الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

باب صدقة الخلطاء
قال الشافعي رضي الله عنه: جاء الحديث " لا يجمع بين مفترق وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ".
قال الماوردي: وهذا صحيح الملكة من المواشي ضربان: (الأول) خلطة أعيان. (والثاني) وخلطه أَوْصَافٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، إِذَا كَانَتْ شَرَائِطُ الْخُلْطَةِ فِيهِمَا مَوْجُودَةً، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُرَاعَى فِي زَكَاتِهَا الْمَالُ أَوِ الْمُلَّاكُ، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ الْمَالُ دُونَ الْمُلَّاكِ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ أَوْ خُلَطَاءَ زَكَّوْا زَكَاةَ الْوَاحِدِ، وَكَانَ على جماعتهم شاة، ولو كان مائة وعشرين شاة بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، كَانَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
المذهب الثَّانِي: قَالَهُ أبو حنيفة وَالثَّوْرِيُّ: أَنَّ الْمُرَاعَى الْمُلَّاكُ، وَأَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الِاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ مَالَهُ دُونَ النِّصَابِ ولو كان ثَمَانُونَ شَاةً وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شاة، ولو كانت مائة وعشرين بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَيْسَ لخلطهم تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: قَالَهُ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ نِصَابٌ زَكَّيَا زَكَاةَ الْوَاحِدِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَحُكْمُهُ حكم الانفراد كقول أبي حنيفة كان يَقُولُ فِي خَلِيطَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ كَانَ عَلَيْهِمَا شَاةٌ.

فَصْلٌ
وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أبي حنيفة بِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا وَلَّاهُ الْبَحْرَيْنِ كَتَبَ لَهُ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ، وَقَالَ فِيهِ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " لَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ " يُرِيدُ أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي الْمَوَاشِي لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الزَّكَوَاتِ، وَلِأَنَّ مِلْكَ

(3/136)


كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصٌ عَنِ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ زَكَاةٌ كَالْمُنْفَرِدِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِالْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرٌ فِي الْحَوْلِ وَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي النِّصَابِ، وَيُعْتَبَرُ نِصَابُ كل واحد منهما، على انفراد، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيِ الزَّكَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِالْخُلْطَةِ كَالْحَوْلِ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ مُقَدَّرٌ كَمَا أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مُقَدَّرٌ، فَلَمَّا كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَبْلُغَ سَرِقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخُلَطَاءُ فِي الْمَالِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ حُكْمُ الِاشْتِرَاكِ وَالِانْفِرَادِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أربعين شاة شاة، وفي خمس من الْإِبِلِ شاةٌ، وَفِي ثَلَاثِينَ بقرةٍ تبيعٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَالِكٍ أَوْ مُلَّاكٍ وَرَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ".
وفيه تأويلان:
أحدهما: قوله " لا يجمع بين مفترق، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " أَيْ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ مُفْرَدَةٌ، فَلَا تُجْمَعُ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، وَتَكُونُ عَلَى تَفْرِيقِهَا لِيُؤْخَذَ مِنْهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً بَيْنَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مُجْتَمِعَةٌ، فَلَا تُفَرَّقُ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَتَكُونُ عَلَى اجْتِمَاعِهَا لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ، وَقَالَ أبو حنيفة أَحْمِلُ قَوْلَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ عَلَى الْمِلْكِ الْوَاحِدِ، لَا عَلَى الْأَمْلَاكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، فَلَا تُفَرَّقُ لِيُؤْخَذَ منها ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَتَكُونُ عَلَى اجْتِمَاعِهَا فِي الْمَالِ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بِقَوْلِهِ " فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ " فَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِفَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ أَوْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ تَفْرِيقٍ، مَا نَهَى عَنْ جَمْعِهِ، فَلَمَّا كَانَ نَهْيُ الْجَمْعِ فِي الْأَمْلَاكِ لَا في الملك، وجب أن يكون نهي التَّفْرِيقِ فِي الْأَمْلَاكِ لَا فِي الْمِلْكِ، فَصَحَّتْ هذه الدلالة من الخبر.

(3/137)


والدلالة الثانية: قَوْلُهُ " وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَالتَّرَاجُعُ يَكُونُ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ دُونَ الْأَعْيَانِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُؤَكِّدُهُ، رِوَايَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الْحَوْضِ، وَالسَّقْيِ، وَالرَّعْيِ " وَرُوِيَ: " وَالْفُحُولِ " وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لَوِ انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، فَجَازَ إِذَا اشْتَرَكَا فِيهِ أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ لِوُجُودِ النِّصَابِ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَالٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ لَا لِنُقْصَانِ النِّصَابِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِوُجُودِ النِّصَابِ، كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الزَّكَاةِ يَفْتَقِرُ إِلَى مَالِكٍ وَمَمْلُوكٍ، فَلَمَّا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَإِنِ افْتَرَقَ الْمِلْكُ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ وإن افترق الملاك وأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا " فَهُوَ دَلِيلُنَا: لِأَنَّهُ قَالَ الرَّجُلِ فَأَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ، فَلَمْ يَصِحَّ حَمْلُهَا عَلَى المعهود لفقده، فكانت محمولة على الجنس، كَأَنَّهُ قَالَ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةَ الرِّجَالِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ " فَهَذَا حَدِيثٌ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، وَلِقَوْمِهِ: " مِنْ محمد رسول الله إِلَى الْأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ بِإِقَامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، على البيعة شاة واليتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس لَا خِلَاطَ، وَلَا وِرَاطَ، وَلَا شِنَاقَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْأَقْيَالَ مُلُوكٌ بِالْيَمَنِ دُونَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، وَالْعَبَاهِلَةِ الَّذِينَ قَدْ أُقِرُّوا على ملكهم لا يزالون عنه، والبيعة أربعون من الغنم، واليتيمة الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ الْفَرِيضَةُ الْأُخْرَى، وَالسُّيُوبُ الرِّكَازُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَرَاهُ أُخِذَ إِلَّا مِنَ السَّيْبِ وَهُوَ الْعَطِيَّةُ وَالْخِلَاطُ الشركة في المواشي، والوراط الخديعة والغش، والشنق مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، وَالشَّغَارُ عَقْدُ النِّكَاحِ الْخَالِي مِنَ الصَّدَاقِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ لَا خِلَاطَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ نَفْسِ الْخُلْطَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ ذِكْرٌ، وَالْخُلْطَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا خُلْطَةُ الْجَاهِلِيَّةِ الْوَاقِعَةُ عَلَى صِفَاتٍ حَظَرَهَا الشَّرْعُ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَالْمَعْنَى فِيهِ عَدَمُ النِّصَابِ، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْحَوْلِ والنصاب، فالمعنى فيه سَوَاءٌ، لِأَنَّنَا نَعْتَبِرُ النِّصَابَ مِنْ حِينِ الْخُلْطَةِ لَا فِيمَا قَبْلُ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى السَّرِقَةِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُضَمَّ بَعْضُ سَرِقَاتِهِ إِلَى بَعْضٍ لَمْ تُضَمَّ سَرِقَةُ غَيْرِهِ إِلَى سَرِقَتِهِ، وَلَمَّا ضُمَّ بَعْضُ مَالِهِ إِلَى بَعْضٍ ضُمَّ مَالُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ.

فَصْلٌ
: وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنْ قَالَ إِذَا كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ كَالْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْخُلْطَةُ مُوجِبَةً

(3/138)


لِلزَّكَاةِ، لِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَزِدْ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَعُمُومُ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى أبي حنيفة يُبْطِلُهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ يَخْلُو حَالُكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَعْتَبِرَ الْمُلَّاكَ كَاعْتِبَارِ أبي حنيفة، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ تَعْتَبِرَ الْمِلْكَ كَاعْتِبَارِنَا فَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرْتَهُ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ، فَيُقَالُ لَهُ إِنْ أَرَدْتَ مَعَ اجْتِمَاعِ الْمَالَيْنِ فَغَيْرُ مسلم، بل هما مخاطبان، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعَ انْفِرَادِهِمَا، فَالْمَعْنَى فِيهِ عَدَمُ النصاب، وإذا اجتمعا كان النصاب موجوداً.

فصل
: قال الشَّافِعِيِّ: " وَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ ما لم يقسما الماشية خَلِيطَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْخُلْطَةَ نَوْعَانِ، خُلْطَةُ أَوْصَافٍ وَخُلْطَةُ أَعْيَانٍ، فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ الشَّرِكَةُ، وَخُلْطَةُ الْأَوْصَافِ، مَا تعين مال كل واحد منهما بصفة، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُسَمَّى خُلْطَةً لُغَةً أَوْ شَرْعًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ تُسَمَّى خُلْطَةً شَرْعًا، لَا لُغَةً؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ فِي اللُّغَةِ مَا لَمْ يتميز، وقال آخرون بل يسمى ذلك لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِمِثْلِهِ فِي قصة داود {إنَّ هذَا أَخِي} ، إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيراُ مِنْ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) {ص: 24) فَسَمَّاهُمْ خُلَطَاءَ وَإِنْ كَانَتِ النَّعْجَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنِ النِّعَاجِ، فَإِنْ قِيلَ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يُقَسِّمَا الْمَاشِيَةَ خَلِيطَانِ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، قِيلَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ خُلْطَةَ الْأَوْصَافِ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا، ثُمَّ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الشَّرِكَةَ خُلْطَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ لَاحِقًا بِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَتَرَاجُعُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فيؤخذ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ (قَالَ) وقد يكون الخليطان الرجلين يتخالطان بماشيتهما وإن عرف كل واحدٍ منهما ماشيته ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ، إِذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، فَلِرَبِّهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْلِمْهُ السَّاعِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِمَّا أُخِذَ، وإن ظلمه رجع بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنَ الْوَاجِبِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بالزيادة التي ظلم بها، وأما خلطة الأعيان: فإن كانت فريضتها الغنم، فالجواب في التراجع على ما ذكرنا في خلطة الأوصاف، وإن كانت ماشية فريضتها منها فلا تراجع بينهما، سواء كان عدلاً أو حيفاً لأن المأخوذ منهما على قدر ماليهما، ولكن تطوع أحدهما في هذا بأن أعطى زيادة على الواجب، فإن كان بأمر شريكه فلا شيء عليه، وإن كان بغير أمره ضمن حصة شريكه من الزيادة والله أعلم.

(3/139)


مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يُرِيحَا وَيَسْرَحَا وَيَحْلُبَا معاً ويسقيا معاً ويكون فحولتهما مختلطة فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حالٍ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ من يوم اختلطا ويكونان مسلمين فإن تفرقا في مراح أم مسرحٍ أو سقيٍ أو فحلٍ قبل أن يحول الحول فليسا خليطين ويصدقان صدقة الاثنين وهكذا إذا كانا شريكين (قال) ولما لم أعلم مخالفاً إذا كان ثَلَاثَةَ خُلَطَاءَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شاة أخذت منهم واحدةً وَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مال الخلطاء الثلاثة الذين لو تفرق مالهم كانت فيه ثلاثة شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا لَوْ كانت أربعون شاةً من ثلاثةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ شاةٌ لِأَنَّهُمْ صَدَّقُوا الْخُلَطَاءَ صدقة الواحد ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ فَزَكَاتُهَا مُعْتَبَرَةٌ بِخَمْسِ شَرَائِطَ، وَهَذِهِ الْخَمْسُ مُعْتَبَرَةٌ فِي زَكَاةِ الْمُنْفَرِدِ، شَرْطَانِ مِنْهَا فِي الْمَالِكِ، وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَاشِيَةِ.
فَأَمَّا الشَّرْطَانِ فِي الْمَالِكِ: فَأَحَدُهُمَا: الْإِسْلَامُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمَاشِيَةِ: فَأَحَدُهَا النِّصَابُ.
وَالثَّانِي: الْحَوْلُ:
وَالثَّالِثُ: السَّوْمُ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي زَكَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَخُلْطَةِ الْأَعْيَانِ جَمِيعًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَصْلٌ
: وَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الِانْفِرَادِ، وخلطة الأعيان، ثم تختص بست شَرَائِطَ أُخْرَى تُعْتَبَرُ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ لَا غَيْرَ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَرَاحُ الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ وَاحِدًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرَحُ الَّذِي ترعى فيه وَاحِدًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ الَّذِي تَشْرَبُ منه مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ وَاحِدًا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ الْفُحُولُ الَّتِي تَطْرُقُهَا وَاحِدَةً.
وَالْخَامِسُ: نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ وَلَمْ يَرْوِهِ الرَّبِيعُ أَنْ يَكُونَ حِلَابُهُمَا وَاحِدًا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَقْلِ الْمُزَنِيِّ هَذَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَلَطٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ فِي نَقْلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا بِحَالٍ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَرْوِهِ عن الشافعي.

(3/140)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَقْلَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَاعَدَهُ حَرْمَلَةُ فَرَوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَهُ فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ حِلَابِهِمَا وَاحِدًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَالِبُ وَاحِدًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ إِنَاءُ الْحَلْبِ وَاحِدًا، وَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُ اللَّبَنَيْنِ رِبًا، كما يخلط المسافرون أزوادهم، إذ اجْتَمَعُوا لِلْأَكْلِ، وَلَا يَكُونُ رِبًا، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْحِلَابِ وَاحِدًا، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْإِمْلَاءِ " فَقَالَ وَأَنْ تَحْلِبَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فَإِنْ تَفَرَّقَا فِي مَكَانِ الْحِلَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ زَكَّيَاهُ زَكَاةَ الِاثْنَيْنِ، فَقَدْ أَفْصَحَ بِصَوَابِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَصِحَّةِ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ.
وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ لَا تَصِحُّ الْخُلْطَةُ إِلَّا بِهَا، لِأَنَّ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرًا فِي الزَّكَاةِ فَافْتَقَرَتْ إِلَى قَصْدٍ كَالسَّوْمِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ خَلَطَ الرُّعَاةُ الْمَوَاشِيَ بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْخُلْطَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النِّيَّةَ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُلْطَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي خلطة الاعتبار سَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ خَلَطَ الرُّعَاةُ الْمَوَاشِيَ بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ عَلَى الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ ثَبَتَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ، فَهَذِهِ سِتُّ شَرَائِطَ تَخْتَصُّ بِخُلْطَةِ الْأَوْصَافِ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْمَرَاحُ وَالْمَسْرَحُ وَالسَّقْيُ وَالْفُحُولُ، وَشَرْطَانِ مُخْتَلِفٌ فِيهِمَا وَهُمَا الْحِلَابُ وَالنِّيَّةُ.
وَأَصْلُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " والخليطان ما اختلطا فِي الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ وَالْفُحُولِ " فَنَصَّ عَلَى بَعْضِهَا وَنَبَّهَ عَلَى بَاقِيهَا، فَلَوِ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْهَا بطل حكم الخلطة وزكياه زَكَاةَ الِانْفِرَادِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الخليطين عبداً أو مكاتباً أو كاتباً زَكَّى الْحُرُّ الْمُسْلِمُ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَلَوِ افْتَرَقَا فِي مَرَاحٍ أَوْ مَسْرَحٍ أَوْ سَقْيٍ أَوْ فُحُولٍ زَكَّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ " وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا " فَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَأْتِي، ونذكر ما فيها من الخلاف، فأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إِذَا كانوا ثلاثة خلطاء لو كان لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً أُخِذَتْ مِنْهُمْ شَاةٌ وَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ، فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مال الخلطاء الثلاثة الذين لم يُفَرَّقْ مَالُهُمْ، كَانَتْ فِيهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ لَمْ يجز، إلا أن يقولوا: لو كانت أربعين شَاةً بَيْنَ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ شَاةٌ، لِأَنَّهُمْ صدقوا الخلطاء صدقة الواحد وهذا أرد بِهِ مَالِكًا حَيْثُ قَالَ لَا حُكْمَ لِلْخُلْطَةِ حَتَّى يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، فَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ ثَلَاثَةُ شُرَكَاءَ في مائة وعشرين يلزمهم شَاةٌ وَاحِدَةٌ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ رِفْقًا بِهِمْ، وَلَوْ كانوا متفرقين لزمهم ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَجَبَ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةَ شُرَكَاءٍ في

(3/141)


أَرْبَعِينَ شَاةً أَنْ تَلْزَمَهُمْ شَاةٌ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ، لِيَرْتَفِقَ الْمَسَاكِينُ فِي الْخُلْطَةِ بِمِثْلِ مَا ارْتَفَقَ بِهِ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَبِهَذَا أَقُولُ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَالزَّرْعِ وَالْحَائِطِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ حَائِطًا صَدَقَتُهُ مُجَزَّأَةٌ عَلَى مائة إنسان ليس فيه إِلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الواحد؟ وما قلت في الخلطاء معنى الحديث نفسه ثم قول عطاء وغيره من أهل العلم وروي عن ابن جريج قال سألت عطاء عن الاثنين أو النفر يكون لهم أربعون شاةً فقال عليهم شاة " الشافعي الذي شك " (قال) وَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شاةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ شَاةٌ لِأَنَّهَا إِذَا فُرِّقَتْ كَانَ فيها ثلاث شياةٍ ولا يجمع بين مفترق رَجُلٌ لَهُ مِائَةُ شاةٍ وَشَاةٌ وَرَجُلٌ لَهُ مائة شاة فإذا تركا مفترقين فعليهما شاتان وإذا جمعتا ففيها ثلاث شياهٍ والخشية خشيةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَأَمَرَ أَنْ يُقَرَّ كل على حاله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْخُلْطَةُ فِي الْمَوَاشِي فَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِهَا، وَتَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ خُلْطَةُ وَصْفٍ، وَخُلْطَةُ عَيْنٍ، فَأَمَّا الْخُلْطَةُ فِيمَا عَدَا الْمَوَاشِي مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَفِي صِحَّةِ الْخُلْطَةِ فِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، إِنَّ الْخُلْطَةَ فِيهَا لَا تَصِحُّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ وَالْفُحُولِ، فَلَمَّا جَعَلَ هَذَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْخُلْطَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، دَلَّ عَلَى أن الخلطة لا تصح في غير المواشي، وَلِأَنَّ الْخُلْطَةَ إِنَّمَا جَازَتْ فِي الْمَوَاشِي لِمَا يَعُودُ مِنْ رِفْقِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ تَارَةً وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أُخْرَى وَرِفْقُ الْخُلْطَةِ فِيمَا سِوَى المواشي عائد على المساكين والاستدرار بِهَا عَائِدٌ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلِذَلِكَ صَحَّتِ الْخُلْطَةُ فِي الْمَوَاشِي لِارْتِفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ بِهَا، وَلَمْ تَصِحَّ فِيمَا عَدَا الْمَوَاشِي لِاخْتِصَاصِ الْمَسَاكِينِ بِالِارْتِفَاقِ بِهَا، وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِالِاسْتِضْرَارِ بِهَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ الْمُزَكَّاةِ كَمَا تَصِحُّ فِي الْمَوَاشِي، وَوَجْهُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق " وَلِأَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي مُعْتَبَرَةٌ في زكاة الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَإِنْ قِيلَ يَبْطُلُ بِالسَّوْمِ هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَوَاشِي دُونَ غَيْرِهَا، قِيلَ قَدْ يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَهَا حُلِيًّا فَلَا تَجِبُ زَكَاتُهَا.

(3/142)


فَصْلٌ
: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخُلْطَةَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي لَا تَصِحُّ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ مِلْكُهُ نِصَابًا، وَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي جَائِزَةٌ كَهِيَ فِي الْمَاشِيَةِ صَحَّتْ فِيهَا خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَزَرْعٍ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، أَوْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا أو مائة دِرْهَمٍ، فَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ فَهَلْ تَصِحُّ فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَرْضُ أَحَدِهِمَا تُلَاصِقُ أَرْضَ الْآخَرِ وَيَكُونَ شُرْبُهُمَا وَاحِدًا وَالْقَيِّمُ بِهِمَا وَاحِدًا، أَوْ يَكُونَ لِهَذَا مائة درهم وَيَكُونَ لِهَذَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ، وَيَكُونُ حَافِظُهُمَا وَاحِدًا وَحِرْزُهُمَا وَاحِدًا، فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ هَذِهِ الْخُلْطَةَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الِاخْتِلَاطِ، وَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ، لِأَنَّ مَعْنَى الْخُلْطَةِ ارْتِفَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ بِصَاحِبِهِ، وَقَدْ يَرْتَفِقَانِ فِي هذه الخلطة لقلة المؤونة.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ حائطاً صدقته مجزئة عَلَى مِائَةِ إِنْسَانٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؟ وَهَذَا أَرَادَ بِهِ مَالِكًا حَيْثُ مَنَعَ مِنَ الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، وَقَالَ فِي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ: أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَنَّ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةَ، فَأَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ إِفْسَادًا لِمَذْهَبِهِ وكسراً لأصله، فإن قيل هذا يَلْزَمُ مَالِكًا، لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ لَا يُمَلَّكُ، قُلْنَا: الْوَقْفُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَالثَّمَرَةُ مَمْلُوكَةٌ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ قَدْحًا دَاخِلًا عَلَيْهِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ لَيْسَ له بيعة ك " ام الْوَلَدِ ".
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَلْ قَدْ زَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تعالى كالعبد المعتق، وعلى كل الْقَوْلَيْنِ الزَّكَاةُ فِي زَرْعِ الْوَقْفِ وَثَمَرَتِهِ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِيهِ لَا تَصِحُّ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِيهِ تَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إِذَا كَانَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنَ الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُمَلَّكَ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَصَانِعِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ الزكاة تجب على ملك مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ رِقَابَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ سَائِمَةً، فإن قيل رَقَبَةَ الْوَقْفِ لَا تُمَلَّكُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ مَمْلُوكَةٌ فَفِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فَمِلْكُهَا غير تام كالمكاتب، ألا تراه لايقدر على بيعها ورهنها، والله أعلم بالصواب.

(3/143)


فصل
: قال الشافعي: وَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ شَاةٌ، لِأَنَّهَا إِذَا فُرِّقَتْ كَانَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، رَجُلٌ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، وَرَجُلٌ لَهُ مائة شاة، فإذا تركتا متفرقتين ففيها شاتان وإذا جمعا ففيها ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَالْخَشْيَةُ خَشْيَةُ السَّاعِي، أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ، فأمر أن يقر كل على حاله، ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَشْيَتَيْنِ: خَشْيَةُ قِلَّةِ الصَّدَقَةِ فِي تَفْرِيقِ مَا كَانَ مُجْتَمِعًا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهِيَ عَائِدَةٌ إِلَى السَّاعِي دُونَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَخَشْيَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي مائتي شاة وشاة مجتمعة بين خليطين يجب فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَإِنْ فُرِّقَتْ وَجَبَ فِيهَا شاتان لفا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَاهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرَّ كُلُّ مَالٍ على حاله في الجمع والتفريق.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَعِدَّتُهُمَا سَوَاءٌ فَظَلَمَ الساعي وأخذ مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا عَنْ غَنَمِهِ وَغَنَمِ الْآخَرِ شَاةَ رُبًى فَأَرَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الشَّاةَ الرُّجُوعَ على خليطه بنصف قيمة ما أخذ عن غنمهما لم يكن له أن يرجع عليه إلا بقيمة نصف ما وجب عليه إن كانت جذعة أو ثنية لأن الزيادة ظلم (قال) ولو كانت ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَجُمْلَةُ الْخُلْطَةِ ضَرْبَانِ: خُلْطَةُ أَوْصَافٍ، وَخُلْطَةُ أَعْيَانٍ، فَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ مع تعيين الْمَالَيْنِ فَالْكَلَامُ فِيهَا فِي فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ.
وَالثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ التَّرَاجُعِ، فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ أَخْذِ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِمَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالَيْنِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا إِلَّا مِنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا إِلَّا مِنْ أَحَدِ الْمَالِينَ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً بَيْنَ خَلِيطَيْنِ، فَلِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِمَا مِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ، لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنَ الْمَالَيْنِ مُتَعَذِّرٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالَيْنِ، كَمِائَتَيْنِ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ فَعَلَيْهِمَا شَاتَانِ، يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ، أَوْ يكون بينهما أربعمائة يكون لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَتَانِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاتَانِ، فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّ عَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ جَمِيعِهَا مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى خَلِيطِهِ، لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِهَا.

(3/144)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبَى هُرَيْرَةَ: أَنَّ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ مَالِهِمَا، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا وَيَرْجِعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى خَلِيطِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ وَيَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّرَاجُعِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّاعِي قَدْ أَخَذَ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْوَاجِبَ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قد أخذ غير الواجب من غير أن يعدل في الْقِيمَةِ، فَلِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى خَلِيطِهِ بقيمة حصته من الزكاة، كأن بينهما أربعون شَاةً أَخَذَ السَّاعِي زَكَاتَهَا شَاةً مِنْ مَالِ أحدهما، فله أن يرجع على شريطه بِقِيمَةِ نِصْفِهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ وَلَا بَيِّنَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَلِيطِ الْغَارِمِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ السَّاعِي قَدْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْوَاجِبِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، كَالْحَنَفِيِّ الَّذِي يَرَى أَخْذَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَيْسَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " إِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنَ السَّاعِي يَسُوغُ فِي الِاجْتِهَادِ فلم يجز نقضه، هذا كله إذا أخذ منه قدر الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَأَمَّا إِذَا أَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَ الزِّيَادَةَ مُتَأَوِّلًا، كَالْمَالِكِيِّ الَّذِي يَرَى أَخْذَ الْكِبَارِ مِنَ الصِّغَارِ، فَهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِمَّا أَخَذَ مَعَ الزِّيَادَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَأْخُذَ الزِّيَادَةَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ، كأخذ الربا وَالْمَاخِضِ وَالْأَكُولَةِ، وَمَا أُجْمِعُ عَلَى أَنَّ دَفْعَهُ لَا يُلْزِمُ، فَهَذَا يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ الواجب مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِالزِّيَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ. فَلِزَكَاتِهَا حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالْإِبِلِ الَّتِي فَرِيضَتُهَا الْغَنَمُ، فَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، سَوَاءٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ والتراجع.

(3/145)


وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ زَكَاتُهَا مِنْ جِنْسِهَا، فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ مَاشَيْتِهِمَا سَوَاءٌ حَافَ أَوْ عَدَلَ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمَا يُقَسَّطُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَقَامَتْ فِي يده ستة أشهر ثم باع نِصْفَهَا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا أَخَذَ مِنْ نصيب الأول نصف شاة لحوله الأول فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ الثَّانِي أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَاعَ نَصِفَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُشَاعًا فِي الْجُمْلَةِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ.
والثاني: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُتَمَيِّزًا عَنِ الْبَاقِي غَيْرَ شائع في الجملة، فإن كَانَ النِّصْفُ الْمَبِيعُ مُشَاعًا، فَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي زَكَاةِ الْبَائِعِ، وَالثَّانِي فِي زَكَاةِ الْمُشْتَرِي فَنَبْدَأُ أَوَّلًا بِزَكَاةِ الْبَائِعِ، لِأَنَّ حَوْلَهُ أَسْبَقُ فَنَقُولُ قَدْ مَضَى مِنْ حوله قبل المبيع سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَالْمَالُ عَلَى حَالِهِ مُشَاعٌ فَقَدْ تَمَّ حَوْلُ الْبَائِعِ وَلَزِمَهُ إِخْرَاجُ نِصْفِ شَاةٍ، وَلَا يَكُونُ بَيْعُ النِّصْفِ مُبْطِلًا لِحَوْلِ الْبَاقِي، هَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ كَأَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ نَصِيبَهُ لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ النِّصَابِ فِي حَوْلِهِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ كَانَ خَلِيطًا لِنَفْسِهِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَانَ خَلِيطًا لِغَيْرِهِ، فَكَانَ نَصِيبُهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَائِعًا فِي نِصَابٍ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيُّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وابن خَيْرَانَ يُخَرِّجَانِ قَوْلًا ثَانِيًا: أَنَّ الْبَيْعَ مُبْطِلٌ لما مضى من حوله، وجعل ذلك مبنياً على اختلاف قول الشَّافِعِيِّ فِي الْخُلْطَةِ، هَلْ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، تُعْتَبَرُ فِي آخِرِهِ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبْطَلَا مَا مَضَى مِنَ الْحَوْلِ، وَأَوْجَبَا اسْتِئْنَافَهُ، لتكون الخلطة في جميع الحول، وَهَذَا التَّخْرِيجُ غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَصَّ عَلَى جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَدِيدِ، حَيْثُ اعْتَبَرَ الْخُلْطَةَ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تَبْتَنِي عَلَيْهِ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي زَكَاةِ الْبَائِعِ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا زَكَاةُ الْمُشْتَرِي إِذَا مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ كَامِلٌ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْبَائِعِ، فإن كان أَدَّى زَكَاتَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِنُقْصَانِ الْمَالِ عَنِ النِّصَابِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى المشتري

(3/146)


الزَّكَاةُ نِصْفُ شَاةٍ، لِأَنَّ لَهُ عِشْرِينَ شَاةً مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعِينَ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ هَلْ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وُجُوبًا مُرَاعًى أَوْ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ؟ فَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا تجب وُجُوبًا مُرَاعًى، فَعَلَى الْمُشْتَرِي الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ قُلْتُمْ إن استحقاق المساكين جزء من غير المال يبطل بحكم زَكَاتِهِ وَقَدْ صَارُوا خُلَطَاءَ بِهِ، قُلْنَا لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، أَلَا ترى لَوِ اجْتَمَعَ بِيَدِ السَّاعِي أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً فَلَمْ يُقَسِّمْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ حَتَّى حَالَ حَوْلُهَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَقْوَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي المبيع إذا كان مشاعاً وأقبضه البائع وقت العقد ما لم يستلمه مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَأَمَّا إِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ زَمَانًا كَالشَّهْرِ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ حَصَلَ الْقَبْضُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ حَوْلِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْتَسَبُ مِنْ حَوْلِهِ لِوُجُودِ مِلْكِهِ، فَعَلَى هذا يكون الجواب لما مَضَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ حَوْلِهِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا يَسْتَأْنِفُ الْبَائِعُ الْحَوْلَ أَيْضًا مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُخَالِطًا لِمَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ
: وَأَمَّا إِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا مُتَمَيِّزًا، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُعَلِّمَ عَلَيْهَا، وَيُشِيرَ إِلَيْهَا، وَيَقْبِضَهَا قَبْضَ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِدَهَا عَنِ الْجُمْلَةِ، فَهَذَانِ يُزَكِّيَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي بَيْعِ الْمُشَاعِ سَوَاءً.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي مَا ابْتَاعَهُ مُفْرَدًا وَيُخْرِجُهُ مِنَ الْمَرَاحِ ثُمَّ يَرُدُّهُ وَيَخْلِطُهُ، فَهَذَانِ يَسْتَأْنِفَانِ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ الْخُلْطَةِ، وَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَرَاحِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْبِضَهَا مُفْرَدَةً مُتَمَيِّزَةً فِي الْمَرَاحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ ثُمَّ يَخْلِطَهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَدْ بَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى وَيَسْتَأْنِفَانِ الْحَوْلَ لِافْتِرَاقِ الْمَالَيْنِ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَرَاحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة، فإن مَا مَضَى لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّ الْمَرَاحَ يَجْمَعُهُمَا وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي زَكَاتِهِ كَالْحُكْمِ فِي زَكَاةِ المشاع والله أعلم بالصواب.

(3/147)


مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو كانت له غنم يجب فِيهَا الزَّكَاةُ فَخَالَطَهُ رَجُلٌ بِغَنَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزكاة ولم يكونا شائعاً زُكِّيَتْ مَاشِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهَا ولم يزكيا زكاة الخليطين فِي الْعَامِ الَّذِي اخْتَلَطَا فِيهِ فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ وَهُمَا خَلِيطَانِ كَمَا هُمَا زَكَّيَا زَكَاةَ الخليطين لأنه قد حال عليهما الحول من يوم اختلطا فإن كانت ماشيتهما ثمانين وحول أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّمِ وَحَوْلَ الْآخَرِ فِي صَفَرٍ أخذ منهما نصف شاةٍ في المحرم ونصف شاةٍ في صفر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلَيْنِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً خَلَطَاهَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُمَا متفقاً.
والضرب الثاني: أن يكون حولهما مختلفاً، وإن كَانَ حَوْلُهُمَا مُتَّفِقًا فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يتخالطا بعضهما مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إِلَى آخِرِهِ فَهَذَانِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَخَالَطَا بعضهما بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، كَأَنْ مَضَى مِنْ حَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ خَلَطَا غَنَمَيْهِمَا خُلْطَةَ أَوْصَافٍ مِنْ غير تبايع فصارت غنمهما ثماني شَاةً، فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْخُلْطَةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ تَمَّ حَوْلُهُمَا جَمِيعًا، وَقَدْ كَانَا فِي نِصْفِهِ الْأَوَّلِ مُنْفَرِدَيْنِ وَفِي نِصْفِهِ الثَّانِي خَلِيطَيْنِ، فَهَلْ يُزَكِّيَانِ فِي هَذَا الْعَامِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ اعْتِبَارًا بِآخِرِ الْحَوْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْوَاجِبِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ لَا بِأَوَّلِهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ الَّتِي بِهَا يَتَغَيَّرُ قَدْرُ الْوَاجِبِ بِآخِرِ الْحَوْلِ لَا بِأَوَّلِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُمَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ اعْتِبَارًا بِجَمِيعِ الْحَوْلِ فِي صِحَّةِ الْخُلْطَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مَعْنًى يُغَيَّرُ بِهِ فَرْضُ الزَّكَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ جَمِيعُ الْحَوْلِ كَالسَّوْمِ، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ مُنْفَرِدِينَ في آخره زَكَّيَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ دُونَ جَمِيعِهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ خَلِيطَيْنِ فِي آخِرِهِ يَجِبُ أَنْ يُزَكِّيَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ دُونَ جَمِيعِهِ، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَهُمَا عَلَى خُلْطَتِهِمَا زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لَا يُخْتَلَفُ لِوُجُودِهَا فِي الْحَوْلِ كله.

(3/148)


فَصْلٌ
: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُمَا مُخْتَلِفًا كَأَنَّ حَوْلَ أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّمِ وَحَوْلَ الْآخَرِ فِي صَفَرٍ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْلِطَاهَا بَعْدَ أَنْ مَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّةٌ مِنْ حَوْلِهِ، كَأَنَّهُمَا خَلَطَاهَا فِي غُرَّةِ رَجَبٍ وَقَدْ مَضَى مِنْ حَوْلِ صَاحِبِ الْمُحَرَّمِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ حَوْلِ صَاحِبِ صَفَرٍ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالَّتِي قَبْلَهَا، غَيْرَ أَنَّ حَوْلَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَلْ يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ: عَلَى الْقَدِيمِ يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ يُزَكِّي زَكَاةَ الِانْفِرَادِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، لَا تَصِحُّ خُلْطَتُهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ حَوْلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ حَوْلُهُمَا مُتَّفِقًا، فَجَعَلَ اتِّفَاقَ الْحَوْلِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْخُلْطَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كان اتفاق حولهما شرطاً في الخلطة يوجب أن يكون تساوي عمالهما شَرْطًا فِي الْخُلْطَةِ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ على فساد ما اعتبره، فإذا قيل إنهما يزكيان عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ شَاةٍ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَمْضِيَ لِأَحَدِهِمَا مُدَّةٌ مِنْ حَوْلِهِ دُونَ صَاحِبِهِ كَأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ، وَمَلَكَ الْآخَرُ أَرْبَعِينَ شاة فِي غُرَّةِ صَفَرٍ، وَخَلَطَهَا فِي الْحَالِ بِغَنَمِ صاحب الَّتِي قَدْ مَضَى مِنْ حَوْلِهَا شَهْرٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَاحِبُ الْمُحَرَّمِ الَّذِي قَدْ مَضَى مِنْ حَوْلِهِ فِي الِانْفِرَادِ شَهْرٌ هَلْ يُزَّكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ أَوْ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ، عَلَى الْقَدِيمِ يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ، وأما على الْجَدِيدِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُزَكِّي زَكَاةَ الِانْفِرَادِ شَاةً لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرْتَفِقْ خَلِيطُهُ بِهِ لَمْ يَرْتَفِقْ هُوَ بِخَلِيطِهِ.
فَصْلٌ
: رَجُلَانِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً، بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ غَنَمِهِ مُشَاعًا بِنِصْفِ غَنَمِ صَاحِبِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَوْلِهِ، وَخَلَطَا الْمَالَيْنِ فَصَارَ جَمِيعُهُ ثَمَانِينَ شَاةً بَيْنَهُمَا مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَاةً قَدْ مَضَى مِنْ حَوْلِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَهُمَا التي لم تدخل تحت المبيع وَأَرْبَعُونَ شَاةً لَمْ يَمْضِ مِنْ حَوْلِهَا شَيْءٌ وَهِيَ الْمَبِيعَةُ، لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ حَوْلِهَا قَدْ بَطَلَ بِالْبَيْعِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَتَخْرِيجِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ إِذَا بَطَلَ حَوْلُ مَا بِيعَ بَطَلَ حَوْلُ غَيْرِ الْمَبِيعِ، يَقُولُ يَسْتَأْنِفَانِ حَوْلَ الثَّمَانِينَ مِنْ وَقْتِ التَّبَايُعِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا: إِنَّ بُطْلَانَ حَوْلِ مَا بِيعَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَوْلِ غَيْرِ الْمَبِيعِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَمَّ حَوْلُ غَيْرِ الْمَبِيعِ بَعْدَ ستة أشهر من بعد التَّبَايُعِ فَقَدْ كَانَا فِي نِصْفِهِ الْأَوَّلِ مُنْفَرِدَيْنِ وَفِي نِصْفِهِ الثَّانِي خَلِيطَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ عَلَيْهِمَا نِصْفُ شَاةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ربعها، وعلى الْجَدِيدِ عَلَيْهِمَا شَاةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُهَا، لِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَمْ تُوجَدْ فِي جَمِيعِ الحول،

(3/149)


فَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ الْمَبِيعَةُ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا، فَعَلَى الْقَدِيمِ عَلَيْهِمَا نِصْفُ شَاةٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا، وَعَلَى الْجَدِيدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِمَا نِصْفُ شَاةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ.
وَالْوَجْهُ الثاني: أن عليهما شاة على كل واحد منهما نصفها، لأنه لما لم ترتفق تلك الأربعين الْأُوَلُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ تَرْتَفِقْ هَذِهِ بِتِلْكَ.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِأَحَدِهِمَا ببلدٍ آخر أربعون شاةً أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ شَاةً ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ الْغَائِبَةِ وَرُبُعُهَا عَنِ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ لِأَنِّي أَضُمُّ مَالَ كُلِّ رَجُلٍ إِلَى مَالِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَلِأَحَدِهِمَا بِبَلَدٍ آخر أربعون شَاةً مُفْرِدَةً، فَفِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِأَصْحَابِنَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَيْهِمَا شَاةً ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَنْ صَاحِبِ السِّتِّينَ، وَرُبُعُهَا عَنْ صَاحِبِ الْعِشْرِينَ، لِأَنَّ مِلْكَ الرَّجُلِ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ وَإِنِ افْتَرَقَ، فَإِذَا ضُمَّتِ الْغَائِبَةُ إِلَى الْحَاضِرَةِ صَارَ كَأَنَّهُ خَلِيطٌ بِجَمِيعِهِ وذلك ستون شاة من جملة ثمانين شاة، وَهَذَا أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفَ شَاةٍ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعِينَ وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةً كَمَا لَوِ انْفَرَدَتْ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْخُلْطَةُ بِبَعْضِ الْمَالِ خُلْطَةٌ بِجَمِيعِهِ لَوَجَبَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ثلاثين شَاةً وَلِأَحَدِهِمَا بِبَلَدٍ آخَرَ عَشْرٌ أَنْ تُضَمَّ إِلَى الثَّلَاثِينَ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ وَتُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي هَذَا الْمَالِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ بِبَعْضِ الْمَالِ لَا تَكُونُ خُلْطَةً بِجَمِيعِهِ، وَأَنَّ مَا انفرد من مَالِ الْخُلْطَةِ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفَ شَاةٍ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةً إِلَّا نِصْفَ سُدُسِ شَاةٍ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْتَفِقُ بِالْخُلْطَةِ فِيمَا هُوَ خَلِيطٌ به دون غيره يزكي عَنِ الْمُنْفَرِدِ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَعَنِ الْمُخْتَلَطِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، فَيُقَالُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ سِتُّونَ لَكَانَ عَلَيْهِ شَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْأَرْبَعِينَ ثُلُثَا شَاةٍ، لِأَنَّهَا ثُلُثَا السِّتِّينَ، وَلَوْ كَانَ خَلِيطًا بِجَمِيعِ مَالِهِ لَكَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ، لِأَنَّهَا سِتُّونَ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَانِينَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْعِشْرِينَ الَّتِي هُوَ خَلِيطٌ بِهَا رُبُعُ شَاةٍ، لِأَنَّهَا رُبُعُ الثَّمَانِينَ ثُمَّ يَجْمَعُ الثُّلُثَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ إِلَى الرُّبُعِ الْوَاجِبِ فِي الْعِشْرِينَ، فَيَكُونُ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ ونصف.

(3/150)


وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفَ شَاةٍ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ شَاةٍ، لِيَرْتَفِقَ صَاحِبُ السِّتِّينَ بِضَمِّ مَالِهِ الْغَائِبِ إِلَى الْحَاضِرِ، إِذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ، وَلَا يَرْتَفِقُ صَاحِبُ الْعِشْرِينَ إِلَّا بِمَالِ الْخُلْطَةِ دُونَ مَا انْفَرَدَ.

فَصْلٌ
: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً خَالَطَ بِكُلِّ عِشْرِينَ مِنْهَا رَجُلًا مَعَهُ عِشْرُونَ فَصَارَ مُخَالِطًا لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ وَجَمِيعُ مَالِهِ وَمَالِهِمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عِشْرُونَ، وَلِلْأَوَّلِ سِتُّونَ، فَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي إِسْحَاقَ: عَلَى جَمَاعَتِهِمْ شَاةٌ، نِصْفُهَا عَنْ صَاحِبِ السِّتِّينَ، لِأَنَّ لها نِصْفَ الْمَالِ، وَنِصْفُهَا عَنِ الثَّلَاثَةِ الْخُلَطَاءِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُهَا، لِأَنَّ لَهُمْ سِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِشْرُونَ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِمْ شَاتَانِ وَنِصْفٌ، عَلَى الثَّلَاثَةِ مِنْهَا شَاةٌ وَنِصْفٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ شَاةٍ، لِأَنَّ لَهُ عِشْرِينَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعِينَ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ كَالْمُنْفَرِدِ بِسِتِّينَ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مَعًا عَلَيْهِمْ شَاتَانِ وَرُبُعٌ، مِنْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ شَاةٌ وَنِصْفٌ، على كل واحد منهم نصف شاة، لأنه لَهُ عِشْرِينَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعِينَ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ، فَكَأَنَّهُ خَلِيطٌ بِهَا مَعَ عِشْرِينَ.
فَصْلٌ
: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ خَالَطَ بِكُلِّ بَعِيرٍ مِنْهَا رَجُلًا مَعَهُ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ فَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَعِيرًا بَيْنَ سِتَّةٍ لِأَحَدِهِمْ مِنْهَا خَمْسَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَاقِينَ أَرْبَعَةٌ، فَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي إِسْحَاقَ عَلَيْهِمْ بِنْتُ مَخَاضٍ، عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ خُمُسُهَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَاقِينَ أربعة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، ثُمَّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْبَاقِينَ يَكُونُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَضَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(3/151)