمرتنِي
فَقَالَ الْمَالِك بل أَمرتك بِقطعِهِ قَمِيصًا صدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ كَمَا لَو اخْتلفَا فِي أصل الْإِذْن فَيحلف أَنه مَا أذن لَهُ فِي قطعه قبَاء وَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ إِذا حلف
وَله على الْخياط أرش نقص الثَّوْب لِأَن الْقطع بِلَا إِذن مُوجب للضَّمَان وَفِيه وَجْهَان فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيح أَحدهمَا أَنه يضمن مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومقطوعا وَصَححهُ ابْن أبي عصرون وَغَيره
لِأَنَّهُ أثبت بِيَمِينِهِ أَنه لم يَأْذَن فِي قطعه قبَاء
وَالثَّانِي مَا بَين قِيمَته مَقْطُوعًا قَمِيصًا ومقطوعا قبَاء وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَقَالَ لَا يتَّجه غَيره وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن أصل الْقطع مَأْذُون فِيهِ وعَلى هَذَا لَو لم يكن بَينهمَا تفَاوت أَو كَانَ مَقْطُوعًا قبَاء أَكثر قيمَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَيجب على الْمكْرِي تَسْلِيم مِفْتَاح الدَّار إِلَى الْمُكْتَرِي إِذا سلمهَا إِلَيْهِ لتوقف الِانْتِفَاع عَلَيْهِ فَإِذا تسلمه الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَده أَمَانَة فَلَا يضمنهُ بِلَا تَفْرِيط وَهَذَا فِي مِفْتَاح غلق مُثبت
أما القفل الْمَنْقُول ومفتاحه فَلَا يسْتَحقّهُ

(2/352)


الْمُكْتَرِي وَإِن اُعْتِيدَ وعمارتها على الْمُؤَجّر سَوَاء أقارن الْخلَل العقد كدار لَا بَاب لَهَا أم عرض لَهَا دواما فَإِن بَادر وَأَصْلَحهَا فَذَاك وَإِلَّا فللمكتري الْخِيَار وَرفع الثَّلج عَن السَّطْح فِي دوَام الْإِجَارَة على الْمُؤَجّر لِأَنَّهُ كعمارة الدَّار وتنظيف عَرصَة الدَّار من ثلج وكناسة على الْمُكْتَرِي إِن حصلا فِي دوَام الْمدَّة فَإِن انْقَضتْ الْمدَّة أجبر على نقل الكناسة دون الثَّلج
وَلَو كَانَ التُّرَاب أَو الرماد أَو الثَّلج مَوْجُودا عِنْد العقد كَانَت إِزَالَته على الْمُؤَجّر إِذْ بِهِ يحصل بِهِ التَّسْلِيم التَّام

فصل فِي الْجعَالَة
وجيمها مُثَلّثَة كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَهِي لُغَة اسْم لما يَجْعَل للْإنْسَان على فعل شَيْء
وَشرعا
الْتِزَام عوض مَعْلُوم على عمل معِين مَعْلُوم أَو مَجْهُول عسر علمه
وَذكرهَا المُصَنّف كصاحب التَّنْبِيه وَالْغَزالِيّ وتبعهم فِي الرَّوْضَة عقب الْإِجَارَة لاشْتِرَاكهمَا فِي غَالب الْأَحْكَام إِذْ الْجعَالَة لَا تخَالف الْإِجَارَة إِلَّا فِي أَرْبَعَة أَحْكَام صِحَّتهَا على عمل مَجْهُول عسر علمه كرد الضال والآبق وصحتها مَعَ غير معِين وَكَونهَا جَائِزَة وَكَون الْعَامِل لَا يسْتَحق الْجعل إِلَّا بعد تَمام الْعَمَل
وَذكرهَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ تبعا لِلْجُمْهُورِ عقب بَاب اللَّقِيط لِأَنَّهَا طلب الْتِقَاط الضَّالة
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع وَإِلَّا خبر الَّذِي رقاه الصَّحَابِيّ بِالْفَاتِحَةِ على قطيع من الْغنم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الراقي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم
والقطيع ثَلَاثُونَ رَأْسا من الْغنم
وَأَيْضًا الْحَاجة قد تَدْعُو إِلَيْهَا فجازت كَالْإِجَارَةِ ويستأنس لَهَا بقوله تَعَالَى {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير} وَكَانَ مَعْلُوما عِنْدهم كالوسق وَلم أستدل بِالْآيَةِ لِأَن شرع من قبلنَا لَيْسَ شرعا لنا وَإِن ورد فِي شرعنا مَا يقرره
وأركانها أَرْبَعَة عمل وَجعل وَصِيغَة وعاقد
وَشرط فِي الْعَاقِد وَهُوَ الرُّكْن الأول اخْتِيَار وَإِطْلَاق تصرف مُلْتَزم وَلَو غير الْمَالِك فَلَا يَصح الْتِزَام مكره وَصبي وَمَجْنُون ومحجور سفه وَعلم عَامل وَلَو مُبْهما بالالتزام فَلَو قَالَ إِن رده زيد فَلهُ كَذَا
فَرده غير عَالم بذلك
أَو من رد آبقي فَلهُ كَذَا فَرده من لم يعلم ذَلِك لم يسْتَحق شَيْئا
وأهلية عمل معِين فَيصح مِمَّن هُوَ أهل لذَلِك وَلَو عبدا وصبيا ومجنونا ومحجور سفه وَلَو بِلَا إِذن بِخِلَاف صَغِير لَا يقدر على الْعَمَل

(2/353)


لِأَن منفعَته مَعْدُومَة كاستئجار أعمى للْحِفْظ
(والجعالة جَائِزَة) من الْجَانِبَيْنِ فَلِكُل من الْمَالِك وَالْعَامِل الْفَسْخ قبل تَمام الْعَمَل وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْفَسْخ ابْتِدَاء من الْعَامِل الْمعِين وَأما غَيره فَلَا يتَصَوَّر الْفَسْخ مِنْهُ إِلَّا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَإِن فسخ الْمَالِك أَو الْعَامِل الْمعِين قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل أَو فسخ الْعَامِل بعد الشُّرُوع فِيهِ فَلَا شَيْء لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ
أما فِي الأولى فَلِأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ لم يحصل غَرَض الْمَالِك
وَإِن فسخ الْمَالِك بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَعَلَيهِ أُجْرَة الْمثل لما عمله الْعَامِل لِأَن جَوَاز العقد يَقْتَضِي التسليط على رَفعه وَإِذا ارْتَفع لم يجب الْمُسَمّى كَسَائِر الفسوخ لَكِن عمل الْعَامِل وَقع مُحْتَرما فَلَا يفوت عَلَيْهِ فَرجع إِلَى بدله وَهُوَ أُجْرَة الْمثل
(وَهِي) أَي لفظ الْجعَالَة أَي الصِّيغَة فِيهَا وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي (أَن يشْتَرط) الْعَاقِد الْمُتَقَدّم ذكره (فِي رد ضالته) الَّتِي هِيَ اسْم لما ضَاعَ من الْحَيَوَان كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره أَو فِي رد مَا سواهَا أَيْضا من مَال أَو أَمْتعَة وَنَحْوهَا أَو فِي عمل كخياطة ثوب (عوضا) كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا (مَعْلُوما) لِأَنَّهَا مُعَاوضَة فافتقرت إِلَى صِيغَة تدل على الْمَطْلُوب كَالْإِجَارَةِ بِخِلَاف طرف الْعَامِل لَا يشْتَرط لَهُ صِيغَة فَلَو عمل أحد بقول أَجْنَبِي كَأَن قَالَ زيد يَقُول من رد عَبدِي فَلهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَلَا شَيْء لَهُ لعدم الِالْتِزَام فَإِن كَانَ صَادِقا فَلهُ على زيد مَا الْتَزمهُ إِن كَانَ الْمخبر ثِقَة وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَو رد عبد زيد غير عَالم بِإِذْنِهِ والتزامه
وَلمن رده من أقرب من الْمَكَان الْمعِين قسطه من الْجعل فَإِن رده من أبعد مِنْهُ فَلَا زِيَادَة لَهُ لعدم التزامها أَو من مثله من جِهَة أُخْرَى فَلهُ كل الْجعل لحُصُول الْغَرَض
وَقَوله عوضا مَعْلُوما إِشَارَة إِلَى الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْجعل فَيشْتَرط فِيهِ مَا يشْتَرط فِي الثّمن فَمَا لَا يَصح ثمنا لجهل أَو نَجَاسَة أَو لغَيْرِهِمَا يفْسد العقد كَالْبيع وَلِأَنَّهُ مَعَ الْجَهْل لَا حَاجَة إِلَى احْتِمَاله هُنَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَل وَالْعَامِل وَلِأَنَّهُ لَا يكَاد أحد يرغب فِي الْعَمَل مَعَ جَهله بالجعل
فَلَا يحصل مَقْصُود العقد
وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَسْأَلَة العلج إِذا جعل لَهُ الإِمَام إِن دلنا على قلعة جَارِيَة مِنْهَا وَمَا لَو وصف الْجعل بِمَا يُفِيد الْعلم وَإِن لم يَصح كَونه ثمنا لِأَن البيع لَازم فاحتيط لَهُ بِخِلَاف الْجعَالَة وَشرط فِي الْعَمَل وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع كلفة وَعدم تعينه فَلَا جعل فِيمَا لَا كلفة فِيهِ وَلَا فِيمَا تعين عَلَيْهِ كَأَن قَالَ من دلَّنِي على مَالِي فَلهُ كَذَا وَالْمَال بيد غَيره أَو تعين عَلَيْهِ الرَّد لنَحْو غصب وَإِن كَانَ فِيهِ كلفة لِأَن مَا لَا كلفة فِيهِ وَمَا تعين عَلَيْهِ شرعا لَا يقابلان بعوض وَمَا لَا يتَعَيَّن شَامِل للْوَاجِب على الْكِفَايَة كمن حبس ظلما فبذل مَالا لمن يتَكَلَّم فِي خلاصه بجاهه أَو غَيره فَإِنَّهُ جَائِز كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَعدم تأقيته لِأَن تأقيته قد يفوت الْغَرَض فَيفْسد وَسَوَاء اكان الْعَمَل الَّذِي يَصح العقد عَلَيْهِ مَعْلُوما أَو مَجْهُولا عسر علمه للْحَاجة كَمَا فِي الْقَرَاض بل أولى فَإِن لم يعسر علمه اعْتبر ضَبطه إِذْ لَا حَاجَة إِلَى احْتِمَال الْجَهْل
فَفِي بِنَاء حَائِط يذكر مَوْضِعه وَطوله وَعرضه وارتفاعه وَمَا يبْنى بِهِ وَفِي الْخياطَة يعْتَبر وصفهَا وَوصف الثَّوْب
(فَإِذا ردهَا) أَي الضَّالة أَو رد غَيرهَا من المَال الْمَعْقُود عَلَيْهِ أَو فرغ من عمل الْخياطَة مثلا (اسْتحق) الْعَامِل حِينَئِذٍ على

(2/354)


الْجَاعِل (ذَلِك الْعِوَض الْمَشْرُوط) لَهُ فِي مُقَابلَة عمله وللمالك أَن يتَصَرَّف فِي لجعل الَّذِي شَرطه لِلْعَامِلِ بِزِيَادَة أَو نقص أَو بتغيير جنسه قبل الْفَرَاغ من عمل الْعَامِل سَوَاء أَكَانَ قبل الشُّرُوع أم بعده كَمَا يجوز فِي البيع فِي زمن الْخِيَار بل أولى كَأَن يَقُول من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة
ثمَّ يَقُول فَلهُ خَمْسَة أَو عَكسه أَو يَقُول من رده فَلهُ دِينَار ثمَّ يَقُول فَلهُ دِرْهَم فَإِن سمع الْعَامِل ذَلِك قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل اعْتبر النداء الْأَخير وللعامل مَا ذكر فِيهِ وَإِن لم يسمعهُ الْعَامِل أَو كَانَ بعد الشُّرُوع اسْتحق أُجْرَة الْمثل لِأَن النداء الْأَخير فسخ للْأولِ وَالْفَسْخ من الْمَالِك فِي أثْنَاء الْعَمَل يَقْتَضِي الرُّجُوع إِلَى أُجْرَة الْمثل فَلَو عمل من سمع النداء الأول خَاصَّة وَمن سمع النداء الثَّانِي اسْتحق الأول نصف أُجْرَة الْمثل وَالثَّانِي نصف الْمُسَمّى الثَّانِي
وَالْمرَاد بِالسَّمَاعِ الْعلم وَأُجْرَة الْمثل فِيمَا ذكر لجَمِيع الْعَمَل لَا للماضي خَاصَّة
تَتِمَّة لَو تلف الْمَرْدُود قبل وُصُوله كَأَن مَاتَ الْآبِق بِغَيْر قتل الْمَالِك لَهُ فِي بعض الطَّرِيق وَلَو بِقرب دَار سَيّده أَو غصب أَو تَركه الْعَامِل أَو هرب وَلَو فِي دَار الْمَالِك قبل تَسْلِيمه لَهُ فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ وَإِن حضر الْآبِق لِأَنَّهُ لم يردهُ بِخِلَاف مَا لَو اكترى من يحجّ عَنهُ فَأتى بِبَعْض الْأَعْمَال وَمَات حِينَئِذٍ يسْتَحق من الْأُجْرَة بِقدر مَا عمل
وَفرقُوا بَينهمَا بِأَن الْمَقْصُود من الْحَج الثَّوَاب وَقد حصل بِبَعْض الْعَمَل وَهنا لم يحصل شَيْء من الْمَقْصُود وَإِذا رد الْآبِق على سَيّده فَلَيْسَ لَهُ حَبسه لقبض الْجعل لِأَن الِاسْتِحْقَاق بِالتَّسْلِيمِ وَلَا حبس قبل الِاسْتِحْقَاق وَكَذَا لَا يحْبسهُ لِاسْتِيفَاء مَا أنفقهُ عَلَيْهِ بِإِذن الْمَالِك وَيصدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ إِذا أنكر شَرط الْجعل لِلْعَامِلِ بِأَن اخْتلفَا فِيهِ فَقَالَ الْعَامِل شرطت لي جعلا وَأنكر الْمَالِك
أَو أنكر سعي الْعَامِل فِي رد الْآبِق بِأَن قَالَ لم ترده وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفسِهِ لِأَن الأَصْل عدم الشَّرْط وَالرَّدّ فَإِن اخْتلف الْمُلْتَزم من مَالك أَو غَيره وَالْعَامِل فِي قدر الْجعل بعد فرَاغ الْعَمَل تحَالفا وَفسخ العقد وَوَجَب لِلْعَامِلِ أُجْرَة الْمثل كَمَا لَو اخْتلفَا فِي الْإِجَارَة