الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

 (باب سجود السهو وسجود الشكر)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ فِي رَكَعَاتِهَا فَلَمْ يَدْرِ أركعة صلى، أو رَكْعَتَيْنِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَحَسَبَهَا رَكْعَةً، وَلَوْ كَانَ الشَّكُّ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ بَنَى عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الشَّكُّ بَيْنَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ بَنَى عَلَى ثَلَاثٍ وَهُوَ الْيَقِينُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ شَكِّهِ، أَوْ كَانَ يَعْتَادُهُ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ شَكِّهِ أَوْ كَانَ يَشُكُّ فِي أَقَلِّ أَوْقَاتِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ شَاكًّا وَيَعْتَادُهُ الشَّكُّ كَثِيرًا تَحَرَّى فِي صَلَاتِهِ وَاجْتَهَدَ، وَعَمِلَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ حِينَئِذٍ وَاسْتَدَلَّ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِأَوَّلِ شَكِّهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ " قَالَ: وَمَعْنَاهُ: لَا شَكَّ فِيهَا فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا بِحُدُوثِ الشَّكِّ فِيهَا، وَاسْتَدَلَّ فِي جَوَازِ التَّحَرِّي فِيمَنِ اعْتَادَهُ الشَّكُّ بِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ "
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَكَانَ أَكْثَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، قَعَدَ وَتَشَهَّدَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ "
قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ التَّحَرِّي فِي القلتين، وَالثَّوْبَيْنِ، وَالْإِنَاءَيْنِ، وَالْوَقْتَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ جَازَ التَّحَرِّي فِي أَعْدَادِ رَكَعَاتِهَا، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُشْتَبِهٌ قَدْ جُعِلَ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَهَذَا خَطَأٌ
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُلْغِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جالس "

(2/212)


وَرُوِيَ أَيْضًا: " فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ " قَبْلَ السَّلَامِ
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُتِمَّ رَكْعَةً، وَلْيَقْعُدْ وَيَتَشَهَّدْ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا شَفَعَتْهَا السَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا كَانَتِ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ "
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ بَنَى عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ شَكَّ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ بَنَى عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَكَّ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ بَنَى عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ "
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ حَدِيثُ أبي سعيد الخدري، ولأنها صلاة وجب عليها فِعْلُهَا فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِي أَدَائِهَا
أَصْلُهُ إِذَا تَرَكَ صَلَاةً مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ لَا يَعْرِفُهَا، وَلِأَنَّ أَرْكَانَ الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّحَرِّي كَأَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا شُرِطَ الْيَقِينُ فِي أَصْلِهِ شُرِطَ الْيَقِينُ فِي بَعْضِهِ، كَالطَّهَارَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ كل ما لم يود من الطهارة بالتحري لم يود مِنَ الصَّلَاةِ بِالتَّحَرِّي كَأَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِالشَّكِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ شك طراً فِي عَدَدِ مَا صَلَّى فَلَمْ تَفْسُدْ بِهِ الصَّلَاةُ كَالْمُعْتَادِ الشَّكَّ، وَلِأَنَّ مَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ فَحُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَالْعَادَةِ فِيهِ عَلَى سَوَاءٍ كَالْحَدَثِ طَرْدًا، وَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ الصَّلَاةَ لَا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ الصَّلَاةَ كَالتَّسْبِيحِ
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ " فَمَعْنَاهُ: لَا نُقْصَانَ فِيهَا وَهُوَ إِذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ فَقَدْ أَزَالَ النُّقْصَانَ مِنْهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ "
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ تَحَرِّيَ الصَّوَابِ يُبَيِّنُ لَهُ يَقِينَ الشَّكِّ، أَوْ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ
فأما الْحَدِيثُ الْآخَرُ إِنْ صَحَّ فَكَانَ مُعَارَضًا بِمَا رَوَيْنَاهُ فَرِوَايَتُنَا أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَأْمَنُ بِهَذَا النُّقْصَانِ وَيَخَافُ الزِّيَادَةَ، وَرِوَايَتُهُمْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ فَكَانَتْ رِوَايَتُنَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ "

(2/213)


وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ وَالْإِنَاءَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ فَيُفَارِقُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَى الْيَقِينِ مُتَعَذَّرٌ، وَفِي أَفْعَالِ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَجَازَ التَّحَرِّي فِيمَا تَعَذَّرَ الْيَقِينُ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَمْ يَتَعَذَّرِ الْيَقِينُ فِيهِ
وَالثَّانِي: أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي التَّحَرِّي، وَالِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ لِمَا يُقْضَى مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ دَلَالَةٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي التَّحَرِّي فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ سَجَدَ سجدتي السهو قبل التسليم وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ عَنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه سجد قبل التسليم "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَائِزٌ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، وَالْجَدِيدِ: أَنَّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالزُّهْرِيُّ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ رَبِيعَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَقَالَ أبو حنيفة، وَالثَّوْرِيُّ: الْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ عَنْ نُقْصَانٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ زِيَادَةٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافُهُ مَعَ مَالِكٍ "، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَا حَكَيْنَاهُ فِي فِعْلِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ
فَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ "
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ
قَالَ: وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إِنَّمَا أُخِّرَ فِعْلُهُ عَنْ سَبَبِهِ لِكَيْ يَنُوبَ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْلَى لِتَصِحَّ نِيَابَتُهُ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ، لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَخْلُ هَذَا السَّهْوُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ سُجُودًا ثَانِيًا، أَوْ لَا يَقْتَضِيَ، فَإِنِ اقْتَضَى سُجُودًا ثَانِيًا لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ نَائِبًا عَنْ جَمِيعِ السهو

(2/214)


وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَجَدَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَبَبُهُ زِيَادَةَ الْكَلَامِ، وَسَجَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ عِنْدَمَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَبَبَهُ النُّقْصَانُ، فَدَلَّ عَلَى اخْتِلَافِ مَحَلِّهِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، قَالَ: وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جُبْرَانٌ، فَإِذَا كَانَ لِنُقْصَانٍ اقْتَضَى فِعْلُهُ قَبْلَ السلام لتكمل به الصلاة، وإن كان الزيادة أَوْقَعَهُ بَعْدَ السَّلَامِ لِكَمَالِ الصَّلَاةِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليبين عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ "
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُتِمَّ رُكُوعَهُ، وَيَقْعُدْ وَيَتَشَهَّدْ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ يُسَلِّمْ فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا شَفَعَتْهَا السَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا كَانَتِ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ "
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ الْأَسَدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَرَكَ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، أَوْ قَالَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ قَامَ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ عَنْ سَبَبٍ وَقَعَ فِي صَلَاتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَلِأَنَّهُ سجود لو فعله في الصلاة، سجد عنه مُوجِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ كَانَ شَرْطًا فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَالطَّهَارَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَوَجَبَ إِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا قَبْلَ السَّلَامِ أَنْ يَسْجُدَ لِأَجْلِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ لِلسَّهْوِ وَجُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ جُبْرَانًا لِلشَّيْءِ كَانَ وَاقِعًا فِيهِ
وَأَمَّا مَا رَوَوْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ
وَالثَّانِي: مُسْتَعْمَلَةٌ فَأَمَّا نَسْخُهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَسَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ
وَالثَّانِي: تَأَخُّرُ أَخْبَارِنَا وَتَقَدُّمُ أَخْبَارِهِمْ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ قَدْ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَوَيَا سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ أَحْدَاثِ الْأَنْصَارِ، وَأَصَاغِرِهِمْ

(2/215)


وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ عَلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قول سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ نَسِيَ السَّهْوَ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ فَأَتَى بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَهَا بعده لم يخل حاله من أحد الأمرين:
قُلْنَا: فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُجُودٌ وَاقِعٌ عَنِ السَّهْوِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالَّذِي بَعْدَهُ
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ إِنَّهُ يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ، وَلَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ، لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ سَجْدَتِيِ السَّهْوِ تَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ فِي الْغَالِبِ وَوُقُوعُ السَّهْوِ بَعْدَ السُّجُودِ وَقَبْلَ السَّلَامِ نَادِرٌ فَجَازَ السُّجُودُ لَهُ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ مَالِكٍ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الزِّيَادَةَ تَمْنَعُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا نُقْصَانٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً عَامِدًا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا رَكْعَةً عَامِدًا أَبْطَلَتْ صَلَاتَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نُقَصَانًا وَجَبَ أَنْ يكون السجود له في الصلاة جبراناً

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ سَجَدَ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلرَّابِعَةِ، وَيَتَشَهَّدُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَظُنُّهَا رَابِعَةً ثُمَّ ذَكَرَ سَهْوَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي خَامِسَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إِلَى جُلُوسِهِ فِي الرَّابِعَةِ سَوَاءٌ جَلَسَ فِيهَا أَمْ لَا، سَجَدَ فِي الْخَامِسَةِ أَوْ لَمَ يَسْجُدْ
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ لَمْ يَسْجُدْ يَجْلِسُ فِي الرَّابِعَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ فِي الْخَامِسَةِ عَادَ إِلَى جُلُوسِهِ فِي الرَّابِعَةِ بِنَاءً عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ سَجَدَ فِي الْخَامِسَةِ قَبْلَ جُلُوسِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِبُطْلَانِ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ فِي الْخَامِسَةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ خَرَجَ مِنَ الْخَامِسَةِ، وَإِنْ شَاءَ بَنَى عَلَيْهَا، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ وَسَجَدَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ إِلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ رَكْعَةً ثَانِيَةً يَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ لَهُ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُلُوسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الصَّلَاةِ دُونَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ، فَإِذَا فَعَلَهُ وَقَامَ إِلَى خَامِسَةٍ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا سَجَدَ فِي الْخَامِسَةِ صَارَ دَاخِلًا فِي نَافِلَةٍ ومكن

(2/216)


أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ فِي نَافِلَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا خَطَأٌ
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ سَعِيدٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظُّهْرَ فَسَهَا فَصَلَّاهَا خَمْسًا فَقِيلَ يَا رَسُولَ الله أزيد من الصَّلَاةِ قَالَ: وَمَا ذَاكَ فَقَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ " وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ السَّلَامِ
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنْ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَسْوَسَ الْقَوْمُ فَقَالَ مَا بَالُكُمْ فَقَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سجدتي السهو وقال: " إنما أن بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ "، فَلَا يَخْلُو حَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ أَنْ يَكُونَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْعُدْ فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فَلَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى كَمَا قَالَ أبو حنيفة: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَ أبو حنيفة، فَإِنْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعَادَ صَلَاتَهُ
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ أَعَادَهَا لَأَمَرَ مَنْ خَلْفَهُ بِالْإِعَادَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً لَمْ يَسْجُدْ لَهَا سُجُودَ السَّهْوِ، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَجْبُرُ الصَّلَاةَ الْبَاطِلَةَ فَإِنْ قَالُوا فَيَجُوزُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ قَبْلَ سُجُودِهِ فِيهَا قِيلَ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ سُجُودِهِ وَسَلَامِهِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَكَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُكُمْ، وَكَلَّمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ السُّجُودِ، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَهَا
أَصْلُهُ إِذَا ذَكَرَ سَهْوَهُ قَبْلَ سُجُودِهِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْدَادِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ سَهْوُهُ الصَّلَاةَ كَمَنْ سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ، أَوْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ صحة صلاته وأن يَعُودُ فِي الرَّابِعَةِ إِلَى جُلُوسِهِ لَمْ تَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَإِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي الرَّابِعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أن يتشهد ويسجد سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَيسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ قَبْلَ قِيَامِهِ فَفِي وُجُوبِ إِعَادَةِ التَّشَهُّدِ بَعْدَ جُلُوسِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ عَلَيْهِ إِعَادَةُ التَّشَهُّدِ ثُمَّ سُجُودُ السَّهْوِ ثُمَّ السَّلَامُ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا السَّلَامِ أَنْ يَتَعَقَّبَ أَمْرَيْنِ: الْقُعُودُ، وَالتَّشَهُّدُ، فَلَمَّا لَزِمَهُ إِعَادَةُ الْقُعُودِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ لَزِمَهُ إِعَادَةُ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ

(2/217)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ التَّشَهُّدِ، بَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، لِأَنَّ أُصُولَ الصَّلَاةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ السَّهْوِ وَتَرَكَ إِعَادَتَهُ كَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ

(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا إِذَا صَلَّى نَافِلَةً فَقَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ نَاسِيًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا، وَيَجُوزَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الثَّانِيَةِ وَيَجُوزَ أَنْ يُكْمِلَ الثَّالِثَةَ، وَيُسَلِّمَ وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ سَجَدَ مَعَهُ سُجُودَ السَّهْوِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَمْضِيَ فِي الثَّالِثَةِ وَيَرْجِعَ إِلَى الثَّانِيَةِ وَيسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، أَوْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَاخْتَارَ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا
وقال آخرون: إن كانت صلاة فَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ لَيْلٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إِلَى الثَّانِيَةِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ فِي ارْتِفَاعِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْجُلُوسِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا وَقَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَظَرَ فِي حَالِهِ، فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ فَأَتَى بِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ مَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يَعُودُ إِلَيْهِ فِي الْحَالَتَيْنِ
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَعُودُ إِلَيْهِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ؛ لِرِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّانِيَةِ إِلَى الثَّالِثَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا رَجَعَ وَجَلَسَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنِ اسْتَوَى قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ "، وَلِأَنَّهُ إِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا فَقَدْ حَصَلَ فِي فَرْضٍ فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِمَسْنُونٍ وَمَا لَمْ يَعْتَدِلْ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي فَرْضٍ فجاز له الرجوع إلى المسنون
(فصل)
: فإن صح أنه يعود إليه قبل انتصاب وَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ بَعْدَ انْتِصَابِهِ فَانْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ

(2/218)


وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ مِقْدَارَ جَوَازِهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ أَتَى بِعَمَلٍ طَوِيلٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِعَمَلِهِ مُنَافَاةَ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَنْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ، فَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا فَعَادَ إِلَى الْجُلُوسِ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ، لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَفْعَالِهَا، فَلَوِ اتَّبَعُوهُ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، فَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ ذَلِكَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ فَعَادَ إِلَى جُلُوسِهِ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ مَا لَمْ يَنْتَصِبُوا، فَإِنْ كَانُوا قَدِ انْتَصَبُوا فِي الْقِيَامِ قَبْلَ انْتِصَابِ الْإِمَامِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَتْبَعُونَهُ فِي الْجُلُوسِ، لِأَنَّهُ يَتَقَابَلُ عَلَيْهِمْ فَرْضَانِ فَرْضُ أَنْفُسِهِمْ وَمُتَابَعَةُ إِمَامِهِمْ فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُ فَرْضِهِمْ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِمْ
وَالْوَجْهِ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ إِمَامِهِمْ فِي الْجُلُوسِ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ؛ كَمَا لَوْ أَدْرَكُوهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَزِمَهُمُ الْجُلُوسُ مَعَهُ فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَرْضِهِمُ اتِّبَاعٌ لِإِمَامِهِمْ كَذَلِكَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ ومتابعته في الجلوس

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ جَلَسَ فِي الْأُولَى فَذَكَرَ قَامَ وَبَنَى وعليه سجدتا السَّهْوِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا جَلَسَ فِي الْأُولَى مُسْتَرِيحًا أَوْ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَلَسَ فِيهَا لِلتَّشَهُّدِ نَاسِيًا يَظُنُّهَا ثَانِيَةً فَلْيَقُمْ إِلَى الثَّالثةِ، وَيَجْلِسْ فِيهَا لِلتَّشَهُّدِ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَيسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ سَلَامِهِ، لِأَنَّهُ نَقَلَ سُنَّةً عَلَى الْبَدَنِ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْبِنَاءِ وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِمَا أَوْقَعَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي صَلَاتِهِ
وَأَصْلُ ذلك: قصة ذي اليدين
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ ناسٍ لسجدةٍ مِنَ الْأُولَى بَعْدَمَا اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلْيَسْجُدْ لِلْأُولَى حَتَّى تَتِمَّ قَبْلَ الثَّانِيَةِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ قَامَ إِلَى رَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَجْدَةً نَاسِيًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الَّتِي نَسِيَهَا سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ رَاكِعًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَفْعَالِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ " فَإِذَا أَرَادَ السجود فهل يجلس قبل سجوده أما لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَجْلِسَ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَوَاءٌ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ

(2/219)


أَمْ لَا، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالسُّجُودِ عُقَيْبَ الْجُلُوسِ فَإِذَا عَقَّبَ جُلُوسَهُ بِالْقِيَامِ لَمْ يُجْزِهِ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ لِيَكُونَ السُّجُودُ عُقَيْبَهُ كَالسَّعْيِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى عُقَيْبِ الطَّوَافِ، فَلَوْ طَافَ وَصَبَرَ زَمَانًا ثُمَّ أَرَادَ السَّعْيَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الطَّوَافَ، ثُمَّ يُعْقِبُهُ السَّعْيَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ بَلْ يَنْحَطَّ مِنْ فَوْرِهِ سَاجِدًا سَوَاءٌ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْجِلْسَةَ غي مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا أُزِيدَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السجدتين، والقيام فاصل ينهما ونائب عن الجلسة
الوجه الثَّالِثُ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ انْحَطَّ سَاجِدًا مِنْ فَوْرِهِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ جَلَسَ عَادَ فَجَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ مَقْصُودٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " فَإِذَا فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَتُهُ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ وُجُوبِ تَعَقُّبِ السَّجْدَةِ بِالْجُلُوسِ فَفَاسِدٌ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ سَهْوَهُ عَنِ السَّجْدَةِ حَتَّى يَسْجُدَ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ تُجْزِئُهُ عَنِ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُقَيْبَ جُلُوسٍ وَإِنْ ذَكَرَ فَرَقًا، فَإِنَّ الْفَرَقَ اعْتِذَارٌ بَعْدَ وُجُودِ النَّقْصِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَصَحُّ الْوُجُوهِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَانْحَطَّ سَاجِدًا مِنْ فَوْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ قَبْلَ قِيَامِهِ عَادَ فَجَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهَا الْجِلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: لَا تَنُوبُ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ هَذِهِ فَرِيضَةٌ وجلسة الاستراحة والنفل سنة، والنفل لا تنوب مَنَابَ الْفَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً وَسَجَدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَمْ تَنُبْ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ تَنُوبُ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الصلاة تبسط على أفعالها، وليس يلزمه تَحْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا، فَإِذَا وَجَدَ الْفِعْلَ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَهَيْئَتِهِ قَامَ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى صِفَتِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْوَجْهَ فَرَّقَ بَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَنُوبُ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ وَبَيْنَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي أَنَّهَا تَنُوبُ عَنْ جُلُوسِ الْفَرْضِ بِأَنْ قَالَ: سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَارَضٌ، وَالْعَارِضُ لَا يَنُوبُ عَنِ الرَّاتِبِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ رَاتِبَةٌ فَجَازَ أَنْ تَنُوبَ عَنِ الرَّاتِبِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الثَّانِيَةِ أنه نسي سجدة ن الْأُولَى، فَإِنَّ عَمَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ، فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتِ الْأُولَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ، وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ "

(2/220)


قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ ثُمَّ جَلَسَ فِيهَا مُتَشَهِّدًا وَذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَجْدَةً نَاسِيًا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الثانية مُلْغًى كَلَا عَمَلٍ إِلَّا سَجْدَةً يَجْبُرُ بِهَا الْأُولَى، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِبَاقِي صَلَاتِهِ وَيسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ سَلَامِهِ
وَقَالَ مَالِكٌ: يُلْغِي مَا فعله في الأولى ويكون عمله فيها كل عَمَلٍ لِتَكُونَ الثَّانِيَةُ لَهُ أُولَى، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ قِيَامَهُ إِلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ كَمَالِ الْأُولَى يبطل ما فعله فيها من قيامه وَرُكُوعٍ وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَوَجَبَ إِذَا سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ فِيهَا مَصْرُوفًا إِلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِبُطْلَانِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِسَجْدَةٍ مِنَ الثَّانِيَةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا مَجْبُورَةٌ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ السَّجْدَةَ فِي قِيَامِهِ انْحَطَّ مِنْ فَوْرِهِ سَاجِدًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَجْبُورَةٌ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ السَّجْدَةَ فِي قِيَامِهِ انْحَطَّ مِنْ فَوْرِهِ سَاجِدًا مِنْهَا فِي قِيَامِهِ وَعَادَ جَالِسًا ثُمَّ سَجَدَ والوجه فِي قِيَامِهِ انْحَطَّ مِنْ فَوْرِهِ سَاجِدًا مِنْهَا فِي قِيَامِهِ وَعَادَ جَالِسًا ثُمَّ سَجَدَ. وَالْوَجْهُ الثالث: أنه كَانَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ فَهِيَ مَجْبُورَةٌ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْلِسْ فَهِيَ مَجْبُورَةٌ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى المذهب الثالث

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ ركعةٍ فَإِنَّ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إِلَّا سَجْدَةً وَعَمَلُهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عملٍ، فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةٍ كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتِ الْأُولَى وَبَطَلَتِ الثَّانِيَةُ وَكَانَتِ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فلما قدم فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثَالِثَةً كَانَ عَمَلُهُ كَلَا عَمَلٍ فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثَّانِيَةِ فَتَمَّتِ الثَّانِيَةُ وَبَطَلَتِ الثَّالِثَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ رَابِعَةً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَعَلَى هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَالَّذِي يَحْصُلُ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَكْعَتَانِ رَكْعَةٌ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَرَكْعَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إلا سجدة، وعلمه فِي الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ إِلَّا سَجْدَةً تُضَمُّ إِلَى الْأُولَى فَيَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ، وَعَمَلُهُ فِي الثَّالِثَةِ صَحِيحٌ إِلَّا سَجْدَةً وَهِيَ فِي التَّقْدِيرِ ثَانِيَةٌ وَعَمَلُهُ فِي الرَّابِعَةِ بَاطِلٌ إِلَّا سَجْدَةً تُضَمُّ إِلَى الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ الثَّانِيَةُ فَيَتِمُّ لَهَا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فَيَصِيرُ لَهُ رَكْعَتَانِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ قَامَ مَقَامَ تَشَهُّدِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ تَشَهَّدَ فِي الثَّانِيَةِ وَقَامَ فيأتي الركعتين تَمَامَ صَلَاتِهِ وَتَشَهَّدَ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ

(2/221)


وَقَالَ أبو حنيفة: يَأْتِي بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَيُجْزِئُهُ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا " قَالَ: وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرَ قال: ولأن كلما يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ التَّكْرَارِ لَا يُعْتَبَرُ التَّرْتِيبُ فِي فِعْلِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا تَرَكَ صَوْمَ اليوم الأولى مِنْهُ وَصَامَ الثَّانِيَ لَمْ يَقَعْ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَوَقَعَ عَنِ الثَّانِي؛ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا عَنِ اتِّبَاعِهِ فِي الْأُولَى حَتَّى دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ صَلَّاهَا مَعَهُ وَصَحَّتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لَهُ وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ الْأُولَى، كَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً جَازَ أَنْ تَصِحَّ لَهُ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ سَجْدَةٍ مِنَ الْأُولَى
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ " وَمَعْنَاهُ: لَا رَكْعَةَ ثَانِيَةً لِمَنْ عَلَيْهِ أُولَى، وَلِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ كَمَالِ الْأُولَى فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَدَّ لَهُ بِالثَّانِيَةِ قَبْلَ كَمَالِ الْأُولَى
أَصْلُهُ إِذَا تَرَكَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سجدتين، لأنه واقفنا أَنْ يَجْبُرَ سَجْدَتَيْنِ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ تَرْتِيبٍ إِذَا تَرَكَهُ عَامِدًا لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ إِذَا تَرَكَهُ نَاسِيًا
أَصْلُهُ إِذَا تَقَدَّمَ الرُّكُوعُ عَلَى السُّجُودِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا شُرِطَ فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الذِّكْرِ لَمْ يَسْقُطْ بِالسَّهْوِ كَالطَّهَارَةِ
فَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْخَبَرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَضَاءَ مَا فَاتَ، وَالَّذِي فَاتَهُ عِنْدَنَا رَكْعَتَانِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مَا يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ التَّكْرَارِ يَسْقُطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، فَفَاسِدٌ بِالرُّكُوعِ يَتَكَرَّرُ فِي الرَّكَعَاتِ ثُمَّ التَّرْتِيبُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَوْ تُرِكَ تَرْتِيبُهُ عَامِدًا لَمْ يَبْطُلْ مَا صَامَهُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا بَطَلَتْ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الرَّكْعَةَ أَوْكَدُ مِنَ السَّجْدَةِ فَمُنْكَسِرٌ بِهِ إِذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا، لِأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهَا تَكُونُ لَهُ أُولَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ

(فَصْلٌ)
: وَإِذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ سَلَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً لَا يَدْرِي كَيْفَ تَرَكَهَا فَإِنَّهُ يُنْزِلُ ذَلِكَ عَلَى أَسْوَإِ أَحْوَالِهِ وَيَعْمَلُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِيهِ، فَأَحْسَنُ حَالَتِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَهَا مِنَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَتَصِحُّ لَهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إِلَّا سَجْدَةً، فَأَسْوَأُ حَالَتِهِ أَنْ يكون قد تركها من أحد الركعات الثلاث، وإما الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ، أَوِ الثَّالِثَةُ فَتَصِحُّ لَهُ على العبرة المتقدمة ثلاث ركعات فيبني عليه وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ لا يدي كيف تركها، فَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَهَا مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَصِحُّ لَهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ يَأْتِي بِهِمَا وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنَ الْأُولَى سَجْدَةً وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ كَامِلًا وَتَرَكَ

(2/222)


من الثالثة سجدة وأتى بالرابعة كملاً فَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ مَجْبُورَةٌ بِالرَّابِعَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ تَمَامِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ لَا يَدْرِي كَيْفَ تَرَكَهُنَّ فَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنَ الثَّالِثَةِ سَجْدَةً وَمِنَ الرَّابِعَةِ سَجْدَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إِلَّا سَجْدَةً وَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنَ الْأُولَى سَجْدَةً وَأَتَى بِالثَّالِثَةِ كَامِلًا وَتَرَكَ مِنَ الثَّالِثَةِ سَجْدَةً وَمِنَ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً؛ فَتَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِالرَّابِعَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ تَمَامِ صَلَاتِهِ
فَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ لَا يَدْرِي كَيْفَ تَرَكَهُنَّ، فَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنَ الثَّالِثَةِ سَجْدَتَيْنِ وَمِنَ الرَّابِعَةِ سَجْدَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ، وَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ مِنَ الْأُولَى سَجْدَةً وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ كَامِلًا وَلَمْ يَأْتِ فِي الثَّالِثَةِ بِسُجُودٍ أَصْلًا وَتَرَكَ مِنَ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً فَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ إِلَّا سَجْدَةً الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِالثَّانِيَةِ وَرُكُوعِ الثَّالِثَةِ مَعَ سَجْدَةٍ مِنْ سَجْدَتَيِ الرَّابِعَةِ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ تَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ تَمَامِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا وَغَيْرِهِ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَمَا زَادَ
وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ سَلَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً لُفِّقَ لَهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ مَجْبُورَةٌ بِالرَّابِعَةِ وَإِنَّمَا احْتُسِبَ لَهُ بِسُجُودِ الرَّابِعَةِ وَإِنْ فَعَلَهَا نَاسِيًا، لِأَنَّهُ فَعَلَهَا قَاصِدًا بِهَا الْفَرِيضَةَ نَاسِيًا أَنَّهَا رَابِعَةٌ فَلِذَلِكَ مَا حُسِبَتْ لَهُ مِنْ فَرِيضَةٍ وَكَانَتْ عَمَّا تَرَكَهُ بِسَهْوِهِ، وَلَكِنْ لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً وَكَانَ قَدْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ سَجْدَةً لَمْ تَنُبْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ، لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ سُنَّةٌ غَيْرُ رَاتِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَنُبْ عَنِ الْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ فِي صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ وَكَانَ قَدْ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ لَمْ تَنُبْ عَنْ فَرْضِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ سُجُودِ السَّهْوِ سُنَّةً مَقْصُودَةً فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَنُوبَ عَنِ الْفَرْضِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا شَكَّ هَلْ سَهَا فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا زَائِدًا مِثْلَ كَلَامٍ، أَوْ سَلَامٍ، أَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ، أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً زَائِدَةً أَوْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ؟ فَشَكُّهُ مُطْرَحٌ، وَمَا تَوَهَّمَهُ مِنَ السَّهْوِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ، وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ " وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ إِلْيَتَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا " فَأَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى يَقِينِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ فِي الطَّلَاقِ، أَوْ فِي الْعِتْقِ طُرِحَ شَكُّهُ، وَبُنِيَ عَلَى الْيَقِينِ أَمْرُهُ كَذَلِكَ إِذَا شَكَّ فِي السَّهْوِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ نَظَرَ فِي حَالِهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ جَهِلَ جَوَازَهُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ لِأَجْلِ مَا فَعَلَهُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّكُّ هَلْ أَتَى بِالتَّشَهُّدِ الْأُولَى، أَوْ هَلْ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ؟ أَوْ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لَا؟ أَوْ هَلْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ؟

(2/223)


فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِي فِعْلِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ " فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مُطْرَحًا وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَاجِبٌ، وَالْيَقِينُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شَكَّ بِالْإِتْيَانِ بِهِ

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنِ اسْتَيْقَنَ السَّهْوَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ سَجَدَ للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة أو سجدتين سجد أخرى "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَتُهَا فِي رَجُلٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ مِثْلُ سَلَامٍ، أَوْ كَلَامٍ، أَوْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوْ قُنُوتٍ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَتَى بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَجْلِهِ أَمْ لَا؟ فَهَذَا شَكٌّ حَصَلَ في نصان فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهَا لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِهَا

(فَصْلٌ)
: وَلَوْ سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَأَنْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ أَوْ قَامَ سَاهِيًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي حُكْمِ هَذَا السَّهْوِ، وَلَكِنْ مَذْهَبُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ أنَّهُ لَا حُكْمَ لِهَذَا السَّهْوِ؛ بَلْ يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُسَلِّمُ، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ نَفْسَهُ جُبْرَانٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى جُبْرَانٍ كَصَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ لَمَّا كَانَ جُبْرَانًا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى جُبْرَانٍ فِي تَأْخِيرِهِ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُبْرَانٍ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَحْدَهُ: يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّهْوِ فِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ السَّجْدَةُ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ نَائِبَةً عَنِ السَّهْوِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي سُجِدَتِ الثَّانِيَةُ نَائِبَةً عَنِ السَّهْوِ الثَّانِي، وَنَظِيرُهُ الْمُعْتَدَّةُ إِذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا قُرْءٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ فَالْقُرْءُ الْأَوَّلُ نَائِبٌ عَنِ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي نَائِبٌ عَنِ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ يَصِحُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ، فَأَمَّا مَعَ فَسَادِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا، فَأَمَّا إِذَا سَهَا بعد فراغه من سجود السهو قبل سَلَامِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، لِأَنَّ السَّهْوَ لَمْ يَقَعْ فِي الْجُبْرَانِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ جُبْرَانِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَكَانَ بِالسَّاهِي قبل سجوده أشبه
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ سَهَا سَهْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَا السَّهْوِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَثُرَ سَهْوُهُ فِي صَلَاتِهِ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ سَهْوِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَيْهِ لِكُلِّ سهو سجدتان

(2/224)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ نَابَتِ السَّجْدَتَانِ عَنْ جَمِيعِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ؛ وَاسْتَدَلُّوا بِرِوَايَةِ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ "، وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ لَمْ يَتَدَاخَلْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ جُبْرَانُهُ كَالنَّقْصِ الْمَجْبُورِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ نَاسِيًا، وَتَكَلَّمَ نَاسِيًا، وَمَشَى نَاسِيًا، ثَمَّ سَجَدَ لِكُلِّ ذَلِكَ سَجْدَتَيْنِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَمَّا أُخِّرَ عَنْ سَبَبِهِ وَجُعِلَ مَحَلُّهُ آخِرَ الصَّلَاةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ نِيَابَتِهِ عَنْ جَمِيعِ السَّهْوِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ وَجَبَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ لَوَجَبَ أَنْ يُفْعَلَا عُقَيْبَ السَّهْوِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَمَّا تَكَرَّرَ جُعِلَ مَحَلُّهُ عُقَيْبَ سَبَبِهِ، فَلَمَّا كَانَ سُجُودُ السَّهْوِ مُخَالِفًا لَهُ فِي مَحَلِّهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ فِي حُكْمِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ لِكُلِّ سَهْوٍ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَتَانِ، لِأَنَّ " كُلَّ " لَفْظَةٍ تَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْوِيَةُ الْحُكْمِ بَيْنَ قَلِيلِ السَّهْوِ وَكَثِيرِهِ، وَصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ فِي أَنَّ فِيهِ سُجُودَ السَّهْوِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّمَا تَكَرَّرَ جُبْرَانُهُ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ عُقَيْبَ سَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الجبر أن الواحد نائباً عَنْ جَمِيعِهِ، وَلَمَّا كَانَ سُجُودُ السَّهْوِ مُؤَخَّرًا عَنْ سَبَبِهِ كَانَ نَائِبًا عَنْ جَمِيعِهِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا سَهَا عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَوْ ذِكْرٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، أَوْ فِي جَهْرٍ فِيمَا يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يَجْهَرُ فَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ إِلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ
أَمَّا قَصْدُ الشَّافِعِيِّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانَ مَا يَجِبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَجُمْلَتُهُ ضَرْبَانِ:
أحدهما: ما وجب لزيادة، فَمِثْلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ نَاسِيًا، أَوْ يَرْكَعَ رُكُوعَيْنِ، أَوْ يَقُومَ إِلَى خَامِسَةٍ أَوْ يَتَشَهَّدَ فِي ثَالِثَةٍ نَاسِيًا فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
أَصْلُهُ قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ
وَأَمَّا مَا وَجَبَ لِنُقْصَانٍ فَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ رُكْنًا مفروضاً
" قراءة الْفَاتِحَةِ "، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَرُكْنٌ مَفْرُوضٌ غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَالْإِحْرَامُ، لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الصلاة

(2/225)


وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ مَسْنُونًا مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَ يُمْنَعُ لِمَحَلِّهِ، وَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في التشهد الأولى فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: سُنَّةٌ فَيَسْجُدُ لِتَرْكِهَا سُجُودَ السَّهْوِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهَا
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ هَيْئَةً لِفِعْلٍ، أَوْ تَبَعًا لِمَحَلٍّ فَأَمَّا مَا كَانَ تَبَعًا لِمَحَلٍّ، كَالتَّوَجُّهِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَبَعٌ لِمَحَلِّهِ، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، وَمَا كَانَ هَيْئَةً لِفِعْلٍ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ، وَالتَّوَرُّكِ فِي الْجُلُوسِ الثَّانِي، وَالْجَهْرِ فِيمَا يُسَرُّ وَالْإِخْفَاءِ فِيمَا يُجْهَرُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَنَظَائِرُهُ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَوَافَقَنَا أبو حنيفة فِي جَمِيعِهِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوْجَبَ فِيهَا سُجُودَ السَّهْوِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَالْجَهْرُ فِيمَا يُسَرُّ، وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يُجْهَرُ إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ
وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي تَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ ثَوْبَانَ " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ "
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ رِوَايَةُ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَكَانَ يسمع أحياناً للآية الآيتين "
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُسَرُّ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَمَّا فَرَغَ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: " فَلَا بَأْسَ إِذًا "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَارَ فِيمَا يُجْهَرُ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَلِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يُوجِبَ سُجُودَ السَّهْوِ كَالْمُنْفَرِدِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ هُوَ أَنَّهُ تَكْبِيرٌ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَقِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَاتِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا سُجُودَ في قراءة السورة هو أنه ذكر مفعول فِي حَالِ الِانْتِصَابِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَوَجَبَ أن لا يلزم فِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَالتَّوَجُّهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ، فَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَمَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَهْوٍ دُونَ سَهْوٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عليه "، فأما قوله الشَّافِعِيِّ: " وَلَا سُجُودَ إِلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ ": أَرَادَ بِهِ لَا سُجُودَ فِي

(2/226)


الذِّكْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ مَقْصُودًا بِهِ عَمَلُ الْبَدَنِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقُعُودَ فِيهِ مِنْ أَجْلِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ فإن ذكر قَرِيبًا أَعَادَهَا وَسَلَّمَ وَإِنْ تَطَاوَلَ لَمْ يُعِدْ "
قال الماوردي: وأصله هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ عِنْدَنَا سُنَّةٌ
وَقَالَ أبو حنيفة: وَاجِبٌ، لَكِنْ لَا يَقْدَحُ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَ دَاوُدُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ سُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ "، وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ جُبْرَانُ نَقْصٍ فِي عِبَادَةٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَالْحَجِّ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن عَلَى الْيَقِينِ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتْ تَمَامًا لِصَلَاتِهِ وَكَانَتِ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ "
وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَنُوبُ عَنِ الْمَسْنُونِ دُونَ الْمَفْرُوضِ، وَالْبَدَلُ فِي الْأُصُولِ عَلَى حَكْمِ مُبْدَلِهِ أَوْ أَخَفُّ، فَلَمَّا كَانَ الْمُبْدَلُ مَسْنُونًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مُسَنُونًا وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ ثَبَتَ فِعْلُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْنُونًا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ " فَظَاهِرُهُ الْأَمْرُ، لَكِنَّ صَرْفَنَا عَنْهُ بِصَرِيحِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ نَفْلًا
أما الْحَجُّ فَلَمَّا وَجَبَ جُبْرَانُهُ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ وَاجِبٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ، فَإِذَا تَمَهَّدَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ سُجُودِ السَّهْوِ مَسْنُونًا فَمَحَلُّهُ فِي الِاخْتِيَارِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ فِعْلِهِ عَامِدًا، أَوْ نَاسَيًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا سَجَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ بَعِيدًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ: لَا يَسْجُدُهُمَا وَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ صَلَاتِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَلِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْلَى
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ يَسْجُدُهُمَا، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ قِيَاسًا عَلَى جُبْرَانِ الْحَجِّ وَرَكْعَتِيِ الطَّوَافِ، لِأَنَّ الدِّمَاءَ الْوَاجِبَةَ فِي الْحَجِّ زَمَانُهَا يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ لَمْ تَسْقُطْ بِالتَّأْخِيرِ كَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ

(2/227)


(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ سَهَا خَلْفَ إِمَامِهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ حُكْمُ سَهْوِهِ خَلْفَ إِمَامِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ " يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ضُمَنَاءُ السَّهْوِ؛ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ شَمَّتَ عَاطِسًا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فما فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِسَهْوِهِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مَسْنُونٌ، وَالْإِمَامُ قَدْ يَتَحَمَّلُ عَنِ المأموم المسنون ألا ترى أن المأمون لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّى بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَانَتْ لَهُ ثَانِيَةً، ثُمَّ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّشَهُّدِ وَاتِّبَاعُ إِمَامِهِ، وَيَكُونُ الْإِمَامُ قَدْ يَحْمِلُ عَنْهُ التَّشَهُّدَ فَكَذَلِكَ فِي السَّهْوِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ ركناً واجباً كان يتحمل السهو أولى
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ سَهَا إِمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ
وَهُوَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَهَا تَعَلَّقَ سَهْوُهُ بِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَلَزِمَهُ السُّجُودُ مَعَهُ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الإمام ضامن فما صنع فاصنعوا "
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا "، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي سُجُودِ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَهَا فِي صَلَاةٍ فَسَجَدَ لِسَهْوِهِ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ سَهْوُهُ بِالْإِمَامِ جَازَ أَنْ يُلْحِقَهُ سَهْوَ الْإِمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ بِالِائْتِمَامِ لَزِمَهُ بِالِائْتِمَامِ مَا لَا يَلْزَمُهُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَهُ سَاجِدًا، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مَحْمُولَةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي حُكْمِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ سَهَا خَلْفَ إِمَامِهِ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ السَّهْوِ لِكَمَالِ صَلَاةِ إِمَامِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَدْخُلَ النَّقْصُ فِي صَلَاتِهِ بِدُخُولِ النَّقْصِ فِي صَلَاةِ إمامه
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إِمَامُهُ سَجَدَ مِنْ خَلْفِهِ "
وَهَذَا كَمَا قَالَ
إِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ إِمَّا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، فَعَلَى الْمَأْمُومِينَ سُجُودُ السَّهْوِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ إِذَا لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ، وبه قال المزني، وأبو حفص ابن الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ بِأَنْ قَالَ الْمَأْمُومُ لَمْ يَسْهُ فِي صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا سَجَدَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ سَقَطَ حكم الاتباع

(2/228)


وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْوَكِيلِ بِأَنْ قَالَ: الْمَأْمُومُ قَدْ تَرَكَ الْمَسْنُونَ إِذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ قَامَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، فَكَذَلِكَ يَتْرُكُ سُجُودَ السَّهْوِ لِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ، وَهَذَا خطأ
والدليل على خطأه أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَمُتَّصِلَةٌ بِهَا فِي إِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَسُقُوطِ سَهْوِهِ بِكَمَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ الدَّاخِلُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ دَاخِلًا فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَإِذَا كَانَ النَّقْصُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ جُبْرَانُهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا يَلْزَمُهُ جُبْرَانُهُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ إِمَامِهِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ يَسْجُدُ معه لجبران صلاته من النقض الدَّاخِلِ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاةِ إِمَامِهِ فَسَقَطَ اسْتِدْلَالُهُ بها
أما قَوْلُ ابْنِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ يَتْرُكُ التَّشَهُّدَ اتِّبَاعًا لِإِمَامِهِ فَكَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ فَرْضٌ، وَالتَّشَهُّدَ نَفْلٌ فَلَمْ يَجُزِ الْفَرْضُ بِالنَّفْلِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الِاتِّبَاعِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ جُبْرَانِ صَلَاتِهِ تَرْكٌ لِفَرْضِ اتِّبَاعِهِ فَلِذَلِكَ أَتَى بِهِ

(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَهُ إِمَامُهُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَجَدَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ اتِّبَاعًا لِإِمَامِهِ لَا لِمَا يبقى من صلاته (قال المزني) القياس على أصله أنه إنما أسجد معه ما ليس من فرضي فيما أدركت معه اتباعاً لفعله فإذا لم يفعل سقط عني اتباعه وكل يصلي عن نفسه "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامٍ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَسَهَا الْإِمَامُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا السَّهْوُ مُتَعَلِّقًا بِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْإِمَامُ حِينَ تَمَّمَ صَلَاتَهُ مِمَّنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ قَامَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَأَتَى بِهِ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يتبع فِي سُجُودِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ تَبِعَهُ فَسَجَدَ مَعَهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِبَاقِي صَلَاتِهِ، فَإِذَا تَمَّمَ صَلَاتَهُ سَجَدَ حِينَئِذٍ لِلسَّهْوِ قَبْلَ سَلَامِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ قَدْ سَهَا فِيمَا قَضَاهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَجْدَتِيِ السَّهْوِ تُجْزِئُهُ عَنْ سَهْوِهِ وَسَهْوِ إِمَامِهِ، لِأَنَّ جَمِيعَ السَّهْوِ يُجْبَرُ بِسَجْدَتَيْنِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ لِسَهْوِ إِمَامِهِ سَجْدَتَيْنِ فَيَأْتِي بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، لِأَنَّهُمَا سَهْوَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالْحُدُودِ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَدَاخَلَتْ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسَيْنِ لَمْ تَتَدَاخَلْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا يَمْنَعُ مِنْ تَدَاخُلِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ

(2/229)


يَكُونَ تَغَايُرُهُمَا يَمْنَعُ مِنْ تَدَاخُلِهِمَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا لِزِيَادَةٍ، وَالْآخَرُ لِنُقْصَانٍ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَدَاخُلِ السَّهْوِ مَعَ التَّغَايُرِ دَلِيلٌ عَلَى تَدَاخُلِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَعَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَهُ فِي السُّجُودِ فَيَسْجُدَ مَعَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَأْمُومُ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ هَلْ يُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، لَا يَقْضِي، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إِنَّمَا لَزِمَهُ بِاتِّبَاعِ إِمَامِهِ، فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ السُّجُودَ كَأَنْ قَدْ جَبَرَ التَّشَهُّدَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لَأَنَّ جُبْرَانَ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ لَا غَيْرَ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَدْ لَزِمَهُ بِسَهْوِ إِمَامِهِ، وَمَحَلُّهُ آخِرَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ فِعْلُهُ فِي مَحَلِّهِ، وَمَا فَعَلَهُ خَلْفَ إِمَامِهِ، وَإِنَّمَا فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لَهُ وَقَدْ يَتْبَعُ إِمَامَهُ فِيمَا لَا يَحْتَسِبُ لَهُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ فِيمَا قَضَاهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فإن قيل: لا يعود سُجُودَ السَّهْوِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ يُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ كَانَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ
وَالثَّانِي: سَجْدَتَيْنِ

(فَصْلٌ)
: وَإِذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَسَهَا فِيهَا ثُمَّ عَلَّقَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمُ سَهْوِ الْإِمَامِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمُ هَذَا السَّهْوِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ سَهْوِ الْإِمَامِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَسْقُطُ عَنْهُ السَّهْوُ بِالِائْتِمَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى رَكْعَةً وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حُكْمُ هَذَا السَّهْوِ بِاتِّبَاعِ إِمَامِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ سَهْوُ إِمَامِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ مَعَهُ اتِّبَاعًا لَهُ، فَإِذَا قَامَ مَعَهُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ لَمْ يُعِدْ، وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بِحَالٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمُ هَذَا السَّهْوِ، لِأَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِصَلَاتِهِ الْحُكْمُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَمَّا كَانَ النَّقْصُ دَاخِلًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَهْوِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ قَضَاءِ ما عليه، وإن سجد قبل السلام سجد مَعَهُ ثُمَّ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، فَأَمَّا إِذَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَصَلَّى الْإِمَامُ خَمْسًا سَاهِيًا فَتَبِعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِسَهْوِهِ أَجْزَأَتِ الْمَأْمُومَ صَلَاتُهُ، فَإِنْ تَبِعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ،

(2/230)


وَلَوْ أَنَّ إِمَامًا مُسَافِرًا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ يَنْوِي الْقَصْرَ فَصَلَّى أَرْبَعًا سَاهِيًا لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّائِدِ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ ذَكَرَ سَهْوَهُ وَهُوَ فِي الثَّالِثَةِ عَادَ جَالِسًا وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَعَلَيْهِمُ اتِّبَاعُهُ إِذَا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ مَا لَمْ يَعْلَمُوا بِخِلَافِ قِيَامِهِ إِلَى الْخَامِسَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قِيَامِهِ إِلَى الثَّالِثَةِ أنه أحدث فيه الإتمام، فإن علموا أنه قام ساهياً غيرنا وإتمام صَلَاتِهِ لَمْ يَتْبَعُوهُ، فَإِنْ تَبِعُوهُ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُسَافِرِينَ فَرْضُهُمْ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ مُقِيمِينَ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا وَصَارُوا فِي اتِّبَاعِهِمْ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ لَوْ قام إلى الخامسة

(مسألة)
: قال المزني: " سمعت الشافعي رحمه الله يقول إذا كانت سجدتا السهو بعد التسليم تَشَهَّدَ لَهُمَا وَإِذَا كَانَتَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَجْزَأَهُ التشهد الأول (قال الشافعي) فإذا تكلم عامداً بطلت صلاته وإن تكلم ساهياً بنى وسجد للسهو لأن أبا هريرة رضي الله عنه روى عن رسول الله أنه تكلم بالمدينة ساهياً فبنى وكان ذلك دليلاً على ما روى ابن مسعود من نهيه عن الكلام في الصلاة بمكة لما قدم من أرض الحبشة وذلك قبل الهجرة وأن ذلك على العمد (قال الشافعي) وأحب سجود الشكر ويسجد الراكب إيماء والماشي على الأرض ويرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر ولا يسجد إلا طاهراً (قال المزني) وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه رأى نغاشاً فسجد شكراً لله وسجد أبو بكر حين بلغه فتح اليمامة شكراً (قال المزني) النغاش الناقص الخلق "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ، لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، فَأَمَّا إِنْ سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ سُجُودِهِ وَيُسَلِّمُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، أَوْ كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَأَخَّرَهُ سَاهِيًا
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ كَانَ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَأَخَّرَهُ سَاهِيًا لَمْ يَتَشَهَّدْ وَلَمْ يُسَلِّمْ، بَلْ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لَا غَيْرَ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلم فِي ثَلَاثٍ مِنَ الْعَصْرِ نَاسِيًا حَتَى أَخْبَرَهُ " الْخِرْبَاقُ " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ، ثُمَ يُسَلِّمُ، وَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنْ يَكُونَ بِتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ فَوَجَبَ أَنْ يَصِلَهُ بِذَلِكَ إِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ مَضَى حُكْمُهُ، وَأَمَّا سُجُودُ الشُّكْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -

(2/231)