البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب السواك]
السواك غير واجب، وهو قول كافة العلماء. وقال داود وأهل الظاهر: (هو واجب) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو كان واجبًا لأمرهم به، سواء شق أو لم يشق) .
إذا ثبت أنه ليس بواجب.. فهو سنة، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل بالسواك حتى خفت أن يدردني» .
وروي عن ابن عباس أنه قال: (في السواك عشر خصال: مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة للملائكة، مسخطة للشيطان، يذهب الحفر ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويقلل البلغم، ويطيب الفم، وهو من السنة، ويزيد في الحسنات) .

(1/89)


قال أبو علي في " الإفصاح " وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " السواك يزيد في الفصاحة» وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: (السواك يجلب الرزق) .
وقيل: إن السواك من الكلمات التي قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] [البقرة: 124] . وهي عشر: (خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فاللواتي في الرأس: السواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، وفرق الشعر، واللواتي في الجسد: الختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وتقليم الأظافر، ونتف الإبطين) . وروي: (أن السواك كان في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة

(1/90)


القلم من أذن الكاتب) .
قال المسعودي: [في " الإبانة: ق \ 16"] وهل هو من سنن الوضوء؟ فيه وجهان. ويستحب عند ثلاثة أحوال:
أحدها: عند القيام إلى الصلاة، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك» . ومعناه: أن ثواب صلاة بسواك أكثر من ثواب سبعين صلاة بغير سواك.
والثاني: عند اصفرار الأسنان، لما روى العباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا» ، و (القلح) : جمع أقلح، والقلح: صفرة الأسنان، قال الشاعر:

(1/91)


قد بنى اللؤم عليهم بينه ... وفشا فيهم مع اللؤم القلح
والثالث: عند تغير الفم، وقد يتغير بالنوم، ويتغير بأكل الثوم والبصل والكراث ويتغير بالأزم، واختلفوا في الأزم:
فقيل: هو طول السكوت، ولهذا يقال: أزم الفرس على اللجام.
وقيل: هو من الجوع؛ ولهذا يقال: (نعم الدواء الأزم) يعني: الجوع.
وذكر بعض أصحابنا: أن السواك يستحب في حالين آخرين:
أحدهما: عند القيام إلى الوضوء.
والثاني: عند قراءة القرآن.
ولا يكره إلا في موضع واحد، وهو للصائم بعد الزوال.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» .
قال [ابن] الصفار: ومعنى الخبر: أن ثواب خلوف فم الصائم أفضل عند الله من ريح المسك؛ لأن الأشياء عند الله على خلاف حقائقها، والسواك يقطع ذلك فكره.

(1/92)


ويستحب أن يعود ذلك الصبيان، ليعتادوه عند بلوغهم. ويستحب أن يستاك بالأراك.
قال الصيمري: ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده.
ويستحب أن يكون عود الخلال من عود السواك، ولا يجوز السواك بما كان من المشمومات.
وبأي شيء استاك مما يزيل القلح والتغيير، كالخرقة الخشنة، أجزأه، فإن أمر أصبعه على أسنانه.. لم يجزئه.
وقال مالك: (يجزئه) .
دليلنا: أن ذلك لا يسمى سواكًا، فلم يجزئه.
قال الصيمري: ويكره أن يدخل سواكه في وضوئه.
ويستحب إذا أراد السواك ثانيًا: أن يغسله. والمستحب إذا أراد السواك: أن يبدأ بالجانب الأيمن، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب التيامن في كل شيء» ، ويستحب أن يستاك عرضًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استاكوا عرضًا، وادهنوا غبا، واكتحلوا وترًا» .
و (الدهان الغب) : أن يدهن يومًا ثم يتركه حتى يجف رأسه، ثم يدهن؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الإرفاه» . قال أبو عبيد: هو كثرة التدهن.

(1/93)


و (اكتحال الوتر) : هو أن يكتحل في كل عين ثلاثة أطراف؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكحلة يكتحل منها كل ليلة - في كل عين - ثلاثة أطراف» .

[مسألة: ذكر خصال الفطرة]
قال الصيمري: وإن كانت له لحية.. فينبغي له أن يسرحها، ولا يتركها مشعانة، فإذا شابت.. غيرها بالحناء والكتم.
ويستحب أن يقلم الأظفار، ويقص الشارب، ويغسل البراجم - وهي عقد اليدين - وينتف الإبط، ويحلق العانة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] [البقرة: 124] ، وقد تقدم تفسيرها.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، والانتضاح بالماء، والختان، والاستحداد» .

(1/94)


وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح» .
واختلف في (الانتضاح) .
فقيل: هو الاستنجاء بالماء.
وقد روي: " الانتقاص بالماء " لأنه ينتقص البول، أي: يقطعه.
وقيل: هو أن ينضح فرجه بالماء بعد فراغه من الطهارة.

[فرع: حكم الختان]
ويجب الختان في حق الرجال والنساء.
وقال أبو حنيفة: (هو سنة في حق الجميع) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] [النحل: 123] ، فأمر الله نبيه باتباع ملة إبراهيم.
وروي: «أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختتن بالقدوم» . وهو مقيل له، أي: كان ينزل به. وقيل: هي قرية بالشام، وقيل: هو الفأس.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم عطية - وكانت تختن النساء -: «أشمي، ولا

(1/95)


تنهكي» ، وروي: «اخفضي ولا تنهكي.. فإنه أسرى لوجهها، وأحظى لها عند زوجها» .
فقوله: " أشمي " أي: خذي قليلًا، وقوله: " لا تنهكي "، أي يعني: ولا تستقصي في القطع.
والختان في الرجل: هو أن تقطع الجلدة التي فوق الحشفة، حتى تنكشف جميعها. وفي المرأة: أن تقطع الجلدة التي فوق مدخل الذكر.
ويستحب أن يفعل ذلك يوم السابع من ولادته، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختن الحسن والحسين يوم السابع» ، ولأنه أسهل.
وأما وقت وجوبه: فلا يجب على الصبي حتى يبلغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على الصبي، كالصلاة، فإذا بلغ.. أُمر بالختان، فإن امتنع.. أجبره السلطان.
وهل يجب ذلك على الولي، أن يفعله بالصبي قبل بلوغه؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي أبو الفتوح:
[أحدهما] : قال الصيدلاني، وأبو سليمان المروزي: يجب عليه، فإذا لم يفعله الولي حتى بلغ الصبي.. عصى الولي.
و [الثاني] : قال سائر أصحابنا: لا يجب على الولي.
فإن كان هناك خنثى مشكل: قال القاضي أبو الفتوح: وجب عليه ختان الفرجين؛ لأن أحدهما أصلي يجب ختانه، والآخر زائد لا يجب ختانه، فوجب ختانهما ليسقط الفرض باليقين.

(1/96)


فإن قلتم: كيف أوجبتم قطعها، وإنما يجب عليه قطع أحدهما؟
قلنا: لأنه لما لم يتمكن من الوصول إلى قطع المستحق منهما إلا بقطعها.. وجب قطعهما، كما أن من تزوج بكرًا، لما لم يتمكن من وصوله إلى حقه إلا بإتلاف البكارة - وهي جزء منها - كان له ذلك، ولم يلزمه لأجله ضمان، وكما أنه إذا جبر عظمه بعظم نجس، والتحم اللحم عليه.. فإنه عليه شق الجلد واللحم؛ ليصل إلى العظم ويخرجه.
وذكر أبو المعالي الجويني: أن رجلًا لو توسط قومًا، ولم يجد سبيلًا إلى الخروج لكثرة الناس، فخاف أن يموت جوعًا أو عطشًا أو ضيق نفس، ولا يجد السبيل إلى الخروج إلا بوطء بعضهم وإتلافه.. كان له ذلك!.
إذا ثبت هذا: فإن كان الخنثى صغيرًا.. ختنه الرجال والنساء إذا قلنا: يجب ختان الصغير.
وإن قلنا: لا يجب ختان الصغير.. لا يختن الخنثى الصغير؛ لأنه لا يتعين المحل فإذا بلغ.. وجب عليه الختان بلا خلاف على المذهب.
ومن الذي يتولى ذلك منه؟ ينظر فيه:
فإن كان يحسن ذلك بنفسه.. تولاه، وإن لم يقدر على ذلك لجبنه أو لقلة إحسانه.. اشترى له جارية تتولى ذلك منه.
وإن لم توجد جارية تحسن ذلك.. جاز أن يتولاه الرجال والنساء منه؛ لأن هذا موضع ضرورة، فجاز للرجال والنساء، كالطبيب.

(1/97)


وإن كان لرجل ذكران، فإن عرف الأصلي منهما.. وجب ختانه دون غيره.
قال صاحب " الإبانة " [ق 25 - 26] : ويعرف الأصلي بالبول.
وقال غيره من أصحابنا: يعرف بالعمل، فإن كانا عاملين، أو كان يبول منهما، وكانا على منبت الذكر على حد السواء.. وجب ختانهما، كما قلنا في الخنثى المشكل.
وبالله التوفيق

(1/98)