البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب سجود السَّهو]
إذا شكَّ المصلِّي، وهو في الصلاة: هل صلَّى ركعةً، أو ركعتين، أو ثلاثًا، أو أربعًا؟ فإنه يأخذ بالأقل، ويبني على صلاته، ويسجد للسهو.
وبه قال مالك، وربيعة، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعليٍّ، وابن مسعود.
وقال الشعبي، وشريح، وعطاء والأوزاعي: (تبطل صلاته) . وروي ذلك عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس.
وقال الحسن البصري: يذهب على وهمه، ويسجد للسهو. وبه قال أبو هريرة، وأنس.
وقال أبو حنيفة: (إن لحقه ذلك أوَّل دفعة. . بطلت صلاته، وإن تكرر ذلك

(2/322)


منه. . اجتهد، وعمل على ما يؤديه اجتهاده إليه، فإن لم يؤده اجتهاده إلى شيء. . عمل على اليقين) .
دليلنا: ما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا شك أحدكم في صلاته. . فليلق الشَّكَّ، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام. . سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة. . كانت الرَّكعة نافلة له والسَّجدتان، وإن كانت صلاته ناقصة. . كانت الرَّكعة تمامًا لصلاته، والسَّجدتان تُرغِمان أنف الشيطان» .

[مسألة السهو في الصلاة]
] : قال الشافعي: (ومن سلَّم، أو تكلَّم ساهيًا، أو نسي شيئًا من صُلب صلاته. . بنى، ما لم يتطاول الفصل) . وهذا كما قال: إذا نسي شيئًا من أركان الصلاة. . نظرت: فإن نسي النية، أو تكبيرة الافتتاح. . لم تنعقد صلاته. وإن نسي قراءة الفاتحة. . ففيه قولان، مضى ذكرهما.
وإن نسي غير ذلك من الأركان، كالركوع والسجود، وذكره بعد السلام، فإن ذكره قبل أن يتطاول الفصل بعد السلام. . بنى على صلاته، سواءٌ تكلَّم، أو لم يتكلَّم، خرج من المسجد، أو لم يخرج. وإن ذكر ذلك بعد السلام، وتطاول الفصل. . استأنف الصلاة.
واختلف أصحابنا في حدِّ التطاول: فقال أبو إسحاق: هو أن يمضي قدر ركعةٍ

(2/323)


تامَّةٍ. نص عليه الشافعي في " البويطيِّ ".
وقال أبو عليّ بن أبي هريرة: هو أن يمضي قدرُ الصلاة التي هو فيها؛ لأن آخر الصلاة يُبنى على أولها، وما زاد على ذلك لا يُبنى عليه.
وقال أبو عليٍّ الطبري: يُرجعُ فيه إلى العُرفِ والعادةِ. وهو ظاهرُ النَّصِّ؛ لأنه ليس له حد في الشرع، فرُجع فيه إلى العرف والعادة. وما قاله أبو عليِّ بن أبي هريرة ليس بشيءٍ؛ لأنه يؤدي إلى اختلاف حدِّ التطاول، لاختلاف عدد ركعات الصلوات.
وإن شكَّ بعد السلام: هل صلَّى ثلاثًا، أو أربعًا؟ فنقل أصحابنا البغداديون أنه لا يلزمه شيءٌ؛ لأن الظاهر أنه أداها تامة، ولأنا لو اعتبرنا الشك الطارئ بعد الفراغ منها. . لشق ذلك، وضاق.
وحكى أصحابنا الخراسانيون في ذلك قولين:
أحدهما: هذا. والثاني: حكمه حكم الشك الطارئ عليه في أثناء الصلاة.

[مسألة ما تركه المصلي أو شك في تركه]
إذا قام من الركعة الأولى إلى الثانية، ثم تيقَّن أنه ترك سجدةً من الأولى، أو شكَّ في تركها. . لم تُحسب له بما فعل من الثانية، حتى يتمِّ الأولى.
وقال مالك: (إذا قام إلى الثانية، ثم ذكر أنه ترك سجدة من الأولى، فإن ذكر ذلك بعد أن اطمأن في الركوع في الثانية، أو بعدما سجد فيها. . لم يعد إلى إتمام الأولى، بل تبطل الأولى، وتصحُّ الثانية) .
وقال أحمد: (إن ذكر بعد القراءة في الثانية. . حصلت له الثانية، وبطلت الأولى، وإن كان قبل القراءة الثانية. . سجد لتمام الأولى) . كقولنا.
دليلنا: أن ما فعله من الأولى. . قد صحَّ، فلا يبطل بترك ما بعده، كما إذا ذكر

(2/324)


ذلك قبل الركوع عند مالك، وقبل القراءة عند أحمد.
إذا ثبت هذا: نظرت: فإن سجد في الأولى السجدة الأولى، وترك الجلوس بين السجدتين، والسجدة الثانية، فذكر ذلك، وهو قائم في الثانية. . فإنه يلزمه أن يجلس، ثم يسجد.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه الجلوس؛ لأن الجلوس يراد للفصل بين السجدتين، وقد قام القيام مقام الجلوس في الفصل. والمذهب الأوَّل؛ لأن الجلوس بين السجدتين فرضٌ، فلا يقوم القيام مقامه، كما لو قصد إلى القيام بين السجدتين للفصل.
وإن كان قد جلس بعد السجدة الأولى للفصل، ثم قام، ولم يسجد الثانية، فمن قال من أصحابنا: لا يلزمه الجلوس في الأولى. . فها هنا أولى ألا يلزمه، ومن قال في الأولى: يلزمه الجلوس. . اختلفوا ها هنا على وجهين:
أحدهما - وهو قول أبي إسحاق - أنه يلزمه أن يجلس، قال: ولست أقول: إن الجلسة الأولى قد بطلت، ولكن ليكون السجود عقيب الجلوس.
والثاني: لا يلزمه، وهو الصحيح؛ لأن المتروك هو السجود، فلا يلزمه إعادة ما قبله، كما لو ترك الجلسة. . فإنه لا تلزمه إعادة السجدة قبلها.
قال ابن الصباغ: ولأن أبا إسحاق قد سلَّم أنه إذا ترك أربع سجدات من أربع ركعات. . فإنه تحصل له ركعتان، ونحن نعلم أن السجدة التي في الثانية وقعت من قيام.
وإن سجد في الأولى سجدة، فظن أنها الثانية، وجلس عقيبها معتقدًا أنها جلسة الاستراحة، ثم قام إلى الثانية، وذكر ذلك في القيام، فمن قال: إن القيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين، ولا يوجب عليه الجلوس. . فها هنا قال: لا يلزمه الجلوس أيضًا.
ومن قال بقول أبي إسحاق: إنه يحتاج إلى الجلوس في التي قبلها؛ ليقع السجود عقيبه. . فإنه يقول ها هنا: يجب عليه الجلوس أيضًا.

(2/325)


ومن قال بالمذهب في الأولى. . اختلفوا ها هنا على وجهين:
أحدهما- وهو قول أبي العباس -: يلزمه أن يجلس؛ لأن الأولى فعلها على وجه النفل، فلا تقع عن الفرض.
والثاني - وهو قول عامة أصحابنا، وهو الأصحُّ - أنه يلزمه أن يجلس؛ لأن الواجب عليه أن يجلس بعد السجدة الأولى، وقد فعله، ولا يضره اعتقاده أنها عن جلسة الاستراحة، كما لو جلس في التشهد يعتقد أنه الأول، ثم بان أنه الأخير. . فإنه يعتد به، وهذان الوجهان يشبهان الوجهين في التجديد: هل يرفع الحدث أم لا؟
وإن ذكر أنه ترك سجدة من الأولى، بعدما سجد في الثانية السجدة الأولى، فإن قلنا: إن القيام يقوم مقام الجلوس بين السجدتين. . فقد تمَّت الركعة الأولى بهذه السجدة، سواءٌ جلس عقيب السجدة الأولى في الركعة الأولى أو لم يجلس في الركعة الأولى.
وإن قلنا بقول أبي إسحاق في الأولى، وأنه لا بدَّ من الجلسة لتكون السجدة عقيبها. . لم تتم الركعة الأولى بهذه السجدة؛ لأنها لم تقع عقيب الجلوس.
وإن قلنا بالمذهب. . نظرت: فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى في الركعة الأولى. . تمَّت له الركعة الأولى بهذه السجدة، وإن كان لم يجلس بعد السجدة الأولى. . لم تتم الركعة الأولى بهذه السجدة.
وإن ذكر أنه ترك السجدة الثانية من الأولى، بعدما أتى بسجدتين وجلسةٍ بينهما في الثانية. . فقد تمت الركعة الأولى بلا خلافٍ بين أصحابنا.
وبماذا تمت؟ على قول أبي إسحاق: تمت بالسجدة الثانية، سواء جلس عقيب السجدة الأولى في الأولى، أو لم يجلس. وعلى قول أكثر أصحابنا: إن كان لم يجلس بعد السجدة في الأولى. . فإنها تمت بالسجدة الثانية من الركعة الثانية، وإن كان قد جلس بعد السجدة في الأولى. . فإنها تمت بالسجدة الأولى من الركعة الثانية.
ومن قال: إن القيام يقوم مقام الجلوس في الفصل. . فإنها تمت بالسجدة الأولى من الركعة الثانية بكل حال.

(2/326)


وإن كان قد جلس عقيب السجدة في الركعة الأولى، وهو يظن أنها جلسة الاستراحة. . فعلى قول أبي إسحاق: تمت بالثانية ها هنا. وكذلك على قول أبي العباس - حيث قال: لا يقوم مقام الجلسة بين السجدتين - تمت الأولى ها هنا بالسجدة الثانية.
وعلى قول سائر أصحابنا - الذين قالوا: يقوم مقام الجلسة بين السجدتين في الفصل - تمت بالسجدة الأولى من الثانية.

[فرع تذكر أنه لم يسجد إلا مرة في كل ركعة]
] : وإن صلَّى صلاة أربع ركعات، ثم ذكر في آخرها أنه ترك من كل ركعة سجدة، فإن تيقن أنه قد أتى بالجلسة بين كل سجدتين في كل ركعة. . فقد صحَّ له ركعتان، وبقي عليه ركعتان ووافق أبو إسحاق على هذا، وهو المنصوص للشافعي؛ لأنَّ الركعة الأولى تتم بالثانية، والثالثة تتمم بالرابعة.
فإن كان قد تشهد في الرابعة، يظن أنه الأخير. . فإنه يُعتد بهذا التشهد عن الأوَّل، ثم يأتي بركعتين، ويتشهد ويسلِّم.
وإن كان قد ترك سجدة من كل ركعة، والجلسة بين السجدتين. . فعلى قول أبي إسحاق - حيث قال: لا بد من الجلوس؛ لتقع السجدة عقيب الجلوس - يحصل له ركعة إلا سجدة.
وعلى قول من قال من أصحابنا: القيام يقوم مقام الجلوس في الفصل. . تحصل له ركعتان، وتبقى عليه ركعتان.
وعلى قول سائر أصحابنا: ينظر فيه: فإن كان تشهد في الثانية. . حصل له ركعتان إلا سجدة؛ لأن التشهد الأول يقوم مقام الفصل بين السجدتين في الأولى، وتمت له الركعة الأولى بالسجدة الأولى من الركعة الثالثة، واحتسب له بالقيام، والقراءة، والركوع، والسجدة الأولى من الركعة الرابعة، فيجلس، ويسجد الثانية، وتصحُّ له ركعتان، وإن لم يتشهد الأوَّل. . حصل له ركعة إلا سجدة لا غير. هذا مذهبنا.

(2/327)


وقال أبو حنيفة: (يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات، وتتم صلاته) . . وبه قال الحسن البصري، والثوري، والأوزاعي.
وقال الحسن بن صالح: لو نسي ثمانية سجدات. . أتى بهن متواليات.
دليلنا: أن السجود فعل واجب في الصلاة، فوجب أن يكون الترتيب بينه وبين ما بعده مستحقًا، كسائر أفعال الصلاة.

[فرع صلى أربعًا وتذكر ترك سجدة]
فأما إذا صلى صلاة أربع ركعات، ثم تذكر قبل أن يسلم أنه ترك سجدة منها، أو شكَّ في تركها، ولم يعلم من أي موضع تركها. . لزمه أن يأتي بركعة؛ لأن أحسن أحواله أن يكون تركها من الرابعة، فيأتي بسجدة، وأسوأ أحواله أن يكون تركها ممَّا قبلها، فيتم المتروك منها بسجدة من التي بعدها، فلزمه أن يأخذ بأسوأ أحواله؛ ليسقط الفرض بيقين.
وإن ترك منها سجدتين، ولم يعلم موضعهما. . لزمه ركعتان؛ لجواز أن يكون قد ترك من الأولى سجدة، ومن الثانية سجدة، فيتمم الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، والكلام: بماذا حصل التمام؟ على ما مضى.
وإن ترك ثلاث سجدات. . لزمه ركعتان أيضًا؛ لجاوز أن يكون قد ترك من الأولى سجدة، ومن الثانية سجدة، ومن الرابعة سجدة، أو ترك من الأولى سجدة، ومن الثانية سجدة، ومن الثالثة سجدة، أو من الأولى سجدة، ومن الثالثة سجدتين، فيتم الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة.
وإن ترك أربع سجدات، ولم يعلم موضعها. . لزمه سجدة، ثم ركعتان بعدها؛ لجواز أن يكون قد ترك من الأولى سجدة، ومن الثالثة سجدتين، ومن الرابعة سجدة، أو من الأولى سجدة، ومن الثالثة سجدة، ومن الرابعة سجدتين. . فيتم الأولى بالثانية، ويبقى له ركعة إلا سجدة، فيضيف إليها سجدة، ثم يأتي بركعتين.
وإن قال: تركت مع أربع سجدات أربع جلسات. . فقياس

(2/328)


المذهب: أنه تحصل له ركعة إلا سجدة، وإن كان لم يتشهد التشهد الأول، فيلزمه أن يجلس، ثم يسجد سجدة، فتتمم له ركعة.
وإن قلنا: إن القيام يقوم مقام الجلوس. . فهو كما لو جلس بين كل سجدتين.
وإن ترك خمس سجدات من أربع ركعات، ولم يعلم موضعها. . فقد قال الشيخ أبو إسحاق في " المهذب ": يلزمه سجدتان وركعتان، ويجعل المتروك من الأولى سجدة، ومن الثالثة سجدتين، ومن الرابعة سجدتين.
وقال أبو عليٍّ في " الإفصاح "، وابن الصباغ: يلزمه ثلاث ركعات؛ لأن أسوأ أحواله أن يكون قد ترك من الأولى سجدة، ومن الثانية سجدتين، ومن الثالثة سجدتين، وأتى بالسجدتين في الرابعة، فتتمم الأولى بالرابعة، ويبقى عليه ثلاث ركعات، وهذا هو الأصحُّ.
وإن ترك ستَّ سجدات. . لزمه ثلاث ركعات أيضًا؛ لجواز أن يكون قد ترك من الأولى سجدة، ومن الثانية سجدتين، ومن الثالثة سجدتين، ومن الرابعة سجدة، فيتم الأولى بالرابعة.
وإن ترك سبع سجدات. . حصل له ركعةٌ إلا سجدة، فيأتي بسجدة، وثلاث ركعات بعدها.
وإن ترك ثمان سجدات. . لزمه سجدتان، وثلاث ركعات بعدهما. وإن ذكر أنه ترك ذلك بعد السلام، فإن ذكره بعد تطاول الفصل. . استأنف الصلاة، وإن ذكره قبل تطاول الفصل. . بنى على صلاته.
وإن شكَّ في تركه بعد السلام. . لم يؤثر هذا الشكُّ، على طريقة أصحابنا البغداديين، وعلى طريقة الخراسانيين: يكون على قولين، كما مضى في الركعة.

[مسألة ترك التشهد الأول]
] : إذا قام من الثانية ناسيًا إلى الثالثة، وترك التشهد ثم ذكر. . نظرت: فإن ذكر بعد أن انتصب قائمًا. . لم يعد إليه، وإن ذكر قبل أن ينتصب قائمًا. . عاد إليه.

(2/329)


وقال مالك: (إن قام أكثر القيام. . لم يرجع، وإن قام أقل القيام. . رجع) .
وحكى ابن المنذر عنه أنه قال: (إذا فارقت أليتاه الأرض. . لم يرجع) .
وقال النخعي: يرجع ما لم يستفتح القراءة.
وقال الحسن: يرجع ما لم يركع.
وقال أحمد: (يرجع قبل أن يستوي قائمًا، وإن استوى قائمًا. . فهو بالخيار: إن شاء. . رجع، وإن شاء. . لم يرجع) .
دليلنا: ما روى المغيرة بن شعبة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم إلى الرَّكعتين، فلم يستتم قائمًا. . فليجلس، وإذا استتم قائمًا. . فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو» .
ولأنه إذا استتم قائمًا. . فقد حصل في فرض، فلم يجز أن يرجع منه إلى سُنَّة.
إذا ثبت هذا، وانتصب قائمًا، فإنه يمضي في صلاته، ويسجد للسهو؛ للنقصان. فإن خالف ورجع إلى القعود، فإن كان قاصدًا عالمًا بتحريمه. . بطلت صلاته؛ لأنه قعد في موضع القيام، وإن كان ناسيًا أو جاهلاً. . لم تبطل صلاته؛ لأنها زيادة من جنس الصلاة، فإن علم تحريم ما جهله، أو ذكر ما نسيه في القعود. . فالذي يقتضي المذهب: أنه يلزمه أن يقوم، ولا يتشهد؛ لأن التشهد قد سقط عنه بالقيام، وصار القيام فرضه، ويسجد للسهو، للزيادة والنقصان.
أما الزيادة: فجلوسه بعد القيام، وأما النقصان: فتركه القعود والتشهد فيه.

(2/330)


وإن كان إمامًا لغيره. . نظرت: فإن انتصبوا معه. . لم يعودوا؛ لأنهم صاروا في فرضٍ، وإن لم ينتصبوا، بل انتصب الإمام وحده، ثم رجع. . قال ابن الصباغ: فقياس المذهب: أن المأموم يقوم، ولا يتابعه في الجلوس؛ لأن المأموم، وإن لم يكن انتصب. . فقد وجب عليه الانتصاب، لانتصاب الإمام، فإذا رجع الإمام. . لم يسقط عن المأموم ما وجب عليه من الانتصاب. فإن خالفوا ورجعوا. . نظرت: فإن كانوا عالمين بتحريمه. . بطلت صلاتهم، وإن كانوا جاهلين. . لم تبطل صلاتهم.
وإن ذكر قبل أن ينتصب، ورجع إلى القعود. . فهل يسجد للسهو؟ قال الشيخ أبو حامد: فيه قولان:
أحدهما: يسجد، وبه قال أحمد بن حنبل؛ لما روى يحيى بن سعيد قال: (رأيت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يتحرك للقيام في الركعتين من العصر، فسبَّحوا له، فجلس، ثم سجد للسهو) ، وهو في الصلاة.
ولأنه زاد في الصلاة زيادة من جنسها ساهيًا، فأشبه إذا زاد ركوعًا.
والثاني: لا يسجد، وبه قال الأوزاعي، وعلقمة، والأسود؛ لما روي في حديث المغيرة بن شعبة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا شكَّ أحدكم، فقام من اثنتين، فإن ذكر، وقد استتم قائمًا. . فلا يجلس، وإن ذكر قبل أن يستتم قائمًا. . جلس، ولا سهو عليه» .
ولأنه عمل قليل، فلم يقتض سجود السهو، كالخطوة، والالتفات.

(2/331)


وقال القفال: إن كان أقربه إلى القيام. . سجد للسهو، وإن كان أقربه إلى القعود. . لم يسجد للسهو.
فإن ذكر قبل أن ينتصب، فخالف، وقام. . لم تبطل صلاته؛ لأنه ترك سُنَّة، ويسجد للسهو.
فإن رجع الإمام قبل أن ينتصب، وكان قد سبقه المأموم بالانتصاب. . فهل يجب عليه أن يرجع إلى القعود؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه أن يرجع، وهو الأصح؛ لأن متابعة الإمام فرض.
والثاني: لا يلزمه أن يرجع؛ لأنه قد حصل في فرض.

[فرع ترك دعاء الاستفتاح]
] : فإن ترك دعاء الاستفتاح، فذكره وقد تلبَّس بالتعوذ، أو ترك التعوذ، فذكره، وقد استفتح القراءة. . لم يعد إليه، وإن ترك تكبيرات العيد، فذكرها، وقد استفتح القراءة ففيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (يأتي بها) ؛ لأن محلَّها باقٍ، وهو القيام.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يأتي بها) ، وهو الصحيح؛ لأنه ذكر مسنون فاته محلُّه، فلم يأت به، كما لو ترك دعاء الاستفتاح، فذكره بعد استفتاح القراءة.

[مسألة من ترك ركعة]
وإن قام من الرابعة إلى الخامسة ساهيًا، ثم ذكر ذلك في القيام، أو في الركوع، أو في السجود. . فإنه يلزمه العود إلى الجلوس، وبه قال الحسن، وعطاء، والزهري، ومالك، والليث.

(2/332)


وقال أبو حنيفة: (ينظر فيه: فإن ذكر قبل أن يسجد في الخامسة. . فإنه يعود إلى الجلوس، كما قلنا. وإن ذكر بعدما سجد في الخامسة، فإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد. . فقد تمت صلاته؛ لأنه لم يبق عليه غير الخروج منها، وقيامه إلى الخامسة خروج، فيضيف إلى هذه الخامسة ركعة ثانية، فيحصل له ركعتان نافلة؛ لأنه لا يجبر التنفل بأقل من ركعتين، وإن قام إلى الخامسة قبل أن يقعد في الرابعة قدر التشهد. . فقد بطلت صلاته بالقيام) .
دليلنا: ما روى ابن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: "وما ذاك؟ "، فقيل له: صليت الظهر خمسًا، فسجد سجدتين، وهو جالس بعد السلام» . قال ابن مسعود: (ولم يكن قعد في الرابعة) .
إذا ثبت ما ذكرناه: نظرت: فإن ذكر في الخامسة بعد أن تشهد، وسلَّم. . فإنه يسجد للسهو، كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإن ذكر بعدما تشهد، وقبل أن يسلِّم. . فإنه يسجد للسهو، ويسلم.
وإن ذكر قبل أن يتشهد في الخامسة، فإن كان لم يتشهد في الرابعة. . فإنه يعود إلى الجلوس، ويتشهد، ثم يسجد للسهو، ويسلِّم، وإن كان قد تشهد في الرابعة. . فهل يعيد التشهد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يعيد التشهد، بل يجلس، ويسجد للسهو، ويسلِّم، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ ما فعله من التشهد قد صح، فلا يبطل بسهوه إلى القيام.
والثاني- وهو قول أبي العباس -: أنه يلزمه أن يعيد التشهد. والعلة فيه - عند

(2/333)


أصحابنا ببغداد: ليكون السلام عقيب التشهد؛ لأن ترتيب الصلاة هكذا.
وقال أصحابنا بخراسان: في علته معنيان:
أحدهما: لأن الموالاة شرط بين الأركان.
والثاني: لأنه لا يجوز إفراد ركن.
قالوا: وفائدة هذا تظهر فيما لو ترك الركوع ناسيًا، وذكره وهو في السجود، فإن قلنا: يجب عليه لأجل الموالاة. . فإنه يجب عليه ها هنا أن يقوم من السجود مستويًا، ثم يركع.
وإن قلنا هناك: يجب عليه؛ لأنه لا يجوز إفراد ركن. . جاز ها هنا أن يقوم من السجود إلى الركوع.

[مسألة سجود السهو للزيادة والنقصان]
] : قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ولا سجود إلا في عمل البدن) .
وجملة ذلك: أن سجود السهو يقع تارة للزيادة، وتارة للنقصان، فأما الزيادة: فضربان: أفعال، وأقوال.
فأما الأفعال: فهي كل فعل إذا أتى به في الصلاة عامدًا. . أبطل الصلاة، فإذا أتى به ساهيًا. . سجد للسهو لأجله، وهي على ضربين:
ضرب: من غير جنس أفعال الصلاة، وضرب: من جنس أفعالها.
فأما زيادة الأفعال التي ليست من جنس أفعال الصلاة: فإنها لا تقتضي سجود السهو بحال؛ لأنها إن كانت قليلاً، كالخطوة والضربة. . فإن الصلاة لا تبطل بفعلها عامدًا ففعلها في السهو لا يقتضي السجود.
وإن كانت كثيرة. . فإن الصلاة تبطل بفعلها في العمد والسهو، فلا معنى لسجود السهو لأجله.

(2/334)


وأما ما كان من جنس أفعال الصلاة. . فضربان: متحقَّقَةٌ، ومتوهَّمَةٌ.
فأما (المتحققة) : فهو أن يزيد ركعة.
والدليل عليه: ما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له في ذلك، فسجد سجدتين، وهو جالس بعد السلام» .
وهكذا: إذا سجد في موضع الركوع، أو ركع في موضع السجود. . فإنه يسجد للسهو؛ لأنه في معنى زيادة ركعة.
وإن طال القيام بنية القنوت، في غير موضع القنوت. . قال الشيخ أبو إسحاق: يسجد للسهو.
وإن جلس عقيب السجدة الثانية في الركعة الأولى، أو الثالثة في الصلاة الرباعيَّة، فإن ابتدأ بالتشهد ساهيًا. . سجد للسهو؛ لأنها زيادة في الصلاة، فهو كما لو قام في موضع القعود. وإن لم يتشهد. . قال المحامليُّ: فإن كان قعد بقدر جلسة الاستراحة. . فلا سجود عليه، وإن كان أكثر من ذلك. . سجد للسهو.
وأما (المتوهمة) : فهو أن يشكَّ: هل صلَّى ثلاثًا، أم أربعًا؟ فيأتي بركعة، ويسجد للسهو؛ لحديث أبي سعيد في أوَّل الباب.
وأما زيادة الكلام: فهو أن يسلم في غير موضع السلام ناسيًا، أو يتكلم ناسيًا. . فيسجد للسهو؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلَّم في العصر من اثنتين، وكلَّم ذا اليدين، وأتمَّ صلاته، وسجد للسهو» .
قال ابن الصباغ: فإن قام قبل الركوع وبعد القراءة، فدعا، فإن نوى به القنوت. . سجد؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وإن لم ينو القنوت. . لم يسجد للسهو، وكان تابعًا للقراءة.
وإن قرأ في الركوع أو القعود ناسيًا. . سجد للسهو؛ لأنه قرأ في غير موضعه، فهو كما لو سلَّم في غير موضعه، وهذا نادرٌ، لأن عمده لا يبطل الصلاة، وسهوه يقتضي سجود السهو.
وحكى في "الفروع" وجهًا آخر: أنه لا يسجد للسهو، ولعل قائل هذا يقول:

(2/335)


لأن عمد ذلك لا يبطل الصلاة، فسهوه لا يقتضي سجود السهو. والأول هو المشهور.
وأما النقصان: فإن ترك ركنًا من أركان الصلاة. لم يحكم بصحة صلاته حتى يأتي به، ولا ينجبر بسجود السهو.
وإن ترك سُنَّة يقصد لها عمل البدن، مثل الجلوس للتشهد الأول، أو التشهد فيه، أو الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه - إذا قلنا: إنها سُنن- أو القنوت في الصبح، أو الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان، فمتى ترك شيئًا من ذلك ناسيًا. . سجد للسهو؛ لما روى عبد الله بن بحينة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام في الظهر من اثنتين، فلما جلس من أربع. . انتظر الناس تسليمه، فسجد قبل أن يسلم» .
وقول الشافعي: (لا سجود إلا في عمل البدن) ليس على ظاهره، وإنما أراد فيما يقصد له عمل البدن، وهي هذه الأذكار التي ذكرناها؛ لأنها ليست بهيئة لغيرها، وإنما يقصد بعمل البدن الإتيان بها.
وإن ترك شيئًا من هيئات الصلاة ناسيًا، كدعاء الاستفتاح، وقراءة السورة بعد الفاتحة، والتكبيرات في الصلاة للركوع، والسجود، والرفع، وتكبيرات العيد، والجهر، والإسرار، وغير ذلك من الهيئات. . فإنه لا يسجد للسهو؛ لأن هذه الأشياء يؤتى بها هيئة، وتابعة لغيرها؛ لأن دعاء الاستفتاح يراد لاستفتاح الصلاة، وقراءة السورة تبع للفاتحة، والتكبيرات هيئات للخفض والرفع، والتسبيح هيئة للركوع والسجود، بخلاف القنوت والتشهد؛ فإنهما لا يفعلان على وجه الهيئة والتبع لغيرهما، بل يقصدان بأنفسهما، ولهذا شرع لهما محل غير مفروض، يختص بهما.

(2/336)


قال ابن الصباغ: وحكى أبو إسحاق: أن الشافعي قال في القديم: (يسجد لترك كل مسنون في الصلاة، سواء كان ذكرًا، أو عملاً) .
وهكذا: إذا جهر بما يسر به، أو أسر بما يهجر به. قال: وهذا مرجوع عنه، وبه قال مالك، وهذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (إذا ترك تكبيرات العيد. . سجد للسهو، ولا يسجد لترك سائر التكبيرات، وإن ترك الجهر أو الإسرار. . سجد إذا كان إمامًا) .
وقال ابن أبي ليلى: إذا جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر. . بطلت صلاته.
دليلنا: ما روي: (أن أنسًا جهر في صلاة العصر، فلم يعدها، ولم يسجد للسهو) ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، لأن هذه هيئات. . فلم تقتض الجبران، كالرمل والاضطباع في الحج.

[فرع ترك السنة في الصلاة]
] : وإن ترك السنن المقصودة في موضعها عامدًا. . فهل يسجد للسهو؟ فيه وجهان، ومن أصحابنا من يحكيهما قولين:
أحدهما: لا يسجد، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن هذا السجود يسمَّى: سجود السهو، وإذا ترك هذه الأشياء عامدًا. . لم يسم بهذا الاسم.
والثاني: يسجد، وهو الأصح؛ لأنه إذا سجد لتركها ساهيًا. . فلأن يسجد لتركها

(2/337)


عامدًا أوْلى، ولأن ما اقتضى الجبران إذا فعله ناسيا. . اقتضى الجبران إذا فعله عامدًا، كفدية الأذى، وقتل الصيد في الحج.

[فرع الشك في السهو]
قال الشافعي: (ومن شكَّ: هل سها، أو لا؟ فلا سهو عليه) .
قال أصحابنا: إذا شكَّ هل زاد في الصلاة، أم لا؟ لم يسجد؛ لأن الأصل أنه لم يزد. وهذا مراد الشافعي.
وحُكي: أن الكسائي، ومحمد بن الحسن اجتمعا عند هارون الرشيد، فقال الكسائي: العلوم كلها جنس يُستدل ببعضها على بعض، فقال محمد بن الحسن: ليست بجنس، ولا يستدل ببعضها على بعض، فقال الكسائي: بلى، فقال محمد: ما تقول في رجل شكَّ هل سها، أم لا؟ هل عليه سجود السهو؟
فقال الكسائي: لا سجود عليه، فقال محمد بن الحسن: لم؟ قال: لأن العرب لا تصغر التصغير، كذا لا سهو عليه للسهو.
فإن قيل: أليس إذا شك: هل صلى ثلاثًا، أم أربعًا، فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وإن كانت هذه الزيادة مشكوكًا فيها، والأصل عدمها؟
فالجواب: أنه إذا شكَّ في هذه الركعة: هل هي من أصل الصلاة، أم لا؟ فإن هذه الركعة قد دخل عليها النقص في ذلك، فجبرها بالسجود، وإن كان الشك في النقصان: هل أتى بالتشهد الأول، أو القنوت؟ سجد للسهو؛ لأن الأصل أنه لم يأت به.

[مسألة من لزمه سهوان]
وإن اجتمع عليه في صلاته سهوان، أو أكثر. . كفاه للجميع سجدتان، وبه قال أكثر أهل العلم.

(2/338)


وقال الأوزاعي: (إن كانا من جنس واحد. . تداخلا، وإن كانا من جنسين. . لم يتداخلا) .
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلَّم من اثنتين، وكلَّم ذا اليدين، واقتصر على سجدتين» . ولأن سجود السهو إنما أخر إلى آخر الصلاة؛ ليجبر كل سهو وقع فيها.
وإن سجد للسهو، ثم سها قبل أن يسلم. . فهل يسجد لسهوه ثانيًا؟ فيه وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي العباس بن القاص -: أنه يسجد، وبه قال قتادة؛ لأن سجود السهو لا يجبر ما بعده.
والثاني- وهو قول أبي عبد الله الختن، والمسعودي [في " الإبانة " ق 72] ، واختيار الشيخ أبي نصر -: أنه لا يسجد، لأنه لو لم يجبر كل سهو. . لما أُخر إلى آخر الصلاة.
قال المسعودي [في " الإبانة " ق 72] : ولأنه لو لزمه السجود. . لم يؤمن أن يسهو ثانيًا وثالثًا، فيؤدي إلى ما لا نهاية له، والتصغير لا يصغر.

[مسألة السهو خلف الإمام]
] : إذا سها خلف الإمام. . فلا سجود عليه، وإن سها إمامه. . سجد معه، وبه قال كافة أهل العلم، إلا ما حُكي عن مكحول: أنه قام عن قعود الإمام، فسجد سجدتي السهو.
دليلنا: ما روى الدارقطني، عن عبد الله بن عمر [عن عمر] : أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام. . فعليه وعلى من خلفه» .

(2/339)


ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأئمة ضمناء» .
قيل في تفسيره: إنهم يتحملون السهو عن المأمومين. وقيل: قراءة الفاتحة. وقيل: قراءة السورة.
ولـ: (أن معاوية بن الحكم شمَّت العاطس خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسجود) .
فإن سها الإمام فسجد. . سجد معه المأموم.
قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع.
والدليل عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» . و (الائتمام به) هو: الاقتداء في جميع أفعاله، ومن أفعاله أيضًا إذا سها. . سجد سجود السهو، ولأنه قال: «فإذا سجد. . فاسجدوا» . ولم يفرِّق.
فإن لم يتابعه المأموم في سجود السهو. . قال صاحب " الإبانة " [ق 72] : بطلت صلاته.
فإن لم يسجد الإمام. . سجد المأموم، وبه قال مالك، والأوزاعي، والليث.
وقال أبو حنيفة والنخعي: (لا يسجد) . وبه قال المزني، وأبو حفص من أصحابنا؛ لأنه إنما يسجد تبعًا للإمام، وقد ترك الإمام، فلم يسجد المأموم.
ودليلنا: أن صلاة المأموم قد نقصت بنقصان صلاة إمامه، فإذا لم يجبر الإمام صلاته. . جبر المأموم صلاته.

(2/340)


[فرع سهو الإمام حال اقتدائه]
] : فلو سبقه الإمام بركعة، فلمَّا كان في آخر التشهد. . سمع المأموم صوتًا، فظن أن الإمام قد سلم، فقام، فقضى ما فاته، فلمَّا فرغ من القضاء. . بان أن إمامه سلَّم بعدما جلس هو. . لم يعتد له بتلك الركعة التي قضاها؛ لأنه أتى بها في غير موضعها، فيقوم، ويأتي بها، ولا سجود عليه للسهو؛ لأنه كان في حكم صلاة الإمام عند السهو.
وإن سلَّم الإمام وهو قائم. . فهل يجب عليه أن يمضي في القيام، ويستأنف القراءة؟ أو يجب أن يعود إلى القعود، ثم يقوم؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب عليه القعود، ولا يجوز له؛ لأن الواجب عليه القيام، وقد صار قائمًا.
والثاني: يجب عليه القعود؛ لأنه قام في غير محله، فلم يحتسب له به، كما لو أتى بالركعة.

[فرع سها الإمام قبل الائتمام]
] : وإن سها الإمام، ثم أدركه المأموم. . فإنه يلزم المأموم حكم سهو الإمام.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه، كما لا يحمل عنه الإمام سهوه بعد انفراده عنه. والمذهب الأول؛ لأن المأموم دخل في صلاة ناقصة، فنقصت بها صلاته.
فإذا قلنا بهذا، فسجد الإمام لسهوه قبل السلام. . لزم المأموم متابعته في السجود، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال ابن سيرين: لا يلزمه أن يسجد معه، وحكاه الطبري عن بعض أصحابنا؛

(2/341)


لأن محل سجود السهو آخر الصلاة، وليس هذا آخر صلاة المأموم، والمذهب الأول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد. . فاسجدوا» .
وإن سلم الإمام قبل أن يسجد، ثم سجد الإمام بعد السلام. . قام المأموم على ما بقي من صلاته، ولم يتابع الإمام في سجود السهو.
وقال أبو حنيفة: (عليه متابعته) .
دليلنا: أن المأموم إنما يلزمه متابعة الإمام ما دام في الصلاة، وبالسلام قد خرج عن الصلاة، فلم يلزمه متابعته.
فإن سجد الإمام للسهو قبل السلام، فسجد معه المسبوق، ثم قضى ما عليه. . فهل يعيد سجود السهو في آخر صلاته؟ فيه قولان:
أحدهما: يعيد؛ لأن هذا موضع سجوده.
والثاني: لا يعيد؛ لأن النقص قد انجبر بسجوده مع الإمام.
وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة، ثم سها الإمام فيما أدرك معه المأموم، وسجد الإمام في آخر صلاته، فسجد معه المسبوق، ثم قضى المسبوق ما فاته مع الإمام. . فهل يلزمه أن يعيد السجود؟ على القولين في التي قبلها.
وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة، ثم سها الإمام فيما أدرك معه المأموم، وسجد الإمام لسهوه، فسجد معه المأموم، ثم قام المسبوق إلى قضاء ما فاته، فسها فيما قضاه، فإن قلنا في الأولى: لا يلزمه أن يعيد ما سجد مع الإمام. . سجد المأموم ها هنا في آخر صلاته سجدتين للسهو الذي سهاه في انفراده.
وإن لم يسجد الإمام، أو سجد وسجد معه المسبوق، وقلنا: يلزمه أن يعيد سجود السهو في آخر صلاته. . فكم يسجد ها هنا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه أن يسجد أربع سجدات؛ لأنه يسجد لسهوين مختلفين: أحدهما من جهة الإمام، والآخر من جهته.
والثاني- وهو المنصوص -: تكفيه سجدتان؛ لأن السجدتين تجبران كلَّ سهو وقع في الصلاة.

(2/342)


فإذا قلنا بهذا، فعما يقعان؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها في "الفروع":
أحدها: يقعان عن سهو إمامه، وسهوه تابعٌ:
والثاني: يقعان عن سهوه، وسهو إمامه تابعٌ.
والثالث: يقعان عنهما.
قال: وفائدة هذا تظهر فيه إذا نوى به خلاف ما جعل مقصودًا بهما.

[فرع المنفرد والساهي بعد صلاة الإمام]
] : وإن صلَّى ركعة منفردا، فسها فيها، ثم أحرم إمامٌ، فضم المنفرد بركعة صلاته على صلاة الإمام، وقلنا: يصح، فسَها الإمام، فإن تمت صلاة المأموم قبل أن تتم صلاة الإمام. . كان المأموم بالخيار بين أن يقعد، وينتظر الإمام إلى أن يتم صلاته، ويسجد للسهو معه، وبين أن ينوي مفارقته، فإن نوى مفارقته. . سجد للسهوين، وكم يسجد؟ على الوجهين في التي قبلها:
أحدهما: أربع سجدات.
والثاني: يكفيه سجدتان.
فإذا قلنا بهذا، فعمَّا يقعان؟ يحتمل الأوجه الثلاثة التي حكاها صاحب "الفروع".
وإن كانت صلاة المأموم أطول، بأن كانت صلاته رباعية، فصلى منها ركعة منفردًا، فسها فيها ثم ألحق صلاته بصلاة من يصلِّي ركعتين، فسها الإمام، ثم قام المأموم إلى ما بقي عليه من صلاته، فسها فيها. . فكم يسجد في آخر صلاته؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يسجد ست سجدات؛ لأنه سها في ثلاث حالات.

(2/343)


والثاني: يسجد أربع سجدات؛ لأن سهوه جنسان: سهو في جماعة، وسهو في انفراد.
والثالث- وهو الأصح -: تكفيه سجدتان؛ لأنهما يجبران كل سهوٍ وقع في الصلاة.
فإذا قلنا بهذا، فعما يقعان؟ يحتمل أن يكون فيه الأوجه الثلاثة التي حكاها صاحب "الفروع" في الأولى.

[فرع سها في الجمعة]
] : إذا سها في صلاة الجمعة، فسجد سجدتي السهو، ثم دخل وقت العصر قبل أن يسلِّم منها. . فإنه يجب عليه أن يتمها ظهرًا، ويعيد سجدتي السهو في آخر صلاته؛ لأن الأوليين حصلتا في وسط صلاته.

[فرع سهو المسافر القاصر]
] : إذا نوى المسافر القصر، وسجد للسهو، ثم نوى الإقامة قبل أن يسلّم، أو اتَّصلت السفينة بدار إقامته، وهو في الصلاة، أو نوى الإتمام. . وجب عليه أن يتمها أربعًا، ويعيد سجود السهو؛ لأن الأوليين حصلتا في وسط الصلاة.

[فرع من زاد ركعة سهواً]
ً] : إذا صلَّى المغرب أربع كلمات ساهيًا. . سجد للسهو، وأجزأته صلاته.
وقال قتادة والأوزاعي: (يضيف إليها أخرى، ويسجد للسهو) ؛ لأنه إذا لم يضف إليها ركعة، كانت شفعًا.
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى الظهر خمسًا، فلمَّا قيل له في ذلك. .

(2/344)


سجد للسهو» . ولم يضف إليها أخرى، لتصير شفعًا.
وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة. . فإنه يقضي ما فاته مع الإمام بعد سلام الإمام، ولا يسجد للسهو.
وحُكي عن ابن عمر، وابن الزبير، وأبي سعيد الخدري: أنهم قالوا: (يسجد للسهو في آخر صلاته) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أدركتم مع الإمام فصلوا، وما فاتكم. . فاقضوا» .
ولم يأمر بالسجود.

[مسألة استحباب سجود السهو]
] : سجود السهو مستحب، وليس بواجب.
وقال الكرخي: ليس لأبي حنيفة فيه نص، والذي يقتضيه مذهبه: أنه واجب.
وقال مالك: (إن كان لنقصان. . فهو واجب، وإن كان لزيادة. . فليس لواجب) .
دليلنا على أبي حنيفة: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي سعيد: «كانت الركعة نافلة له والسجدتان» .
وعلى مالك: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وإن كانت صلاته ناقصة، كانت الركعة تمامًا لصلاته، والسجدتان ترْغمان أنف الشيطان» .
وما يرغم أنف الشيطان، فليس بواجب.
ولأنه سجود لا تبطل الصلاة بتركه، فلم يكن واجبًا، كسجود التلاوة.

(2/345)


[مسألة محل سجود السهو]
] : قال الشافعي: (فإذا فرغ من صلاته بعد التشهد. . سجد سجدتي السهو) .
واختلف الناس في محل سجود السهو: فذهب الشافعي في عامة كتبه إلى: (أن محلَّه قبل السلام) سواءٌ كان لزيادة، أو نقصان، وروي ذلك عن أبي هريرة , وأبي سعيد الخدري، والزهري، وربيعة، والليث، والأوزاعي.
ومن أصحابنا من حكى للشافعي قولاً في القديم: (أنه إن كان السهو لنقصان. . كان محل سجود السهو قبل السلام، وإن كان لزيادة. . فمحله بعد السلام) . وهو مذهب مالك، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، والمزني.
وحكى الطبري في "العدة": أن من أصحابنا من حكى أن الشافعي أشار في القديم: (أنه مخير بين أن يسجد قبل السلام، أو بعده) . والمشهور من المذهب هو الأول.
وقال الحسن البصري، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة: (محله بعد السلام، سواءٌ كان لزيادة، أو نقصان) ، وروي ذلك عن عليٍّ، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعمار.

(2/346)


دليلنا: حديث أبي سعيد الخدري في أول الباب، وروي عن عبد الله ابن بحينة: أنه قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى صلاتي العشاء، فقام من اثنتين، فقام الناس معه، فلما جلس. . انتظر الناس تسليمه، فسجد قبل أن يسلم» .
وكذلك: رواه عمر، وابن عباس.
وروي عن أبي هريرة: أنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السجود قبل السلام» .
ولأنه يفعل لتكمل الصلاة به، فكان محله قبل السلام، كما لو نسي سجدة من صلب الصلاة.
فإذا قلنا: محله قبل السلام، فسلم قبل سجود السهو عامدًا، وأراد السجود من قريب. . ففيه وجهان، حكاهما بعض أصحابنا المتأخرين:
أحدهما: لا يسجد؛ لأنه قد قطع الصلاة بالتسليم.
والثاني: حكمه حكم ما لو سلَّم ناسيًا، فيسجد.
فإن سلَّم ناسيًا لسجود السهو، ثم ذكر من قريب. . سجد للسهو؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر خمسًا وسلّم، فقيل له في ذلك، فسجد بعد السلام» .
وما حكم سلامه؟ فيه وجهان:
أحدهما - وإليه ذهب أبو زيد المروزي، والجويني -: أنه يسقط، كما لو سلَّم ناسيًا في غير موضعه.
فعلى هذا: لا يحتاج إلى إعادة التشهد؛ لأنه قد عاد إلى أصل صلاته، فلو أحدث في هذه الحالة. . بطلت صلاته.
والثاني: أن السلام قد وقع موقعه، وتحلل من الصلاة.

(2/347)


فعلى هذا: إذا أحدث في هذه الحالة. . لم تبطل صلاته؛ لأن السلام لو لم يقع موقعه، لزمه الرجوع إليه.
فعلى هذا: هل يعيد التشهد؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يتشهد ويسلم، وهو ظاهر كلام الشافعي، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن هذا أشبه بأفعال الصلاة؛ لأن من حكم الصلاة أن يكون السلام عقيب التشهد.
والثاني - وهو اختيار ابن الصباغ، والطبري في " العدة " -: أنه لا يتشهد؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له في ذلك، فسجد سجدتين بعدما سلَّم» . ولم يذكروا أنه تشهد.
ولأنه إنما ترك السجود وحده، فلا يعيد ما قبله، كما إذا نسي شيئًا من صلب الصلاة، فإنه لا يعيد ما قبله.
قال الطبري: فإذا قلنا يتشهد. . ففيه وجهان.
أحدهما: أنه يسجد للسهو، ثم يتشهد، ثم يسلم، وبه قال أبو حنيفة؛ ليكون السلام عقيب التشهد.
والثاني: يتشهد، ثم يسجد للسهو، ثم يسلم، وهو اختيار أبي إسحاق الإسفراييني؛ لأن سنَّة سجود السهو أن يكون عقيب التشهد.
وإن سلم ناسيًا لسجود السهو، ثم ذكر بعد تطاول الفصل. . فيه قولان:
[الأول] : قال في القديم (يسجد) ؛ لأنه جبران للعبادة، فجاز الإتيان به بعد تطاول الفصل، كالجبران في الحج.
فعلى هذا: حكمه حكم ما لو لم يتطاول الفصل.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يسجد) ، وهو الأصح؛ لأنه يفعل لتكميل

(2/348)


الصلاة، فلم يفعله بعد تطاول الفصل، كما لو ترك سجدة من الصلاة، فذكرها بعد السلام، وبعد تطاول الفصل.
وأما حد القرب والبعد في ذلك: فحكى المحاملي فيه قولين:
[الأول] : قال في الجديد: (المرجع فيه إلى العرف والعادة) .
و [الثاني] : قال في القديم: (القرب: ما لم يقم من مجلسه، والبعد هو: إذا قام من مجلسه) .
وقال الحسن البصري، وابن سيرين: يسجد، ما لم يلتفت من محرابه.
وقال أبو حنيفة: (يسجد ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد) .
دليلنا للأول - وهو الأصح -: أنه لا حد لهذا في لغة، ولا في الشرع، فرجع فيه إلى العرف والعادة، كالقبض، والحرز.
وأما إذا قلنا: إن محل سجود السهو بعد السلام للزيادة. . قال الشيخ أبو حامد والمحاملي: فإنه يكبر، ويسجد سجدتي السهو، ويتشهد، ويسلم، بلا خلاف، على المذهب؛ لما روي عن عمران بن الحصين: أنه قال: «صلَّى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة، فسها فيها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلَّم» ، ولأن هذا أشبه بترتيب الصلاة.

[فرع السهو في النوافل]
] : إذا سها في صلاة النفل. . سجد للسهو، ومن أصحابنا من حكى فيه قولاً آخر: أنه

(2/349)


لا يسجد للسهو في صلاة النفل. وبه قال ابن سيرين.
والمذهب الأول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل سهو سجدتان» . ولم يفرق بين الفرض والنفل.
ولأنها عبادة يدخل الجبران في فرضها، فدخل في نفلها، كالحج، ويسلم بعد سجود السهو تسليمتين.
وقال النخعي: لا يسلم فيه إلا تسليمة واحدة. وكذلك قال في صلاة الجنازة.
دليلنا: أنه سجود مشروع، فشرع فيه تسليمتان، كسجود التلاوة.
وبالله التوفيق

(2/350)