البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب صدقة البقر]
الأصل في وجوب الزكاة فيها: قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] [التوبة: 103] . والبقر من الأموال.
وروى أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البر صدقته» .
إذا ثبت هذا: فأول نصاب البقر ثلاثون، ولا شيء فيها قبل ذلك، وهو قول كافة الفقهاء، إلا ما حكى عن الزهري، وسعيد بن المسيب: أنهما قالا: (في كل خمس من البقر شاة) ، كالإبل.
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر معاذا أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة» .
وروي: أنه أتي بما دون ذلك، فقال: «لم أومر فيها بشيء، وسآتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسأله عن ذلك) ، فرجع معاذ، فلم يلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

(3/188)


وفي رواية: أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «ليس فيها شيء» .
إذا ثبت هذا: فيجب في الثلاثين تبيع، وهو الذي دخل في السنة الثانية، هذا هو المشهور. وقال صاحب " الإبانة "] ق \ 114] : هو اسم للعجل الذي يتبع أمه، وإن لم يستكمل سنة، وسمي: تبيعا؛ لأنه يتبع أمه. وقيل: سمي بذلك؛ لأن قرنيه تبعا أذنيه.
ثم لا شيء في زيادتها، حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين.. وجب فيها مسنة، وهي التي دخلت في السنة الثالثة، ثم تستقر الفريضة، فلا يجب فيها شيء حتى تبلغ ستين، فيجب فيها تبيعان، ثم يجب في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.
فإذا بلغت مائة وعشرين.. فقد اجتمع فيها فريضتان، وهي ثلاث أربعينات، أو أربع ثلاثينات، فيكون على الطريقين في الإبل إذا بلغت مائتين.
وقال أبو حنيفة: (إذا بلغت أربعين.. فيها مسنة) ، كقولنا: فإذا زادت.. ففيها ثلاث روايات:
إحداهن: مثل قولنا، وبه قال مالك.
والثانية: (لا شيء فيه، حتى تبلغ خمسين، فيجب فيها مسنة وربع مسنة) .
والثالثة - وعليها يناظرون -: (أنها إذا زادت على الأربعين شيئا.. وجب فيها بالقسط من المسنة) .
دليلنا: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «خذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة» . فظاهر هذا: أن زكاة البقر لا تتعلق إلى بهذين العددين.

(3/189)


[مسألة: جواز الإعطاء فوق الواجب]
] : فإن وجب عليه تبيع، فأعطى مسنة.. جاز؛ لأنها أعلى مما وجب عليه، وإن وجب عليه مسنة، فأعطى تبيعين.. جاز؛ لأنهما يجزئان عن الستين، فلأن يجزيان عما دونها أولى.
ولا مدخل للجبران في صدقة البقر؛ لأن الزكاة لا يعدل فيها عن المنصوص عليه إلى غيره بالقياس.
والله أعلم.

(3/190)