البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب العقيقة]
أصل العقيقة في اللغة: هو الشعر الذي يخلق على المولود، وجمعه: أعقة وعقائق. قال امرؤ القيس:
أيا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته أحسبا
و (البوهة) : الأحمق، يريد أنه من حمقه أنه لم يحلق شعره الذي ولد وهو عليه. و (الأحسب) : الشعر الأحمر الذي يضرب إلى البياض.
ثم سمت العرب ما يذبح عن الصبي يوم السابع عند حلق ذلك الشعر عقيقة؛ لأنهم يسمون الشيء باسم سببه، أو ما جاوره، كما سموا المرأة ظعينة، وإنما الظعينة هي الناقة التي تحمل عليها المرأة.
إذا ثبت هذا: فالعقيقة سنة مؤكدة، وليست بواجبة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: (ليست بسنة) .
وقال الحسن البصري وداود: (هي واجبة) .
دليلنا: ما روت أم كرز قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «عن الغلام شاتان

(4/463)


مكافئتان، وعن الجارية شاة» و «لا يضركم ذكرانا كن أم إناثا» .
قال أبو داود: وروي: " شاتان مثلان " قال: وهو أصح، و " مكافئتان "، عبارة عن قوله: (مثلان) .
وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة» . وأدنى حالة الأمر الندب إذا دل الدليل: أنه ليس بواجب.
ولأن الإطعام على النكاح سنة، والولد مقصود به، والفرح به أشد، فكان أولى باستحباب الإطعام له.
والدليل - على أنها ليست بواجبة -: ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة فليفعل» فعلقه على المحبة، فدل على: أنه لا يجب. ولأنه إطعام

(4/464)


لحادث سرور، فلم يكن واجبا بالشرع، كالوليمة.
قال الشيخ أبو حامد: ولأنه لو كان واجبا لوجب تفرقة لحمها على ذوي الحاجات، كالهدي والكفارات، فلما لم يجب ذلك دل على: أنها لا تجب كشاة اللحم.

[مسألة للغلام شاتان وللجارية شاة]
والسنة أن يذبح عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة.
وقال مالك: (عن كل واحد شاة، رجلا كان أو جارية؟ لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عق عن الحسن والحسين شاة شاة» .
دليلنا: ما رويناه عن أم كرز وعائشة وعمرو بن شعيب، وما رووه نحمله على الجواز.

[فرع ما يجزئ في العقيقة وما يستحب عند ذبحها]
وما يطبخ] : ولا يجزئ إلا الجذعة من الضأن أو الثنية من الإبل والبقر والمعز، سليمة من العيوب؛ لأنها إراقة دم بالشرع، فاعتبر فيه ما ذكرناه، كالأضحية.
والمستحب: أن يقول عند الذبح: باسم الله، اللهم منك وإليك، عقيقة فلان لما روت عائشة: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم بذلك) .

(4/465)


والمستحب: أن تفصل أعضاؤها، ولا تكسر من غير ضرورة؛ لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «السنة شاتان مكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة تطبخ جدولا، ولا يكسر عظم، ويأكل، ويطعم، ويتصدق منها، وذلك يوم السابع» . ولأن ذلك أول ذبيحة، فاستحب أن لا يكسر تفاؤلا بسلامة أعضائه.
ويستحب أن يطبخ منها طبيخ حلو تفاؤلا بحلاوة أخلاقه.
قال المسعودي [في " الإبانة "] : وقيل: يطبخ بالحموضة منه، وقيل: لا يطبخ بالحموضة.

[مسألة استحباب الأكل من العقيقة ويبعث بمرقها إلى الفقراء]
] : قال الشيخ أبو إسحاق: ويستحب أن يأكل من لحمها ويهدي ويتصدق؛ لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وقال القفال: لا يتخذ عليها دعوة، بل يطبخ، ويبعث بمرقها إلى الفقراء.

[مسألة استحباب العقيقة يوم السابع وما يصنع برأس المولود]
] : والسنة أن يكون ذلك يوم السابع؛ لما روت عائشة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عق عن الحسن والحسين يوم السابع، وسماهما، وأمر أن يماط الأذى عن رؤوسهما» . فإن قدمه

(4/466)


على ذلك أو أخره جاز لأنه وجد بعد سببه.
ويستحب أن يحلق رأسه يوم السابع؛ لحديث عائشة، ويكره أن يترك على بعض رأسه الشعر؛ لما روي: عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القزع في الرأس» .
ويستحب أن يتصدق بزنة شعره ذهبا أو ورقا؛ لما روي «عن فاطمة: أنها قالت: يا رسول الله أعق عن الحسن؟ فقال: " احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة» .
ويستحب أن يلطخ رأسه بالزعفران، ويكره أن يلطخ رأسه بدم العقيقة.
وقال الحسن: يطلى رأسه بدم العقيقة.
وقال قتادة: يؤخذ منها صوفة فيستقبل بها أوداجها، ثم توضع على يافوخ المولود حتى يسيل على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعد ذلك ويحلق.

(4/467)


دليلنا: ما روى يزيد بن عبد المزني، عن أبيه: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم» .
وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونها على رأس المولود، فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، وأمرهم: أن يجعلوا مكانه خلوقا» .
قال الشافعي: (ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أميطوا عنه الأذى» والشعر والدم هو الأذى، فكيف ينهى عن الأذى ويأمر به؟) .

[مسألة استحباب تحنيك المولود والأذان والتسمية وتهنئة الوالد]
] : ويستحب أن يحنك المولود بشيء حلو؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحنك أولاد الأنصار بالتمر» .

(4/468)


ويستحب أن يهنأ الوالد بالولد.
وروي: أن رجلا جاء إلى الحسن وعنده رجل قد رزق مولودا، فقال له: نهنئك الفارس، فقال له الحسن: وما يدريك أفارس هو أم حمار؟ فقال: كيف نقول؟ قال: (قل: بارك الله لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره) .
ويستحب أن يؤذن في أذن المولود؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، كالأذان في الصلاة» .
وروي عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان إذا ولد له مولود أخذه في خرقة، ثم أذن في أذنه اليمين، وأقام في أذنه اليسار، وسماه.
قال الطبري: ويستحب أن يقرأ في أذنه: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] [آل عمران: 36] .

(4/469)


ويستحب أن يسمي بـ: عبد الله، وعبد الرحمن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» فإن سماه باسم قبيح غير ذلك الاسم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير اسم عاصية، وقال: " أنت جميلة» .
وبالله التوفيق.

(4/470)