الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

بَابُ رَهْنِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو رهنه مَاشِيَةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ فَرَهْنٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِذَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ نِصَابٌ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، كَأَرْبَعِينَ شَاةً حَالَ حَوْلُهَا، فَرَهَنَهَا قَبْلَ أَدَاءِ زَكَاتِهَا فَهُوَ كَالْبَيْعِ عَلَى مَا مَضَى، فَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَائِزٌ إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الرَّهْنَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ فَهُوَ فِي الْبَاقِي أَجْوَزُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بَاطِلٌ فهو يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَالرَّهْنُ فِي الْبَاقِي جَائِزٌ، وَإِنْ قيل تفريق الصفقة لا يجوز ففي ببطلان رَهْنِ الْبَاقِي وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ عِلَّةِ هذا القول، فإن قيل العلة فيه جَهَالَةُ الثَّمَنِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ فِيهِ، وَإِنْ قِيلَ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ جَمَعَ حَلَالًا وَحَرَامًا فَرَهْنُ الْبَاقِي بَاطِلٌ، فَلَوْ أَخَذَ الْوَالِي الزَّكَاةَ مِنْهَا بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي عَلَى نَحْوِ مَا مَضَى فِي الْبَيْعِ.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو باعه بيعاً عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ إِيَّاهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ كَمَنْ رَهَنَ شَيْئًا لَهُ وَشَيْئًا لَيْسَ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِذَا شَرَطَ رَهْنَ الْغَنَمِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا فِي عقد بيع فَإِنْ قِيلَ رَهْنُ الْجَمِيعِ جَائِزٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، ولا خيار للبايع لِحُصُولِ الرَّهْنِ لَهُ عَلَى مَا شَرَطَهُ، وَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بَاطِلٌ وَفِي الْبَاقِي جَائِزٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، لَكِنْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ بِرَهْنِ الْبَاقِي وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِنُقْصَانِ الرَّهْنِ، وَإِنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ فِي الْجَمِيعِ فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:

(3/205)


أحدهما: باطل كبطلان الرَّهْنِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ مُلْحَقٌ بِالْبَيْعِ كَالْأَجَلِ، وَفَسَادُ الأجل مبطل للبيع كذلك الرَّهْنُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبُطْلَانُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْآخَرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الرَّهْنِ.

مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو حال عليها حول وجبت فيها الصدقة فَإِنْ كَانَتْ إِبِلًا فَرِيضَتُهَا الْغَنَمُ بِيعَ مِنْهَا فاستوفيت صَدَقَتُهَا وَكَانَ مَا بَقِيَ رَهْنًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا رَهَنَ مَاشِيَةً قَبْلَ حَوْلِهَا فَرَهْنُهَا صَحِيحٌ، وَتَجْرِي فِي الْحَوْلِ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُهَا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ عَلَيْهَا تَامٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِصُ التَّصَرُّفِ، وَنُقْصَانُ التَّصَرُّفِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَخْلُ حَالُ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ حَالًا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، فَدَفَعَهَا الرَّاهِنُ مِنْ مَالِهِ، كَانَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ، وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ رَهْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا بِهَا أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهَا مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّهَا مِنْ مُؤْنَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ معسراً بها فعلى قولين: إن قيل الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ بُدِئَ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَقُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا فِي الذمة بدأ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَخْلُ حَالُ الزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ حَوْلُ الزَّكَاةِ أَسْبَقَ مِنْ حَوْلِ الدَّيْنِ، فَيَبْدَأُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهَا قَبْلَ الدَّيْنِ، إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا، فَيَكُونُ الرَّهْنُ عَلَى جُمْلَتِهِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنَ الرَّهْنِ، لِأَنَّ وُجُوبَهَا أَسْبَقُ من وجوب الدين، فكانت أحق بالتقدمة، وإذا أُخِذَتِ الزَّكَاةُ بَطَلَ الرَّهْنُ فِيهَا، وَكَانَ الرَّهْنُ ثَابِتًا فِي الْبَاقِي، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي فسخ البيع لنقصان الرهن، لِأَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوِ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ بِرِدَّةٍ، أَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يكون حلول الدين أسبق من حلول الزَّكَاةِ، فَيُقَدِّمُ الدَّيْنَ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِهِ، فَإِنْ بِيعَ الرَّهْنُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَيُطَالَبُ بِهَا الرَّاهِنُ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤْنَةِ الرَّهْنِ كَالسَّقْيِ، وَالْعُلُوفَةِ، وَأُجْرَةِ الرُّعَاةِ، وَالْحَفَظَةِ.

(3/206)


والقسم الثالث: أن يكون حلول الدين وحلول الزَّكَاةِ مَعًا لَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا بِهَا قَادِرًا عَلَى دَفْعِهَا مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ أُخِذَتْ مِنْ ماله وكان الرهن معروفاً فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ غَيْرَ الرَّهْنِ وَلَا يَمْلِكُ سِوَاهُ فَهَلْ يَبْدَأُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَوْ بِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ خُرِّجَ قَوْلٌ ثَالِثٌ إِنَّهُمَا سواء ويقسط ذلك بينهما.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وما نتج منها خارجاً من الرهن ولا يباع منها مَاخِضٌ حَتَّى تَضَعَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ وإنما ذكرهما في غير الْمَوْضِعِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِمَا قَبْلَهُمَا، فَإِذَا رَهَنَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ أَوْ مَاشِيَةً فَنَتَجَتْ فَالْوَلَدُ وَالنِّتَاجُ خَارِجٌ مِنَ الرَّهْنِ، وَقَالَ أبو حنيفة يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَسَنَذْكُرُ الْحِجَاجَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ النِّتَاجُ تَابِعًا لِلْأُمَّهَاتِ فِي الزَّكَاةِ فَهَلَّا كَانَ تَابِعًا لَهَا فِي الرَّهْنِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ وَالنِّتَاجَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ، وَالزَّكَاةُ لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالنِّتَاجُ دَاخِلٌ فِي الْمِلْكِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النِّتَاجَ لَا يَدْخُلُ في الرهن انتقل الكلام إلى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا تُبَاعُ مَاخِضٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ، وَهِيَ اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَمْلِ هَلْ يَكُونُ تَبَعًا أَوْ يُأْخَذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ؟ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ إِنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لَا حُكْمَ لَهُ بِنَفْسِهِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأُمِّ يَسْرِي إِلَيْهِ كَمَا يَسْرِي إِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَسْرِي إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مُنْفَصِلًا فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ يَكُونُ تَبَعًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ وَيُفْرَدُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ عِتْقَ الْحَمْلِ لَا يَسْرِي إِلَى عِتْقِ أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا لَسَرَى عِتْقُهُ إِلَى عنقها.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ تكون الماشية المرهونة حَوَامِلَ وَيَأْبَى الرَّاهِنُ الْبَيْعَ حَتَّى تَضَعَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا حَوَامِلَ، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَحُلُولِ الْحَقِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إِمَّا أن تكون حوامل في الحالين، أو حوامل في الحالين، حوايل فِي الْوَسَطِ أَوْ حَوَامِلَ عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، حوايل عند حلول الحق، أو حوايل عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ حَوَامِلَ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ.

(3/207)


فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا وَهِيَ حَوَامِلُ وَيَحِلَّ الْحَقُّ وَهِيَ أَيْضًا حَوَامِلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ تباع وهي حوامل، سواء قيل إن الحمل تبع أوله قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ تَبَعًا فِي الْعَقْدِ كَانَ تَبَعًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ، لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا وهي حوايل ثم تحمل وتضع ويحل الحق وهي حوايل، فَالْوَاجِبُ أَنْ تُبَاعَ الْأُمَّهَاتُ دُونَ النِّتَاجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا وَهِيَ حَوَامِلُ ثُمَّ تَضَعُ وَيَحُلُّ الحق وهي حوايل فَهَلْ تُبَاعُ مَعَ الْأُمَّهَاتِ أَمْ لَا؟ عَلَى قولين: إن قِيلَ: إِنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الرَّهْنِ لَا تُبَاعُ مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عِنْدَ اتِّصَالِهَا تَبَعًا، فَإِذَا انْفَصَلَتْ لم تكن تبعاً وإن قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ يَنْفَرِدُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الْعَقْدِ بِيعَتْ مَعَ الْأُمَّهَاتِ لِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا وهي حوايل ويحيل الْحَقُّ وَهِيَ حَوَامِلُ فَهَلْ تُبَاعُ وَهِيَ حَوَامِلُ أَمْ حَتَّى تَضَعَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: إِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ بِيعَتْ حَوَامِلُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَيْعُهَا حَتَّى وَضَعَتْ لَمْ يُبَعِ الْحَمْلُ مَعَهَا، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الْعَقْدِ وَيَنْفَرِدُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ لَمْ تُبَعْ وَهِيَ حَوَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، فَإِذَا وَضَعَتْ بِيعَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا دُونَ حَمْلِهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَبِيعَهَا مَعَ حَمْلِهَا، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ إِلَى حِينِ الْوَضْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(3/208)