التنبية في الفقه الشافعي

كتاب الأقضية
باب ولاية القضاء وآداب القاضي
ولاية القضاء فرض على الكفاية فلم يكن من يصلح إلا واحد تعين عليه ويلزمه طلبه فإن امتنع جبر عليه وإن كان هناك غيره كره أن يتعرض له إلا أن يكون محتاجا فلا يكره لطلب الكفاية أو خاملا فلا يكره لنشر العلم ويجوز أن يكون في البلد قاضيان وأكثر وينظر كل واحد منهما في موضع ولا يصح القضاء إلا بتولية الإمام أو من فوض إليه الإمام فإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه في مال ففيه قولان: أحدهما أنه لا يلزم ذلك الحكم إلا أن يتراضيا به بعد الحكم والثاني يلزم بنفس الحكم فإن رجع فيه أحدهما قبل أن يحكم فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز وإن تحاكما إليه في النكاح واللعان والقصاص وحد القذف فقد قيل لا يجوز وقيل على قولين وينبغي أن يكون القاضي ذكرا حرا بالغا عاقلا عدلا عالما مجتهدا, وقيل يجوز أن يكون أميا وقيل لا يجوز والأفضل أن يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف وإذا ولى الإمام رجلا كتب له العهد ووصاه بتقوى الله عز وجل, والعمل بما في العهد وأشهد التولية شاهدين وقيل إن كان البلد قريبا بحيث يتصل الخبر به لم يلزمه الإشهاد وسأل القاضي عن حال البلد ومن فيه من الفقهاء والأمناء قبل دخوله, ويستحب أن يدخل صبحة يوم الإثنين فإن فاته دخله السبت والخميس وينزل في وسط البلد ويجمع الناس ويقرأ عليهم العهد ويتسلم المحاضر والسجلات من القاضي الذي

(1/251)


كان قبله وإن احتاج أن يستخلف في أعماله لكثرتها إستخلف من يصلح أن يكون قاضيا وإن لم يحتج فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز إلا أن يؤذن له في ذلك وإن احتاج إلى كاتب استحب أن يكون مسلما عدلا عاقلا فقيها ولا يتخذ حاجبا أو بوابا فإن احتاج إتخذ حاجبا عاقلا أمينا بعيدا من الطمع ويأمره أن لا يقدم خصما على خصم ولا يخص في الأذن قوما دون قوم ولا يقدم أخيرا على أول ويوصي الوكلاء على بابه بتقوى الله تعالى ويأمرهم بطلب الحق ويوصيى أعوانه بتقوى الله والرفق بالخصوم ولا يتخذ شهودا مرتين لا يقبل غيرهم ويتخذ قوما من أصحاب المسائل أمناء ثقات برآء من الشحناء بينهم وبين الناس ليعرف حال من يجهل عدالته من الشهود ويجتهد أن لا يعرف بعضهم بعضا ولا يحكم ولا يولي ولا يسمع البينة في غير عمله فإن فعل ذلك لم يعتد به ولا يجوز أن يرتشي ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة بالهدية قبل الولاية ولا ممن كانت له عادة ما دامت له خصومة فإن لم يكن له خصومة جاز أن يقبل والأفضل أن لا يقبل ولا يحكم لنفسه ولا لوالده ولا لولده ولا لعبده وأمته فإن اتفق لاحد منهم خصومة حكم فيها بعض خلفائه ومن تعين عليه القضاءوهو مستغن لم يجز أن يأخذ عليه الرزق من بيت المال وإن كان محتاجا جاز ومن لم يتعين عليه جاز أن يأخذ ما يحتاج إليه لنفسه ولحاجبه ولكاتبه وللقرطاس الذي يكتب فيه المحاضر وإن احتسب ولم يأخذ فهو أفضل ويجوز أن يحضر الولائم ويشهد مقدم الغائب ويسوي بين الناس في ذلك فإن كثرت عليه وقطعه عن الحكم امتنع في حق الكل ويعود المرضى ويشهد الجنائز فإن كثر عليه أتى من ذلك ما لا يقطعه عن الحكم ولا يقضي وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مهموم ولا فرحان ولا يقضي والنعاس يغلبه ولا يحكم والمرض يقلقله ولا يقضيى وهو حاقن1 ولا حاقب2 ولا في حر مزعج ولا برد
__________
1 - الحاقن: هو من كان مدافعا للبول.
2 - والحاقب للغائط أظر مهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: باب مكروهات الصلاة.

(1/252)


مؤلم فإن حكم في هذه الأحوال نفذ حكمه ويستحب أن يجلس للحكم في موضع فسيح بارز يصل إليه كل أحد ولا يحتجب إلا لعذر ولا يجلس للقضاء في المسجد وإن اتفق جلوسه فيه فحضره الخصمان لم يكره أن يحكم بينهما ويستجب أن يجلس مستقبل القبلة ويجلس وعليه السكينة والوقار من غير جبرية ولا إستكبار ويترك بين يديه القمطر1 مختوما ويجلس الكاتب بقربه ليشاهد ما يكتبه ويستحب أن لا يحكم إلا بمشهد من الشهود وبمحضر من الفقهاء فإن اتفق أمر مشكل شاورهم فيه فإن اتضح له الحق حكم به وإن لم يتضح أخره إلى أن يتضح ولا يقلد غيره في الحكم وقيل إن حضره ما يفوته كالحكم بين المسافرين وهم على الخروج جازأن يقلد غيره ويحكم وليس بشيء وإن حضره خصوم بدأ بالأول فالأول وإن كان فيهم مسافرون قدمهم إلا أن يكثروا فلا يقدمهم فإن استوى جماعة في الحضور أو أشكل السابق منهم أقرع بينهم فمن خرجت عليه القرعة قدم ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة ويسوي بين الخصمين في الدخول والمجلس والإقبال عليهما والإنصات إليهما فإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا قدم المسلم على الكافر في الدخول ورفعه عليه في المجلس ولا يضيف أحدهما ولا يساره ولا يلقن أحدا دعوى ولا حجة ولا يعلمه كيف يدعي وقيل يجوز أن يعلمه والأول أصح وله أن يزن عن أحدهما ما لزمه وله أن يشفع له إلى خصمه وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين فمن حبس بحق رده إلى الحبس ومن حبس بغير حق خلاه ومن ادعى أنه حبس بغير خصم نادى عليه ثم يحلفه ويخليه ثم ينظر في أمر الأيتام والأوصياء ثم في أمر أمناء القاضي ثم في أمر الصواك واللقطة وإن كان القاضي قبله لا يصلح للقضاء نقض أحكامه كلها أصاب فيها أوأخطأ فإن استعداه خصم على القاضي قبله لم يحضره حتى يسأله عما بينهما فإن ادعى عليه مالا غصبه أو رشوة أخذها على
__________
1 - القمطر: مايصان في الكتب مختار الصحاح 551.

(1/253)


حكم أحضره وإن قال حكم علي بشهادة فاسقين أو عبدين فقد قيل يحضره وقيل لا يحضره حتى يقيم المدعي بينة أنه حكم عليه فإن حضر وقال حكمت عليه بشهادة حرين عدلين فالقول قوله مع يمينه وقيل القول قوله من غير يمينه والأول أصح وإن قال جار علي في الحكم نظر فإن كان في أمر لا يسوغ فيه الاجتهاد نقضه وإن كان يسوغ فيه الإجتهاد ووافق رأيه لم ينقضه وإن خالفه ففيه قولان: أحدهما ينقضه والثاني لا ينقضه.

(1/254)


باب صفة القضاء
إذا جلس بين يدي الحاكم خصمان فله أن يقول لهما تكلما وله أن يسكت حتى يبتدئا فإن ادعى كل واحد منهما على الآخر حقا قدم السابق منهما بالدعوى فإن انقضت خصومته سمع دعوى الآخر فإن قطع أحدهما الكلام على صاحبه أو ظهر منه لدد أو سوء أدب نهاه فإن عاد زبره1 فإن عاد غرره وإن ادعى دعوى غير صحيحة لم يسمعها وإن ادعى دعوى صحيحة قال للآخر ما تقول فيما يدعيه عليك وقيل لا يقول حتى يطالبه المدعي وليس بشيء وإن أقر لم يحكم عليه حتى يطالبه المدعي وان أنكر فله أن يقول ألك بينة وله أن يسكت فإن قال ما لي بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ولا يحلفه حتى يطالب المدعي فإن نكل عن اليمين رد اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن نكل صرفهما وإن قال المدعي عليه بعد النكول أنا أحلف ولم يسمع وإن قال المدعي بعد النكول إذا أنا أحلف لم يسمع إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي فينكل المدعى عليه وإن قال المدعي بعد العجز عن إقامة البينة لي بينة سمعت بينته وإن حضر البينة لم يطالب بإقامتها فإن شهدوا وكانوا فساقا قال للمدعي زدني في الشهود وإن كانوا عدولا وارتاب بهم استحب أن يفرقهم فيسألهم كيف تحملوا أو متى تحملوا أو في أي موضع تحملوا فإن اتفقوا وعظهم فإن ثبت إستحب أن بقول للمدعى عليه شهد عليك فلان وفلان وقد قبلت شهادتهما وقد
__________
1 - زبره: أي زجره: 267 مختار الصحاح.

(1/254)


مكنتك من جرحهما, فإن قال لي بينة بالجرح وجب إمهاله ثلاثة أيام وللمدعي ملازمته إلى أن يثبت الجرح فإن لم يأت بالجرح كان للمدعي أن يطالب بالحكم وإن كان الشهود مجاهيل فإن جهل إسلامهم رجع فيه إلى قولهم وان جهل حريتهم لم يقبل إلا ببينة, وإن جهل عدالتهم سأل عن اسم كل واحد منهم وعن كنيته وعن صنعته وسوقه ومصلاه واسم المشهود له والمشهود عليه وقدر الدين وكتب ذلك في رقاع ويدفعها إلى أصحاب المسائل ولا يعلم بعضهم ببعض وأقلهم اثنان وقيل يجوز واحد فإن عادوا بالتعديل أمر من عدلهم في السر أن يعدلهم علانية كما عدلهم سرا ويكفي في التعديل أن يقول هو عدل وقيل لا يجوز حتى يقول عدل على ولي ولا يقبل التعديل إلا ممن هو من أهل المعرفة الباطنة, وإن عادوا بالجرح سقطت شهادتهم فإن عاد أحدهما بالتعديل والآخر بالجرح أنفذ آخرين فإن عدله اثنان وجرحه اثنان قدم الجرح على التعديل ولا يقبل الجرح إلا مفسرا فإن سال المدعي أن يحبسه حتى يثبت عدالتهم حبس وإن قال المدعي لي بينة غائبة فهو بالخيار إن شاء حلف المدعى عليه, وإن شاء صبر حتى تحضرالبينة وإن أقام شاهدا واحدا وسأله أن يحبسه حتى يأتي بالثاني ففيه قولان وقيل إن كان في المال حبس قولا واحدا وإن علم الحاكم وجوب الحق فهل له أن يحكم بعلمه فيه ثلاثة أقوال أحدها يحكم والثاني لا يحكم والثالث يحكم في غير حدود الله عز وجل ولا يحكم في حدوده وهي حد الزنا والسرقة والمحاربة والشرب, وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر فقال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ويستحب أن يكرر عليه ذلك ثلاثا فإن أجاب وإلا جعله ناكلا وإن قال لي حساب وأريد أن أنظر فيه لم يلزم المدعي إنظاره, وإن قال برئت إليه مما يدعي أو قضيته فقد أقر بالحق ولا يقبل قوله في البراءة والقضاء إلا بينة وإن قال لي بينة قريبة بالقضاء والإبراء أمهل ثلاثة أيام وللمدعي ملازمته حتى يقيم البينة وإن لم تكن له بينة حلف المدعي أنه ما برىء إليه ولا قضاه واستحق وإن ادعى على ميت أو غائب أو صبي أو

(1/255)


مستتر في البلد وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها, وأحلف المدعي أنه لم يرأ إليه ولا من شيء منه فإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي فهو على حجته, وان ادعى على ظاهر في البلد غائب عن المجلس فقد قيل يسمع البينة عليه ويحكم وقيل لا يسمع وإن استعدى الحاكم على خصم في البلد أحضره فإن امتنع أشهد عليه شاهدين أنه ممتنع ثم يتقدم الى صاحب الشرطة ليحضره وإن استعدى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إلى رجل من أهل الستر ليتوسط بينهما, وان لم يكن أحد لم يحضره حتى يحقق المدعي دعواه فإذا حقق الدعوى أحضره وان استعدى على حرة غير برزة لم تكلف الحضور بل توكل فإن وجب عليها اليمين أنفذ إليها من يحلفها واذاحكم على غائب فسأله المدعي أن يكتب الى قاضي البلد الذي فيه الخصم بما حكم به لينفذه كتب إليه وان ثبت عنده ولم يحكم فسأله المدعى أن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم بما ثبت عنده ليحكم عليه نظر فإن كان بينهمامسافة لاتقصر فيها الصلاة لم يكتب, وان كان بينهما مسافة تقصر ف الصلاة كتب وإذا كتب الكتب أحضر شاهدين ممن يخرج الى ذلك البلد ويقرأ الكتاب عليهما أو يقرآن عليه وهو يسمع ثم يقول لهما أشهدا علي أني كتبت إلى فلان بن فلان بما سمعتهما فى هذا الكتاب فإذا وصلا قرآ الكتاب على المكتوب إليه وقالا نشهد أن هذا الكتاب قرآه علينا فلان بن فلان وسمعناه وأشهدنا أنه كتب إليك بما فيه, وان قالا نشهد أنه كتب اليك بهذا ولم يقرآ لم يجز وان مات القاضي الكاتب أو عزل أو مات المكتوب إليه أو عزل وولي غيره حمل الكتاب إليه وعمل به وإن فسق الكاتب فإن كان فيما كتب به إليه لم يحكم به بطل كتابه وان كان حكم به لم يبطل وإذا وصل الكتاب وحضر الخصم فقال لست فلان بن فلان فالقول قوله مع يمينه واذا أقام المدعي البينة أنه فلان بن فلان فقال إلا أني غير المحكوم عليه لم يقبل قوله حتى يقيم بينة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به في هذا الكتاب فإن حكم عليه فقال إكتب إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يدعي ذلك مرة أخرى فقد قيل يلزمه وقيل لا يلزمه إلا إذا

(1/256)


ادعى ذلك عليه مرة أخرى واذا ثبت عند الحاكم حق فسأل صاحب الحق أن يكتب له محضرا بما جرى كتبه ووقع فيه إليه ويكتب نسخته ويودعها في قمطره فإن لم يكن للحاكم قرطاس من بيت المال كان ذلك على صاحب الحق فإن أراد أن يسجل له كتب له سجلا وحكى في المحضر وأشهد على نفسه بالإنفاذ وسلمه إليه وكتب نسخته وتركها في قمطره وما يجتمع من المحاضر في كل شهر أو في كل أسبوع أو في كل يوم على قدر قلته وكثرته يضم بعضها إلى بعض ويكتب عليه محاضر وقت كذا من شهر كذا في سنة كذا فإن لم يسجل له الحاكم جاز وان ادعى رجل على رجل حقا وادعى أن له حجة في ديوان الحكم فوجدها كما ادعى فإن كان ذلك حكما حكم به هذا الحاكم لم يرجع إليه حتى يذكر وان كان حكما حكم به غيره لم يرجع إليه حتى يشهد به شاهدان وان لم يعرف الحاكم لسان الخصم رجع فيه إلى من يعرف الحاكم لسان الخصم رجع فيه إلى من يعرف ولا يقبل فيه إلا قول من يقبل شهادته ولا يقبل إلا من عدد يثبت به الحق المدعي فإن كان الدعوى في زنا ففيه قولان: أحدهما يقبل في الترجمة إثنان والثاني لا يقبل إلا أربعة وإن حكم الحاكم بحكم فوجد النص أو الإجماع أو القياس الجلي يخالفه نقض حكمه وإذا اختلف رجلان فقال أحدهما قد حكم لي الحاكم بكذا وانكر الآخر فقال الحاكم حكمت قبل قوله وحده.

(1/257)


باب القسمة
يجوز قسمة الأملاك فإن كان فيها رد فهو بيع فما لا يجوز في البيع لا يجوز فى القسمة وإن لم يكن فيها رد ففيه قولان: أحدهما أنه تمييز للحقين فما أمكن نجه القسمة جازت قسمته وما لم يمكن فيه القسمة كالأرض مع البذر والأرض مع السنابل لا يجوز قسمته والقول الثاني أنه بيع فما جاز بيع بعضه ببعض قسمته كالأراضي والحبوب والأدهان وغيرها وما لا يجوز بيع بعضه

(1/257)


ببعض كالعسل الذي عقد أجزاؤه بالنار وخل التمر لا يجوز قسمته ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم ويجوز أن ينصبوا من يقسم بينهم ويجوز أن يترافعوا إلى الحاكم لينصب من يقسم بينهم فإن ترافعوا إليه في قسمة ملك من غير بينة ففيه قولان: أحدهما لا يقسم بينهم والثاني يقسم إلا أنه يكتب أنه قسم بينهم بدعواهم فإن كان في القسمة رد إعتبر التراضي في ابتداء القسمة وبعد الفراغ منها على المذهب وقيل لا يعتبر التراضي بعد خروج القرعة وإن لم يكن فيها رد فإن تقاسموا بأنفسهم لزم بإخراج القرعة وإن نصبوا من يقسم بينهما أعتبر التراضي بعد خروج القرعة على المنصوص وفيه قول مخرج من التحكيم أنه لا يعتبر التراضي وإن ترافعوا إلى الحاكم فنصب من يقسم لزم ذلك بإخراج القرعة ولا يجوز للحاكم أن ينصب للقسمة إلا حرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالقسمة فإن لم يكن في القسمة تقويم جاز قاسم واحد وإن كان فيها تقويم لم يجز إلا قاسمان وإن كان فيها خرص1 ففيه قولان: أحدهما يجوز واحد والثاني لا يجوز إلا اثنان وأجرة القاسم في بيت المال وإن لم يكن فعلى الشركاء تقسم عليهم على قدر أملاكهم فإن طلب القسمة أحد الشريكين وامتنع الآخر نظر فإن لم يكن على واحد منهما ضرر كالحبوب والأدهان والثياب الغليظة والأراضي والدور أجبر الممتنع وإن كان عليهما ضرر كالجواهر والثياب المرتفعة والرحا والبئر والحمام الصغير لم يجبر الممتنع وإن كان على أحدهما ضرر فإن كان على الطالب لم يجبر الممتنع وإن كان على الممتنع فقد قبل لا يجبر وهو الأصح وإن كان بينهما دور ودكاكين وأراض في بعضها شجر وفي بعضها بياض فطلب أحدهما أن يقسم بينهما أعيانا بالقيمة وطلب الآخر قسمة كل عين قسم كل عين وإن كان بينهما عضائد صغارا متلاصقة فطلب أحدهما قسمتها أعيانا وامتنع الاخر فقد قيل يجبر وقيل لا يجبر وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو ثياب أو أخشاب وطلب أحدهما قسمتها أعيانا,
__________
1 - الخرص: النخل: مختار الصحاح مادة خ , رص: 172.

(1/258)


وامتنع الآخر فالمذهب أنه يجبر الممتنع وقيل لا يجبر وإن كان بينهما دار وطلب أحدهما أن يقسم فيجعل العلو لأحدهما والسفل للآخر وامتنع شريكه لم يجبر الممتنع وإن كان بين ملكيهما عرصة حائط فأراد أحدهما أن يقسمه طولا فيجعل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال العرض وامتنع الآخر أجبر عليه وإن أراد أن يقسم عرضا فيجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول وامتنع الآخر فقد قيل يجبر وقيل لا يجبر وإن كان بينهما حائط فطلب أحدهما أن يقسم عرضا في كمال الطول وامتنع الآخر لم يجبر وإن طلب أحدهما أن يقسم طولا في كمال العرض وامتنع الآخر فقد قيل يجبر وقيل لا يجبر والأول أصح وإن كان بين رجلين منافع فأراد قسمتها بينهما بالمهايأة1 جاز وإن أراد أحدهما ذلك وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع ومتى أراد القاسم أن يقسم عدل السهام أما بالقيمة إن كانت مختلفة أو بالأجزاء إن كانت غير مختلفة أو بالرد إن كانت القسمة تقتضي الرد فإن كانت الأنصباء متساوية كالأرض بين ثلاثة أنفس أثلاثا أقرع بينهم فإن شاء كتب أسماء الملاك في رقاع متساوية وجعلها في بنادق متساوية وجعلها في حجر رجل لم يحضر ذلك ليخرج على السهام وإن شاء كتب السهام ليخرجها على الأسماء وإن كانت الأنصباء مختلفة مثل أن يكون لواحد السدس وللثاني الثلث وللثالث النصف قسمها على أقل الأجزاء وهي ستة أسهم وكتب أسماء الشركاء في ست رقاع لصاحب السدس رقعة ولصاحب الثلث رقعتان ولصاحب النصف ثلاث رقاع ويخرج على السهام فإن خرج اسم صاحب السدس أعطى السهم الأول ثم يقرع بين الآخرين فإن خرج اسم صاحب الثلث أعطى السهم الثاني والثالث بلا قرعة والباقي لصاحب النصف وإن خرج أولا اسم صاحب النصف أعطي ثلاثة أسهم ثم يقرع بين الآخرين على نحو ما تقدم ولا يخرج السهام على الأسماء في هذا القسم وقيل يقتصر على ثلاث رقاع لكل واحد رقعة وإذا تقاسموا ثم ادعى بعضهم على بعض غلطا فإن كان فيما تقاسموا بأنفسهم لم يقبل دعواه وإن قسمه قاسم
__________
1 - المهايأة: الأمر المتهايأ عليه أنظر مادة الهيئة قاموس المحيط.

(1/259)


من جهة الحاكم فالقول قول المدعى عليه مع يمينه وعلى المدعي البينة وإن نصبا من يقسم بينهما فإن قلنا يعتبر التراضي بعد خروج القرعة لم يقبل قوله وإن قلنا لا يعتبر فهو كالحاكم وإن كان ذلك في قسمة فيها رد وقلنا يعتبر التراضي بعد القرعة لم يقبل دعواه وإن قلنا لا يعتبر فهو كقسمة الحاكم وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين لم يستحق مثله من حصة الآخر بطلت القسمة وإن استحق مثله من حصة الآخر لم تبطل وإن استحق من الجميع جزء مشاع بطلت القسمة وقيل تبطل في المستحق وفي الباقي قولان وإن تقاسم الورثة التركة ثم ظهر دين يحيط بالتركة فإن قلنا القسمة تمييز الحقين لم تبطل القسمة فإن لم يقض الدين بطلت القسمة وإن قلنا أنها بيع ففي بيع التركة قبل قضاء الدين قولان وفي قسمتها قولان وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين فنبع فيها الماء فالماء بينهم على قدر ما شرطوا من التساوي والتفاضل وقيل إن الماء لا يملك والمذهب الأول فإن أرادوا سقي أراضيهم من ذلك الماء بالمهايأة جاز وإن أرادوا القسمة جاز فينصب قبل أن يبلغ إلى أراضيهم خشبة مستوية ويفتح فيها كوى على قدر حقوقهم ويجري فيها الماء إلى أراضيهم فإن أراد أحدهم أن يأخذ قدر حقه قبل أن يبلغ الى المقسم وبجريه في ساقية له إلى أرضه أو يدير به رحى لم يكن له ذلك وإن أراد أن ياخذ الماء ويسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا النهر لم يكن له ذلك وإن كان ماء مباح في نهر غيرمملوك سقى الأول أرضه حتى يبلغ الكعب ثم يرسله إلى الثاني فإن احتاج الأول إلى سقي أرضه دفعة أخرى قبل أن يسقي الثالث سقى ثم يرسل إلى الثالث فإن كان لرجل أرضا عالية وبجنبها أرض مستفلة1 فلا يبلغ الماء في العالية إلى الكعب حتى يبلغ في المستفلة إلى الوسط سقى المستفلة حتى يبلغ الكعب ثم يسدها ويسقي العالية فإن أراد بعضها أن يحيى أرضا ويسقيها من هذا النهر فإن كان لا يضر بأهل الأراضي لم يمنع وان كان يضر بهم منع
__________
1 - مستفله: من السفل بالضم والكسر ضد العلو: مختار الصحاح ص 302.

(1/260)


باب الدعوى والبينات
لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه ولا تصح دعوى مجهول إلا في الوصية فأما فيما سواها فلا بد من إعلامها فإن كان المدعي دينا ذكر الجنس والصفة والقدر, وإن كان عينا يمكن تعيينها كالدار والعين الحاضرة عينها وإن لم يمكن تعيينها ذكر صفاتها وإن ذكر القيمة فهو آكد وإن كانت تالفة ولها مثل ذكر جنسها وصفتها وقدرها وإن ذكر القيمة فهوآكد, وإن لم يكن لها مثل ذكر قيمتها وإن ادعى نكاح امرأة فالمذهب أنه يذكر أنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إن كان رضاها شرطا وقيل إن ذلك مستحب وقيل إن كان الدعوى لإبتداء العقد وجب ذكرها وإن كان لاستدامته لم يجب ذكرها وإن ادعى بيعا أو اجارة أو غيرهما من العقود لم يفتقر إلى ذكر الشروط, وقيل يفتقر وقيل في بيع الجارية يفتقر وفي غيرها لا يفتقر وان ادعى قتلا ذكر القاتل وأنه انفرد بقتله أو شاركه فيه غيره ويذكر أنه عمد أو خطأ أو شبه عمد ويصف كل واحد من ذلك وإن ادعى أنه وارث بين جهة الإرث وان لم يذكر سأله الحاكم عنه فإن أنكر المدعي عليه ما ادعاه صح الجواب وإن لم يتعرض لما ادعى عليه بل قال لا يستحق علي شيئا صح الجواب فإن كان المدعي دينا فالقول قوله مع يمينه فإن أقام المدعي بينه قضى له إن كان المدعي عينا ولا بينة فإن كان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه, وإن كان في أيديهما أو لم يكن في يد أحدهما حلفا ويجعل بينهما نصفين وإن كان في يد ثالث رجع إليه فإن ادعاه لنفسه فالقول قوله مع يمينه وإن أقر به لغيره وصدقه المقر له انتقلت الخصومة اليه وهل يحلف للمدعي فيه قولان, وان كذبه المقر له أخذه لحاكم وحفظه إلى أن يجيء صاحبه وقيل يسلم إلى المدعي فإن أقر به لغائب انتقلت الخصومة اليه وإن أقر لمجهول قيل له إما أن تقر به لمعروف أو نجعلك ناكلا وقيل يقال له إما أن تقر به لمعروف أو لنفسك أو نجعلك ناكلا وان تداعيا حائطا فإن كان مبنيا على تربيع إحدى الدارين أو متصلا بأحداهما اتصالا لا يمكن إحداثه فالقول قول

(1/261)


صاحب الدار مع يمينه وإن كان بين ملكيهما تحالفا وجعل بينهما وإن كان لأحدهما عليه أزج فالقول قول صاحب الأزج وإن كان لأحدهما عليه جذوع لم يقدم صاحب الجذوع وإن تداعيا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر فإن كان قد ثبت له البناء والشجر بالبينة فالقول قوله في العرصة مع يمينه وإن ثبت له ذلك بالإقرار فقد قيل القول قوله وقيل هو بينهما وإن كان السفل لأحدهما والعلو للآخر وتنازعا السقف حلفا وجعل بينهما وإن تداعيا سلما منصوبا حلف صاحب العلو وقضى له وإن تداعيا درجة فإن كان تحتها مسكن حلفا وجعل بينهما وإن كان تحتها موضع حب وما أشبهه فهو لصاحب العلو وقيل هو بينهما والأول أصح وإن تنازعا عرصة الدار ولصاحب العلو ممر في بعضها دون بعض فالقول قولهما فيما يشتركان فيه من الممر وما لا ممر فيه لصاحب العلو فالقول فيه قول صاحب السفل مع يمينه وقيل يحلفان ويجعل بينهما وإن تنازع المكري والمكتري في الرفوف المنفصلة حلفا وجعل بينهما وإن ادعى رجلان مسناة بين أرض أحدهما ونهر الاخر حلفا وجعل بينهما وإن ادعى رجلان مسناة1 بين أرض أحدهما ونهر الآخر حلفا وجعلت بينهما وإن تداعيا بعيرا ولأحدهما عليه حمل فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه وإن تداعيا دابة وأحدهما راكبها والآخر سائقها فالقول قول الراكب مع يمينه وقيل هي بينهما مع يمينهما وإن كان في يدهما صبي لا يعقل فادعى كل واحد منهما انه مملوكه حلفا وجعل بينهما وإن كان بالغا فالقول قوله مع يمينه وان كان مميزا يعقل فهو كالصبي وقيل هو كالبالغ وإن قطع ملفوفا فادعى الولي انه قتله وادعى الضارب أنه كان ميتا ففيه قولان: أصحهما أن القول قول الضارب وإن تداعيا عينا ولأحدهما بينة قضى له وإن كان لكل واحد منهما بينة فإن كان في يد أحدهما قضى به لصاحب اليد وقيل لايقضي له إلا أن يحلف والمنصوص هو الأول وإن كان في يدهما أو في يد غيرهما أو لا يد لأحد عليها فقد تعارضت البينتان ففي احد القولين يسقطان فيكونان
__________
1 - المسناة بالتشديد العرم كما في الصحاح وهو صفين يبني للسيل ليرد الماء سميت لأن منها مفاتح للماء بقدر الحاجة اليه مما لا يغلب انظر شرح القاموس 10: 185.

(1/262)


كالمتداعيين بلا بينة وفي الآخر يستعمل البينتان وفي الاستعمال ثلاثة أقوال: احدها يوقف والثاني يقسم بينهما والثالث يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قضى له وهل يحلف مع القرعة فيه قولان وإن كان بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهدا ويمينا ففيه قولان: احدهما يقضي به لصاحب الشاهدين والثاني انهما سواء فيتعارضان وفيهما قولان: فإن شهدت بينه احدهما بالملك من سنة وبينة الآخر بالملك من شهر ففيه قولان: أحدهما يتعارضان وفيها قولان: والثاني وهو الصحيح أن الذي شهد بالملك القديم أولى فعلى هذا إن كان مع أحدهما بينة بالملك القديم ومع الآخر يد فقد قيل صاحب اليد أولى وقيل صاحب البينة بالملك القديم أولى وإن شهدت بينة احدهما بالملك والنتاج في ملكه وبينة الآخر بالملك وحده فقد قيل بينة النتاج أولى وقيل على قولين كالمسألة قبلها, وان ادعى رجلان كل واحد منهما أنه ابتاع هذه الدار من زيد وهي ملكه وأقام كل واحد منهما بينة على ما يدعيه فإن كان تاريخهما مختلفا فهي للسابق منهما وإن كان تاريخهما واحد ولم يعرف السابق منهما تعارضت البينتان وفيهما قولان أحدهما تسقطان والثاني تستعملان اما بالقرعة أو بالقسمة ولا يجيء الوقف وإن ادعى احدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر انه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقام كل واحد منهما على ما يدعيه بينة تعارضت البينتان وفيه قولان وإن كان في يد زيد دار وادعى كل واحد منهما أنه باعها منه بألف وأقام كل واحد منهما بينة على عقده فإن كان تاريخهما واحدا تعارضت البينتان وفيه قولان, وإن كان تاريخهما مختلفا لزمه الثمنان وإن كانتا مطلقتين أو أحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة فقد قيل يلزمه الثمنان وقيل يلزمه ثمن واحدة وان ادعى رجل ملك عبد وأقام عليه بينة وادعى الآخر أنه باعه أو وقفه أو أعتقه وأقام عليه بينة قضي بالبيع والوقف والعتق وإن قال لعبده إن قتلت فأنت حر فأقام العبد بينة أنه قتل وأقام الورثة بينة أنه مات ففيه قولان: أحدهما يتعارضان ويرق العبد والثاني تقدم بينة القتل وان قال إن مت في رمضان فعبدي حر وإن مت في شوال فجاريتي حرة ومات فأقام العبد بينة بالموت في رمضان والجارية بينة بالموت في شوال ففيه قولان: احدهما يتعارضان ويرقان والثاني يقدم بينة رمضان وإن قال لأحدهما: إن

(1/263)


مت من مرضي فأنت حر وقال للآخران برئت من مرضي فأنت حر ثم مات وأقام كل واحد منهما بينة على ما يوجب عتقة تعارضت البينتان وسقطتا ورق العبدان وان شهد شاهدان أنه اعتق سالما وهو ثلث ماله وشهد آخران أنه اعتق غانما وهو ثلث ماله ولم يعلم الأول منهما ففيه قولان: أحدهما انه يعتق من كل واحد منهما نصفه والثاني يقرع بينهما وإن ادعى عينا في يد وأقام بينة بملك متقدم فإن شهدت البينة أنه ملكه أمس لم يحكم به حتى تشهد البينة أنه أخذها زيد منه وقيل فيه قولان: أصحهما أنه لا يحكم له والثاني يحكم وإن ادعى مملوكا وأقام بينة أنه ولدته أمته في ملكه أو ثمرة فأقام بينة أنها أثمرتها نخلته في ملكه حكم له وقيل هي كالبينة بملك متقدم وان ادعى ان هذا العبد كان له فأعتقه وغصبه منه فلان وأقام عليه بينة فقد قيل يقضى بها وقيل هو كالبينة بملك متقدم وإن ادعى عينا في يد غيره وأقام بينة أنه ابتاعها من رجل لم يقض له حتى تشهد البينة أنه ابتاعها منه وهي في ملكه أو ابتاعها وتسلمها من أيده, وإن ادعى مملوكا فأقام بينة أنه ولدته جاريته أو ثمرة فأقام بينة أنها أثمرته نخلته لم يقض له حتى تشهد أنها ولدته جاريته في ملكه أو أثمرته في ملكه وإن ادعى طيرا أو غزلا أو آجرا فأقام بينة أن الطير من بيضه والغزل من قطنه والآجر من طينه قضى له وان مات نصراني وخلف ابنا مسلما وابنا نصرانيا فأقام المسلم بينة أن أباه مات مسلما وأقام النصراني بينة أنه مات نصرانيا ولم يؤرخا قدمت بينة المسلم وإن شهدت بينة وسلم أن آخر كلامه عند الموت الإسلام وشهدت بينة النصراني أن آخر كلامه كان بالنصرانية تعارضت البينتان وفيهما قولان: أحدهما تسقطان ويحكم بأنه مات نصرانيا والثاني تستعملان بالوقف أو القرعة أو القسمة وقيل لا تجيء القسمة وإن كان الميت لا يعرف أصل دينه تعارضت البينتان وفيهما قولان: أحدهما تسقطان ويرجع الى من في يده التركة والثاني تستعملان على ما ذكرناه ويغسل الميت ويصلى عليه في المسائل كلها وإن مات رجل وخلف إبنين واتفقا على إسلام الأب وإسلام احدهما قبل الأب واختلفا في إسلام الآخر هل كان قبل

(1/264)


موت الأب أو بعد موته فالقول قول الإبن المتفق على إسلامه وإن اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان والآخر في رمضان واختلفا في موت الأب فقال أحدهما: مات قبل إسلام اخي وقال الآخر بل مات بعد إسلامنا فالقول قول الثاني فيشتركان وإن مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان مات كافرا وقال الإبنان مات مسلما ففيه قولان: أصحهما أن القول قول الإبنين والثاني أنه يوقف حتى ينكشف أو يصطلحا وإن ماتت امرأة وابنها فقال زوجها ماتت أولا فورثها الإبن ثم مات الإبن فورثته وقال أخوها بل مات الإبن أولا وورثته الأم ثم ماتت فورثتها لم يورث ميت من ميت بل يجعل مال الإبن للزوج ومال المرأة للزوج والأخ وإن ادعى رجل أن أباه مات عنه وعن أخ له وله مال عند رجل حاضر, وأقام بينة بذلك سلم إليه نصف المال وأخذ الحاكم نصيب الغائب ممن هو عنده وحفظه عليه وقيل إن كان دينا لم يأخذ نصيبه بل يتركه في ذمة الغريم حتى يقدم وان مات رجل فادعى رجل أنه وارثة لا وارث له غيره فشهد شاهدان من أهل الخبرة بحال الميت أنه وارثه لا وارث له غيره سلم إليه الميراث, وان لم يقولا لا نعلم وارثا غيره أو قالا ذلك ولم يكونا من اهل الخبرة فإن كان ممن له فرض دفع إليه الفرض عائلا وإن كان إبنا أوأخا لم يدفع إليه شيء ثم سأل الحاكم عن حاله في البلاد التي سافر إليها فإن لم يظهر وارث آخر فإن كان ممن له فرض أكمل فرضه وإن كان إبنا سلم المال اليه وإن كان أخا فقد قيل لا يسلم إليه المال, وقيل يسلم وهو الاصح ويستحب أن يؤخذ منه كفيل وقيل يجب وقيل إن كان ثقة استحب وإن كان غير ثقة وجب والأول أصح ومن وجب له حق على رجل وهو مقر لم يأخذ من ماله إلا بإذنه, وان كان منكرا وله بينة فقد قيل يؤخذ وقيل لا يؤخذ وإن كان منكرا ولا بينة له فله أن يأخذ فإن كان من غير جنس حقه باعه بنفسه وقيل يواطىء من يقر له بحق عند الحاكم وانه ممتنع ليبيع الحاكم عليه والأول أصح فإن تلفت العين في يده تلف من ضمانه وقيل من ضمان الغريم

(1/265)


باب اليمين في الدعاوي
إذا ادعى رجل على رجل حقا فأنكره ولم تكن للمدعي بينة فإن كان ذلك في غير الدم حلف المدعي عليه فإن نكل عن اليمين فإن كان الحق لغير معين كالمسلمين والفقراء حبس المدعي عليه حتى يحلف أو يدفع الحق وقيل يقضي عليه بالنكول وإن كان الحق لمعين ردت اليمين عليه فإن حلف استحق وإن أخر لعذر لم يسقط حقه من اليمين وإن كان الدعوى في دم فإن كان هناك لوث حلف المدعي خمسين يمينا ويقضي له بالدية وإن كان الدعوى في قتل عمد ففي القود قولان: اصحهما أنه لا يجب فإن كان المدعي جماعة ففيه قولان: أحدهما يحلف كل واحد خمسين يمينا والثاني يقسط عليهم الخمسون على قدر مواريثهم ويجبر السكر فإن نكل المدعي عن اليمين ردت اليمين على المدعي عليه فيحلف خسين يمينا فإن كانوا جماعة ففيه قولان: أحدهما يحلف كل واحد خمسين يمينا والثاني يقسم عليهم الخمسون على عدد رؤسهم وإن لم يكن لوث حلف المدعي عليه يمينا واحدة في احد القولين وخمسين يمينا في الآخر وان كان الدعوى على اثنين وعلى احدهما لوث دون الآخر حلف المدعي على صاجب اللوث وحلف الذي لا لوث عليه واللوث هو أن يوجد القتيل في محلة اعدائه ولا يخالطهم غيرهم أو تزدحم جماعة فيوجد بينهم قتيل أو تتفرق جماعة عن قتيل في دار أو يرى القتيل في موضع لا عين فيه ولا أثر وهناك رجل مخضب بالدم أويشهد عدل أنه قتله فلان أو يشهد جماعة من النساء او العبيد بذلك فإن شهد شاهد أنه قتله فلان بالسيف وشهد آخر أنه قتله بالعصا فقد قيل هو لوث وقيل ليس بلوث وان شهد واحد انه قتله زيد وشهد آخر أنه أقر بالقتل ثبت اللوث ولو شهد إثنان أنه قتله احد هذين الرجلين ولم يعينا ثبت اللوث على أحدهما ولو شهد شاهد على رجل أنه قتل احد هذين الرجلين لم يثبت اللوث وإن ادعى احد الوارثين القتل على واحد في موضع اللوث وكذبه الآخر سقط اللوث في احد القولين ولم يسقط في الآخر فيحلف المدعي ويستحق نصف الدية وإن ادعى القتل على رجل مع اللوث وأقر آخر انه قتله,

(1/266)


لم يسقط حق الولي من القسامة وان كان الدعوى في طرف فاليمين على المدعي عليه وفي التغليظ بالعدد قولان: ومن لزمه يمين في غير مال أو في مال قدره النصاب غلظ عليه اليمين بالزمان والمكان واللفظ فأما الزمان والمكان فقد بيناه في اللعان وأما اللفظ فهو أن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فإن كان يهوديا حلف بالله الذي انزل التوراة على موسى بن عمران ونجاه من الغرق وإن كان نصرانيا حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام وإن كان مجوسيا أو وثنيا حلف بالله الذي خلقه وصوره وإن اقتصر على الإسم وحده جاز ومن حلف على فعل نفسه نفيا كان أو اثباتا حلف على القطع وإن حلف على فعل غيره فإن كان على إثبات حلف على القطع وان كان على نفي حلف على نفي العلم ومن توجه عليه اليمين لجماعة حلف لكل واحدة منهم فإن اكتفوا منه بيمين واحدة فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز وهو الاصح ومن ادعى عليه غصب أو بيع فأجاب بأنه لا حق عليه لم يحلف إلا على ما أجاب وإن أجاب بنفي ما ادعى عليه حلف على ما أجاب وقيل يحلف أنه لا حق عليه ومن حلف على شيء ثم قامت البينة على كذبه قضى بالبينة وسقط اليمين.

(1/267)