البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب طهارة البدن وما يصلى فيه وعليه]
الطهارة ضربان: طهارة عن حدث، وطهارة عن نجس.
فأما الطهارة عن الحدث: فهي شرط في صحة الصلاة، وذلك إجماع لا خلاف فيه وقد مضى ذكر ذلك.
وأما الطهارة عن النجس في البدن، والثوب، والبقعة التي يصلي عليها:
فهي شرط في صحة الصلاة عندنا، وهو قول كافة العلماء.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا صلى وعليه نجاسة. . أعاد في الوقت) .
وهذا من قوله يدل على الاستحباب وروي عن ابن عباس: أنه قال: (ليس على الثوب جنابة) .
وروي: أن رجلاً سأل سعيد بن جبير عمن صلى وفي ثوبه نجاسة؟ فقال: اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثوب من النجس.

(2/90)


وروي عن ابن مسعود: (أنه نحر جزورًا، فأصاب ثوبه من دمه وفرثه، فصلى ولم يغسله) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] [المدثر: 4] والمراد به: عن النجس؛ لأن الثوب لا يتأتى فيه الطهارة عن الحدث.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه» . ولم يفرق.
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» .
إذا ثبت هذا: فالنجاسة على ضربين: دم، وغير دم.
فأما غير الدم، كالخمر، والبول، والعذرة: فإن كانت يدركها الطرف. . لم يعف عنها؛ لأنه يمكن الاحتراز منها. وإن كانت لا يدركها الطرف. . ففيها طرق مضى ذكرها في المياه.
وإن كانت دمًا: فإن كان دم ما لا نفس له سائلة، كالبق، والبرغوث. . فقد ذكرنا فيما قبل: أنه نجس - خلافًا لأبي حنيفة - وإذا ثبت: أنه نجس. . فإنه يعفى عن قليله في الثوب والبدن؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
وهل يعفى عن كثيره؟ فيه وجهان:
[الأول] قال أبو سعيد الإصطخري: لا يعفى عنه؛ لأنه لا يشق الاحتراز منه.
و [الثاني] قال عامة أصحابنا: يعفى عنه. وهو الأصح؛ لأن هذا الجنس يشق الاحتراز منه في الغالب، فألحق نادره بغالبه.

(2/91)


وإن كان دم ما له نفس سائلة من الحيوان غير الكلب، والخنزير، وما توالد منهما، أو من أحدهما. . ففيه ثلاثة أقوال:
[الأول] : قال في " الإملاء ": (لا يعفى عن قليله، ولا عن كثيره، كالبول، والعذرة) .
و [الثاني] : قال في القديم: (يعفى عما دون الكف، ولا يعفى عن الكف؛ لأن ما دون الكف قليل فيعفى عنه، والكف فما زاد كثير، فلم يعف عنه) .
و [الثالث] : قال في " الأم " [1/47] : (يعفى عن القليل منه، وهو: ما يتعافاه الناس في العادة) . وهو الأصح، وقدره بعض أصحابنا بلمعة؛ لأنه يشق الاحتراز من ذلك، ولا يشق الاحتراز عما زاد.
وهل يفرق بين الدم الذي يخرج منه، وبين ما يخرج من غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا فرق بينهما؛ لأنه دم.
والثاني: أن الأقوال إنما هي في الدم الذي يخرج من غيره، فأما الدم الذي يخرج منه: فهو كدم البراغيث - يعفى عن القليل منه، قولاً واحدًا. وفي الكثير وجهان - لأنه يمكنه الاحتراز من الدم الذي يخرج من غيره، ولا يمكنه الاحتراز من الدم الذي يخرج منه.

[مسألة حكم النجاسة التي لا يعفى عنها]
] : إذا كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها، ولم يجد ماء يغسله به. . صلى، وأعاد، كما قلنا فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا.
وإن كان على قرحه دم يخاف من غسله تلف النفس، أو تلف عضو، أو الزيادة في العلة أو إبطاء البرء إذا قلنا: إنه كخوف التلف. . فإنه يغسل ما قدر عليه، ويتيمم

(2/92)


لأجل الجراحة، إن كان جنبًا، أو كان محدثًا، والقرح في أعضاء الطهارة.
وهل يلزمه إعادة الصلاة، إذا قدر على الغسل؟ فيه قولان:
أحدهما: لا تلزمه الإعادة إذا قدر - وهو قول أبي حنيفة، واختيار المزني - لأنه صلى على حسب حاله.
والثاني: تلزمه الإعادة، وهو الصحيح؛ لأنه صلى بنجس نادر غير متصل، فهو كما لو صلى بنجاسة نسيها.
فقولنا: (بنجس نادر) احتراز من أثر الاستنجاء.
وقولنا: (غير متصل) احتراز من الاستحاضة، ومن سلس البول.

[فرع تبديل العظم والسن بنجس]
] : إذا انكسر عظمه وبان، أو سقطت سنه، فأراد أن يبدل مكانها عظمًا آخر، فإن كان عظمًا طاهرًا، كعظم الحيوان المأكول بعد الذكاة. . جاز.
وإن كان عظمًا نجسًا، كعظم الميتة - إذا قلنا: تحله الروح - أو عظم الكلب والخنزير. . لم يجز، فإن فعل ذلك، فإن لم يلتحم عليه اللحم. . لزمه قلعه بلا خلاف.
وإن التحم عليه اللحم، فإن لم يخف التلف من قلعه. . لزمه قلعه.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه قلعه) .
دليلنا: أنها نجاسة غير معفو عنها، أوصلها إلى موضع، يلحقه حكم التطهير، لا يخاف التلف من قلعه، فلزمه قلعه، كما لو كانت نجاسة على ظاهر بدنه.
فقولنا: (نجاسة غير معفو عنها) احتراز من النجاسة التي لا يدركها الطرف.
وقولنا: (إلى موضع يلحقه حكم التطهير) احتراز ممن شرب الخمر، في أحد الوجهين.

(2/93)


وقولنا: (لا يخاف التلف من قلعه) احتراز من أحد الوجهين.
وإن خاف تلف النفس من قلعه، أو تلف عضو. . فهل يلزمه قلعه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه قلعه، وإن أدى إلى التلف، كما يقتل الممتنع من الصلاة.
والثاني - وهو المذهب - أنه لا يلزمه قلعه؛ لأن حكم النجاسة يسقط مع خوف التلف.
وكل موضع قلنا: يلزمه القلع، فصلى قبل القلع. . لم تصح صلاته؛ لأنه صلى بنجس نادر غير متصل، فهو كما لو حمل نجاسة في كمه.
وإن مات قبل أن يقلع. . ففيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو إسحاق: يقلع، حتى لا يلقى الله تعالى حاملاً للنجاسة.
و [الثاني] : قال عامة أصحابنا: لا يقلع؛ لأن قلعه للتعبد، وقد سقطت عنه العبادة بالموت.

[فرع حقن الدم وابتلاع النجاسة]
] : قال في " الأم " [1/46] : (فإن أدخل تحت جلده دمًا، فنبت عليه اللحم. . فعليه أن يخرج ذلك الدم، ويعيد كل صلاة صلاها مع ذلك الدم) ؛ لما ذكرناه في العظم.
وإن شرب خمرًا، أو أكل ميتة من غير ضرورة. . فالمنصوص: (أنه يلزمه أن يتقيأ) ؛ لما ذكرناه في العظم.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه؛ لأن المعدة معدن النجاسة. والأول أصح؛ لأن هذا لما كان شربه محرمًا. . كانت استدامته محرمة. ولهذا روي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شرب لبنًا، فقيل له: إنه من إبل الصدقة. . فتقيأه) .

(2/94)


[فرع وصل الشعر]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا تصل المرأة شعرها بشعر إنسان، ولا بشعر ما لا يؤكل لحمه بحال) .
وهذا كما قال: لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر نجس.
والدليل عليه: ما روت أسماء: «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمفلجة للحسن، والمغيرة خلق الله، والمتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» .
فأما (الواصلة) : فهي المرأة التي تصل الشعر لغيرها.
وأما (المستوصلة) : فهي التي يوصل لها الشعر.
قال في " الإفصاح ": وقيل: إن الواصلة: هي التي تصل بين الرجال والنساء. والأول أشهر.
وأما (الواشمة والمستوشمة) : فهي المرأة التي تجعل في وجهها، أو في بدنها خالاً للحسن بالنؤور.
وأما (النامصة والمتنمصة) : فهي التي تنتف الشعر من وجهها، وتدقق

(2/95)


حاجبيها، مأخوذ من (المنماص) ، وهو: الملقاط.
وأما (المفلجة) فهي: الواشرة، وقد روي: " الواشرة والموتشرة ". وهي: التي تشر أسنانها وتدققها، يفعل ذلك الكبار؛ تشبهًا بالصغار.
إذا ثبت هذا: فإن أرادت أن تصل شعرها بشعر طاهر، كشعر ما يؤكل لحمه بعد الذكاة أو الجز في حال الحياة، أو أرادت وصله بشيء طاهر غير الشعر، فإن كانت غير ذات زوج ولا سيد. . فهل يحرم عليها فعله؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال الشيخ أبو حامد: يكره ذلك لها؛ لأنها تغر غيرها بكثرة الشعر، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الغرر» والتدليس. ولا يحرم عليها ذلك؛ لأنه زينة بطاهر.
و [الثاني] : قال المسعودي [في " الإبانة " ق \ 69] ، والطبري: يحرم عليها ذلك؛

(2/96)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» .
وإن كان لها زوج أو سيد. . ففيه وجهان:
[الأول] : قال الشيخ أبو حامد، وغيره من أصحابنا: يجوز، ولا يكره؛ لأن لها أن تتزين له، وهذا من الزينة المباحة.
والثاني: لا يجوز. وإليه أشار في " الإفصاح "؛ لعموم الخبر.
قال الطبري: وهكذا الحكم في النقوش بالحناء، وتحمير الوجه، إن كانت غير ذات زوج أو سيد. . لم يجز.
وإن كان لها زوج، أو سيد. . فهل يجوز بإذنه؟
فيه وجهان، ولم يشترط الشيخ أبو حامد إذنه في ذلك.

[مسألة طهارة الثوب]
] : قد ذكرنا أن طهارة الثوب الذي يصلى فيه شرط في صحة الصلاة، ومضى الخلاف فيه، والدليل.
فإذا ثبت هذا: وكان معه ثوب عليه نجاسة غير معفو عنها، ولا يجد ماء يغسله به، ولم يجد سترة غيره. . فهل يصلي فيه؟ قولان:
أحدهما: يصلي في الثوب النجس، ويعيد، كما قلنا فيمن لم يجد ماء، ولا ترابًا.
والثاني - وهو الأصح -: إنه يجب عليه أن يصلي عريانًا، ولا يعيد؛ لأن الصلاة تصح مع العري، إذا لم يجد سترة، ووجود هذا الثوب كعدمه.
وإن اضطر إلى لبسه؛ لحر أو برد. . صلى فيه، وأعاد، كما قلنا فيمن لم يجد ماءً ولا ترابًا.

(2/97)


وإن وجد من الماء ما يغسله به، فإن عرف موضع النجاسة. . لزمه غسلها دون غيرها. وإن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب. . لم يجز له أن يتحرى في موضع النجاسة؛ لأن التحري إنما يكون بين عينين، والثوب عين واحدة.
وما الذي يلزمه؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال أبو العباس: يغسل موضعًا منه؛ لأنه إذا غسل موضعًا منه. . تحقق طهارة ما غسله، وصار يشك في باقيه: هل هو نجس أم لا؟ والأصل بقاؤه على الطهارة.
والثاني - وهو الأصح - أنه يلزمه غسل الثوب كله، كما لو نسي صلاة من خمس صلوات. . فإنه يلزمه أن يصلي الخمس؛ ليسقط الفرض عنه بيقين.
ولا يطهر بغسل بعضه؛ لأنه قد تحقق حصول النجاسة فيه، وهو يشك: هل ارتفعت بغسل بعضه؟ والأصل بقاؤها.
فإن شقه نصفين، فأراد أن يتحرى في القطعتين. . لم يجز؛ لجواز أن يكون الشق في وسط النجاسة، فتكون القطعتان نجستين.

[فرع اشتباه أحد الثوبين بالنجاسة]
] : وإن كان معه ثوبان، وفي أحدهما نجاسة، واشتبها عليه. . جاز له التحري فيهما، وقد مضى ذكر الخلاف في ذلك، والدليل.
فإن كان معه ثوب ثالث يتيقن طهارته، أو كان معه ماء يمكنه أن يغسل به أحد الثوبين. . فهل يجوز له التحري في الثوبين المشتبهين؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له التحري؛ لأنه يقدر على إسقاط الفرض بيقين.

(2/98)


والثاني: يجوز له؛ لأنه يجوز إسقاط الفرض في الظاهر، مع القدرة على اليقين.
وإن أداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما، ونجاسة الآخر، فغسل النجس عنده. . جاز له أن يصلي بكل واحد منهما على الانفراد.
فإن جمع بينهما، وصلى بهما. . ففيه وجهان:
[الأول] : قال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأنه يتيقن حصول النجاسة فيهما، ويشك في زوالها بالغسل، فلم يصح، كما لو أصابت النجاسة موضعًا من الثوب، واشتبه عليه، فغسل موضعًا منه.
و [الثاني] : قال أبو العباس: تصح صلاته. وهو الأصح؛ لأن أحدهما طاهر بيقين، والآخر طاهر في الظاهر، فجاز له أن يجمع بينهما.
وإن لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما، ولا ماء معه. . ففيه وجهان:
[الأول] : قال صاحب " الفروع ": يصلي بكل واحد منهما على الانفراد، إذا اتسع الوقت؛ ليسقط عنه الفرض بيقين.
و [الثاني] : قال عامة أصحابنا: يصلي عريانًا ويعيد؛ لأنه لا يجوز أن يستفتح الصلاة بثوب غير محكوم بطهارته باليقين، ولا في الظاهر.

[فرع في القميص أصابته نجاسة وخفيت عليه]
] : وإن أصابت النجاسة موضعًا من القميص، وخفي عليه موضعها، ففصل أحد الكمين. . لم يجز له التحري فيه وجهًا واحدًا؛ لأن أصله على المنع.
وإن أصابت النجاسة أحد الكمين، أو أحد شقي الثوب، واشتبها عليه. . فهل يجوز له أن يتحرى فيه قبل أن يفصله؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنهما عينان متميزتان، فهما كالثوبين.

(2/99)


والثاني: لا يجوز؛ لأنه ثوب واحد.
فإن فصل أحدهما عن الآخر. . جاز له التحري فيهما وجهًا واحدًا.

[فرع ما اتصل بالمصلي ولم يتحرك بحركته]
] : وإن كان معه ثوب، بعضه طاهر، وبعضه نجس، فلبسه وصلى فيه، والموضع النجس منه موضوع في الأرض. . لم تصح صلاته.
وقال أبو ثور: (تصح صلاته) .
وقال أبو حنيفة: (إن لم يتحرك بحركته. . صحت صلاته) .
دليلنا: أنه حامل لما هو متصل بالنجاسة، فلم تصح صلاته، كما لو كان يرتفع معه، أو يتحرك بحركته.
وإن صلى وعلى رأسه عمامة، وطرفها على نجاسة. . لم تصح صلاته، سواء كانت متضاعفة فوق النجاسة، أو غير متضاعفة.
وقال أبو حنيفة: (إن لم تتحرك بحركته. . صح) .
دليلنا: أنه حامل لما هو متصل بالنجاسة، فلم تصح صلاته، كما لو كان حاملاً للنجاسة.

[فرع ثوب الحائض والجنب والصبي والصلاة في الصوف]
] : وتجوز الصلاة في ثوب الحائض، إذا لم تتحقق عليه النجاسة؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: (كنت أحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث حيض، ولا أغسل لي ثوبًا» . وإنما أرادت: إذا لم تتحقق أنه أصابه من دمها شيء.
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة: " ناوليني الخمرة من المسجد " فقالت: إني حائض، فقال: " ليست الحيضة في يدك، والمؤمن لا ينجس» .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ويجوز للرجل أن يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله، إذا لم يصبه شيء من النجاسة) ؛ لما روي: «أن معاوية سأل أخته أم حبيبة

(2/100)


زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى» .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وتجوز الصلاة في ثوب الصبي، ما لم يعلم عليه نجاسة؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل أمامة ابنة أبي العاص، وهو يصلي، وعليها ثيابها) .
وتجوز الصلاة في الصوف، والشعر، والوبر، إذا كان طاهرًا، وهو قول كافة العلماء.
وقالت الشيعة والروافض: لا تصح الصلاة إلا على ما تخرجه الأرض.
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على نمرة» .
و (النمرة) : هي الشملة المخططة من الصوف.

[فرع في الكلب المشدود بحبل]
] : وإن شد حبلاً في كلب، أو خنزير، وتركه تحت رجله وصلى. . صحت صلاته؛ لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها.
وإن كان الحبل في يده، أو وسطه. . فذكر الشيخان: أبو حامد، وأبو إسحاق: إن كان الكلب صغيرًا. . لم تصح صلاته، وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة. وإن كان الكلب كبيرًا. . ففيه وجهان:

(2/101)


أحدهما: تصح صلاته؛ لأن للكلب اختيارًا.
والثاني: لا تصح، وهو الأصح؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة.
وذكر ابن الصباغ الوجهين من غير تفصيل بين الكبير والصغير.
وذكر المسعودي [في " الإبانة " ق \ 68] ثلاثة أوجه، ولم يفرق بين الصغير، والكبير أيضًا:
أحدها: يصح.
والثاني: لا يصح.
والثالث: إن كان الحبل مشدودًا على خرقة، أو شيء طاهر فوق الكلب. . صحت صلاته، وإن كان الحبل مشدودًا على الكلب. . لم تصح صلاته.

[فرع الصلاة بسفينة مشدودة بحبل]
نجس] : وإن شد حبلاً على سفينة فيها نجاسة، فإن كان الشد في موضع نجس من السفينة. . نظرت:
فإن كان الحبل تحت قدمه، وصلى. . صحت صلاته؛ لأنه غير حامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها.
وإن كان الحبل مشدودًا في وسطه، أو يده. . لم تصح صلاته وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة.
وإن كان الحبل مشدودًا في موضع طاهر من السفينة، وطرفه في يده. . فذكر الشيخان أبو حامد، وأبو إسحاق: إن كانت السفينة صغيرة. . لم تصح صلاته وجهًا واحدًا؛ لأنه حامل لما هو متصل بالنجاسة. وإن كانت كبيرة. . ففيه وجهان:
أحدهما: لا تصح، كالصغيرة.
والثاني: تصح. وهو المذهب؛ لأنه ليس بحامل لها، ولا لما هو متصل بالنجاسة.
وذكر ابن الصباغ وجهين، من غير تفصيل بين الصغيرة، والكبيرة.

(2/102)


[فرع حمل الحيوان في الصلاة]
] : وإن حمل المصلي حيوانًا نجسًا، كالكلب والخنزير. . لم تصح صلاته؛ لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها.
وإن كان الحيوان طاهرًا، ولا نجاسة عليه. . صحت صلاته؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل أمامة ابنة أبي العاص، وهو يصلي» .
ولأن النجاسة في جوف الحيوان لا حكم لها، كالنجاسة التي في جوف المصلي.
وإن حمل المصلي رجلا استنجى بالأحجار. . ففيه وجهان:
[الأول] : قال أبو علي السنجي: تصح صلاة الحامل، كما لو حمل حيوانًا في بطنه نجاسة. ولأنه لما عفي عن ذلك في حق المستنجي. . عفي عنه في حق من حمله.
و [الثاني] : قال القفال: لا تصح صلاة الحامل. وهو الأصح؛ لأنه حامل لنجاسة لا حاجة به إليها، فلم تصح، كما لو حمل نجاسة في كمه. ويخالف نجاسة الحيوان التي في بطنه؛ لأنه لا حكم لها. ويخالف أيضًا أثر الاستنجاء في حق المستنجي بنفسه؛ لأنه مضطر إلى ذلك.
قال الطبري: فهو كدم البراغيث، يعفى عنه في الثوب، فلو لبس ذلك الثوب، وبدنه رطب. . لم يعف عنه؛ لأنه لا ضرورة به إلى ذلك.
وإن حمل المصلي حيوانًا طاهرًا مذبوحًا، وقد غسل الدم عن موضع الذبح. . قال ابن الصباغ: لم تصح صلاة الحامل؛ لأن باطن الحيوان لا حكم له ما دام حيًا، فإذا زالت الحياة. . صار حكم الظاهر والباطن سواء، وجرى ذلك مجرى من حمل نجاسة في كمه.
وإن حمل المصلي قارورة فيها نجاسة، وقد سد رأسها بصفر أو نحاس، أو حديد. . ففيه وجهان:

(2/103)


[الأول] : قال أبو علي بن أبي هريرة: تصح صلاته؛ لأن النجاسة لا تخرج منها، فهي كالنجاسة التي في جوف الحيوان.
والثاني: لا تصح، وهو المذهب؛ لأنها نجاسة غير معفو عنها في غير محلها، فهي كما لو كانت ظاهرة.
فأما إذا سدها بخرقة، أو شمع، وما أشبهه. . قال أكثر أصحابنا: لا تصح صلاته، وجهًا واحدًا.
وذكر الشيخ أبو إسحاق: إذا سدها. . فهل تصح صلاته؟ فيه وجهان، من غير تفصيل، ولعله أراد ما قالوا.

[مسألة طهارة المكان]
] : طهارة الموضع الذي يصلى عليه شرط في صحة الصلاة، خلافًا لمالك، وقد ذكرناه.
وقال أبو حنيفة: (إذا كان موضع قدميه طاهرًا. . صحت صلاته وإن كان موضع ركبتيه نجسًا) . وفي موضع الجبهة: روايتان.
دليلنا: ما روى عمر بن الخطاب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سبعة مواطن لا تجوز الصلاة فيها: المجزرة، والمقبرة، والمزبلة، ومعاطن الإبل، والحمام، وقارعة الطريق، وفوق بيت الله العتيق» .

(2/104)


وإنما منع من الصلاة في المجزرة والمزبلة؛ لنجاستها، ولأنه موضع يلاقيه بدن المصلي، فلم تصح، كموضع القدم.
وإن كان بحذاء صدر المصلي على الأرض، أو البساط نجاسة، ولم يصبها في ثيابه، ولا بدنه. . فهل تصح صلاته؟ فيه وجهان، حكاهما في " الإبانة " [ق \ 68] و " الفروع ":
أحدهما: لا تصح صلاته؛ لأنه إذا لم تصح صلاة من على رأسه عمامة، وطرفها على النجاسة. . فلأن لا تصح صلاة هذا أولى.
والثاني: تصح. وهو الأصح؛ لأنه غر مباشر للنجاسة، ولا حامل لما هو متصل بها.
وإن صلى على موضع طاهر من البساط، وفي موضع منه نجاسة لا تحاذيه. . صحت صلاته.
وقال أبو حنيفة: (إن كان البساط لا يتحرك بحركته. . صحت صلاته، وإن كان يتحرك بحركته. . لم تصح) .
دليلنا: أنه غير حامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها، فهو كما لو صلى على أرض طاهرة وفي طرف منها نجاسة.

[فرع إصابة النجاسة للأرض]
] : وإن أصابت الأرض نجاسة، فإن عرف موضعها. . تجنبها، وصلى في غيره.

(2/105)


وإن فرش عليها بساطًا طاهرًا، وصلى عليه. . صحت صلاته.
وقال أبو حنيفة: (إن كان البساط يتحرك بحركته. . لم تصح صلاته) . وقد مضى الدليل عليه.
وإن خفي عليه موضع النجاسة. . قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أحببت أن يتباعد إلى موضع يتحقق أن النجاسة لم تبلغ إليه احتياطًا) .
فإن لم يفعل، وصلى في موضع منها، فإن كان ذلك في الصحراء. . صحت صلاته؛ لأنه لا يمكن غسلها. وإن كان ذلك في بيت. . ففيه وجهان:
أحدهما: أنه كالصحراء؛ لأنه يشق عليه غسل جميعه، فهو كالصحراء.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا يجوز، حتى يغسله كله؛ لأن البيت يمكن غسله، فهو كالبساط إذا أصابت النجاسة موضعًا منه، وخفي عليه. ويخالف الصحراء؛ فإنه لا يمكن حفظها من النجاسة، وإذا نجس موضع منها. . لم يمكن غسل جميعها.

[فرع الشبهة في نجاسة أحد البيتين]
] : وإن كانت النجاسة في أحد البيتين، واشتبها عليه. . تحرى فيهما، كما يتحرى في الثوبين.
وإن كان هناك بيت ثالث يتيقن طهارته، أو معه من الماء ما يمكنه أن يغسل به أحدهما. . فهل له التحري في البيتين؟ على الوجهين في الثوبين.

[فرع من حبس بمكان نجس]
] : وإن كان مربوطًا على خشبة، أو محبوسًا في حش أو موضع نجس، وهو

(2/106)


متوضئ. . فلا خلاف على المذهب: أنه يلزمه أن يصلي على حسب حاله. وهو قول كافة العلماء.
وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة: (أنه لا يلزمه أن يصلي) .
دليلنا: أن من لزمه فرض الوقت. . لزمه الإتيان به على حسب حاله، كالمريض.
إذا ثبت هذا: فإنه يحرم بالصلاة، ويأتي بالقيام إن قدر عليه، وبالقراءة، والركوع، فإذا أراد أن يسجد. . فإنه يدني رأسه من الأرض إلى القدر الذي لو زاد عليه. . لاقى النجاسة، ولا يضع جبهته وأنفه، ولا يديه ولا ركبتيه على الموضع النجس.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه أن يسجد على النجاسة واشترط في " الفروع " على هذا: إذا كانت النجاسة يابسة.
والمذهب الأول؛ لأنه إذا سجد على النجاسة. . حصلت النجاسة على جبهته وكفيه، فكانت مباشرته للنجاسة بعضو واحد - وهو قدماه - أولى من مباشرته لها بثلاثة أعضاء.
إذا ثبت هذا: فصلى على حسب حاله، ثم إذا قدر. . فهل تلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (لا تلزمه الإعادة) ؛ لأنه صلى على حسب حاله، فهو كالمريض.
و [الثاني] : قال في الجديد: (تلزمه الإعادة) . وهو الأصح؛ لأن هذا عذر نادر غير متصل، فلم يسقط معه الفرض.
وإذا أعاد. . ففي فرضه أقوال:

(2/107)


قال في " الأم " [1/80] : (الفرض هو الثانية) ؛ لأنا إنما أمرناه بفعل الأولى؛ لحرمة الوقت، كمن لم يجد ماء ولا ترابًا.
وقال في القديم: (الفرض هو الأولى) ؛ لأن الإعادة غير واجبة في القديم.
وقال في " الإملاء ": (الجميع فرض عليه) ؛ لأنه يجب عليه فعل الجميع. وهو اختيار ابن الصباغ. قال: والأول أشهر.
وخرج أبو إسحاق قولاً رابعًا: إن الله تعالى يحتسب له بأيتهما شاء، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم فيمن صلى الظهر في بيته، ثم صلى الجمعة: (إن الله تعالى يحتسب له بأيتهما شاء) .
وإن صلى الأولى بغير طهارة. . قال الشيخ أبو حامد: فالفرض هو الثانية، قولاً واحدًا.

[مسألة رأى نجاسة في ثوبه بعد الصلاة]
] : إذا فرغ من الصلاة، فرأى على بدنه، أو على ثوبه، أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها، فإن كان قد علم بها قبل الصلاة، ونسيها. . لم تصح صلاته؛ لأنه مفرط في ذلك.
وإن لم يعلم بها. . نظرت.
فإن جوز أن تكون وقعت عليه بعد الصلاة. . لم تلزمه الإعادة؛ لأن الأصل عدم كونها معه في الصلاة، إلا أن المستحب له: أن يعيدها؛ لجواز أن تكون معه في الصلاة.
وإن كانت مما لا يجوز حدوثها عليه بعد الصلاة. . فهل تلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
أحدهما: (لا تلزمه الإعادة) . وهو قوله القديم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف. . قال: " ما لكم خلعتم نعالكم؟ " فقالوا: رأيناك خلعت نعليك، فخلعنا نعالنا. فقال: " إنما خلعتها؛

(2/108)


لأن جبريل أتاني فأخبرني: أن فيها قذرًا. أو قال: دم حلمة» .
فلو لم تصح الصلاة. . لاستأنفها.
وقال في الجديد: (تلزمه الإعادة) . وهو الأصح؛ لأنها طهارة واجبة، فلا تسقط بالجهل، كالوضوء.
وأما الخبر: فيحتمل أن القذر الذي أصابه من المستقذرات الطاهرة، كالنخامة، وغيرها. وأما دم الحلمة: فيحتمل أنه كان قذرًا يعفى عنه.

[مسألة الصلاة في المقبرة]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وإن صلى فوق قبر، أو إلى جنبه، ولم ينبش. . أجزأه) .
وجملة ذلك: أن القبور على ثلاثة أضرب:
[الضرب الأول] : مقبرة قد تحقق أنه قد نبشت، وجعل أسفلها أعلاها، فهذه لا تصح الصلاة فوقها؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» .
ولأنها قد اختلط بتربتها صديد الموتى، ولحومهم.
الضرب الثاني: مقبرة تحقق بأنها لم تنبش، فهذه تكره الصلاة عليها؛ لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في المقبرة. ولأنها مدفن النجاسة.
فإن صلى عليها. . صحت صلاته.

(2/109)


وقال أحمد: (لا تصح) . وفي كراهية استقبالها روايتان.
دليلنا: ما «روى أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أول مسجد وضع في الأرض؟ فقال: " المسجد الحرام "، قلت: ثم أي؟ قال: " المسجد الأقصى "، فقلت: كم بينهما؟ قال: " أربعون عامًا، وحيثما أدركتك الصلاة. . فصل» .
ولأن النجاسة تحت الأرض، وأجزاء الأرض تحول بين النجاسة وبين المصلي، فصحت الصلاة، كما لو فرش حصيرًا فوق النجاسة، وصلى عليه.
الضرب الثالث: مقبرة شك فيها: هل هي جديدة، أم قد نبشت. . فهل تصح الصلاة عليها؟ فيه قولان:
أحدهما: لا تصح؛ لعموم الخبر. ولأن الظاهر تكرار النبش فيها.
والثاني: تصح الصلاة؛ لأن الأصل عدم النبش، وبقاء طهارة الأرض.

[مسألة الصلاة في الحمام]
] : (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الحمام) .
واختلف أصحابنا: لأي معنى نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة فيه؟
فمنهم من قال: نهى عن ذلك؛ لأجل النجاسة التي فيه.
فعلى هذا: يكون كالمقبرة على الأضرب الثلاثة، وأما المسلخ: فلا يدخل في النهي على هذا.
ومنهم من قال: إنما نهى عن الصلاة فيه؛ لأنه مأوى الشياطين؛ لما يكشف فيه

(2/110)


من العورات، كما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرس هو وأصحابه في واد، فناموا حتى لم يوقظهم إلا حر الشمس، فقال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ارتفعوا عن هذا الوادي؛ فإن فيه شيطانًا» ، ولم يصل فيه.
فعلى هذا: تكره الصلاة في جميع بيوته.
وإن تحقق طهارتها، فإن صلى في موضع طاهر منه. . صحت صلاته.
وقال أحمد: (لا تصح الصلاة فيه، ولا على سطحه؛ لعموم الخبر) .
دليلنا: أنه موضع طاهر، فصحت الصلاة فيه، كسائر المواضع، والخبر نحمله: على الاستحباب، بدليل رواية أبي ذر الغفاري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وحيث ما أدركتك الصلاة. . فصل» .

[مسألة الصلاة في أعطان الإبل]
] : ورد النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وهو ما روى عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة» فذكر فيها معاطن الإبل.
«وروى عبد الله بن المغفل: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح الغنم. . فصل فيه؛ فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن

(2/111)


الإبل. . . فاخرج منها وصل، فإنها جِنٌّ، من جن خُلقت، ألا تراها إذا نفرت. . كيف تشمخ بآنافها» ؟ ".
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، (ومراح الغنم هو: الموضع الذي تأوي إليه) . وأراد: الطاهر الذي لا بَعْرَ فيه.
(ومعاطن الإبل: موضع قرب البئر، تنحى إليه الإبل، حتى يرد غيرها للشرب) .
وقال غير الشافعي: (أعطان الإبل) : هو الموضع الذي تناخ فيه الإبل في الصيف، إذا شربت المرة الأولى، ثم يملأ الحوض مرة أخرى، ثم ترد إليه، فتعلل، قال لبيد:
تكره الشرب فلا تعطنها ... إنما يعطين من يرجو العلل
فجعل ذك عطنا إذا كان يرجو أن يشرب مرة ثانية.
واختلف في الفرق بين مراح الغنم، وأعطان الإبل من طريق المعنى:
فقال بعضهم: لأن الإبل جن من جن خلقت، والصلاة بقرب الشياطين مكروهة، والغنم فيها سكينة وبركة. وقيل: إنها من دواب الجنة.

(2/112)


وقيل إنما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لما يخاف من نفورها، وذلك يقطع الخشوع، ولا يخاف ذلك من الغنم.
وقيل: إنما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأنها مأوى الجن والشياطين.
وقيل: إنما نهى عن ذلك؛ لأن أعطان الإبل وسخة في العادة، ومراح الغنم طيب في العادة؛ لأن الغنم إنما تراح إلى ما استعلت أرضه، وطابت تربته، ودنا من الشمال موضعه، ولا تصلح إلا على ذلك، والإبل لا تراح إلى أدقع الأرض؛ لأنها لا تصلح إلا على ذلك.
و (الدقعاء) : التراب الكثير.

[مسألة الصلاة في قارعة الطريق]
] . وتكره الصلاة في قارعة الطريق؛ لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه لا يتمكن من الخشوع في الصلاة؛ لممر الناس فيها، ولأنها تداس بالنجاسات.
فإن صلى في موضع منها، فإن تحقق طهارته، صحت صلاته، وإن تحقق نجاسته، لم تصح صلاته، وإن شك فيها، ففيه وجهان مضى ذكرهما في المياه.
ولا يجوز له: أن يصلي في أرض مغصوبة؛ لأنه لا يجوز له: دخولها في غير الصلاة، ففي الصلاة أولى.
فإن صلى فيها. . صحت صلاته خلافا لداود.
دليلنا: أنها أرض طاهرة، وإنما المنع فيها لمعنى في غيرها، وهو حق المالك، وذلك لا يمنع صحة الصلاة.

(2/113)


[فرع كراهة الزروع في المسجد]
] . قال الصيمري: ويكره غرس النخل والشجر، وحفر الآبار في المساجد، لأنه ليس من فعل السلف.
قال: ولا بأس بإغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة، صيانة لها، وحفظا لما فيها.
والله أعلم.

(2/114)