المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ "نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ وَقَالَ: هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ".
 الشرح: حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ
"هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ" وَإِلَى قَوْلِهِ "وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" فَإِنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ. وَالدِّيبَاجُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ؛ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَجَمْعُهُ دَيَابِيجُ وَدَبَابِيجُ؛ وَقَوْلُهُ "وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" بِفَتْحِ النُّونِ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالتَّغَطِّي بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سَتْرًا وَسَائِرُ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا مُنْكَرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُنَابِذٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، هَذَا مَذْهَبُنَا، فَأَمَّا اللُّبْسُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ. دَلِيلُنَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، وَلِأَنَّ سَبَبَ تَحْرِيمِ اللُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي الْبَاقِي، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ اللُّبْسُ مَعَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، هَذَا حُكْمُ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ؛ فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ:
 أحدها: يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ وَتَمْكِينُهُ مِنْهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ
"حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي" وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: كَخْ كَخْ" أَيْ أَلْقِهَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ، وَكَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِمَا. والثاني: يَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الرَّجُلِ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ التَّمْرَةِ فَلِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ تَجِبُ غَرَامَتُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. والثالث: إنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَهُ حُكْمُ الْبَالِغِينَ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، هَكَذَا ضَبَطُوهُ فِي حِكَايَةِ هَذَا

 

ج / 4 ص -225-       الْوَجْهِ، وَلَوْ ضُبِطَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ لَكَانَ حَسَنًا، لَكِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ السَّبْعَ فِي الْأَمْرِ بِالصِّحَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْأَوْجُهِ، فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَجُوزُ لِلصِّبْيَانِ لُبْسُ الْحَرِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُنْهَى عَنْهُ، هَذَا لَفْظُهُ، وَحَمَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْهُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَصَحَّحَهُ، وَلَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ حَتَّى يَبْلُغَ، وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي إلْبَاسِهِمْ حُلِيَّ الذَّهَبِ؛ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ شَاءَ الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَبَعْضُهُ قُطْنًا، فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَيْسَمُ أَكْثَرَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَالْخَزِّ لُحْمَتُهُ صُوفٌ وَسَدَاهُ إبْرَيْسَمٌ حَلَّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
"إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ" فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلِأَنَّ السَّرَفَ يَظْهَرُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ نِصْفَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ والثاني: يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ ثَبَتَ بِغَلَبَةِ الْمُحَرَّمِ، وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ قَلِيلٌ مِنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُجَبَّبِ بِالدِّيبَاجِ وَمَا أَشْبَهُمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا فِي مَوْضِعِ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ" وَرُوِيَ "أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةٌ مَكْفُوفَةُ الْجَيْبِ وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ" فَإِنْ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ بِإِبْرَيْسَمٍ لَمْ يَحْرُمْ لُبْسُهَا؛ لِأَنَّ السَّرَفَ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِر".
 الشرح: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَيْضًا بِبَعْضِ مَعْنَاهُ، فَقَالَ: مَكْفُوفَةُ الْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ.
وَقَوْلُهُ "إبْرَيْسَم" هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ اسْمُ جِنْسٍ مُنْصَرِفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَوْ بَعْضِهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم. وَالصَّوَابُ إبْرَيْسَمًا، وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ كَانَ هِيَ الَّتِي لِلشَّأْنِ[اللَّفْظُ]وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا. وَالثالثة: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، حَكَاهَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَوْلُهُ "لُحْمَتُهُ صُوفٌ" هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ لُحْمَةُ النَّسَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُمَا: بِالْفَتْحِ. قَوْلُهُ "وَسَدَاهُ" هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ، مَقْصُورٌ، وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ جَوَازَ مَدِّهِ.
وَقَوْلُهُ الْمُصْمَتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ أَيْ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ. وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَوْلُهُ
"إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ" هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ، ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ

 

ج / 4 ص -226-       أَبِي دَاوُد، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ، وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصْبُعِ الْعُضْوُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: سَدَا الْخَزِّ إبْرَيْسَمٌ، وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ، وَاللُّحْمَةُ أَكْثَرُ - قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ سَدَا كُلِّ ثَوْبٍ مُطْلَقًا أَقَلُّ مِنْ لُحْمَتِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ، وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ، فَمِنْهَا مَا يَدْفِنُ الصَّانِعُ اللُّحْمَةَ مِنْهُ فِي السَّدَى، وَيَجْعَلُ السَّدَى هُوَ الظَّاهِرَ؛ وَمِنْهَا مَا يُظْهِرُ اللُّحْمَةَ عَلَى السَّدَى وَيَدْفِنُ السَّدَى فِيهِ، وَكَذَلِكَ مِنْهَا مَا يَكُونُ سَدَاهُ أَكْثَرَ وَزْنًا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ لُحْمَتُهُ أَكْثَرَ وَزْنًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَزُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِحَسَبِ الصَّنْعَةِ.
أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ: فَفِيهِ مَسَائِلُ إحداها: إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ حَرِيرًا، وَبَعْضُهُ غَيْرَهُ وَنُسِجَ مِنْهُمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أحدهما: قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَقَلِيلٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ: إنْ كَانَ الْحَرِيرُ ظَاهِرًا يُشَاهَدُ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ، وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ وَالْمُفَاخَرَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالظَّاهِرِ. وَالطَّرِيقُ الثاني: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرِيرُ أَقَلَّ وَزْنًا حَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَرُمَ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ: الصحيح مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: الْحِلُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا حَرَّمَ ثَوْبَ الْحَرِيرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِحَرِيرٍ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والثاني: التَّحْرِيمُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَصَحَّحَهُ، وَلَيْسَ كَمَا صَحَّحَ.
الثانية: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لُبْسُ الْمُطَرَّزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طِرَازُ الْحَرِيرِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَحَرَامٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ وَالْمُجَبَّبِ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْعَادَةَ فِيهِ فَإِنْ جَاوَزَهَا حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ رَقَّعَ ثَوْبَهُ بِدِيبَاجٍ قالوا: هُوَ كَتَطْرِيزِهِ، وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ: لَوْ رُقِّعَ بِقَلِيلِ دِيبَاجٍ جَازَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ خَاطَ ثَوْبًا بِإِبْرَيْسَمٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ، بِخِلَافِ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِذَهَبٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ، وَلَوْ اتَّخَذَ سُبْحَةً فِيهَا خَيْطٌ حَرِيرٌ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ.
الثالثة: لَوْ اتَّخَذَ جُبَّةً مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَحَشَاهَا حَرِيرًا أَوْ حَشَا الْقَبَاءَ وَالْمِخَدَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ الْحَرِيرَ جَازَ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَأَشَارَ إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَلَوْ كَانَتْ ظِهَارَةُ الْجُبَّةِ حَرِيرًا وَبِطَانَتُهَا قُطْنًا أَوْ ظِهَارَتُهَا قُطْنًا وَبِطَانَتُهَا حَرِيرًا فَهِيَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا ظِهَارَتُهُ وَبِطَانَتُهُ قُطْنٌ وَفِي وَسَطِهِ حَرِيرٌ مَنْسُوجٌ جَازَ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ.
فرع: لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ، وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِتَارُ بِهِ عَنْ الْعُيُونِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ

 

ج / 4 ص -227-       قال المصنف رحمه الله تعالى:"قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ: فَإِنْ تَوَقَّى الْمُحَارِبُ لُبْسَ الدِّيبَاجِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، فَإِنْ لَبِسَهُ فَلَا بَأْسَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُحْصِنُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ السِّلَاحِ إلَيْهِ".
 الشرح:
قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الدِّيبَاجِ فِي حَالِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الدِّيبَاجُ الثَّخِينُ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ فَوَجْهَانِ الصحيح: وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُهُ، لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَرْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. والثاني: جَوَازُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى التَّضَبُّبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ وَجَدَ نُحَاسًا وَغَيْرَهُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ بِأَنَّ الْحَرِيرَ يُسَامَحُ بِقَلِيلِهِ كَالْعَلَمِ وَالْجَيْبِ وَنَحْوِهِمَا؛ وَعَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ؛ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الدِّيبَاجِ الثَّخِينِ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَإِنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ جَازَ لَهُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
"رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ مِنْ الْحِكَّةِ".
الشرح:
حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ "رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا" وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوَسِيطِ وَقَالَ: رَخَّصَ لِحَمْزَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ كَمَا هُنَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ وَلِلْجَرَبِ وَنَحْوِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيَجُوزُ لِدَفْعِ الْقُمَّلِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَخَّصَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْبَاقِينَ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَأَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ اسْتِعْمَالُهُ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ
"إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا" وَلَا فَرْقَ فِي الذَّهَبِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، فَحُرِّمَ الْخَاتَمُ مَعَ قِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ السَّرَفَ فِي الْجَمِيعِ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ ذَهَبٌ قَدْ صَدِئَ وَتَغَيَّرَ بِحَيْثُ لَا يَبِينُ لَمْ يَحْرُمْ لُبْسُهُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دِرْعٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ أَوْ بَيْضَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِالذَّهَبِ، فَأَرَادَ لُبْسَهَا فِي الْحَرْبِ - فَإِنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ - لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ جَازَ لِمَا رُوِيَ "أَنَّ

 

ج / 4 ص -228-       عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ" وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَلُبْسُ الْحُلِيِّ مِنْ الذَّهَبِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه".
 الشرح:
حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ إلَّا قَوْلَهُ: "حِلٌّ لِإِنَاثِهَا" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَحَدِيثُ عَرْفَجَةَ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ، وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَسْأَلَتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مُعْظَمِهَا، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم "إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ" أَيْ حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُمَا وَالْحِلُّ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - بِمَعْنَى الْحَلَالِ، يُقَالُ: حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ بِمَعْنًى، وَفِي الْخَاتَمِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا؛ وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَيُقَالُ صَدِئَ يَصْدَأُ بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا كَبَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَبْرَأُ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: صَدَأُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ وَسَخُهُ مَهْمُوزٌ، وَقَدْ صَدِئَ يَصْدَأُ فَاضْبُطْهُ فَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ فَيَتَوَهَّمُهُ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَدِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَذْكِيرُهَا، وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ مُذَكَّرٌ لَا غَيْرُ، الْمَطْلِيَّةُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ - بِمَعْنَى الْمُمَوَّهَةِ، وَالْحَرْبُ مُؤَنَّثَةٌ، وَفِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ مُذَكَّرَةٌ قَوْلُهُ: مَقَامَهُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَامَ الشَّيْءُ مَقَامَ غَيْرِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَأَقَمْتُهُ مُقَامَهُ بِالضَّمِّ، فَاجَأْتُهُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَةً، وَالْكُلَابُ - بِضَمِّ الْكَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ.
إمَّا أَحْكَامُ الْفصل:فَفِيهِ مَسَائِلُ إحداها: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا، وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً، وَفِيهِ سِنٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فَصٌّ حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَدِيثِ، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَبْعُدُ تَشَبُّهُهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ، وَمَنْ لَبِسَ هَذَا الْخَاتَمَ يُعَدُّ لَابِسَ ذَهَبٍ، وَهُنَاكَ حَرُمَ إنَاءُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِإِنَاءٍ.
الثانية: لَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَمَوَّهَهُ بِذَهَبٍ، أَوْ مَوَّهَ السَّيْفَ وَغَيْرَهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ - فَإِنْ كَانَ تَمْوِيهًا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، إنْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ - فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَطَرِيقَانِ أصحها وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: يَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ والثاني: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ أحدهما: يَحْرُمُ والثاني: يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ.
الثالثة: يَجُوزُ لِمَنْ ذَهَبَ أَنْفُهُ أَوْ سِنُّهُ أَوْ أُنْمُلَتُهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَكَانَهَا ذَهَبًا سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ فِضَّةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ لَهُ شَدُّ السِّنِّ، وَالْأُنْمُلَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخَيْطٍ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَنْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهَلْ لِمَنْ ذَهَبَتْ إصْبَعُهُ أَوْ كَفُّهُ أَوْ قَدَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ أصحهما: لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ والثاني: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مُسْتَوْفَاةً

 

ج / 4 ص -229-       الرابعة: إذَا كَانَتْ دِرْعٌ مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ بَيْضَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِهِ أَوْ جَوْشَنٌ مُتَّخَذٌ مِنْهُ وَنَحْوُهَا حَرُمَ لُبْسُهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ، وَيَحْرُمُ حَالَ مُفَاجَأَةٍ أَيْضًا إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ جَازَ لِلضَّرُورَةِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَ فِي الْأُمِّ: سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَنْسُوجَةً أَوْ بَعْضُهَا، وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
الخامسة: حَيْثُ حَرَّمْنَا اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ الْمُرَادُ بِهِ: إذَا لَمْ يَصْدَأْ فَإِنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَبِنْ لَمْ يَحْرُمْ، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الذَّهَبُ لَا يَصْدَأُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَمِنْهُ مَا لَا يَصْدَأُ، وَيُقَالُ: الَّذِي يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ يَصْدَأُ وَالْخَالِصُ لَا يَصْدَأُ.
السادسة: يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ وَبِالذَّهَبِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُنَّ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ فِيهِ طَرِيقَانِ أحدهما: يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُمْ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
"حِلٌّ لِإِنَاثِهَا". والثاني: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أحدهما: هَذَا وأصحهما عِنْدَهُمْ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُنَّ لُبْسُهُ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَالْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ: الْجَوَازُ لِلْحَدِيثِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إبَاحَتَهُ لِمُجَرَّدِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِذَاتِ الزَّوْجِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ.
فرع: كُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الرَّجُلِ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَكَذَلِكَ الْحَرِيرُ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ لُبْسُهُمَا فِي الصِّغَرِ فَيَبْقَى، وَحُكِيَ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرِيرَ لَهُ احْتِمَالٌ، وَقِيَاسُ الْمُتَوَلِّي جَوَازُهُ وَالْمَذْهَبُ التَّحْرِيمُ فِيهِمَا.
فرع: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ كُلِّهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَاتَمِ وَالْحَلْقةِ1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من البدع القبيحة التي تثير الشقاق والفتنة واهتزاز النفوس وارتيابها القول بتحريم الذهب المحلق لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه حلقة من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها". حدثنا مسدد نا أبو عوانه هن منصور عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء أمالكن في الفضة ما تحلين به أما أنه ليس منكن امرأة تحلي ذهبا تظهره إلا عذبت به". حدثنا موسى بن إسماعيل نا أبان ابن يزيد العطار نا يحيى أن محمود بن عمرو الأنصاري حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  قال: "أيما أمرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت مثله من النار يوم القيامة وأيما أمرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب حعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة". حدثنا أسماعيل نا خالد عن ميمون القناد عن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النمار وعن لبس الذهب إلا مقطعا". قال ابو داود :

 

ج / 4 ص -230-       وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْقَلَائِدِ وَغَيْرِهَا وَفِي جَوَازِ لُبْسِهِنَّ نِعَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأبو قلابة لم يلق معاوية.
ونحن نردعلى هؤلاء القائلين بهذا التحريم الذي أوغلوا في فتنة الناس به حتى عمد رجل مثل الشوكاني ممن اغتر هؤلاء بعلمهم وأقاموا منه ومن أمثاله ائمة مقدمين على الأئمة الأربعة فصنف كتابا اسمه (والشي المرقوم في تحريم الذهب على العموم ) ولقد تبرأ الأئمة من السلف من تقليدهم وحثوا الناس على اتباع قولهم إذا وافق الكتاب والسنة ولكن هؤلاء الخلف من الداعين إلى نبذ المذاهب الأربعة يستغلون كلام الأئمة في تبراهم  من تقليدهم بغير دليل إلى دعوة الناس إلى اتباعهم والافتتان بهم أنفسهم وهم في حقيقة امرهم عالة على أئمة الدواوين كمسلم والنسائي والترمذي وأبي داود ولك واحد من هؤلاء إما شافعي أو حنبلي ويذهب بعضهم إلى الاستطالة على أبي حنيفة بسبب الناس المخالفين لهم بتعتهم بالحنفية كأنها من العار يصم صاحبه بالنقص في الدين (وبعد) فإن الإمام أبا الطيب شمس الحق العظيم أبادي في كتابه عون المعبود في شرح سنن أبي داود بعد شرح مفردات هذه الأحاديث وقد أخرج هذا الحديث أحمد في مسنده عن ابن أبي موسى عن أبيه وعن أبن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يحلق حبيبه حلقة من نار فيلحلقها حلقة من ذهب ومن سره أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن الفضة فالعبوا بها لعبا ا هـ
وحسن إسناده الحافظ الهيثمي في محمع الزائد وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهلبن سعد مرفوعا بلفظ
( من أحب أن يسور ولده سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن الفضة العبوا بها كنف شئتم ) قال الهيثمي في محمع الزوائد في إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف قال في مرقاة الصعود: هذا الحديث ومابعده وما شاكله منسوخ قال المنذري وأخرجه النسائي وامرأة ربعي بن حراش مجهولة وأخت حذيفة اسمها فاطمة وقيل خولة وفي بعض طرقه عن ربعي عن امرأةعن أخت حذيفة وكان له أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها أو عمر النمري وسماها فاطمة وقال : وروي عنها حديث في كراهة تحلى النساء  بالذهب أن صح فهو منسوخ وقال: ولحذيعة أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكرها في حرف الغاء وقال في حرف الخاء خولة بنت اليمان أخت حذيفة روي عنها أبوسلمة بنعبد الرحمن قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا خير في جماعة النساء إلا عند ميت أذا اجتمعن قلن وقلن فهما عنده اثنتان خلاف ماتقدم وقال الخطابي الخرس الحلقة قال وهذا الحديث يتأول على وجهين أحدهما أنه إنما قال ذلك في الزمان الأول ثم نسخ وأبيح لليساء التحلي بالذهب والوجه الآخر ان هذا الوعيد إنما جاء فيمن لا يؤدي زكاة الذهب وأما من أداها فال والله أعلم هكذا أفاده المنذري ثم قال المنذري وأخرجه النسائي والخرص الحلقة وحمله بعضهم على أنه قال ذلك في الزمان الأول ثم نسخ وأبيح للنساء التحلي بالذهب لقوله صلى الله عليه وسلم (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها ) وقيل هذا الوعيد فيمن لا يؤدي زكاة الذهب وأما من أداها فلا والله أعلم وقال شمس الحق العظيم أبادي: قلت أخرج أحمد في مسنده وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن حبان بلفظ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا فجعله في نمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال أن هذين حرام على ذكور أمتي زاد ابن ماجه حل لإناثهم  اهـ
قلت ويؤيد القول بالنسخ الحديث الذي أورده أبو داود في صدر الباب والذي تعد هذه الأحاديث التالية له دونه في المنزلة والرتبة إذا راعينا شروط الشيخين في الصحيحين فهذا الحديث وهو قوله (باب ماجاء في الذهب عند النساء ) حدثنا ابن نفيل نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بنعباد عن أبيه عباد بن عبد الله عن عائشة قالت
"قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب

 

ج / 4 ص -231-       وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أصحهما: الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ والثاني: التَّحْرِيمُ لِلْإِسْرَافِ. وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ عُظَمَاءِ الرُّومِ قَالَ: وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النَّوَاحِي فَحَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَحَيْثُ لَمْ يَجْرِ حَرُمَ حِذَارًا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْحُلِيِّ. وَفِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُثْقَبُ وَتُجْعَلُ فِي الْقِلَادَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَقَالَ أصحهما: التَّحْرِيمُ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أصحهما: الْجَوَازُ لِدُخُولِهِمَا فِي اسْمِ الْحُلِيِّ، قَالَ وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ أصحهما: الْجَوَازُ؛ قُلْتُ: الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ اتِّخَاذُ زِرِّ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَالْفَرْجِيَّة مِنْهُمَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَعَلَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي لُبْسِ الْمَنْسُوجِ بِهِمَا قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ. وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ. قَالَ: ثُمَّ كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَوَجْهَانِ الصحيح: الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ التَّحْرِيمُ، وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ، وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ؛ وَإِنَّمَا تُبَاحُ الزِّينَةُ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ فَأَشْبَهَ اتِّخَاذَ عَدَدٍ مِنْ الْخَلَاخِيلِ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِثْلُهُ إسْرَافُ الرَّجُلِ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ، قَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً وَالْمَرْأَةُ خَلَاخِيلَ كَثِيرَةً لِتَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ. وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الثَّقِيلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه فص حبشي قالت: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود معرضا عنه أو ببعض أصابعه ثم دعا أمامةبنت أبي العاص بنت ابنته زينب فقال: تحلى بهذا يابنية".
وهذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بنت ابنبه بأن تتحلى بهذا الحلي وفيه ذهب محلق (ط)   

فصل: فِي التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ
عَادَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ذِكْرُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ هُنَاكَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَنْسَبُ بِهِ. لَا سِيَّمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِيهِ مَا سَبَقَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ وَالْمُدَمْلَجِ وَالطَّوْقِ وَنَحْوِهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِتَحْرِيمِهَا؛ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي، وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ حَرَامٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالرَّانَّيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابَ الْعَدُوِّ، وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالشَّفْرِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ: أصحهما: التَّحْرِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَجْرَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ، قَالَ:

 

ج / 4 ص -232-       وَقَطَعَ كَثِيرُونَ بِتَحْرِيمِ قِلَادَةِ الدَّابَّةِ مِنْ فِضَّةٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِذَهَبٍ؛ قَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّشَبُّهُ، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ آلَاتِ الْحَرْبِ إنْ قُلْتُمْ: يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا بِلَا تَحْلِيَةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُنَّ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يَجُوزُ بِلَا تَحْلِيَةٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ، قَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ 1فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ بَلْ كَرِهَهُ فَكَذَا عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَكْسَهُ حَرَامٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
"لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" وَأَمَّا نَصُّهُ في"الأم" فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ، مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نص الشافعي في الأم في باب ما يلبس المحارب مما ليس فيه نجاسة وما لا يلبس والشهرة في الحرب أن يعلم نفسه بعلامة ولاأكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زي النساء لا للتحريم ولا أكره لبس ياقوت ولازبرجد من جهة السرف أو الخيلاء اهـ

فرع: فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ.
أَمَّا الْأَوَانِي مِنْهَا فَحَرَامٌ وَسَبَقَتْ تَفَارِيعُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ، وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الْيَاقُوتِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ حَلَّى شَاةً أَوْ غَزَالًا أَوْ دَجَاجَةً أَوْ غَيْرَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ، وَفِي تَحْلِيَةِ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ وَسِكِّينِ الْمُقَلَّمَةِ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أصحهما: التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ حَرْبٍ والثاني: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِبَاسًا، وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا عَلَى النِّسَاءِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالرَّجُلِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ أصحهما: الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَفِي حَرْمَلَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَدِيدِ إكْرَامًا لِلْمُصْحَفِ والثاني: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ، وَفِي تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: جَوَازُهُ فِي مُصْحَفِ الْمَرْأَةِ، وَتَحْرِيمُهُ فِي مُصْحَفِ الرَّجُلِ الثاني: جَوَازُهُ مُطْلَقًا والثالث: تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا والرابع: تَجُوزُ حِلْيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفصل:عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَائِرِ الْكُتُبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ بِالْفِضَّةِ فَحَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ خِلَافٍ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ، وَفِي تَحْلِيَةِ الْكَعْبَةِ

 

ج / 4 ص -233-       وَالْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهَا وَجْهَانِ أصحهما: التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مَعَ أَنَّهُ سَرَفٌ والثاني: الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ بِالِاتِّفَاقِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكُلُّ حُلِيٍّ حُلَّ لِبَعْضِ النَّاسِ اسْتِعْمَالُهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ وَوَجَبَ عَلَى كَاسِرِهِ أَرْشُهَا وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ وَجْهَانِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أصحهما: لَا أُجْرَةَ وَلَا أَرْشَ والثاني: ثُبُوتُهُمَا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ.
قال المصنف رحمه الله تعالى:"وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدْبُوغًا فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْأَدَاةِ. وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ" وَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَحِلَّ".
 الشرح:
هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا قِيرَاطٌ وَفِي أَكْثَرِهَا قِيرَاطَانِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ كَلْبُ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ، مَعَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ، وَيَحِلُّ أَيْضًا لِحِفْظِ الدُّرُوبِ وَالدُّورِ وَنَحْوِهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كُلَّ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الصَّيْدَ وَالْمَاشِيَةَ وَنَحْوَهُمَا، وَأَهْمَلَ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَيَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ وقوله: وَأَدَاتُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ وقوله: لَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: لِلشَّافِعِيِّ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً، وَهِيَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفرع: أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً وَهِيَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْفرع: لَمْ يُجِزْهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لُبْسُ جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَا الْخِنْزِيرِ وَلَا فرع: أَحَدِهِمَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِحَالٍ وَكَذَا الْكَلْبُ، إلَّا لِمَقَاصِدَ مَخْصُوصَةٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْلَى. وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا دَهْنُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ فَاجَأَتْهُ حَرْبٌ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفرع: أَحَدِهِمَا وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

 

ج / 4 ص -234-       وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ وَالثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِاللُّبْسِ وَبِغَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ، وَأَمَّا الْجُلُودُ الطَّاهِرَةُ فَيَجُوزُ لُبْسُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي: لُبْسُ غَيْرِ الْجُلُودِ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهَا قَالَا: "لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِنَزْعِ الْخِفَافِ وَالْفِرَاءِ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ دُونَ سَائِرِ ثِيَابِهِمْ" وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فِيهِ نَظَرٌ، هَكَذَا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ فِي الْبَدَنِ فَأَمَّا إذَا أَلْبَسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ وَنَحْوَهُمَا جِلْدًا نَجِسًا فَإِنْ كَانَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ فرع: أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ جِلْدَ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ آدَمِيٍّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ: جَوَازُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَلَوْ جَلَّلَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بِجِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أصحهما: يَجُوزُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي غِلَظِ النَّجَاسَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُمَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ تَجْلِيلُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَخِنْزِيرٍ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ. فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ.
فرع: يَجُوزُ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزَّبْلِ النَّجِسِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ أَحَدٌ، وَفِي كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِيهِ، وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
فرع: يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ سَوَاءٌ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ أَوْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَمْنٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا: أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَالْمَذْهَبُ: الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَذَكَرَ هُنَاكَ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِ النَّجِسِ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَفِي غَيْرِ الْبَدَنِ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِالدُّهْنِ الْمُتَنَجَّسِ وَشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ السُّفُنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ هَذَا الدُّهْنِ الصَّابُونَ فَيَسْتَعْمِلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ، وَلَهُ إطْعَامُ الْعَسَلِ الْمُتَنَجَّسِ لِلنَّحْلِ وَالْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ الصَّائِدَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجَّسِ لِلدَّوَابِّ هَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ شَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَمَنَعُوا شَحْمَ الْمَيْتَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَمِيعَ بِدَلَائِلِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ

فصل: فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالباب.
إحداها: يَجُوزُ لُبْسُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةَ الْأَثْمَانِ؛

 

ج / 4 ص -235-       لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ لَا فِي جِنْسِهَا بِخِلَافِ الْحَرِيرِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْخَزِّ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَهُوَ حَرِيرٌ وَصُوفٌ لَكِنَّ حَرِيرَهُ مُسْتَتِرٌ وَأَقَلُّ وَزْنًا.
الثانية: الْقَزُّ كَالْحَرِيرِ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ.
الثالثة: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَهَى الرَّجُلَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي فصل:النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا أَرْخَصْتُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ عَنْهُ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:
"نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ" يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ: "نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَلِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَثَبَتَ مَا دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: "رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ: هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَ الرِّجَالِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَالَ: وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى. ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: "كُلُّ مَا قُلْتُ وَكَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافُهُ مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى وَلَا تُقَلِّدُونِي" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْهَى الرَّجُلَ حَلَالًا بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يُزَعْفِرَ وَيَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ بِغَسْلِهِ عَنْهُ، قَالَ: فَيَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِي الْمُزَعْفَرِ فَمُتَابَعَتُهَا فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى بِهِ وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ. يَعْنِي بَعْضَ السَّلَفِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ.
الرابعة: يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ وَالْمُخَطَّطِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جُحَيْفَةَ. وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَعَنْ جَابِرٍ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ "خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوَاءُ" وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْمِرْطُ بِكَسْرِ الْمِيمِ كِسَاءٌ، الْمُرَحَّلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي فِيهِ صُورَةُ رِحَالِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْأَكْوَارُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "لَبِسَ

 

ج / 4 ص -236-       جُبَّةً شَامِيَّةً مِنْ صُوفٍ ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ" وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ "كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِبَرَةُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْحِبَرَةُ بُرْدٌ مُخَطَّطٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ وَيَكُونُ أَحْمَرَ غَالِبًا.
الخامسة: يُسْتَحَبُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُزْدَرَى بِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ: يُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ إلَّا لِغَرَضٍ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا يَدُلُّ لِلطَّرَفَيْنِ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تعالى: وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ تعالى: يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
السادسة: لَوْ بَسَطَ فَوْقَ ثَوْبِ الْحَرِيرِ ثَوْبَ قُطْنٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ، صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ حَشَا الْجُبَّةَ وَالْمِخَدَّةَ بِهِ، وَكَمَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا، وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِه.ِ
السابعة: يَحْرُمُ إطَالَةُ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّك لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا" وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ" وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ" وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَتَوَضَّأَ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ" وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَجَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً صَحِيحَةً.
فرع: الْإِسْبَالُ فِي الْعِمَامَةِ هُوَ إرْسَالُ طَرَفِهَا إرْسَالًا فَاحِشًا كَإِسْبَالِ الثَّوْبِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
فرع: يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ
"كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الرُّسْغِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فرع: يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي

 

ج / 4 ص -237-       النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ إرْسَالِهَا شَيْءٌ، وَصَحَّ فِي الْإِرْخَاءِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ.
فرع: لِلْمَرْأَةِ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ تُرْخِينَ شِبْرًا، قَالَتْ: إذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ؟ قَالَ فَتُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا تَزِدْنَ عَلَيْهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فرع: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ نَعْلًا أَوْ نَحْوَهُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُك خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الثامنة: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وَغَيْرِهَا بِالْيَمِينِ وَيَخْلَعَ بِالْيَسَارِ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ.
التاسعة: قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: يَحْرُمُ تَنْجِيدُ الْبُيُوتِ بِالثِّيَابِ الْمُصَوَّرَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَسْتِيرِ الْجِلْدِ، وَإِطْلَاقُهُ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ ضَعِيفٌ، وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَتْ
"أَخَذْت نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ" فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أحدهما: أَنَّ هَذَا النَّمَطَ كَانَ فِيهِ صُورَةُ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَاقِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ والثاني: أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِيقَةِ اللَّفْظِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِهِ، بَلْ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى : لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ.
العاشرة: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فِي خِنْصَرِ يَمِينِهِ وَإِنْ شَاءَ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ كِلَاهُمَا صَحَّ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ: فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ فَرُبَّمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ، هَذَا كَلَامُهُ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مُعْظَمِ الْبُلْدَانِ شِعَارًا لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ شِعَارًا لَمَا تُرِكَتْ الْيَمِينُ، وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَنُ لِكَوْنِ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ تَفْعَلُهَا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ، وَيَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ، وَيَجْعَلُ الْفَصَّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا، وَبَاطِنُهَا أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَيَجُوزُ نَقْشُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تعالى: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ
"كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَبَعْضُهُمْ لِخَوْفِ امْتِهَانِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ. وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ إصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ فِيهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ.

 

ج / 4 ص -238-       وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ جَعْلُ خَاتَمِهِ فِي خِنْصَرِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ "نَهَانِي يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا" وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ" وَأَشَارَ الرَّاوِي إلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ "فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ" السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى، قَالَ: "شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي"
فرع: يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ. كَمَا يَجُوزُ لَهَا خَاتَمُ الذَّهَبِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلَا كَرَاهَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُكْرَهُ لَهَا خَاتَمُ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ خَاتَمَ ذَهَبٍ فَلْتُصَفِّرْهُ بِزَعْفَرَانٍ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهَا
فرع: ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَقَدْ نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ.
الحادية عشرة: قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ: يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ شَبَهٍ1، بِفَتْحِ الشِّين وَالْبَاءِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ، وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ: يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه
"أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ قَالَ: مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حُلَّةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ فَقَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ2 وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: لَا يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ لِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا "اُطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ بِهِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُعَيْقِيبٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ" فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ: إنَّمَا قَالَ: " أَجِدُ رِيحَ الْأَصْنَامِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنْ الشَّبَهِ، قَالَ. وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَقِيلَ كَرِهَهُ لِسَهُوكَةِ رِيحِهِ، قَالَ: وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشبه بفتحتين معدن يشبه الذهب في لونه قال في المصباح: وهو أرفع الصفر (ط)
2 قال أبو داود بعد هذا الحديث ولم يقل محمد عبد الله بن مسلم ولم يقل الحسن: السلمي المروزي قال الشيخ شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود ولم يقل محمد أي ابن عبد العزيز شيخ المصنف عبد الله بن مسلم أي لم يذكر محمد ايم أبيه ولم يقل: الحسن السلمي المروزي أي لم يذكر الحسن بن علي نسبة عبد الله وذكر اسم أبيه وذكر محمد النسبة ولم يذكر اسم أبيه قال المنذري وأخرجه الترمذي هذا الحذيث غريب وقال عبد اله بن مسلم أبو طيبة السلمي المروزي قاضي مرو روي عن عبد الله بن بريدة وغيره قال أبوحاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود قال ابن حبان في كتاب الثقات هو يخطىء ويخالف انتهى (ط)

 

ج / 4 ص -239-       الثانية عشرة: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: "لَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ" هَذَا نَصُّهُ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ.
الثالثة عشرة: يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدٍ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا" وَفِي رِوَايَةٍ "لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ "إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا"
الرابعة عشرة: يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ وَنَحْوَهُمَا قَائِمًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ:
"نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَبَبُ النَّهْيِ خَوْفُ انْقِلَابِهِ إذَا انْتَعَلَ قَائِمًا، فَأُمِرَ بِالْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَعْوَنُ وَأَسْلَمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ. قَالَ: وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ، وَإِدْخَالِ الْيَدَيْنِ فِي الْكُمَّيْنِ، قَالَ: فَيُكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدًا فِي كُمِّهِ وَيُخْرِجَ أُخْرَى لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ في"الأم" لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ.
الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ: يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْجَرَسِ فِي الْبَعِيرِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَعَنْ بُنَانَةَ1 - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ عَلَيْهَا جَلَاجِلُ تُصَوِّتُ فَقَالَتْ: لَا تُدْخِلْهَا عَلَيَّ إلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
السَّادِسَةَ عَشَرَةَ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ إذَا تَوَسَّخَ وَإِصْلَاحُ الشَّعْرِ إذَا شَعِثَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:
"أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟ وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ"؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
السَّابِعَةَ عَشَرَةَ: يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ: يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ وَالْوَسْمُ وَالْوَشْرُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَتَعْرِيفُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بنانة : هي مولاة عبد الرحمن بن حيان الأنصاري روت عن عائشة وعنها ابن جريج وأخرج أوداود بإسناده عن ابن الزبير أن مولاة لهم ذهبت بابنة الزبير إلى عمر بن الخطاب وفي رجلها أجراس فقطعها عمر ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أن مع كل جرس شيطانا "(ط)

 

ج / 4 ص -240-       الْبَدَنِ، وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ بِصُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَاِتِّخَاذُ الصُّوَرِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَتَفْرِيعُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ الله تعالى، وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَسَبَقَ فِي بَابِ السِّوَاكِ.
التَّاسِعَةَ عَشَرَةَ: يَجُوزُ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَنَحْوِهَا مُزَرَّرًا وَمَحْلُولَ الْأَزْرَارِ إذَا لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
"أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ، ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ فَنَسِيتُ الْخَاتَمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ إلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرٍّ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.
الْعِشْرُونَ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
"لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "قِيلَ لِعَائِشَةَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ النَّعْلَ فَقَالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قِيلَ: مَعْنَى كَاسِيَاتٍ أَيْ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَّاتٍ مِنْ شُكْرِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَعْنَى مَائِلَاتٍ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ، مُمِيلَاتٍ أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ، وَقِيلَ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ، وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يَمْتَشِطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا، وَمُمِيلَاتٌ يُمَشِّطْنَ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ الْمِشْطَةَ، وَمَعْنَى رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ أَيْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا1، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: يُسْتَحَبُّ إذَا جَلَسَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ وَنَحْوَهُمَا، وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد في هذا الحديث الشريف من الأنباء بالغيب ما قد وقع فهذه الأسمنة تتمثل فيما يسمى التاروكة والمائلات المميلات كعارضات الأزياء والممثلات والراقصات ومن يقلدهن من بيات ونساء لا يزجرهن حاكم ولا يردعهن ولي ولا يرعوين من دين ويقين أما الرجال الذي بأيديهم سياط كأذناب البقر  فأنما هم زبانية الظالمين يأخذون بأيديهم سياطا يسمونها الكرباج والجمع كرابيج تصنعمن جلود الفيلة فكم ألهبت من أبدان طاهرة ونزعت من شوى المتقين منا في سجون الجبارين الخاسرين (ط)

 

ج / 4 ص -241-       إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَجْعَلَهُمَا بِجَنْبِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: يَجُوزُ اتِّخَاذُ السُّتُورِ عَلَى الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا وَلَا فِيهَا صُوَرٌ مُحَرَّمَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهَا.
الثالثة وَالْعِشْرُونَ: يَجُوزُ الْقُعُودُ مُتَرَبِّعًا وَمُفْتَرِشًا وَمُتَوَرِّكًا وَمُحْتَبِيًا وَالْقُرْفُصَاءَ وَالِاسْتِلْقَاءُ عَلَى الْقَفَا، وَمَدُّ الرِّجْلِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَاتِ الْقُعُودِ وَنَحْوِهَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكْشِفْ عَوْرَتَهُ، وَلَمْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ منها: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ
"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ، وَوَصَفَ بِيَدَيْهِ الِاحْتِبَاءَ، وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ "أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَعَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: "مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، وَاتَّكَأْت عَلَى أَلْيَةَ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا أَرَادَ النَّوْمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ اضْطِجَاعٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ عَلَى بَطْنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ، وَأَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تعالى: وَأَفْضَلُ أَذْكَارِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ منها حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْبَرَاءِ "إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ - وَذَكَرَ نَحْوَهُ - وَفِيهِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ"وَعَنْ حُذَيْفَةَ "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ عَائِشَةَ "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ1 - بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طخفة وقيل طهفة بن قيس أورده ابن الأثير في طهفة كان من أهل الصفة وأورده ابن الأثير حديث أبي داود بإسناده عن يعيش بن طلخفة بن قيس الغفاري قال:
"كان أبي من أصحاب الصفة فأمر رسول الله صلى الله علييه وسلم بهم فجعل الرجل يذهب بالرجل والرجل يذهب بالرجلين حتى بقيت خامس خمسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا بنا إلى بيت عائشة فانطلقنا معه فقال ياغائشة أطعمينا فحاءت بحشيشة فأكلنا ثم قال يا عائشة أطعمينا فجاءت بحيسة فأكلنا ثم قال ياعائشة  استقينا فحاءت بعس فشربنا ثم جاء بقدح فيه لبن فشربنا ثم قال إن شئتم نمتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد فقلنا بل ننطلق إلى المسجد قال فبينما أنا مضطحع من السحر على بطني إذ ارى رجلا يحركني برجله وقال هذه 1جعة يبغضها الله عز وجل قال فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم" (ط)

 

ج / 4 ص -242-       فَاءٍ - قَالَ "بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي إذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: يُكْرَهُ لِمَنْ قَعَدَ فِي مَكَان أَنْ يُفَارِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تعالى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تعالى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مُضْطَجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تعالى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، التِّرَةُ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ - النَّقْصُ، وَقِيلَ التَّبِعَةُ، وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تعالى فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي آدَابِ الْمَجْلِسِ وَالْجَلِيسِ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد "وَلَا يَجْلِسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا" وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلَّا غُفِرَ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاكَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي هَذَا الْفصل:أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ.
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا ذُكِرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ إنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ.