التنبية في الفقه الشافعي

كتاب الجنايات
باب من يجب عليه القصاص ومن لا يجب
لا يجب القصاص على صبي ولا معتوه ولا مبرسم ويجب على من زال عقله بمحرم وقيل فيه قولان ولا يجب القصاص على المسلم بقتل الكافر, ولا على الحر بقتل العبد فإن جرح الكافر كافرا ثم اسلم الجارح او جرح العبد عبدا ثم اعتق الجارح وجب عليه القود, وان قتل حر عبدا أو مسلم ذميا ثم قامت البينة انه كان قد اعتق او اسلم ففي القود قولان: وان جنى حر على رجل لا يعرف رقه وحريته فقال: الجاني هو عبد وقال المجنى عليه بل أنا حر فالقول قول المجني عليه وقيل فيه قولان: ولا يجب القصاص على الاب والجد ولا على الأم والجدة بقتل الولد وولد الولد وإن وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده لم يستوف وان قتل المرتد ذميا ففيه قولان: وان قتل ذمي مرتدا فقد قيل يجب وقيل لا يجب وإن قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد المجني عليه ورجع الى الاسلام ومات ولم يمض عليه في الردة ما يسرى فيه الجرح ففيه قولان اصحهما انه يجب القود وان مات الجرح في الردة وجب القصاص في الطرف في أصح القولين ومن قتل من لا يقاد به في المحاربة ففيه قولان: أحدهما يجب القود والثاني لا يجب.

(1/213)


باب ما يجب به القصاص من الجنايات
والجنايات ثلاثة: خطأ وعمد وعمد خطأ فالخطأ: أن يرمي إلى هدف,

(1/213)


فيصيب انسانا والعمد أن يقصد الجناية بما يقتل غالبا وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا فلا يجب القود الا في العمد فإن جرحه بما له مور من حديد أو غيره فمات منه وجب عليه القود وإن غرز إبرة في غير مقتل فإن بقي منها ضمنا حتى مات وجب عليه القود وإن مات في الحال فقد قيل يجب وقيل لا يجب وإن ضربه بمثقل كبير أو بمثقل صغير في مقتل أو في رجل ضعيف أو في حر شديد أو في برد شديد أو والى به الضرب فمات منه وجب عليه القود, وإن رماه من شاهق أو عصر خصيته عصرا شديدا أو خنقه خنقا شديدا أو طرحه في ماء أو نار لا يمكنه التخلص منه وجب عليه القود وإن طرحه في لجة فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء ففيه قولان: احدهما يجب القود والثاني لا يجب وان طرحه في زبية1 فيها سبع فقتله أو أمسك كلبا فأنهشه فمات أوألسعه حية أو عقربا يقتل مثلها غالبا فقتله وجب عليه القود, وان لم يقتل غالبا ففيه قولان: أصحهما انه لا يجب وإن أكره رجلا على قتله وجب عليه القود وفي المكره قولان: أصحهما أنه يجب وإن أمر من لا يميز فقتله وجب القود على الآمر, ولا شيء على المأمور وإن أمر السلطان رجلا بقتل رجل بغير حق والمامورلا يعلم وجب القود على السلطان وإن علم وجب القود عل المامور وإن أمسك رجلا حتى قتله آخر وجب القود على القاتل وإن شهد على رجل فقتل بشهادته ثم رجع وقال تعمدت ذلك وجب عليه القود وان أكره رجلا على أكل سم فمات وجب عليه القود وإن قال لم أعلم أنه سم قاتل ففيه قولان: وإن خلط السم بطعام وأطعم رجلا أو خلطه بطعام لرجل فأكله فمات ففيه قولان: وإن قتل رجلا بسحر يقتل غالبا وجب عليه القود وإن قطع أجنبى سلعة2 من رجل بغير إذنه فمات وجب عليه القود وإن قطعها حاكم أو وصي من صغير فمات ففيه
__________
1 - الربية الحفرة تحفر للاسد: مختار الصحاح: 268.
2 - السلعة هي زيادة تحدث في البدن كالغدة تتحرك اذا حركت. وقد تكون من حمصة بطيخة.

(1/214)


قولان: أحدهما يجب عليه القود والثانى تجب الدية وإن اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به وإن جرح واحد جراحة وجرحه آخر مائة جراحة فمات فهما قاتلان, وإن قطع احدهما كفه والأخر ذراعه فمات فهما قاتلان, وان قطع احدهما يده وحز الآخر رقبته أو قطع حلقومه ومريئه أو أخرج حشوته فالأول جارح والثاني قاتل, وإن اشترك الأب والأجنبي في قتل الإبن وجب القود على الأجنبي وإن اشترك المخطيء والعامد في القتل أو ضربه أحدهما بعصا خفيفة وجرحه الآخر ومات لم يجب على واحد منهما القود, وإن جرح نفسه وجرحه آخر فمات أو جرحه سبع وجرحه آخر فمات ففيه قولان: أحدهما يجب القود على الجارح والثاني لا يجب وإن جرحه واحد وداوى هو جرحه بسم غير موح ولكنه يقتل غالبا أو خاط الجرح في لحم حي فمات فقد قيل لا يجب القود على الجارح وقيل على قولين وإن خاط الجرح من له عليه ولاية ففيه قولان: احدهما يجب القود على الولي ويجب على الجارح والثانى لا يجب على الولي ولا يجب على الجارح ومن لا يجب عليه القصاص في النفس لا يجب في الطرف ومن وجب عليه القصاص في النفس وجب في الطرف, ومن لا يقاد بغيره في النفس لايقاد به في الطرف, ومن أقيد بغيره في النفس أقيد به في الطرف, ومن لا يجب القصاص فيه في النفس من الخطأ وعمد الخطأ لا يجب القصاص فيه في الطرف, وإن اشترك جماعة في قطع طرف دفعة واحدة قطعوا وإن تفرقت جناياتهم لم يجب على واحد منهم القود ويجب القصاص في الجروح والأعضاء فأما الجروح فيجب في كل ما ينتهى الى عظم كالموضحة1 وجرح العضد والساق والفخذ وقيل لا يجب فيما عدا الموضحة وإذا أوضح رجلا في بعض رأسه, وقدر الموضحة يستوعب رأس الشاج2 أوضح جميع رأسه وإن زاد حقه على جميع رأس الشاج أوضح جميع رأسه وأخذ الإرش فيما بقى بقدره وان هشم رأسه إقتص منه في
__________
1 - الموضحة: الشجة التي تبدي وضح العظم. مختار الصحاح 726.
2 - الشاج, من رجل اشبح بين (الشجة) أذا كان في جبينة أثر الشجة مختار الصحاح 329.

(1/215)


الموضحة ووجب الإرش فيما زاد, وأما الاعضاء فيجب القصاص في كل ما يمكن القصاص فيه من غير حيف فيؤخذ العين بالعين اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ولا يؤخذ صحيحة بقائمة ويؤخذ القائمة بالصحيحة, وإن أوضحه فذهب ضوء عينه وجب فيه القود على المنصوص غير أنه لا يمس الحدقة وخرج فيه قول آخر أنه لا يقتص منه ويؤخذ الجفن بالجفن الاعلى بالأعلى والأسفل بالأسفل واليمين باليمين واليسار باليسار ويؤخذ المارن بالمارن1 والمنخر بالمنخر, وإن قطع بعضه قدر ذلك بالجزء كالنصف والثلث فيؤخذ مثله به وإن جدعه اقتص في المارن وأخذ الإرش في القصبة ويؤخذ الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شيء ويؤخذ غير الأخشم بالأخشم ويؤخذ الأذن بالأذن والبعض بالبعض والصحيح بالأصم والأصم بالصحيح ولا يؤخذ الصحيحة بالمخرومة ويؤخذ بالمثقوبة ويؤخذ الأنف الصحيح والأذن الصحيحة بالأنف المستحشف والأذن الشلاء في اصح القولين: ويؤخذ السن بالسن ولا يؤخذ سن بسن غيرها ويؤخذ اللسان باللسان فإن أمكن أخذ البعض بالبعض أخذ ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس ويؤخذ الأخرس بالناطق ويؤخذ الشفة بالشفة العليا بالعليا والسفلى بالسفلى وقيل لا قصاص فيه وتؤخذ اليد باليد والرجل بالرجل والأصابع بالأصابع والأنامل بالأنامل والكف بالكف والمرفق بالمرفق والمنكب بالمنكب إذا لم يخف من جائفة2 وإذا قطع اليد من الذراع أقتص في الكف وأخذ الإرش في الباقي ولا يؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا خنصر بابهام, ولا أنملة بأنملة أخرى ولا صحيحة بشلاء ويؤخذ الشلاء بالصحيحة ولا يؤخذ كاملة الأصابع بناقصة الأصابع وتؤخذ الناقصة بالكاملة ويؤخذ الارش عن الأصبع الناقصة ولا يؤخذ أصلي بزائد ولا زائد بأصلي وإن قطع انامله فتآكلت منه الكف لم يجب
__________
1 - المارن: ما لان من الانف وفضل عن القصبة: مختار الصحاح: 622.
2 - استحشف الأنف يبس فتقبض انظر لسان العرب 9: 47.

(1/216)


القصاص فيما تأكل وقيل فيه قول مخرج, أنه يجب فيه القصاص ويؤخذ الفرج بالفرج والشفر بالشفر والأنثيان بالأنثيين وإن أمكن أخذ واحدة بواحدة أخذ ويؤخذ الذكر بالذكر ويؤخد ذكر الفحل بذكر الخصي والمختون بالأغلف1 ولا يؤخذ الصحيح بالأشل وإن اختلفا في الشلل فإن كان ذلك في عضو ظاهر فالقول قول الجاني وإن كان في عضو باطن فالقول قول المجني عليه وقيل فيهما قولان.
__________
1 - الأغلف: هو البين الغلف أي اقلف مختار الصحاح 478.

(1/217)


باب العفو عن القصاص
إذا قتل من له وارث وجب القصاص للوارث وهو بالخيار: بين أن يقتص وبين أن يعفو فإن عفا على الدية وجبت الدية وإن عفا مطلقا ففيه قولان أحدهما لا تجب والثاني تجب وهو الأصح وإن اختار القصاص ثم اختار الدية لم يكن له على المنصوص وقيل له ذلك, وإن قطع اليدين من الجاني ثم عفا عن القصاص لم تجب الدية وإن قطع أحداهما ثم عفا وجب له نصف الدية, وإن كان القصاص لنفسين فعفا أحداهما سقط القصاص ووجب للآخر حقه من الدية وإن أراد القصاص لم يجز لأحدهما أن ينفرد به فإن تشاحا أقرع بينهما فإن بدر أحدهما فاقتص ففيه قولان: أصحهما أنه لا قود عليه والآخر انه يجب عليه القود وإن عفا احدهما ثم اقتص الآخر قبل العلم بالعفو أو بعد العلم وقبل الحكم بسقوط القود ففيه قولان: أصحهما انه يجب القود والثاني لا يجب فإن قلنا يجب فأقيد منه وجبت الدية وإن قلنا لا يجب فقد استوفى المقتص حقه ووجب لأخيه نصف الدية وممن يأخذ فيه قولان: أحدهما من أخيه المقتص والثاني من تركة الجاني وإن كان القصاص لصبي أو معتوه حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه فإن كان الصبي أو المعتوه فقيرين يحتاجان ما ينفق عليهما جاز لوليهما العفو على الدية وقيل لا يجوز وإن وثب الصبي او المجنون فقتل الجاني

(1/217)


فقد قيل بصير مستوفيا والمذهب أنه لا يصير مستوفيا وإن قتل من لا وارث له جاز للإمام ان يقتص وله أن يعفو على الدية وإن قطع اصبع رجل فقال عفوت عن هذه الجناية وما يحدث منها فسرت إلى الكف سقط الضمان في الأصبع ووجبت دية بقية الأصابع فإن سرت إلى النفس سقط القصاص وهل تسقط الدية فقد قيل أن ذلك وصية للقاتل وفيها قولان: هو إبراء فيصح في إرش في الإصبع ولا يصح في النفس فيجب عليه تسعة أعشار الدية وان وجب القصاص في النفس على رجل فمات أو في الطرف فزال الطرف وجبت الدية ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان وعليه ان يتفقد الآلة التى يستوفي بها فإن كان من له القصاص يحسن الاستيفاء مكنه منه وإن لم يحسن أمر بالتوكيل وإن لم يوجد من يتطوع استؤجر من خمس الخمس فإن لم يكن استؤجر من مال الجانى, وإن وجب القصاص على حامل لم يستوف حق تضع وتسقي الولد اللبا1 ويستغني عنها بلبن غيرها وإن ادعت الحمل فقد قيل يقبل قولها وقيل لا يقبل حتى تقيم بينه بالحمل وإن اقتص منها فتلف الجنين من القصاص وجب ضمانه فإن كان السلطان علم به فعليه الضمان وإن لم يعلم وعلم الولي ذلك فعليه ضمانة وإن لم يعلم واحد منهما فقد قيل عل الإمام وقيل على الولي وإن قتل واحد جماعة أو قطع عضوا من جماعة أقيد بالأول وأخذ الدية للباقين فإن قتلهم أو قطعهم دفعة أو أشكل الحال أقرع بينهم فإن بدر واحد منهم وقتله أو قطعه فقد استوفى حقه ووجبت الدية للباقين وإن قتل وارتد أو قطع وسرق أقيدا للآدمى ودخل فيه حد الردة والسرقة وإن قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل فإن قطعه فمات منه قطعت يده فإن مات وإلا قتل وإن قطع يد رجل من الذراع أو أجافه2 فمات ففيه قولان: أحدهما يقتل بالسيف والثاني يجرح كما جرح فإن مات والا قتل ومن قتل بالسيف أو السحر لم يقتل إلا
__________
1 - اللبأ: كعنب اول اللبن في النتاج: مختار الصحاح: 588.
2 - اجافة: اذا طعنه طعنة نفذت إلى جوفه أنظر لسان العرب تحت مادة جوف.

(1/218)


بالسيف, وإن قتل باللواط أو سقي الخمر فقد قيل يقتل بالسيف وقيل يعمل في اللواط مثل الذكر من الخشب فيقتل به وفي الخمر يسقي الماء فيقتل به وإن غرق أو حرق أو قتل بالخشب أو بالحجر فله ان يقتله بالسيف وله ان يفعل به مثل ما فعل فإن فعل ذلك فلم يمت ففيه قولان: أحدهما يقتل بالسيف والثاني يكرر عليه مثل ما فعل ذلك إلى أن يموت إلا في الجائفة وقطع الطرف ومن وجب له القصاص في الطرف استحب له ان لا يعجل في القصاص حتى يندمل فإن أراد العفو على الدية قبل الإندمال ففيه قولان: أحدهما يجوز والثاني لا يجوز ومن اقتص في الطرف فسرى إلى نفس الجاني لم يجب ضمان السراية, وإن اقتص في الطرف ثم سرى الى نفس المجني عليه ثم الى نفس الجاني فقد استوفى حقه وإن سري الى نفس الجاني ثم سرى الى نفس المجني عليه فقد قيل تكون السراية قصاصا والمذهب ان السراية هدر ويجب نصف الدية في تركة القاتل, وإن قلع سن صغير لم يثغر1 لم يجز أن يقتص حتى يؤيس من نباتها وإن وجب له القصاص في العين بالقلع لم يمكن من الإستيفاء بل يؤمر بالتوكيل فيه ويقلع بالأصبع وإن كان لطمه حتى ذهب الضوء فعل به مثل ذلك فإن لم يذهب الضوء وأمكن أن يذهب الضوء من غير ان يمس الحدقة فعل وإن لم يكن أخذت الدية وإن وجب له القصاص في اليمين فقال أخرج يمينك فأخرج اليسار عمدا فقطعها لم يجزئه عما عليه غير أنه لايقتص منه في اليمين حتى تندمل المقطوعة فإن قال فعلت ذلك غلطا أو ظنا أنه يجزىء أو ظننت أنه طلب مني اليسار نظر في المقتص فإن قطع وهو جاهل فلا قصاص عليه وتجب عليه الدية وقيل لا تجب وإن قطع وهو عالم فالمذهب أنه لا قصاص عليه وقيل يجب وإن اختلفا في العلم به فالقول قول الجاني وإن تراضيا على اخذ اليسار فقطع لزمه دية اليسار وسقط قصاصه في اليمين وقيل لا يسقط وان كان القصاص على مجنون فقال له اخرج يمينك فأخرج اليسار فقطع, فإن كان المقتص علما وجب عليه القصاص وإن كان جاهلا وجب عليه الدية.
__________
1 - (الثغر) ماتقدم من الأسنان: 84 مختار الصحاح.

(1/219)


باب من لا تجب عليه الدية بالجناية
لا تجب الدية على الحربي ولا على السيد في قتل عبد, ولا على من قتل حربيا أو مرتدا فإن أرسل سهما على حربي أو مرتد فأسلم ووقع به السهم فقتله لزمه دية مسلم, وقيل لا يلزمه ومن قتل من وجب رجمه بالبينة أوانحتم قتله في المحاربة لم تلزمه الدية, ومن قتل مسلما تترس به المشركون في دار الحرب فقد قيل إن علم انه مسلم وجبت ديته وإن لم يعلم لم تجب وقيل إن عينه بالرمي وجبت, وإن لم يعينه لم تجب وقيل فيه قولان.

(1/220)


باب ما تجب به الدية من الجنايات
اذا أصاب رجلا بما يجوز أن يقتل, فمات منه وجبت الدية وإن ألقاه في ماء أو نار قد يموت فيه فمات فيه وجبت ديته وإن أمكنه أن يتخلص فلم يفعل حتى هلك ففيه قولان: أصحهما أنه لا تجب ديته, وإن ألقاه على أفعى أو ألقاها عليه أو على أسد وألقاه عليه فقتله وجبت ديته, وإن سحر رجلا بما لا يقتل في الغالب وقد يقتل فمات منه وجبت الدية, وإن ضرب الوالد ولده أو المعلم الصبي والزوج زوجته أو ضرب السلطان رجلا في غير حد فأدى إلى الهلاك وجبت الدية, وإن سلم الصبي إلى السابح فغرق في يده وجبت الدية وإن غرق البالغ مع السابح لم تجب ديته وإن صاح على صبي فوقع من سطح أو صاح على بالغ وهو غافل فوقع فمات وجبت الدية وإن صاح على صبي فزال عقله وجبت الدية وإن صاح على بالغ فزال عقله لم تجب وإن طلب بصيرا بالسيف فوقع في بئر لم يضمن ولو طلب ضريرا فوقع في بئر ضمن وإن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا وجب ضمانه وإن بعث السلطان إلى إمرأة ذكرت بسوء فأجهضت الجنين وجب

(1/220)


ضمانه وإن رمى إلى هدف فأخطأ, فأصاب آدميا فقتله, وجبت الدية وإن ختن الحجام فأخطأ فأصاب الحشفة وجب عليه الضمان, وإن امتنع من الختان فختنه الإمام في حر شديد أو برد شديد فمات فالمنصوص أنه يجب الضمان وقيل فيه قولان, وإن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع فيه حجرا أو طرح ماء أو قشر بطيخ فهلك به إنسان وجب الضمان, وإن حفر بئرا ووضع آخر حجرا فتعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر ومات وجب الضمان على واضع الحجر, وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحة المسلمين أو بنى مسجدا أو علق قنديلا في مسجد أو فرش فيه حصيرا ولم ياذن له الإمام في شيء من ذلك فهلك به إنسان فقد قيل يضمن وقيل لا يضمن, وإن حفر بئرا ملكه أو في موات ليتملكها أو لينتفع بها فوقع فيها إنسان ومات لم يضمن, وإن حفر بئرا في ملكه فاستدعى رجلا فوقع فيها فهلك فإن كانت ظاهرة لم يضمن وإن كانت مغظاة ففيه قولان, وإن كان في داره كلب عقور فاستدعى إنسانا فعقره1 فعلى قولين وإن أمر السلطان رجلا أن ينزل إلى بئر أو يصعد إلى نخل لمصلحة المسلمين فوقع ومات وجب ضمانه وإن أمره بعض الرعية فوقع ومات لم يجب ضمانه, وإن بنى حائطا في ملكه فمال إلى الطريق فلم ينقضه حتى وقع على إنسان فقتله لم يضمن على ظاهر المذهب وقيل يضمن, وإن وضع جرة على طرف سطح فرماها الريح فمات بها إنسان لم يضمن وإن أخرج روشنا إلى الطريق فوقع على إنسان فمات ضمن نصف دية, وإن تقصف من خشبة الخارج شيء فهلك به إنسان ضمن جميع الدية وإن نصب مئزابا2 فوقع على إنسان فأتلفه فهو كالروشن وقيل لا يضمن, وإن كان معه دابة فاتلفت إنسانا بيدها أو رجلها وجب عليه ضمانه فإن لم يكن معها فإن كان بالنهار لم يضمن ما تتلفه, وإن كان بالليل ضمن ما تتلفه وإن انفلتت بالليل وأتلفت فإن كان بتفريط منه في حفظها
__________
1 - عقره: جرحه. مختارالصحاح: 445.
2 - المئزاب: هو المرزاب ومنه مئزاب الكعبة وهو مصب ماء المطر: لسان العرب: 1: 213.

(1/221)


ضمن, وإن لم يكن بتفريط لم يضمن وان كان له كلب عقور ولم يحفظه فقتل إنسانا ضمنه وإن قعد في طريق ضيق فعثر به إنسان وماتا وجب على كل واحد منهما دية الآخر وإن اصطدما وجب على كل واحد منهما نصف الدية للآخر فإن إصطدم إمرأتان حاملان فماتتا ومات جنيناهما وجب على كل واحدة منهما نصف دية الأخرى ونصف دية جنينها ونصف دية جنين الأخرى وإذا أركب صبيين من لا ولاية له عليهما فاصطدما وماتا وجب على الذي أركبهما ضمان ما جناه كل واحد منهما على نفسه وعلى صاحبه وإن اصطدم سفينتان فهلكتا وما فيهما فإن كان ذلك بتفريط من القيمين فهما كرجلين إذا تصادما وإن كان بغير تفريط ففيه قولان: أحدهما أنهما كالرجلين والثاني أنه لا ضمان على واحد منهما وقيل القولان إذا لم يكن منهما فعل فأما إذا سير السفن ثم اصطدمتا وجب الضمان قولا واحدا وقيل القولان في الجميع, وإن رمى عشرة أنفس حجرا بالمنجنيق فرجع الحجر عليهم فقتل أحدهم سقط من ديته العشر ووجب تسعة أعشارها على الباقين وإن وقع رجل في بئر فجذب ثانيا والثاني ثالثا والثالث رابعا وماتوا أوجب للأول ثلث الدية على الثاني والثلث على الثالث ويهدر الثلث ويجب للثاني ثلث الدية على الأول والثلث على الثالث ويهدر الثلث ويجب للثالث نصف الدية على الثاني ويهدر النصف وقيل يسقط ثلث الدية ويجب الثلثان ويجب للرابع الدية على الثالث وقيل يجب على الثلاثة أثلاثا, وإن تجارح رجلان فماتا وجب على كل واحد منهما دية الآخر فإن ادعى كل واحد منهما أنه جرح للدفع لم يقبل.

(1/222)


باب الديات
ودية الحر المسلم مائة من الابل, فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت الدية أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وإن كان خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن

(1/222)


لبون وعشرون حقة, وعشرون جذعة, وإن قتل في الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب أو في الحرم أو قتل ذا رحم محرم وجبت الدية أثلاثا خطأ كان أو عمدا وفي عمد الصبي والمجنون قولان: أحدهما أنه عمد فتجب به دية مغلظة والثاني أنه خطأ فإن كان للقاتل أو العاقلة إبل وجبت الدية منها وإن لم يكن لهما إبل وجبت في إبل البلد فإن لم يكن فمن غالب إبل أقرب البلاد إليهم ولا يؤخذ فيها معيب ولا مريض فإن تراضوا على أخذ العوض عن الإبل جاز وإن أعوزت الإبل وجبت قيمتها بالغة ما بلغت في أصح القولين وفيه قول آخر أنه يجب ألف دينار أو إثنا عشر ألف درهم ويزاد للتغليظ قدر الثلث ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي والوثني ثلثا عشر دية المسلم ومن لم تبلغه الدعوة فالمنصوص أنه إن كان يهوديا أو نصرانيا وجبت فيه ثلث الدية, وإن كان مجوسيا أو وثنيا ووجبت فيه ثلثا عشر الدية وقيل إن كان متمسكا بكتاب لم يبدل وجب فيه دية مسلم وإن كان متمسكا بكتاب مبدل ففيه ثلث الدية وإن قطع يد نصراني فأسلم ثم مات وجب عليه دية مسلم وإن قطع يد حربي ثم أسلم ومات فلا شيء عليه وإن قطع يد مرتد فأسلم ومات لم يلزمه شيء وقيل تلزمه الدية وليس بشيء, وإن أرسل سهما على ذمي فأسلم ثم وقع به السهم فقتله لزمه دية مسلم ودية المرأة على النصف من دية الرجل ودية الجنين غرة عبد أو أمة قيمته نصف عشر دية الأب أو عشر دية الأم يدفع ذلك إلى ورثته, وإن كان أحد أبويه مسلما والآخر كافرا أو أحدهما مجوسيا والآخر كتابيا إعتبر بأكثرهما بدلا وإن ألقته حيا ثم مات وجب فيه دية كاملة, وإن اختلفا في حياته فالقول قول الجاني وإن ألقته مضغة وشهدت القوابل أنه خلق آدمى ففيه قولان: أحدهما تجب فيه الغرة والثاني لا تجب ولا يقبل في الغرة ما له دون سبع سنين ولا كبير ضعيف وقيل لا تقبل الجارية بعد عشرين سنة ولا العبد بعد الخمس عشرة سنة ولا يقبل خصي ولا معيب فإن عدمت الغرة فخمس من الإبل في أصح

(1/223)


القولين وقيمة الغرة في الآخر والشجاج في الرأس, عشر الخارصة, والدامية والباضة والمتلاحمة, والسمحاق والموضحة, والهاشمة والمنقلة والمأمومة, والدامغة فالخارصة: ما تشق الجلد والدامية: ما تشق الجلد وتدمي والباضعة: ما تقطع اللحم والمتلاحمة: ما تنزل في اللحم والسمحاق: ما يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة وتجب في هذه الخمس حكومة ولا يبلغ بحكومتها أرش الموضحة والموضحة: ما توضح العظم في الرأس أو الوجه وفيها خهس من الابل فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فقد قيل يلزمه خهس وقيل عشر فإن أوضح موضحتين بينهما حاجز فعليه عشر من الابل فإن خرق بينهما رجعت الى خهس, وإن خرق بينهما غيره وجب على الأول عشر وعلى الثاني خمس وإن أوضح موضحتين وخرق بينهما في الباطن فقد قيل يجب أرش موضحتين وقيل أرش موضحة وان شج في جميع رأسه شجة دون الموضحة وأوضح في بعضها ولم ينفصل بعضها عن بعض وجب عليه أرش موضحة والهاشمة: ما يهشم العظم فيجب ف عشر من الإبل فإن ضربه بمثقل فهشم العظم ولم يجرح وجب خمس من الإبل وقيل تلزمه حكومة والمنقلة: ما لا يبرأ إلا بنقل العظم فيجب فيها خمس عشرة من الإبل والمأمومة: ما تصل الى الجلدة التي تلي الدماغ وفيها ثلث الدية والدامغة: ما وصلت الى الدماغ فيجب فيها ما يجب في المأمومة وفي الجائفة ثلث الدية وهي الجناية التي تصل الى جوف البدن من ظهر أو بطن أو صدر أو ثغرة نحر فإن طعنه في بطنه فخرجت الطعنة في ظهره فهما جائفتان وقيل هي جائفة والأول أصح وإن أجاف جائفة فجاء آخر ووسعها وجب على الثاني أرش جائفة وإن طعن وجنته فهشم العظم ووصلت الجراحة إلى الفم ففيه قولان: أحدهما أنها جائفة والثاني أنه يلزمه أرش هاشمة وتجب في الأذنين إذا قطعهما من أصلهما الدية وفي أحداهما نصفها وفي بعضها بقسطه وإن ضرب الأذن فشلت وجبت الدية في أحد القولين والحكومة في الآخر وإن قطع أذنا شلاء ففيه قولان: أحدهما تجب الدية والآخر الحكومة وتجب في السمع

(1/224)


الدية وإن قطع الأذنين فذهب السمع وجبت ديتان, وإن اختلفا في ذهاب السمع يتبع في أوقات الغفلة فإن ظهر منه إنزعاج سقط دعواه وإن لم يظهر فالقول قوله مع يمينه وإن ادعى نقصان السمع فالقول قوله ويجب فيما نقص بقدره وفي العقل الدية فإن نقص ما يعرف قدره بأن يجن يوما ويفيق يوما وجب بقسطه وإن لم يعرف قدره وجبت فيه حكومة وإن ذهب العقل بجناية لا أرش لها مقدر دخل أرش الجناية في دية العقل وإن ذهب بجناية لها أرش مقدر كالموضحة وقطع الرجل واليد ففيه قولان: أصحهما أنه لا يدخل وتجب في العينين الدية وفي إحداهما نصفها وإن جنى عليه جناية فادعى منها ذهاب البصر وشهد بذلك شاهدان من أهل المعرفة وجبت الدية وإن قالا ذهب ولكن يرجى عوده الى مدة انتظر اليها فإن مات قبل انقضائها وجبت الدية وإن نقص الضوء وجبت الحكومة, وإن ادعى نقصانه فالقول قوله وفي العين القائمة الحكومة وفي الأجفان الدية وفي كل واحد ربعها وفي الأهداب الحكومة فإن قلع الأهداب مع الأجفان لزمه دية وقيل يلزمه دية وحكومة وفي المارن1 الدية وفي بعضه بحسابه وإن قطع المارن وبعض القصبة لزمه الدية وحكومة وإن ضرب الأنف فشل المارن ففيه قولان: كالأذن وإن عوجه لزمه حكومة وفي إحدى المنخرين نصف الدية وقيل ثلث الدية وفي الشم الدية فإن قطع الأنف وذهب الشم لزمه ديتان فإن ادعى ذهاب الشم تتبع في حال الغفلة بالروائح الطيبة والخبيثة فإن لم يظهر فيه إحساس حلف وفي الشفتين الدية وفي إحداهما نصفها وفي بعضها بقسطه وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية وفي اللسان الدية وإن جنى عليه فخرس فعليه الدية فإن ذهب بعض الكلام وجب بقسطه يقسم على الحروف وإن حصلت به تمتمة أو عجلة وجبت حكومة وإن قطع نصف اللسان وذهب نصف الكلام وجب نصف الدية وإن قطع الربع وذهب
__________
1 - قال في التاج تحت مادة (مرن) (والمارن الأنف أو طرفة أو ما لان منه) منحدرا عن العظم وفضل عن القصبة.

(1/225)


نصف الكلام وجب نصف الدية وإن قطع النصف وذهب ربع الكلام وجب نصف الدية وإن قطع اللسان فأخذ الدية ثم نبت رد الدية في أحد القولين وفي الذوق الدية وفي كل سن خمس من الإبل فإن كسر ما ظهر وجب عليه خمس من الإبل وفي بعضه بقسطه وفي السنخ1 حكومة فإن قلع السن مع السنخ دخل السنخ في السن وإن جنى على سنه إثنان فاختلفا في القدر فالقول قول المجني عليه وإن قلع سن كبير فضمن ثم نبت ففيه قولان: أحدهما يرد ما أخذ والثاني لا يرد وإن قلع سن صغير لم يثغر2 انتظر فإن وقع اليأس منها وجب أرشها وإن جنى على سن فتغيرت أو اضطربت وجبت عليه حكومة وإن قلع جميع الأسنان في دفعة أو متواليا فقد قيل تجب دية نفس والمذهب أنه يجب في كل سن خهس من الإبل وفي اللحيين الدية وفي أحداهما نصفها, وإن قلع اللحيين مع الأسنان وجبت دية كل واحد منهما وفي كل اصبع عشرمن الإبل وفي كل أنملة ثلاثة أبعرة وثلث إلا الإبهام فإنه يجب في كل أنملة منها خمس من الإبل وفي الكفين والأصابع الدية وإن قطع ما زاد على الكف وجبت الدية في الكف والحكومة فيما زاد وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية وفي اليد الشلاء الحكومة وفي اليد الزائدة والأصبع الزائدة الحكومة وقيل إن لم يحصل بها شين3 لم يجب في الزائدة شيء وفي الرجلين الدية وفي إحداهما نصفها وفي كل اصبع عشر من الإبل وفي الأليتين الدية وفي إحداهما نصفها وان كسر صلبه فلم يطق المشي لزمته الدية وإن نقص مشيه واحتاج الى عصا لزمته حكومة وإن انكسر صلبه فعجز عن الوطء لزمته الدية وإن اختلفا في ذلك فالقول قول المجني عليه وإن بطل المشي والوطء وجبت ديتان على ظاهر المذهب وقيل دية واحدة وإن قطع اللحم الناتىء على الظهر لزمته الدية وفي إحداهما
__________
1 - قال في اللسان تحت مادة سنخ: وأسناخ الثنايا والأسنان: أصولها.
2 - الثغر: ماتقدم من الأسنان. مختار الصحاح: 84.
3 - الشين: هو العيب: لسان العرب 13: 244.

(1/226)


نصفها وفي بعضه بحسابه وفي حلمتي المرأة الدية وفي إحداهما نصفها وإن جنى على ثديها فشلت وجبت عليه الدية وإن انقطع لبنها لزمه الحكومة وفي حلمتي الرجل حكومة وقيل قول آخر أنه تجب فيهما الدية, وفي جميع الذكر الدية وفي الحشفة الدية وإن قطع بعض الحشفة وجب بقسطه من الحشفة في أصح القولين وبقسطه من جميع الذكر في الآخر وإن جنى عليه فشل وجبت عليه الدية وإن قطع ذكرا فشل وجبت عليه الحكومة وفي الإثنين الدية وفي أحداهما نصفها وفي اسكتي المرأة الدية وفي إحداهما نصفها وإن جنى عليها فشلت وجبت الدية وفي الإفضاء الدية وهو أن يجعل سبيل الحيض, والغائط واحدا وقيل بأن يجعل سبيل الحيض والبول واحدا وفي إذهاب العذرة الحكومة وفي الشعور كلها حكومة وفي جميع الجراحات سوى ما ذكرناه الحكومة وفي تعويج الرقبة الوجه وتسويده الحكومة والحكومة أن يقوم بلا جناية ويقوم بعد الإندمال مع الجناية فما نقص من ذلك وجبت بقسطه من الدية, وإن كانت الجناية مما لا ينقص به شيء بعد الإندمال ويخاف منه التلف حين الجناية كالأصبع الزائدة وذكر العبد قوم حال الجناية فما نقص وجب وإن كان مما لا يخاف منه كلحية المرأة يقوم لو كان غلاما وله لحية ويقوم ولا لحية له فيجب ما بينهما وما اختلف فيه الخطأ والعمد في النفس اختلف فيما دون النفس ويجب في قتل العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت وما ضمن من الحر بالدية ضمن من العبد والأمة بالقيمة وما ضمن من الحر بالحكومة ضمن من العبد والأمة بما نقص ولا يختلف العمد والخطأ في ضمان العبد والأمة, وإن قطع يد عبد ثم أعتق ثم مات وجبت فيه دية حر وللمولي منه أقل الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة ويجب في جنين الأمة عشر قيمة الأم حال الضرب لا حال الإسقاط فان ضرب بطن أمة ثم ألقت جنينا وجبت فيه دية جنين حرة

(1/227)


باب العاقلة وما تحمله
إذا جنى الحر على نفس حر خطا أو عمد خطأ أوجبت الدية على عاقلته

(1/227)


وإن جنى على أطرافه ففيه قولان: أصحهما أنها على عاقلته وإن جنى على عبد ففيه قولان: أصحهما أن القيمة في ماله وإن جنى عبد على حر أو عبد وجب المال في رقبته ومولاه بالخيار: بين أن يسلمه فيباع في الجناية وبين أن يفديه, وإن أراد الفداء فداه في أحد القولين: بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية وبأرش الجناية بالغا ما بلغ في الآخر وإن جنت أم ولد فداها المولى بأقل الأمرين وإن جنى مكاتب فإن كان على أجنبي فدى نفسه بأقل الأمرين وإن كان على مولاه فدى بأقل الأمرين في أحد القولين وبالأرش في الآخر فإن لم يفد بيع في الجناية وانفسخت الكتابة وما يجب من الدية بخطأ الإمام فهو في بيت المال في أحد القولين وعلى عاقلته في الآخر وما يجب من الدية بالخطأ أو عمد الخطأ فهو مؤجل فإن كانت دية نفس كاملة فهو مؤجل في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها وابتداؤها من وقت القتل وإن كان أرش أطراف فإن كان قدر الدية فهو في ثلاث سنين وإن كان الثلث فما دونه ففي سنة وإن كان الثلثان أو أقل وجب الثلث في سنة وما زاد في السنة الثانية إن كان قدر الدية أو أقل وجب الثلثان في سنتين وما زاد في السنة الثالثة وإن كان أكثر من ذلك لم يجب في كل سنة اكثر من الثلث وابتداؤها من وقت الإندمال وإن كان في دية نفس ناقصة كدية الجنين والمرأة والذمي فقد قيل هي كدية النفس في ثلاث سنين وقيل هي كأرش الطرف إذا نقص عن الدية والعاقلة العصبات ما عدا الأب والجد والإبن وابن الإبن ولا يعقل بنو أب وهناك من هو أقرب منه فإن اجتمع من يدلي بالأب والأم ومن يدلي بالأب ففيه قولان: أصحهما أنه يقدم من يدلي بالأب والأم والثاني أنهما سواء وإن اجتمع منهم جماعة في درجة واحدة وبعضهم غيب ففيه قولان: أصحهما أنهم سواء والثاني أنه يقدم الحضر وإن عدم العصبات وهناك مولى من أسفل ففيه قولان: أصحهما أنه لا يعقل وإن لم يكن من يعقل وجب في بيت المال فإن لم يكن فقد قيل على الجاني وقيل لا يجب عليه ولا يعقل فقير ولا صبي ولا معتوه ولا كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر وإن

(1/228)


أرسل الكافر سهما ثم أسلم ثم وقع سهمه فقتل أو رمى مسلم ثم ارتد ثم وقع سهمه فقتل كانت الدية في ماله ويجب على الغني نصف دينار, وعلى المتوسط ربع دينار في كل سنة وقيل لا يجب أكثر من النصف والربع في ثلاث سنين ويعتبر حاله في السعة والقلة عند الحول فإن قسط عليهم فبقي شيء أخذ من بيت المال وإن زاد عددهم على قدر الثلث ففيه قولان: أحدهما يقسط عليهم ويقص كل واحد عن النصف والربع والثاني بقسط الإمام على من يرى منهم ومن مات من العاقلة قبل محل النجم سقط ما عليه.

(1/229)


باب كفارة القتل
إذا قتل من يحرم قتله لحق الله تعالى عمدا أو خطأ, أو فعل به شيئا مات به أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وجبت عليه الكفارة وإن اشترك جماعة في قتل واحد وجبت على كل واحد منهم كفارة وقيل فيه قول آخر أنه تجب عليهم كفارة واحدة والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع ففيه قولان: أحدهما يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام والثاني لا يطعم.

(1/229)


باب قتال أهل البغي
إذا خرج على الإمام طائفة من المسلمين ورامت خلعه أو منعت الزكاة أو حقا توجه عليها وامتنعوا بالحرب بعث اليهم, وسألهم ما تنقمون فإن ذكروا شبهة أزالها وإن ذكروا علة يمكن إزاحتها أزاحها وإن أبو اوعظهم وخوفهم بالقتال فإن أبو قاتلهم وان استنظروا مدة لينظروا أنظرهم إلا أن يخاف أنهم يقصدون الإجماع على حربه فلا ينظرهم ويقاتلهم إلى أن يفيؤا إلى امر الله تعالى ولا يتبع في الحرب مدبرهم ولا لايذفف على جريحهم ويتجنب قتل ذي رحمة وإن أسر منهم رجلا حبسه إلى ان تنقضي الحرب ثم خلاه,

(1/229)


وياخذ عليه أن لا يعود الى قتاله وإن أسر صبيا أو امرأة خلاه على المنصوص وقيل يحبسهم ولا يقاتلهم بما يعم كالمنجنيق والنار الا لضرورة, ولا يستعين عليهم بالكفار ولا بمن يرى قتلهم مدبرين وإن اتلف عليهم أهل العدل شيئا في حال الحرب لم يضمنوا وإن أتلف اهل البغي على أهل العدل ففيه قولان: أصحهما انهم لايضمنون وإن ولواقاضنا نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم الجماعة وإن اخذوا الزكاة والخراج إعتد به فإن ادعى من عليه زكاة أنه دفع الزكاة اليهم قبل قوله مع يمينه وقيل يحلف مستحبا وقيل يحلف واجبا وإن ادعى من عليه جزية انه دفعها اليهم لم يقبل إلا ببينه وإن ادعى من عليه خراج انه دفع اليهم فقد قيل يقبل, وقيل لا يقبل وإن أظهر قوم رأى الخوارج ولم يظهر وذلك مجرب لم يتعرض لهم وكان حكمهم حكم لجماعة فيما لهم وعليهم وإن صرحوا بسب الإمام عزرهم فإن عرضوا بسبه لم يتعرض لهم وإن اقتتل طائفتان في طلب رئاسة أو نهب مال أو عصبية فهما ظالمتان وعلى كل واحد منهما ضمان ما تتلف على الأخرى من نفس ومال ومن قصد قتل رجل جاز للمقصود دفعه عن نفسه وهل يجب قيل يجب وقيل لا يجب وإن قصد ماله فله أن يدفعه عنه وله أن يتركه وان قصد حريمه وجب عليه الدفع عنه وإذا أمكن الدفع بأسهل الوجوه لم يعدل إلى أصعبها فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتله لم يضمنه وإن اندفع لم يجز أن يتعرض له وإن طلع رجل في بيت رجل وليس بينهما محرمية جاز رمي عينيه ويرميه بشيء خفيف فإن رماه بحجر ثقيل فقتله فعليه القود وإن رماه بشيء خفيف فلم يرجع استغاث عليه فإن لم يلحقه غوث فله ان يضربه بما يردعه وان عض يد انسان فنزعها منه فسقطت اسنانه لم يضمن وإن لم يقدرعلى تخليصها ففك لحييه لم يضمن وإن صال عليه بهيمة فلم تندفع إلا بقتلها لم يضمن.

(1/230)


باب قتل المرتد
تصح الردة من كل بالغ عاقل مختار فأما الصبي والمعتوه فلا تصح

(1/230)


ردتهما وتصح ردة السكران وقيل فيه قولان: وأما المكره فلا تصح ردته وكذلك الاسير في يد الكافر لا تصح ردته ومن ارتد عن الإسلام يستحب أن يستتاب في احد القولين ويجب في الآخر وفي مدة الاستتابة قولان: أحدهما ثلاثة أيام والثاني في الحال وهو الأصح فإن رجع الى الإسلام قبل منه وإن تكرر منه ثم أسلم عزر وإن ارتد إلى دين تاويل لأهله كفاه أن يقر بالشهادتين وإن ارتد إلى دين يزعم أهله ان محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى العرب لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وإن أقام على الردة وجب قتله فإن كان حرا لم يقتله إلا الإمام فإن قتله غيره بغير إذن الإمام عزر وإن قتله إنسان ثم قامت البينة أنه كان قد راجع الإسلام ففيه قولان: احدهما يجب عليه القود والثاني لا يجب إلا الدية فإن كان عبدا فقد قيل يجوز للسيد قتله وقيل لا يجوز وإن أتلف المرتد مالا أو نفسا على مسلم وجب عليه الضمان وإن امتنع بالحرب فأتلف ففيه قولان: كاهل البغي وإن ارتد وله مال فقد قيل قولان احدهما أنه باق على ملكة والثاني أنه موقوف فإن رجع الى الإسلام حكم بانه له وإن لم يرجع حكم بأنه قد زال بالردة وقيل فيه قول ثالث أنه يزول بنفس الردة وأما تصرفه ففيه ثلاثة أقوال: أحدها ينفذ والثاني لا ينفذ والثالث أنه موقوف وإذا مات أو قتل قضيت الديون من ماله او الباقي فيء فإن أقام وارثه بينه أنه صلى بعد الردة فإن كانت الصلاة في دار الإسلام لم يحكم بإسلامه وإن كانت في دار الحرب حكم باسلامه وورثه الوارث وإن علقت منه كافرة بولد في حال الردة فهو كافر وفي استرقاق هذا الولد قولان.

(1/231)


باب قتال المشركين
من لا يقدر على إظهار الدين في دار الحرب وقدر على الهجرة وجب عليه ان يهاجر ومن قدر على إظهار الدين إستحب له أن يهاجر والجهاد فرض على

(1/231)


الكفاية إذا قام به من فيه الكفاية سقط الفرض عن الباقين ومن حضر الصف من أهل الفرض تعين عليه ويستحب الإكثار من الغزو وأقل ما يجزي في كل سنة مرة فإن دعت الحاجة الى أكثر منه وجب وإن دعت الحاجة إلى تاخيره لضعف المسلمين أخره ولا يجب الجهاد إلا على ذكر حر بالغ عاقل مستطيع فأما المرأة والعبد والصبي فلا جهاد عليهم فإن حضر وأجاز ولا يجب الجهاد على معتوه ولا على غير مستطيع وهو الأعمى والأعرج والمريض الذي لا يقدر على القتل, والفقير الذي لا يجد ما ينفق على نفسه وعياله ولا يجد ما يحمله وهو على مسافة تقصر فيها الصلاة ولا يجاهد من عليه دين إلا بإذن غريمه وقيل يجوز في الدين المؤ جل ان يجاهد بغير إذنه ولا يجوز لمن أحد أبويه مسلم ان يغزو من غير إذنه فإن أذن له الغريم ثم بدا له قبل أن يحضر الصف أو أسلم أحد أبويه قبل ان يحضر الصف لم يغز الا بإذنهم وإن كان قد حضر الصف ففيه قولان: وإن احاط العدو بهم وتعين الجهاد جاز من غير إذنهم ولا يجاهد أحد عن أحد ويكره ان يغزو أحد إلا بإذن الإمام ويتعاهد الإمام الخيل والرجال فما لا يصح منها للحرب منع من دخول دار الحرب ولا يأذن لمخذ ل ولا لمن يرجف بالمسلمين ولا يستعين بمشرك إلا ان تكون في المسلمين قلة والذي يستعين به حسن الرأي في المسلمين ويبدأ بقتال من يليه من الكفار يبدأ بالأهم فالأهم ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة حتى يعرض عليه الدين ويقاتل أهل الكتابين والمجوس إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية ويقاتل من سواهم إلى ان يسلموا ويجوز بياتهم ونصب المنجنيق عليهم ورميهم بالنار ويتجنب قتل ابيه أو ابنه إلا ان يسمع منه ما لا يصبر عليه من ذكر الله تعالى أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يقتل النساء والصبيان إلا ان يقاتلوا وفي قتل الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم وأصحاب الصوامع قولان: أصحهما أنهم يقتلون وإن تترسوا بالنساء والصبيان في القتال لم يمتنع من قتالهم وإن كان معهم قليل من أساري المسلمين لم يمتنع من رميهم وإن كان معهم كثير منهم لم يرمهم إلا إذا خاف شرهم فإن تترسوا بهم في حال القتال

(1/232)


لم يمتنع من قتالهم غير انه يتجنب ان يصيبهم ومن آمنه مسلم بالغ عاقل مختار حرم قتله وإن أمنه صبي لم يقتل غير انه يعرف انه لا أمان له ليرجع إلى مأمنه ومن أمنه أسير قد أطلق باختيار حرم قتله ومن اسلم منهم في الحرب أو في حصار أو مضيق حقن دمه وماله وصان صغار أولاده عن السبي ومن عرف المسلمين من نفسه بلاء في الحرف جاز له أن يبارز فإن بارز كافر استحب لمن عرف من نفسه بلاء ان يخرج اليه فإن شرط ان لا يقاتله غيره وفي له بالشرط إلا ان يثخن1 المسلم وينهزم منه فيجوز قتاله فإن شرط ان لا يتعرض له حتى ترجع إلى الصف وفي له بذلك وليس للمسلم أن ينصرف عن اثنين إلا متحرفا لقتال, أو متحيزا إلى فئة فإن خاف أن يقتل فقد قيل له أن يولي والمذهب انه ليس له ذلك وإن كان بإزائه أكثر من اثنين وغلب على ظنه أنه لا يهلك فالأولى أن يثبت وإن غلب على ظنه أنه يهلك فالأولى ان ينصرف وقيل يجب عليه وإن غرر من له سهم بنفسه في قتل كافر ممتنع في حال القتال استحق سلبه وإن كان لا سهم له وله رضخ فقد قيل يستحق وقيل لا يستحق وإن لم يغرر بنفسه بأن رماه من الصف فقتله أو قتله وهو أسير أو مثخن لم يستحق وإن قتله وقد ترك القتال أو انهزم لم يستحق سلبه وإن اشترك اثنان في قتله اشتركا في سلبه وان قطع إحدهما يديه ورجليه وقتله الآخر فالسلب للقاطع وإن قطع احدهما إحدى يديه وإحدى رجليه فقتله الآخر ففيه قولان: أحدهما أن السلب للأول والثاني أنه للثاني وإن قتل امرأة أو صبيا فإن كان لا يقاتل لم يستحق سلبه وان قتله وهو على القتال استحق سلبه والسلب ما تثبت يده عليه في حال القتال من ثيابه وحليه ونفقته وسلاحه وفرسه وقيل لا يستحق الحلي والمنطقة والنفقة والأول أصح وإن اسر صبيا رق فإن كان وحده تبع السابي في الاسلام وإن كان معه أحد أبويه تبعه في الدين وإن سبي امرأة رقت بالأسر فإن كان لها زوج إنفسخ نكاحها وإن أسر حرا فللإمام أن يختار فيه ما يرى المصلحة من القتل
__________
1 - ثخن: اذا اكثر مراحه لسان العرب 13: 77.

(1/233)


والإسترقاق والمن والمفاداة بمال أو بمن أشر من المسلمين فإن استرقه وكان له زوجة إنفسخ نكاحها وإن أسلم في الأسر سقط قتله وبقي الخيار في الباقي في أحد القولين ويرق في القول الآخر وإن غرر بنفسه في أسره فقتله الإمام أو من عليه ففي سلبه قولان: أحدهما أنه لمن أسره والثاني انه ليس له وإن أسترقه أوفاداه بمال فهل يستحق من أسره رقبته أو المال المفادي به فيه قولان وإن حاصر قلعة فنزل أهلها على حكم حاكم جاز ويجب أن يكون الحاكم حرا مسلما ثقة من اهل الإجتهاد ولا يحكم الحاكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين من القتل والإسترقاق والمن والفداء وان حكم بعقد الذمة لم يلزم وقيل يلزم وإن حكم بقتل الرجال ورأى الأم أن يمن عليهم جاز فإن انزلوا على حكم الحاكم فاسلموا قبل ان يحكم بشيء عصم دمهم ومالهم وحرم سبيهم وإن أسلموا بعد الحكم سقط القتل وبقي الباقي وان مات الحاكم قبل الحكم ردوا إلى القلعة ويجوز لأمير الجيش ان يشترط للبدأة والرجعة ما رأى على قدر عملهم من خمس الخمس ويجوز أن يشرط لمن دله على قلعة جعلا فإن كان المجعول له كافرا جاز أن يجعل له جعلا مجهولا وإن قال من دلني على القلعة الفلانية فله منها جارية فدله عليها ولم تفتح لم يستحق شيئا وقيل يرضخ له وليس بشيء وإن فتحت صلحا فامتنع صاحب القلعة من تسليم الجارية وامتنع المجعول له من قبض قيمتها فسخ الصلح وإن فتحت عنوة وقد أسلمت الجارية قبل الفتح دفع إليه قيمتها وإن ماتت قبل الفتح ففيه قولان: أحدهما يدفع إليه قيمتها والثاني لا شيء له ويجوز قطع اشجارهم وتخريب ديارهم فإن غلب على الظن أنه يحصل لهم فالاولى أن لا يفعل ذلك ولا يجوز قتل البهائم إلا إذا قاتلوا عليها, ويقتل الخنازير ويراق الخمور ويكسر الملاهي ويتلف ما في أيديهم من التوراة والإنجيل ويجوز أكل ما اصيب في الدار من الطعام ويعلف منه الدواب ويجوز ذبح ما يؤكل للأكل من غير ضمان وقيل يجب ضمان ما يذبح وليس بشيء وإن خرجوا إلى دار الإسلام ومعهم شيء من الطعام ففيه قولان: أحدهما يجب رده الى المغنم,

(1/234)


والثاني لا يجب وما سوى ذلك من الأموال لا يجوز لأحد منهم أن يستبد به فمن أخذ منهم شيئا وجب عليه رده إلى المغنم وله قول آخر إذا قال الأمير من أخذ شيئا فهو له صح ومن أخذ شيئا ملكه والأول أصح ومن قتل من الكفار كره نقل رأسه من بلد إلى بلد, وإن غلب الكفار والمسلمين على أموالهم لم يملكوها فإن استرجعت وجب ردها على أصحابها فإن لم يعلم حتى قسم عوض صاحبها من خمس الخمس ولا تفسخ القسمة.

(1/235)


باب قسم الفيء والغنيمة
الغنيمة ما اخذ من الكفار بالقتال, وإيجاف الخيل والركاب ومتى يملك ذلك فيه قولان احدهما بانقضاء الحرب والثاني بانقضاء الحرب: وحيازة المال وأول ما يبدأ منه بسلب المقتول فيدفع الى القاتل ثم يقسم الباقي على خمسة ثم يقسم الخمس على خمسة اسهم سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف في المصالح وأهمها سد الثغور ثم الأهم فالأهم من أرزاق القضاة والمؤذنين وغير ذلك من المصالح وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب للذكر منهم مثل حظ الأنثيين يدفع الى القاضي والداني منهم وقيل بدفع ما يحصل منه في كل اقليم إلى من فيه منهم وسهم لليتامى الفقراء وقيل يشترك فيه الفقراء والأغنياء وليس بشيء وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل فلا يعطي الكفار منه شيئا ويقسم الباقي وهو أربعة الأخماس بين العانمين للراجل سهم للفارس ثلاثة أسهم ولا يسهم إلا لفرس واحد فإن دخل راجلا ثم حصل له فرس فحضر به الحرب الى ان ينقضي الحرب أسهم له وإن غاب فرسه فلم يجده إلا بعد انقضاء الحرب لم يسهم وقيل يسهم وليس بشيء وان غصب فرسا وقاتل عليه أسهم في أظهر القولين ولصاحب الفرس في الآخر وإن حضر بفرس ضعيف أو اعجف أسهم له في أحد القولين دون الآخر ومن مات أو خرج عن أن يكون من أهل القتال بمرض قبل أن تقضي الحرب لم يسهم له ويرضخ للعبد والمرأة والصبي والكافر إن حضر بإذن الإمام وفي الأجير ثلاثة أقوال أحدها يسهم له والثاني يرضخ له

(1/235)


والثالث يخير فإن اختار السهم فسخت الاجارة وسقطت الأجرة وإن اختار الأجرة سقط السهم وفي تجار العسكر قولان: أحدهما يسهم لهم والثاني يرضخ وقيل إن قاتلوا أسهم لهم وإن لم يقاتلوا فعلى قولين ومن أين يكون الرضخ فيه ثلاثة أقوال: أحدها من أصل الغنيمة كالسلب والثاني من أربعة أخماسها والثالث من سهم المصالح وإن خرج سريتان إلى جهة فغنم إحداهما شيئا قسم بين الجميع وإن بعث أمير الجيش سريتين إلى موضعين فغنمت إحداهما اشتركوا فيه وقيل ما يغنمه الجيش مشترك بينه وبين السريتين وما يغنم كل واحد من السريتين ويكون بين السرية الغانمة وبين الجيش لا يشاركها فيه السرية الأخرى وأما الفيء: فهو كل مال اخذ من الكفار من غير قتال كالمال الذي تركوه فزعا من المسلمين والجزية والخراج والأموال التي يموت عنها صاحبها ولا وارث له من أهل الذمة وفيها قولان: احدهما أنها تخمس فيصرف خمسها إلى اهل الخمس والثاني لا يخمس إلا ما هو بواعنه فزعا من المسلمين وفي اربعة أخماسها قولان: احدهما أنها لأجناد المسلمين يقسم بينهم على قدر كفايتهم والثاني أنها للمصالح وأهمها اجناد الإسلام فيعطون من ذلك قدر كفايتهم والباقي للمصالح ويبدأ فيه بالمهاجرين ويقدم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسوى بين بني هاشم وبني المطلب فإن استوى بطنان في القرب قدم من فيه أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بالأنصار ثم بسائر الناس ومن مات منهم دفع الى ورثته وزوجته الكفاية وان بلغ الصبي واختار ان يفرض له فرض له إن لم يخسر ترك ومن خرج عن ان يكون من أهل المقاتلة سقط حقه وان كان في مال الفيء أراض وقلنا انها للمصالح صارت وقفا يصرف غلتها فيها وان قلنا للمقاتلة قسمت بينهم وقيل تصير وقفا ويقسم غلتها بينهم.

(1/236)


باب عقد الذمة وضرب الجزية
لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو ممن فوض إليه الإمام ولا يعقد الذمة

(1/236)


لمن لا كتاب له ولا شبهة كتاب كعبدة الاوثان والمرتدة ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل ويجوز أن يعقد لليهود والنصارى والمجوس ولمن دخل في دين اليهود والنصارى ولم يعلم هل دخل قبل النسخ والتبديل أو بعدهما وأما السامرة1 والصابئة2 فقد قيل يجوز ان يعقد لهم وقيل لا يجوز ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء صلى الله عليه وسلم أجمعين فقد قيل يعقد لهم وقيل لايعقد ولايعقد لمن ولد بين وثني وكتابية وفيمن ولد بين كتابي ووثنية قولان: أصحهما انه يعقد له ولا يصح عقد الذمة إلا بشرطين التزام إحكام الملة وبذل الجزية والأولى أن يقسم الجزية على الطبقات فيجعل على الفقير المعتمل دينار وعلى المتوسط ديناران وعلى الغني أربعة دنانير اقتداء بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأقل ما يؤخذ دينار وأكثره ما وقع التراضي عليه ويجوز أن يضرب الجزية على الرقاب ويجوز ان يضرب على الأرض ويجوز أن يضرب على مواشيهم كما فعل امير المؤمنين عمر رضي الله عنه في نصارى العرب ولا يجوز أن ينقص ما يؤخذ من أراضيهم ومواشيهم عن دينار ويجوز أن يشترط عليهم بعد الدينار ضيافة من يمر بهم من المسلمين ويبين أيام الضيافة في كل سنة ويذكر قدر من يضاف من الفرسان والرجالة ومقدار الضيافة من يوم أو يومين أو ثلاثة ولا يزاد على ثلاثة أيام يبين مقدار الطعام والأدم والعلف وأصنافها ويقسم ذلك على عددهم أو على قدر جزائهم وعليهم أن يسكنوهم في فضول مساكنهم وكنائسهم ومن بلغ من أولادهم أستؤنف له عقد الذمة على ظاهر النص وقيل يؤخذ منه جزية أبيه وتؤخذ الجزية في آخر الحول ويؤخذ ذلك منهم برفق كما يؤخذ سائر الديون ولا يؤخذ من امرأة ولا عبد ولا صبي ولا مجنون وفي الشيخ الفاني والراهب قولان وفي الفقير الذي لا كسب له قولان: أحدهما لا
__________
1 - السامرة قبيله من قبائل بني اسرائيل قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم اليهم ينسب السامري الذي عبد العجل الذي سمع: له خوار لسان العرب 4: 380.
2 - يقال صبأ الرجل إذا مال وزاغ, فبحبكم ميلهم عن سنن الحق, وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم الصائبة أنظر الملل والنحل 2: 5.

(1/237)


تجب عليه والثاني تجب ويطالب بها إذا أيسر وإن كان فيهم من يجن يوما ويفيق يوما فالمنصوص أنه تؤخذ منه الجزية في آخر الحول وقيل يلفق أيام الافاقة فإذا بلغ قدرها حولا وجبت عليه الجزية وهو الأظهر ومن مات منهم أو أسلم بعد الحول أخذ منه جزية ما مضى ومن مات أو أسلم في أثناء الحول فقد قيل يؤخذ منه لما مضى وقيل فيه قولان: احدهما أنه لا يجب عليه شيء والثاني يجب لما مضى بقسطه وهو الأصح وإن مات الإمام أو عزل وولي غيره ولم يعرف مقدار الجزية رجع الى قولهم ويأخذهم الإمام بأحكام المسلمين من ضمان المال والنفس والعرض وإن أتوا ما يوجب الحد مما يعتقدون تحريمه كالزنا والسرقة أقام عليهم الحد, وإن لم يعتقدوا تحريمه كشرب الخمر لم يقم عليهم الحد ويلزمهم أن يتميزوا عن المسلمين في اللباس فإن لبسوا قلانس ميزوها عن قلانس المسلمين ويشدون الزنانير على أوساطهم ويكون في رقابهم خاتم من رصاص أو نحاس او جرس يدخل معهم الحمام ولهم أن يلبسوا العمائم والطيلسان وتشد المرأة الزنار تحت الإزار وقيل فوق الإزار ويكون في عنقها خاتم يدخل معها الحمام ويكون واحد خفيها أسود والآخر أبيض ولا يركبون الخيل ويركبون البغال والحمير بالأكف عرضا ولا يصدرون في المجالس ولا يبدؤن بالسلام ويلجأون الى أضيق الطرق ويمنعون أن يعلوا على المسلمين في البناء ولا يمنعون من المساواة وقيل يمنعون وإن تملكوا دار عالية أقروا عليها ويمنعون من اظهار المنكر والخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل ويمنعون من أحداث بيع وكنائس في دار الإسلام ولا يمنعون من إعادة ما استهدم منها وقيل يمنعون وإن صولحوا في بلادهم على الجزية لم يمنعوا من اظهار المنكر والخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتورا ة والإنجيل وإحداث البيع والكناس ويمنعون من المقام بالحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فإن أذن لهم في الدخول لتجارة أو رسالة لم يقيموا أكثر من ثلاثة ايام وقيل إن كانون من أهل الذمة أخذ منهم لدخول الحجاز نصف العشر من

(1/238)


تجارتهم وان كانوا من أهل الحرب أخذ منهم العشر وليس بشيء ولا يمكن مشرك من دخول الحرم بحال فإن دخل فمات ودفن نبش وأخرج ولا يدخلون سائر المساجد إلا بالإذن وإن كان جنبا فقد قيل لا يمكن من اللبث وقيل يمكن ويجعل الإمام على كل طائفة منهم رجلا يكتب أسماءهم وحلاهم ويستوفي عليهم ما يؤخذون به وعلى الإمام حفظ من كان في دار الإسلام ودفع من قصدهم بالأذية واستنقاذ من أسر منهم وإن لم يفعل ذلك حتى مضى الحول لم تجب الجزية وإن تحاكموا إلينا مع المسلمين وجب الحكم بينهم وان تحاكموا بعضهم في بعض ففيه قولان: أحدهما يجب الحكم بينهم والثاني لا يجب وإن تبايعوا بيوعا فاسدة وتقابضوا ثم تحاكموا لم ينقض ما فعلوا وإن لم يتقابضوا نقض عليهم وان تحاكموا إلى حاكم لهم فألزمهم التقابض قبضوا ثم ترافعوا إلى حاكم المسلمين أمضى ذلك في أحد القولين ولا يمضيه في الآخر وإن أسلم صبي منهم مميز لم يصح إسلامه وقيل يصح إسلامه في الظاهر دون الباطن وإن امتنعوا عن أداء الجزية أو التزام إحكام الملة انتقض عهدهم وإن زنى أحدهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أوآوى عينا للكفار أو دل على عورة للمسلمين أو فتن مسلما عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق نظر فإن لم يكن قد شرط ذلك في عقد الذمة لم ينتقض عهده وإن شرط عليهم فقد قيل ينتقض وقيل لا ينتقض وإن ذكر الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم أودينه بما لا يجوز فقد قيل ينتقض عهده وقيل إن لم يشترط لم ينتقض وإن شرط فعلى الوجهين وإن فعل ما منع منه مما لا ضرر فيه كترك الغيار وإظهار الخمر وما أشبههما عزر عليه ولم ينتقض العهد وإن خيف منهم نقض العهد لم ينبذ إليهم عهدهم ومتى فعل ما يوجب نقض العهد رد إلى مأمنه في أحد القولين وقتل في الحال في القول الآخر.

(1/239)


باب عقد الهدنة
لا يجوز عقد الهدنة إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام وإذا رأى في عقدها مصلحة جاز أن يعقد ثم ينظر

(1/239)


فإن كان مستظهرا فله أن يعقد أربعة أشهر ولا يجوز سنة وفيما بينهما قولان وإن لم يكن مستظهرا أو كان مستظهرا ولكن يلزمه في غزوهم مشقة لبعدهم جاز أن يهادنهم عشر سنين وإن هادن على أن الخيار إليه في الفسخ متى شاء جاز وعلى الإمام أن يدفع عنهم الأذية من جهة المسلمين ولا يلزمه دفع الأذية عنهم من جهة اهل الحرب وإن جاء منهم مسلم لم يجب رده إليهم فإن جاءت مسلمة لم يجز ردها وإن جاء زوجها يطلب ما دفع إليها من الصادق ففيه قولان: أحدهما يجب رده والثاني لا يجب وان تحاكموا إلينا لم يجب الحكم بينهم وإن خيف منهم نقض العهد جاز أن ينبذ إليهم عهدهم, وإن دخل منهم حربي الى دار الإسلام من غير امان جاز قتله وإسترقاقه وكان ماله فيئا وإن استأذن في الدخول ورأى الامام المصلحة في الإذن بأن يدخل في تجارة ينتفع بها المسلمون أو في أداء رسالة أو يأخذ من تجارتهم شيئا جاز أن يأذن له فإذا دخل جاز أن يقيم اليوم والعشرة وإن طلب أن يقيم مدة جاز أن يأذن له في المقام أربعة أشهر ولا يجور سنة وفيما بينهما قولان: وإذا اقام لزمه أحكام المسلمين فيضمن المال والنفس ويجب عليه حد القذف ولا يجب حد الزنا والشرب وفي حد السرقة والمحاربة قولان: ويجب دفع الأذية عنه كما يجب عن الذمي فإن رجع إلى دار الحرب بإذن الإمام في تجارة أو رسالة فهو باق على الأمان في نفسه وماله وإن رجع للإستيطان إنتقض الأمان في نفسه وما معه من المال فإن أودع مالا في دار الإسلام لم ينتقض الأمان فيه ويجب رده اليه فإن قتل أو مات في دار الحرب ففي ماله قولان: أحدهما أنه يرد الى ورثته والثاني أنه يغنم ويصير فيئا وإن أسر وأسترق صار ماله فيئا وإن قتل أو مات في الاسر ففي ماله قولان: وإن مات في دار الإسلام قبل ان يرجع الى دار الحرب رد ماله الى ورثته على المنصوص وقيل هي ايضا على قولين.

(1/240)


باب حراج السواد
أرض السواد ما بين حديثة الموصل إلى عبادان طولا وما بين القادسية إلى

(1/240)


حلوان عرضا وهي وقف على المسلمين على المنصوص لا يجوز بيعها ولا رهنها ولا هبتها وما يؤخذ منها باسم الخراج أجرة وقيل إنها مملوكة فيجوز بيعها ورهنها وهبتها ما يؤخذ منها باسم الخراج ثمن والواجب أن يؤخذ ما ضربه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وهو من كل جريب كرم عشرة دراهم ومن كل جريب نخل ثمانية دراهم ومن كل جريب رطبة او شجرة ستة دراهم ومن كل جريب حنطة أربعة دراهم ومن كل جريب شعير درهمان وقيل على الجريب من الكرم والشجر عشرة دراهم ومن النخل ثمانية ومن قصب السكر ستة ومن الرطبة خمسة ومن البر أربعة ومن الشعير درهمان.

(1/241)


باب حد الزنا
إذا زنى البالغ العاقل المختار وهو مسلم أو ذمي أو مرتد وجب عليه الحد فإن كان محصنا فحده الرجم والمحصن: من وطىء في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإن وطىء وهو عبد ثم عتق أو صبي ثم بلغ أو مجنون ثم أفاق فليس بمحصن وقيل هو محصن والمذهب الأول وإن كان غير محصن نظر فإن كان حرا فحده جلد مائة وتغريب عام إلى مسافة تقصر فيها الصلاة وإن كان عبدا فحده جلد خمسين وفي تغريبه ثلاثة أقوال: أحدها لا يجب والثاني يجب تغريب عام والثالث يجب تغريب نصف عام ومن لاط وهو من أهل حد الزنا ففيه قولان: أحدهما يجب عليه الرجم والثاني يجب عليه الرجم إن كان محصنا والجلد والتغريب إن لم يكن محصنا وإن أتى بهيمة ففيه قولان: كاللواط وقيل فيه قول ثالث أنه يعزر فإن كانت البهيمة مما تؤكل وجب ذبحها وأكلت وقيل لا تؤكل وإن كانت مما لا تؤكل فقد قيل تذبح وقيل لا تذبح وإن وطىء أجنبية ميتة فقد قيل يحد وقيل لا يحد وإن وطىء أجنبية بما دون الفرج عزر وإن استمنى بيده عزر وإن أتت المرأة أمرأة عزرتا وإن وطيء جارية مشتركة بينه وبين غيره أو جارية ابنه عزر وإن وطىء أخته بملك اليمين ففيه قولان أحدهما يحد والثاني

(1/241)


يعزر وهو الأصح وإن وطيء امرأة في نكاح مجمع على بطلانه وهو يعتقد تحريمه كنكاح ذوات المحارم أو استأجر امرأة للزنا فوطئها حد وإن وطيء امرأة في نكاح مختلف في إباحته كنكاح بلا ولي ولا شهود ونكاح المتعة لم يحد وقيل ان وطىء في النكاح بلا ولي وهو يعتقد تحريمه حد وليس بشيء وإن وجد امرأة في فراشه فظنها زوجته فوطئها لم يحد وإن زنى بامرأة وادعى أنه جهل الزنا فإن كان يجوز أن يخفي عليه بأن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة لم يحد ومن وطيء إمرأته في الموضع المكروه عزر وإن وطئها وهي حائض عزر وقال في القديم إن كان في إقبال الدم وجب عليه دينار وإن كان في إدبار وجب عليه نصف دينار ولا يقيم الحد على الحر إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام ويجوز للمولى أن يقيم الحد على عبده وأمته وقيل إن ثبت بالإقرار جاز وإن ثبت بالبينة لم يجز والمذهب الأول وإن كان المولى فاسقا أو إمرأة فقد قيل لا يقيم وقيل يقيم وهو الأصح وإن كان مكاتبا فقد قيل يقيم وقيل لا يقيم وهو الأصح ولا يقام الحد في المسجد ولا يحد في حر شديد ولا برد شديد ولا في مرض يرجى برؤه حتى يبرأ فإن جلد في هذه الأحوال فمات فالمنصوص أنه لا يضمن وقيل فيه قولان: ولا تجلد المرأة في حال الحبل حتى تضع وتبرأ من ألم الولادة ولا يجلد بسوط جديد ي لا ببال ولا يمد ولا بشديده ولا يجرد بل يكون عليه قميص ولايبالغ في الضرب فينهر الدم ويفرق الضرب على أعضائه ويتوقى الوجه والرأس والفرج والخاصرة المواضع المخوفة وإن وضع يده على موضع ضرب غيره ويضرب الرجل قائما والمرأة جالسة في شيء يستر عليها تمسك عليها إمرأة ثيابها فإن كان نضو الخلق1 أو مريضا لا يرجي برؤه جلد بأطراف الثياب وإثكال النخل وإن كان الحد الرجم فإن كان قد ثبت بالإقرار فالمستحب أن يبدأ الإمام وإن ثبت بالبينة فالمستحب أن يبدأ الشهود فإن وجب الرجم في الحر أو البرد أو المرض فإن كان قد ثبت بالبينة رجم وان كان قد ثبت
__________
1 - النضو بالكسر حديد اللجام والمهزول من الابل وغيرها انظر القاموس: 4: 398.

(1/242)


بالإقرار فالمنصوص أنه يؤخر إلى أن يبرأ أو يعتدل الهواء وقيل يقام عليه وإن وجب الرجم وهي حبلى لم ترجم حتى تضع ويستغني الولد بلبن غيرها وان ثبت الحد بالبينة إستحب أن تحفر له حفرة وإن ثبت بالإقرار لم تحفر فإن رجم فهرب لم يتبع.

(1/243)


باب حد القذف
إذا اقذف بالغ عاقل مختار وهو مسلم أو ذمي أو مستأمن أو مرتد محصنا ليس بمولود له وجب عليه الحد فإن كان حرا جلد ثمانين وإن كان عبدا جلد أربعين والمحصن: هو البالغ العاقل الحر المسلم العفيف فإن قذف صغيرا أو مجنونا أو عبدا أو كافر أو فاجرا أو من وطيء وطئا حراما لاشبهه فيه عزر وإن وطيء بشبهة فقد قيل يحد وقيل يعزر وإن قذف ولده أو ولد ولده عزر وإن قذف مجهولا فقال هو عبد وقال المقذوف أنا حر فالقول قول القاذف وقيل فيه قولان: وإن قال زنيت وأنت نصراني فقال لم أزن ولم أكن نصرانيا ولم يعرف حاله ففيه قولان: أحدهما يحد والثاني يعزر وإن قذفه فقال قذفته وهو مجنون ثم قال بل قذفنى وأنا عاقل وعرف له حال جنون فالقول قول القاذف في أظهر القولين والقول قول المقذوف في الآخر وإن قذف عفيفا فلم يحد حتى زنى أو وطيء وطأ حراما لم يحد ولا يجب الحد إلا أن يقذفه بصريح الزنا أو اللواط أو بالكناية مع النية والصريح: أن لا يقول زنيت أو يا زاني أو لطت أو يا لوطي أو زنى فرجك ما أشبهه والكناية: أن يقول يا فاجر يا خبيث أو حلال ابن الحلال وهما في الخصومة فإن نوى به القذف وجب الحد وان لم ينو لم يجب, وإن اختلفا في النية فالقول قول القاذف وان قال زنأت في الجبل ولم ينو القذف لم يحد إن قال زنأت ولم يقل في الجبل فقد قيل يحد وقيل لا يحد إلا بالنية وهو الاصح وإن قال أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان لم يحد من غير نية وإن قال فلان زان وأنت أزنى منه حد وإن قال يدك أو رجلك لم يحد وقيل يحد, وإن قال زنى بدنك لم يحد على ظاهر النص وقيل يحد وهو الأظهر وإن

(1/243)


قال وطئك فلان وأنت مكرهة فقد قيل يعزر وقيل لا يعزر وإن قذف جماعة لا يجوز أن يكون كلهم زناة كأهل بغداد وغيرهم عزر وإن قذف جماعة يجوز ان يكون كلهم زناة فإن كان بكلمات وجب لكل واحد منهم حد وان كان لكلمة واحدة ففيه قولان: أصحهما أنه يجب لكل واحد منهم حد وإن قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وجب حدان فإن حضرنا وطالبتا بديء بحد الام وقيل يبدأ بحد البنت والأول اصح وإن حد لأحداهما لم يحد للأخرى حتى يبرأ ظهره وقيل أن كان القاذف عبدا جاز أن يوالي عليه بين الحدين وإن قذف رجلا مرتين بزنا واحد لزمه حد واحد, وإن قذقه بزنيين فالمنصوص أنه يلزمه حد واحد وقال في القديم ولو قيل قيل يحد حدين كان مذهبا فجعل ذلك قولا آخر وإن قذفه فحد ثم قذفه ثانيا بذلك الزنا عزر وإن قذفه بزنا آخر فقد قيل يحد وقيل يعزر وإن قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها ثانيا فإن بدأت وطالبت بالقذف الأول ولم يقم البينة حد وإن طالبت بالثاني فلم يلاعن حد حدا آخر وإن بدأت وطالبت بالثاني ثم بالأول فلم يلاعن ولم يقم البينة فعلى القولين: أحدهما يحد حدا والثاني يحد حدين ولا يستوفي حد القذف إلا بحضرة السلطان ولا يستوفي إلا بمطالبة المقذوف فإن عفا سقط وان قال لرجل إقذفنى فقذفه فقد فقيل يجب الحد وقيل لا يجب وإن وجب له الحد فمات انتقل الحد الى جميع الورثة وقيل ينتقل الى من يرث بنسب دون سبب وقيل ينتقل الى العصبات خاصة والمذهب الأول, وان كان للمقذف ابنان فعفا أحدهما كان للآخر أن يستوفي بجميع الحد وقيل يستوفي النصف وقيل يسقط الباقي والمذهب الاول وإن قذف عبدا ثبت له التعزير فإن مات فقد قيل يسقط وقيل ينتقل إلى السيد وهو الأصح.

(1/244)


باب حد السرقة
إذا سرق بالغ عاقل مختار وهو مسلم أو ذمي أو مرتد نصابا من

(1/244)


المال من حرز مثله لا شبهة له فية وجب علية القطع فإن سرق دون النصاب لم يقطع والنصاب ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار فإن سرق ما يساوي نصابا ثم نقصت قيمته بعد ذلك لم يسقط القطع وإن سرق طنبور أو مزمارا يساوي مفصله نصابا قطع وقيل لا يقطع فيه بحال وان اشترك اثنان في سرقة نصاب لم يقطع واحد منهما وإن اشتركا في النقب وأخذ أحدهما نصابين ولم يأخذ الآخر قطع الآخذ وحده ومن سرق من غير حرز لم يقطع ويختلف الإحراز باختلاف الأموال والبلاد وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه فإن سرق الثياب والجواهر ودونها أقفال في العمران وجب القطع وإن سرق المتاع من الدكاكين وفي السوق حارس أو سرق الثياب من الحمام وهناك حافظ أو الجمال من الرعي ومعها راع أو السفن من الشط وهي مشدودة أو الكفن من القبر وجب القطع, وإن كان المال محرزا ببيت في دار فأخرجه منه إلى الدار وهي مشتركة بين سكان قطع وإن كان الجميع لواحد وباب الدار مفتوح قطع وإن كان مغلقا فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن نقب رجلان فدخل أحدهما فأخرج المتاع ووضعه في وسط النقب وأخذه الخارج ففيه قولان: أحدهما يقطعان والثاني لا يقطعان فإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرج المتاع لم يقطع واحد منهما وقيل قولان كالمسألة قبلها وإن نقب واحد وإنصراف وجاء آخر فسرقه لم يقطع واحد منهما وإن نقب الحرز واحد وأخذ دون النصاب وانصرف ثم عاد وأخذ تمام النصاب فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وقيل إن اشتهر خراب الحرز لم يقطع وإن لم يشتهر قطع وإن ترك المال على بهيمة ولم يسقها فخرجت البهيمة بالمال أو تركه في ماء راكد فتفجر وجرى مع الماء إلى خارج الحرز فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن نقب الحرز وقال لصغير لا يعقل اخرج المال فأخرجه اوطر جيبه فوقع منه المال وجب القطع وإن ابتلع جوهرة في الحرز وخرج من الحرز فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن سرق حرا صغيرا وعليه حلي يساوي نصابا فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن سرق المعير مال المستعير من الحرز المعار فالمنصوص أنه يقطع وقيل لا

(1/245)


يقطع وإن سرق المغصوب منه مال الغاصب من الحرز المغصوب فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن سرق الأجنبي المال المغصوب من الغاصب او المسروق من السارق فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن سرق ماله فيه شبهة كمال بيت المال والعبد إذا سرق من مولاه والأب إذا سرق من ابنه والإبن إذا سرق من أبيه والغازي إذا سرق من الغنيمة قبل القسمة والشريك إذا سرق من المال المشترك لم يقطع فإن سرق أحد الزوجين من الآخر فقد قيل يقطع وقيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها يقطع والثاني لا يقطع والثالث يقطع الزوج دون الزوجة وإن سرق رتاج الكعبة قطع وإن سرق تأزير المسجد أو بابه قطع وإن سرق القناديل أو الحصر فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع وإن سرق طعام عام السنة والطعام مفقود لم يقطع وإن كان موجود اقطع وإن سرق شيئا موقوفا فقد قيل يقطع وقيل لا يقطع ومن سرق عينا وادعى أنها له أو أن مالكها أذن له في أخذها فالمنصوص أنه لا يقطع وقيل يقطع وإن أقر له المسروق منه بالعين لم يقطع وإن وهبه منه قطع ولا قطع على من انتهب أو اختلس أو خان أو جحد ولا يقطع السارق إلا الإمام أو من فوض إليه إمام فإن كان السارق عبدا جاز للمولى أن يقطعه وقيل لا يقطعه والأول أصح ولا يقطع إلا بمطالبة المسروق منه بالمال فإن أقر أنه سرق نصابا لا شبهة له فيه من حرز مثله من غائب فقد قيل يقطع والمذهب أنه لا يقطع وإن قامت البينة عليه من غير مطالبه فقد قيل يقطع وهو المنصوص وقيل لا يقطع وقيل فيه قولان وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى فإن عاد قطعت رجله اليسرى فإن عاد قطعت يده اليسرى فإن عاد قطعت رجله اليمنى وإذا قطع جسم بالنار فإن عاد بعد قطع اليدين والرجلين وسرق عزر ومن سرق ولا يمين له أو كانت وهي شلاء قطعت رجله اليسرى وإن كانت له يمين بلا إصبع قطع الكف وقيل يقطع رجله والمنصوص هو الأول ومن سرق وله يمين فلم تقطع حتى ذهبت سقط القطع وإن وجب قطع اليمين فقطع اليسار عمدا قطعت يمينه وأقيد من القاطع من يساره وإن

(1/246)


قطع سهوا غرم الدية وفي يمين السارق قولان: أحدهما تقطع والثاني لا تقطع.

(1/247)


باب حد قاطع الطريق
من شهر السلاح وأخاف السبل في مصر أو غيره وجب على الإمام طلبه فان وقع قبل أن ياخذ المال ويقتل عزر وإن أخذ نصابا لا شبهة له فيه وهو ممن يقطع في السرقة قطع يده اليمنى ورجله اليسرى وان أخذ دون النصاب لم يقطع وقيل فيه قول مخرج أنه يقطع وليس بشيء وإن قتل انحتم قتله وان أخذ المال وقتل قتل ثم صلب وقيل يصلب حيا ويمنع الطعام والشراب حتى يموت والأول أصح ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام وقيل يصلب حتى يسيل صديده وليس بشيء وإن جنى قاطع الطريق جناية توجب القصاص فيما دون النفس ففيه قولان: أحدهما ينحتم القصاص والثاني لا ينحتم وإن وجب عليه الحد ولم يقع طلب أبدا إلى أن يقع فيقام عليه فإن تاب قبل أن يقدر عليه سقط انحتام القتل والصلب وقطع الرجل وقيل يسقط قطع اليد وقيل لا يسقط.

(1/247)


باب حد الخمر
كل شراب أسكر كثيره حرم قليله وكثيره ومن شرب المسكر وهو بالغ عاقل مسلم مختار وجب عليه الحد فإن كان حرا جلد أربعين وإن كان عبدا جلد عشرين وإن رأى الإمام أن يبلغ بالحد في الحر ثمانين وفي العبد أربعين جاز وإن ضرب أحدا وأربعين فمات ففيه قولان: أحدهما يضمن نصف الدية والثاني يضمن جزء من أحد وأربعين جزأ من ديته ويضرب في حد الشرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وقيل يجوز بالسوط والمنصوص هو

(1/247)


الأول فإن ضربه بالسوط فما ت فقيل يضمن بقدر ما زاد على ألم النعال وقيل يضمن جميع الدية ومن زنى دفعات أو سرق دفعات أو شرب المسكر دفعات ولم يحد أجزأه عن كل جنس حد واحد وإن زنى وهو بكر فلم يحد حتى زنى وهو محصن جلد ورجم ويحتمل أن يقتصر على رجمه وان زنى وسرق وشرب الخمر وجب لكل واحد منها حد فيبدأ بحد الشرب ثم يجلد في الزنا ثم يقطع في السرقة فإن كان معها حد قذف فقد قيل يبدأ به قبل حد الشرب وقيل يبدأ بحد الشرب ثم بحد القذف وإن اجتمع قتل قصاص وقتل في المحاربة قدم السابق منهما وإن إجتمع حدان فأقيم أحدهما لم يقم الآخر حتى يبرأ من الأول وإن اجتمع قطع السرقة وقطع المحاربة قطع يده اليمنى للسرقة والمحاربة وهل يقطع الرجل معها قيل تقطع وقيل لا تقطع وإن كان مع الحدود قتل في المحاربة فقد قيل يوالي بين الحدود وقيل لا يوالي ومن وجب عليه حد الزنا والسرقة أو الشرب وتاب وأصلح ومضى عليه سنة سقط عنه الحد في أحد القولين ولا يسقط في الآخر.

(1/248)


باب التعزير
ومن أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة كالمباشرة المحرمة فيما دون الفرج والسرقة ما دون النصاب والقذف بغير الزنا والجناية بما لا يوجب القصاص والشهادة بالزور وما أشبهه من المعاصي عزر على حسب ما يراه السلطان غير أنه لا يبلغ به أدنى الحدود فإن رأى ترك التعزيز جاز.

(1/248)


باب أدب السلطان
الإمامة فرض على الكفاية فإن لم يكن من يصلح الا واحد تعين عليه ويلزمه طلبها وإن امتنع أجبر عليها ولا تنعقد الإمامة إلا بتولية الإمام قبله أو

(1/248)


بإجماع جماعة من أهل الإجتهاد على التولية ولا يجوز أن يعقد لاثنين في وقت واحد فإن عقد لاثنين فالإمام هو الأول وإن عقد لهما معا أو لم يعلم الأول منهما إستؤنفت التولية وينبغي أن يكون الإمام ذكرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالأحكام كافيا لما يتولاه من أمور الرعية وأعباء الأمة وأن يكون من قريش فإن اختل شرط من ذلك لم تصح توليته وإن زال شيء من ذلك بعد التولية بطلت ولايته والأولى أن يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف ولا يحتجب عن الرعية ولا يتخذ بوابا ولا حاجبا فإن اضطر إلى ذلك إتخذ أمينا سلسا ولا يكون جبارا شرسا ويستحب أن يشاور أهل العلم في الأحكام وأهل الرأي في النقض والإبرام ويلزمه النظر في مصالح الرعية من أمر الصلاة والأئمة وأمر الصوم والأهلة وأمر الحج والعمرة وأمر القضاء والحسبة وأمر الأجناد والأمرة ولا يولي ذلك إلا ثقة مأمونا عارفا بما يتولاه كافيا لما يتقلده من الأعمال ولا يدع السؤال عن أخبارهم والبحث عن أحكامهم وينظر في أموال الفيء والخراج والجزية ويصرف ذلك في الأهم فالأهم من المصالح من سد الثغور وأرزاق الأجناد1 وسد البثوق2 وحفر الأنهار وأرزاق القضاة والمؤذنين وغير ذلك من المصالح وينظر في الصدقات ومصارفها ويتأمل أمر المرافق والمعادن ومن يقطعها على ما ذكرناها في مواضعها.
__________
1 - الاجناد: الأعوان مختارالصحاح 113.
2 - وقد بثق الماء وانبثق عليهم إذا أقبل عليهم ولم يظنوا به: لسان العرب 1: 130.

(1/249)