الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

 (باب صلاة الاستسقاء)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ويستسقي الإمام حيث يصلي العيد ويخرج متنظفا بِالْمَاءِ وَمَا يَقْطَعُ تَغَيُّرَ الرَّائِحَةِ مِنْ سِوَاكٍ وغيره في ثياب تواضع وفي استكانة وما أحببته للإمام من هذا أحببته للناس كافة ويروى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه خرج في الجمعة والعيدين بأحسن هيئة وروي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج في الاستسقاء متواضعا وقال أحسب الذي رواه مبتذلا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَصْلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) {الشورى: 42) وقال تعالى: {وإذا استسقى موسى لقومه فقلت اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) {البقرة: 60) وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ) {الأعراف: 160) فَقَدْ قِيلَ إِنَّ الِانْبِجَاسَ أَضْيَقُ من الانفجار وقال تعالى: {استغفر ربكم إنه كان غفارا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11] وَرُوِيَ أَجْدَبُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَجْدَبُوا فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَسُقُوا، فَلَوْ سَأَلْتُمْ صَاحِبَكُمْ فَدَعَا لَكُمْ اسْتُجِيبَ لَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَكَ تَرَى الْجَدْبَ وَمَا نَزَلَ بِنَا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَا إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ السَّنَةَ يَعْنِي الْجَدْبَ لِأَنْ أَسْتَنْصِرَ بِهِ عَلَى أَهْلِ نَجْدٍ، فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ فَسَأَفْعَلُ فَاسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسُقُوا كَأَفْوَاهِ الْعَزَالِي وَرَوَى شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَخْطُبُ لِلْجُمْعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لَنَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى رَءُوسِ الْجِبَالِ

(2/513)


وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْجَابَ كانجباب الثَّوْبِ وَرَوَى أَبُو مُسْلِمٍ الْمُلَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يَثِبُ وَلَا صَبِيٌّ يَصِيحُ ثُمَّ أنشد:
(أتيناك والعذر يَدْمَى لَبَانُهَا ... وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ)

(وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ... سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ الْغَسْلِ)

(وَلَيْسَ لَنَا إلا إليك قرارنا ... وأي قرار النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ)

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجر رداء حَتَى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، سَحًّا طَبَقًا غَيْرَ رَائِثٍ تُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ، وَتَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ، وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ فَمَا اسْتَتَمَّ الدُّعَاءُ حَتَى أَلْقَتِ السَّمَاءُ بِأَبْرَاقِهَا فَجَاءَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْغَرَقُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَالْإِكْلِيلِ، وَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيًّا لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ، مَنِ الَّذِي يُنْشِدُنَا شِعْرَهُ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قوله:
(وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل)

(يَلُوذُ بِهِ الْهلال مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ)

(كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يبزي مُحَمَّدَا ... وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُوْنَهُ وَنُنَاضِلِ)

(وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نصرع حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ)

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ فَأَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذلك:
(لله الحمد والحمد من شكرٍ ... سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرْ)

(دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً ... وَأَشْخَصَ مَعْهَا إِلَيْهِ الْبَصَرْ)

(فَلَمْ يك إلا كإلغاء الرواء ... وَأَسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدُّرَرْ)

(رِقَاقُ الْعَوَالِي جَمُّ العنان ... أَغَاثَ بِهِ اللَّهُ عُلْيَا مُضَرْ)

(وَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ ... أَبُو طَالِبٍ أَبْيَضُ ذُو غُرَرْ)

(بِهِ اللَّهُ يَسْقِي صَوْبَ الْغَمَامِ ... وَهَذَا الْعِيَانُ لذاك الخبر)

(2/514)


فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنْ يَكُنْ شَاعِرا يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَقِيَّةِ آبَائِهِ وَكُبْرِ رِجَالِهِ فَاحْفَظِ اللَّهُمَّ نَبِيَّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عَمِّهِ، فَقَدْ دَنَوْنَا إِلَيْكَ مُسْتَعْفِينَ إِلَيْكَ وَمُسْتَغْفِرِينَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَيْنَاهُ تَنْضُجَانِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّاعِي لَا تُهْمِلِ الضَّالَّةَ، فُقِدَ الضَّرْعُ الصَّغِيرُ وَدَقَّ الْكَبِيرُ، وَارْتَفَعَتِ الشَّكْوَى، وَأَنْتَ تَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُمَّ فَأَغِثْهُمْ بِغِيَاثِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْنَطُوا فَيَهْلِكُوا فَإِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، قَالَ فَنَشَأَتِ السَّحَابُ وَهَطَلَتِ السَّمَاءُ فَطَبَّقَ النَّاسُ بِالْعَبَّاسِ يَمْسَحُونَ أَرْكَانَهُ وَيَقُولُونَ هَنِيئًا لَكَ سَاقِيَ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
(سَأَلَ الْإِمَامُ وَقَدْ تَتَابَعَ جَدْبُنَا ... فَسَقَى الْإِمَامَ بِغُرَّةِ الْعَبَّاسِ)

(عَمِّ النَّبِيِّ وَصِنْوِ وَالِدِهِ الَّذِي ... وَرِثَ النَّبِيَّ بذاك دون الناس)

(أحيي الْإِلَهُ بِهِ الْبِلَادَ فَأَصْبَحَتْ ... مُخْضَرَّةَ الْأَجْنَابِ بَعْدَ الْيَأسِ)

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا كَانَ الْجَدْبُ وَمُنِعَ النَّاسُ الْقَطْرَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْرُجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ إِلَى الجبانة، وَحَيْثُ يُصَلِّي لِلْأَعْيَادِ، اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاقْتِدَاءً بِخُلَفَائِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَوْسَعُ وَأَوْفَقُ بِالنَّاسِ، لِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَيُخْتَارُ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ، وَيَسْتَاكَ، وَيَقْطَعَ تَغْيِيرَ الرَّائِحَةِ عَنْ بَدَنِهِ، ويَخْرُجُ مُبْتَذَلًا فِي ثِيَابِ تَوَاضُعٍ وَاسْتِكَانَةٍ نظاف غير جددا، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَخْرُجُ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اعْتِذَارٍ وَتَنَصُّلٍ وَسُؤَالٍ وَاسْتِغَاثَةٍ وَتَرَحُّمٍ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّعْظِيمِ فِي تَحْسِينِ الْهَيْئَةِ، وَخَالَفَ الْعِيدُ لِأَنَّهُ يوم سرود وَزِينَةٍ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ لِلْإِمَامِ مِنْ هَذا اخْتَرْنَاهُ للناس كافة.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وأحب أن تخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قَالَ لَوْلَا مَشَايُخُ رُكعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا " وَلِأَنَّ الصِّبْيَانَ أَحَقُّ بِالرَّحْمَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى إِجَابَةِ

(2/515)


الدَّعْوَةِ، وَقِلَّةِ ذُنُوبِهِمْ، وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي لِقَوْمِهِ فَمَا أُسْقِيَ، فَقَالَ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَلْيَرْجِعْ فَانْصَرَفُوا كُلُّهُمْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، فَالْتَفَتَ فَرَآهُ أَعْوَرَ، فَقَالَ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلِي، قَالَ قَدْ سَمِعْتُ وَإِنَّهُ لَا ذنب لي إلا واحد، نَظَرْتُ إِلَى امْرَأَةٍ فَقَلَعَتْ عَيْنِي هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى به فسقي.

(فَصْلٌ)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَلَا آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ: إِخْرَاجُهُمْ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَرِدِ السُّنَّةُ بِإِخْرَاجِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَتَأَذَّى بِالْجَدْبِ فَكَانُوا كَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً قد وقعت على ظهرها، فرفعت يدها وهو تَقُولُ اللَّهُمَّ نَحْنُ مِنْ خَلْقِكَ فَارْزُقْنَا أَوْ أهلكنا، فسقوا فقال للقوم ارْجِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ بِغَيْرِكُمْ.
وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْأَوْلَى تَرْكُ الْبَهَائِمِ، وَإِخْرَاجُهَا مَكْرُوهٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ، وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِأَصْوَاتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مِنْ غير أهل التكليف.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وأكره إخراج من يخالف الْإِسْلَامَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي مَوْضِعِ مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ لَمْ أَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا كَرِهْنَا إِخْرَاجَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الذي آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: 51) وفي إخراجهم معنا رضى به وتولي لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ عُصَاةٌ لَا يُرْجَى لَهُمْ إِجَابَةُ دَعَوْتِهِمْ، وَرُبَّمَا رُدَّتْ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَتِهِمْ وَالسُّكُونِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لَمْ يُمْنَعُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبُ رِزْقٍ وَرَجَاءُ فَضْلٍ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي يَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي يخرج فيه المسلمون، لأن لا تَقَعَ بَيْنَهُمُ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ خَرَجُوا فِيهِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَهُمْ وَمِنْهُمْ من تركهم.
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُوا مِنَ الْمَظَالِمِ وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ عز وجل بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِلَى أَوْسَعِ مَا يَجِدُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا أَرَادَ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِمَّا صِيَامًا وَهُوَ أَوْلَى، وَإِمَّا مُفْطِرِينَ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ

(2/516)


أَعْمَالِ الْقُرْبِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ هُوَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأنا أجازي به} ، لأن الصَّوْمَ مَعُونَةٌ عَلَى رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَخُشُوعِ الْقَلْبِ وَالتَّذَلُّلِ لِلطَّاعَةِ، وَالدُّعَاءُ فِيهِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَمْتُ الصَّائِمِ تَسْبِيحٌ وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ، وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ ".
فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا مَنَعْتُمُوهُ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ الرَّابِعِ لِيَكُونَ أَقْوَى لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا مَنَعْتُمْ مِنْ صِيَامِ عَرَفَةَ، قُلْنَا: لِأَنَّ دُعَاءَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي آخِرِهِ، فَرُبَّمَا أَضْعَفَ الصِّيَامُ عَنِ الدُّعَاءِ فِيهِ، وَدُعَاءُ هَذَا الْيَوْمِ فِي أَوَّلِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ فِي إِضْعَافِهِ، وَيَأْمُرُهُمُ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِ وَالْمُشَاجِرِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، وَالتَّطَوُّعِ بِالْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " حَصِّنُوا أَمْوَالكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بالصدقة ".

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُنَادِي " الصَّلَاةَ جَامِعَةً " ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمُ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ سَوَاءً وَيَجْهَرُ فيهما وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء ويصلون قبل الخطبة ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا عن عثمان بن عفان أنه كبر سبعا وخمسا وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يكبر مثل صلاة العيدين سبعا وخمسا ".
قال الماوردي: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ قَافْ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، وَيَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: الصَّلَاةُ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِدْعَةٌ، فَإِنْ صَلَّى كَانَتْ نَافِلَةً، يُسِرُّ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ زَائِدٍ.
وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة بِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يصل.

(2/517)


وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَاسْتَقْبَلَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِلِاسْتِسْقَاءِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَجَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ، وَرَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ مُخَالِفٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، وَلِأَنَّ مَا سُنَّ لَهُ الْإِجْمَاعُ وَالْبِرَازُ سُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْخُسُوفِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَا يُعَارَضُ بِمَا رَوَيْنَاهُ، لِأَنَّنَا نُجَوِّزُهُ وَنَسْتَعْمِلُ أَحَادِيثَنَا عَلَى فِعْلِ الْأَفْضَلِ، وَالْمَسْنُونِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِزِيَادَتِهَا وَكَثْرَةِ رُوَاتِهَا، وَمُعَاضَدَةِ فِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم لها.

(فصل: القول في وقت صلاة الاستسقاء)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا فِي الِاخْتِيَارِ كَوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الصِّفَةِ، فَإِنْ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِمَّا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ الْعِيدِ، لِاسْتِوَاءِ الْوَقْتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ، نَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى مَا وَصَفْتُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِتَكْبِيرٍ زَائِدٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ زَائِدٍ، وَالرِّوَايَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَدْفَعُ قَوْلَهُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ نُوحٍ كَانَ حَسَنًا، لِمَا تَضَمَّنَهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَنُزُولِ الغَيْثٍ، فَلَوْ قَرَأَ بِغَيْرِ ما ذكرنا، أو اقتصر على الفاتحة، أو زاد في التكبير، أو نقص منه جاز، لا سجود للسهو عليه.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثم يخطب الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ يقصر الخطبة الآخرة مستقبل الناس في الخطبتين ويكثر فيهما الاستغفار ويقول كثيرا {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا} ثم يحول وجهه إلى القبلة ويحول رداءه فيجعل طرفه الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن وطرفه الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر وإن حوله ولم ينكسه أجزأه وإن كان عليه ساج جعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن وما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر

(2/518)


ويفعل الناس مثل ذلك وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه كانت عليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها (قال) ويدعو سرا ويدعو الناس معه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْنُونَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ سَلَّمَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَجْلِسُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى بِالِاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تِسْعًا نَسَقًا، بَدَلًا مِنَ التَّكْبِيرِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويقول {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10، 11، 12] وَيُبَالِغُ فِي الزَّجْرِ وَالْوَعْظِ، وَالتَّخْوِيفِ، وَذِكْرِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَالِفِ أَيَادِيهِ، وَالِاعْتِبَارِ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، وَيَسْتَغْفِرُ فِي ابْتِدَائِهَا سَبْعًا نَسَقًا، وَيَدْعُو جَهْرًا، ثُمَّ يَسْتَدْبِرُ النَّاسَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سِرًّا، وَيَجْهَرُ فِي اسْتِقْبَالِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ خَاطِبٌ، وَيُسِرُّ فِي اسْتِدْبَارِهِمْ لِأَنَّهُ دَاعٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9] فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الجهر والإسرار أولى.

(فَصْلٌ)
: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا أَرَادَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ وَيُنَكِّسَهُ، وَتَحْوِيلُهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَتَنْكِيسُهُ: أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَوِّلُ وَلَا يُنَكِّسُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُحَوِّلُ وَلَا يُنَكِّسُ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ فَحَوَّلَهَا، فَثَبَتَ عَنْهُ التَّحْوِيلُ، وَنَبَّهَ عَلَى التَّنْكِيسِ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، وَلِأَنَّ فِي التَّحْوِيلِ تَفَاؤُلٌ بِالِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مَنْ حال القحط إلى حال السعة والخصب.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِمْ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قارفنا وإجابتك

(2/519)


إِيَّانَا فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا " ثُمَّ يَدْعُو بما يشاء من دين ودنيا ويبدءون ويبدأ الإمام بالاستغفار ويفصل به كلام ويختم به ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم على طاعة ربهم ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ويقول أستغفر الله لي ولكم ثم ينزل ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَسْقَى فَكَانَ أَكْثَرَ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يُبْطِئُ عَلَيْهِ الرِّزْقُ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُهُ، فَقِيلَ لَهُ وَمَا مَفَاتِيحُهُ فَقَالَ الِاسْتِغْفَارُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ الْجُفَاةِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى فَقَالَ:
(رَبَّ الْعِبَادِ مَا لَنَا وَمَا لَكَا ... قَدْ كُنْتَ تَسْقِينَا فَمَا بَدَا لَكَا)

(أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ لا أبالكا)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ مَعْنَاهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَبَا لَكَ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظَةِ جَفَاءٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ صَحِيحٌ، فإذا فرغ من الدعاء استقبل الناس وأتى بباقي الْخُطْبَةِ ثُمَّ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّدَاءِ وَتَحْوِيلِهِ، وَكَذَلِكَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى نَزَعُوهَا مَتَى نَزَعَهَا، وَيَخْتَارُ أَنْ يَقْرَأَ عَقِيبَ دُعَائِهِ بِقَوْلِهِ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} يونس: 89) وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 84] وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) {الأنبياء: 88) وَمَا أَشبه ذلك من الآيات تفاؤلا لإجابة الدعوة.

(فصل)
: (قال الشافعي) فإن سقاهم الله وَإِلَّا عَادُوا مِنَ الْغَدِ لِلصَّلَاةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يسقيهم الله (قال) وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَسَنٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَتْ نَاحِيَةً جَدْبَةً وَأُخْرَى خِصْبَةً فَحَسَنٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَهْلُ الْخِصْبَةِ لِأَهْلِ الْجَدْبَةِ وَلْلِمُسْلِمِينَ ويسأل اللَّهَ الزِّيَادَةَ لِلْمُخْصِبِينَ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) {المائدة: 2) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " المسلمون تتكافأ

(2/520)


دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ " وَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ لَتَحْفَظُ مَنْ وَرَاءَهُمْ، فَلِذَلِكَ مَا اخْتَرْنَا لِأَهْلِ النَّوَاحِي الْخِصْبَةِ أَنْ يَسْتَسْقُوا لِأَهْلِ النَّوَاحِي الْجَدْبَةِ، رَجَاءً لِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ، ورفع الضرر عن أحوالهم.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَسْتَسْقِي حَيْثُ لَا يُجَمَّعُ مِنْ بَادِيَةٍ وَقَرْيَةٍ ويفعله المسافرون لأنه سنة وليس بإحالة فرض ويفعلون ما يفعل أهل الأمصار من صلاة وخطبة ويجزئ أن يستسقي الإمام بغير صلاة وخلف صلواته ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَالْحَاضِرِ وَالْبَادِي، لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِهِمْ فِي الْإِضْرَارِ بِامْتِنَاعِ الْقَطْرِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ فَرِيقٌ دُونَ فَرِيقٍ، وَلَا مَكَانٌ دُونَ مَكَانٍ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءَ وَالْبِقَاعُ فِيهِ سَوَاءً، وَيُخْتَارُ لِلْإِمَامِ إِذَا رَأَى مِنَ النَّاسِ كَسَلًا وَافْتِرَاقًا وَقِلَّةَ رَغْبَةٍ فِي الْخُرُوجِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَسْقِي وَحْدَهُ، لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ الدُّعَاءُ وَالِابْتِهَالُ، فَلَوِ اسْتَسْقَى الْإِمَامُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ أَجْزَأَهُ، قَدِ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خُطْبَةِ الْجُمْعَةِ وَدَعَا فَسُقِيَ.

(فَصْلٌ)
: وَإِذَا كَانَ جَدْبٌ أَوْ قِلَّةُ مَاءٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ فِي حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ لَمْ أُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَرَكَ السُّنَّةَ، فَجَعَلَ قِلَّةَ مَاءِ الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ كَامْتِنَاعِ الْقَطْرِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلُحَ الْمَاءُ فَمُنِعَ شُرْبُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ اسْتَسْقَى لِذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَجْلِ الضَّرَرِ بِهِ وَخَوْفِ الْجَدْبِ مِنْهُ.
(فَصْلٌ)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَإِذَا تَهَيَّأَ الْإِمَامُ لِلْخُرُوجِ فَمُطِرُوا مَطَرًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَحْبَبْتُ أَنْ يَمْضِيَ النَّاسُ حَتَّى يَشْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى سُقِيَاهُ، ويسألونه الزِّيَادَةَ مِنَ الْغَيْثِ لِسَائِرِ الْخَلْقِ، وَلَا يَتَخَلَّفُوا وَيُصَلُّوا كَمَا يُصَلُّونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنْ كَانُوا يُمْطَرُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ بِهِمُ الْخُرُوجَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ لِلِاسْتِسْقَاءِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَى الزِّيَادَةِ، وَأَخَّرُوا الْخُرُوجَ لِلشُّكْرِ إِلَى أَنْ يُقْلِعَ الْمَطَرُ ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَإِنِ اسْتَسْقَى الْإِمَامُ فَسُقُوا لَمْ يَخْرُجُوا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا اسْتَسْقَى وَأُجِيبُ لَمْ يَخْرُجْ ثَانِيًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَإِذَا خَافُوا الْغَرَقَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَهْرٍ، أَوْ خَافُوا انْهِدَامَ الدُّورِ دَعَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُفَّ الضَّرَرَ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَصْرِفَ الْمَطَرَ عَمَّا يَضُرُّ إِلَى مَا يَنْفَعُ من رؤوس الجبال،

(2/521)


وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ وَالْآكَامِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ، لِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا سَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يَدْعُوَ بِكَفِّ الْمَطَرِ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَدَعَا وَلَمْ يُصَلِّ " وَقَالَ: حَوَالَيْنَا يَعْنِي: الْجِبَالَ وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ، حَيْثُ يَنْفَعُ فِيهِ دَوَامُ الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ نَازِلَةٌ تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، مِثْلَ تَعَذُّرِ الْأَقْوَاتِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ وَضِيقِ الْمَكَاسِبِ، فَيَنْبَغِي لهم أن يدعو اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِكَشْفِهَا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ألظوا فِي الدُّعَاءِ بِيَاذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ اسْتَسْقَى وَحْدَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ، لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ لَوْ خَرَجَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الِاسْتِسْقَاءَ وَيَخْطُبَ صَلَّى وَخَطَبَ جَالِسًا ". لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقِيَامُ لِلْخُطْبَةِ، وَلَا فِي رُكُوبِ الْمِنْبَرِ بِهِ، إِلَّا إِذَا كَانَ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَالِسًا وَسَقَطَ عَنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ خَطَبَ أَجْزَأَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فَسُقِيَ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَفِّيَ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَيَخْرُجُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَوْ خَرَجَ وَالنَّاسُ مَعَهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ إِلَّا بِالْخُطْبَةِ قَائِمًا " لِأَنَّ الطَّاعَةَ إِذَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا، وَلَوْ خَطَبَ رَاكِبًا لِبَعِيرٍ جَازَ.

(2/522)