الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

باب زكاة المعدن
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْمَعَادِنِ إلا ذهباً أو ورقاً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَدَنَ الشَّيْءَ فِي الْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ فِيهِ وَالْعَدْنُ الْإِقَامَةُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ) {النحل: 31) جَنَّاتِ إِقَامَةٍ وَقِيلَ: فِي الْبَلَدِ الْمَنْسُوبِ إِلَى عَدَنَ إِنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ إِنَّهُ كَانَ حَبْسًا لِتُبَّعٍ يُقِيمَ فِيهِ أَهْلُ الْجَرَائِمِ فَالْمَعَادِنُ هِيَ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، جَوَاهِرَ الْأَرْضِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْمَرْجَانِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْعَقِيقِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَإِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الكحل والزيبق وَالنِّفْطِ فَلَا زَكَاةَ فِي جَمِيعِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِلْكٍ، أَوْ مَوَاتٍ إِلَّا فِي مَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، دُونَ مَا عَدَاهُمَا وَقَالَ أبو حنيفة الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا انْطَبَعَ مِنْهَا كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ دُونَ مَا لَا يَنْطَبِعُ مِنَ الذَّائِبِ، وَالْأَحْجَارِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرَّكَازِ الْخُمُسُ وَالْمَعَادِنُ تُسَمَّى رِكَازًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ فِي جَمِيعِهَا عَامًّا، وَلِأَنَّهُ جَوْهَرٌ يَنْطَبِعُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، إِذَا أُخِذَ مِنْ مَعْدِنِهِ كَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ وَرِثَهُ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَ، إِذَا اسْتَفَادَهُ مِنَ الْمَعْدِنِ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنِّفْطِ وَالْقِيرِ، وَلِأَنَّهُ مُقَوَّمٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَعْدِنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَلِأَنَّ الْمَعَادِنَ إِمَّا أَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الْفَيْءَ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ أَوْ مَجْرَى الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ كَالْفَيْءِ، لِأَنَّ خُمُسَ الْفَيْءِ يَجِبُ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ ما انطبع منها ولم يَنْطَبِعْ فَثَبَتَ، أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الزَّكَاةِ، وَالزَّكَاةُ لَا تَجْرِي فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَكَذَا لَا تَجِبُ إِلَّا فِي مَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ الرِّكَازَ غَيْرُ الْمَعَادِنِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِعِلَّةِ، أَنَّهُ يَنْطَبِعُ فَفَاسِدٌ بِالزُّجَاجِ، لِأَنَّهُ يَنْطَبِعُ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، أَنَّهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ المعدن والله أعلم.

(3/333)


مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وإذا خرج منها ذهبٌ أو ورقٌ فَكَانَ غَيْرَ متميزٍ حَتَّى يُعَالَجَ بِالنَّارِ أَوِ الطعن أو التحصيل فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
أَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ فَبِاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَأَمَّا وَقْتَ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ فَبِتَخْلِيصِهِ وَتَصْفِيَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ وَرِقًا خَالِصًا، أَوْ ذَهَبًا صَافِيًا كَالثِّمَارِ الَّتِي تَجِبُ زَكَاتُهَا بِبُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَيُخْرَجُ مِنْهَا بَعْدَ جَفَافِهَا، وَصِرَامِهَا كَذَلِكَ مَعَادِنُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ تَجِبُ الزكاة فيه، بالأخذ والاستخراج وتجب الزكاة منها بعد التصفية، والتميز تَشْبِيهًا بِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ النِّصَابَ فِيهِ مُعْتَبَرٌ، ولا يمكن اعتباره إلا بعد تمييزه، وَعَلَيْهِ الْتِزَامُ مُؤْنَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " فإن دفع منه شيئاً قبل أن يحصل ذهباً أو ورقاً فالمصدق ضامن والقول فيه قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إِنِ اسْتَهْلَكَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الذهب والذهب قَبْلَ التَّمْيِيزِ، وَالتَّصْفِيَةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ تَمْيِيزِهَا وَتَصْفِيَتِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُصَدِّقِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَكَانَ ضَامِنًا لَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمِتِهِ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَرِقًا، وَإِنْ كَانَ وَرِقًا غَرِمَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُصَدِّقِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ فَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَيْسَ هَذَا لِي، أَوْ قَدْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْمُصَدِّقُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى صَفَّاهُ وَمَيَّزَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ مِنَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ طَالَبَ بِالنُّقْصَانِ كَأَنَّهُ مَيَّزَ مَا أَخَذَهُ فَكَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فيحتسب بهذه العشرة وإن كَانَ جُمْلَةُ مَا أَخَذَ مِنَ الْمَعْدِنِ بَعْدَ تمييزه أربعماية دِرْهَمٍ، فَالْعَشْرَةُ قَدَرُ زَكَاتِهَا إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا رُبُعُ الْعَشْرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ طَالَبَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ رَدَّ ما فضل منها ويشبه ذلك من زَكَاةِ الثِّمَارِ، أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ عُشْرَ الثَّمَرَةِ رُطَبًا وَهِيَ مِمَّا تَصِيرُ تَمْرًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى جَفَّفَهُ احْتَسَبَ بِمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ زَكَاةِ رَبِّ الْمَالِ وَطَالَبَ بِمَا زَادَ أَوْ رَدَّ مَا نَقَصَ وَاللَّهُ أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يجوز بيع تراب المعادن بحالٍ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ مختلطٌ بِغَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ:
بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَتُرَابِ الصَّاغَةِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعَادِنِ دُونَ تُرَابِ الصَّاغَةِ لِأَنَّ اخْتِلَاطَ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، لَا

(3/334)


يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ كَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالنِّدِّ الْمَعْجُونِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن بيع الفرز وفي تراب المعادن، والصاغة أعظم الفرد لأن الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَمِثْلُهُ، إِذَا اخْتَلَطَتِ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودٌ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ بَاعَ تُرَابَ مَعَادِنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَتُرَابَ مَعَادِنِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَمْ يَجُزْ لِعِلَّتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: خَوْفُ الربا.
والثانية: جهالة المعقود فَلَوْ بَاعَ تُرَابَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، أَوْ تُرَابَ الذهب بالفضة لم يجز عندنا لجهالة العقود، وَجَازَ عِنْدَ أبي حنيفة لِزَوَالِ الرِّبَا.

مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وذهب بعض أهل ناحيتنا إلى أن في المعادن الزكاة وَغَيْرُهُمْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ ركازٌ فَفِيهَا الْخُمُسُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يَجِبُ فِي الْمَعَادِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ حَكَاهَا أَصْحَابُنَا أقاويل للشافعي:
أحدها: فِيهَا رُبْعَ الْعُشْرِ كَالزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، " وَالْإِمْلَاءِ " وَفِي كِتَابِ " الْأُمِّ ".
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: إِنَّ فِيهَا الْخُمُسَ كَالرِّكَازِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَأَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ إِنْ أُخِذَ بِمُؤْنَةٍ وَتَعَبٍ فَفِيهِ ربع العشر، وإن وجد نُدْرَةً مُجْتَمِعَةً أَوْ وُجِدَ فِي أَثَرِ سَيْلٍ فِي بَطْحَاءَ بِلَا مُؤْنَةٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ فَمَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْخُمُسَ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرِّكَازُ فَقَالَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ اللَّذَانِ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ رِكَازٌ وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سُئِلَ عَنْ رجلٍ وَجَدَ كَنْزًا فِي قَرْيَةٍ خربةٍ فقال: إن وجده فِي قريةٍ مسكونةٍ أَوْ فِي سَبِيلِ مِيتَاءَ فعرفه،

(3/335)


وإن وجده فِي خَرْبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " وَلِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إِيدَاعِ أَصْلٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْخُمُسَ كَالرِّكَازِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ رُبْعَ الْعُشْرِ بعموم، قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي الرَّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقطع بلال ابن الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ضَعِيفٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ قَدْ رَوَى غَيْرُ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَارِثِ بن بلال بن الحارث المزني عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَذَ مِنْهُ زَكَاةَ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةَ وَهَذَا نَصٌّ مستند وروى جوبير عن الضحاك أن النبي
قَالَ " فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَفِي الْمَعْدِنِ الصَّدَقَةُ " وَلِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ لَمْ يُمْلَكْ غَيْرُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِ الْخُمُسُ كَالْحُبُوبِ، وَاسْتَدَلَّ مَنِ اعْتَبَرَ كَثْرَةَ الْمُؤْنَةِ وَقِلَّتَهَا بِالزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا يَقِلُّ بِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ، إِذَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ نَضْحٍ فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَيَكْثُرُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ، إِذَا سُقِيَ بِمَاءِ سَمَاءٍ أَوْ سَيْحٍ فَيَجِبُ فيه العشر، فكذلك المعادن، إن قلنا الْمُؤْنَةُ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا، وَجَبَ فِيهَا الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ وَإِنْ كَثُرَتِ الْمُؤْنَةُ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَجَبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ كَالنَّاضِّ، فَهَذَا تَوْجِيهُ الأقاويل الثلاثة.

(3/336)


مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا قِيلَ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّهَبُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَالْوَرِقُ مِنْهُ خَمْسَ أواقٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قال:
ليس يختلف مذهب أَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَعَادِنِ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ كَالزَّكَاةِ، أَوِ الخمس كالركاز فإن كان وزناً، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقٍ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بعض المواضع لو كنت الواحد لَهُ لَزَكَّيْتُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ، لِيَكُونَ خَارِجًا مِنَ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ فِي السَّفَرِ أَمَّا أَنَا فَلَا أَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَلَا وَجْهَ فِيهِ لِمَا، وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَخَرَّجَ لَهُ ذَلِكَ قَوْلًا ثَانِيًا وَقَالَ أبو حنيفة يُخْرَجُ مِنْ قَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ نِصَابٍ، وبناء عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَخُمُسِ الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ، وَكَذَا الزَّكَاةُ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَلَمَّا نفي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا سِوَى الزَّكَاةِ وَأَثْبَتَ الزَّكَاةَ وَكَانَ فِي الْمَعَادِنِ، وَالرِّكَازِ حَقٌّ ثَابِتٌ عُلِمَ أَنَّهُ زَكَاةٌ لِنَفْيهِ مَا سِوَاهَا وَلِأَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَأْخُوذٌ مِنْ مُشْرِكٍ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ، وَالذِّلَّةِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَالطُّهْرَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا وَمُوجِبِهِمَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ مَعَ مَا سَلَفَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ ذَهَبَ لحاجةٍ فإذا بجرذ يخرج من أرض دنانير فأخرج سبعة عشرة دِينَارًا ثُمَّ أَخْرَجَ خِرْقَةً حَمْرَاءَ فِيهَا دينارٌ فَجَاءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يَأْخُذْ زَكَاتَهَا فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَيُضَمُّ مَا أَصَابَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَةِ ".
قَالَ الماوردي: وإنما ضم بعضه إلى بع لأنه لا بد من وقوع مهلة من النيل، فلو قلنا أن لَا يُضَمَّ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ظُهُورَ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِهِ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّا لَوِ اعْتَبَرْنَا ثَمَرَةً بَعْدَ ثَمَرَةٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ، فكذا المعادن فلو أتلف ما أخذه أو لا حُسِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَعَ الثَّانِي نِصَابًا زَكَّاهُ وَفِيمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ غَيْرَ حاقدٍ فَقَطَعَ الْعَمَلَ فيه ثم استأنفه لم يضم كثر القطع عنه له أو قل والقطع ترك العمل لغير عذرٍ أَدَاةٍ أَوْ عِلَّةِ مرضٍ أَوْ هربٍ عبيدٍ لا وقت فيه إلا ما وصفت ".

(3/337)


قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا قَوْلُهُ غَيْرُ حَاقِدٍ يَعْنِي مَانِعٍ لِنَيْلِهِ يُقَالُ حَقَدَ الْمَعْدِنَ إِذَا مَنَعَ وَأَنَالَ إِذَا أَعْطَاهُ فَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ مُنِيلًا غَيْرَ حَاقِدٍ فَقَطَعَ الْعَمَلَ فِيهِ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْطَعَهُ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ هرب عبيداً، وتعذر آلة فإذا أعاد ضَمَّ مَا أَصَابَهُ بَعْدَ عَوْدِهِ إِلَى مَا أصابه قبل فقد قَطْعِهِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَقَعْ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ زَمَانِ النَّيْلِ، وَأَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَهُ مُخْتَارًا نَاوِيًا تَرْكَ الْعَمَلِ فِيهِ، فَإِنْ عَادَ صَارَ مُسْتَأْنِفًا وَلَمْ يَضُمَّ مَا أَصَابَهُ فِي الثَّانِي إِلَى مَا أَصَابَهُ فِي الْأَوَّلِ كَمَنْ غَيَّرَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا لَمْ يَبْنِ عَلَى مَا مَضَى، وَاسْتَأْنَفَ حُكْمَهَا والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ تَابَعَ فَحَقَدَ وَلَمْ يَقْطَعِ الْعَمَلَ فِيهِ ضَمَّ مَا أَصَابَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ إِلَى الْأَوَّلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْعَمَلِ، فَحَقَدَ الْمَعْدِنُ، وَمَنَعَ نَيْلَهُ ثُمَّ أَنَالَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حِقْدُهُ يَسِيرًا فَهَذَا يَبْنِي، وَلَا تَأْثِيرَ لِحِقْدِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حِقْدُهُ كَثِيرًا وَزَمَانُ مَنْعِهِ طَوِيلًا، فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَضُمُّ، لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمِّ بِشَرْطَيْنِ الْعَمَلِ والنيل فلما كان قطع العمل ع اسْتِدَامَةِ النَّيْلِ، لَا يُوجِبُ الضَّمَّ فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الْعَمَلِ مَعَ قَطْعِ النَّيْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ يَضُمُّ وَلَا يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ نَيْلَ الْمَعَادِنِ فِي الْعَادَةِ يختلف بنيل تارة وبحقد وبحقد تَارَةً، وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ النَّيْلِ عُذْرٌ كَانْقِطَاعِ الْعَمَلِ بِعُذْرٍ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ بِعُذْرٍ يُوجِبُ الضَّمَّ وَكَذَا انْقِطَاعُ النَّيْلِ الَّذِي، هُوَ عذر يوجب الضم
مسألة:
قال المزني رضي الله عنه: " وقال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالَّذِي أَنَا فِيهِ وَاقِفٌ الزَّكَاةُ فِي الْمَعْدِنِ وَالتَّبْرِ الْمَخْلُوقِ فِي الْأَرْضِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ فأولى به أن يجعله فائدةً وقد أخبرني عنه بذلك من أثق بقوله وهو القياس عندي وبالله التوفيق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا اعْتِبَارُ الْحَوْلِ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ فَسَاقِطٌ لَا يُعْرَفُ، قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ إِنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُنَا الْقَوْلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَيَلْزَمُ الْمُزَنِيَّ الْقَوْلُ بِهِ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ إِنَّهُ فِيهِ وَاقِفٌ وَعِنْدَنَا، إِنَّ

(3/338)


وُقُوفَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمِقْدَارِ لَا فِي الْحَوْلِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْحَوْلَ لَا يعتبر في المقادير قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وأبي حنيفة لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ الحول كالزرع ولأن الحول إنما يعتبر كامل النَّمَاءِ وَهَذَا نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْحَوْلُ كَالسِّخَالِ وَأَرْبَاحِ التِّجَارَاتِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا من خرج ما رواه المزني قولاً ثابتاً وَاعْتَبَرَ فِيهِ الْحَوْلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَإِسْحَاقَ بن راهويه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ حَوْلُهُ كَالْمُسْتَفَادِ بِهِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ.

فَصْلٌ
: إِذَا اجْتَمَعَ رَجُلَانِ عَلَى مَعْدِنٍ فأخذا منه معاً نصاباً، فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ الْخُلْطَةَ لَا تَصِحُّ فِي غير المواشي على قوله في القدير فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمَوَاشِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُمَا خَلِيطَانِ فِي نِصَابٍ.
فَصْلٌ
: إِذَا عَمِلَ الْمُكَاتَبُ فِي الْمَعْدِنِ وَاسْتَفَادَ مِنْهُ وَرِقًا أَوْ ذَهَبًا فَلَا زكاة عليه، وإن كان مَالِكًا لِمَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الزكاة كالفيء والغنيمة، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ المكاتب ما لا فَيُؤْخَذَ خُمُسُهُ؟ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَعْدِنًا أَوْ ركازاً فلا يؤخذ منا؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَمْلِكُ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَيَمْلِكُ أَهْلُ الْخُمُسِ مَعَهُ خُمُسَهَا، وَفِي الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ حُرًّا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ خُمُسُهُ بَعْدَ مِلْكِهِ، كَمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ خُمُسَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ، كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ.
فَصْلٌ
: فأما الذمي فإنه يمنع من العمل كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَإِنْ عَمِلَ فيه بعد ملك ما أخذه، لم تلزمه زَكَاتُهُ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ الْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، فَهَلَّا كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لِمَا أَخَذَهُ مِنَ الْمَعْدِنِ، كَمَا كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لِمَا أَحْيَاهُ مِنَ الْمَوَاتِ.
قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ ضَرَرَ الْإِحْيَاءِ مؤبد فلم يملك به وَضَرَرُ عَمَلِهِ فِي الْمَعْدِنِ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ فَمَلَكَ به كما يملك الصيد والماء العذب والله أعلم.

(3/339)


باب في الزكاة وما تجب فيه وما تملك به
هَذَا بَابٌ أَغْفَلَ الْمُزَنِيُّ نَقْلَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سلمة وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " أَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ: مَا دَفَنَهُ آدَمِيٌّ فِي أَرْضٍ فَعَثَرَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ. رَكَزْتُ الرُّمْحَ فِي الْأَرْضِ إِذَا غَرَسْتُهُ فَكُلُّ مَنْ وَجَدَ رِكَازًا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَوَاتًا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُحْيَاةً فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ مَوَاتًا، فَالرِّكَازُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أحدهما: أن يكون ذهباً أو ورقاً.
والثاني: أَنْ يَكُونَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ، فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ لُقَطَةً يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ حَوْلًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ وَاجِدِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ الرِّكَازُ نِصَابًا فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ، وَالْإِمْلَاءِ إَِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ كَالْمُسْتَفَادِ مِنَ الْمَعْدِنِ وَقَدْ حَكَى عَنْهُ فِي قَوْلٍ ثَانٍ: إِنَّ فِيهِ الْخُمُسَ، وَلَوْ كَانَ فَخَّارًا وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وأحد الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " فَأَمَّا الْحَوْلُ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الرِّكَازِ، وَهُوَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْفَتْوَى فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعَادِنِ حَيْثُ اعتبر ثم الْحَوْلُ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، قِيلَ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْلُ كَالرِّكَازِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ، أَنَّ الْمَعَادِنَ يَلْزَمُ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ مِنْهَا

(3/340)


مُؤْنَةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَوْلُ رِفْقًا كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ، وَالرِّكَازُ نَمَاءٌ كَامِلٌ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ لَازِمَةٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْحَوْلُ كَالسِّخَالِ.

فَصْلٌ
: وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مُحْيَاةً، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَامِرَةً.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ خَرَابًا فَإِنْ كَانَتْ عَامِرَةً، فَهُوَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ مِلْكُ أربابها دون واجده، وإن كان خَرَابًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ جَاهِلِيَّةً.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إِسْلَامِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً عَادِيَّةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا وُجِدَ فِي الْمَوَاتِ يكون لواجده، كما أن من ضرب الجاهلية عليه الْخُمُسُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَبَلَغَ نِصَابًا وَإِنْ كَانَتْ إِسْلَامِيَّةً فَعَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْرَفَ أَرْبَابُهَا فَهُوَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا دُونَ وَاجِدِهِ كَالْعَامِرِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُعْرَفَ أَرْبَابُهَا فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ الْوَاجِدِ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ قَدْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مِلْكُ ذَلِكَ الْمُسْلِمِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ الْوَاجِدُ، وَإِنْ جُهِلَ مَالِكُهُ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ لُقَطَةً كَمَا كَانَ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ لُقَطَةً قِيلَ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ، وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَكَانَ لُقَطَةً وَهَذَا وُجِدَ فِي مِلْكٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لُقَطَةً لِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّقْسِيمِ تشهد به أصول.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا غَيْرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إِذَا وُجِدَ فِيهَا رِكَازٌ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْعَهْدِ فَحُكْمُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنَ الرِّكَازِ كَحُكْمِ مَا وُجِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تُوجَدَ فِي مَوَاتِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: فِي عَامِرِهِمْ فَإِنْ وُجِدَ فِي مَوَاتِهِمْ فَهُوَ رِكَازٌ يُؤْخَذُ خُمُسُهُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَكُونُ رِكَازًا وَلَا يُؤْخَذُ خُمُسُهُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " وَإِنْ وُجِدَ فِي عَامِرِهِمْ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُؤْخَذُ خُمُسُهَا، وَلَا يَكُونُ رِكَازًا وَقَالَ أبو حنيفة يَكُونُ غَنِيمَةً، كَقَوْلِنَا لَكِنْ لَا يُؤْخَذُ خُمُسُهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَا غُنِمَ فِي وَجْهِ الْخُفْيَةِ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ لَمْ يُخَمَّسْ.

(3/341)


وَقَالَ أبو يوسف، وَأَبُو ثَوْرٍ: يَكُونُ رِكَازًا كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي مَوَاتِهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَا وُجِدَ فِي مَوَاتِهِمْ، رِكَازٌ لِلْجَهْلِ بِمُلَّاكِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَا وُجِدَ في عامرهم ركاز المعرفة مُلَّاكِهِ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا مَنْ مَلَكَ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَهُوَ لَهُ إِنِ ادَّعَاهُ، لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، فَهُوَ لِمَنْ مَلَكَ الدَّارَ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ، فَهُوَ مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ إِرْثِهِ إِنِ ادَّعَاهُ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِ إِنِ ادَّعَوْهُ، وَإِنْ أَنْكَرُوهُ فَهُوَ لِمَنْ مَلَكَ الْمَوْرُوثَ الدَّارَ عَنْهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا أو لورثته إِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَإِنْ أَنْكَرُوهُ فَهُوَ لِمَنْ مَلَكُوا الدَّارَ عَنْهُ، هَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهَا بِابْتِيَاعٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، إِنِ ادَّعَاهُ وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ لِمَنِ ابْتَاعَ الْبَائِعَ الدَّارَ عَنْهُ، إِنِ ادَّعَاهُ ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا مَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَإِنِ ادَّعَاهُ مِلْكًا فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ رِكَازٌ وَجَدَهُ فَهُوَ لِمَالِكِ الدَّارِ، إِنِ ادَّعَاهُ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمَالِكُ الْمُؤْجِرُ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ مِلْكِي كَنْتُ دَفَنْتُهُ فِي الدَّارِ، وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ كَانَ رِكَازًا وَجَدْتُهُ فِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يديه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا مَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ أَرْضًا فَظَهَرَ فِيهَا رِكَازٌ فَهُوَ لِمُقْطَعِ الأرض سواء كان هذا من الْوَاجِدُ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَرْضَ بِالْإِقْطَاعِ كما يملكها بالابتياع، وكذا من أحيى أَرْضًا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهَا رِكَازٌ فَهُوَ لِمُحْيِي الأرض سواء كان هو الواجد أو غيره، لأنها ملك فَهَذَا الْكَلَامُ فِي اخْتِلَافِ الرِّكَازِ وَمَوَاضِعِهِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا اخْتِلَافُ حَالِ الْوَاجِدِ، فَهُوَ لِكُلِّ مَنْ وَجَدَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ بَالِغٍ أَوْ غَيْرِ بَالِغٍ عَاقِلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يَمْلِكُ الرِّكَازَ إِلَّا رَجُلٌ عَاقِلٌ فَأَمَّا المرأة أو الصبي أو المجنون، فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الرِّكَازَ كَسْبٌ لِوَاجِدِهِ كَاكْتِسَابِهِ بِالِاصْطِيَادِ وَغَيْرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي تَمَلُّكِهِ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ كَمَا يَسْتُوُونَ فِي الِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَإِذَا مَلَكُوهُ فَعَلَيْهِمْ خُمُسُهُ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا وَجَدَ رِكَازًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَسْبِهِ وَعَلَى السَّيِّدِ إِخْرَاجُ خُمُسِهِ، وَحُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، أن الإمام يرضخ للعبد فيه وَلَا يُعْطِيهِ كُلَّهُ وَمَا ذَكَرْنَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ كسب كالاصطياد وكذا المدبر، والمعتق بصفقه، فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إِذَا وَجَدَ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ دون سيده لأنه أملك لكسب نفسه، فلا زكاة عليه ولأنه ممن لا يلزمه زكاة ماله.

(3/342)


فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا وَجَدَ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَعَادِنِ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ الْكَافِرُ لَا يَمْلِكُ الرِّكَازَ، وَلَا الْمَعْدِنَ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْإِحْيَاءَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ تَمَلُّكَهُ لِلرِّكَازِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ خِلْسَةً.
فَصْلٌ
: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّكَازَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَاجِدُهُ مَا جَمَعَ وَصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الصُّوَرِ وَأَمَّا مَا كَانَ مَنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ رِكَازًا فَلَوِ اشْتَبَهَ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ وضرب الإسلام أو كانت يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَاهِلِيَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِسْلَامِيَّةً فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وهو قول البصريين تكون ركازاً، وحكوه عَنِ الشَّافِعِيِّ نَصًّا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ طَارِئٌ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلَّا بِيَقِينٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَكُونُ لُقَطَةً وَلَا يَكُونُ رِكَازًا وَحَكَوْهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَصًّا لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ، إِلَّا بِيَقِينٍ فَهَذَا أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ.
وَالْوَصْفُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا غَيْرَ مَدْفُونٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ السَّيْلَ قَدْ أَظْهَرَهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَجْرَى السَّيْلِ، أَوْ كَانَ عَلَى شَفِيرِ وَادٍ فَهَذَا رِكَازٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُظْهِرَهُ السَّيْلُ، فَهَذَا لُقَطَةٌ وَلَا يَكُونُ رِكَازًا فَلَوْ شك هل أظهره السيل أم لا؟ كمن شَكَّ هَلْ هُوَ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَمْ لَا فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ رِكَازًا.
وَالثَّانِي: لُقَطَةً.
فَصْلٌ
: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّكَازِ عَلَى الصَّحِيحِ، مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ يَقَعُ التَّفْرِيعُ فِي الْمَسَائِلِ، فَإِذَا كَانَ الرِّكَازُ نِصَابًا، وَكَانَ وَاجِدُهُ حُرًّا مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ خُمُسِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ فَلَا يخل حَالُ وَاجِدِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَمْلِكَ تَمَامَ النِّصَابِ.
أَوْ لَا يَمْلِكَ فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَمَامَ النِّصَابِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فِي هَذَا الرِّكَازِ وَإِنْ مَلَكَ تَمَامَ النِّصَابِ فعلى ثلاثة أقسام:

(3/343)


أحدهما: أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى ما كان بيده كأن كَانَ يَمْلِكُ مِائَةَ دِرْهَمٍ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِأَنِ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ حَالَ حَوْلُهَا وَوَجَدَ مِائَةَ دِرْهَمٍ رِكَازًا حِينَ حَالَ الْحَوْلُ فَهَذَا يَضُمُّ الرِّكَازَ إِلَى ما كان بيده ويزكيها فَيُخْرِجُ مِنَ الرِّكَازِ الْخُمُسَ، وَمِمَّا كَانَ بِيَدِهِ رُبْعَ الْعُشْرِ لِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حَوْلٍ، وَمَا كَانَ بِيَدِهِ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَقَدْ بَلَغَا نِصَابًا فَصَارَ تَقْدِيرُهُمَا تَقْدِيرَ نِصَابٍ حَالَ حَوْلُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَى الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِهِ، فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الرِّكَازِ وَيَضُمُّهُ إِلَى الْمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْحَوْلَ لِأَنَّهُمَا تَمَّا نِصَابًا فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ مِنْهَا الزَّكَاةَ رُبْعَ الْعُشْرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَجِدَ الرِّكَازَ بَعْدَ حَوْلِ الْمِائَةِ فَهَذَا حُكْمُ مَنْ مَعَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ حَالَ حَوْلُهُ، وَقِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَلَغَتْ نِصَابًا فَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَصَحُّهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَسْتَأْنِفُ لَهُمَا الحول من حين تما نصاباً، فإن حَالَ حَوْلُهُمَا أَخْرَجَ زَكَاتَهُمَا رُبْعَ الْعُشْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كَوُجُودِهِ عِنْدَ الْحَوْلِ فَيَضُمَّهُمَا وَيُخْرِجَ مِنَ الرِّكَازِ الْخُمُسَ، وَمِمَّا كَانَ بِيَدِهِ ربع العشر فلو وجد ماية دِرْهَمٍ رِكَازًا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ يَوْمٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ رِكَازًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأم ويستأنف لها الْحَوْلَ مِنْ حِينِ وَجَدَ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا رُبْعَ الْعُشْرِ.

فَصْلٌ
: إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ رِكَازًا فَأَخْرَجَ خُمُسَهَ ثُمَّ أقام رجل البينة أنه ملكه فللمقيم الْبَيِّنَةَ اسْتِرْجَاعُ الرِّكَازِ مِنْ وَاجِدِهِ مَعَ مَا أَخْرَجَهُ الْوَاجِدُ مِنْ خُمُسِهِ، وَلِلْوَاجِدِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْخُمُسِ عَلَى الْوَالِي إِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَلِلْوَالِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ الْوَالِي بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ضمنه في مال الزكاة وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ خِيَانَةٍ ضَمِنَهُ فِي مَالِهِ.
فَصْلٌ
: الْخُمُسُ الْوَاجِبُ فِي الرِّكَازِ، وَمَا يَجِبُ فِي الْمَعَادِنِ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الصَّدَقَاتِ فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يُصْرَفَانِ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.

(3/344)


وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ: حَقُّ الْمَعَادِنِ يُصْرَفُ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَخُمُسُ الرِّكَازِ يُصْرَفُ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ، لِأَنَّهُ واصل من جهة مشرك والدلالة عليهم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " وَحَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ وَقَدْ مَضَى وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمَعْدِنِ، وَالرِّكَازِ بِوَاجِدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو وجد مُكَاتَبٌ أَوْ ذَمِّيٌّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِوَاجِدِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يصرف مصرف الفيء، لأن واجده مسلم وأوجب أَنْ يُصْرَفَ خُمُسُهُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ مِنْ جِهَةِ مُشْرِكٍ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَاجِدُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ، لِيُصْرَفَ فِي أَهْلِ الفيء والغنيمة ولوجب التَّوَقُّفُ عَنْ تَمَلُّكِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، وَفِيمَا ذكرنا بطلان ما اعتبروه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(3/345)