الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

 (بَابُ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ)
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ أَنْ يُحْرِمَ وَيَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ " بِسْمِ الله الرحمن الرحيم " إن أحسنها ويركع حتى يطمئن راكعاً ويرفع حتى يعتدل قائماً ويسجد حتى يطمئن ساجداً على الجبهة ثم يرفع حتى يعتدل جالساً ثم يسجد الأخرى كما وصفت ثم يقوم حتى يفعل ذلك في كل ركعة ويجلس في الرابعة ويتشهد ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويسلم تسليمة يقول: " السلام عليكم " فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته وضيع حظ نفسه فيما ترك "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّمَا أَفْرَدَ الشَّافِعِيُّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ ذَكَرَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي جُمْلَةِ سُنَنٍ وَهَيْئَاتٍ فَأَحَبَّ إِفْرَادَهَا بِاخْتِصَارٍ وَإِحْصَاءٍ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِاحْتِيَاطِ وَالتَّعْرِيفِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَغْفَلَ ذِكْرَ النِّيَّةِ فِي الْفُرُوضِ وَهِيَ الْعُمْدَةُ وَالْمَدَارُ؟ قِيلَ: لِأَصْحَابِنَا عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُفْعَلُ بِجَوَارِحِ الْبَدَنِ لَا جَارِحَةِ الْقَلْبِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: وَأَقَلُّ مَا يُجَزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ مَذْكُورَةٌ فِيمَا أَوْرَدَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ أَنْ يُحْرِمَ، وَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا قَطُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ: شَرَائِطُ وَأَفْعَالٌ
فَالشَّرَائِطُ مَا يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، وَالْأَفْعَالُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ
(شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ)

فَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَخَمْسَةٌ:
الأول: طهارة الأعضاء من نجس وحدث
الثاني: ستر العورة بلباس طاهر
الثالث: فعل الصلاة على مكان طاهر
الرابع: العلم بدخول الوقت
الخامس: استقبال القبلة

(2/232)


وأما أفعال الصلاة وفرائضها خمس عشرة:
الأول والثاني: تكبيرة الإحرام مع النية
الثالث: القيام
الرابع: قراءة الفاتحة يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم
الخامس: الركوع
السادس: الطمأنينة فيه
السابع: الرفع من الركوع
الثامن: الاعتدال فيه
التاسع: السجود
العاشر: الطمأنينة فيه
الحادي عشر: الجلسة بين السجدتين
الثاني عشر: الطمأنينة فيها
الثالث عشر: التشهد الأخير والقعود فيه
الرابع عشر: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الخامس عشر: التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى، وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَسُنَنٌ وَهَيْئَاتٌ، فَمَنْ أَتَى بِهَا فَقَدْ فَعَلَ فَضْلًا وَحَازَ أَجْرًا، وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ ضَيَّعَ حَظَّ نَفْسِهِ فِي رَغْبَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْفَضْلِ، وَصَلَاتُهُ مجزئة والله تعالى أعلم

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ مَكَانَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ قَرَأَ بِقَدْرِهَا سَبْعَ آيَاتٍ لَا يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، مَضَى الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إِذَا كَانَ يُحْسِنُهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا قَرَأَ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاتِهِ بَدَلًا مِنَ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا قَرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَبْعُ آيَاتٍ مِثْلُ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ، وَأَعْدَادِ حُرُوفِهَا لِيَكُونَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا لِمُبْدَلِهِ، وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَعْدَادِ الْآيِ وَأَعْدَادِ الْحُرُوفِ، فَلَمَّا لَمَّ يَجُزِ النُّقْصَانُ مِنْ عَدَدِ الْآيِ لَمْ يَجُزِ النُّقْصَانُ مِنْ عَدَدِ الْحُرُوفِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَدَدِ الْآيِ دُونَ الْحُرُوفِ، فَإِذَا قَرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ طِوَالًا كُنَّ أَوْ قِصَارًا أَجْزَأَتْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً عَدَدُ حُرُوفِهَا كَعَدَدِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَجُزْ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَدَ الْآيِ مُعْتَبَرٌ دُونَ عَدَدِ الْأَحْرُفِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِهِمَا جميعاً.

(2/233)


قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ ثَمَانِيَ آيَاتٍ لِتَكُونَ الْآيَةُ الثَّامِنَةُ بَدَلًا مِنَ السُّورَةِ "، فَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُكَرِّرُهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْكَدُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَاتِحَةُ الْكِتَابِ عِوَضٌ عَنِ الْقُرْآنِ " فَلَمَّا جَعَلَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عِوَضًا عَنِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْقُرْآنَ عِوَضًا عَنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ تَكْرَارَهَا أَفْضَلُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَقْرَأُ الْآيَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَيَقْرَأُ مَعَهَا سِتَّ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا
وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ إِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا فَوَجَبَ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ بعضها أن يكون بدل مِمَّا يُحْسِنُهُ مِنْهَا

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ وَلَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَحْمَدَهُ بَدَلًا مِنَ الْقِرَاءَةِ
وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الذِّكْرِ، وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ رِفَاعَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لِيُكَبِّرْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَقْرَأْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَلْيُكَبِّرْهُ، وَلْيَرْكَعْ حَتَى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا " وَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَجِدَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يَجْزِينِي مِنَ الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: " قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " فَقَالَ: هَذَا لِلَّهِ فَمَا لِي فَقَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ خَيْرًا "
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَدَلًا مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَعْرَابِيَّ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ كَلِمَاتِ الْفَاتِحَةِ وَحُرُوفِهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ تَقُومُ مَقَامَ آيَةٍ وَهِيَ خَمْسُ كَلِمَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ خَمْسِ آيَاتٍ فَيَأْتِي بِكَلِمَتَيْنِ وَيُجْزِئُهُ، فَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً من القرآن ففيه وجهان:
أحدهما: أن يُكَرِّرُهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ
وَالثَّانِي: يَقْرَأُ الْآيَةَ ثُمَّ يُتَمِّمُ ذَلِكَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَلَوْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَبِّحَ وَيُكَبِّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا تَعْلِيمُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَعْلِيمُ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الشَّيْءِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَكَذَلِكَ إِذَا قَدَرَ

(2/234)


عَلَى تَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ كَانَ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ إِذَا تَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مِنْ وَقْتِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّعْلِيمِ إِلَى أَنْ تَعَلَّمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُعِيدَ مَا صَلَّى مِنْ وَقْتِ قُدْرَتِهِ إِلَى أَنْ تَعَاطَى التَّعْلِيمَ وَأَخَذَ فِيهِ، لِأَنَّ أَخْذَهُ فِي التَّعْلِيمِ قَدْ أَزَالَ عَنْهُ حُكْمَ التَّفْرِيطِ فَسَقَطَ عَنْهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّى فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(مَسْأَلَةٌ)
: قال: " فَإِنْ تَرَكَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَرْفًا وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ رَجَعَ إِلَيْهِ وَأَتَمَّهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ أعاد "
قال الماوردي: وقد مضيت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ وَاسْتَوْفَيْنَا فُرُوعَهَا، فَنَقُولُ: إِذَا تَرَكَ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَهَا قَرِيبًا أَعَادَ، وَأَتَى بِهَا وَبِمَا بَعْدَهَا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ مُوَالَاةِ الْقِرَاءَةِ، فَلَوْ شَكَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَرَكَهَا اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلَ آيَةٍ مِنْهَا، فَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْآيَةِ الَّتِي تَرَكَهَا وَمَا بَعْدَهَا ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا أَتَى بِمَا تَرَكَ وَصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ بَعِيدًا كَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ

(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا إذا نوى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ فِي غَيْرِهَا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، وَلَكِنْ لَوْ نَوَى قطعاً وهو يقرأها أَجَزْأَهُ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ تَغْيِيرُ النِّيَّةِ مُؤَثِّرًا فِيهَا، فَأَمَّا إذا سكت عنها غير ناوٍ قطع الْقِرَاءَةَ فَإِنْ طَالَ سُكُوتُهُ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ
فَأَمَّا تَشْدِيدُ آيات الفاتحة فهي أَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً فَإِنْ تَرْكَ التَّشْدِيدَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُشَدَّدَةَ تَقُومُ مَقَامَ حَرْفَيْنِ فَإِذَا تَرَكَ التَّشْدِيدَ صَارَ كَأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ حَرْفًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ هَذَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنْ لَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ جَازَ وَإِنْ أَسَاءَ - وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ -

(2/235)