المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (كتاب الحيض)
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويحب المتطهرين) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَأَنْشَدَ: كَحَائِضَةٍ يَزْنِي بِهَا غَيْرُ طَاهِرٍ: قَالَ الْهَرَوِيُّ يُقَالُ حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَعَرِكَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَطَمِثَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَزَادَ غَيْرُهُ وَنَفِسَتْ وَأَعْصَرَتْ وَأَكْبَرَتْ وَضَحِكَتْ كُلُّهُ بِمَعْنَى حَاضَتْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِلْحَيْضِ سِتَّةُ أَسْمَاءٍ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِهَا أَشْهَرُهَا الْحَيْضُ وَالثَّانِي الطَّمْثُ وَالْمَرْأَةُ طَامِثٌ قَالَ الْفَرَّاءُ الطَّمْثُ الدَّمُ وَلِذَلِكَ قِيلَ إذَا افْتَضَّ الْبِكْرَ طَمَثَهَا أَيْ أَدْمَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَمْ يطمثن انس قبلهم ولا جان) : الثَّالِثُ الْعِرَاكُ وَالْمَرْأَةُ عَارِكٌ وَالنِّسَاءُ عَوَارِكُ: الرَّابِعُ الضحك

(2/341)


وَالْمَرْأَةُ ضَاحِكٌ قَالَ الشَّاعِرُ وَضَحِكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصفا
* كمثل دم الحرق يَوْمَ اللُّقَا وَالْخَامِسُ الْإِكْبَارُ وَالْمَرْأَةُ مُكْبِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: يَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا
* يَأْتِي النِّسَاءَ إذْ أَكْبَرْنَ إكْبَارًا وَالسَّادِسُ الْإِعْصَارُ وَالْمَرْأَةُ مُعْصِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: جَارِيَةٌ قَدْ أَعَصَرَتْ
* أَوْ قَدْ دَنَا إعْصَارُهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الحيض السيلان يقال حاض الوادي أي اسال يُسَمَّى حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَيَكُونُ أَسْوَدَ مُحْتَدِمًا أَيْ حَارًّا كَأَنَّهُ مُحْتَرِقٌ قَالَ وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَسِيلُ مِنْ الْعَاذِلِ وَهُوَ عِرْقُ فَمِهِ الَّذِي يَسِيلُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ قَالَ وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْعَاذِلُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ

(2/342)


المعجمة قال الهروي في الغريين وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَيْضُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي أَوْقَاتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض) فَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْله تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فَقِيلَ إنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ وَقِيلَ زَمَانُهُ وَقِيلَ مَكَانُهُ وَهُوَ الْفَرْجُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَحِيضَ هُوَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ وَهُوَ اسْمٌ للموضع كالميت وَالْمَقِيلُ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ وَقَالَ قَوْمٌ زَمَانُ الْحَيْضِ قَالَ وَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُمِّيَ الْحَيْضُ أَذًى لِقُبْحِ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَأَضْرَارِهِ قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَرْبَعٌ الْمَرْأَةُ وَالْأَرْنَبُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَحَيْضُ الْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ
(فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الْحَيْضِ (هذا شئ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ

(2/343)


الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ وطمثت ونفثت بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَعَرِكَتْ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَيْنَا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ طَمِثَتْ دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَثْبُتُ كَرَاهَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا مَا رَوَيْنَاهُ في سنن البيهقي عن زيذ بْنِ بَاينُوسَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (مَا تَقُولِينَ فِي الْعِرَاكِ قَالَتْ الْحَيْضَ تَعْنُونَ قُلْنَا نَعَمْ قَالَتْ سَمُّوهُ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى) فَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا الْعِرَاكُ وَلَمْ يَقُولُوا الْحَيْضُ تَأَدُّبًا وَاسْتِحْيَاءً مِنْ مُخَاطَبَتِهَا بِاسْمِهِ الصَّرِيحِ الشَّائِعِ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْهُ وَمِنْ ذِكْرِهِ فَقَالَتْ لَا تَتَكَلَّفُوا مَعِي هَذَا وَخَاطِبُونِي بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكِبَارِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا وَقَدْ اخْتَصَرْت أَنَا مَقَاصِدَهُ فِي كَرَارِيسَ وَسَأَذْكُرُ فِي هَذَا الشَّرْحِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أن يضجر

(2/344)


مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَوْضَحُوهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ
الْأَحْكَامِ وَكُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ المهذب مجلدا كبييرا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَلَّا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلَّا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ مَطْلُوبَاتٍ وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ به طلب مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الاحتياج إليها لعموم وقوعها وقد رأيت مالا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مالا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ والاعتكاف والحج والبلوغ والوطئ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بما هذه حاله وقد قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجَدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا تَكْمُلُ مُطَالَعَتُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

(2/345)


(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي النِّسَاءُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ طَاهِرٌ وَحَائِضٌ وَمُسْتَحَاضَةٌ وَذَاتُ دَمٍ فَاسِدٍ فَالطَّاهِرُ ذَاتُ النَّقَاءِ وَالْحَائِضُ مَنْ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ فِي زَمَنِهِ بِشَرْطِهِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ تَرَى الدَّمَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ عَلَى صِفَةٍ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَذَاتُ الْفَسَادِ مَنْ يَبْتَدِيهَا دَمٌ لَا يَكُونُ حَيْضًا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى أَثَرِ حَيْضٍ ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ رَأَتْ أَحْمَرَ فَالْأَسْوَدُ حيض وفى الاحمر وجهان قال أبو اسحق هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ مَا دَخَلَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى دَمٍ متصل بالحيض

(2/346)


وليس بحيض واما مالا يَتَّصِلُ بِحَيْضٍ فَدَمُ فَسَادٍ وَلَا يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يُسَمَّى الجميع استحاضة فالواو الاستحاضة نَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَّصِلُ بِدَمِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَنَوْعٌ لَا يَتَّصِلُ بِهِ كَصَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ رَأَتْ الدَّمَ وَكَبِيرَةٍ رَأَتْهُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دَمٌ يَجْرِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي الْمُهَذَّبِ فَقَالَ فِي فَصْلِ النِّفَاسِ وَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ إلَى قَوْلِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ أيضا الجرجاني وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(2/347)


[إذا حاضت المرأة حرم عليها الطهارة لان الحيض يوجب الطهارة وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَدَّهَا جَمَاعَاتٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ المهذب لكونه صرح بنحر ثم الطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَلَيْسَ إفَاضَةُ الْمَاءِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَغُسْلِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَافَقَ الشَّاشِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي الْعِبَارَةِ فقال في المعتمد يحرم عليها لطهارة وَاَلَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إنَّ مَعْنَى حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ أَيْ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهَا وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِيه وَالثَّانِي مُرَادُهُ إذَا قَصَدَتْ الطَّهَارَةَ تَعَبُّدًا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَتَأْثَمُ بِهَذَا لِأَنَّهَا مُتَلَاعِبَةٌ بِالْعِبَادَةِ فَأَمَّا إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ قَصْدِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَأْثَمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الحائض إذا

(2/348)


أَمْسَكَتْ عَنْ الطَّعَامِ بِقَصْدِ الصَّوْمِ أَثِمَتْ وَإِنْ أَمْسَكَتْ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْحَائِضِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ بَعِيدٍ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْقِرَاءَةُ فَلَوْ اغْتَسَلَتْ صَحَّ غُسْلُهَا وَقَرَأَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ حَائِضٍ هُوَ فِي طَهَارَةٍ لِرَفْعِ حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَتْ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا وَأَمَّا الطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ لِلنَّظَافَةِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الجمرة فمسونة لِلْحَائِضِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ ويدل

(2/349)


عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [ويحرم عليها الصلاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فدعي الصلاة) ويسقط فرضها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كنا نحيض عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء: ولان الحيض يكثر فلو أوجبنا قضاء ما يفوتها شق وضاق] [الشَّرْحُ] الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَالْأَوَّلُ رَوَيَاهُ بِلَفْظِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُ الْحَيْضَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2/350)


وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ هُنَا
* وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهَا الصَّلَاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا تَقْضِي إذَا طَهُرَتْ قَالَ أَبُو جعفر ابن جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا اجْتِنَابَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَاجْتِنَابَ جَمِيعِ الصِّيَامِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَاجْتِنَابَ الطَّوَافِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَأَنَّهَا إنْ صَلَّتْ أَوْ صَامَتْ أَوْ طَافَتْ لَمْ يُجْزِهَا ذَلِكَ عَنْ فَرْضٍ كَانَ عَلَيْهَا وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جرير وآخرون الاجماع انها لا تقتضي الصَّلَاةَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا
بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ فَرَّقُوا فِي حَقِّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فِي الْحَائِضِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُتَّبَعُ فِي الْفَرْقِ الشَّرْعُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) وَأَرَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي الزناد

(2/351)


نَحْوَ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ إنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفَرْقِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَرْقٌ حَسَنٌ فَلْيُعْتَمَدْ
* وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَقَالَ وَجَدْت كُلَّ مُكَلَّفٍ مَأْمُورًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُسَايَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُكَلَّفَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهَا غَيْرُ

(2/352)


وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الصَّلَاةِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء كما تحرم صلاة الجنازة لان الطَّهَارَةَ شَرْطٌ (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَا تُقْضَى إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا قَضَاءً لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى قَضَاءَ فَائِتَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ وَهَذَا الذى قاله بو عَلِيٍّ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا يدخل وقتبا إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ صَحَّ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ سَلِمَ لَهُمَا ثُبُوتُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وُضُوءٌ وَلَا تَسْبِيحٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ تَطْهُرُ وَتُسَبِّحُ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ

(2/353)


قَالَ لَنَا (مُرْ نِسَاءَ الْحَيْضِ أَنْ يَتَوَضَّأْنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَيَجْلِسْنَ وَيَذْكُرْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُسَبِّحْنَ) وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الاستحباب عندهما فاما استحباب التسبيح فلا يأمر بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ إنْ قصدت العبادة كما سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [ويحرم الصوم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصلاة فدل أنهن كن يفطرن ولا يسقط فرضه لحديث عائشة ولان الصوم في السنة مرة فلا يشق قضاؤه]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا فِيهِ جَوَازُ الْفِطْرِ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوْمُ جَائِزًا لَا وَاجِبًا كَالْمُسَافِرِ قُلْنَا قَدْ ثَبَتَ شِدَّةُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ فِي الْعِبَادَاتِ وَحِرْصُهُنَّ عَلَى الْمُمْكِنِ مِنْهَا فَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ لَفَعَلَهُ بَعْضُهُنَّ كَمَا فِي الْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ) ثُمَّ قَالَ (وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا

(2/354)


وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ
وَلَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِالصَّوْمِ فِي حَالِ حَيْضِهَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فَكَيْفَ تُؤْمَرُ بِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ بِسَبَبٍ هِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إزَالَتِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَتُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحَالِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ كَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُحَقِّقُونَ يَأْبَوْنَ هَذَا الْوَجْهَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْطُهُ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ قَالَ وَمَنْ يَطْلُبُ حَقِيقَةَ الْفِقْهِ لَا يُقِيمُ لِمِثْلِ هَذَا الْخِلَافِ وَزْنًا قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِنَا فِي الاصول والكلام ان تكليف مالا يُطَاقُ جَائِزٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ قُلْت تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا وَشِبْهِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى وَجَبَ عَلَيْكِ صوم فانت طالق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(2/355)


* [ويحرم الطواف لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي ولانه يفتقر إلى الطهارة ولا تصح منها الطهارة]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا طَوَافٌ مَفْرُوضٌ وَلَا تَطَوُّعٌ وَأَجْمَعُوا أن الحائض والنفساء لا تمنع من شئ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا كُلِّهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ويحرم قراءة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ لَا يَقْرَأْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ علي النهى وبفتحها عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَائِضِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا قَدِيمًا
لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَاخْتَلَفُوا فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَرَادَ بِهِ مَالِكًا وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَجَعَلُوهُ قَوْلًا قَدِيمًا قَالَ الشيخ أبو محمد وجدث أَبَا ثَوْرٍ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَخَافُ النِّسْيَانَ لِطُولِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُعَلَّمَةً فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ حِرْفَتِهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ لَهَا قِرَاءَةُ مَا شَاءَتْ إذْ لَيْسَ لِمَا يَخَافُ نِسْيَانُهُ ضَابِطٌ فَعَلَى هَذَا هِيَ كَالطَّاهِرِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَحِلَّ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَاجَةِ التَّعْلِيمِ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ وَتَفْرِيعَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

(2/356)


وَآخَرُونَ هَذَا حُكْمُ قِرَاءَتِهَا بِاللِّسَانِ فَأَمَّا إجْرَاءُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُ مَا فِيهِ فِي الْقَلْبِ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ غَيْرَ الْقُرْآنِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ هَذَا مَعَ جُمَلٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ الْقُرْآنَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهرى واسحق وأبو ثور وعن مالك وأبى حنية وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا التَّحْرِيمُ وَالثَّانِيَةُ الْجَوَازُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ: وَلِأَنَّ زَمَنَهُ يَطُولُ فَيَخَافُ نِسْيَانَهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهَا وَافَقَ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا دَاوُد وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ دَاوُد لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهَا وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَمَّا خَوْفُ النِّسْيَانِ فَنَادِرٌ فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ غَالِبًا سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٌ
وَلَا يُنْسَى غَالِبًا فِي هَذَا الْقَدْرِ وَلِأَنَّ خَوْفَ النِّسْيَانِ يَنْتَفِي بِإِمْرَارِ الْقُرْآنِ عَلَى القلب والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [ويحرم حمل المصحف ومسه لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ويحرم اللبث في المسجد لقوله صلي الله عليه وسلم (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) فأما العبور فانها إذا استوثقت من نفسها جاز لانه حدث يمنع اللبث في المسجد فلا يمنع العبور كالجنابة]
*

(2/357)


[الشَّرْحُ] يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّتُهُ وَفُرُوعُهُ الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَأَمَّا عُبُورُهَا بِغَيْرِ لُبْثٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِيثَاقِ بِالشَّدِّ أَوْ لِغَلَبَةِ الدَّمِ حَرُمَ الْعُبُورُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَمِنَتْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَالْجُنُبِ وَكَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَخَافُ تَلْوِيثَهُ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَصَحَّحَ تَحْرِيمَ الْعُبُورِ وَإِنْ أَمِنَتْ لِغِلَظِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا حُكْمُ عُبُورهَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِذَا انْقَطَعَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ عُبُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَطَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَالْحَائِضُ الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ فَتُمْنَعُ مِنْ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ فَإِنَّ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُكْثِ فِيهِ وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ فِي مَسَائِلِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ التَّلْوِيثِ وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ إنْ خَافُوا التَّلْوِيثَ حَرُمَ الْعُبُورُ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ويحرم الوطئ في الفرج لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من

(2/358)


حيث أمركم الله) فان وطئها مع العلم بالتحريم ففيه قولان قال في القديم ان كان في أول الدم لزمه أن يتصدق بدينار وان كان في آخره لزمه أن يتصدق بنصف دينار لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال في الذى يأتي امرأته وهى حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار وقال في الجديد لا يجب لانه وطئ محرم للاذى فلم تتعلق به الكفارة كالوطئ في الدبر]
* [الشرح] أجمع المسلمون علي تحريم وطئ الْحَائِضِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وغيرهم من استحل وطئ الْحَائِضِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ قَالُوا وَمَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا وُجُودَ الْحَيْضِ أَوْ تَحْرِيمَهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انه يجئ عَلَى الْقَدِيمِ قَوْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي كفارة كالعامد وهذا ليس بشئ وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا فَفِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بل يعذر وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفِّرَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي يُوجِبُهَا الْقَدِيمُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْقَدِيمِ دِينَارٌ إنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي إقْبَالِ الدَّمِ وَنِصْفُ دِينَارٍ إنْ كَانَ فِي إدْبَارِهِ وَالْمُرَادُ بِإِقْبَالِ الدَّمِ زَمَنُ قُوَّتِهِ وَاشْتِدَادِهِ وَبِإِدْبَارِهِ ضَعْفُهُ وَقُرْبُهُ مِنْ الِانْقِطَاعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وامام الحرمين وجها عن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى أَنَّ إقْبَالَهُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ وَإِدْبَارَهُ مَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ اغْتِسَالِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ الْقَدِيمِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ عَلَى التَّقْسِيمِ وَأَنَّ الدِّينَارَ فِي الْإِقْبَالِ وَالنِّصْفَ فِي الْإِدْبَارِ

(2/359)


وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا شَاذًّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ روي ذلك
من عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قلت به قال فكان أبو حامد الاسفراينى وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَلَا يَحْكُونَهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَصِحَّ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ مَحْمُولًا فِي الْقَدِيمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ قُلْت وَاتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَاضْطِرَابِهِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَأَلْوَانًا كَثِيرَةً وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ صَحِيحًا وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحَاكِمُ خِلَافُ قَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْحَاكِمُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا بَيَانًا شَافِيًا وَهُوَ إمَامٌ حَافِظٌ مُتَّفَقٌ عَلَى إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يلزمه شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَنْ أَوْجَبَ دِينَارًا أَوْ نِصْفَهُ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً وَهُوَ مِثْقَالُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ وَالْعِلْمِ بِالْحَيْضِ وَالِاخْتِيَارِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وطئ محرم للاذى احترازا من الوطئ فِي الْإِحْرَامِ وَنَهَارِ رَمَضَانَ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ العلماء فيمن وطي فِي الْحَيْضِ عَامِدًا عَالِمًا - قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَحَكَاهُ

(2/360)


أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الدِّينَارُ وَنِصْفُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْحَالِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَسَنِ وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ يُعْتِقُ رَقَبَةً أَوْ يُهْدِي بَدَنَةً أَوْ يُطْعِمُ عِشْرِينَ صَاعًا وَمُعْتَمَدُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقَالَ أبو اسحق لا يحرم غير الوطئ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصنعوا كل شئ غير النكاح) ولانه وطئ حرم للاذى فاختص به كالوطئ فِي الدُّبُرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ (مَا فَوْقَ الازار) ]

(2/361)


[الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَبَعْضُ حَدِيثٍ: رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبَيْتِ فَسَأَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجل (ويسألونك عن المحيض) الْآيَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ: كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِك إرْبَهُ) وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَحْوُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ) يَعْنِي فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ

(2/362)


وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المحيض) وبالحديث المذكور ولان ذلك حريم
لِلْفَرْجِ: وَمَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُبْلَةِ وَلَمْسِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ لغالب النَّاسِ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ إذَا لَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِالْجِمَاعِ استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الاوزار وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحاق المروزى وحكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَرَأَيْته أَنَا مَقْطُوعًا بِهِ فِي كِتَابِ اللَّطِيفِ لِأَبِي الْحَسَن بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَتَأَوَّلَ هؤلاء الازار في حديث عمر رضى الله عنه عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَرْجُ بِعَيْنِهِ وَنَقَلُوهُ عَنْ اللُّغَةِ وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ تَفْسِيرًا لِلْإِزَارِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا سَبَقَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ وَثِقَ الْمُبَاشِرُ تَحْتَ الْإِزَارِ بِضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ

(2/363)


الْفَرْجِ لِضَعْفِ شَهْوَةٍ أَوْ شِدَّةِ وَرَعٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ بَدَلَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي الْجَدِيدُ التَّحْرِيمُ وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُحَرِّمُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَمَّا مَا سِوَاهُ فَمُبَاشَرَتُهَا فِيهِ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملي في المجموع وابن الصباغ والعبد رى وَآخَرُونَ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وكسر الباء من انه لا يباشر شئ مِنْ بَدَنِهِ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا فَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي مُبَاشَرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ

(2/364)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ في قوله صل الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ)
وَبِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ فَوْقَ الازار شئ من دم الحيض أولا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وجها انه ان كان عليه شئ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ حَرُمَ لِأَنَّهُ أَذًى وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التحريم وقياسا على مالو كَانَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ أُخْرَى وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِنَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمَا حَاذَاهُمَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا عَوْرَةً إنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ كَانَتَا كَمَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا لَيْسَتَا عَوْرَةً أُبِيحَا قَطْعًا كَمَا وَرَاءَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَرْعٌ] فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا بين السرة والركبة بغير وطئ: قد ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا وَدَلَائِلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

(2/365)


وطاووس وَشُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ وَقَتَادَةَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ وأبو ثور واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَرْعٌ] إذَا قُلْنَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَفَعَلَهُ مُتَعَمِّدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَدِيمِ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ هُنَا حَدِيثٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فان الوطئ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْض حَلَّ لَهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا لِلْحَدَثِ وَالْحَدَثُ بَاقٍ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) قَالَ مُجَاهِدٌ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الماء فتيممت حل مَا يَحِلُّ بِالْغُسْلِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغُسْلِ فَاسْتُبِيحَ بِهِ مَا يُسْتَبَاحُ بِالْغُسْلِ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَرِيضَةً لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِفِعْلِ الْفَرِيضَةِ كَمَا يَحْرُمُ فِعْلُ الْفَرِيضَةِ بَعْدَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لان الوطئ ليس بفرض فلم يحرم فعل الفريضة كصلاة النفل]

(2/366)


[الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ أَحْكَامٌ (أَحَدُهَا) يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَغْسَالَ الْحَجِّ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ (الثَّانِي) تَحْرُمُ الطَّهَارَةُ بِنِيَّةِ الْعِبَادَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَيْنَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا (الثَّالِثُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) يُحَرِّمُهَا (الْخَامِسُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهَا (السَّادِسُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ (السَّابِعُ) يُحَرِّمُهُ (الثَّامِنُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهُ (التَّاسِعُ) يُحَرِّمُ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْعُبُورُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الْعَاشِرُ) يُحَرِّمُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ.
وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الْحَادِيَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الِاعْتِكَافَ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الثَّالِثَ عَشَرَ) يَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ (الرَّابِعَ عشر) يحرم الوطئ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ (السَّادِسَ عَشَرَ) تَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ (السَّابِعَ عَشَرَ) تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ (الثَّامِنَ عَشَرَ) يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَلْ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ أَمْ بِهِمَا فِيهِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمُعْظَمُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ ارْتَفَعَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَارْتَفَعَ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهٍ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعُبُورَ يَبْقَى

(2/367)


تحريمه حتي تغتسل وليس بشئ وَلَا يَرْتَفِعُ مَا حَرُمَ لِلْحَدَثِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَرْتَفِعُ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ قال أصحابنا وإذا تَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا القاضى أبو الطيب لانها
استباحت الوطئ بالتيمم والحدث لا يحرم الوطئ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ قَالَ الْقَاضِي ولا نالوا قلنا يحرم الوطئ بَعْدَ الْحَدَثِ لَأَدَّى إلَى تَحْرِيمِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ قَبْلَ الوطئ اما إذا تيممت ثم رأت الماء فيحرم الوطئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا بَطَلَتْ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَعَادَتْ إلَى حَدَثِ الْحَيْضِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يحل الوطئ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ رَأَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْجِمَاعِ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَاغْتَسَلَتْ وَأَمَّا إذَا تيممت وصلت فريضة فهل يصح الوطئ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَمْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَلَوْ تيممت فوطئها ثم أراد الوطئ ثَانِيًا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ

(2/368)


جَوَازُهُ لِارْتِفَاعِ حَدَثِ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَهَذَا ليس بشئ ولو تيممت وصلت فريضة وقلنا يجوز الوطئ بَعْدَهَا فَلَمْ يَطَأْ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ تِلْكَ الفريضة فهل يحل الوطئ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملى فِي كِتَابَيْهِ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَا يَزِيدُ عَلَى الحدث والثانى لا يجوز الوطئ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ رَفَعَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَلِهَذَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِلصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّتْ الْفَرِيضَةَ لِحُرْمَةِ الوقت كما سبق ولا يجوز الوطئ حَتَّى تَجِدَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يجوز الوطئ كالصلاة وهذا ليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُقِيمَةُ فِي هَذَا كَالْمُسَافِرَةِ فَإِذَا عَدِمَتْ الْمُقِيمَةُ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ جريحة فتيممت حل الوطئ وَإِنْ كَانَ صَلَاتُهَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(2/369)


(فرع)
في مذاهب العلماء في وطئ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلً الْغُسْلِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ حَيْثُ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن سالم ابن عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ ومالك والثوري والليث وأحمد واسحق وأبو ثَوْرٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ أَدْرَكَ الزَّوْجَ الشَّبَقُ أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَصَابَهَا إنْ شَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصَحُّ مِنْ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ مُوَافَقَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ طَاوُسٍ خِلَافُ قَوْلِ سَالِمٍ قَالَ فَإِذَا بَطَل أَنْ يَصِحَّ عَنْ هَؤُلَاءِ قَوْلٌ ثَانٍ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَالْإِجْمَاعِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهو عشرة أيام عنده حل الوطئ فِي الْحَالِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تصل لم يحل الوطئ حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ إذا غسلت فرجها حل الوطئ وحكى عن مالك تحريم الوطئ إذَا تَيَمَّمَتْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْتُهُ وقال ابن جرير أجمعوا علي تحريم الوطئ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الصَّوْمُ وَالطَّلَاقُ وكذا الوطئ ولان تحريم الوطئ هُوَ لِلْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَصَارَتْ كَالْجُنُبِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) وَقَدْ رُوِيَ حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ فَقِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ صَرِيحَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الغسل وقراءة

(2/370)


التَّخْفِيفِ يُسْتَدَلُّ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهَا أَيْضًا يَغْتَسِلْنَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
انْقِطَاعُ دَمِهِنَّ
(وَالثَّانِي)
تَطَهُّرُهُنَّ وَهُوَ اغْتِسَالُهُنَّ وَمَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يُبَاحُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ بَلْ شَرْطٌ وَاحِدُ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ فَإِذَا انْقَطَعَ فَأْتُوهُنَّ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلَ اللِّسَانِ فَسَّرُوهُ فَقَالُوا مَعْنَاهُ
فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضُ فَاسِدٌ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قال لقيل فإذا تطهرن فَأُعِيدَ الْكَلَامُ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَلَمَّا أُعِيدَ بِلَفْظٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا أَكَلَ فَكَلِّمْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ كَثِيرَةٍ وَمُنَاسِبَاتٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ أَوْلَى مُتَمَسَّكٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى اعْتِبَارُ صُورَةِ الِاتِّفَاقِ فَنَقُولُ اتَّفَقْنَا عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا طَهُرَتْ لِدُونِ الْعَشَرَةِ فَاسْتِمْرَارُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إنْ عُلِّلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ لَزِمَ التَّحْرِيمُ إذَا طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَإِنْ عُلِّلَ بِإِمْكَانِ عَوْدِ الدَّمِ فَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِمَا إذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعَانِيَ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ فَالْوَجْهُ اعْتِمَادُ مَا نَاقَضُوا فِيهِ وَكُلُّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِمَا سَلَّمُوهُ فَإِنْ قِيلَ تَحْرِيمُ الوطئ بِالْحَيْضِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قُلْنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالِانْقِطَاعِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ فَإِنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِانْسِدَادِ طَرِيقِ النَّظَرِ فظاهر القرآن تحريم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِ الصَّوْمِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وهذه ليست بحائض وهنا حرم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَعَنْ الطَّلَاقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ التَّحْرِيمُ لِلْحَيْضِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ هُوَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ وَهُوَ بَاقٍ الثَّانِي أنه ينتقض بالانقطاع لدون أَكْثَرِ الْحَيْضِ الثَّالِثُ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَمْنَعُ الوطئ وَكَذَا غُسْلُهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ لَيْسَتْ امْرَأَةٌ تُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ الْحَيْضِ إلَّا وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ مِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَدِمَتْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ فَإِنَّهَا تمنع من الصلاة دون الوطئ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ هُنَا لِلْحَدَثِ قَالَ وَانْقِطَاعُ الدَّمِ إذا أباح الصلاة أباح الوطئ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَتُصَلِّي وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا

(2/371)


عَلَى الصَّحِيحِ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَوْ السيد الوطئ فَقَالَتْ أَنَا حَائِضٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لم يلتفت إليها وجاز الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ صِدْقُهَا وَلَمْ يَتَّهِمْهَا بِالْكَذِبِ حَرُمَ الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ الصِّدْقُ وَلَكِنْ كَذَّبَهَا فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَحِلُّ الوطئ لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ وَمَنَعَتْ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى حَيْضِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُقَصِّرٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْحَيْضِ وَادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَادَّعَتْ بَقَاءَهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ طَهُرَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْمَجْنُونَةُ مِنْ الْحَيْضِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حتى يغسلها فإذا ضب الْمَاءَ عَلَيْهَا وَنَوَى غُسْلَهَا عَنْ الْحَيْضِ حَلَّتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ حَاضَتْ الْمَجْنُونَةُ أَوْ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ (فَرْعٌ)
إذَا ارتكبت المرأة من المحرمات المذكورة أثمت وتعذر وَعَلَيْهَا التَّوْبَةُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ
* (فَرْعٌ)
يجوز عندنا وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والعبد رى وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المزني والاوزاعي ومالك والثوري واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَحُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَابْنِ سِيرِينَ مَنْعُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَنْعِ عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهَا بَلْ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حديثها وقال احمد لا يجوز الوطئ إلَّا أَنْ يَخَافَ زَوْجُهَا الْعَنَتَ وَاحْتُجَّ لِلْمَانِعِينَ بِأَنَّ دَمَهَا يَجْرِي فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وَهَذِهِ قَدْ تَطَهَّرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُسْتَحَاضَةُ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا

(2/372)


فكذا في الوطئ ولانه دم عرق فلم يمنع الوطئ كَالنَّاسُورِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ بَلْ وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ يُقْبَلْ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِنَظَائِرِهِ لَا بِالْحَيْضِ الَّذِي لا يشاركه في شئ
* [وقال المصنف رحمه الله] (اقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين قال الشافعي رحمه الله اعجل من سمعت من النساء تحتض نساء تهامة يحضن لتسع سنين فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ولا تتعلق به احكام الحيض]
* [الشَّرْحُ] تِهَامَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ سُمِّيَتْ تِهَامَةَ مِنْ التَّهَمِ يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودِ الرِّيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا يُقَالُ تَهِمَ الدُّهْنُ إذَا تَغَيَّرَ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي أَقَلِّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي بِالشُّرُوعِ فِي التَّاسِعَةِ وَالثَّالِثُ بِمُضِيِّ نِصْفِ التَّاسِعَةِ وَالْمُرَادُ بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةُ
* وَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ اسْتِكْمَالُ تِسْعٍ وَهَلْ هِيَ تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ عَنْ التِّسْعِ مَا نَقَصَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهَذَا مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا تَقْرِيبٌ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يُؤَثِّرُ نَقْصُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُؤَثِّرُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدم واستكمال التسع مالا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تَحْدِيدٌ فَرَأَتْهُ قَبْلَ التِّسْعِ مُتَّصِلًا بِاسْتِكْمَالِهَا نُظِرَ إنْ رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَعْدَ التِّسْعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً جُعِلَ الْجَمِيعُ حَيْضًا وان رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ يَوْمًا
وَلَيْلَةً وَبَعْدَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْضُهُ قَبْلَ التِّسْعِ وَبَعْضُهُ بَعْدَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ حَيْضًا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَاتِ كُلُّ هَذَا عندي

(2/373)


خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ فَأَيُّ قَدْرٍ وُجِدَ فِي أَيِّ حَالٍ وَسِنٍّ كَانَ وَجَبَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَالْبَارِدَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الدَّمُ لِتِسْعِ سِنِينَ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ الَّتِي لَا يُعْهَدُ فِي أَمْثَالِهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَأَيْت جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وعشرين سنة وقيل انه رآها بصنعاء اليمين قَالُوا هَذَا رَآهُ وَاقِعًا وَيُتَصَوَّرُ جَدَّةٌ بِنْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَحْظَةً فَتَحْمِلُ لِتِسْعٍ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِنْتًا وَتَحْمِلُ تِلْكَ الْبِنْتُ لِتِسْعِ سِنِينَ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ
* هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ حَتَّى تَمُوتَ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْوُجُودُ وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحِيضُ لِتِسْعِ سِنِينَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهَا وَفِي الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ لِدُونِ أَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا يتعلق به شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَيُسَمَّى دَمَ فَسَادٍ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
* وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ فِي سِنِّ الْإِمْكَانِ قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْغُلَامِ فِي إنْزَالِ الْمَنِيِّ لِسِنِّ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ سِنٍّ يَجُوزُ أَنْ تُنْزِلَ الْمَرْأَةُ فِيهِ الْمَنِيَّ هُوَ سِنُّ الْحَيْضِ وَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ هِيَ أَسْرَعُ بُلُوغًا مِنْ الْغُلَامِ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هُنَا فِي بَابِ الْحَيْضِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالثَّانِي مُضِيُّ تِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ
وَالثَّالِثُ اسْتِكْمَالُ عَشْرِ سِنِينَ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَجْرِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(2/374)


[وأقل الحيض يوم وليلة وقال في موضع يوم فمن أصحابنا من قال هما قولان ومنهم من قال يوم وليلة قولا واحدا وقوله يوم اراد بليلته ومنهم من قال يوم قولا واحدا وانما قال يوم وليله قبل أن يثبت عنده اليوم فلما ثبت عنده رجع إليه - والدليل على ذلك ان المرجع في ذلك الي الوجود وقد ثبت الوجود في هذا القدر قال الشافعي رحمه الله رأيت امرأة اثبت لى عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وقال الاوزاعي رحمه الله عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقال عطاء رحمه الله رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وقال أبو عبد الله الزبيري رحمه الله كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما واكثره خمسة عشسر يوما لما رويناه عن عطاء وابى عبد الله الزبيري وغالبه ست أو سبع لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جحش رضي الله عنها (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حيضهن وطهرهن) وأقل طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا أعرف فيه خلافا فان صح ما يروى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (في النساء نقصان دينهن ان احداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي) دل ذلك علي ان اقل الطهر خمسة عشر يوما لكن لم أجده بهذا اللفظ الا في كتب الفقه] [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْعَدَدِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَنَصَّ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا أَحَدُهَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوُجُودِ فَإِنْ صَحَّ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ تَعَيَّنَ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ
كَلَامَيْهِ عَلَى حَالَيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ علي قولين وكذا كُلُّ مُجْتَهِدٍ كَمَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ حَدِيثَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى النَّسْخِ وَالتَّعَارُضِ وَضَعَّفَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ

(2/375)


وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِيَوْمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا قَالَ يَوْمٌ فِي مَسَائِلِ الْعَدَدِ اخْتِصَارًا أَوْ حِينَ أَرَادَ تَحْدِيدَ أَقَلِّ الْحَيْضِ فِي بَابِهِ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَوَجَبَ اعْتِمَادُ مَا حَقَّقَهُ فِي مَوْضِعِ التَّحْدِيدِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ يَوْمًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الرَّبِيعُ أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ جِدًّا وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ وَمَا سِوَاهُ مُتَأَوَّلٌ عَلَيْهِ.
وَدَلِيلُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَفِي مَظِنَّتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ آخِرُ قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الثِّقَةُ ابْنُ جَرِيرٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عشر باتفاق اصحابنا وذكر المصنف دليله (الثَّالِثَةُ) غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ بِالِاتِّفَاقِ (الرَّابِعَةُ) أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا ثبت وجوده ولا حد لا كثره بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ جَمِيعَ عُمُرِهَا لَا تَحِيضُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ فِي زَمَنِهِ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَمَّا غَالِبُ الطُّهْرِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْحَيْضِ مَاذَا فَالْغَالِبُ أَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا وَطُهْرًا فَغَالِبُ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِيضَاحِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ
* وَأَمَّا قَوْلُهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) أَيَّامُ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ ذَاتِ التَّلْفِيقِ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ
بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِنَا وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ

(2/376)


مَشْهُورٌ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْفِيقِ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ غَلَطًا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ عَدَمُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا حَدِيثُ (تَمْكُثُ شَطْرَ دَهْرِهَا) فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ في الصحيحين (تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْنَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ حَمْنَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَسَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هو حديث حسن صحيح قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَرَكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الحديث لان رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ لَيْسَ بِذَاكَ (قُلْت) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا يُقْبَلُ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الرَّاوِي وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي تَوْثِيقِهِ وَجَرْحِهِ فَقَدْ صَحَّحَ الْحُفَّاظُ حَدِيثَهُ هَذَا وَهُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ فِي حَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الرَّاوِي بَعْضُ الضَّعْفِ أُجِيزَ حَدِيثُهُ بِشَوَاهِدَ لَهُ أَوْ مُتَابَعَةٍ وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَك اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى

(2/377)


اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) الْمُرَادُ غَالِبُ النِّسَاءِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ كُلِّهِنَّ لِاخْتِلَافِهِنَّ وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم (ميقات حيضهن) هو بِنَصْبِ التَّاءِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي وَقْتِ حَيْضِهِنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ حَمْنَةَ فَقِيلَ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ
كَانَتْ مُعْتَادَةً سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَرَدَّهَا إلَيْهَا ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِيهَا الْخَطَّابِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ احْتِمَالَيْنِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهَا كانت مبتدأة وكذا اختاره إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ) وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً وَأَوْضَحَ دَلِيلَهُ وَقَالَ هَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَنْ قَالَ كَانَتْ مُعْتَادَةً ذَكَرُوا فِي رَدِّهَا إلَى السِّتَّةِ أَوْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ سِتَّةٌ إنْ كَانَتْ عادتك ستة أو سبعة ان كان عَادَتُك سَبْعَةً الثَّانِي لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَقَالَ تَحَيَّضِي سِتَّةً إنْ لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَك أَوْ سَبْعَةً إنْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَادَتُكِ الثَّالِثُ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ الشُّهُورِ سِتَّةٌ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً فِي شَهْرِ السِّتَّةِ وَسَبْعَةً فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ فَتَكُونُ لَفْظَةُ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ وَبَسَطْت الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مدار كتاب الحيض ويدخل فِي كُلِّ مُصَنَّفَاتِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(2/378)


(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَمْنَةَ بنت جحش وعطاء والاوزاعي وا؟ ؟ يرى فَأَمَّا حَمْنَةُ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ هَاءٍ وَأَبُوهَا جَحْشٌ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا عطاء فهو أبو محمد عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَعَطَاءٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فِي الْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِنَا فِي سَلْسَلَةِ التَّفَقُّهِ فَهُوَ شَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ الَّذِي هُوَ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ تُوُفِّيَ عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ واما الاوزاعي فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو مِنْ كِبَارِ تَابِعِي التَّابِعِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ الْبَارِعِينَ كَانَ إمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَنِهِ أَفْتَى فِي سبعين الف مسألة وقيل ثمانين الف تُوُفِّيَ فِي خَلْوَتِهِ فِي حَمَّامِ بَيْرُوتَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَوَسِّدًا بِيَمِينِهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ قِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَوْزَاعِ قَرْيَةٍ كَانَتْ بِخَارِجِ بَابِ الْفَرَادِيسِ مِنْ دِمَشْقَ وَقِيلَ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَمَنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَأَمَّا الزُّبَيْرِيُّ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ مَنْسُوبٌ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الله الزبير بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عاصم بن المنذر بن الزبير ابن الْعَوَّامِ وَلِلزُّبَيْرِيِّ كُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَأَحْوَالٌ شَرِيفَةٌ فَهَذِهِ أَحْرُفٌ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ بَسَطَتْ أَحْوَالَ أَصْحَابِهَا وَمَنَاقِبَهُمْ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَبِاَللَّهِ التوفيق
*

(2/379)


طُهْرًا مُسْتَقِلًّا كَامِلًا قَالَ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ تَفْرِيعُ الْبَابِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أبو عمرو ابن الصلاح قول الاستاذ ابي اسحق فَقَالَ الصَّحِيحُ اتِّبَاعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ وَنَاهِيكَ إتْقَانًا وتحقيقا واطلاعا وكأن الاصحاب لم يطلعوا علگ النص قال وفى المحيط للشيخ اي محمد الجويني عن الاستاذ ابى اسحق قال كانت امرأة تستفتينى باسفرابين وَتَقُولُ إنَّ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الدَّوَامِ فَجَعَلَتْ ذَلِكَ طُهْرَهَا عَلَى الدَّوَامِ قُلْت وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاخْتَارَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّصَّ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَكْثَرِهِمَا: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لا حدله قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً وَانْقَطَعَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي ادَّعَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَكُونُ دَفْعَةً فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ احمد اكثر ما سمعنا سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ طَائِفَةٌ لَيْسَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ بِالْأَيَّامِ بَلْ الْحَيْضُ إقْبَالُ الدَّمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالطُّهْرُ إدْبَارُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِيمَا نعلم وانكر احمد واسحق التَّحْدِيدَ فِي الطُّهْرِ قَالَ أَحْمَدُ الطُّهْرُ مَا بين الحيضتين علي ما يكون وقال اسحق تَوْفِيَتُهُمْ الطُّهْرَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَاطِلٌ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي
يُوسُفَ اقل الحيض يومان واكثر الثَّالِثُ وَعَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَقَدْ يَكُونُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ إحْدَاهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَكْثَرُهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّهُ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ طُهْرًا فِي الْعَادَةِ وَرَوَى عَبْدُ الملك بن الماجشون

(2/380)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ وَالْمُرَادُ خَمْسَةَ عشر بلياليها وهذا القيد لابد مِنْهُ لِتَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْأُولَى (فَرْعٌ)
لَوْ وَجَدْنَا امْرَأَةً تَحِيضُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ تَطْهُرُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاشْتَهَرَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ مُتَكَرِّرَةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهَا لَا يُعْتَبَرُ حَالُ هَذِهِ بَلْ الحكم علي ما تمهد لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَوْفَى: وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ لِيَكُونَ هَذَا حَيْضَهَا وَطُهْرَهَا لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا قَوْلُ طوائف من المحققين منهم الاستاذ أبو اسحق الاسفرايني وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ (قُلْت) وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ قَدْرًا يُوَافِقُ مَذْهَبَ السَّلَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِاعْتِمَادِ الْوُجُودِ اعْتَمَدْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَ أَحَدٍ لَمْ يُعْتَمَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ وَلَا أَرَى الْعُدُولَ عَنْهُ الِاكْتِفَاءَ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبُ الْمَاضِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَإِنَّا لَوْ فَتَحْنَا بَابَ اتِّبَاعِ الْوُجُودِ في كل ما يحدث واخدنا فِي تَغْيِيرِ مَا يُمَهِّدُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا لَاخْتَلَطَتْ الْأَبْوَابُ وَظَهَرَ الِاضْطِرَابُ وَالْوَجْهُ اتِّبَاعُ مَا تَقَرَّرَ لِلْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ قَبْلَنَا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِحَالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ احْتِمَالَ عُرُوضِ دَمِ الْفَسَادِ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ انْخِرَامِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ لا يجعل كل نقاء

(2/381)


انه خمسة ايام وقال سجنون ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ محمد بن مسلمة خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَصْحَابُهُ الْبَغْدَادِيُّونَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَأَبِي طَالِبٍ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ عَشَرَةٌ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَمَّا أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ أَكْثَرَ الطهر لا حدله وَدَلِيلُهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَمِنْ الِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ مُشَاهَدٌ وَمِنْ أَظْرَفِهِ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ عَنْ أُخْتِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَمَّا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِحَدِيثِ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَقَالَ (لَيْسَ ذَلِكَ الْحَيْضُ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ لِتَقْعُدْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ لتغتسل ولتصلى) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالُوا وَأَقَلُّ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةٌ وَبِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) م وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (الْحَيْضُ ثَلَاثٌ.
أَرْبَعٌ.
خَمْسٌ.
سِتٌّ.
سَبْعٌ.
ثَمَانٍ.
تِسْعٌ.
عَشَرٌ) قَالُوا وَأَنَسٌ لَا يَقُولُ هَذَا إلَّا تَوْقِيفًا قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضى الله عنها (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَلِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ شَرْعًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالزُّبَيْرِيِّ وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْعُلَا قَالَتْ حَيْضَتِي مُنْذُ أَيَّامِ الدَّهْرِ يَوْمَانِ قَالَ اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَصَحَّ لَنَا عَنْ غَيْرِ امْرَأَةٍ في زماننا انها قالت حيضتي يومان وعند يزيد بن هرون قَالَ عِنْدِي امْرَأَةٌ تَحِيضُ يَوْمَيْنِ

(2/382)


وَرُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا لَوْ ثبت فمن وجهين
(أحدهما)
ليس المرد بِالْأَيَّامِ هُنَا الْجَمْعُ بَلْ الْوَقْتُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُعْتَادَةٌ رَدَّهَا
إلَى الْأَيَّامِ الَّتِي اعْتَادَتْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَيْضٍ لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَدْ أَوْضَحَ ضَعْفَهَا الدَّارَقُطْنِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ السنن الكبير وَقَوْلُهُمْ التَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ جَوَابُهُ أَنَّ التَّوْقِيفَ ثَبَتَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ سَاعَةٌ فَاعْتَمَدُوا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقِيَاسَ عَلَى النِّفَاسِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَ مَا قُلْنَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ النُّصُوصِ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الْوُجُودِ وَعَنْ النِّفَاسِ أَنَّهُ وُجِدَ لَحْظَةً فَعَمِلْنَا بِالْوُجُودِ فِيهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ثَبَتَ مُسْتَفِيضًا عَنْ السَّلَفِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ كَذَلِكَ عِيَانًا وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَقَلُّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ فَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَالشَّهْرُ يَشْتَمِلُ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا عَشَرَةٌ لِلْحَيْضِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَدَلِيلُنَا بِثُبُوتِ الْوُجُودِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرٌ وقد بينا بطلانه فان قيل روى اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ حَاضَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَتْ تَحْتَهُ وَكَانَتْ تَحِيضُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرَيْنِ فَجَوَابُهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ النُّكَتُ أَنَّ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ ضَعِيفَانِ فَالْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدْ انكره الامام مالك ابن أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالثَّانِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَيْمُونٍ والرجل مجهول والله اعلم

(2/383)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ
كَالنِّفَاسِ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ لو كان حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ وَتَعَلَّقَ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ] [الشَّرْحُ] يُقَالُ الرَّضَاعُ وَالرِّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا وَامْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ فَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ ظَهْرِهَا فَحَامِلَةٌ لَا غَيْرَ وَالدَّمُ مُخَفَّفُ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ المشهورة وفيه لغية شَاذَّةٌ بِتَشْدِيدِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْجَدِيدُ أَنَّهُ حَيْضٌ وَالْقَدِيمُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِحَيْضٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا اسْتِحَاضَةٌ أَوْ دَمُ فَسَادٍ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ فَهُوَ كَالْبَوْلِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ صَلَوَاتٍ وَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلَهَا حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَعَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنْ رَأَتْهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَلَيْسَ بِحَيْضٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قال لا فرق بل الخلاف جاز فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا لِغَيْرِ الْحَامِلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة القولان ااقلنا لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا حُكْمَ لَهُ فهو حيض قولا واحدا وقال أبو إسحق الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ إذَا مَضَى لِلْحَمْلِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَيْضٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمِيعِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ وَقَالَ الشَّاشِيُّ إذَا قُلْنَا الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ فَمِنْ مَتَى يَنْقَطِعُ حَيْضُهَا وَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَالثَّانِي مِنْ وَقْتِ حَرَكَةِ الْحَمْلِ (قُلْت) الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ كَالنِّفَاسِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرْضِعَ لَا تَحِيضُ غَالِبًا وَكَذَا الْحَامِلُ فَلَوْ اتَّفَقَ رُؤْيَةُ الدَّمِ فِي حال الرضاع

(2/384)


كَانَ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا فِي حَالِ الْحَمْلِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النُّدُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فِي الْحُكْمِ بِأَنَّهُمَا حَيْضٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَالنِّفَاسِ فَمُرَادُهُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرَأَتْ الدَّمَ بَيْنَهُمَا
وَقُلْنَا إنَّهُ نِفَاسٌ فَهَذِهِ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ وَدَمُهَا نِفَاسٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَالْحَمْلُ وَالْحَيْضُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ الْحَمْلُ كَمَا قُلْنَا فِي النِّفَاسِ قَالَ صَاحِبُ البيان في مشكلات المذهب مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ دَمُ الْحَامِلِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَالدَّمُ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ نِفَاسٌ فَقَاسَ عَلَى مَا وَافَقَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقَوْلُهُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَالتَّقْرِيبِ مِنْ الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَحَمْلُهَا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ وَحَاضَتْ أَدْوَارًا فَلَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَلَا يحسب شئ مِنْ الْأَطْهَارِ الْمُعَجَّلَةِ قُرْءًا أَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ مِثْلَ إنْ مَاتَ صبى عن زوجته أو فسخ نكاحه بعيبه أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا أَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ تَرَى الدَّمَ عَلَى الْأَدْوَارِ فَإِنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَفِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهَذِهِ الْأَطْهَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وجهان مشهوران سيأتي ايضاحهما في كتاب العدة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا بشبهة فوجبت العدة بالثانية فَهَلْ تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَتَدَاخَلُ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ الطَّلَاقِ فَلَوْ حَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ فَهَلْ يُحْسَبُ أَطْهَارُهَا فِي الْحَمْلِ عَنْ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ وَجْهَانِ أصحهما يحسب

(2/385)


فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضُ الْحَامِلِ مُؤَثِّرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَحْسُنُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا قَيَّدْنَاهُ بِهِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَفِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ النفاس أصحهما بالاتفاق أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ بِصِفَةِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يشترط يَكُونَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ إذَا كَانَا دَمَيْ حَيْضٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ
بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ النِّفَاسَ سِتِّينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ الثَّانِي حَيْضًا فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا: لِنُقْصَانِ مَا بَيْنَهُمَا عَنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِاخْتِلَافِهِمَا
* (فَرْعٌ)
إذَا قِيلَ إذَا جَعَلْتُمْ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَحِيضُ فَإِذَا حَاضَتْ حَصَلَ ظَنُّ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ بَانَ خِلَافُهُ عَلَى النُّدُورِ عَمِلْنَا بِمَا بَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي حَيْضِ الْحَامِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ حَيْضٌ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ والحسن وعطاء ومحمد ابن الْمُنْكَدِرِ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلصَّحِيحِ فِي

(2/386)


كَوْنِهِ حَيْضًا أَنَّهُ دَمٌ بِصِفَاتِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي زَمَنِ إمْكَانِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسَادًا لِعِلَّةٍ أَوْ حَيْضًا وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعِلَّةِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِهِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِطَلَبِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ فَجَوَابُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ إنَّمَا كَانَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلَا تَطْوِيلَ هُنَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَمْلِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَلَمْ يعبر الخمسة عشر ففيه قولان أحدهما لا يلفق بل يجعل الجميع حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَأَتْهُ مِنْ النَّقَاءِ طُهْرًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَالثَّانِي يُلَفَّقُ الطُّهْرُ إلَى الطُّهْرِ وَالدَّمُ إلَى الدَّمِ فَيَكُونُ أَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرًا وَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا لَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ الدَّمِ طُهْرًا ولما لم يجز أن يجعل أيام الدم طهرا لم يجز أن يجعل أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى كُلُّ واحد منهما علي حكمه]
* [الشَّرْحُ] النَّقَاءُ بِالْمَدِّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا بقاء أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا
فَكَيْفَ يُسَمَّى طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ لِيَكُونَ أَقَلَّ الْحَيْضِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ أَوْ نِصْفَ يَوْمٍ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ التَّلْفِيقِ هَذِهِ فَذَكَرَهَا هُنَا مُخْتَصَرَةً وَذَكَرَ فُرُوعَهَا فِي آخِرِ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهَا كُلَّهَا أَوْ يَجْمَعَ كُلَّ

(2/387)


مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّلْفِيقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُؤَخِّرَ شَرْحَ هذه المسألة إلى هناك وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
* [إذا رأت المرأة الدم ليس يَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَانَ ذَلِكَ دَمَ فَسَادٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ عَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لها عادة فخالف عادتها أو لم يكن وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ أَوْ الْكُدْرَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ شَيْئًا) وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ زَمَانَ الْإِمْكَانِ ولم يجاوزه فأشبه إذا رأت الصفرة والكدرة فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا) وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ وُجُودُهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَمَارَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَأَنَّ ذَلِكَ دم الجبلة دون العلة]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) وَإِسْنَادُهَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثَالِ هَذَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَلَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَرِيبٌ

(2/388)


مِنْ مَعْنَاهُ فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عقبة ابن أَبِي عُقْبَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَصَحَّ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهُ لتنظر هل بقى شئ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا وَقَوْلُهَا الْقَصَّةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجِصُّ شَبَّهَتْ الرُّطُوبَةَ النَّقِيَّةَ الصَّافِيَةَ بِالْجِصِّ فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فَهَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ أَمْ مَرْفُوعٌ فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ وَاسْمُ أُمِّ عَطِيَّةَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ وَقِيلَ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنْصَارِيَّةٌ بَصْرِيَّةٌ كَانَتْ تَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ غَاسِلَةً لِلْمَيِّتَاتِ وَذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِفَتْحِهَا وَهِيَ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا كَهَمْزَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مَنْسُوبٌ إلَى إصْطَخْرَ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَاسْمُهُ الْحَسَنُ ابن احمد ولد سنة اربع واربعين ومايتين وتوفى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَأَئِمَّتِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَأَخْيَارِهِمْ وَلَهُ أَحْوَالٌ جَمِيلَةٌ وَكُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَذَكَرْت جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَالطَّبَقَاتِ وَقَوْلُهُ دَمُ الْجِبِلَّةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخِلْقَةِ وَمَعْنَاهُ دَمُ الْحَيْضِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يَكُونُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَلَيْسَ هُوَ دَمُ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَقَالَ الشيخ ابو حامد في تعليقه هُمَا مَاءٌ أَصْفَرُ وَمَاءٌ كَدِرٌ وَلَيْسَا بِدَمٍ وقال امام الحرمين هما شئ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ
صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ لَيْسَا عَلَى لَوْنِ شئ مِنْ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ وَلَا الضَّعِيفَةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ

(2/389)


إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ لِزَمَانٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ وَلَا هِيَ حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تَحِيضُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالْمَسْجِدِ والوطئ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالتَّهْذِيبِ فَحَكَيَا وَجْهًا شَاذًّا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَنْ تُمْسِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهَا وَأَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ وَإِنْ اسْتَدَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي رَأَتْهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْوَجْهُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا فَاتَحَهَا الدَّمُ تُمْسِكُ وَالثَّانِي الْمُعْتَادَةُ إذَا جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا تُمْسِكُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهَا بِالْإِمْسَاكِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُبْتَدَأَةِ قَالَ فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَمْسَكَتْ فَانْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ

(2/390)


فَتَقْضِي الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ وَلَا غُسْلَ فَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَوْمُهَا صَحِيحٌ وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَافَقَ عَادَتَهَا أَوْ خَالَفَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ كُلُّهُ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْضُهُ أَسْوَدَ وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَسْوَدُ أَوْ الاحمر ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهَيْنِ شَاذَّيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حكاه صاحب الحاوى انها إذا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَرَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ لَا يَكُونُ حَيْضًا لِضَعْفِهِ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْأَحْمَرَ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ كَانَ حَيْضًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَتَقَدَّمَ الْأَحْمَرُ كَانَ الْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَحْدَهُ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً كَانَ الْأَحْمَرُ
الْأَوَّلُ دَمَ فساد والاحمر والاسود بعده حيض وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إذَا

(2/391)


كَانَ الَّذِي رَأَتْهُ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ المشهور الذى قاله أبو العباس ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونَانِ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً خَالَفَ عَادَتَهَا أَوْ وَافَقَهَا كَمَا لَوْ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَانْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضًا فَإِنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَلَيْسَتْ بِحَيْضٍ وان رأتها معتادة في ايام العادة فهى حَيْضٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ دَمٌ قَوِيٌّ أَسْوَدُ أَوْ أَحْمَرُ وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كَانَتْ حَيْضًا فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ وان لم يتقدمها شئ لم

(2/392)


يَكُنْ حَيْضًا عَلَى انْفِرَادِهَا وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وغيره هذا عن حكاية ابي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّفْرَةِ دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ حَيْضًا تَبَعًا لِلْقَوِيِّ وَإِنْ تَقَدَّمَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَتْ حَيْضًا (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا كَانَتْ كَالنَّقَاءِ (وَالسَّادِسُ) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ تَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ جَارٍ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْجُمْهُورِ اخْتِلَافُهُمْ فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ فَالْإِصْطَخْرِيُّ يَقُولُ مَعْنَاهُ
فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ فِي أَيَّامِ الْإِمْكَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كُنْت أَقُولُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَتَّى رَأَيْتُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) فَلَمَّا قَالَ هُمَا سَوَاءٌ

(2/393)


عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَيَّامَ الْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ حُكْمُ مَا وَرَاءَ الْعَادَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي حُكْمُ مَرَدِّهَا حُكْمُ أَيَّامِ الْعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الصُّفْرَةِ مِمَّا يَعُمُّ وُقُوعُهُ وَتَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فنوضح أصلها بأمثلة مُخْتَصَرَةً: قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ مَا بَيْنَهُمَا صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لَيْسَ بِحَيْضٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ
* وَلَوْ رَأَتْ أَيَّامًا سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَلَا يَخْفَى قِيَاسُ الْبَاقِينَ
* وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَيَّامًا صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ كُلُّهُ دَمُ فساد
* ولو رأت خمسة صفرة ثم خمسة سَوَادًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهَا حُكْمُ مِنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ يأتي بيانها ان شساء اللَّهُ تَعَالَى أَصَحُّهَا الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ
* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَصْفَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَالثَّانِي حَيْضُهَا السَّوَادُ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الصُّفْرَةُ لِسَبْقِهَا وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ سِتَّةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّ
حَيْضَهَا الصُّفْرَةُ
* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ
* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَهَا حُكْمُ مَنْ رَأَتْ عَشَرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا الاوجه الثلاثة

(2/394)


الْأَصَحُّ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْحَيْضُ الْأَسْوَدُ وَالثَّالِثُ فَاقِدَةُ التَّمْيِيزِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ
* أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا الْأَسْوَدُ: وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ ثَانٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّوَادِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً صُفْرَةً وَانْقَطَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَيْضُهَا عَشَرَةٌ خَمْسَةُ السَّوَادِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ: وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ كَمَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّ الصُّفْرَةَ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ السَّوَادِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ قَوِيًّا أَسْوَدَ ثَخِينًا ثُمَّ يَرِقُّ فَيَحْمَرُّ ثُمَّ يَصْفَرُّ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتَكُونُ الصُّفْرَةُ مِنْ بَقَايَا الْحَيْضِ فَحُكِمَ بِأَنَّهَا حَيْضٌ وَأَمَّا هُنَا فهذه الصفرة يعقبها حمرة فعلمنا انه لَيْسَتْ بَقِيَّةَ حَيْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْعُفُ ثُمَّ يَقْوَى وَإِنَّمَا اصْفَرَّ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَكَانَ نَقَاءً بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ
* هَكَذَا نَقَلَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ بَلْ قَرَّرَاهُ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وأنكره وقال هذا لا يجئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ
لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الصُّفْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وانما يجئ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ نَحْوَ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْعَادَةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وأبي حنيفة ومحمد وأحمد واسحق وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ وَالْكُدْرَةُ لَيْسَتْ

(2/395)


بِحَيْضٍ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا دَمٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ فَهُمَا حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمَا حَيْضٌ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا وَمَدَارُ أَدِلَّةِ الْجَمِيعِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ في الكتاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ عَبَرَ الدَّمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً أَوْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً أَوْ نَاسِيَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ نَاسِيَةً مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا الدَّمُ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كان لها عادة ردت إليها لان حَيْضَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَيْضِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَيْضَهَا كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا فَرُدَّتْ إلَيْهَا وَإِلَى أي عادة ترد فيه وجهان احدهما إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ وَالثَّانِي إلَى عَادَةِ نِسَاءِ بَلَدِهَا وَقَوْمِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي أحد القولين وعند انقضاء الست والسبع في الآخر

(2/396)


لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا تَقْضِي مَا يأتي به بعد الخمسة عشر وفيما يأتي بِهِ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَقْضِيه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ زَمَانَ الْحَيْضِ فَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ كَالنَّاسِيَةِ وَالثَّانِي لَا تَقْضِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا صَامَتْ فِي زَمَانٍ حَكَمْنَا بِالطُّهْرِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّاسِيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِحَيْضٍ ولا طهر] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حَمْنَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ بَيَانِ اسْمِهَا وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَالْمُبْتَدَأَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الدَّالِ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ وَلَمْ تَكُنْ رَأَتْهُ وَالْمُمَيِّزَةُ بِكَسْرِ الْيَاءِ فَاعِلَةٌ مِنْ التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَمَعْنَاهُ أقرانها
* أما أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَائِضِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهُنَّ مَنْ جَاوَزَ دَمُهُنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاخْتَلَطَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ وَهُنَّ مُنْقَسِمَاتٌ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا (إحْدَاهُنَّ) الْمُبْتَدَأَةُ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ لِزَمَانِ الامكان وجاور خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ عَلَى لَوْنٍ أَوْ عَلَى لَوْنَيْنِ وَلَكِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

(2/397)


فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَحَدُهُمَا حَيْضُهَا يوم وليلة من أول الدم والثاني ستة أو سبعة وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في كتابه المستخص وسليم الرازي في رؤس الْمَسَائِلِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَوْلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي وَبَابِ الْحَيْضِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَلَهُ اصْطِلَاحٌ غريب في ترتيب كتابه وأبو الحسن ابن خَيْرَانَ فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الْكَافِي
وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ وَهُوَ تَمَامُ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَهَكَذَا يَكُونُ دَوْرُهَا أَبَدًا ثَلَاثِينَ مِنْهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَفِي طُهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ هَكَذَا حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْجُهًا وَحَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَقْوَالًا أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا تَمَامَ الشَّهْرِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الدَّوْرَ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ثَبَتَ لِلْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلطُّهْرِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ بَاقِي الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا أَبَدًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ لِأَنَّهَا

(2/398)


رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَتُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْته أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ نَصَّا صَرِيحًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ اتِّبَاعُ لَفْظٍ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِتَكْثُرَ صَلَاتُهَا فَإِذَا رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ عَاجَلَهَا الْحَيْضُ فَقَلَّتْ صَلَاتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تُرَدُّ إلَى غَالِبِ الطُّهْرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الرَّدُّ إلَى الْغَالِبِ خَالَفَنَا فِي الْحَيْضِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَيْسَ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ احْتِيَاطٌ فَبَقَّيْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ إلَى الْغَالِبِ مِنْ غَالِبِ الطُّهْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا تُرَدُّ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَغَيْرُهُمْ
عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ السِّتِّ وَالسَّبْعِ فَإِنْ شَاءَتْ جَعَلَتْ حَيْضَهَا سِتًّا وَإِنْ شَاءَتْ سَبْعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَادَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبُلْغَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابى اسحق المروزى قال الرافعى وزعم الخياطي أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ سِتًّا فَحَيْضُهَا سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخَيُّلُ التَّخْيِيرِ مُحَالٌ فَعَلَى هَذَا فِي النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نِسَاءُ زَمَانِهَا فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا لِظَاهِرِ حَدِيثِ حَمْنَةَ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي نِسَاءُ بَلَدِهَا وَنَاحِيَتِهَا وَالثَّالِثُ نِسَاءُ عَصَبَتِهَا خَاصَّةً حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ كَالْمَهْرِ وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ نِسَاءُ قَرَابَاتِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ

(2/399)


الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَاتٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِسَاءُ عَشِيرَةٍ اُعْتُبِرَ نِسَاءُ بَلَدِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي ثُمَّ إنْ كَانَ عَادَةُ النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِتًّا فَحَيْضُ هَذِهِ سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ سِتٍّ أَوْ فَوْقَ سَبْعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَى السِّتِّ إنْ كانت عادتهن دونها والى السبع ان كات فَوْقَهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَدِيثِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى عَادَتِهِنَّ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سِتًّا وَبَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سَبْعًا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ تُرَدُّ إلَى السِّتِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ اسْتَوَى الْبَعْضَانِ فَإِلَى السِّتِّ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِغَالِبِ النِّسْوَةِ وَلَوْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ فَوْقَ سَبْعٍ وَبَعْضُهُنَّ دُونَ سِتٍّ فَحَيْضُهَا السِّتُّ هَذَا بَيَانُ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ ثُمَّ مَا حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كل شئ وَمَا فَوْقَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطاهرات في كل شئ وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْمَرَدِّ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ
الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لها فيه حكم الطاهرات في كل شئ فَيَصِحُّ صَوْمُهَا وَصَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَتَحِلُّ لَهَا الْقِرَاءَةُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْجِمَاعُ وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَفْعَلُهُ فِيهِ وَيَصِحُّ قَضَاءُ مَا تَقْضِيه فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ فَائِدَةُ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ أَوْ السِّتَّ أَوْ السَّبْعَ حَيْضٌ لِيَكُونَ الْبَاقِي طُهْرًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمَيِّزَةِ وَالْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ مَا سِوَى أَيَّامِ تَمْيِيزِهَا وَعَادَتِهَا يَكُونُ طُهْرًا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُؤْمَرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْرَأُ وَلَا تُوطَأُ وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ الَّذِي أَدَّتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّيَاتِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَدَلِيلُ هذا

(2/400)


الْقَوْلِ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ طُهْرٌ وَأَنَّهُ حَيْضٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَحَيِّرَةَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا بِيَقِينٍ وَفِيمَا وَرَاءَهُ الْقَوْلَانِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ السِّتِّ وَالسَّبْعِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُحْتَاطُ فِيهِ فَتَغْتَسِلُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ رَجَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا فَإِذَا اسْتَمَرَّ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي
الشَّهْرِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَرَدِّ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا تُمْسِكُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَالَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَالِهَا فِي الْأَوَّلِ وَهَكَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَيْضٌ فَيُتَدَارَكُ مَا يَنْبَغِي تَدَارُكُهُ مِنْ صَوْمٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ غُسْلَهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ لَمْ يَصِحَّ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا فِيمَا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَثْبُتُ الاستحاضة بمرة واحدة بلا خلاف ولا يجئ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَثْبُتُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الِاسْتِحَاضَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَيَبْعُدُ زَوَالُهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ وَالْمُمَيِّزَةُ

(2/401)


(الثَّانِي) مَا تَثْبُتُ فِيهِ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ وَفِي ثُبُوتِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الثُّبُوتُ وَهُوَ قَدْرُ الْحَيْضِ (الثَّالِثُ) لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِسَبَبِ تَقَطُّعِ الدَّمِ إذَا كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شاء الله (الرَّابِعُ) لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ مُتَكَرِّرَاتٍ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَاسْتَمَرَّتْ لَهَا أَدْوَارٌ هَكَذَا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ أَيَّامِ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا باللقط لو لم يطبق الدم قالوا وكذلو وَلَدَتْ مَرَّاتٍ وَلَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ وَجَاوَزَ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يَصِرْ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً بِلَا خِلَافٍ بَلْ هَذِهِ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ تَعْرِفْ الْمُبْتَدَأَةُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ: حَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ زُفَرَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري واسحق إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفُ تُرَدُّ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وهو أقل الحيض عنده وفى الوطئ إلَى أَكْثَرِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَمْرَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا وَرِوَايَةٌ كَأَقْرَانِهَا وَعَنْ دَاوُد إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَدَلَائِلُهَا تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وان كانت مبتدأة مميزة هي والتى بدأ بها الام وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَدَمُهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بصفة دم الحيض وهو المحتدم القاني الَّذِي يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَفِي بَعْضِهَا أَحْمَرُ مُشْرِقٌ أَوْ أَصْفَرُ فَإِنَّ حَيْضَهَا أَيَّامُ السَّوَادِ بشرطين (احدهما) ألا يَنْقُصُ الْأَسْوَدُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي أَلَّا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُسْتَحَاضُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وإذا كان الآخر فتوضئ وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ) وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يُرْجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ كَالْمَنِيِّ وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يوما

(2/402)


وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الدَّمِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ السَّوَادَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ رَأَتْ السَّوَادَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ كَانَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْأَسْوَدَ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ هُنَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (انما هو عرق) هو بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ دَمُ عِرْقٍ وَهَذَا الْعِرْقُ يُسَمَّى الْعَاذِلُ؟ ؟ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ عِرْقٌ انْقَطَعَ مُنْكَرٌ فَلَا يُعْرَفُ لَفْظَةُ انْقَطَعَ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ الْمُحْتَدِمُ هُوَ بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ اللَّذَّاعُ لِلْبَشَرَةِ بِحِدَّتِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ احْتِدَامِ النَّهَارِ وَهُوَ اشْتِدَادُ حَرِّهِ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُحْتَدِمَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ حَتَّى أَسْوَدَّ وَالْفِعْلُ مِنْهُ احْتَدَمَ وَأَمَّا الْقَانِئُ فَبِالْقَافِ وَآخِرُهُ همزة علي ورن الْقَارِئِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ فَصَارَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي
اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ قَنَأَ يَقْنَأُ كَقَرَأَ يَقْرَأُ وَالْمَصْدَرُ الْقُنُوءُ كَالرُّجُوعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ آخِرَهُ مَهْمُوزٌ وَنَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْأَسْوَدَ الْحَالِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ مُجَسَّدَةُ كَأَنَّهَا سَوَادٌ بِسَبَبِ تَرَاكُمِ الْحُمْرَةِ وَقَدْ أشار المصنف في وصفه إلى هذا
* امام احكام الفصل فمذهبنا ان المبتدأة المميزة ترد الي التمييز بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُمَيِّزَةُ هِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعٍ بَعْضُهَا قَوِيٌّ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فَالْقَوِيُّ أَوْ الْأَقْوَى حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَبِمَاذَا يُعْرَفُ تَغَيُّرُ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّوْنِ وَحْدَهُ فَالْأَسْوَدُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَحْمَرُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ وَالْأَكْدَرِ إذَا جَعَلْنَاهُمَا حَيْضًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا مَعَ الرَّائِحَةِ وَخَمْسَةً سَوَادًا بِلَا رَائِحَةٍ فَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْقُوَّةَ تَحْصُلُ بِثَلَاثِ خِصَالٍ وَهِيَ

(2/403)


اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَالثَّخَانَةُ فَاللَّوْنُ مُعْتَبَرٌ كَمَا سبق وماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ إنَّهُ مُحْتَدِمٌ ثَخِينٌ لَهُ رَائِحَةٌ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ اللَّوْنِ كَمَا وَرَدَ التَّعَرُّضُ لِلَّوْنِ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ بَعْضُ دَمِهَا بِإِحْدَى الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ وَالْبَعْضُ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِهَا فَالْقَوِيُّ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صفة وللبعض صفتان فالقوى ماله صِفَتَانِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَتَانِ وَلِلْبَعْضِ ثَلَاثٌ فالقوى ماله ثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَةٌ وَلِلْبَعْضِ صِفَةٌ أُخْرَى فَالْقَوِيُّ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَهَذِهِ صِفَةُ التَّمْيِيزِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَلَّا يَنْقُصَ الْقَوِيُّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لِيُمْكِنَ جَعْلُ الْقَوِيِّ حَيْضًا وَالضَّعِيفِ طُهْرًا وَأَخَلَّ الْمُصَنِّفُ واكثر العراقيين بهذا الشرط الثالث ولابد مِنْهُ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَاتَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ فَاتَ الشَّرْطُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ فَاتَ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَتَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ارادوا خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَّصِلَةً وَإِلَّا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ وَهَكَذَا أَبَدًا فَجُمْلَةُ الضَّعِيفِ فِي الشَّهْرِ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَمْيِيزًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ التَّمْيِيزِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي شَرْطًا رَابِعًا وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُ الدَّمَيْنِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ زَادَ سَقَطَ حُكْمُ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّ الضَّعِيفَ إنْ كَانَ مَعَ الْقَوِيِّ الَّذِي قَبْلَهُ تِسْعِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا عَمِلْنَا بالتمييز وجعلنا الضعيف طهرا فان جاوز التسعين ابتدأت بعد التسعين حيضة أخرى وَجَعَلْنَا دَوْرَهَا أَبَدًا تِسْعِينَ يَوْمًا وَهَذَا الَّذِي ذكره الامام المتولي شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ أَحْمَرُ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تُمْسِكَ فِي مُدَّةِ الْأَحْمَرِ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْقَطِعَ الْأَحْمَرُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمَجْمُوعِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا فَإِنْ جَاوَزَ

(2/404)


خَمْسَةَ عَشَرَ عَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ وَيَكُونُ الْأَحْمَرُ طُهْرًا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ أَيَّامِ الْأَحْمَرِ وَقَوْلُهُمْ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ كَيْفَ كَانَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صِفَاتِهِمَا هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الشَّهْرُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ فَإِذَا انْقَلَبَ الدَّمُ الْقَوِيُّ إلَى الضَّعِيفِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِلَابِهِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا يَنْتَظِرُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالُوا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الفرع السابق فان انقطاع الضَّعِيفُ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَيَّنَّا أَنَّ الضَّعِيفَ مَعَ الْقَوِيِّ فِي هَذَا الدَّوْرِ كَانَ حَيْضًا فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصوم والطواف والاعتكاف الْوَاجِبَاتِ الْمَفْعُولَاتِ فِي أَيَّامِ الضَّعِيفِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَلَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ الدَّمَ الْقَوِيَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ خَمْسَةً ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الْخَامِسِ سِتَّةً ثُمَّ ضَعُفَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَحَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْقَوِيُّ
وَيَكُونُ الضَّعِيفُ طُهْرًا بِشُرُوطِهَا وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ أَبَدًا عِنْدَ انْقِلَابِ الدَّمِ إلَى الضَّعِيفِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَمَتَى انْقَطَعَ الضَّعِيفُ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْقَوِيُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْقَوِيِّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لَيْسَ بِسَبَبِ الْعَادَةِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ صِفَةُ الدَّمِ فَمَتَى وُجِدَتْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَالْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَمَا قَبْلَ الْأَسْوَدِ وَبَعْدَهُ اسْتِحَاضَةٌ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهَيْنِ ضَعِيفَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لها لان الخمسة الاولى دَمٌ بَدَأَ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ أُولَى أَنْ تَكُونَ حَيْضًا لِأَنَّهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ وَقَدْ انْضَمَّ إليه علامة الحيض وما بعدهما بِمَنْزِلَتِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا الْعَشْرُ الْأُوَلُ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة حَيْضٌ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِاللَّوْنِ وَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لِأَنَّ السَّوَادَ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَبَطَلَ دَلَالَتُهُ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا مِنْ

(2/405)


أَوَّلِ الْأَسْوَدِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا اللَّوْنَ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَسْوَدَ وَانْقَطَعَ فَحَيْضُهَا الْأَسْوَدُ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَيَكُونُ حيضها مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْقَوْلِ الْآخِرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَّجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ يكون حيضا من أول الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا]
* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ الْأَوَّلَةَ هَذِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَقَوْلُهُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ أَيْ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ: وَقَوْلُهُ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ هَكَذَا يُوجَدُ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَهُوَ لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَصَوَابُهُ الْبَدْأَةُ وَالْبَدْأَةُ أَوْ الْبُدَاءَةُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ
وَغَيْرُهُ الْأُولَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْبَاءَ مَضْمُومَةٌ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَزِيَادَةِ الْأَلْفِ مَمْدُودَةٍ وَمَعْنَاهُنَّ الِابْتِدَاءُ قَبْلَ غَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ دَلَالَتُهُ هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ دُلُولَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُمَيِّزَةُ دَمًا قَوِيًّا وَضَعِيفًا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَتَقَدَّمُ الْقَوِيُّ وَحَالٌ يَتَقَدَّمُ الضَّعِيفُ وَحَالٌ يَتَوَسَّطُ الضَّعِيفُ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَقَدَّمَ قَوِيٌّ وَيَسْتَمِرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَاحِدٌ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ احمرة فَالْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ الْحُمْرَةُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا طُولًا كَثِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ انْقِطَاعِ الْأَحْمَرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعِينَ وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُبْطِلُهُمَا لِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الضَّعِيفَ طُهْرٌ وَلَوْ تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفٌ ثُمَّ أَضْعَفُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ الْمُتَوَسِّطِ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ أَصَحُّهُمَا إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بالسواد فيكونا حَيْضًا وَالصُّفْرَةُ طُهْرًا لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّفْرَةِ وَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْبَغَوِيُّ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بِالصُّفْرَةِ لِلِاحْتِيَاطِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره أصحهما

(2/406)


وَأَشْهُرُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ السَّوَادَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ كِلَاهُمَا طُهْرٌ لِقُوَّةِ السَّوَادِ بِاللَّوْنِ وَالْأَوَّلِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِأَنَّ الْحُمْرَةَ كَالسَّوَادِ لِقُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ السَّوَادَ اسْتَمَرَّ سِتَّةَ عَشَرَ أَمَّا إذَا تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفَانِ تَوَسَّطَ أَضْعَفُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً فَهَذِهِ الصُّورَةُ تُبْنَى عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ تَوَسُّطُ الْحُمْرَةِ فَإِنْ أَلْحَقْنَا هُنَاكَ الْحُمْرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِالصُّفْرَةِ بَعْدَهَا فَهُنَا أَوْلَى بِأَنْ نُلْحِقَ الصُّفْرَةَ بِالْحُمْرَةِ بَعْدَهَا فَيَكُونَ حيضها الاسود والباقي طهر وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّوَادِ قَبْلَهَا فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا إذَا رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً
ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعِيفُ وَهِيَ مَسَائِلُ الْكِتَابِ وَلَهَا صُوَرٌ إحْدَاهَا أَنْ يَتَوَسَّطَ قَوِيٌّ بَيْنَ ضَعِيفَيْنِ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ أَوْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ حَكَوْهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ طُهْرًا لِلْحَدِيثِ (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلِأَنَّ اللَّوْنَ عَلَامَةٌ بِنَفْسِهِ فَقُدِّمَ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَالْعُدُولُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا بَعِيدٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا وَسَبْعًا فِي قَوْلٍ وَالثَّالِثُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَوَّلِيَّةِ وَاللَّوْنِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ الْأُولَى مَعَ السَّوَادِ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَإِنْ قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ

(2/407)


الْأُولَى يُقَدَّمُ اللَّوْنُ أَوْ قُلْنَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَمْعِ فَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَتَكُونُ فَاقِدَةً لِلتَّمْيِيزِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ الْأُولَى تَغْلِيبًا لِلْأَوَّلِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ هَفْوَةٌ لَا أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا السَّوَادُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَوَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيٍّ حَيْضُهَا الحمرة وقال أبو إسحق وَجُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَحْدَهُ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْحَيْضُ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَالثَّالِثُ حكاه الخراسانيون حيضها الحمرة لقوة الاولية وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ الثَّالِثَةُ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ
تَخْرِيجَ ابْنِ سُرَيْجٍ هُنَا كَمَا لَمْ يذكره شيخه القاضي أبو الطيب ولابد مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وآخرون الرابعة رأت خمسة عشرة حمر ثم خمسة عشر سوادا ثم استمر السواد فهي فاقدة للتمييز فحيضها يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ النَّاظِرِ إلَى الاولية يَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ فِي الْخَمْسَةَ

(2/408)


عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الْحُمْرَةَ تُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَجَاوُزِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ فَإِذَا جَاوَزَ الْأَسْوَدُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَقَدْ انْقَضَى الْآنَ دَوْرُهَا فَتَبْتَدِئُ الْآنَ حَيْضًا ثَانِيًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَتُمْسِكُ أَيْضًا ذَلِكَ الْقَدْرِ فَصَارَ إمْسَاكُهَا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ فِي قَوْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْرَفُ امْرَأَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ شَهْرًا إلَّا هَذِهِ فَفِيهِ نَقْصٌ وَتَمَامُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَتَوَسَّطَ دَمٌ ضَعِيفٌ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ بِأَنْ رَأَتْ سِوَادَيْنِ بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ فَفِيهِ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ رَتَّبَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي تَرْتِيبًا حَسَنًا فَجَعَلَهُ ثَمَانِيَةَ أَقْسَامٍ وَبَعْضُهَا لَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ لَكِنْ اقْتَضَاهُ التَّقْسِيمُ أَحَدُهَا أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا يُجَاوِزُ الْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وقال أبو اسحق الضَّعِيفُ الْمُتَوَسِّطُ كَالنَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ دَمَيْ الْحَيْضِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ مَعَ السَّوَادَيْنِ وَالثَّانِي طُهْرٌ وَقَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي بِقَوْلِ ابى اسحق الْقِسَمُ الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ رَأَتْ سَبْعَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ حَيْضُهَا السواد الاول مع الحمر وأما السواد الثاني فطهر وقال أبو اسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ.
وَتَكُونُ الْحُمْرَةُ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَلَا يجئ قَوْلَا
التَّلْفِيقِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي حكاه عن ابى اسحق ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً حُمْرَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً سَوَادًا فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ بِالِاتِّفَاقِ: الثَّالِثُ أَنْ يَنْقُصَ الْجَمِيعُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِأَنْ تَرَى سَاعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَاعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَاعَةً أَسْوَدَ وَيَنْقَطِعُ فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ الرَّابِعُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَيَبْلُغُهُ الْمَجْمُوعُ بِأَنْ تَرَى ثُلُثَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ ثُلُثَهُمَا

(2/409)


حمرة ثم ثلثهما سوادا فعي قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وعلى قول أبى اسحق لَا حَيْضَ وَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْحُمْرَةَ فَلَا يَبْقَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَ الْجَمِيعُ حَيْضًا عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وعلي قول ابى الاسحق الْأَسْوَدَانِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ الْخَامِسُ أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَنْقُصُ الْحُمْرَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض عند ابي واسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سريج حيضها السوا الاول مع الحمرة وعلي قول ابي اسحق حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ دُونَ الْحُمْرَةِ بَيْنَهُمَا (قلت) هذا الذى نقله عن ابي اسحق ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ: السَّادِسُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ سَوَادٍ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتَبْلُغَ الْحُمْرَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سوادا فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ أَبِي اسحق حَيْضُهَا الْأَسْوَدَانِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَا التَّلْفِيقِ: السَّابِعُ أَنْ يَبْلُغَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَكَذَا الْأَحْمَرُ وَيَنْقُصَ السَّوَادُ الْأَخِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ الثَّامِنُ أَنْ يَنْقُصَ الْأَوَّلَانِ دُونَ الْأَخِيرِ بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض وعلى قول أبي اسحق حَيْضُهَا السَّوَادُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَالسَّوَادُ الثَّانِي هُوَ الْحَيْضُ بِالِاتِّفَاقِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(2/410)


(فَرْعٌ)
الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ مَعَ السَّوَادِ كَالْحُمْرَةِ مَعَ السَّوَادِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهِمَا وَسَبَقَ فِي مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ تَفْرِيعَاتٌ لَهَا
تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْفَصْلِ
* (فَرْعٌ)
رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَحَيْضُهَا الْحُمْرَةُ وَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَطُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا حُمْرَةً ثُمَّ لَيْلَةً سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي سَبَقَ عَنْ صَاحِبِ الحاوي في المبتدأة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَإِنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ وَانْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُجْعَلُ حَيْضُهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ]
* [الشَّرْحُ] هَكَذَا تُوجَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ رَأَى أَصْلَ الْمُصَنَّفِ وَقَدْ ضَرَبَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَا أَرَاهَا مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ فَيَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُ هَذِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سبع فحيضها

(2/411)


مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْأَحْمَرِ تِسْعَةُ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرًا إلَّا أَنْ تَكُونَ رَأَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ الْأَسْوَدُ مِنْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَهُوَ خمسة عشر أو ستة عشر طهر وتبتدئ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَتَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ
حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ: هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ قَدْ امْتَدَّ وَبَدَأَ السَّوَادُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا هَذَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِكَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّا نُحَيِّضُهَا مَنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يوما وليلة قولا واحدا ولا يجئ قَوْلُ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَفِي قَدْرِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَالْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجَزْمُ بِرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جُعِلَ لَهَا حَيْضٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَطُهْرٌ بَعْدَهُ ثُمَّ جُعِلَتْ فِي السَّوَادِ مُبْتَدَأَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ مُعْتَادَةً إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْعَادَةَ تثبت بمرة فانه سبق لها دور هو ستة عشسر يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ رَدَدْنَا هَذِهِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَيَكُونُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ

(2/412)


عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ هُنَا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ إلَى آخِرِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيُمْكِنُ حَمْلُ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً وَانْقَطَعَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْحُمْرَةَ السَّابِقَةَ طُهْرٌ وَالْبَاقِي حَيْضٌ
وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ السَّادِسَ سَوَادًا كُلَّهُ ثُمَّ أَطْبَقَتْ حُمْرَةٌ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَ السَّادِسِ طُهْرٌ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ السَّوَادِ حَيْضٌ أَيْضًا وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أحدهما

(2/413)


حَيْضٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً أَوْ عَشْرَةً أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ يَوْمًا سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ السَّوَادَيْنِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ الطَّرِيقَانِ وَمَا بَعْدَ السَّوَادِ الثَّانِي طُهْرٌ (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ لَوْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ به الضعيف وتمادى سنة مَثَلًا وَلَمْ يَعُدْ الدَّمُ الْقَوِيُّ أَصْلًا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قِيَاسُ التَّمْيِيزِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الضَّعِيفُ سِنِينَ قَالَ وَقَدْ يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ اسْتِبْعَادُ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا وَهِيَ تَرَى الدَّمَ دَائِمًا وَلَكِنْ لَيْسَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ مَرَدٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ ضَبْطٌ إلَّا بِالتَّمْيِيزِ فَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ بَلَغَ الدَّمُ الضَّعِيفُ مَا بَلَغَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي انْقِلَابِ الدَّمِ الْقَوِيِّ إلَى الضَّعِيفِ أَنْ يَتَمَحَّضَ

(2/414)


ضَعِيفًا حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ خُطُوطٌ مِنْ السَّوَادِ وَظَهَرَتْ خُطُوطٌ مِنْ الْحُمْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الحيض وانما ينقطع إذا لم يبق شئ مِنْ السَّوَادِ أَصْلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ امام الحرمين رحمه الله
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وان كانت معتادة غير مميزة وهي التي كانت تحيض من كل شهر أيام ثم عبر الدم عادتها وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها فانها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم لخمسة عشر فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد علي عادتها:
لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فاستفتت لها أم سلمة رضى الله عنها فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل ان يصيبها الذى اصابها فلتدع الصلاة قدر ذلك] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ في مسندهما وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهَا تُهْرَاقُ الدَّمَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ تَصُبُّ الدَّمَ وَالدَّمُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ: وقوله صلى الله عليه وسلم (فلتدع) يحوز فِي هَذِهِ اللَّامِ وَشِبْهِهَا مِنْ لَامَاتِ الْأَمْرِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا فَاءٌ أَوْ وَاوٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَسْرُهَا وَإِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَالْفَتْحُ غَرِيبٌ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ لَهَا عَادَةٌ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ عَادَتَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ كَمَا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ

(2/415)


الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ هَذَا الْإِمْسَاكِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لا يجب الامساك واتفقوا أنه لا يجئ هُنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْحَيْضِ هُنَا ثُمَّ ان انقطع علي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيضها أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الْقَدْرِ وَالْوَقْتِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ طُهْرٌ تَقْضِي صَلَاتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ غالبهما أو اقل الطُّهْرِ وَأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ قَصُرَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ أَوْ طَالَتْ طُولًا مُتَبَاعِدًا فَتُرَدُّ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اعْتَادَتْهُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَوْرُهَا أَيَّ قَدْرٍ كَانَ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَعُودُ الْحَيْضُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ وَالطُّهْرُ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ وَهَكَذَا فَدَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا ثَلَاثُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ تِسْعَةً وَثَمَانِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ خَمْسَةَ عشر وتطهر تمام سنة فدورها سنة وكذ إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ سَنَتَيْنِ فَدَوْرُهَا سَنَتَانِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ خَمْسِ سِنِينَ فَدُورُهَا
خَمْسُ سِنِينَ وَكَذَا إنْ زَادَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الدَّوْرَ قَدْ يَكُونُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ وَتُرَدُّ إلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُجْعَلَ الدَّوْرُ سَنَةً وَنَحْوَهَا إذْ يَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ قَالَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةُ الدَّوْرِ تِسْعِينَ يَوْمًا الْحَيْضُ مِنْهَا مَا يَتَّفِقُ وَالْبَاقِي طُهْرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ: هَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الرافعي ظاهر المذهب أنه لافرق بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ

(2/416)


أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ * قال المصنف رحمه الله
* [فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وجاوز العادة اغتسلت عند مجاوزة العادة لانا علمنا بالشهر الاول أنها مستحاضة فتغتسل في كل شهر عند مجاوزة العادة بمرة وتصلي وتصوم] [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي دَلِيلُهُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَوْلُهُ علما بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ يَعْنِي وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الِاسْتِحَاضَةِ وَقَوْلُهُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي تَصِيرُ طَاهِرًا في كل شئ من الصوم والصلاة والوطئ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَنْبِيهًا بِهِمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا: وَقَوْلُهُ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَهَكَذَا تَفْعَلُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً فِي هَذَا الشَّهْرِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا رَأَتْهُ فِيهِ حَيْضٌ فَتَتَدَارَكُ مَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ قَضَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَلَوَاتٍ أَوْ طَافَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُصَادِفَتِهِ الْحَيْضَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَامَتْ بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَطَافَتْ وَفَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ صَحَّ ذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفَرَّقُوا بأن العادة قوية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَرَّةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا إلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَيْهَا فوجب ردها إليه]
* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ ان ما يثبت بالعادة ومالا يَثْبُتُ وَمَا ثَبَتَ وَمَا يَثْبُتَ بِالتَّكْرَارِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَأَوْضَحْنَاهَا هُنَاكَ وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يثبت بِهِ الْعَادَةُ فِي قَدْرِ الْمَحِيضِ وَالطُّهْرِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعِدَّةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ في

(2/417)


الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سريج وأبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* وَالثَّانِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ أبي علي ابن خَيْرَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ: وَالثَّالِثُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَرَّةِ وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَرَّتَيْنِ ضَعِيفٌ: وَالرَّابِعُ تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ بِمَرَّةٍ وَلَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُعْتَادَةِ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ لِلْمُبْتَدَأَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَادَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَصْلٌ تُرَدُّ إلَيْهِ فَكَانَ مَا رَأَتْهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ جَعْلِهَا مُبْتَدَأَةً وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ عَادَةٍ تَقَرَّرَتْ وَتَكَرَّرَتْ مَرَّاتٍ فَلَا تُجْعَلُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ فَخَّمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ
* فَأَمَّا دَلِيلُ الْأَوْجُهِ
فَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَ الرَّابِعِ وَاحْتَجُّوا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ بِأَنَّ الْعَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مُتَكَرِّرٍ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَاَلَّذِي يَلِيه فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى وَأَوْلَى مِنْ رَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى

(2/418)


أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ غَالِبِهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَعْهَدْهُ بَلْ عَهِدَتْ خِلَافَهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْآخَرِينَ بِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ الْعَوْدِ فَحُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَادَةِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ وَرَدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ وَرِوَايَةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَبَاقِيه طُهْرًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا تُرَدُّ إلَى الْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَكَرُّرِهَا فِي الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ وَلَوْ انْعَكَسَ فَرَأَتْ فِي الاولى أَرْبَعَةً وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا إلَّا بِمَرَّتَيْنِ رُدَّتْ إلَى الْأَرْبَعَةِ لِتَكَرُّرِهَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ * قَالَ المصنف رحمه الله
* [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ كَمَا تَثْبُتُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دَمًا مُبْهَمًا كَانَ عَادَتُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالتَّمْيِيزِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ بَلْ مَتَى انْخَرَمَ التَّمْيِيزُ وَأَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ كَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَمْ تُمَيِّزْ قَطُّ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالسَّرَخْسِيُّ لَا تَرْجِعُ إلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ فِيهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَإِنْ زَادَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّمْيِيزِ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا رَأَتْ بَعْدَ شَهْرِ التَّمْيِيزِ دَمًا مُبْهَمًا اغْتَسَلَتْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَيَّامِ التَّمْيِيزِ وَصَلَّتْ
وَصَامَتْ وَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَا تُمْسِكُ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ

(2/419)


لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا اسْتِحَاضَتَهَا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تَغْتَسِلُ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ التَّمْيِيزِ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَمِيعُ مَا رَأَتْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْضٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا مَرَّاتٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فِي الدَّوْرِ الَّذِي يَلِيه قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّا نُحَيِّضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ فِي الَّذِي يَلِيه قَالُوا فَحَيْضُهَا أَيْضًا فِي هَذَا الدَّوْرِ وَمَا بَعْدَهُ الْعَشَرَةُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِالرَّدِّ إلَى الْعَشَرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَلَّا يُكْتَفَى بِسَبْقِ الْعَشَرَةِ مَرَّةً قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ عَادَةٌ تَمْيِيزِيَّةٌ فَتَسْحَبُهَا مَرَّةً وَجْهًا وَاحِدًا كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا الْقَدِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْحَالَةِ النَّاجِزَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْقَلْبَ
* الْإِشْكَالُ الثَّانِي إذَا أَفَادَ التَّمْيِيزُ عَادَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ قَدْرُ الْقَوِيِّ بَعْدَ انْخِرَامِ التَّمْيِيزِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ أَلَّا يُخْرَمَ بِالرَّدِّ إلَيْهِ بَلْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَزِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا عَلَى دَعْوَى اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَاضَةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ بِمَرَّةٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلْ الخلاف فيها مَشْهُورٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَالَ هَؤُلَاءِ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ شَهْرًا ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ إذْ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُمَيِّزَةٌ

(2/420)


تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَانَتْ
كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ فِي الشهر الاول إلى يوم وليلة ردت اليهما فِي الثَّالِثِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ فِي الثَّالِثِ إلَى الْخَمْسَةِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ قَالَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْخَمْسَةِ وَتَحْصُلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فِيهِ الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ ردها إلى الخمسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَيَثْبُتُ الطُّهْرُ بِالْعَادَةِ كَمَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ فَإِذَا حَاضَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطَهُرَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ جُعِلَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي طُهْرٌ]
* [الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ثُبُوتِ الطُّهْرِ بِالْعَادَةِ وَسَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ فِيمَا إذَا زَادَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ عَلَى تِسْعِينَ يَوْمًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيْضًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ حَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ كَانَ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ معتادة: ولو رأت يوما وليلة دما وسنة طُهْرًا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ كَانَ دَوْرُهَا سَنَةً وَيَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَسَنَةٌ طُهْرٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا زَادَ وَنَقَصَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَثْبَتَ عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ ثُبُوتُهَا بِمَرَّةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اختياره القطع بثبوتها بمرة كما قاله امام الحرمين ومن

(2/421)


تابعه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ويجوز أن تنتقل العادة فتقدم وتتأخر ويزيد وَتَنْقُصَ وَتَرُدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَالْحَيْضُ هُوَ الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْأَوَّلَةُ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ
فَوَجَبَ الرَّدُّ إلَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ دَمٌ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وهى الخمسة الاولة وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ لِأَنَّهَا رَأَتْهُ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَلَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بحيض صحيح]
*

(2/422)


[الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ كَثِيرُ الْمَسَائِلِ وَيَقْتَضِي أَمْثِلَةً كَثِيرَةً وَقَدْ اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَى مَقْصُودِهِ ولابد فِي الشَّرْحِ مِنْ بَسْطِهِ وَإِيضَاحِ أَقْسَامِهِ وَأَمْثِلَتِهِ: فالعمل بالعادة المنتقلة مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ نَقَصَ طُهْرُهَا فَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرابعة أو الخامسة أو السادسة فقد تأخرث عادتها ولم زد حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَر وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ أَوْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ رَأَتْهُ بعدها فحيض لان التأخر تَابِعٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ الْإِمْكَانَ فَكَانَ حَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ دَمُهَا بَعْدَ عَادَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ تَكَرَّرَتْ فَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ رُدَّتْ

(2/423)


إلَيْهَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى
الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً وَطَهُرَتْ بَاقِيه ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ سَبْعَةً وَطَهُرَتْ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تُرَدُّ إلَى الخمسة فانها المتكررة حقيقة على حيالها وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تُرَدُّ إلَى السِّتَّةِ لِأَنَّهَا تَكَرَّرَتْ فَوُجِدَتْ مَرَّةً مُنْفَرِدَةً وَمَرَّةً مُنْدَرِجَةً فِي جُمْلَةِ السَّبْعَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ قَطْعًا أَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فَفِيهِ صُوَرٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا بِأَنْ رَأَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثِينَ طُهْرًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذَا أَبَدًا فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ حَيْضًا وَثَلَاثُونَ طُهْرًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فِيهِ وجهان أحدهما وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي ابْتَدَأَتْ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَهَكَذَا جَمِيعُ الشُّهُورِ كَمَا كَانَتْ عَادَتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خمسة من أول الدم المبتدئ وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ جَعَلْنَا دَوْرَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حيض والباقي

(2/424)


طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا: وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ طُهْرِهَا: وَالثَّانِي أَنَّ طُهْرَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ عِشْرُونَ وَهُوَ الْبَاقِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَتَطْهُرُ بَاقِيه وَهَكَذَا أَبَدًا مُرَاعَاةً لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ قدر أو وقتا فَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ هُوَ الصواب المعتمد واما قول أبي اسحق فَضَعِيفٌ جِدًّا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا قَالَ أبو اسحق هَذَا لِاعْتِقَادِهِ لُزُومَ أَوَّلِ الْأَدْوَارِ مَا أَمْكَنَ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أبى اسحق فَهُوَ مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ مَعْدُودٌ مِنْ هَفَوَاتِهِ قَالَ وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ فِي الْحَيْضِ وَمُعْظَمُ غَلَطِهِ مِنْ إفْرَاطِهِ فِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الدَّوْرِ: وَوَجْهُ غَلَطِهِ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ
فَأَوَّلُ دَمِهَا فِي زَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ طُهْرٌ كَامِلٌ فَالْمَصِيرُ إلَى تَخْلِيَةِ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ الْحَيْضِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ نَقَلَ النَّقَلَةُ عن أبى اسحق غَلَطًا فَاحِشًا فَقَالُوا عِنْدَهُ لَوْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ دَمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ نَقَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً وَهَكَذَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سِنِينَ كَثِيرَةً فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَا حَيْضَ لَهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ السُّقُوطِ وَالرَّكَاكَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ والرافعي وآخرين نقلوا مذهب ابي اسحق كما قدمته وهو أنه لاحيض لَهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا جَاءَ الثَّانِي فَلَهَا مِنْ أَوَّلِهِ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ فَيَسْتَمِرُّ دَوْرُهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَبَدًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي اسحق زَادَ طُهْرُهَا وَصَارَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَصَارَ دَوْرُهَا سِتِّينَ يَوْمًا أَبَدًا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ طُهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ وَانْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَبَدًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ عَادَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَاسْتَمَرَّ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الطُّهْرُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَهُوَ عِشْرُونَ وَإِلَّا فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ دَمًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ طهرت عشرين

(2/425)


ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ وَهَكَذَا مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَاصِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالثَّانِي تَحِيضُ خَمْسَةً وتطهر خمسة وعشرين والثالث تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ
مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى عَادَتِهَا القديمة وقد تقدم عن أبى اسحق الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَالْحُكْمُ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِيمَا قَبْلَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِهِ فَقِيلَ قِيَاسُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَقِيلَ بَلْ الرَّابِعُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ حيضتها والدم ناقص عن أقل الطهر ففيها أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَالثَّانِي أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي يَلِيه حَيْضٌ وَمَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ

(2/426)


الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالرَّابِعُ أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَتِحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ فِيهَا فَلَا تُغَيَّرُ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ فَعَلَى هَذَا يَبْقَى دَوْرُهَا كَمَا كَانَ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ نَقَصَ طُهْرُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ دُونَ الخمسة عشر تم رَأَتْ الدَّمَ وَاتَّصَلَ فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى عَادَتِهَا بلا خلاف ووافق عليه أبو العباس أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا ثم طهرت خمسة عشر ثم أطبق الدَّمَ وَاسْتَمَرَّ فَوَجْهَانِ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وغيرهما أنها علي عادتها وَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ طُهْرًا وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ عَشَرَةً ثُمَّ رَأَتْ دَمًا مُتَّصِلًا رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَسْوَدَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ كَانَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَهِيَ
أَيَّامُ الْأَحْمَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَرْفَعُهُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي مِثْلِهَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا السَّوَادُ فَحَيْضُهَا هُنَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهَا غير مميزة فحيضها هنا الخمسة الاول وَهِيَ أَيَّامُ عَادَتِهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ الْأُولَى فَحَيْضُهَا هُنَا الْعَشَرَةُ أَيْضًا وَهِيَ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ وَقَدْ زَادَتْ عَادَتُهَا هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ الْوَاحِدَةِ

(2/427)


أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَقَدْ تَكُونُ مُنْتَظِمَاتٍ وَقَدْ لَا تَكُونُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ مِنْ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ خَمْسَةً ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ سَبْعَةً ثُمَّ تَعُودُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ تَعُودُ فِي السَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الثَّامِنِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا فتكررت لها هذا لعادة ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ فَفِي رَدِّهَا إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَيْهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمُتَوَلِّي لِأَنَّهَا عَادَةٌ فَرُدَّتْ إلَيْهَا كَالْوَقْتِ وَالْقَدْرِ وَالثَّانِي لَا تُرَدُّ وصححه الْبَغَوِيّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بَيْنَ انْقِطَاعِ عَادَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوْ سَبْعَةً ثُمَّ خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً وَيَنْتَظِمُ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةً وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةً وَفِي الرَّابِعِ خَمْسَةً وَكَذَا فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَفِي السَّابِعِ سَبْعَةً وَفِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ مُتَكَرِّرَةً ثُمَّ الْخَمْسَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ الْأَعْدَادَ الثَّلَاثَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ سَبْعَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَاتِ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّا إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَالْقَدْرُ الْأَخِيرُ نَسَخَ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَظَاهِرٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ أَقَلُّ مَا تَسْتَقِيمُ فِيهِ الْعَادَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى هَذِهِ الْمَقَادِيرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَأَقَلُّهُ سَنَةٌ فَحَصَلَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا تَكَرَّرَتْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ ثُمَّ إنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَاسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ
فِي أَوَّلِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الثَّانِي إلَى السَّبْعَةِ وَفِي الثَّالِثِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الرَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى السَّبْعَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي السَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ إلَى الْخَمْسَةِ ثُمَّ إلَى السَّبْعَةِ وَهَكَذَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ الْخَمْسَةِ ثُمَّ السَّبْعَةِ ثُمَّ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يَخْفَى

(2/428)


بَعْدَ هَذَا مَا إذَا كَانَتْ تَرَى الثَّلَاثَةَ فِي شَهْرَيْنِ ثُمَّ الْخَمْسَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْأَخِيرِ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ وَانْتِقَالِهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لِلِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا فَعَلَى هَذَا إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ أَوْ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ السَّبْعَةِ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْدَارِ لَمْ يَصِرْ عَادَةً لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَكَرُّرِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِحَيْضَةٍ بَلْ بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ قَالَ وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ نَقْلَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ لِغَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا شَيْخُهُ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا تَكَرَّرَتْ فَثَبَتَ انْفِرَادُ الْغَزَالِيِّ بِنَقْلِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ الرَّدَّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إذَا رَدَدْنَاهَا إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فِيمَا بَيْنَ أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَأَكْثَرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا: كَذَاتِ العادة الواحدة لا تحتاط بعد المرد وَالثَّانِي يَلْزَمُهَا لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ الْحَيْضِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجْتَنِبُهَا الزَّوْجُ إلَى آخِرِ السَّبْعَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ عَقِبَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً أُخْرَى عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْم السَّبْعَةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَصُمْهَا وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ أَصْلًا لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهَا صَلَّتْ فِيهِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ تَحَيَّضَتْ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْمَ الْجَمِيعِ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ اليوم الرابع والخامس لاحتمال طهرهما فِيهِمَا وَلَمْ تُصَلِّ فِيهِمَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ

(2/429)


بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةً وَاغْتَسَلَتْ عَقِبَ السَّابِعِ وَقَضَتْ صَوْمَ السَّبْعَةِ وَصَلَوَاتِ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا ذَكَرَتْ الْعَادَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهَا فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الثَّلَاثِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهَا تَحْتَاطُ فَتَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَقْدَارِ الَّتِي عَهِدَتْهَا وَهِيَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الثَّلَاثِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا تَمَسُّ مُصْحَفًا وَتَجْتَنِبُ الْمَسْجِدَ والقراءة والوطئ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الْخَامِسِ وَفِي آخِرِ السابع وتتوضأ فيما بين ذلك لكل مريضة كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهِيَ طَاهِرٌ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَبَدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يَخْتَصُّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَوْلِنَا تَرُدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ أَمْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَصُّ بِقَوْلِنَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَرُدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا قَوْلَانِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَحْتَاطُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيَجْرِيَانِ هُنَا (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَاتُ مُنْتَظِمَاتٍ بَلْ كَانَتْ هَذِهِ الْعَادَاتُ مُخْتَلِفَاتٍ تَارَةً تَتَقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً يَتَقَدَّمَانِ عَلَى السَّبْعَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً تَتَوَسَّطُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُبْنَى عَلَى حَالَةِ الِانْتِظَامِ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَهُنَا أولى فتر؟ ؟ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَعَدَمُ الِانْتِظَامِ كَالنِّسْيَانِ فَتَحْتَاطُ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا طُرُقًا حَاصِلُهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الرَّدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَالثَّانِي إنْ تَكَرَّرَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِلَّا فَإِلَى أَقَلَّ عَادَاتِهَا لِأَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا

(2/430)


كَالْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ احْتَاطَتْ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ وَإِنْ قُلْنَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَفِي الِاحْتِيَاطِ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَجْهَانِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ الْقَدْرَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهُ وَالْعَادَاتُ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِيَاطِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاحْتِيَاطِ عِنْدَ الْعِلْمِ فِي حَالِ الِانْتِظَامِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاطُ وَالصَّحِيحُ في النسيان وفى حال الِانْتِظَامِ أَيْضًا تَحْتَاطُ لَكِنَّ فِي آخِرِ أَكْثَرِ الْأَقْدَارِ لَا إلَى تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَوَائِلُ الْعَادَاتِ بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي بَعْضِ الْأَشْهُرِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي آخِرِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَسَطِهِ رُدَّتْ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ جَهِلَتْهُ فَهِيَ كَالنَّاسِيَةِ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى انْقِضَاءِ أَقَلِّ عَادَاتِهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الشهر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دما أسود ثم رأت دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَجُعِلَ حَيْضُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ وَهِيَ الْعَشَرَةُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانِ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ قَائِمَةٌ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أولي من اعتبار عادة انقضت]
* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَإِنْ وَافَقَ التَّمْيِيزُ الْعَادَةَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ قَوْلُ ابن سريج وأبى اسحق قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ فِي نَظِيرِهِ وَسَوَاءٌ عَلَى هَذَا زَادَ التَّمْيِيزُ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ نَقَصَ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ
تَحَيُّضُهُنَّ) وَلَمْ يُفَصَّلْ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَاسْتَقَرَّتْ وَالتَّمْيِيزُ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ وَلِهَذَا لَوْ زَادَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَاسِيَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَّهْنَاهُ تَوْجِيهًا حَسَنًا فَهُوَ ضعيف عند

(2/431)


الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو اسحق المروزى أنكارا عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَأْخُذَا بِمَذْهَبِ صَاحِبِهِمَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَلَا صَارَا إلَى دَلِيلٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال أبو إسحق هَذَا الَّذِي قَالَاهُ غَلَطٌ لَا يُعْذَرُ قَائِلُهُ (قُلْتُ) وَهَذَا إفْرَاطٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ حَيَّضْنَاهَا الْجَمِيعَ عَمَلًا بالدلالتين وان لم يمكن سقط وَكَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَكِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ مِثَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ بِاتِّفَاقِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ وَعَلَى الثَّانِي حَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ الْعَشَرَةُ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ عَشْرَةِ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ عَشْرَةُ الْحُمْرَةِ مَعَ خمسة السواة وَلَوْ رَأَتْ السَّوَادَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَوْ مَا زَادَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّالِثِ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي الْحُمْرَةُ وعلى الثالث لا يمكن الجمع ويجئ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى اللَّوْنِ فِي حَقِّ الْمُمَيِّزَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا صَاحِبُ الْحَاوِي فَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ الْقَوْلُ بِالتَّمْيِيزِ وَالْقَوْلُ بِالْعَادَةِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَأْخَذِهِ هَلْ هُوَ التَّمْيِيزُ أَوْ الْعَادَةُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ أَوْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاول عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ
فِي مَأْخَذِهِ وَلَوْ رَأَتْ عِشْرِينَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ العدة الخمسة الاولي من أول الاحمر علي عَادَتُهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالُوا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ وَطُهْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسِينَ يَوْمًا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَهَا طُهْرٌ عَلَى عَادَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَادَةَ إذَا انْفَرَدَتْ عُمِلَ بِهَا وَإِذَا انْفَرَدَ التَّمْيِيزُ عُمِلَ بِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَ التَّمْيِيزُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَتُقَدَّمُ الْعَادَةُ إذَا اجْتَمَعَا

(2/432)


وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَمُبْتَدَأَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بالتمييز ان وجد *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَإِنْ كَانَتْ ناسية مميزة وهى التى كانت لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ عَادَتَهَا وَلَكِنَّهَا تُمَيِّزُ الْحَيْضَ من الاستحاضة باللون فانها تزد إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنَّهَا لَوْ ذَكَرَتْ عَادَتَهَا لَرُدَّتْ إلى التمييز فإذا نسيت أولى وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ تُقَدَّمُ الْعَادَةُ عَلَى التمييز حكمها حكم من لا تمييز لها] [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ وَحُكْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا تُرَدُّ هُنَا إلَى التَّمْيِيزِ للضرورة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَادَةِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لَمْ يخل أما أن تكون ناسية للوقت والعدة أو ناسية للوقت ذاكرة للعدة أو ناسية للعدة ذاكرة للوقت فان كانت ناسية للوقت والعدة هي الْمُتَحَيِّرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَا تَمْيِيزَ لَهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِدَدِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ يَوْمًا وليلة فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ فَإِنْ عَرَفَتْ مَتَى رَأَتْ الدَّمَ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ شَهْرِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَدَدْنَا لَهَا ثلاثين يوما وحيضناها لانه ليس بعض الايام بان يجعل حيضها بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَسَقَطَ حُكْمُ الْجَمِيعِ وَصَارَتْ كمن لا عادة لها وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا حَيْضَ لَهَا وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وقت انقطاع الحيض ولا يطأها
الزَّوْجُ وَتَصُومُ مَعَ النَّاسِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَيَصِحُّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اليوم الخامس عشر بَعْضُهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ يَوْمَانِ ثُمَّ تَصُومُ شَهْرًا آخَرَ فَيَصِحُّ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءَ يَوْمٍ فتصوم أربعة أيام من سبعة عشر يَوْمًا يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَتَصُومُ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهَا وَثَلَاثَةٌ فِي آخِرِهَا فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ الشَّهْرِ وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أربعة في أولها وأربعة في آخِرِهَا وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا من عشرين خمسة في اولها وخمسة في آخِرِهَا وَكُلَّمَا زَادَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَوْمٌ

(2/433)


زَادَ فِي الصَّوْمِ يَوْمَانِ يَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيَوْمٌ فِي آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُعْمَلُ في طوافها] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مَسَائِلِ الناسية هو مِنْ عَوِيصِ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ هِيَ مُعْظِمَةٌ وَهِيَ كَثِيرَةُ الصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالْمَسَائِلِ المشكلات وقد غلط الاصحاب بعضهم بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاهْتَمُّوا بِهَا حَتَّى صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدَةً ضَخْمَةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَقْرِيرِهَا وَتَحْقِيقِ أُصُولِهَا وَاسْتِدْرَاكَاتٍ كَثِيرَةٍ اسْتَدْرَكَهَا هُوَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَسَتَرَى مَا أَنْقُلُ مِنْهَا هُنَا مِنْ نَفَائِسِ التَّحْقِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْت مَقَاصِدَ تِلْكَ الْمُجَلَّدَةِ فِي نَحْوِ خَمْسِ كَرَارِيسَ وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ الِاقْتِصَارَ عَلَى نُبَذٍ يَسِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَعْتَنِي بِحِفْظِ ضَوَابِطِهَا وَأُصُولِهَا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعُ مَا يَرَاهُ مِنْ صُوَرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ نَاسِيَةَ الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا وَتُسَمَّى أَيْضًا مُحَيِّرَةً بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُحَيِّرُ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَّا عَلَى مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عددا لا وقتا وعكسها فلا يسمها الْأَصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ ثُمَّ إنَّ النِّسْيَانَ قَدْ يَحْصُلُ بِغَفْلَةٍ أَوْ إهْمَالٍ أَوْ عِلَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِجُنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكُونُ النَّاسِيَةُ مُتَحَيِّرَةً إذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّاسِيَةِ بَلْ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا
أَحْكَامُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّذِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهِ أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ نَصُّهُ في باب العدد والطرق الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالثَّالِثُ تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَطْعًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّارِمِيِّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ نَصَّهُ فِي بَابِ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّاسِيَةَ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إذَا ذَكَرَتْ وَقْتَهُ وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ أَيْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَطَرِيقَانِ أَشْهَرُهُمَا أنها عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَمَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ وبهذا الطريق

(2/434)


قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ فِي طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ وَبِهَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ إنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَالُوا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَالْمُشَاهَدُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَأَيْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وا ارددناها إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ حَتَّى لَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً في اثناء الشهر الهلال حكم بطهرها بقى الشَّهْرِ وَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلها بِهَا الْحَيْضَ مِنْ أَوَّلِ هِلَالٍ يَأْتِي عَلَيْهَا فَإِذَا هَلَّ هِلَالُ الرَّابِعِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ تَخْصِيصِهِ بِأَوَّلِ الْهِلَالِ مَعَ انه تحكم لا يقتضيه طبع ولاعادة فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْغَالِبُ أَنَّ أَوَّلَ الْحَيْضِ يَبْتَدِئُ مَعَ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ أَوَّلَ الْهِلَالِ تَهِيجُ الدِّمَاءُ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا وَقَالُوا هَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَاحْتَجَّ لَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَهَذَا قَرِيبٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْهِلَالَ مُبَادَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهَذَا
غَيْرُ مَقْبُولٍ وَهُوَ شَبِيهُ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَالْعِدَدَ وَالدِّيَاتِ وَالْجِزَى وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرَهَا إنَّمَا تَبْتَدِئُ مِنْ حِينِ الشُّرُوعِ سَوَاءٌ وَافَقَ الْهِلَالُ أَوْ خَالَفَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ رَدُّ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّهُ

(2/435)


يُقَالُ لَهَا مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ دَمُكِ فَإِنْ ذَكَرَتْ وَقْتًا فَهُوَ أَوَّلُهُ وَإِلَّا قِيلَ مَتَى تَذْكُرِينَ أَنَّكَ كُنْتِ طَاهِرًا فَإِنْ قَالَتْ يَوْمَ العيد أو عرفات أو نحوه فَحَيْضُهَا عَقِبَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إذَا أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْلِيفِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّهَا قَدْ تُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ دَوْرُهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ فَلَهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ ثَلَاثِينَ حَيْضٍ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا يُعْتَبَرُ الْهِلَالُ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ شَهْرُهَا بِالْهِلَالِ فَلَهَا فِي كُلِّ هِلَالٍ حَيْضٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَتَى أَطْلَقْنَا الشَّهْرَ فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ أَرَدْنَا بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ أَمْ لَا وَلَا نَعْنِي بِهِ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَذَلِكَ الْقَدْرُ حَيْضٌ فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَصَامَتْ وَصَلَّتْ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وما تأتي به من الصلاة لاقضاء فِيهِ وَمَا تَأْتِي بِهِ مِنْ الصَّوْمِ لَا تَقْضِي مَا زَادَ مِنْهُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيمَا بَيْنَ الْمَرَدِّ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ السابقان في المبتدأة ويباح الوطئ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْمَرَدِّ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ الرَّدِّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا عَمَلَ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِغَيْرِهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ بِصِفَةٍ أَوْ عَادَةٍ أَوْ مَرَدٍّ كَمَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَلَا يُمْكِنُ جعلها طاهرا ابدا في كل شئ ولا حائضا أبدا في كل شئ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ وَمِنْ الِاحْتِيَاطِ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا أَبَدًا وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْغُسْلِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي نَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لَيْسَ هُوَ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ فَإِنَّهَا غير مَنْسُوبَةٌ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ وَإِنَّمَا نَأْمُرُهَا
بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حَائِضًا أَبَدًا أَسْقَطْنَا الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَبَقِيَتْ دَهْرَهَا لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَعَّضْنَا الْأَيَّامَ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَآخِرَهُ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ

(2/436)


قَالَ وَيَنْضَمُّ إلَى هَذَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ نَادِرَةٌ وَالْمُتَحَيِّرَةُ أَشَدُّ نُدُورًا وَقَدْ يَنْقَرِضُ دُهُورٌ وَلَا تُوجَدُ مُتَحَيِّرَةٌ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَمْ مَجَازًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَنَحْنُ نُفَصِّلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فُصُولٍ مُتَنَوِّعَةٍ لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَقْصُودِ من أحكامها لكثرة انتشارها [فصل] في وطئ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ وَقْتٍ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا نُحَرِّمُهُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهَا دَائِمًا مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَالْمَذْهَبُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ فَعَلَى هذا لو وطئ عصي ولزمها غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ عَلَى القول القديم لانا لم نتيقن الوطئ فِي الْحَيْضِ وَفِي حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ ذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ [فَصْلٌ] فِي قِرَاءَتِهَا الْقُرْآنَ وَدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَمَسِّ الْمُصْحَفَ وَحَمْلِهِ وَتَطَوُّعِهَا بِصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ: أَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِيهِ وَيَحْرُمُ الْعُبُورُ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ وَإِنْ أَمِنَتْ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِغَيْرِ الطَّوَافِ وَأَمَّا دخوله لِلطَّوَافِ فَيَجُوزُ لِلطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَفِي الْمَسْنُونِ وَجْهَانِ سَنُوضِحُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَحَرَامٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا حَلَالٌ لِلْحَائِضِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالشَّاشِيُّ جَوَازَ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ

(2/437)


وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَأَمَّا تَطَوُّعُهَا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَتْهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُتَيَمِّمِ مَعَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَفِي مَنْعِهَا تَضْيِيقٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تَجْوِيزُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ دُونَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَصْلٌ] فِي عِدَّتِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُؤْمَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَحْوَطِ وَالْقُعُودِ إلَى تَبَيُّنِ الْيَأْسِ بَلْ إذَا طَلُقَتْ أَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْفِرْقَةِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٌ وَلَمْ يَكُنْ حَمْلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَحُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالْقُعُودِ إلَى الْيَأْسِ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ وَطَالَ الضَّرَرُ لِاحْتِمَالٍ نَادِرٍ مُخَالِفٍ لِلظَّنِّ وَغَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ إلْزَامِهَا وَظَائِفَ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا وَلِأَنَّ غَيْرَهَا يُشَارِكُهَا فِيهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَالْغَزَالِيُّ فِي الْعِدَدِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ صاحب

(2/438)


التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقُعُودُ إلَى الْيَأْسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ حَتَّى رَأَيْتُ لِلْمَحْمُودِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ مُضِيِّ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَتَيْنِ وَلَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ احْتِيَاطًا لِأَمْرَيْنِ ثُمَّ أَنْكَرَ الدَّارِمِيُّ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَغَلَّطَهُمْ فِي ذَلِكَ وَبَالَغَ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ وَإِيضَاحِ الصَّوَابِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ كُرَّاسَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى نَفَائِسَ وَأَنَا أُشِيرُ إلَى مَقْصُودِهِ مُخْتَصِرًا
قَالَ الدَّارِمِيُّ يَنْبَغِي أَنْ نُبَيِّنَ عِدَّةَ غَيْرِهَا لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا فَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَائِلِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ كُلُّ قُرْءٍ طُهْرٌ إلَّا الْأَوَّلَ فَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ طُهْرٍ وَطَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ وَفِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا فِيهِ فَبِدْعَةٌ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ وَهَلْ يُحْسَبُ قُرْءًا فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لم يجامعها فيه حسبت بقية قُرْءًا وَأَتَتْ بِطُهْرَيْنِ بَعْدَهُ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ اُشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَإِنْ حَسِبْنَاهُ قُرْءًا فَكَمَا لَوْ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بَعْدَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ آخِرِ اللَّفْظِ أَمْ عَقِبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مَعَ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَمْ عَقِيبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ في تجزى الجسم هَلْ هُوَ إلَى غَايَةٍ أَمْ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَقَلُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يوما ولحظتان بان يطلقها وقد بقى شئ مِنْ الطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضُ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وَهُوَ الْقُرْءُ الثَّالِثُ ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَبْنِيَ الْعِدَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا طَلَّقَهَا وَكَانَ جُزْءٌ مِنْ آخِرِ لَفْظِهِ أو شئ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَتَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ بَعْدَهُ وَإِنْ طَابَقَ الطَّلَاقُ آخِرَ الطُّهْرِ

(2/439)


اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى آخِرِ لَفْظِهِ وَحُسِبَ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَقِيَ بعد طلاقه شئ مِنْ آخِرِ الطُّهْرِ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ تَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَتَعْتَدُّ بِالثَّانِي وَهُوَ أَغْلَظُ إذَا قُلْنَا بِالطَّلَاقِ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَبِالْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْلَى وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْجُزْءِ إنْ كَانَ الثَّانِي جُزْءًا وَاحِدًا فَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ مُطَابِقَةٌ لِلطَّلَاقِ أَوْ قلنا الطلاق بآخر لفظه والعدة بعد حسب قرءا لان ذلك الْجُزْءَ وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَطَابَقَتْهُ الْعِدَّةُ أَوْ صَادَفَتْهُ الْعِدَّةُ وَتَقَدَّمَهُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ لَفْظِهِ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ تُطَابِقُهُ فَأَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ عَقِيبَهُ لَمْ يُحْسَبْ قُرْءًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ شئ مِنْ الطُّهْرِ لِلْعِدَّةِ
وَإِنْ كَانَ بَقِيَ جُزْءٌ ان اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِدَّةُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجُزْءًا وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَابِقُ آخِرُ طَلَاقِهِ آخِرَ الطُّهْرِ وَقُلْنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِ اللَّفْظِ وطابقه أول العدة فاقل العدة إذا نوبتان وزيادة واكثرها ثلاث نوب يوم وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَذَلِكَ إنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ وَلَا يُحْسَبُ قُرْءًا عِنْدَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَجَعَلَ أَوَّلَ الْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةُ حَيْضٍ وَطُهْرٍ فَيَكُونُ قُرْءًا ثُمَّ ثَانِيَةٌ يَكُونُ ثَانِيًا ثُمَّ ثَالِثُهُ قُرْءًا ثَالِثًا ثُمَّ يَمْضِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَأَطْوَلُ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ المذهب ثلاث نوب ويوم وليلة وطهر الاجزاء وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا عَاصِيًا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَطَلَّقَهَا فَاتَّفَقَ آخِرُ لَفْظِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَطَابَقَهُ فَنَقُولُ الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَهُوَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَفِيهِ جِمَاعٌ وَقُلْنَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ طُهْرٌ الاجزاء ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةٌ فَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ قُرْءًا ثُمَّ نَوْبَةٌ ثَانِيَةٌ ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِدَّةً عَلَى أَشَدِّ مَذَاهِبِنَا وَلَا يَخْفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعُ مَا فِي الْمَذَاهِبِ وَإِنَّمَا قَصَدْنَا بَيَانَ أَقْصَى الْغَايَتَيْنِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى أَقْصَى المذاهب

(2/440)


فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا رَجَعْنَا إلَى الْمُتَحَيِّرَةِ فَنَقُولُ: حُكْمُ عِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالنَّوْبَةِ وَهَذِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا إلَّا أَنَّهُ مَضَى لها حيض وطهر ويدخل في شكلها أَنَّهَا هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ ذَاتُ عَادَةٍ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَلَا تَعْرِفُ عَادَتَهَا وَحُكْمُ هَذِهِ حُكْمُ الْأُولَى لِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ تَحَيُّرًا ثُمَّ النَّوْبَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى بَيْنَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَقَدْ تَعْلَمُ قَدْرَ نَوْبَتِهَا وَإِنْ جَهِلَتْ قَدْرَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مِنْهَا بِأَنْ شَكَّتْ فِي قدرها علمنا عَلَى أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا إلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَتْ حَدًّا فَقَالَتْ أَشُكُّ فِي نَوْبَتِي إلَّا أني أقطع بأنها لاتجاوز شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةً جَعَلْنَا ذَلِكَ نَوْبَتَهَا فَإِنْ أَطْلَقَتْ الشَّكَّ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ فَأَضْعَفُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ نَوْبَتُهَا مِنْ بُلُوغِهَا تِسْعَ سِنِينَ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ نَوْبَةً فَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ ذَلِكَ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا وَتَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى مَعْرِفَةِ الزَّمَنِ الَّذِي بَيْنَ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ وَهَذَانِ الْوَقْتَانِ قَدْ تَعْلَمُهُمَا وَقَدْ تَجْهَلُهُمَا وَقَدْ تَعْلَمُ أَحَدَهُمَا
وَتَجْهَلُ الْآخَرَ فَإِنْ شَكَّتْ هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ مُعْتَادَةٌ قَابَلْتَ بَيْنَ الزَّمَانِ الَّذِي اعْتَبَرْنَا بِهِ نَوْبَتَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا الَّتِي هِيَ نَوْبَةُ الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ أَكْثَرَ جَعَلَتْهُ نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّلَاثُونَ أَكْثَرَ جَعَلَتْهَا نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ إغْفَالُ مَنْ قَالَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ان يعلم أن عدتها قل مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ النَّوْبَةِ إلَّا أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي مِنْ رُؤْيَتِهَا دَمَ الِابْتِدَاءِ إلَى دَمِ الِاتِّصَالِ دُونَ ثَلَاثِينَ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فَإِذَا عُلِمَ أَثَرُ النَّوْبَةِ عَمِلْنَا عَلَى أَنَّهُ مَضَى مِنْ الزَّمَانِ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ مَا هُوَ أَغْلَظُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ الْمَذَاهِبِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ طَلَاقِهِ قَبْلَ آخِرِ الطُّهْرِ بِجُزْءٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَقَعُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَلَا وَقْتَ لِلْقُرْءِ مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ أَوَّلُ الْعِدَّةِ عَقِبَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَلَاثِ نُوَبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ فِي اسْتِخْرَاجِ النَّوْبَةِ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ النُّوَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَحَصَلَ ثَلَاثُ نُوَبٍ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَلَوْ أَنَّهُ عَصَى بِجِمَاعِهَا وَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى جَامَعَهَا جَعَلَ جَمَاعَةٌ كَأَنَّهُ وَقَعَ آخِرَهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَلَمْ يُعْتَدَّ

(2/441)


بِذَلِكَ الطُّهْرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثِ نُوَبٍ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَعْرِفَةُ الطُّهْرِ أَنْ تَنْظُرَ الزَّمَانَ الَّذِي حَكَمَتْ بِأَنَّهُ نَوْبَتُهَا فَتُسْقِطُ مِنْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْحَيْضِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْبَاقِي مِنْهُ إلَّا جُزْءًا وَلَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ قُرْءًا ثُمَّ بِثَلَاثِ نُوَبٍ ثُمَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا الْحُكْمَ عَلَى أَصْعُبْ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ عِدَّتُهَا أَطْوَلَ مَا يُمْكِنُ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى قِيَاسِ بَاقِي وُجُوهِ أَصْحَابِنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَدْ تَكُونُ عِدَّتُهَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَالزَّمَانُ الْمُعْتَبَرُ بِهِ نَوْبَتُهَا دُونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يُعْلَمَ أَنَّ سِنَّهَا لَا تَبْلُغُهُ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ سِنَّ الْحَيْضِ لَا يَبْلُغُهُ فَإِنْ بَلَغَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَعِشْ إلَيْهِ فَسَتَبْلُغُ سِنَّ الْيَأْسِ فَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْيَائِسَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ فَلَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا حُكْمُهَا إذَا جَهِلَتْ نَوْبَتَهَا فَعَلِمَتْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَوْبَةً وَجَهِلَتْ الزَّمَانَ مِنْ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ فَعَمِلَتْ عَلَى أَغْلَظِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ النَّوْبَةَ عَمِلَتْ
عَلَى قَدْرِهَا وَكَذَا إنْ عَلِمَتْ الزَّمَانَ بَيْنَ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لَكِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِنَوْبَتِهَا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ نَوْبَتِهَا اعْتَدَّتْ بِقَدْرِ نُقْصَانِهِ قُرْءًا ثُمَّ بِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ آخِرَهُ طُهْرٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ وَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ النُّقْصَانِ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَطُولُ بِهَا الْعِدَّةُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ جُمَلٌ مِنْ النَّفَائِسِ وَمَعَ هَذَا فَالْعَمَلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ عَادَتِهَا مَا يَقْتَضِي زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَصْلٌ] فِي طَهَارَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ عَلِمَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ بِأَنْ قَالَتْ أَعْلَمُ: أَنَّ حَيْضَتِي كَانَتْ تَنْقَطِعُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ غُسْلٌ سِوَاهُ وَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ الْمَغْرِبَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ عِنْدَ كُلِّ مَغْرِبٍ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُحْتَمَلُ فِيمَا سِوَاهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا الْغُسْلُ

(2/442)


لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ كَالتَّيَمُّمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا إذَا ابْتَدَأَتْ غُسْلَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفَرَغَتْ مِنْهُ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَلَّا تَفْصِلَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ثُمَّ إذَا اغْتَسَلَتْ هَلْ تَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ عَقِبَ الْغُسْلِ أَمْ لَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَوَضَّأَتْ هَلْ عَلَيْهَا الْمُبَادَرَةُ أَمْ لَهَا التَّأْخِيرُ فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ فَأَخَّرَتْ بَطَلَ غُسْلُهَا وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْمُبَادَرَةِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِيَقِلَّ حدثها وهذا لا يتحقق فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّمِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلْغُسْلِ
وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ الِانْقِطَاعُ وَلَا يَتَكَرَّرُ الِانْقِطَاعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ حَيْضِهَا بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهُ بِقِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَعَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ وَمَا لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ لَكِنْ إنْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ الْغُسْلِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ قَبْلَ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَثْنَائِهِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنهَا بَعْدَ الْغُسْلِ إلَّا فِعْلُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَلَا يَكْفِيهَا الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ السَّابِقَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي غُسْلِهَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ يَكْفِي وُقُوعُ آخِرِهِ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالرَّابِعُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ والله علم
* [فَصْلٌ] فِي صَلَاتِهَا الْمَكْتُوبَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَبَدًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يَحْتَمِلُ طُهْرَهَا فَمُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ

(2/443)


ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَمْ يَشْتَرِطُوا صَلَاتَهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بَلْ أَوْجَبُوا الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ مَتَى شَاءَتْ كَغَيْرِهَا وَصَرَّحَ أَكْثَرُهُمْ بِهَذَا وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْبَاقِينَ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَنَقَلَهُ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْخَمْسَ فِي أَوْقَاتِهَا هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وقد صرح بأن لاقضاء الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَيُحْتَمَلُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ
وَالْعَصْرُ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُهَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَإِذَا كُنَّا نُفَرِّعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَجَبَ مُرَاعَاتُهُ في كل شئ هَذَا قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرهمَا (قُلْتُ) وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْفِهِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ الْوُجُوبُ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّا لَا نُلْزِمُ الْمُتَحَيِّرَةَ كُلَّ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى حَرَجٍ شَدِيدٍ وَالشَّرِيعَةُ تَحُطُّ عَنْ الْمُكَلَّفِ أُمُورًا بدون هَذَا الضَّرَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا كُلُّ مُمْكِنٍ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَا تَقْعُدُ إلَى الْيَأْسِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي طَرِيقَةً أُخْرَى فَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَنْزِلُ تَنْزِيلَيْنِ هُمَا أَغْلَظُ أَحْوَالِهَا أَحَدُهُمَا تَقْرِيرُ دَوَامِ الطهر الي وقت الصلاة وامكان أدائها ووجب الْحَيْضِ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي دَوَامُ الْحَيْضِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ وُجُودُ الطُّهْرِ بَعْدَهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دُونَ الْوُضُوءِ فَحَصَلَ مِنْ التَّنْزِيلَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ تُصَلِّيهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ طهرها فإذا دخل وقت الصعر صَلَّتْ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ ثُمَّ صَلَّتْهَا بِالْغُسْلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ منه ما يسع ما يلزمها به صلاة الْعَصْرِ ثُمَّ أَعَادَتْ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الطُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ

(2/444)


فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَإِنْ قَدَّمَتْ الْعَصْرَ الثَّانِيَةَ عَلَى الظُّهْرِ الثَّالِثَةِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلظُّهْرِ وَإِنْ قَدَّمَتْ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلْعَصْرِ فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِغُسْلِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ صَلَّتْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ وَتُعِيدُ مَعَهَا الْمَغْرِبَ وَتَغْتَسِلُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَتَتَوَضَّأُ لِلْأُخْرَى فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّتْ الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِوُضُوءٍ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ فَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلظُّهْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ وَمَرَّةً ثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِغُسْلٍ لَهَا وَلِلْعَصْرِ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً
لِلْعَصْرِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِوُضُوءٍ وَثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْمَغْرِبِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ وَمَرَّةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالْغُسْلِ لَهَا وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْعِشَاءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَكَذَا الصُّبْحُ فَتَبْرَأُ بِيَقِينٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي: وَأَمَّا طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ فَظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيعٍ بَلْ تُصَلِّي أَبَدًا وَلَا قَضَاءَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ تُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الطريقة الصلوات الخمس مرتين بستة اغسل وَأَرْبَعِ وُضُوءَاتٍ فَتُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الْعَصْرَ كَذَلِكَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَتَقْضِي الظُّهْرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعَصْرَ ثُمَّ تُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الصُّبْحَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْمَغْرِبَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَقْضِي الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِغُسْلٍ هَذَا كَلَامُهُمْ وَبَسَّطَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَوْضَحَهُ بِأَدِلَّتِهِ وَزَادَ فِيهِ وَأَتْقَنَهُ ثُمَّ لَخَصَّ طَرِيقَتَهُ وَاخْتَصَرَهَا الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إذَا قُلْنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَتُصَلِّيهَا ثُمَّ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَصَلَّتْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَيْضَ صَادَفَ الْمَرَّةَ الْأُولَى وَانْقَطَعَ بَعْدَهَا فَلَزِمَتْهَا وَبِالْمَرَّتَيْنِ تَبْرَأُ مِنْ الصُّبْحِ قَطْعًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ مَتَى صَلَّتْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ أَجْزَأَهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَقْتِ بَلْ لَوْ وَقَعَ بَعْضُهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ إذَا قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ دُونَ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهَا الثَّانِيَةَ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَائِهَا فلا شئ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَوَّلِ زَمَنِ الْغُسْلِ مَعَ الْجُزْءِ الْوَاقِعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ دُونَ رَكْعَةٍ هَذَا حُكْمُ الصُّبْحِ وَأَمَّا الْعَصْرُ

(2/445)


وَالْعِشَاءُ فَتُصَلِّيهِمَا مَرَّتَيْنِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الظُّهْرُ فَلَا يَكْفِي وُقُوعُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا وُقُوعُ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ
تُعِيدَ الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعِيدُ الْعَصْرَ وَهُوَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَتُعِيدَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثُمَّ إذَا أَعَادَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ نُظِرَ إنْ قَدَّمَتْهُمَا عَلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ وَجَبَ غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ وَغُسْلٌ لِلْمَغْرِبِ وَإِنَّمَا كَفَاهَا غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَدْ اغْتَسَلَتْ لَهُ وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا ظُهْرٌ وَلَا عَصْرٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُ المغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر والصعر وَعَقِبِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قَضَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَدَاءِ الصُّبْحِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُصَلِّيَةً الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَرَّتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ وَثَمَانِيَةِ أَغْسَالٍ وَإِنْ أَخَّرَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ اغْتَسَلَتْ لِلْمَغْرِبِ وَكَفَاهَا ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَهِيَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا ظُهْرَ وَلَا عَصْرَ عَلَيْهَا وَيَجِبُ وضو لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَتْهُمَا عَنْ أَدَاءِ الصبح وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس باربع وُضُوءَاتٍ وَسِتَّةِ أَغْسَالٍ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدْ أَخَّرَتْ الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِمَا لِتَقْدِيمِهَا الْقَضَاءَ عَلَيْهِمَا فَتَبْرَأُ عَمَّا سِوَاهُمَا وَأَمَّا هُمَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى مَضَى مَا يسع الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يَكْفِ فِعْلُهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّصْوِيرِ السَّابِقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْحَيْضُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَتَكُونُ الصَّلَاتَانِ وَاقِعَتَيْنِ فِي الْحَيْضِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِغُسْلَيْنِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّفَاهِيَةِ وَالضَّرُورَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الاولى وحينئذ تبرأ بيقين ومع هذ كُلِّهِ لَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ مَضَى شَهْرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَطْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُجْزِيَهُ قَضَاءُ صَلَاتَيْ جَمْعٍ وَهُمَا ظُهْرٌ وَعَصْرٌ أَوْ مَغْرِبٌ وَعِشَاءٌ فَإِذَا شَكَكْنَا وَجَبَ قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ خَمْسٍ وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي فِي أَوْسَاطِ الْأَوْقَاتِ لَزِمَهَا أَنْ تَقْضِيَ لَلْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأَ

(2/446)


الْحَيْضُ فِي وَسَطِ صَلَاةٍ فَتَبْطُلُ وَيَنْقَطِعُ فِي وَسَطِ أُخْرَى فَتَجِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ: وَمَنْ فَاتَهُ صَلَاتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لَا يَعْرِفُهُمَا لَزِمَهُ صَلَوَاتُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاة لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمُخْتَصَرِ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ الْآنَ مُخَالِفٌ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِكُمْ يَجِبُ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ فَإِنَّكُمْ الْآنَ صِرْتُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةَ عشر الا قضاء خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَضَاءِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَمْرٌ أَغْفَلَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ فِيمَا إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَبْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَمَّا عَلَيْهَا وَكَانَتْ تُؤْثِرُ الْمُبَادَرَةَ وَتَخَافُ الْمَوْتَ فِي آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ فَأَمَّا إذَا أَخَّرَتْ الْقَضَاءَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ عَشَرَ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ نَسَبَنَا نَاسِبٌ إلَى مُخَالِفَةِ الْأَصْحَابِ سَفَّهْنَا عَقْلَهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمُقَاضَاةِ يَتَعَلَّقُ بِمَسَالِكِ الِاحْتِمَالَاتِ وَقَدْ مَهَّدَ الْأَئِمَّةُ الْقَوَاعِدَ كَالتَّرَاجِمِ وَوَكَّلُوا اسْتِقْصَاءَهَا إلَى أَصْحَابِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ لِمَنْ يَبْغِي مَزِيدًا أَنْ يُبْدِيَ شَيْئًا وَرَاءَ مَا ذَكَرْنَا مُفِيدًا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا.
وَبِالْجُمْلَةِ النَّظَرُ الَّذِي يُخَفِّفُ فِي أَمْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ بَالِغُ الْمَوْقِعِ مُسْتَفَادٌ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ بِمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا لَا يَجِبُ فِي الشَّهْرِ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ هَذَا بَيَانُ صَلَوَاتِ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَلَاةً مَقْضِيَّةً أَوْ مَنْذُورَةً فَفِيهَا كَلَامٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ صيامها ان شاء الله تعالى

(فَصْلٌ فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ)
اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَصُومَ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَامَتْهُ وَكَانَ تَامًّا اخْتَلَفُوا فِيمَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ
جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخُلَاصَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ إمَامُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ

(2/447)


لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَانْقِطَاعِهِ فِي بَعْضِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيُفْسِدُ السِّتَّةَ عَشَرَ وَيَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى مُتَابَعَةِ أَبِي زَيْدٍ وَوَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ واشار إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ يَحْصُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتَأَوَّلُوا النَّصَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ أَنَّ دَمَهَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ يُحْتَمَلُ لَكِنَّ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَسُلُوكُ سَبِيلِ التَّخْفِيفِ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ من الاختلاف هو المشهور في طرق الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى فَحَكَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلَ أَبِي زَيْدٍ وَاخْتِلَافَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِبُ اسْتِدْرَاكُهُ فِي هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْكَمُ لَهَا بِالطُّهْرِ ثَلَاثَةَ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ حَيْضُ الْمُتَحَيِّرَةِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بينها وبين المبتدأة الا في شئ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ ابْتِدَاءَ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ دُونَ الْمُتَحَيِّرَةِ فَأَمَّا تَنْزِيلُهَا عَلَى غَالِبِ الْحَيْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ فَمُتَّجَهٌ لَا يَنْقَدِحُ غَيْرُهُ فَلْيُقَدَّرْ لَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ قَدْ تَفْسُدُ بِالسَّبْعَةِ ثَمَانِيَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا عَوْدٌ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تُرَدُّ إلى مرد المبتدأة قلنا هي مقطعة عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الدَّوْرِ فَأَمَّا رَدُّهَا إلَى الْغَالِبِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَدَدِ الَّذِي انْتَهَى التَّفْرِيعُ إلَيْهِ فَلَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَأَقْصَى مَا يَتَخَيَّلُهُ الْفَارِقُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَلَا نَأْمَنُ إذَا رُدَّتْ إلَى الْغَالِبِ أَنْ تُخَالِفَ تِلْكَ الْعَادَاتِ وَالْمُبْتَدَأَةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا عَادَةٌ فَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ رُبَّمَا كَانَتْ تَحِيضُ
عَشْرَةً لَوْ لَمْ تَسْتَحِضْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِأَصْحَابِنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ عَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمُتَقَدِّمِي

(2/448)


أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَامًّا أَمَّا إذَا صَامَتْهُ وَكَانَ نَاقِصًا وَقُلْنَا بِطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ الْكُلَّ يَحْصُلُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ بِأَنَّهَا لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ يَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ احْتِمَالِ الطُّرُوِّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَانْقِطَاعِهِ فِي نِصْفِ السَّادِسِ عَشَرَ فَيَبْقَى ثَلَاثَةَ

(2/449)


عَشَرَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَتَصُومُ رَمَضَانَ وَشَهْرًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمٍ فَقَدْ حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صَامَتْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ النَّاقِصَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَصَامَتْ شَهْرًا كَامِلًا فَحَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا فَبَقِيَ يَوْمٌ قَالَ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فلابد فِيهِ مِنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ قَالَ وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذِّبِ فِي هَذَا فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لله تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ بَلْ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ بَلْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمُخَالِفَتِهَا كَمَا سَبَقَ بَلْ الصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَصُمْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ بَلْ صَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهَذَا الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْمُصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصْحَابِ وَلِلْقَاعِدَةِ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ دَعْوَى لَا تُقْبَلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي صَامَتْهُ وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغَلَّطُوهُ وَأَبْطَلُوا تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَا يَصِحُّ الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ على هذا الذى قلناه

(2/450)


مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصُمْ رَمَضَانَ النَّاقِصَ وَصَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَهُ يَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمٌ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ النَّاقِصَ كَفَاهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ هُنَا وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ يَوْمًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ فِي الْحَجِّ أَوْ تطوعا أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمٍ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ إنْ شَاءَتْ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ آخِرِهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فِي هَذَا غَرَضٌ بِأَنْ تُرِيدَ أَلَّا يَتَخَلَّلَ فِطْرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ سَلِمَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي سَلِمَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ سَلِمَ السَّادِسُ عَشَرَ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمٌ عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالسَّابِعَ عَشَرَ تَمْثِيلٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ضَابِطُ بَرَاءَتِهَا بِثَلَاثَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ وَتُفْطِرَ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ إمَّا الثَّالِثَ وَإِمَّا الْخَامِسَ عَشَرَ وَإِمَّا مَا بَيْنَهُمَا وَتُفْطِرَ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَصُومَ السَّابِعَ عَشَرَ فَهَذَا أَقْصَرُ

(2/451)


مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّوْمَ الثَّالِثَ عَنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَتْرُوكُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْلَ مَا بَيْنَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَقَلَّ فَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا يَوْمٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي الثَّالِثِ وَابْتِدَاءِ حَيْضٍ آخَرَ فِي الثَّامِنِ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَلَوْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ السَّابِعَ عَشَرَ بَدَلَ الثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَقَلُّ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ خَلَّلَتْ بَيْنَ
الصَّوْمَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَلَهَا أَنْ تَصُومَ الثَّالِثَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ السَّابِعَ عَشَرَ أَوْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصُومَ السَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَتْرُكَ شَيْئًا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْهُ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَنْقَطِعُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَتَفْسُدُ الثَّلَاثَةُ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ مَعَ يَوْمٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْزِيهَا لِأَنَّهَا إنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ الْخَامِسَ عَشَر اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْخَامِسَ عشر فيفسد هو والاول ويفسد الاخير لطرآن الْحَيْضِ فِي نِصْفِهِ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَيَنْقَطِعُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَبْتَدِئُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ الِانْقِطَاعُ فِي نِصْفِ الثَّانِي وَالِابْتِدَاءُ فِي نِصْفِ السَّابِعَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَنْزِيلِ بَاقِي الصُّوَرِ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَتْ الطَّرَفَيْنِ وَيَوْمًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَجْزِيهَا أَيْضًا وَتَنْزِيلُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نحو

(2/452)


مَا ذَكَرْتُهُ فَبَانَ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ يَوْمٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي طَرِيقِ صَوْمِ الْيَوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الشَّافِعِيِّ نَصَّ أَنَّهُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَر وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ قال الامام واجمع أئمتنا على أَنَّهُ حَسْبُ صَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا اُحْتُمِلَ كَوْنُ الْيَوْمَيْنِ طَرَآ فِي حَيْضَتَيْنِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُتَّجَهُ إلَّا مَعَ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ وَآخِرِهِ ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ فِي نَقْلِ النَّصِّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ

(2/453)


بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ
الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَفْسَدَهُ وَكَذَا أَفْسَدَهُ مَنْ حَكَاهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا الْإِفْسَادُ بَنَوْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَيْسَ هُوَ بفاسد بل يكفيها يَوْمَانِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا تُبَالِي بِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ نِصْفَ النَّهَارِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا علي قَوْلُ الِاحْتِيَاطِ تَبْنِي أَمَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى سَبْعَةٍ فَقَالَ الْإِمَامُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَلَكِنْ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرًا مُنْقَاسًا فنحن نتبع الائمة ونفرع عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَمَا قَبْلَهُ مُخْتَصَرٌ وَاضِحٌ جَامِعٌ يَسْهُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ تَعَالَى وَيَتَّضِحُ بِهِ جُمَلٌ مِنْ قَوَاعِدِ صَوْمِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*

(2/454)


(فَرْعٌ)
فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَاتَّفَقَ جَمَاهِيرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ضَعَّفَتْ الَّذِي عَلَيْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهِ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَتْ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَصَامَتْ نِصْفَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَنِصْفَهُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَنَعْنِي بِالشَّهْرِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ ابْتَدَأَتْ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافَ هَذَا إلَّا لِصَاحِبِ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيَّ فَأَنَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ لِوُضُوحِهَا وَشُهْرَتِهَا وَخِفَّةِ الْكَلَامِ فِيهَا ثُمَّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ الْحَاوِي ثُمَّ الدَّارِمِيِّ وَأَخْتَصِرُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ الْإِيضَاحِ الَّذِي يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْجُمْهُورُ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ ضَعَّفَتْهُمَا وَضَمَّتْ إلَيْهِمَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةَ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا ثَلَاثَةً مَتَى شَاءَتْ ثم تفطر

(2/455)


تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمَانِ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنَّ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّالِثِ حَصَلَ الْأَوَّلَانِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ضَعَّفَتْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً فَتَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ
أَرْبَعَةً وَإِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ صَامَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَالْخَمْسَةَ الرَّابِعَةَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ خَمْسَةٍ صَامَتْ سِتَّةً أَوَّلًا ثُمَّ سِتَّةَ أَوَّلهَا السَّادِسَ عَشَرَ
*

(2/456)


وَإِنَّ أَرَادَتْ صَوْمَ سِتَّةٍ صَامَتْ سَبْعَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ سَبْعَةً صَامَتْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وهكذا نفعل فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَبْقَى يَوْمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ طَرِيقِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَحْصُلُ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ السَّابِقِ وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ صَامَتْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْهَا مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَصَامَتْ مِثْلَهُ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَصَامَتْ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ أَجْزَأَهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهَا بِيَقِينٍ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: أَمَّا

(2/457)


صَاحِبُ الْحَاوِي فَحَكَى عَنْ الْأَصْحَابِ حِكَايَةً غَرِيبَةً قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةً أَوْ أَكْثَرَ فَكَذَلِكَ تَصُومُ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا يُجْزِيهَا فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ هُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَإِنَّهَا

(2/458)


طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ بَدِيعَةٌ نَفِيسَةٌ بَلَغَتْ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّدْقِيقِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جُمَلٍ مِنْ النَّفَائِسِ الْغَرِيبَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ الْمُهِمَّاتِ اسْتَدْرَكَ فِيهَا عَلَى الْأَصْحَابِ أُمُورًا ضَرُورِيَّةً لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَبَسْطِهَا أَبْلَغَ بَسْطٍ
فَذَكَرَ فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَمَا بَعْدَهَا إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ وَفِيهَا مِنْ الْمُسْتَفَادَاتِ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلَى هَذَا الْكِتَابُ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهِ وَلَا يَلِيقُ بِطَالِبٍ تَحْقِيقُ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ الْفِقْهِ مُطْلَقًا جَهَالَتُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَقَدْ أَفْرَدْتُ مُخْتَصَرَ ذَلِكَ فِي كَرَارِيسَ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَهُ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ ذلك تَصُومَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ صَامَتْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مجتمعين فأقل ما يمكن تحصيلهما بِهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ كَمَا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَوْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ ضِعْفُهُ وَوَاحِدٌ فَكَذَا الْيَوْمَانِ ضِعْفُهُمَا وَوَاحِدٌ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ

(2/459)


وَالتَّاسِعَ عَشَرَ وَيُخْلَى الرَّابِعُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ يَبْقَى بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قسما بعد أَيَّامِ التَّخْيِيرِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تصوم منه الخمسة ونحن نريد فِي ذَلِكَ يَوْمًا إلَى الْحَدِّ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ الْمُمْكِنِ وَمَتَى قُلْنَا بَعْدَ هَذَا تَصُومُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَذَا فَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ الْأَوَّلُ فَمَا بَعْدَهُ مِمَّا يَلِيهِ مُتَوَالِيًا وَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ الْآخَرُ وَمَا قَبْلَهُ مِمَّا يَلِيهِ فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَمِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَرْبَعَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بَعْدَ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَإِنْ شَاءَتْ عَكَسَتْ فَنَقَلَتْ الصَّوْمَ وإلا خلا مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ فَيَحْصُلُ عِشْرُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَعَشَرَةٌ فِي عَكْسِهِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ كُلِّ طَرْفٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرْفٍ بَعْدَ الرَّابِعِ يَبْقَى عَشْرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَاضْبُطْ هَذَا الْمَوْضِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ يَكُونُ الصوم وإلا خلا فِي طَرَفٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ لَا ينعكس ومتى خالف طرفا طرفا في شئ من الصوم والا خلا أَوْ الصَّوْمِ خَاصَّةً انْعَكَسَ بِالْبَدَلِ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ مَا فِي كُلِّ طَرَفٍ فِي الْآخَرِ فَحَصَلَ فِي طَرِيقِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ ثَلَاثُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ
انْعَكَسَتْ وَعَشَرَةٌ لَمْ تَنْعَكِسْ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَلَهَا أَنْ تُبَدِّلَ مَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِسْمًا وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الصَّوْمَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ وَلَا تنعكس لتساوي الصوم وإلا خلا

(2/460)


فِي كُلِّ طَرَفٍ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ ينعكس لاختلاف اليوم والاخلا وان شاءت صامت من كل طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ يَوْمًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ قِسْمًا
* أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طرف الأول والثالث ومن طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ يَوْمًا مِنْهَا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْعَكْسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يومين ومن كُلِّ طَرَفٍ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا يَنْعَكِسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ ثَمَانُونَ أَمَّا إذَا ارادت تحصيل يومين بخسمة مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّابِعِ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ يَبْقَى
بَيْنَهُمَا سَبْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَيَنْقَسِمُ هَذَا الْيَوْمُ بِحَسْبِ مَا سَبَقَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةُ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ كِتَابِ الدَّارِمِيِّ مُفَصَّلَةً أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ بِحَسْبِ مَا مَضَى فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ كَمَا سَبَقَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ

(2/461)


بِخَمْسَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّانِي عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي عَشَرَةَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمَيْنِ تَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَحَدَ عَشَرَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الباقي بينهما وهو متعين في جميع أقسام التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ قِسْمًا فَجَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ جُمْلَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفُ قِسْمٍ وَقِسْمٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِصَوْمِ الْيَوْمَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي صِيَامِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَنْ تُضَعِّفَهَا وَتُزِيدَ
يَوْمَيْنِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً تَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ أَرْبَعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَسَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَصُومُ ثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَبَسَطَهَا بَسْطًا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ قَرِيبًا مِنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ فَبَلَغَ بِهَا نَحْوَ ثَمَانِ كَرَارِيسَ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا بَيَانُ صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَتَى فِيهَا مِنْ الْعَجَائِبِ وَالتَّدْقِيقَاتِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُشِيرُ هُنَا إلَى بَعْضٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَقَدْ سَبَقَ طَرِيقُ بَسْطِهِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
* إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَيَحْصُلُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تُفْرِدَ كُلَّ يَوْمٍ صَامَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا سَبَقَ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَصُومَ يَوْمَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ وَيَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ جَازَ وَحَصَلَ الثَّلَاثَةُ بِثَمَانِيَةٍ الْيَوْمَانِ بِخَمْسَةٍ وَالْيَوْمُ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْ الثَّلَاثَةَ بِحُكْمٍ مُفْرَدٍ كَمَا صَامَتْ الْيَوْمَيْنِ بِحُكْمٍ مفرد فأقل

(2/462)


مَا تَحْصُلُ بِهِ الثَّلَاثَةُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ السَّبْعَةُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَتُخَلِّي مِمَّا يَلِي كُلَّ خَمْسَةٍ يَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَالْأَقْسَامُ تِسْعَةٌ بِعَدَدِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَلَهَا أَنْ تَزِيدَ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَصُومُ السَّبْعَةَ مِنْهَا كَمَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ سَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ والسادس من طرف والاول وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ ثَلَاثَةٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ
وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتَبْلُغُ أَقْسَامُهُ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةَ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِسْمًا أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةِ قِسْمٍ وَأَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ والحادي عشر

(2/463)


مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يلى الاحد عشر وتصوم ويوما مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ تَبْلُغُ سِتَّمِائَةِ قِسْمٍ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتُّمِائَةٍ وَسِتُّونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ شَاءَتْ أَبْدَلَتْ الْأَقْسَامَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا فَتَصِيرُ جَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ فَلَا يَصِحُّ
[فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وان أرادتها متفرقة يَوْمًا فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وان أَرَادَتْ صِيَامَهَا يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَعَلَتْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً وَيَوْمًا فَرْدًا فَعَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ مَا سَبَقَ فِيهَا وَفِي الْيَوْمِ مَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا أَرَادَتْ صِيَامَ أَيَّامٍ فَلَهَا تَفْرِيقُهَا وَصَوْمُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَلَهَا صَوْمُهَا على مَا نَذْكُرهُ فِيهَا فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الدَّارِمِيِّ فَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ صَوْمُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ التِّسْعَةُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ فِيهِمَا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ بِتِسْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ اثْنَانِ وأربعون قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ

(2/464)


وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذا ارادت تحصل أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي السبعة وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ أَرْبَعَةً بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ
عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسَبْعَةُ أَقْسَامٍ
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ إنْ أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَوَالِيَةً صَامَتْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُفَرَّقَةً صَامَتْهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ صومها على قياس مامضي صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وأقسامه ستة وثلاثون أن أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ

(2/465)


وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَأَخْلَتْ أَرْبَعَةً ويوما وصامت يوما من اليومين الباقبين وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ خَمْسَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ خَمْسَةٍ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ قِسْمًا
*
[فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يوما من اليومين الباقيين ولها الأبدال وأقسامه اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ سِتَّةٍ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ ارادتها

(2/466)


مُفَرَّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَضَى صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَهَذَا النَّوْعُ قِسْمٌ وَاحِدٌ فَلَا تَصِحُّ سَبْعَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهَا
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ: أَقَلُّ مَا يَكْفِيهَا لِلثَّمَانِيَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ أَيُّهَا شَاءَتْ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْهَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَذَا إنْ أَرَادَتْهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا تِسْعَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ تِسْعَةً مِنْ كُلِّ
طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ
* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا عَشْرَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِنْ سِتَّةٍ وعشرون فَتَصُومُ عَشَرَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ
* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ: أقل ما نصح مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ
* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا اثْنَيْ عَشَرَ: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ اثْنَيْ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ
* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: تَصُومُهَا بِثَمَانِيَةَ وَعِشْرِينَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ ثَلَاثَةَ

(2/467)


عَشَرَ فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ
* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ: لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ زَادَ صَوْمُهَا عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَعَلَتْ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَا ذَكَرْنَا وَفِيمَا دُونَهَا مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ اعلم
* [فصل] فِي صَوْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا لِنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ جِمَاعٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الشَّهْرِ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَلَا يَنْقَطِعُ التتابع بالحيض المختلل وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ صَامَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ اربعة فعشرين أو خمسة فاحدا وَعِشْرِينَ
وَعَلَى هَذَا وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمًا مُتَتَابِعًا وَأَرَادَتْ تَخْلِيلَ فِطْرٍ بَيْنَهُ صَامَتْ ذَلِكَ الْقَدْرَ مُتَوَالِيًا ثُمَّ صَامَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ السَّابِعَ عَشَرَ فإذا ارادت يومين متتابعتين صَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ تَصُومُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَتَصُومُ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ وَخَالَفَهُمْ الدَّارِمِيُّ وَبَسَطَ طَرِيقَتَهُ بَسْطًا مُنْتَشِرًا فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِسِتَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَفِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قِسْمًا أَقَلُّ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِيَوْمٍ وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَصُومُهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهَا تَصُومُ من ايام التخيير الاول والثانى أو الثاني وَالثَّالِثَ أَوْ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا فَيَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْ صِيَامَهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِهِ وَتَصُومُ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ فَتَكُونُ أَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ وَإِنْ

(2/468)


أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ أَيْضًا مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَسِتَّةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السِّتَّةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ عَشَرَةً وَعَشَرَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَهُ قِسْمَانِ وَإِنَّ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَحَدَ عَشَرَ وَأَحَدَ عَشَرَ وَصَامَتْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِزِيَادَةٍ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ أَنْ تُخَلِّيَ
اثْنَيْ عَشَرَ وَاثْنَيْ عشر فلا يبقى بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَنْ

(2/469)


تَصُومَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ وَتُخَلِّيَ فِي كل طرف احدى عَشَرَ وَتَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَّا أَنَّهَا تَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ الثَّلَاثَةَ مُتَتَابِعَةً مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ بِيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ وَصَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اخْتِصَارُ الْعِبَارَةِ فَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ وَعُلِمَ أَنَّهَا تَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ الْأَيَّامَ الَّتِي تُرِيدُهَا وَتَصُومُهَا مَرَّةً ثَالِثَةً مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ الْإِخْلَاءِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِخْلَاءَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ بِقَدْرِ مَا أُخْلِيَ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْأَقْسَامَ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِالْقَدْرِ الَّذِي نَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ فَصْلٍ فَالْأَقْسَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بِيَوْمَيْنِ فَنَقْتَصِرُ بَعْدَ هَذَا عَلَى ذِكْرِ الْإِخْلَاءِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِذَا أَرَادَتْهَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي خَمْسَةً وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سِتَّةً وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سَبْعَةً وَأَقْسَامُهُ

(2/470)


ثَلَاثَةٌ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَمَانِيَةً وَلَهُ قِسْمَانِ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي تِسْعَةً وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَتَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ فَتَصِحُّ بِصَوْمِ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ أَرْبَعَةً وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْهَا مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةً وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ
سَبْعَةً وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتُخَلِّي سَبْعَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ خَمْسَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وتخلي خمسة في كل طَرَفٍ وَتَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ

(2/471)


تَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ وَمِنْ ثلاثين الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سِتَّةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةٍ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً وَتَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سَبْعَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا فَتَصُومُ مِنْ كل طرف سبعة ونخلي يوما ويوما وتصوم السبعة الباقية فان ارادتها مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَمَانِيَةً مُتَتَابِعَةً فَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ مُتَتَابِعٍ وَكَذَا مَا زَادَ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةٌ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَصْلٌ] فِي تَحْصِيلِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَلَاةً أَوْ صَلَوَاتٍ مَقْضِيَّاتٍ أَوْ مَنْذُورَاتٍ وَهَذَا الَّذِي نذكره فيه

(2/472)


تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفَسَدَ سِتَّةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ يَجْرِي عَلَى قِيَاسِ قَضَاءِ الصوم فإذا ارادت صلاة واحدة مقضية أَوْ مَنْذُورَةً أَوْ نَحْوَهَا صَلَّتْهَا مَتَى شَاءَتْ بِغُسْلٍ ثُمَّ أَمْهَلَتْ زَمَانًا يَسَعُ الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ وَلَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَغُسْلُهَا إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ حِينِ بَدَأَتْ بِالْأُولَى ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ مَرَّةً ثَالِثَةً قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَلَّا تُؤَخِّرَ الثَّالِثَةَ عَنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ بَيْنَ آخِرِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثانية وَلَهَا أَنْ تُنْقِصَهُ عَنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ إنْ كَانَ إمْهَالًا طَوِيلًا بِشَرْطٍ أَلَّا يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ أَقَلِّ الْإِمْهَالِ وَهُوَ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَغُسْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ أَمْهَلَتْ إلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ الثَّالِثَةَ بِغُسْلِهَا بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرُ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَغُسْلِهَا وَلَهَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ صَلَّتْ الثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ الْعَاشِرِ فَلَهَا فِعْلُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِهَا وَغُسْلِهَا مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَوَّلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ يَوْمٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ يَسْتَوْعِبُ يَوْمًا فَيَكُونُ الْإِمْهَالُ الْأَوَّلُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ وَالصَّلَاةُ تَحْصُلُ فِي لَحْظَةٍ فَكَفَى الْإِمْهَالُ بِقَدْرِهَا وَهَذَا الامهال شرط لابد مِنْهُ فَلَوْ أَخَلَّتْ بِهِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لم يجزها

(2/473)


الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا إنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الْأَوَّلَ وَصَلَّتْ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ مُتَّصِلَةً بِالْأُولَى اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الثَّانِي فَصَلَّتْ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةً بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي الْأُولَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ
* فَإِنْ أرادت صلوات فهي مخيرة بين طريقين إحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَتُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَفْعَلُهُنَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَغْتَسِلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَاتِ
وَسَوَاءٌ اتفقت الصلوت أَمْ اخْتَلَفَتْ وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْإِمْهَالِ مَا سَبَقَ في الصلاة الواحدة
* ويكون مجموع الصلوت كَالْوَاحِدَةِ فَتُمْهِلُ بَعْدَ فِعْلِهِنَّ زَمَانًا يَسَعُهُنَّ كُلَّهُنَّ مع الغسل والوضوآت وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَخَفُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ كَمِائَةِ صُبْحٍ ضَعَّفَتْهُنَّ وَزَادَتْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ قَسَمَتْ الْجُمْلَةَ نِصْفَيْنِ فَصَلَّتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِائَةَ صُبْحٍ وَصُبْحًا مُتَوَالِيَاتٍ ثُمَّ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِائَةً وَصُبْحًا وَيَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْجَمِيعِ غُسْلٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا حَصَلَ لَهَا مِائَةُ صُبْحٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى فَسَدَ مَا أَتَتْ بِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَانْقَطَعَ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَبْقَى بَعْدَهَا مِائَةٌ وَإِنْ بَدَأَ فِي الصَّلَاةِ الْمُوَفِّيَةِ مِائَةً مِنْ الْأُولَى وَانْقَطَعَ فِي الموفية مائة من السادس عشر وحصل تِسْعٌ وَتِسْعُونَ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الْمُوَفِّيَةِ عِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ غَيْرَهَا انْقَطَعَ فِي مِثْلِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَحْصُلُ تَمَامُ المائة مما

(2/474)


قَبْلَ ابْتِدَائِهِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ جُمْلَةِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ فِي الْأَوَّلِ مِثْلَ زَمَنِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ أَزْمِنَةِ أَفْرَادِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا بِأَنْ أَرَادَتْ عِشْرِينَ صُبْحًا وَعِشْرِينَ ظُهْرًا وَعِشْرِينَ عَصْرًا وَعِشْرِينَ مَغْرِبًا وَعِشْرِينَ عِشَاءً فَهَذِهِ الصُّوَرُ تُخَالِفُ صُورَةَ الْمُتَّفِقَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا قُدِّرَ فَسَادُ صَلَاةٍ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ احْتَمَلَ ذَلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْخَمْسَةِ فَكُلُّ جِنْسٍ يَحْتَمِلُ بُطْلَانَ صَلَاتَيْنِ مِنْهُ فَيَجِبُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الضِّعْفِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ فَتُصَلِّي مِائَةَ صَلَاةٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عِشْرِينَ وَتُرَتِّبُ الْأَجْنَاسَ فَتَبْدَأُ بِالصُّبْحِ مَثَلًا ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَ الْمِائَةِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ زَمَانًا يَسَعُ صَلَاةً ثُمَّ تُعِيدُ الْمِائَةَ مِنْ الْأَجْنَاسِ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَتَبْرَأُ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى انْقَطَعَ فِي سَاعَةِ الْإِمْهَالِ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَتَحْصُلُ الْمِائَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ انقطع الحيض في الصلاة الاول حَصَلَ بَعْدَهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَحَصَلَتْ الْمُوَفِّيَةُ مِائَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي الصُّبْحِ الثَّالِثَةِ فِي الْأَوَّلِ عَادَ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْ الْأَوَّلِ مِائَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَصْبَاحٍ وَحَصَلَ صُبْحَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَصُبْحٌ مِنْ الْمَفْعُولَاتِ السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَعُودُ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ نَقُلْ فِي الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ سَاعَةِ الْإِمْهَالِ وَعَلَى هذا التنزيل تخريج بَاقِي التَّقْدِيرَاتِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ سَاعَةِ الامهال في أول السادس عشر لابد مِنْهُ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُمْهِلْ بَلْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ بَقِيَ عَلَيْهَا صَلَاةٌ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى وَانْقِطَاعِهِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَبْقَى ذَلِكَ مِائَةً إلَّا صَلَاةً فَلَوْ فَعَلَتْ هَذَا لَزِمَهَا إعَادَةُ صُبْحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا فِعْلُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَصَوْمُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَفِعْلُ الطَّوَافِ سَوَاءٌ فَفِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَرَادَتْ وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرِيقُهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الْإِمْهَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ في الصوم

(2/475)


وَالصَّلَاةِ وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التقديرات يجئ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ حَرْفًا حَرْفًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُصَلِّي مَعَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ فَكُلُّ طَوَافٍ مَعَ رَكْعَتَيْهِ وَغُسْلِهِ كَصَلَاةٍ مَعَ غُسْلِهَا فَتَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ قَدْرًا يَسَعُ مِثْلَ طَوَافِهَا وَغُسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيَةً ثُمَّ تُمْهِلُ حتى يمضى تمام خمسة عشرة يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهَا بِغُسْلِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَتُمْهِلُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْلَ وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فان قلناهما سُنَّةٌ كَفَى لَهُمَا غُسْلُ الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ وُضُوءٌ لَا تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالثَّالِثُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلرَّكْعَتَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ فَغُسْلُ الْحَائِضِ بَاطِلٌ
وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَالطَّوَافُ بَاطِلٌ فَلَا تَصِحُّ رَكْعَتَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا أَتَتْ بِهِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ وهذا غلط لاحتمال وقوعهما في حيضين وَبَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالَ وَلَكِنْ تَطُوفُ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حِينِ شَرَعَتْ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ تَطُوفُ ثَانِيًا وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَطُوفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْخُرَاسَانِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ تَخْطِئَتِهِمَا الْأَصْحَابَ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى طَوَافَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ تَعْمَلُ فِي طَوَافِهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا طَافَتْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَتَطُوفُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطُوفُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ

(2/476)


فِي صَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَنَّهَا تَصُومُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الطَّوَافِ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ هو مُتَعَيِّنًا بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثٍ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَصْلٌ فِي مَسَائِلِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَحَيِّرَةِ)
* (إحْدَاهَا) لَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ خَلْفَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ مُصَادَفَةِ الْحَيْضِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ خُنْثَى وَلَيْسَ كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُشَكُّ فِي حَدَثِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَاكَ الطَّهَارَةُ: (الثَّانِيَةُ) صَلَّتْ مُتَحَيِّرَةٌ خَلْفَ مُتَحَيِّرَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا (الثَّالِثَةُ) وَطِئَ الْمُتَحَيِّرَةَ زَوْجُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَهُمَا صَائِمَانِ وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ لِلْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا: (الرَّابِعَةُ) أَفْطَرَتْ مُتَحَيِّرَةٌ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُفْطِرَةَ لِلْإِرْضَاعِ فِدْيَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتَحَيِّرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ
(الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَقْضِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ شَكَّتْ هَلْ كَانَتْ نَوَتْ صَوْمَهُ أَمْ لَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُحْسَبُ لَهَا الْيَوْمُ وَلَا أَثَرَ لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَوْمِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ لِأَنَّ صِيَامَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كَيَوْمٍ وَاحِدِ فَأَشْبَهَ الشَّكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَوْمِ قَالَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَصَامَ يَوْمًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى أَمْ لَا: هَلْ غَيَّرَ النِّيَّةَ أَمْ لَا هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ هَذَا الشَّكُّ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ حَقِيقَةٌ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (السَّادِسَةُ) لَوْ أَرَادَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْأُولَى وَهِيَ صَحِيحَةٌ يَقِينًا أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَلَيْسَ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَصَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ جَمْعًا لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا تَصِحُّ صَلَاةُ الطَّاهِرِ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ فِي زَمَنٍ مَحْكُومٍ بِأَنَّهُ طُهْرٌ فَصَلَّتْ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فِي الزَّمَنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كما يحرم الوطئ مُطْلَقًا وَأَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ عَقِيبَ الطُّهْرِ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَقِيبَ الْحَيْضِ

(2/477)


لم يجز بناءا عَلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَرْعٌ] يَجِبُ عَلَى الزوج نفقة زوجته المتحيرة: من نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا لِأَنَّ جِمَاعَهَا لَيْسَ مأيوسا منه بخلاف الرتقاء والله أعلم
* (قال المصنف رحمه الله)
* [وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة العدد فكل زمن تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الحائض وكل زمان تيقنا فيه طهرها ابحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب علي الطاهر احتياطا وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض اوجبنا عليها ان تغتسل فيه للصلاة ويعرف ذلك بتنزيل احوالها ونذكر من ذلك مسائل تدل على جميع أَحْكَامَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ: فإذا قالت كان حيضي عشرة أيام من الشهر لا اعرف وقتها لم يكن لها حيض ولا طهر بيقين لانه يمكن في كل وقت أن تكون حائضا ويمكن أن تكون طاهرا فيجعل زمانها في الصلاة والصوم زمان الطهر وتتوضأ في العشر الاول
لكل فريضة ولا تغتسل لانه لا يمكن انقطاع الدم فيه فإذا مضى العشر امرناها بالغسل لامكان انقطاع الدم ثم نلزمها بعد ذلك أن تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لان كل وقت من ذلك يمكن انقطاع الدم فيه فان عرفت وقتا من اليوم كان ينقطع دمها فيه الزمناها ان تغتسل كل يوم في ذلك الوقت ولا يلزمها أن تغتسل في غيره لانا قد علمنا وقت انقطاع دمها من اليوم وان قالت كنت أحيض احدى العشرات الثلاث مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين فنجعل زمانها زمان الطهر فتصلي من أول الشهر وتتوضأ لكل فريضة وتغتسل في آخر كل عشر لامكان انقطاع الدم فيه وأن قالت حيضي ثلاثة أيام في العشر الاول مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين في هذه العشرة فتصلي من أول العشر ثلاثة أيام بالوضوء ثم تغتسل لكل صلاة الا ان تعرف انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل ذلك الوقت في كل يوم وتتوضأ في غيره وان قالت كان حيضي أربعة أيام من العشر الاول صلت بالوضوء أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ والثمان والتسع فان علمت يقين طهرها في وقت ان قالت

(2/478)


كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ واعلم أنى كنت في العشر الاخيرة طاهرا فانها في العشر الاول تتوضأ لكل صلاة لانه لا يحتمل انقطاع الدم فيه فإذا مضت العشر اغتسلت لكل صلاة الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه دون غيره وفي العشر الثالثة طاهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضي خمسة أيام في العشر الاول وكنت في اليوم الاول من العشر الاول طاهرا ففى اليوم الاول طهر بيقين فتتوضأ فيه لكل صلاة فريضة وفى اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل فريضة والسادس حيض بيقين فانه علي أي تنزيل نزلنا لم يخرج اليوم السادس منه فتترك فيه ما تترك الحائض ثم تغتسل في آخره لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الي آخر العاشر ثم تدخل في طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضى ستة أيام في العشر الاول كان لها يومان حيض بيقين وهما الخامس والسادس لانه ان ابتدأ الحيض من أول العشر فآخره السادس وان ابتدأ من الخامس فآخره
العاشر والخامس والسادس داخلان فيه بكل حال وان قالت كان حيضي سبعة أيام من العشر الاول حصل لها أربعة أيام حيض بيقين وهى من الرابع الي السابع وان قالت ثمانية كان حيضها بيقين ستة من الثالث الي آخر الثامن فان قالت تسعة كان ثمانية من الثاني إلى آخر التاسع لما بينا وان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت في اليوم السادس طاهرا فانها من أول الشهر إلى آخر السادس في طهر بيقين ومن السابع إلى آخر الشهر في طهر مشكوك فيه فتتوضأ لكل فريضة إلى أن يمضى عشرة أيام بعد السادس ثم تغتسل لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الا أن تعرف الوقت الذى كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم فيه دون غيره وان قالت كان حيضى في كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها واعلم أنى كنت في الخمسة الاخيرة طاهرا واعلم أن لى طهرا صحيحا غيرها في كل شهر فانه يحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الاولي والباقى طهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الثانية والباقى طهر ولا يجوز أن يكون في الخمسة الثالثة لان ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة

(2/479)


الرابعة ويكون ما قبلها طهرا ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة ويكون ما قبلها طهرا فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة في الخمسة الاولي وتصلي لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل فريضة من أول السادس الي آخر العاشر لانه طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الدم في كل وقت منه ومن أول الحادى عشر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين ومن أول السادس عشر تتوضأ لكل صلاة الي اخر العشرين لانه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الخامس والعشرين لانه طهر مشكوك فيه وتغتسل لكل صلاة لانه يحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها ومن أول السادس والعشرين الي آخر الشهر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين وان علمت يقين الحيض في بعض الايام بأن قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وكنت أكون في اليوم العاشر حائضا فانه يحتمل أن يكون العاشر آخر حيضها ويكون ابتداؤها من أول الشهر ويحتمل أن يكون العاشر أول حيضها فيكون آخره التاسع
عشر ويحتمل أن يكون ابتداؤها ما بين اليوم الاول من الشهر واليوم العاشر فهى من أول الشهر الي اليوم التاسع في طهر مشكوك فيه ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ لكل صلاة وتصلي واليوم العاشر يكون حيضا بيقين تترك فيه ما يجب علي الحائض تركه وتغتسل في آخره ثم تغتسل لكل صلاة الي تمام التاسع عشر الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه من الوقت إلى الوقت ثم بعد ذلك في طهر بيقين الي آخر الشهر فتتوضأ لكل صلاة فريضة فان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ في اليوم الثاني عشر حائضا فانها في خمسة عشر يوما من آخر الشهر في طهر بيقين وفى اليوم الاول والثانى من أو الشهر في طهر بيقين وفى الثالث والرابع والخامس في طهر مشكوك فيه تتوضأ فيه لكل فريضة وفى السادس الي تمام الثاني عشر في حيض بيقين ومن الثالث عشر الي تمام الخامس عشر في طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة وان قالت كان حيضي خمسة أيام من العشر الاول وكنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرا وفى اليوم الخامس حائضا فانه يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره الي تمام السابع ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره الي تمام الثامن ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره تمام التاسع فاليوم الاول والثانى

(2/480)


طهر بيقين والثالث والرابع طهر مشكوك فيه والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ثم تغتسل في اخر السابع فيكون ما بعده الي تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة وان قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ ولا أعلم موضعهما ولا عددهما فان الشيخ أبا حامد الاسفراييني رحمه الله ذكر ان أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون ما بينهما طهرا وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا ويحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا
بيقين لانه ان كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني فاليوم السادس عشر آخره وان كان من الخامس عشر فالخامس عشر والسادس عشر داخل في الطهر وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مشكوك فيه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هذا خطأ لانا إذا نزلناها هذا التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها في الشهر الذى بعده بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه علي ما بيناه]
* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَتْ نَاسِيَةً لِوَقْتِ الْحَيْضِ ذَاكِرَةً لِعَدَدِهِ فَالْقَاعِدَةُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ حَيْضَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ طُهْرَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الطَّاهِرِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَكُلُّ زَمَانٍ احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ أَوْجَبْنَا فِيهِ الِاحْتِيَاطَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الطَّاهِرِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَحُكْمُهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ حُكْمُ الْحَائِضِ ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ الْمُحْتَمِلُ لِلطُّهْرِ وَلِلْحَيْضِ لَا يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَهَا فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي هَذَا أَصْلُ الْفَصْلِ وَتَمْهِيدُ قَاعِدَتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ كُلُّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي

(2/481)


وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِمَنْ يُؤْثِرُ الِاخْتِصَارَ وَلَكِنَّ عادة الاصحاب ايضاحه ويسطه بِالْأَمْثِلَةِ وَأَنَا أُتَابِعُهُمْ وَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَسَائِلَ مُسْتَقْصَاةً مُلَخَّصَةً وَاضِحَةً فِي فُرُوعٍ مُتَرَاسِلَةٍ لِيَكُونَ أَنْشَطَ لِمُطَالِعِيهِ وَأَبْعَدَ مِنْ مَلَالَةِ ناظريه وأيسرفى تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ مِنْهُ فِيهِ وَأَسْهَلَ فِي إدْرَاكِ الطَّالِبِ مَا يَبْغِيهِ وَاَللَّهُ الْكَرِيمُ أَسْتَعِينُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ
* [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا وَتَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتهَا فِي دَوْرِي وَلَا أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ
وَالِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَهَا فِي هذين المثالين حكم المتحيرة في كل شئ وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَة مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَلَا أَعْرِفُ ابْتِدَاءَهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَهِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ شَهْرٍ هِيَ فَهَذِهِ لَهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَا تَذْكُرُ شَيْئًا أَصْلًا وَحُكْمُهَا مَا سَبَقَ إلَّا فِي الصِّيَامِ فَإِنَّهَا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَلَاثِينَ وَصَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَانَ تَامًّا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي النَّهَارِ أَوْ شَكَّتْ حَصَلَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ قَضَاءَ صَوْمِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ صَامَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا خَمْسَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَلَا يَكْفِيهَا صَوْمُ عَشَرَةٍ لِاحْتِمَالِ الِابْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَيَفْسُدُ سِتَّةٌ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَيَكْفِيهَا الْعَشَرَةُ وَلَوْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الَّتِي قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمٌ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ ابْتِدَائِهِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ صَامَتْهُمَا مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ الِابْتِدَاءَ لَيْلًا وَإِلَّا فَأَرْبَعَةٌ وَضَابِطُهُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ الابتداء أنها تضيف إلى أيام الحيض وما لاحتمال الطرآن فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَتَصُومُ مَا عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ مَعَ الْيَوْمِ الْمُضَافِ ثُمَّ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَمَا ذَكَرْنَا أَضَافَتْ يَوْمًا فَتَصِيرُ سِتَّةً فَتَصُومُ يَوْمَيْنِ وَتُفْطِرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ

(2/482)


تَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ صَامَتْهَا ثُمَّ أَفْطَرَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةً وَهَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذِهِ قَدْ يَكُونُ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَطُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيهِ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَقَدْ يَكُونُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ دُونَ حَيْضٍ
بِيَقِينٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَكْسُهُ وَطَرِيقَةُ معرفة هذه الاقسام أن ننظر إلَى الْمَنْسِيِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ كَانَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهُوَ يُقَدَّرُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ وَسَطِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَمَا بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطَتْ الْمَنْسِيَّ مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ ثُمَّ أَسْقَطَتْ بَقِيَّةَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ مِنْ الْمَنْسِيِّ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتِلْكَ الْبَقِيَّةُ هِيَ الْقَدْرُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مِثَالُ ذَلِكَ وَهُوَ مِثَالٌ يَجْمَعُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ: قَالَتْ كَانَ حَيْضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَيُجْعَلُ شَهْرُهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى زَمَنٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهَا لِكُلِّ فريضة وتصلي والخامس وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَوَّلِ الْعَشَرَةِ انْتَهَى إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى الْعَاشِرِ بَدَأَ مِنْ الْخَامِسِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ لِدُخُولِهِمَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَغْتَسِلُ فِيهَا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الدَّمَ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ فَيَكْفِيهَا كُلَّ يَوْمٍ غُسْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِيَّ فَرَائِضَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامِ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهِيَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَتَتَوَضَّأُ لِلثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ لِلثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ قَالَتْ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا سِتَّةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَلَوْ قَالَتْ تِسْعَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَتَتَوَضَّأُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي الْعَاشِرِ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لكل فريضة

(2/483)


فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ التِّسْعَةِ الْأُولَى فَالْخَامِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ لِمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ الْعَاشِرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْ آخِرِ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَيَكْفِيهَا الْغُسْلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأُوَلِ تَوَضَّأَتْ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ
الْعَاشِرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ ثُمَّ هِيَ طَاهِرَةٌ بِيَقِينٍ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَغْتَسِلُ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ فِي الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَمْسَةُ الثَّالِثَةُ تَتَوَضَّأُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّادِسَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي إحْدَى الْعَشَرَات فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِ الْعَشَرَاتِ فَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي يَوْمَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى أَوْ قَالَتْ ثَلَاثَةٌ أَوْ قَالَتْ أَرْبَعَةٌ أَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ فَتَتَوَضَّأُ مُدَّةَ أَيَّامِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ فَهُوَ مِمَّا عَدُّوهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ مُرَادُ الْمُصَنَّفِ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ لِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا بِيَقِينٍ ثُمَّ اعْتَرَضَ هَذَا الْحَامِلُ وَغَلَّطَ الْمُصَنِّفَ وَلَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْحَامِلُ وَظَلَمَ بِوَضْعِهِ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَى مَحَلًّا مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَقَلُّ مُبْتَدِئٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا قَالَتْ حَيْضِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا وَأَيُّ خفى فِي هَذَا لِيَغْلَطَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَنْزِيلِ أَحْوَالِهَا ثُمَّ قَالَ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى احكامها فذكر ما ذكر ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ يَعْنِي يُعْمَلُ

(2/484)


مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِهِ يُعْرَفُ يَقِينُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهِ فَيُعْمَلُ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْزِيلِ وَهُوَ أَنَّ مَا احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فيه وما تعين لِأَحَدِهِمَا
فَهُوَ لَهُ وَحِينَئِذٍ إذَا قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَلَا حَيْضَ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي خَمْسَةٍ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَإِنْ قَالَتْ سَبْعَةٌ فَأَرْبَعَةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الرَّابِعُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتُ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ أَوْ الثَّمَانِ أَوْ التِّسْعِ أَيَّامًا لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ يَوْمَيْنِ أَوْ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ ثَلَاثَةً فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الْأَيَّامِ الْمَنْسِيِّ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ وَعَطَفَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَشَرَةِ (قُلْت) فعي هَذَا تَكُونُ الْخَمْسُ وَالسِّتُّ وَالسَّبْعُ وَالثَّمَانُ وَالتِّسْعُ مَعْطُوفَاتٍ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ تِسْعٌ مِنْ أَيَّامٍ لَا تَزِيدُ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ عَلَى نِصْفِهَا فَذَكَرَ الْمَنْسِيَّ دُونَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا عَنْهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ كِبَارِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورِينَ طَبَقَة أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ رأى جزءا فيه وصية الشيخ أبى اسحق الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالضَّرْبِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ طُهْرِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةً مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ عَيْنَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْغُسْلِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَوْجِيهُ هَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا أَحْذِفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ ذَكَرْت مَا قَدْ يَخْفَى دَلِيلُهُ بَيَّنْته إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت أَكُونُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرًا فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ

(2/485)


وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَمَا بَعْدَ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّانِي فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّالِثِ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى طُهْرٌ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّادِسِ فَالسِّتَّةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ السَّابِعِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ ثُمَّ بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّابِعِ أو الثامن أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ فَالْيَوْمُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ طَاهِرًا وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْحَادِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا اولي طُهْرٌ صَحِيحٌ غَيْرُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاولي والباقى طهر ويحتمل ان تكون الخامسة الثَّانِيَةَ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرَّابِعَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْخَامِسَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ سِوَى الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالثَّالِثَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَتَوَضَّأُ وَالْخَامِسَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالسَّادِسَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الثَّانِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي السَّادِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى وَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ فِي الْخَامِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي هَاتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ نَاسِيَةٍ وَإِنْ قَالَتْ وَكُنْتُ فِي
السَّادِسِ حَائِضًا فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ

(2/486)


وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ وَكُنْت فِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْخَامِسُ حَيْضٌ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الثَّانِي طَاهِرًا وَفِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَكَذَا الْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَتَغْتَسِلُ فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْت طَاهِرًا فِي طَرَفَيْ الشَّهْرِ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ اللَّحْظَةُ مَعَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الْآتِي طُهْرٌ
* [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ حَيْضِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَا أَعْلَمُهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَكُونُ حَائِضًا فِي الْعَاشِرِ فَتَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَيَكُونُ الْعَاشِرُ حَيْضًا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ عَشَرَ ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ لَا أَعْلَمُهَا وَكُنْت حَائِضًا فِي السَّادِسِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِي عَشَرَ فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ الْحَادِيَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِيَ عَشَرَ فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأَحَدَ عَشَرَ قَبْلَهَا تَتَوَضَّأُ وَمِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ

(2/487)


عَشَرَةٌ وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ حَائِضًا فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَمِنْ أَوَّلِ السَّادِسِ إلَى آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ
وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي وان قالت وكنت فِي الْعَاشِرِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ النَّاسِيَةِ [فَرْعٌ] إذَا قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ لَا أَعْلَمُ مَوْضِعَهُمَا وَلَا قدرهما: قال المصنف رحمه الله قال ذكر الشيخ أبو حامد أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضا يوم من أول الشهر أو آخره ويوم وليلة من أول الشهر أو آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهر أو يحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين لانه ان كانت ابتداء الطهر في اليوم الثاني فالسادس عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وقال شيخنا القاضي أبو الطيب هذا خطأ لانا إذا نزلنا هذا التنزيل لم يجز ان يكون ذلك حالها في الشهر الذى بعده بل يجب ان تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

(2/488)


وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وكذا قطع بما قاله أبو حامد وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ الاخير حيضا فيعقبه خمسة عشر طهرا مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي مَا يَسَعُ حَيْضَتَيْنِ قَالَ وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طهر بيقين ليس بِصَحِيحٍ فِيمَا سِوَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَالَ فَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَتْهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ لَا تَحْفَظُ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي حَيْضَتَانِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا في ذلك الشهر بِعَيْنِهِ مَا ذَكَرَهُ وَتَكُونُ فِيمَا سِوَاهُ مُتَحَيِّرَةً هَذَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ: وَهَذَا الْإِنْكَارُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ عَلَى أَبِي حَامِدٍ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ مِنْ عِبَارَةِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ وَاَلَّذِي رَأَيْته أَنَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ إذَا قَالَتْ
لِي حَيْضَتَانِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَقْتَضِي تَكَرُّرَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ: وَأَعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرْفَعُ مَحَلًّا وَأَعْظَمُ مَرْتَبَةً مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْهُ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَقَلِّ مُتَفَقِّهٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ علي ما نَقَلْته عَنْ تَعْلِيقِهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ حَيْضَتَانِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا سَبَقَ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ هَذَا وَعِبَارَتُهُ تقتضيه: وأما عِبَارَةُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهَا لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ أَحِيَضُهُ حَيْضَتَانِ وَكُنْتُ أَحِيضُ فِي صَفَرٍ وَجُمَادَى

(2/489)


وَشَوَّالٍ مَثَلًا فَحَصَلَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ خِلَافٌ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمَانِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَيَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيُحْتَمَلُ عكسه يحتمل أَنَّهُ أَرْبَعَةٌ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَكَذَا خَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَمَا بَعْدَهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْمَقْصُودُ حَيْضَتَانِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يُفَكِّرُ أَنَّ الطُّهْرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَتَوَضَّأُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَرْعًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ يَعْنِي شَهْرًا مُعَيَّنًا حَيْضَتَانِ وَلِي فِيهِ طُهْرٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَصَارَ لَهَا طُهْرَانِ وَقَدْ قَالَتْ طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَا احْتَمَلَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ

(2/490)


أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا طُهْرٌ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَيْضًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَعَ لَيْلَتِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعِ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ السَّابِعَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ هُنَا قَبْلَ آخِرِ الشهر لانه لو انقطع لم يبقى بَعْدَهُ طُهْرٌ كَامِلٌ وَلَصَارَ لَهَا فِي الشَّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ طُهْرٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله [وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت فان كانت ذاكرة لوقت ابتدائه بان قالت كان ابتداء حيضى من اول يوم من الشهر حيضناها يوما وليلة من أول الشهر لانه يقين ثم تغتسل بعده وتحصل في طهر مشكوك فيه الي آخر الخامس عشر فتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل فريضة وان كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بان قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة ثم تحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر التاسع والعشرين فتتوضأ لكل فريضة لانه لا يحتمل انقطاع الحيض ولا يجب الغسل الا في آخر الشهر في الوقت الذى تيقنا انقطاع اليحض فيه وان قالت كان حيضي في كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النصفين ويوما في الآخر ولا أدرى أن اليوم في النصف الاول أو الاربعة عشر فهذه يحتمل أن يكون اليوم في النصف الثاني والاربعة عشر في النصف الاول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثاني من الشهر وآخره تمام السادس عشر ويحتمل أن يكون الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي النصف الثاني

(2/491)


فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون فاليوم الاول والآخر
من الشهر طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بيقين ومن الثاني إلى الخامس عشر طهر مشكوك فيه ومن أول السابع عشر الي آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه فتغتسل في آخر السادس عشر وفي آخر التاسع والعشرين لانه يحتمل انقطاع الدم فيهما وعلي هذا التنزيل والقياس فان قالت كان حيضى خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر من يوم فالحكم فيه كالحكم في المسألة قبلها الا في شئ واحد وهو أن ههنا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة بعد السادس عشر لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فيكون ذلك الوقت وقت انقطاع الحيض إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بعينه من اليوم فتغسل فيه في مثله]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ فِيمَا إذَا ذَكَرَتْ الابتداء والانقطاع فظاهرتان وحكمهما مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ قَوْلِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ آخر الشهر بلحظة لم ينته الطهر الا آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ بَلْ يَجِبُ تَرْكُ لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِهِ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ فِي لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَمَّا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ وَيَوْمًا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا أَدْرِي هَلْ الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الاول والاربعة عشر في الْآخَرِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَوْمُ فِي الْآخَرِ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ أَوَّلِ الثَّانِي إلَى آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَتَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّابِعَ عَشَرَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا يَوْمَيْنِ طُهْرًا بِيَقِينٍ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَيَوْمَيْنِ حَيْضًا وَهُمَا الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَعَلَيْهَا غُسْلَانِ وَلَهَا زمنان مشكوك فيهما تتوضأ فِيهِمَا وَهُمَا مَا بَيْنَ الثَّانِي وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْأَخِيرِ فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فَائِتَةً فِي أَحَدِ الشَّكَّيْنِ لَمْ يُجْزِهَا فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فِي الشَّكَّيْنِ جَمِيعًا أَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طُهْرٌ

(2/492)


بِيَقِينٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَإِنْ أَرَادَتْ قَضَاءَ مَا فَاتَهَا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ شَهْرًا غَيْرَ يَوْمَيْ الْحَيْضِ وَأَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا يَوْمَا الطُّهْرِ مَعَ أَحَدِ الشَّكَّيْنِ أَمَّا إذَا قَالَتْ حيضى خمسة عشرا خلط أحد النصفين بالآخر بيومين لا أعرف في أَيُّهُمَا الْيَوْمَانِ وَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ سِوَى مَا ذَكَرْنَا ولو قالت حيضى خمسة عشرا خلط بِثَلَاثَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهِ وَثَلَاثَةُ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَسِتَّةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وهكذا كلما زاد الخلط يوما زاد اليقين بالحيض يَوْمَيْنِ فِي الْوَسَطِ وَزَادَ يَقِينُ الطُّهْرِ يَوْمًا فِي كُلِّ طَرَفٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ مِنْهَا بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلَانِ وَالْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأُولَى وَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا فَتَتَوَضَّأُ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ

(2/493)


وَالسَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ وَلَا أَدْرِي هَلْ كُنْتُ أَخْلِطُ بِأَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ أَمْ لَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ قَالَتْ أَخْلِطُ بِيَوْمٍ فَقَطْ ولا يخالفها الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِجُزْءٍ فَقَطْ فَلَهَا جُزْءٌ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَجُزْءٌ مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ طُهْرٌ بيقين ولا تترك بسبب هذين الجزءين صَلَاةً وَيَبْطُلُ صَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ لِحُصُولِ الْحَيْضِ
فِي آخِرِهِ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَالَتْ لَا أَدْرِي هَلْ كُنْت أَخْلِطُ بِجُزْءٍ أَمْ بِأَكْثَرَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا هُنَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَنْ يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِاحْتِمَالِ الْخَلْطِ بِأَكْثَرَ مِنْ جُزْءٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ وَالْكَسْرُ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلُ وَنِصْفُ الثَّانِي طُهْرٌ وَمِنْ نِصْفِ الثَّانِي إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْعِدَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ثَلَاثًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ كُلِّ عشرة ويحرم وطؤها مادام هَذَا حَالُهَا فَإِنْ أَرَادَتْ طَوَافًا طَافَتْ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَصَاعِدًا أَوْ طَافَتْ فِي يَوْمَيْنِ متلاصقين

(2/494)


* مِنْ طَرَفَيْ عَشَرَتَيْنِ وَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يَوْمَ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَرْبَعًا أَوْ خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانية أَوْ تِسْعًا مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ قَدْرَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ كُنْت أَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ إحْدَى خَمْسَاتِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَلَا أَعْلَمُ هَلْ الْيَوْمَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَيْسَ لَهَا فِي الشَّهْرِ حَيْضٌ مُتَيَقَّنٌ زمانه واليومان الاولان والآخران من الشهر طهر بِيَقِينٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَتَغْتَسِلُ عَشَرَةَ أَغْسَالٍ عَقِبَ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَالثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِيهَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ
الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ السَّابِعِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّامِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَبَاقِي التَّقْدِيرَاتِ ظَاهِرٌ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ كل خمسة
*

(2/495)


(فَرْعٌ)
قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَوْمَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت أَخْلِطُ نَهَارَ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِلَحْظَةٍ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى مُضِيِّ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ الرَّابِعِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَهُ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مِنْ لَيْلَةِ السَّادِسِ وَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِ السَّادِسِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّحْظَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ السَّابِعِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ لَا أَعْرِفُ قَدْرَ حَيْضِي وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مَعَ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ وَأَخْلِطُ أَحَدَ نِصْفَيْ الشَّهْرِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَى المذكور
*

(2/496)


(فَرْعٌ)
قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَطُهْرِي عِشْرُونَ مُتَّصِلَةٌ فَالْعَشَرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْأُولَى وَالثَّالِثَةُ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِمَا (فَرْعٌ)
قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ مِنْهَا السَّادِسُ أَوْ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ طُهْرٌ أَيْضًا وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ
إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ وَعَقِبَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ كُنْت أَخْلِطُ الْعَشَرَةَ الْأُولَى بِالْوُسْطَى بِيَوْمٍ وَالْوُسْطَى بِالْأَخِيرَةِ بِيَوْمٍ وَلَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي فَلَهَا اثنى عَشَرَ يَوْمًا حَيْضٌ وَهِيَ الْعَاشِرُ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَهَا سِتَّةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ أَخْلِطُ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ بِالثَّالِثَةِ وَالثَّالِثَةَ بِالرَّابِعَةِ فَلَهَا سَبْعَةٌ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهِيَ الْعَاشِرُ إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَلَهَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَمِنْ أَوَّلِ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعَ عَشَرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا أَعْلَمُهَا وَكَانَ حَيْضِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَصَامَتْ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ سِتَّةً مُتَوَالِيَةً وَأَجْزَأَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ تَقْلِيلَ الصَّوْمِ فَأَقَلُّ

(2/497)


مَا يَجْزِيهَا صِيَامُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ يَوْمَانِ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ فَيَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْطُلُ إلَّا يَوْمٌ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا أَعْلَمُ مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ الدَّمُ وَصَامَتْ رَمَضَانَ فَسَدَ ستة أيام لاحتمال الطرآن لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَتَصُومُ لَهُ بَعْدَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مُتَتَابِعَةً يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا سِتَّةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنْ أَرَادَتْ تَفْرِيقَ الْقَضَاءِ وَتَقْلِيلَ الصَّوْمِ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً فَتَكُونُ قَدْ صَامَتْ مِنْ الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَبْقَى يَوْمَانِ فَتَصُومُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَصُومُ الْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ ظَاهِرٌ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ الْفُورَانِيَّ فِيهِ فَغَلِطَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَلَهَا صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لَمْ يَجُزْ النَّافِلَةُ إلَّا بِالْغُسْلِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ تَسْتَبِيحَ النَّافِلَةَ بِغُسْلِ الْفَرِيضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ تَنْزِيلِ الْمَسَائِلِ وَأَحْكَامِهَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ فِرَقُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُمْ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَذَكَرَ طَرِيقَةً عَجِيبَةً مُخَالِفَةً لِلْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ فَقَالَ إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةٌ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْمُبْتَدَآتِ فِي أَنْ تَحِيضَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ

(2/498)


أَوْ سَبْعٌ ثُمَّ الزَّمَنُ الْمَرْدُودُ إلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا لِأُنَبِّهَ عَلَى فَسَادِهَا لِئَلَّا يغتر بها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [هذا الذى ذكرناه في المستحاضة إذا عبر دمها الخمسة عشر ولم يتخللها طهر فاما إذا تخللها طهر بأن رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر فهى مستحاضة: وقال ابن بنت الشافعي رحمه الله الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم في الخمسة عشر حيضا وفى النقاء الذى بينهما قولان في التلفيق لانا حكمنا في اليوم السادس عشر لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة وما بعده ليس بحيض بل هو طهر فكان بمنزلة مالو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة لانه لو كان النقاء في اليوم السادس عشر يميز لوجب أن يميز في الخمسة عشر كالتمييز باللون فعلى هذا ينظر فيها فان كانت مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثم ترى النقاء عشرة أيام ثم ترى يوما وليلة دما أسود ثم أحمر فترد إلى التمييز فيكون الحيض أيام الاسود وما بينهما علي القولين وان كان لها عادة في كل شهر خمسة أيام ردت إلى عادتها فان قلنا لا يلفق كانت الخمسة كلها حيضا وان قلنا يلفق كانت أيام الدم حيضا وذلك ثلاثة أيام ونقص يومان من العادة ومن أصحابنا من قال يلفق لها قدر العادة من الخمسة عشر يوما فيحصل لها خمسة أيام من تسعة أيام وان كانت عادتها ستة أيام فان قلنا لا يلفق كان حيضها خمسة أيام لان اليوم السادس من أيام العادة لا دم
فيه لان الدم في الافراد فلم يجز أن يجعل حيضا لان النقاء انما يجعل حيضا علي هذا القول إذا كان واقعا بين الدمين فعلى هذا ينقص من عادتها يوم وإذا قلنا يلفق من أيام العادة كان حيضها ثلاثة أيام وينقص يومان وإذا قلنا يلفق من خمسة عشر حصل لها ستة أيام من أحد عشر يوما وان كانت عادتها سبعة أيام فان قلنا أن الجميع حيض كان حيضها سبعة أيام لا ينقص منها شئ لان اليوم السابع دم فيمكن استيفاء جميع أيام عادتها وان قلنا يلفق لها من أيام العادة كان حيضها

(2/499)


أربعة أيام وان قلنا يلفق من خمسة عشر كان لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يوما وعلي هذا القياس وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة ففيها قولان أحدهما ترد إلى يوم وليلة فيكون حيضها من أول ما رأت يوما وليلة والباقى طهر وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فهي كمن عادتها ستة أيام أو سبعة أيام وقد بيناه فأما إذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم تجاوز الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ وقال بعض أصحابنا هذه مستحاضة هذه لا يثبت لها حكم الحيض حتى يتقدم لها اقل الحيض ومنهم من قال لا يثبت لها حكم الحيض الا ان يتقدمه اقل الحيض متصلا ويتعقبه اقل الحيض متصلا والصحيح هو الاول وانها علي القولين في التلفيق فإذا قلنا لا يلفق حصل لها أربعة عشر يوما ونصف يوم حيضا وإذا قلنا يلفق حصل لها سبعة أيام ونصف حيضا.
وما بينهما من النقاء طهر وان جاوز الخمسة عشر كانت مستحاضة فترد الي التمييز ان كانت مميزة أو الي العادة ان كانت معتادة وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة فان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع كان ذلك كالعادة وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قلنا لا يلفق فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا يوم وليلة من غير تلفيق وان قلنا يلفق من أيام العادة لم يكن لها حيض لان اليوم والليلة كأيام العادة ولا يحصل لها من اليوم والليلة اقل الحيض وان قلنا يلفق من الخمسة عشر لفق لها مقدار يوم وليلة من يومين وليلتين وان رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر فان كان الدم بمجموعه يبلغ اقل الحيض فقد قال أبو العباس وابو اسحق فيه قولان في التلفيق وان كان لا يبلغ بمجموعه اقل الحيض مثل أن ترى ساعة دما ثم ينقطع ثم ترى في آخر الخامس عشر ساعة دما
قال أبو العباس إذا قلنا يلفق فهو دم فساد لانه لا يتلفق منه ما يكون حيضا وإذا قلنا لا يلفق احتمل وجهين أحدهما يكون حيضا لان زمان النقاء على هذا القول حيض فلا ينقص الحيض عن أقله بل الخمسة عشر حيض والثاني لا يكون حيضا لان النقاء انما يكون حيضا علي سبيل التبع للدم والدم لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض فلم يجعل النقاء تابعا له وان رأت ثلاثة أيام دما وانقطع فالاول حيض لانها رأته في زمان امكانه والثانى دم فساد ولا يجوز أن يجعل ابتداء الحيض لانه

(2/500)


لم يتقدمه أقل الطهر ولا يمكن ضمه إلى ما رأته قبل الخمسة عشر لانه خارج عن الخمسة عشر وان رأت دون اليوم دما ثم انقطع الي تمام الخمسة عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما فان الحيض هو الثاني والاول ليس بحيض لانه لا يمكن اضافته إلى ما بعد الخمسة عشر ولا يمكن أن يجعل بانفراده حيضا لانه دون أقل الحيض]
* [الشَّرْحُ] ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عثمان بن شافع ابن السايب كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَقَعُ فِي اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ تَخْبِيطٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ لَك مُحَقَّقًا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ إمَامًا مُبَرَّزًا لَمْ يَكُنْ فِي آلِ شَافِعٍ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ وَسَرَتْ إليه بركة جده وعلمه وقد بسطت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الطَّبَقَاتِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ يُقَالُ لَهُ فَصْلُ التَّلْفِيقِ وَيُقَالُ فَصْلُ التَّقَطُّعِ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَخَّرْتُ أَنَا شَرْحَ تِلْكَ الْقِطْعَةِ إلَى هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَهَا حَالَانِ إحْدَاهُمَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا وَلَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي يُجَاوِزُهَا (الْحَالُ الْأَوَّلُ) إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ حَيْضٌ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ التَّلْفِيقِ وَقَوْلَ اللَّقْطِ وَالثَّانِي أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ كِلَاهُمَا حَيْضٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ السَّحْبِ وَقَوْلَ تَرْكِ التَّلْفِيقِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فَصَحَّحَ قَوْلَ التَّلْفِيقِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ قَوْلَ
السَّحْبِ فَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَقَالَ فِي مناظرة جرت

(2/501)


بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ فَخَرَّجَهَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَحْوَ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِنْ أصحابنا من قال الجميع حيض قولا واحد وَأَمَّا ذِكْرُهُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَانَ مُنَاظَرَةً وَقَدْ يَنْصُرُ الْإِنْسَانُ فِي الْمُنَاظَرَةِ غَيْرَ مَذْهَبِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ فَقَدْ غَلِطَ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِطَرِيقَتِهِ هذه الشاذة مستندا فحصل في المسألة ثلاث طُرُقٍ
* أَحَدُهَا الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالسَّحْبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ وَالثَّالِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ
* وَبِالتَّلْفِيقِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَبِالسَّحْبِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَنَا قَوْلُ السَّحْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةً وَسِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَيَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَعَشَرَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي أَيَّامِ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمِ الْقَوْلَانِ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ وَقُلْنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضٍ فَهِيَ كَتَخَلُّلِ النَّقَاءِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ حُمْرَةٌ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَطْعًا
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ والطواف والقراءة والغسل والاعتكاف والوطئ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّقَاءَ لَيْسَ بِطُهْرٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِ الطَّلَاقِ سُنِّيًّا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ يَوْمٍ طُهْرًا كَامِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ دَمٍ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا وَلَا كُلُّ نَقَاءٍ طُهْرًا مُسْتَقِلًّا بَلْ الدِّمَاءُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَاحِدٌ يُعْرَفُ وَالنَّقَاءُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ وَاحِدٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا
وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إذَا رَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَمِلَتْ عَمَلَ الطَّاهِرَاتِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ تَلْفِيقٍ لِاحْتِمَالِ دَوَامِ الِانْقِطَاعِ قَالُوا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَصُومَ وَتُصَلِّيَ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ

(2/502)


وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالِاعْتِكَافُ وَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَلَا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ فَإِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي اليوم الثالث تبينا انها ملفقة فان قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ واباحة الوطئ وَغَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ الْعِبَادَاتِ التي فعلتها في اليوم الثاني فيحب عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ الْمَفْعُولَاتِ عَنْ وَاجِبٍ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صَلَّتْ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ لِأَنَّهُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا صَلَاةَ فِيهِ
* وَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ نَفْلًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهَا ثَوَابٌ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَلَا ثَوَابَ عَلَى نَفْسِ الصَّوْمِ إذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا ونتبين ان وطئ الزَّوْجِ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَكِنْ لَا إثْمَ لِلْجَهْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَى الرَّابِعَ عَشَرَ وَجَبَ الِاغْتِسَالُ والصلاة والصوم وحل الوطئ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَعُدْ الدَّمُ فَكُلُّهُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ عَادَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ النَّقَاءَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ وَقُلْنَا أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضٌ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِانْتِظَارِ عَوْدِ الدَّمِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُمْسِكُ فِي النَّقَاءِ الثَّالِثِ وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَقَدْ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ: فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي فَرَأَتْ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَلَيْلَتَهُ دَمًا وَالثَّانِيَ وَلَيْلَتَهُ نَقَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهَا أَبَدًا كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ نَقَاءٍ وَتَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ
وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ فقد علمنا

(2/503)


التَّقَطُّعَ بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَلَا تَغْتَسِلُ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ تَثْبُتُ عَادَةُ التَّقَطُّعِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِالْعَادَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ فَلَا تَغْتَسِلُ فِي النَّقَاءِ وَلَا تَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ وَلَا تُوطَأُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَرْجِيحِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنْ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فِرَقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَوْ تَقَطَّعَ دَمُهَا مِرَارًا فِي شُهُورٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ بِلَا تَقَطُّعٍ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ بِتَقَطُّعِ الْحَيْضِ حَتَّى يُلْتَقَطَ لها حيضا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيُحْكَمُ بِتَخَلُّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ قَالَ فَإِذًا كُلُّ دَوْرٍ فِي التَّقَطُّعِ يُقَدَّرُ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّقَطُّعِ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ حِينًا فَبِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى عوده بعيد هذا كله إذا كان المنقطع فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ يَزِيدُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَانْقَطَعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا نِصْفَ يَوْمٍ وَنِصْفَ يَوْمٍ نَقَاءً تَكُونُ ذَاتَ تَلْفِيقٍ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَالنَّقَاءُ كُلُّهُ حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يعد فالدم الذى رأته دم فساد عليها أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ وَبَاقِي الِانْقِطَاعَاتِ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ صَارَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ إذَا رَأَتْ دَمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ نَقَاءً كَذَلِكَ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ السَّحْبِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ لَا
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى النَّاسِيَةِ احْتِيَاطًا وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَأَمَّا سَائِرُ الِانْقِطَاعَاتِ فَإِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ مَا سَبَقَ مِنْ الدَّمِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُكْمُ الدَّوْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأُولَى أَمَّا إذَا

(2/504)


لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً وهكذا الي آخر الخامس عشر ففيه ثلاثة طُرُقٍ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ مِنْهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ كَمَا إذَا بَلَغَ كُلُّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا أَنْصَافُ الدَّمِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ النَّقَاءَ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا حَيْضَ لَهَا وَكُلُّ ذَلِكَ دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ إنْ تَوَسَّطَ قَدْرُ أَقَلِّ الْحَيْضِ مُتَّصِلًا جَرَى الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ أَمَّا إذَا بَلَغَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ فَثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَيْضًا أَصَحُّهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَهُ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّالِثُ إنْ بَلَغَ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ فَهُوَ وَمَا سِوَاهُ حَيْضٌ وَإِنْ بَلَغَ الْآخَرُ الْأَقَلَّ فَهُوَ حَيْضٌ دُونَ مَا سِوَاهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا بلغ مجموع الدماء اقل الحيض فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ بِأَنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً ثُمَّ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَجْمُوعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا حَيْضَ لَهَا بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالثَّانِي أَنَّ الدِّمَاءَ وَمَا بَيْنَهَا حَيْضٌ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا حَيْضَ: فَحَصَلَ فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الدَّمَيْنِ لِيَجْعَلَ ما بينهما حيضا علي قَوْلِ السَّحْبِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ قَدْرَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُ كُلِّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ سريج وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْمَحْمُودِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُصَنِّفُونَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ بَالِغًا أَقَلَّ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ دَمًا نَاقِصًا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَدَمَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَ نَاقِصَيْنِ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالْآخَرَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الانماطى لا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ نِصْفَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يُفَرَّعُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّحْبِ وَالرَّابِعُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ
لَكِنْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَوَّلِهِمَا الْأَقَلَّ وَالْخَامِسُ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَحَدِهِمَا الْأَقَلَّ أَيَّهُمَا كَانَ وَالسَّادِسُ يشترط

(2/505)


الْأَقَلُّ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ أَوْ الْوَسَطِ
* [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ هُمَا فيما إذا كان النقاء زائد عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ فَأَمَّا الْفَتَرَاتُ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ الْجُمْهُورُ لَمْ يَضْبِطُوا الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْ الْفَتَرَاتِ وَالنَّقَاءِ وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا وَتَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَدْتُ ضَبْطَهُ فِي أَتْقَنِ مَظَانِّهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَكْمَلِهَا وَأَصْوَنِهَا فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو إسحق مُصَنِّفُ الْكِتَابِ فِي تَعَالِيقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى لَوَثٌ وَأَثَرٌ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا قُطْنَةً يَخْرُجُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّمِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَائِضٌ قَوْلًا وَاحِدًا طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ وَالنَّقَاءُ هُوَ أَنْ يَصِيرَ فَرْجُهَا بِحَيْثُ لَوْ جَعَلَتْ الْقُطْنَةَ فِيهِ لَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ فَهَذَا مَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالشُّيُوخُ الثَّلَاثَةُ وَلَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي وُضُوحِهِ وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ والوثوق بقابليته وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَضْبِطُوا ذَلِكَ وَإِنَّ مُنْتَهَى الْمَذْكُورِ فِيهِ أَنَّ مَا يُعْتَادَ تَخَلُّلُهُ بَيْنَ دَفَعَاتِ الدَّمِ فَهُوَ مِنْ الْفَتَرَاتِ وَمَا زَادَ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِقَدْرِ الْفَتْرَةِ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* الْحَالُ الثَّانِي: إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً وَهَكَذَا حتى جاوز خمسة عشر متقطعا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمُلْتَقَطِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ ذَاتُ تَقَطُّعٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

(2/506)


المتقدمين والمتأخرين وقال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَتْ
مُسْتَحَاضَةً بَلْ السَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَأَمَّا الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ أَحَدُهُمَا السَّحْبُ فَتَكُونُ كُلُّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَالثَّانِي التَّلْفِيقُ فَتَكُونُ أَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا وَالنَّقَاءِ طُهْرًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ هُوَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ دَمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَمَّا بَعْدَهَا فَكَانَتْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً فَالسَّادِسَ عَشَرَ يَكُونُ نَقَاءً فَلَوْ اتَّصَلَ الدَّمُ بِالدَّمِ بِأَنْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ سِتَّةً دَمًا فَالسَّادِسَ عَشَرَ فِيهِ دَمٌ مُتَّصِلٌ بِدَمِ الْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ وَافَقَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَصْحَابَ وَقَالَ هِيَ فِي الْجَمِيعِ مُسْتَحَاضَةٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ وَغَلِطَ فِيهِ ابْنُ سُرَيْجٍ فَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَأَيْتُ الْحُذَّاقَ لَا يَعُدُّونَ قَوْلَهُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَذْهَبِ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً ثُمَّ تَرَى بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَتُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا دَمًا أَحْمَرَ فَهَذِهِ الْمُمَيِّزَةُ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَيَكُونُ الْعَاشِرُ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرًا وَفِي التِّسْعَةِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالتِّسْعَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهَا الْعَاشِرُ لِمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ أَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ رَأَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْحُمْرَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ تَخَلُّلِ النَّقَاءِ بَيْنَهَا فَهِيَ أَيْضًا مُمَيِّزَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ السَّوَادِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّهَا حَيْضٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ

(2/507)


الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ وَضَابِطُهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضَهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ وَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا الْقَوِيُّ دُونَ الْمُتَخَلِّلِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّمْيِيزِ هُوَ عَلَى
إطْلَاقِهِ إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ مَنْ اجْتَمَعَ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُعْتَادَةً وَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْحَالِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التَّمْيِيزُ تَمْيِيزًا مُعْتَبَرًا كَمَا مَثَّلْنَاهُ فَأَمَّا إنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا يَوْمًا وَيَوْمًا إلَى آخِرِ الشهر فهذه وان كانت صورة مميزة فلبست مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ أَحَدِ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَهُوَ أَلَّا يُجَاوِزَ الدَّمُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ نُظِرَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَصَارَ كَأَنَّ الدِّمَاءَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً فَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فَتُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ ذَاتُ التَّقَطُّعِ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ حَافِظَةٌ لِعَادَتِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهَا أَيَّامُهَا مُتَّصِلَةٌ لَا تَقَطُّعَ فِيهَا فَتُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ كُلُّ دَمٍ يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ جَمِيعُهُ حَيْضًا فَإِنْ كَانَ آخِرُ أَيَّامِ الْعَادَةِ نَقَاءً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَأَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ عَادَتِهَا وَفِيمَا يُلْتَقَطُ مِنْهُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُلْتَقَطُ ذَلِكَ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يُبَالَى بِمُجَاوَزَةِ الْمَلْقُوطِ مِنْهُ قَدْرَ الْعَادَةِ وَالثَّانِي يُلْتَقَطُ مَا أَمْكَنَ مِنْ زَمَانِ عَادَتِهَا وَلَا يُتَجَاوَزُ ذَلِكَ وَلَا يُبَالَى بِنَقْصِ قَدْرِ الْحَيْضِ عَنْ الْعَادَةِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ: كَانَ عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى دَمًا وَنَقَاءً وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ

(2/508)


فَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَنَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمَانِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَمَا سِوَاهَا طُهْرٌ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي ويكون السادس وما بعد طُهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَيَكُونُ قَدْ نَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمٌ وَإِنْ قُلْنَا تُلَفِّقُ
مِنْ عَادَتِهَا فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا سَبْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَمَانِيَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ السَّبْعَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا تِسْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَنَقَصَ مِنْ الْعَادَةِ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُ السَّابِعَ عَشَرَ لِمُجَاوَزَتِهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِلَّا فَالْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَأَحَدَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وان لقطنا من العادة فافراها وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ العادة أو الامكان فأفرادها الثمانية قال الْغَزَالِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا نَأْمُرُهَا فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلَ أَنْ تَحِيضَ أَيَّامَ الدِّمَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً والله اعلم
*

(2/509)


(الْحَالُ الثَّالِثُ) : أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ عَادَتُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ سَوَاءٌ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا صَلَّتْ وَصَامَتْ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَرَكَتْ الصَّوْمَ
وَالصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ الدَّمِ كَمَا أَمَرْنَاهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ صِيَامِ أَيَّامِ الدَّمِ وَصَلَوَاتِهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ وَأَمَّا صَلَوَاتُ أَيَّامِ النَّقَاءِ وَصِيَامُهَا فَلَا تَقْضِيهِمَا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ فَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّهَا صَامَتْ مُتَرَدِّدَةً فِي صِحَّتِهِ فَلَا يُجْزِئُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَصِحَّ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ شُهُورِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا إنْ حَكَمْنَا بِاللَّقْطِ لم تقض من الخمسة عشر الا صَلَوَاتِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَصِيَامَهَا إنْ رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ سِوَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْ بِاللَّقْطِ أَيَّامَ الْعَادَةِ وَكَانَ الرَّدُّ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ رُدَّتْ إلَى سَبْعٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ جَاوَزْنَاهَا وَرُدَّتْ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ يَوْمَيْنِ (7) [الْحَالُ الرَّابِعُ] النَّاسِيَةُ وَهِيَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَوَقْتِهَا وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فَعَلَى هَذَا فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ احْتَاطَتْ فِي أَزْمِنَةِ الدَّمِ بِالْأُمُورِ السَّابِقَةِ فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ بِلَا فَرْقٍ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ والانقطاع ونحتاط في ازمة النَّقَاءِ أَيْضًا إذْ مَا زَمَانٌ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أن يكون حيضا لكن لا يلزمها بغسل فِي وَقْتٍ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُطَبِّقَةُ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ أَيْضًا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ لِتَجَدُّدِ خُرُوجِ الْحَدَثِ وَلَا تَجَدُّدَ فِي النَّقَاءِ فَيَكْفِيهَا لزمان
__________
(7) وجدنا بهامش بعض النسخ دون بعض عبارة طويلة وفى آخرها لفظ صح وقد ضاع بعض سطورها ولما كانت هذه العبارة للرافعي في الشرح نقلناها بالهامش من نفس الشرح قال رحمه الله بعد قوله من يومين (وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما إذا حكمنا بالسحب فان رددناها إلى يوم واحد قضت صلوات سبعة أيام وهي أيام الدم سوي اليوم الاول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان اظهرهما لا تقضي الا صيام ثمانية أيام وهى أيام الدم كلها والثانى تقضي صيام الخمسة عشر ولفظ الوشيط تعبيرا عن القول الاول أنه لا يلزمها الا قضاء تسعة في رمضان لانها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الاول ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فإذا حسبنا سبعة بقى تسعة والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وانما تلزم الستة عشر إذا أمكن انبساط اكثر الحيض على الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذى
نتكلم فيه وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام وهي أيام الدماء التى لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في المرد ثلاثة وان ردت إلى سبع قضت صلوات أربعة أيام وأما الصوم فعلى أحد القولين تقضي صيام الخمسة عشر جميعا وعلي أطهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدم في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما) اه

(2/510)


النَّقَاءِ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَعَلَيْهَا الِاحْتِيَاطُ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الدَّمِ وَعِنْدَ كُلِّ انْقِطَاعٍ وَأَمَّا أَزْمِنَةُ النَّقَاءِ فَهِيَ فِيهَا طَاهِرَةٌ في الوطئ وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ: الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَذَكَرَتْ وَقْتَهَا أَوْ نَسِيَتْ الْوَقْتَ وَذَكَرَتْ الْقَدْرَ فَتَحْتَاطُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ مَعَ رِعَايَةِ مَا نَذْكُرهُ: مِثَالُهُ قَالَتْ أَضْلَلْتُ خَمْسَةً فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا يَوْمًا وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ طُهْرٌ لِأَنَّهُ نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دمى حيضى وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِتَعَذُّرِ الِانْقِطَاعِ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْخَامِسِ وَالسَّابِعِ وَالتَّاسِعِ لِجَوَازِ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَهَلْ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي أَثْنَاءِ السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَسَطِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ وَقَوْلُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَوْ فُرِضَ فِي الْوَسَطِ هُنَا لَزِمَ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِي أَوْ الرَّابِعِ وَهِيَ نَقِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَيَّامَ الْعَادَةِ فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ فِي كُلِّ حُكْمٍ وَأَنَّهَا تَغْتَسِلُ عَقِبَ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدَّمِ في جميع المدة لان المنقطع حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزْنَا أَيَّامَ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ عَلَى تَقْدِيرِ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهِ إلَى الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ لَهَا إلَّا يَوْمَانِ دَمًا وَهُمَا السَّابِعُ وَالتَّاسِعُ فتضم اليهما الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَهِيَ إذًا حَائِضٌ فِي السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهِمَا فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلُهُ نَقَاءً أَمَّا إذَا انْقَطَعَ نِصْفُ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفُهُ نَقَاءً وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَرَى نِصْفَ السَّادِسِ دَمًا
أَحْمَرَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ السَّابِعَ وَمَا بَعْدَهُ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَتْ أَنْصَافُ السَّوَادِ حَيْضًا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ الْقَوْلَانِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ من الْحُمْرَةُ وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أنه

(2/511)


لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ أن يتصل الدم يوم وَلَيْلَةً وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةِ رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَرَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ وَنِصْفٌ وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ فِي الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى ست أو سبع فهى كمن عادتها سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ لَقَطْنَا لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ مَعَ اللَّيْلَةِ نَقَاءً لَفَّقْنَا الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا ونصفهما نَقَاءً لَفَّقْنَا مِنْ يَوْمَيْنِ: هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ نحيضها يوما وليلة وان تَرَ الدَّمَ فِي جَمِيعِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ الْإِمْكَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَمَا بَيْنَهُمَا لِمُجَاوَزَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ طُهْرٍ وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْآخَرُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ رَأَتْ دَمًا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الامكان ولا يصم الْأَوَّلُ إلَيْهِ لِمُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ تَمَامَ خَمْسَةَ
عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا فَالدَّمَانِ جَمِيعًا دَمُ فَسَادٍ وَلَا حَيْضَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ لَا يَسْتَقِلُّ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّهُ إلَى الْآخَرِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَقَدْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ دَمًا فِي أَوَّلِهَا يَوْمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمًا فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا الدَّمُ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَيْضًا الثَّانِي وَأَمَّا

(2/512)


الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَإِنْ لَفَّقْنَا فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيَّضْنَاهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ فَيَتِمُّ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ بِلَيْلَتِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ وَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دَمَ فَسَادٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ يَوْمَيْنِ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا وَانْقَطَعَ وَاسْتَمَرَّ الطُّهْرُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ أَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا سِتَّةُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةً نَقَاءً ثُمَّ الْعَاشِرَ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ الدَّمِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَسَبْعَةً نَقَاءً وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ الدَّمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ التَّقَطُّعُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمُبْتَدَئِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالُوا لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا ثُمَّ لَمْ تَزَلْ هَكَذَا حَتَّى رَأَتْ السَّادِسَ عَشَرَ دَمًا وَانْقَطَعَ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ الدَّمِ هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى السادس عشر فان جاوز فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ بنت الشافعي رضى الله عنهم فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ
الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعُ إذْ لَيْسَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ دَمٌ سِوَاهُمَا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الْعَادَةِ أَمْ بِزَمَنِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ: أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَانِهَا فَيَكُونُ حَيْضُهَا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ

(2/513)


وَالرَّابِعَ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ إلَيْهَا لِأَنَّهُمَا نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ: وَالثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِهَا وَلَا تُبَالِي بِمُجَاوَزَةِ الزَّمَانِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فَحَصَلَ فِي حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ: وَالْوَجْهُ الرابع أنه الثاني والثالث والرابع الخامس وَالسَّادِسُ: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا بِيَوْمٍ وَرَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَالدَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالنَّقَاءَ فِي الثَّالِثِ وَالدَّمَ فِي الرَّابِعِ وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ لفقنا من العادة فحيضها اليوم الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَقَطْ إذْ لَيْسَ فِي زَمَنِ العادة دم سواهما وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْحَيْضِ الْيَوْمَ الَّذِي سَبَقَ الْعَادَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ الشَّهْرِ
* قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَعَلَى هَذَا يُلَفَّقُ لَهَا خَمْسَةٌ وَهِيَ أَيَّامُ الدِّمَاءِ آخِرُهَا الثَّامِنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي لَفَّقْنَا لَهَا خَمْسَةً آخِرُهَا الْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا بُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَنِ الْعَادَةِ حَيَّضْنَاهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ أَوَّلُهَا الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الدَّمُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ فَحَصَلَ فِي قَدْرِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الثَّانِي وَالثَّالِثُ والرابع والوجه الثالث خمسة ايام الدماء اولها الَّذِي سَبَقَ عَادَتَهَا وَآخِرُهَا الثَّامِنُ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا الْعَاشِرُ وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا الدَّمُ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الْحُسْنِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(2/514)


(فَرْعٌ)
إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ بين أبى اسحق وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حال اطباق الدم يعود الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ: مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَالْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا هَكَذَا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عشر قال أبو إسحق حَيْضُهَا أَيَّامُهَا الْقَدِيمَةُ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِثَالُ التَّأَخُّرِ أَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا مُتَقَطِّعًا فَعِنْدَ أبى اسحق الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ لِأَنَّ السَّادِسَ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ فَبِالتَّأَخُّرِ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَصَارَ الثَّانِي أَوَّلَهَا والسادس آخرها وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَقَدْ صَارَ طُهْرُهَا السَّابِقُ

(2/515)


عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَفِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الدَّمُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَأَخَّرْ لَكِنْ تَقَطَّعَ هُوَ وَالنَّقَاءُ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ لَمْ يعد خلاف أبى اسحق بَلْ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالسَّادِسُ كَالدِّمَاءِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْخَامِسُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالتَّاسِعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ الْخَامِسَ لَا يُجْعَلُ حَيْضًا إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ وَلَا التَّاسِعُ إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُمَا ضَعُفَا بِاتِّصَالِهِمَا بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَطَرَدُوا الْوَجْهَ فِي كُلِّ نَوْبَةِ دَمٍ يَخْرُجُ بَعْضُهَا عَنْ الْعَادَةِ إنْ اقْتَصَرْنَا عَلَيْهَا أَوْ عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْنَاهَا: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا: أَمَّا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى
اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ مَضْرُوبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا فَإِنْ وَجَدَتْهُ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ مِثَالُهُ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَنَوْبَةُ الدَّمِ يَوْمٌ وَنَوْبَةُ النَّقَاءِ مِثْلُهُ وَتَجِدُ عَدَدًا إذَا ضَرَبَتْ الِاثْنَيْنِ فِيهِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَعْلَمُ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أول دورها ابدا مادام التَّقَطُّعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَطَّعَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَلَا تَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ من ضرب اربعة فيه ثَلَاثِينَ فَاطْلُبْ مَا يُقَرِّبُ الْحَاصِلَ مِنْ الضَّرْبِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثِينَ وَهُنَا عَدَدَانِ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْآخَرُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَاسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَخُذْ بِالزِّيَادَةِ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ الثَّالِثَ وَالثَّلَاثِينَ وَحِينَئِذٍ يعود خلاف ابي اسحق لِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ عَنْ أَوَّلِ الدَّوْرِ فَحَيْضُهَا عِنْدَهُ

(2/516)


فِي الدَّوْرِ الثَّانِي هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَقَطْ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَعَ الثَّامِنِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الثَّالِثِ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَلَا يَبْقَى خِلَافُ أَبِي اسحق وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الرَّابِعِ يَتَأَخَّرُ الدَّمُ وَيَعُودُ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا يَقُولُ إذَا تَأَخَّرَ الدَّمُ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي يَوْمَيْنِ فَقَدْ صَارَ أَوَّلُ الْأَدْوَارِ الْمُجَاوِزَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَيُجْعَلُ هَذَا الْقَدْرُ دَوْرًا لَهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَحِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ أَبَدًا لِأَنَّا نَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدَّوْرُ
حَدَثَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَقَدْ اثبتنا عادة للمستحاضة مَعَ دَوَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُمَيِّزَةَ يَثْبُتُ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ عَادَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة ولا تجد عَدَدًا إذَا ضَرَبْتَ السَّبْعَةَ فِيهِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ فَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ لِتَبْلُغَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ وَلَا تَضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ الدَّوْرِ ثُمَّ إذَا صَارَ أَوَّلُ الحيضة التاسع والعشرين فقد تقدم الحيض على اول الدور فعلي قياس ابى اسحق مَا قَبْلَ الدَّوْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَخْفَى: وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا سِتَّةً سِتَّةً وَجَاوَزَ فَفِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الدَّوْرُ الثَّانِي فَإِنَّهَا تَرَى سِتَّةً مِنْ أَوَّلِهِ نقاء وهى أيام عادتها فعند ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ أَصْلًا وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا حَيْضُهَا السِّتَّةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلَيْ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَالثَّانِي حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا فَارَقَتْ مَحِلَّهَا فَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَالسِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ صَادَفَتْ زَمَنَ الْإِمْكَانِ لِأَنَّهُ مَضَى قَبْلَهَا طُهْرٌ كَامِلٌ فوجب جعلها حيضا ويجئ هَذَا الْوَجْهُ حَيْثُ خَلَتْ جَمِيعُ أَيَّامِ الْعَادَةِ عَنْ الدَّمِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْ الدَّمُ الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَلَوْ نَقَصَ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَاسْتُحِيضَتْ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَلَى قَوْلِ السحب أصحها وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذِهِ

(2/517)


الصُّورَةِ وَالثَّانِي تَعُودُ إلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَاللَّيْلَةُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيَّضْنَاهَا الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَةَ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فوجهان حكاهما الامام والغزالي في البسيط الاصح قول ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي تَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّلْفِيقُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: هَذَا كله فيمي كَانَ لَهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَادَةٌ غَيْرُ مُتَقَطِّعَةٍ أَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُتَقَطِّعَةٌ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ مَعَ التَّقَطُّعِ فَيُنْظَرُ
إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بَعْدَ الِاسْتِحَاضَةِ كَالتَّقَطُّعِ قَبْلَهَا فَمَرَدُّهَا قَدْرُ حَيْضِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ مِثَالُهُ كَانَتْ تَرَى ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَالتَّقَطُّعُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ سَحَبْنَا كَانَ حَيْضُهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَشَرَةً وَكَذَا بَعْدَهَا وَإِنْ لَفَّقْنَا كَانَ حَيْضُهَا سِتَّةً يتوسط بين نصفيها أَرْبَعَةٌ وَكَذَا الْآنَ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّقَطُّعُ بِأَنْ تَقَطَّعَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْآنَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ الدِّمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالتَّاسِعُ إذْ لَيْسَ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الْقَدِيمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دم الا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ تَكْمِيلًا لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا تَسْمِيَتُهُ طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الطُّهْرِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ إهْمَالُهُ بَيَانَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ جَاوَزَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ كما سبق
* [قال المصنف رحمه الله]
* [دَمُ النِّفَاسِ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُهُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ لِأَنَّهُ حَيْضٌ مُجْتَمِعٌ احْتَبَسَ لِأَجَلِ الْحَمْلِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ فَإِنْ خرج قبل الولادة شئ لَمْ يَكُنْ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَانَ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ جَمِيعُ الْوَلَدِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَامِلِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَصَارَ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَقَالَ أَبُو اسحق وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْقَاصِّ هُوَ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ دَمٌ انْفَصَلَ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ فصار

(2/518)


كَالدَّمِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ الْوِلَادَةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَرَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ نِفَاسٌ وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضٌ وَنِفَاسٌ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضَتَانِ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَهُوَ حَيْضٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقُومُ مقام الطهر في الفصل]
*
[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا فِي أَلْفَاظِهَا: النِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخَارِجَ مَعَهُ نِفَاسًا يَقُولُ هُوَ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا النِّفَاسُ الْوِلَادَةُ وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَهَاتَانِ اللُّغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَآخَرُونَ أَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْمُجْمَلِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ فَيُقَالُ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لاغير كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ وَيُقَالُ فِي الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فعال الانفساء وَعُشَرَاءَ لِلْحَامِلِ جَمْعُهَا عِشَارٌ وَيُجْمَعُ النُّفَسَاءُ أَيْضًا نُفَسَاوَاتٍ بِضَمِّ النُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ وَيُجْمَعُ عَلَى نُفُسٍ أَيْضًا بِضَمِّ النُّونِ وَالْفَاءِ قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ نُفْسَى مِثْلُ كُبْرَى وَنَفْسِي بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ امْرَأَتَانِ نُفْسَاوَانِ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الْحَيْضِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَسْرَهَا أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ تَعْدِيَتُهُ بِمِنْ فَيُقَالُ مِنْ أجل الحيض ومن أجل كذا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا) وَقَوْلُهُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَالْحَامِلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أبى اسحق وَأَبِي الْعَبَّاسِ فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ وَقَوْلُهُ أَبُو العباس بن ابى أحمد ابن الْقَاصِّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ ابْنُ الْقَاصِّ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ هُنَا صِفَةً لِأَبِي الْعَبَّاسِ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِأَبِي أَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقَاصَّ هُوَ أَبُو أَحْمَدَ وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَصِفُوا أَبَا الْعَبَّاسِ بِأَحَدِ أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ فَتَارَةً يُقَالُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ وَتَارَةً أَبُو الْعَبَّاسِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَوْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِلَا كُنْيَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا حُكْمُ

(2/519)


الْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ مُخْتَلَفًا فِي بَعْضِهَا أَحَدُهَا أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَكُونُ بُلُوغًا فَإِنَّ الْبُلُوغَ يَحْصُلُ بِالْحَمْلِ قَبْلَهُ والحيض قد يكون بلوغا الثاني لَا يَكُونُ النِّفَاسُ اسْتِبْرَاءً الثَّالِثُ لَا يُحْسَبُ
النِّفَاسُ مِنْ عِدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا قَطَعَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ وَلَا يُقْطَعُ الرَّابِعُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِالْحَيْضِ وَفِي انْقِطَاعِهِ بِالنِّفَاسِ وَجْهَانِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ كالصلاة والصوم والوطئ وغيرهما مِمَّا سَبَقَ وَيَسْقُطُ عَنْهَا مَا يَسْقُطُ عَنْ الْحَائِضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَطَلَاقُهَا وَيُكْرَهُ عُبُورُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُمَا وَيَلْزَمُهَا الغسل وقضاء الصوم ونمنع صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْغُسْلِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ النِّفَاسُ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّ بَاقِيَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَوَّلًا لِسُهُولَتِهَا وَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَلِهَذَا قَالَ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ النُّفَسَاءَ لَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ لا خلاف فيه ونقل ابن جريج إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كُلِّ شئ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ النُّفَسَاءَ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ نُفَسَاءَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِيَسْقُطَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَيَّامِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي حَقِيقَةِ النفاس وحكم الدم قبل الولادة وبعدها ومعها فَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَنِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ نِفَاسًا لَزَادَتْ مُدَّةُ النِّفَاسِ علي

(2/520)


سِتِّينَ يَوْمًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ وَصَحَّحَهُ ابن الصباع وَالثَّالِثُ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ
حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا وُجُوبُ الْغُسْلِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَمِنْهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ أَصْلًا أَوْ وَلَدَتْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ وَكَانَ الدَّمُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْوَلَدِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْهَا مَنْعُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِجَمِيعِ الْوَقْتِ أَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ مَجْنُونَةً وَأَفَاقَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِالْجُنُونِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تُوجَدْ الْوِلَادَةُ لَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ وَأَوَّلُ نِفَاسِهَا مِنْ حِينِ بَدَأَ بِهَا الدَّمُ الْمُتَّصِلُ بِالْوِلَادَةِ وَالثَّانِي لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَمُرَادُهُ بِمَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَا قَارَبَهَا وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ طُهْرٌ أَصْلًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ وَلِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الطَّلْقِ لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالُوا ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَجْهًا أَنَّ مَا يَبْدُو عند الطلق نفاس لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ ثُمَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا لَا يُجْعَلُ نِفَاسًا لَا يُجْعَلُ حَيْضًا كَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى مَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَجَبَ أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَصَلَ في وقت ابتداء النفاس أوجه أحدها بحسب مِنْ الدَّمِ الْبَادِئِ عِنْدَ الطَّلْقِ وَالثَّانِي مِنْ الدَّمِ الْخَارِجِ مَعَ ظُهُورِ الْوَلَدِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَابْتِدَاءُ النِّفَاسِ يُحْسَبُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ لَا مِنْ

(2/521)


رُؤْيَةِ الدَّمِ وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَمَوْضِعُهُ إذَا كَانَتْ الْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا مِنْ انْقِطَاعِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْضٌ إنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِلَّا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْحَامِلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْوِلَادَةِ أَمْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْجَارِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْخِلَافَ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* [وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن العنبري والحجاج ابن ارطاة ابن النِّفَاسَ سِتُّونَ يَوْمًا وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ وَقَدْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَرَى الدَّمَ وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرَ نِفَاسًا فَسُمِّيَتْ ذات الجفوف]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَالْجُفُوفُ بِضَمِّ الْجِيمِ معناه الجفاف وهما مصدران لجف الشئ يَجِفُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا فِي لُغَيَّةٍ: أَمَّا حُكْمُهُ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعْنَاهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِسَاعَةٍ وَلَا بِنِصْفِ سَاعَةٍ مَثَلًا وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُجَرَّدَ مَجَّةٍ أَيْ دَفْعَةٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في التنبيه والاصحاب وحكى ابوعيسي التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهَذَا عَجِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا إطْلَاقُ جَمَاعَةٍ مِنْ اصحابنا ان أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةً

(2/522)


فَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّاعَةُ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ بَلْ الْمُرَادُ مَجَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ نص في أقل النفاس وروى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ السَّاعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي العباس وجميع البغداديين انه محدود الاقل بساعة وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّاعَةَ تَقْلِيلًا لَا تَحْدِيدًا وَأَقَلُّهُ مَجَّةُ دَمٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُزَنِيِّ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذكل قَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ فَإِذَا أَرَادَتْ الطُّهْرَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ أَقَلَّهُ مَجَّةٌ وَبَنَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْدِيدِهِ بِسَاعَةٍ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَقُلْنَا إنَّ الْوِلَادَةَ بِلَا دَمٍ تُوجِبُ الْغُسْلَ فَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ام لابد مِنْ تَأْخِيرِهِ سَاعَةً فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا مَحْدُودٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ ضَعِيفٌ انْبَنِي عَلَى ضَعِيفٍ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ غُسْلِهَا وَكَيْفَ تُمْنَعُ صِحَّتُهُ بِسَبَبِ النِّفَاسِ وَلَا دَمَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِيبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ قُلْنَا الدَّمُ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ نِفَاسٌ أَمْ لَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ غَالِبَ النِّفَاسِ وَتَرْكُهُ عَجَبٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى غَالِبِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا يَزِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْ تركه وكأنه اسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَأْخَذَهُ الْعَادَةُ وَالْوُجُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا حالهما في

(2/523)


أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَشِدَّةِ حِفْظِهِ رَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ إلَّا حَفِظْتُهُ وَأَحْوَالُهُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَقِيلَ سِتٍّ
وَأَمَّا الْعَنْبَرِيُّ فَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْبَرِيُّ الْقَاضِي الْبَصْرِيُّ وُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ بَعْدَ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نُسِبَ إلَى الْعَنْبَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ جَدٌّ مِنْ أَجْدَادِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مَحْمُودًا ثِقَةً عَاقِلًا وَهُوَ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَأَمَّا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو أَرْطَاةَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُفْتِينَ بِالْكُوفَةِ اُسْتُفْتِيَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَوُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَقَلِّهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَزَعَمَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ التَّحْدِيدِ بِسِتِّينَ يوما وقال يسئل النِّسَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ كَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ خَمْسُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ اللَّيْثُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ سَبْعُونَ يَوْمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَ

(2/524)


الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِنْ الْغُلَامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَمِنْ الْجَارِيَةِ أَرْبَعُونَ وَعَنْ الضَّحَّاكِ أَكْثَرُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِأَرْبَعِينَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ بِمَعْنَى هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي السِّتِّينَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ
عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُهُ زَائِدًا كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالثَّانِي حَمْلُهُ عَلَى نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ إثْبَاتُ الْأَرْبَعِينَ وَاعْتَمَدَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَرْدُودٌ بَلْ الْحَدِيثُ جَيِّدٌ كَمَا سَبَقَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ضَعَّفَهَا الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَسْبَابَ ضَعْفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا أَقَلُّ النِّفَاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَقَلَّهُ عِنْدَنَا مَجَّةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقد سبق أنه مذهب مالك والازاعى وأحمد واسحق وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا مَجَّةٌ كَمَذْهَبِنَا وَالثَّانِيَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْهُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ الْوُجُودُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى وُجِدَ مَنْ لَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا قَالَ صَاحِبُ الحاوى وسبب

(2/525)


اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ذَكَرَ أَقَلَّ مَا بَلَغَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى أَقَلِّ مَا وُجِدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْمُزَنِيّ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ فَغَرِيبٌ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي أَقَلِّهِ كَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرُوهُ كَانَ عَنْ الْمُزَنِيِّ رِوَايَتَانِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوِلَادَةَ فَاعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثاني لانه مادام معهما حَمْلٌ فَالدَّمُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْمُدَّةِ فَإِذَا وُجِدَا اُعْتُبِرَ الِابْتِدَاءُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا كَمَا لو وطأ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَطِئَهَا فانها تستأنف العدة]
* [الشَّرْحُ] يُقَالُ زَمَانٌ وَزَمَنٌ لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ توأمين هو بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَعْنَاهُ وَلَدَانِ هُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا تَوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فان كان سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا تَوْأَمَانِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَشْهُورَةٌ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَاهَا أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ النِّفَاسَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ وَزَفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد وَتَوْجِيهُ الْجَمِيعِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثَّانِي فَفِي حُكْمِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي دَمِ الْحَامِلِ أَصَحُّهُمَا

(2/526)


أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ كَاَلَّذِي تَرَاهُ فِي مبادئ خروج الولد وبهذا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالثَّالِثُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ انْفَتَحَ بَابُ الرَّحِمِ فَخَرَجَ الْحَيْضُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُنْسَدٌّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنْ قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ إنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسَانِ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يُبَالَى بِزِيَادَةِ مَجْمُوعِهِمَا عَلَى سِتِّينَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا وَبَعْدَ الثَّانِي سِتِّينَ كَانَا نِفَاسَيْنِ كَامِلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فِي بَطْنٍ وَرَأَتْ عَلَى أَثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ سِتِّينَ فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُ نِفَاسٍ مُسْتَقِلٍّ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسٌ وَاحِدٌ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ وَضَعَتْ الْأَوَّلَ قَالَ جَمَاعَةٌ كَانَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الثَّانِي دَمَ فَسَادٍ
وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَوَّلِ وَتَسْتَأْنِفُ نِفَاسًا فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَهُ نِفَاسٌ كَامِلٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ الثَّانِيَ وَتَرَى الدَّمَ عَقِيبَهُ وَلَا يَكُونُ نِفَاسًا قَالَ الْإِمَامُ وَسَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ الدَّمُ بَعْدَ الثَّانِي دَمُ فَسَادٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا وَلَدٌ تَقَدَّمَهُ النِّفَاسُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ يُقَالَ إذَا وَلَدَتْ وَرَأَتْ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ تَمَادَى اجْتِنَانُ الْوَلَدِ الثَّانِي أَشْهُرًا ثُمَّ وَلَدَتْهُ وَرَأَتْ دَمًا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَسْتَعْقِبُ نِفَاسًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَسْقَطَتْ عُضْوًا مِنْ الْجَنِينِ وَبَقِيَ الْبَاقِي مُجْتَنًّا وَرَأَتْ بَعْدَ الْعُضْوِ دَمًا قَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَكُونُ نِفَاسًا فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الدم بين التوأمين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ رَأَتْ دَمَ النِّفَاسِ سَاعَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وليلة فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالثَّانِيَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ نِفَاسٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وُجِدَ

(2/527)


فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق]
* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَتَارَةً يَتَجَاوَزُ التَّقَطُّعُ سِتِّينَ يَوْمًا وَتَارَةً لَا يَتَجَاوَزُهَا فَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الطُّهْرِ وهو خمسة عشر وما فَأَوْقَاتُ الدَّمِ نِفَاسٌ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ مِثَالُ هَذَا أَنْ تَرَى سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً أَوْ عَشَرَةً أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةً وَنَحْوَهُمَا مِنْ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا إذَا بَلَغَتْ مُدَّةُ النَّقَاءِ أَقَلَّ الطُّهْرِ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا فَفِي الدَّمِ الْعَائِدِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالْعَائِدَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ تَخَلَّلَهُمَا طُهْرٌ كَامِلٌ فَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَدَمَيْ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الدَّمَيْنِ
نِفَاسٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طُهْرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّ النَّقَاءَ الْمُتَخَلِّلَ طُهْرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُسْتَثْنَى عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُدَّةُ الْكَامِلَةُ فِي الطُّهْرِ نِفَاسًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ نَاقِصَةً فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ طُهْرًا وَحْدَهَا فَتَبِعَتْ الدم اما إذا كان الدم العائد بعد خمسة عشر النقاء دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّهُ نِفَاسٌ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهُ حَيْضٌ فَهُنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ قَطَعَ حُكْمَ النِّفَاسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ ومحمد والثانى أَنَّهُ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ نِفَاسًا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّمُ الْعَائِدُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّ الْعَائِدَ نِفَاسٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَيْضٌ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا

(2/528)


بِالِاسْتِحَاضَةِ فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدَأَةٌ هِيَ أَمْ مُعْتَادَةٌ أَمْ مُمَيِّزَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ولم ترد دَمًا أَصْلًا حَتَّى مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَهَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ نِفَاسٌ فِيهِ الْوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قُلْنَا أنه حيض فلا نفاس لهذه المرأة أَصْلًا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا ثُمَّ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ يَوْمًا فَإِنْ جَاوَزَهَا نُظِرَ إنْ بَلَغَ زَمَنُ النَّقَاءِ فِي السِّتِّينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ جَاوَزَ الْعَائِدَ فَالْعَائِدُ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّقَاءُ قَبْلَهُ طُهْرٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَهَلْ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ أَمْ غَالِبِهِ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يُرَاعَى التَّلْفِيقُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالدِّمَاءُ فِي أَيَّامِ الْمَرَدِّ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ نِفَاسٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فلا يخفى حكما وَهَلْ يُلَفَّقُ مِنْ الْعَادَةِ أَمْ مِنْ مُدَّةِ الامكان وهى الستين فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ
إذَا وَضَعْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقت بالوضع وكم القدر لذى يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّمِ الْعَائِدِ بَعْدَ الطُّهْرِ الْكَامِلِ فِي السِّتِّينَ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَضَعَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِلَحْظَةٍ وَتَرَى الدَّمَ فِي اللَّحْظَةِ ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَحِيضَ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَنَى ابْنُ سُرَيْجٍ هَذَا علي ما إذا رأت النفاس فان لَمْ تَرَهُ أَصْلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا قُلْنَا الدَّمُ الْعَائِدُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا اثْنَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِأَنَّ السِّتِّينَ لَا يَحْصُلُ فِيهَا دَمٌ يُحْسَبُ حَيْضًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم ترى الدم لحظة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ وَعَبَرَ الدَّمُ السِّتِّينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَالْأَقَلِّ وَالْغَالِبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ فِي أَحْكَامِهِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ عند الاشكال]
*

(2/529)


[الشَّرْحُ] إذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوْ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ الْأَقَلِّ أَوْ الْغَالِبِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقُ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حكاه المحاملي وبن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى ظَاهِرٍ آخَرَ وَالنِّفَاسُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْأَكْثَرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةً إلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ ان كانت معتادة أو المردود
إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً ثُمَّ مَا بَعْدَهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِهِ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قال أبو الحسن بن المرزبانى قال صاحبا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا إنْ زَادَ الدَّمُ بَعْدَ السِّتِّينَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِلَ دَمُ الْحَيْضِ بِدَمِ النِّفَاسِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ حَكَاهُمَا أَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفُ فِي الْحَيْضِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَهَلْ تَكُونُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَّصِلُ الْحَيْضُ بِالنِّفَاسِ كَمَا لَا يَتَّصِلُ حَيْضٌ بِحَيْضٍ وَالثَّانِي يَتَّصِلُ لِاخْتِلَافِهِمَا ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ حكو الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ أَطْلَقُوهَا وَخَصَّصَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ الْأَوْجُهَ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَطَعُوا بِأَنَّ الْمُمَيِّزَةَ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا كَالْحَائِضِ إذَا عَبَرَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَذَكَرَتْ عَادَتَهَا فَقَالَتْ كُنْتُ أَنْفُسُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَثَلًا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الْعَادَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَصِيرُ مُعْتَادَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ ايضا فيحكم لها بالطهر بعد الاربعين عل قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ عَلَى قدر عادتها

(2/530)


فِي الْحَيْضِ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ فَيُجْعَلُ لَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ دَوْرُ الْمُبْتَدَأَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ وَيَكُونُ الطُّهْرُ مُتَّصِلًا بِالْأَرْبَعِينَ وَالْحَيْضُ بَعْدَهُ فَلَوْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَفَافٍ ثُمَّ وَلَدَتْ مَرَّةً وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نَقُولُ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةٌ لَهَا بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ كَاَلَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فِي النِّفَاسِ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إذَا جَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْحَيْضِ أَصَحُّهُمَا الرَّدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ وَهُوَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ نَحْوُ مَجَّةٍ وَالثَّانِي الرَّدُّ إلَى غَالِبِهِ وَهُوَ
أَرْبَعُونَ يَوْمًا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَزَادَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عن المزني مذهبنا للمزني وحكاه الشيخ أبو حامد وغيره وجها لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقًا آخَرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وابي اسحق وَهِيَ الرَّدُّ إلَى الْأَقَلِّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا عُلِمَ حَالُهَا فِي مَرَدِّهَا فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَيُجْعَلَ لَهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ طُهْرًا ثُمَّ بَعْدَهُ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ حَيْضًا ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ أَيْضًا فَقَدْرُ مَرَدِّهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَالْمُعْتَادَةِ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَتُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَهَلْ يُقَدَّمُ تَمْيِيزُهَا أَمْ الْعَادَةُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مِثْلِهِ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ فَفِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ الي لحظة فِي قَوْلٍ وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وعلى المذهب تؤمر بالاحتياط ورجح إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا الرَّدَّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّلِ الْهِلَالِ لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فإذا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا لِأَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا جَهِلَتْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ أَيْضًا عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لِالْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زمن النفاس

(2/531)


حُكْمُهُمَا حُكْمُهُمَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَإِذَا اتَّصَلَتْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ تُجَاوِزْ السِّتِّينَ فَإِنْ وَافَقَ عَادَتَهَا فَنِفَاسٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نِفَاسٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ شَاهِدَةٌ لِلنِّفَاسِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ شَاهِدٌ فِي الدَّمِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ قَالَ وَسَوَاءٌ الْمُبْتَدَأَةُ وَغَيْرُهَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
[وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ شَهْرَهَا عِشْرُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا الدَّمَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاتَّصَلَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا عَلَى عَادَتِهَا فَتَكُونُ نُفَسَاءَ فِي مُدَّةِ الْعِشْرِينَ وَطَاهِرًا فِي مُدَّةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحَائِضًا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ بعدها وان كانت عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ عِشْرِينَ فَإِنَّ شَهْرَهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا وَانْقَطَعَ وَطَهُرَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ حَيْضَهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هِيَ فِي الْحَيْضِ عَلَى عَادَتِهَا وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا فَصَارَ شَهْرَيْنِ بَعْدَ مَا كَانَ عشرين يوما فتكون نفساء في العشرين الاولة وَطَاهِرًا فِي الشَّهْرَيْنِ بَعْدَهَا وَحَائِضًا فِي الْعَشَرَةِ التى بعدها]
* [الشَّرْحُ] هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ ونقلوهما عن أبى اسحق كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِمَا قَالَ وَهُمَا مُفَرَّعَتَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ النِّفَاسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَامِلَ الْخِلْقَةِ وَلَا حَيًّا بَلْ لَوْ وَضَعَتْ مَيِّتًا أَوْ لَحْمًا تَصَوَّرَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ أَوْ لَمْ يَتَصَوَّرْ وَقَالَ الْقَوَابِلُ إنَّهُ لَحْمُ آدَمِيٍّ ثَبَتَ حُكْمُ النِّفَاسِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ضَابِطُهُ أَنْ تَضَعَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ (فَرْعٌ)
إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ وَاغْتَسَلَتْ جَازَ وَطْؤُهَا كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَطْئِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَلَا يَحْرُمُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ أَرْبَعِينَ: دَلِيلُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ فِي كل شئ فكذا في الوطئ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ: وَإِنَّمَا احْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ غَرِيبٍ وَلَيْسَ

(2/532)


فِيهِ دَلَالَةٌ لَوْ صَحَّ ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ أو بعد ايام فللزوج الوطئ: قال صاحب الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ إذَا انْقَطَعَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَعَلَيْهَا ان تغتسل ويباح الوطئ عَقِيبَ الْغُسْلِ
قَالَ فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَ الدَّمِ استحب التوقف عن الوطئ احتياطا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [يَجِبُ عَلَى المستحاضة ان تغتسل الدَّمَ وَتَعْصِبَ الْفَرْجَ وَتَسْتَوْثِقَ بِالشَّدِّ وَبِالتَّلَجُّمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَقَالَتْ إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَلَجَّمِي) فَإِنْ اسْتَوْثَقَتْ ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي الشَّدِّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلى حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) ]
* [الشرح] حديث حمنة صحيح راوه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا قَوْلَهُ تَلَجَّمِي فَإِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بَدَلُهُ فَاِتَّخِذِي ثَوْبًا وَهُوَ بِمَعْنَى تَلَجَّمِي ثُمَّ هَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْقُطْنُ وَأَنْعَتُ أَصِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ والبيهقي وليس في روايتهم حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (إنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظُ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الباب بيان حَمْنَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ وَنَعْنِي بِالْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي يَجْرِي دَمُهَا مُسْتَمِرًّا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ لَزِمَهَا الِاحْتِيَاطُ فِي طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ فَتَغْسِلُ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَتَحْشُوهُ بِقُطْنَةٍ وَخِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ وَتَقْلِيلًا لَهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بذلك وحده فلا شئ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَإِنْ

(2/533)


لَمْ يَنْدَفِعْ بِذَلِكَ وَحْدَهُ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عَلَى وَسَطِهَا خِرْقَةً أَوْ خَيْطًا
أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ التِّكَّةِ وَتَأْخُذَ خِرْقَةً أُخْرَى مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتُدْخِلَهَا بَيْنَ فَخْذَيْهَا وَأَلْيَتِهَا وَتَشُدَّ الطَّرَفَيْنِ فِي الْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَحَدُهُمَا قُدَّامَهَا عِنْدَ سُرَّتِهَا وَالْآخَرُ خَلْفَهَا وَتُحْكِمَ ذَلِكَ الشَّدَّ وَتُلْصِقَ هَذِهِ الْخِرْقَةَ الْمَشْدُودَةَ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْجِ إلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا لِمُشَابَهَتِهِ لِجَامَ الدَّابَّةِ وَثَفَرَهَا بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّعْصِيبَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَشْوِ وَالشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ وَاجِبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ فَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا فِيهِ من الضرر الثاني ان تكون صائمة فترك الحشو نهار أو تقتصر عَلَى الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ قَالُوا وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَتَتَوَضَّأُ عَقِبَ الشَّدِّ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجَّمَتْ وَأَخَّرَتْ الْوُضُوءَ وَطَالَ الزَّمَانُ ثُمَّ تَوَضَّأَتْ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَوْثَقَتْ بِالشَّدِّ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ خَرَجَ دَمُهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ فَرْضِهَا ما شاءت من النوفل لِعَدَمِ تَفْرِيطِهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) فَهَذَا مَعَ حَدِيثِ حَمْنَةَ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ واما إذا خرج الدم لتقصيرها فِي الشَّدِّ أَوْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا لِضَعْفِ الشَّدِّ فَزَادَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطُلَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرِيضَةٍ لَمْ تُسْتَبَحْ نَافِلَةٌ لِتَقْصِيرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ إنْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَثُرَتْ وَأَمْكَنَ تَقْلِيلُهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَوَجَبَ التَّجْدِيدُ كَنَجَاسَةِ النَّجْوِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْأَلْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وان لم تزل العصابة عن موضعها ولاظهر الدَّمُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا بِخِلَافِ الْأَمْرِ

(2/534)


بِتَجْدِيدِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَإِذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ فَلَا أَثَرَ لِلزَّوَالِ وَإِنَّمَا الْأَثَرُ لِتَجَدُّدِ النَّجَاسَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ الْمَسْعُودِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاحْتَاجَتْ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ بِأَنْ خَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ فَيَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَفِي تَجْدِيدِ الِاحْتِيَاطِ بِالشَّدِّ الْخِلَافُ وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا بِالْبَوْلِ وَجَبَ تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [وَلَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ نَافِلَةٍ شَقَّ عليها] [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً وَأَمَّا الْمَنْذُورَةُ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كلام عروة ابن الزُّبَيْرِ وَإِذَا بَطُلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِغَيْرِهِ فَيُقَالُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ بِطَهَارَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْهَا بِطَهَارَةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فِي اسْتِبَاحَتِهَا النَّافِلَةَ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِبَاحَةِ المعضوب والميت في حج القطوع وَحَكَوْا مِثْلَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي اسْتِبَاحَةِ النَّافِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بوضوئها اكثر من فريضة عروة ابن الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ بَطُلَتْ طَهَارَتُهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ صَلَّتْ مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ إلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ فَرَائِضَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ (الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) وَهَذَا حديث باطل لا يصرف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشئ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَرَّةً

(2/535)


وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وبه قال عروة ابن الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ دَائِمًا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي) أو ليس فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شئ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي) فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بن عيينة والليث ابن سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْمُسْتَقْبَلُ وَلَا الْمُقَارَنُ وَلَكِنْ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَنَحْوُهُمَا مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ الْقَفَّالَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِالْوُضُوءِ قَوْلَانِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ قَالَا هَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ قَالَا وَيَسْتَحِيلُ ارْتِفَاعُ
حَدَثِهَا مَعَ مُقَارَنَتِهِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمُسْتَقْبَلُ وَفِي ارْتِفَاعِ الْمَاضِي وَجْهَانِ وَالْمُقَارَنُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَشْهُرُهَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمَاضِي دُونَ الْمُقَارَنِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّانِي فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ والثالث وهو الصحيح دليلا لا يرتفع شئ مِنْ حَدَثِهَا لَكِنْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مَعَ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّتِهَا فِي الْوُضُوءِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ

(2/536)


نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهَا تَجِبُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا تُجْزِئُ وَالثَّانِي يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ والثالث يجب الجمع بينهما والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [ولا يجوز ان تتوضأ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تجوز قبل الضَّرُورَةِ فَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ يَعُودُ إلَى مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْإِقَامَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَعَ نَجَاسَةٍ يُمْكِنُ حِفْظُ الصَّلَاةِ مِنْهَا وَالثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ وُسِّعَ فِي الْوَقْتِ فَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهَا وان اخرتها حتى خرج الوقت لم يجزها أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّا لَوْ منعنا مِنْ ذَلِكَ صَارَتْ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةً بِالْوَقْتِ وَذَلِكَ لا يجوز عندنا]
* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا وَوَقْتُ الْمُؤَدَّاةِ مَعْرُوفٌ وَوَقْتُ الْمَقْضِيَّةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي باب التيمم فتجئ تِلْكَ الْفُرُوعُ كُلُّهَا هُنَا وَقَدْ سَبَقَ فِي النَّافِلَةِ الْمُؤَقَّتَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرَعَتْ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ أَطْبَقَ آخِرُهُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ صَحَّ وُضُوءُهَا وَصَلَّتْ بِهِ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ وهذا ليس بشئ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ شئ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تُبَادِرَ بِالصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا إنْ أَخَّرَتْ لِاشْتِغَالِهَا بِسَبَبٍ
مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَإِنْ أَخَّرَتْ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا لِتَفْرِيطِهَا وَالثَّانِي تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا سَوَاءٌ أَخَّرَتْ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ مَا لَمْ تُصَلِّ الْفَرِيضَةَ يَعْنِي بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَشَيْخِهِ الْخُضَرِيِّ قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ فَلَا نُضَيِّقُهُ عَلَيْهَا وَخُرُوجُ الْوَقْتِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لَوْ وَجَبَتْ خَوْفًا مِنْ كَثْرَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعُ لَهَا التَّأْخِيرُ

(2/537)


مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ لَهَا الصَّلَاةُ بَعْدَ الْوَقْتِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الوقت في حق الصلاة كالشئ الْوَاحِدِ فَضُبِطَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ مُشَابِهٌ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْبِدَارِ وَقَالَ آخَرُونَ وَلَوْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ يَسِيرٌ لَمْ يَضُرَّ قَالَ وَضَبْطُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الزَّمَنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ الْمُبَادَرَةُ وَأَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ وَأَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهِمَا خِلَافًا وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْفَرْقُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ من النوافل وتبقى هذه الاستباحة مادام وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ النَّفَلَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالِاسْتِبَاحَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا متزايدة بخلاف المتيمم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى
الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّ عَلَيْهَا طَهَارَةَ حَدَثٍ وَطَهَارَةَ نَجَسٍ وَلَمْ تأت عن طهارة النجس بشئ وَقَدْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا فَلَزِمَهَا الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا غَسْلُ الدَّمِ وَإِعَادَةُ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَتَّى عَادَ الدَّمُ فَإِنْ كَانَ عَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِعَوْدِ الدَّمِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا اسْتَفْتَحَتْ الصَّلَاةَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا فَلَمْ تَصِحَّ بِالتَّبْيِينِ كَمَا لَوْ اسْتَفْتَحَ لَابِسُ الْخُفِّ الصلاة وهو شاك في انقضاء مدة المسخ ثم تبين ان المدة لم تنقض]
* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فَانْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا مُحَقَّقًا حَصَلَ مَعَهُ بُرْؤُهَا وَشِفَاؤُهَا مِنْ عِلَّتِهَا وَزَالَتْ اسْتِحَاضَتُهَا نُظِرَ إنْ حَصَلَ هَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهَا صَحِيحَةً وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا تَسْتَبِيحُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ قَبْلَ

(2/538)


الصَّلَاةِ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَلَمْ تَسْتَبِحْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ الشِّفَاءُ بِآخِرِ الْوُضُوءِ لَمْ تَبْطُلْ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهَا إذَا شُفِيَتْ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَانَ مَرْدُودَانِ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إذَا شُفِيَتْ يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بَلْ تُصَلِّي بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا حَصَلَ الِانْقِطَاعُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ صَلَاتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ كَالْمُتَيَمِّمِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ دُونَ الْمُتَيَمِّمِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ
وَقَرَّرَ الْجُمْهُورُ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدَثَهَا ازْدَادَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ يُخَالِفُهَا فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَوَضَّأُ وَتُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَتَبْنِي عَلَى صَلَاتِهَا وَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا حُكْمُ انْقِطَاعِ الشِّفَاءِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهِيَ تَعْتَادُ الِانْقِطَاعَ وَالْعَوْدَ أَوْ لَا تَعْتَادُ لَكِنْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ يَسِيرَةً لاتسع الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ الَّتِي تَطَهَّرَتْ لَهَا فَلَهَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُ الدَّمِ عَلَى قُرْبٍ فَلَا يُمْكِنُهَا إكْمَالُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ بِلَا حَدَثٍ فَلَوْ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا أَوْ خِلَافِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهَارَتِهَا وَوَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ تَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ فَيَلْزَمُهَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ فَلَوْ عَادَ الدَّمُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ فَلَوْ شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ هَذَا الِانْقِطَاعِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا حَالَ الشُّرُوعِ كَانَتْ شَاكَّةً فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ عَوْدَ الدَّمِ أَمَّا إذَا انْقَطَعَ وَهِيَ لَا تَدْرِي أَيَعُودُ أَمْ لا واخبرها به من تثق بمرفتة فَتُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ شِفَاءٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ هَذَا الِانْقِطَاعِ فَإِنْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ

(2/539)


إمْكَانِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ انْقِطَاعٌ يغني عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ نَظَرًا إلَى أَوَّلِ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ خَالَفَتْ أَمْرَنَا أَوَّلًا وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ الدَّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِظُهُورِ الشِّفَاءِ وَكَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِتَفْرِيطِهَا فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الامكان ففى وجوب اعادة الصلاة لوجهان كَمَا فِي الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا شَرَعَتْ مُتَرَدِّدَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَهُوَ حَدَثٌ جَدِيدٌ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ:
فَهَذَا الْمَجْمُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَعْضُ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الِانْقِطَاعَ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلَّا يَبْعُدَ مِنْ عَادَتِهَا عَوْدُ الدَّمِ وَالثَّانِي أَنْ يَبْعُدَ وَذَكَرَ التَّفْصِيلَ وَالْخِلَافَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ يُفْرَضَانِ فِي الَّتِي لَهَا عَادَةٌ بِالْعَوْدِ قَالَ وَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ الْعَوْدُ مُعْتَادًا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الشُّرُوعُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَوْدُ مُعْتَادًا أَصْلًا قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُعْظَمُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ نُدْرَةُ الْعَوْدِ وَبُعْدُهُ فِي عَادَتِهَا بِعَدَمِ اعْتِيَادِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ دَمُهَا يَنْقَطِعُ فِي حَالٍ وَيَسِيلُ فِي حَالٍ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فِي وَقْتِ انْقِطَاعِهِ إلَّا أَنْ تَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَتَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي حَالِ سَيَلَانِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَرْجُو الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا تَتَحَقَّقُهُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَمْ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي القولين فِي مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ
* (فَرْعٌ)
تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا يُوجِبُ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ الدَّمُ بَطَلَ وُضُوءُهَا وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُ وَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ أَمْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ غَيْرُ سَائِلٍ

(2/540)


فَانْفَجَرَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ ابْتَدَأَتْ الِاسْتِحَاضَةُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ لغسل النجاسة وتتوضأ المستحاضة وتستأنف الصلاة ويجئ قَوْلٌ فِي الْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَسَلِسُ الْمَذْيِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ نَاصُورٌ أَوْ جُرْحٌ يَجْرِي مِنْهُ الدَّمُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ متصل لعلة فهي كالاستحاضة]
* [الشَّرْحُ] سَلِسُ الْبَوْلِ هُنَا بِكَسْرِ اللَّام وَهِيَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي بِهِ هَذَا الْمَرَضُ وَأَمَّا سَلَسٌ
بِفَتْحِ اللَّامِ فَاسْمٌ لِنَفْسِ الْخَارِجِ فَالسَّلِسُ بالكسر كالمستحاضة وبالفتح كالاستحاضة وأما الناصور فكذا وَقَعَ هُنَا بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ نَاسُورٌ بِالسِّينِ وَالثَّالِثَةُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ سَلِسِ الْبَوْلِ وَسَلِسِ الْمَذْيِ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَحَشْوِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَالشَّدِّ بِخِرْقَةٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْمُبَادَرَةِ بِالْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَحُكْمُ الِانْقِطَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ: وَأَمَّا صَاحِبُ النَّاصُورِ وَالْجُرْحِ السَّائِلِ فَهُمَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالشَّدِّ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْحِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ النَّاسُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَاخِلِ مَقْعَدَتِهِ بِحَيْثُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي السَّلَسِ الَّذِي هُوَ عَادَةٌ وَمَرَضٌ أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقُبْلَتِهَا فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّهُ لا حرج فيه اما مَنْ اسْتَطْلَقَ سَبِيلَهُ فَدَامَ خُرُوجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَمَّا مَنْ دَامَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ قَالَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَلَّ مَنْ يَدُومُ بِهِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ لِأَنَّ مَعَهُ تَلَفَ النَّفْسِ أَمَّا ذَاتُ دَمِ الْفَسَادِ وَهِيَ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا دَمٌ غَيْرُ متصل

(2/541)


بِالْحَيْضِ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ كَدَمٍ تَرَاهُ مَنْ لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ رَأَتْهُ حَامِلٌ وَقُلْنَا لَيْسَ هُوَ بِحَيْضٍ أَوْ رَأَتْهُ غَيْرُهُمَا فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ قَالَ وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ بِأَنْدَرَ مِنْ الْمَذْيِ وَقَدْ جَعَلْنَاهُ كَالِاسْتِحَاضَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَإِذَا خَرَجَ هَذَا الدَّمُ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَرِيضَةً لَمْ تَصِحَّ النَّافِلَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَا يَدُومُ بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِذَا دَامَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ فَاسِدًا وَصَارَ حَيْضًا وَاسْتِحَاضَةً هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ
وَصَلَّتْ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهَا مِنْ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَجُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ مَعَ نَظَائِرِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ سَلِسَ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا سَالَ بَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا اسْتَمْسَكَ فَكَيْفَ يُصَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا قَاعِدًا حِفْظًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ الْقَفَّالُ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُصَلِّي قَاعِدًا
* (فرع)
يجوز وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَلَا كراهة في ذلك وإن كان الدم هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وقد سيقت الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِذَا تَوَضَّأَتْ اسْتَبَاحَتْ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَعَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَجَامِعُ الْقَوْلِ في المستحاضة انه لا يثبت لها شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَّ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَرَوَى عن إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّهَا لَا تَمَسُّ مُصْحَفًا

(2/542)


وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْحَيْضِ (إحْدَاهَا) لَا تُكْرَهُ مُؤَاكَلَةُ الْحَائِضِ وَمُعَاشَرَتُهَا وَقُبْلَتُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلَا تَمْتَنِعُ من فعل شئ مِنْ الصَّنَائِعِ وَلَا مِنْ الطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَإِدْخَالِ يَدِهَا فِي الْمَائِعَاتِ وَلَا يَجْتَنِبُ الزَّوْجُ مُضَاجَعَتَهَا إذَا سَتَرَتْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَدَلَائِلُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يطهرن) فَالْمُرَادُ بِهِ اعْتِزَالُ وَطْئِهِنَّ وَمَنْعُ قُرْبَانِ وَطْئِهِنَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَعْنَاهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تُخَضِّبَ يَدَهَا بِخِضَابٍ يَبْقَى أَثَرُهُ فِي يَدِهَا بَعْدَ غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ (الرَّابِعَةُ) عَلَامَةُ انْقِطَاعِ
الْحَيْضِ وَوُجُودِ الطُّهْرِ أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الصفرة والكدرة فإذا انقطع ظهرت سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ التَّرِيَّةُ رُطُوبَةٌ خَفِيَّةٌ لَا صُفْرَةَ فِيهَا وَلَا كُدْرَةَ تَكُونُ فِي الْقُطْنَةِ أثر لا لون قَالَ وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَكَذَا قال البيهقى في السنن الترية هي الشئ الخفى اليسير (قلت) هي التربة بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها للنساء (لا تعجلن حتى ترين القضة البيضاء) تريد بذلك الطهر وقدمنا معناه قال أَصْحَابُنَا وَإِذَا مَضَى زَمَنُ حَيْضِهَا لَزِمَهَا أَنْ تغتسل في الحال لاول صلاة تدركبا وَلَا يَجُوزُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَتْرُكَ صوما ولا صلاة ولا تمتنع من الوطئ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الطاهر ولا تستطهر بشئ أَصْلًا: وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَسْتَطْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي

(2/543)


وَصَلِّي) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي أَشْيَاءَ أُنْكِرَتْ عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ الْوَسِيطِ: مِنْهَا قَوْلُهُ أَمَّا حُكْمُ الْحَيْضِ فَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ كُلُّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ الثَّانِي الِاعْتِكَافُ الثَّالِثُ الصَّوْمُ الرَّابِعُ الْجِمَاعُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يُطْلِقُهَا لِلْحَصْرِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْحَيْضِ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ لَهُ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْهَا بُطْلَانُ الطَّهَارَةِ وَامْتِنَاعُ صِحَّتِهَا وَوُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ إمَّا بِالِانْقِطَاعِ وَإِمَّا بِخُرُوجِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمِنْهَا حُصُولُ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْبُلُوغُ بِهِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ وَسُقُوطُ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَمَنْعُ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَنَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ تُغْنِي عَنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي فَرْعَانِ الْأَوَّلُ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي تحيضها خَمْسَةً لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَثَبْتَ لَهَا عَادَةً هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ خِلَافَ الصَّوَابِ فَمُرَادُهُ أَنَّهَا رَأَتْ خَمْسَةً
سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ الشَّهْرَ الثَّانِيَ سَوَادًا مُسْتَمِرًّا فَتَرُدُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي إلَى الْخَمْسَةِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ فِي التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ أَمَّا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ طُهْرًا وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ سَنَةً وَأَكْثَرَ كما سبق ومن ذلك قوله حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ) المعروف فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ كلام ام عطية ومن لك قَوْلُهُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهَا مَبَادِئُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِأَوَائِلِ الْأَهِلَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذِ بِأَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي أُمُورٍ الثَّالِثُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ مِنْ أَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ

(2/544)


بَلْ الْأَسْوَأُ صَبْرُهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ هُوَ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي صَلَاةٍ لَا تُفْسِدُ مَا مَضَى كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الطَّرَآنَ وَيُمْكِنُ تَكَلُّفُ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ يُحْتَمَلُ الْحَيْضُ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَمِنْ ذلك قوله إذا قالت اضلت خَمْسَةً فِي شَهْرٍ فَإِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَصُومُهُ كُلُّهُ ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً هَكَذَا قَالَ وَكَذَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ أَخَذَهُ مِنْ كِتَابِ الْفُورَانِيِّ عَلَى عَادَتِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ تَقْضِي سِتَّةً لِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ جُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مِنْ رَمَضَانَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَابِ التَّلْفِيقِ لو حاضت عشر أو طهرت خَمْسَ سِنِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي عِدَّةِ الْآيِسَةِ فَلَوْ تَصَوَّرَ أَنْ يَزِيدَ الدَّوْرُ عَلَيْهِ لَمَا اكْتَفَى بِهِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُقَالُ لَا تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَنَحْنُ لَا نَكْتَفِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالْغَالِبِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَصَامَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجَاوَزَ دَمُهَا وَفِي مَرَدِّهَا قَوْلَانِ فَإِنْ رَدَّتْ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا صامت سبعة في أيام
النقاء ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فَإِذَا احْتَسَبْنَا سَبْعَةً مِنْهَا بَقِيَ تِسْعَةٌ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فِيهِ أَشْيَاءَ قَوْلُهُ تِسْعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَصَوَابُهُ ثَمَانِيَةٌ وَقَوْلُهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَصَوَابُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا صَامَتْ سَبْعَةً فَاَلَّذِي بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ فَإِنَّ الطَّرَآنِ وَسَطَ النَّهَارِ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الصَّوَابِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ النَّاسِيَةِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي تَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا أَنَّهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا أَمَرْنَاهَا بِالِاحْتِيَاطِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا تُفَارِقُهَا فِي أَنَّا لَا نَأْمُرُهَا بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فِي وَقْتِ النَّقَاءِ وَلَا بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ إطْبَاقِ الدَّمِ مَأْمُورَةٌ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ هَذِهِ تُفَارِقُهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ مَأْمُورَةً بِتَجْدِيدِ

(2/545)


الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ تُفَارِقُهَا فِي الْأَمْرِ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ لَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ بَابِ النِّفَاسِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَرَأَتْ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ خَمْسَةَ عشر ثم عاد فالعائد حيض أم نِفَاسٌ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِذَا قُلْنَا نِفَاسٌ وَرَأَيْنَا تَرْكَ التَّلْفِيقِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وصوابه نفاس وقد سبق أيضاح كَذَا قَالَ هُنَا وَفِي الْبَسِيطِ وَكَذَا قَالَ شَيْخُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَصَوَابُهُ نِفَاسٌ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة
*
* (باب ازالة النجاسة)
*
* قال المصف رحمه الله
* [والنجاسة هي البول والقئ والمذى والودى ومنى غير الادمى والدم والقيح وماء القروح والعلقة والخمر والنبيذ والكلب والخنزير وما ولد منهما وما تولد من أحدهما ولبن ما لا يؤكل غير الآدمى ورطوبة فرج المرأة وما تنجس بذلك]
* [الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فِي لُغَاتِ النَّجَاسَةِ وَحْدَهَا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّجِسُ هو القذر قالوا ويقال شئ نجس ونجس بكسر الجيم وفتحها والنجاسة الشئ المستقذر ونجس الشئ يَنْجَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النِّجْسُ والنجس والنجس القذر من كل شئ يَعْنِي بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ إسْكَانِ الْجِيمِ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا قَالُوا وَرَجُلٌ نَجَسٌ وَنَجِسٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا
مَعَ فَتْحِ النُّونِ فِيهِمَا الْجَمْعُ أَنْجَاسٌ قَالَ وَقِيلَ النَّجَسُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِذَا كَسَرُوا النُّونَ ثَنَّوْا وَجَمَعُوا وَهِيَ النَّجَاسَةُ وَقَدْ أَنْجَسَهُ وَنَجَّسَهُ وَأَمَّا حَدُّ النَّجَاسَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي حَدُّهَا كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لَا لِحُرْمَتِهَا قَالَ وَقَوْلُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ مِنْ السُّمُومِ الَّتِي هِيَ نَبَاتٌ فَإِنَّهَا لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يُبَاحُ الْقَلِيلُ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ وَقَوْلُنَا مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا وَقَوْلُنَا لَا لِحُرْمَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْآدَمِيِّ وَهَذَا الَّذِي

(2/546)


حَدَّدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ مُحَقَّقًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ التُّرَابُ وَالْحَشِيشُ الْمُسْكِرُ وَالْمُخَاطُ وَالْمَنِيُّ وَكُلُّهَا طَاهِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَفِي الْمَنِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا لَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ اسْتِقْذَارِهَا أَوْ ضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الثَّانِيَةُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا يُطْلِقُهَا الْفُقَهَاءُ لِلْحَصْرِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نَجَاسَةَ إلَّا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَهَذَا الْحَصْرُ صَحِيحٌ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا منها شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ علي المذهب كما سبق في باب الآتية وَمِنْهَا الْجَدْيُ إذَا ارْتَضَعَ كَلْبَةً أَوْ خِنْزِيرَةً فَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي وَغَيْرُهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمِنْهَا الْمَاءُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ النَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فالجواب عن الاول أن شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَالْمَيْتَةُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيَقُولَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّعْرَ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الآتية بَلْ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَدْيِ وَالْمَاءِ أَنَّهُ اخْتَارَ طَهَارَتَهُمَا وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَسَبَقَ بَيَانُ صِفَاتِهَا وَلُغَاتِهَا فِي باب ما وجب الْغُسْلَ وَسَبَقَ الْغَائِطُ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَيُقَالُ فِيهَا خَمْرَهُ بِالْهَاءِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَنْكَرَهَا عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي نُونِ خِنْزِيرٍ هَلْ هِيَ أَصْلٌ أَمْ زَائِدَةٌ وَالْأَظْهَرُ
أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ كَعِرْنِيبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْذِفَ الْمَرْأَةَ وَيَقُولَ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وسائر الحيوانات الطهارة سَوَاءٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* [فأما البول فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه) ]
*

(2/547)


[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ ضَابِطُونَ بِشَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وهو أبويحيى الْقَتَّاتُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَجَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَهُ مُتَابِعٌ عَلَى حَدِيثِهِ وَشَوَاهِدُ يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا حُسْنَهُ وَجَوَازَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ قَالَ فِيهَا الْمَحْفُوظُ إنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) وَرُوِيَ (يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ) وَرُوِيَ (يَسْتَتِرُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ تَنَزَّهُوا مَعْنَاهُ تَبَاعَدُوا وَتَحَفَّظُوا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبْوَالِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ وَبَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ وَبَوْلُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَبَوْلُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ نَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً لِبَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلِهَا فَأَمَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ فَنَجِسٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ هُوَ طَاهِرٌ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكَبِيرِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَضَحَ ثَوْبَهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ
وَأَمَرَ بِالنَّضْحِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمْ يُنْضَحْ وَأَمَّا بَوْلُ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ طَهَارَتَهُ وَمَا أظنه يصح عنه فان صح فمردود بما ذكرنا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ الْأَبْوَالُ وَالْأَرْوَاثُ طَاهِرَةٌ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَّا الْآدَمِيَّ وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ من الفساد واما بول الحيوانات

(2/548)


لمأكولة وَرَوْثُهَا فَنَجِسَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ بَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرَانِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَسَبَقَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا الْجَزْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ بَوْلَ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ دُونَ رَوْثِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَرْقُ الْحَمَامِ طَاهِرٌ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلَ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعُكْلُ وَعُرَيْنَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَهُمَا قَبِيلَتَانِ وَقَوْلُهُ اجْتَوَوْا بِالْجِيمِ أَيْ اسْتَوْخَمُوا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ البراء موفوعا (مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ) وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالْعَرَبُ تَسْتَخْبِثُ هَذَا وَبِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَعَلَى دَمِ الْمَأْكُولِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَهُوَ جَائِزٌ بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْخَمْرِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ حَدِيثَيْ الْبَرَاءِ وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ وَاهِيَانِ ذَكَرَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُمَا وَبَيَّنَ ضَعْفَهُمَا وَرُوِيَ وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* [وأما الغائط فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار رضى الله عنه (انما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيح) ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَمَّارٍ هَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَيُغْنِي عَنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ الْغَائِطِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ غَائِطِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فِي حَدِيثٍ بَاطِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُ هَذَا الْإِنْكَارِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ خِلَافٌ

(2/549)


لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَتْ نَجِسَةً وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ عَمَّارٍ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [وَأَمَّا سِرْجِينُ الْبَهَائِمِ وَذَرْقُ الطُّيُورِ فَهُوَ كَالْغَائِطِ فِي النَّجَاسَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ وَالرِّكْسُ الرَّجِيعُ وَهَذَا رَجِيعٌ فَكَانَ نَجِسًا وَلِأَنَّهَا خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ فَكَانَ نَجِسًا كَالْغَائِطِ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ جميع الارواث والدرق وَالْبَوْلِ نَجِسَةٌ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَالطَّيْرُ وَكَذَا رَوْثُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ فَرَوْثُهَا وَبَوْلُهَا نَجِسَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا فِي طَهَارَةِ رَوْثِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَا نَفْسَ له سائل وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ نَجَاسَةِ ذَرْقِ الطُّيُورِ كُلِّهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كلها طاهرة الا ذرق الدجاج لانه لانتن إلَّا فِي ذَرْقِ الدَّجَاجِ وَلِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا غَسَلُوا بَوْلَ الْآدَمِيِّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ عَدَمِ النَّتِنِ بِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِبَعْرِ الْغِزْلَانِ وَعَنْ الْمَسَاجِدِ بِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي إزَالَتِهِ مَعَ تَجَدُّدِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَتَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ كَمَا يُعْفَى عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرِّكْسُ الرَّجِيعُ فَكَذَا قَالَهُ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَقُولُ الرِّكْسُ الْقَذَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ فَكَلَامٌ عَجِيبٌ وَصَوَابُهُ فَعَلَّلَ تَرْكَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الِاسْتِنْجَاءِ
بِالرَّوْثِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِهِ بِالْعَظْمِ وَالْمُحْتَرَمَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّهَا رِكْسٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ بِأَنَّهُمَا

(2/550)


رِكْسٌ وَرَجِيعٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ فَيُؤَدِّي الْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَى خُلُوِّ الْكَلَامِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا رِكْسٌ يَشْمَلُ رَوْثَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الدُّودِ وَالْحَصَى وَقَاسَهُ عَلَى الْغَائِطِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ السِّرْجِينِ لَفَظَّةٌ عَجَمِيَّةٌ وَيُقَالُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ سِرْقِينُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وأما القئ فَهُوَ نَجِسٌ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَلِأَنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ نَجِسًا كالغائط]
* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ حَدِيثَ عَمَّارٍ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضَةِ إذَا صَارَتْ دَمًا فَإِنَّهَا لَا تَنْجُسُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وهذا الذى ذكره من نجاسة القئ متفق عليه وسواء فيه قئ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وغيره وسواء خرج القئ مُتَغَيِّرًا أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ خَرَجَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ نَقَلَهُ الْبَرَاذِعِيُّ مِنْهُمْ فِي التَّهْذِيبِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الرُّطُوبَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسَةٌ وَحَكَى الشَّاشِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ طَهَارَتَهَا: دَلِيلُنَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَسَمَّى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الرُّطُوبَةَ بِالْبَلْغَمِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَيْسَ الْبَلْغَمُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَجَاسَتِهِ الْمُزَنِيّ وَأَمَّا النُّخَاعَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الصَّدْرِ فَطَاهِرَةٌ كَالْمُخَاطِ
* (فَرْعٌ)
الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ حَالَ النَّوْمِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ مِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ اللَّهَوَاتِ
فَهُوَ طَاهِرٌ وَمِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ المعدة فهو نجس بالاجماع وطريق التمييز مِنْهَا أَنْ يُرَاعَى عَادَتُهُ فَإِنْ كَانَ

(2/551)


يَسِيلُ مِنْ فَمِهِ فِي أَوَائِلِ نَوْمِهِ بَلَلٌ وَيَنْقَطِعُ حَتَّى إذَا طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ انْقَطَعَ ذَلِكَ الْبَلَلُ وَجَفَّتْ شَفَتُهُ وَنَشِفَتْ الْوِسَادَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْفَمِ لَا مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِنْ طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ وَأَحَسَّ مَعَ ذَلِكَ بِالْبَلَلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِذَا أَشْكَلَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَالِاحْتِيَاطُ غَسْلُهُ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَسَأَلْتُ أَنَا عُدُولًا مِنْ الْأَطِبَّاءِ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهُ وَالْمُخْتَارُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمَتَى شَكَّ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ وَعَمَّتْ بَلْوَى إنْسَانٍ بِهِ وَكَثُرَ فِي حَقِّهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ وَيَلْتَحِقُ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوَهَا مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَّةُ نَجِسَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ فِي مَسَائِلِ الْمِيَاهِ الْمَرَارَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُرَّةِ نَجِسَةٌ
* (فَرْعٌ)
الْجِرَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ لِلِاجْتِرَارِ قال اصحابنا هي نجسة صرح به الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى نجاستها * قال المصنف رحمه الله
* [وأما المذى فهو نجس لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إذَا رأت المذى فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) ولانه خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول وأما الودى فنجس لما ذكرنا من العلة ولانه يخرج مع البول فكان حكمه حكمه]
* [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَذْيِ وَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ بِغَيْرِ غَسْلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يجزيه النضح

(2/552)


وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ) وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ اغْسِلْ
وَهِيَ أَكْثَرُ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّضْحِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَسْلِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِمَّا يُنْكَرُ لِأَنَّهُ صِيغَةُ تَمْرِيضٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَوْلُهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ وَقَوْلُهُ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ طَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْوَدْي يَخْرُجُ مَعَ الْبَوْلِ الاجود أن يقال عقبه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وأما منى الادمى فطاهر لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تحت الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلى ولو كان نجسا لما انعقدت معه الصلاة ولانه مبتدا خلق بشر فكان طاهرا كالطين]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّ لَفْظَهُ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُهُ تَحُتُّ المنى أي تفركه وتحته وقوله ولانه مُبْتَدَأُ خَلْقِ بَشَرٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَنِيِّ الْكَلْبِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَةِ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّهَا وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ لَكِنْ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ مَنِيُّهَا بِمُلَاقَاتِهَا كَمَا لَوْ بَالَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَمْنَى فَإِنَّ مَنِيَّهُ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ النَّجِسِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عن عائشة

(2/553)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وعطاء واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ نَجِسٌ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِي فَرْكُهُ يَابِسًا وَأَوْجَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ غَسْلَهُ يَابِسًا وَرَطْبًا وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رواية لمسلم أنها قالت لرجل أصاب ثوب مَنِيٌّ فَغَسَلَهُ كُلَّهُ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ إنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ نضحت حوله لقدر رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَأْمُرُ بِحَتِّ الْمَنِيِّ) قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى الْبَوْلِ والحيض ولانه يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَلِأَنَّ الْمَذْيَ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ تُحَلِّلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ فَرْكِهِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدْتُهُ أَنَا فِي طَهَارَتِهِ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا فَرْكُهُ تَنَزُّهًا وَاسْتِحْبَابًا وَكَذَا غَسْلُهُ كَانَ لِلتَّنَزُّهِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ) فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا احْتَجَّتْ بِالْفَرْكِ فَلَوْ وَجَبَ الْغَسْلُ لَكَانَ كَلَامُهَا حُجَّةً عَلَيْهَا لَا لَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَتْ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي غَسْلِ كُلِّ الثَّوْبِ فَقَالَتْ غَسْلُ كُلِّ الثَّوْبِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ وَإِنَّمَا يُجْزِيكَ فِي تَحْصِيلِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً وَمُنَاسَبَاتٍ كَثِيرَةً غَيْرَ طَائِلَةٍ وَلَا نَرْتَضِيهَا وَلَا نَسْتَحِلُّ

(2/554)


الِاسْتِدْلَالَ بِهَا وَلَا نَسْمَحُ بِتَضْيِيعِ الْوَقْتِ فِي كِتَابَتِهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالدَّمِ بِأَنَّ الْمَنِيَّ أَصْلُ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ فَهُوَ بِالطِّينِ أَشْبَهُ بِخِلَافِهِمَا وَعَنْ قولهم يخرج من مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ بِالْمَنْعِ قَالُوا بَلْ مَمَرُّهُمَا مُخْتَلِفٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَدْ شُقَّ ذَكَرُ الرَّجُلِ بِالرُّومِ
فَوُجِدَ كَذَلِكَ فَلَا نُنَجِّسُهُ بِالشَّكِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ النَّجَاسَةُ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَاطِنِ لَا تُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ مُلَاقَاتُهَا فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ الْمَذْيُ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ بِالْمَنْعِ أَيْضًا قَالُوا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْخُرُوجِ لِأَنَّ النَّفْسَ وَالذَّكَرَ يَفْتُرَانِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَأَمَّا الْمَذْيُ فَعَكْسُهُ وَلِهَذَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْمَذْيِ لَا يَخْرُجُ مَعَهُ شئ من المنى والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ إلَّا مَنِيَّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُ أَصْلِهِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالْبَيْضِ وَمَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّانِي الْجَمِيعُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الطَّعَامِ الْمُسْتَحِيلِ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ لَحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ وَمَا لا يؤكل لحمه فمنيه نجس كلبنه]
* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَدَلَائِلُهَا ظَاهِرَةٌ وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ النَّجَاسَةَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَمَّا مَنِيُّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
الْبَيْضُ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنِيِّهِ الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بِزْرِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدُّودِ كَالْبَيْضِ وَأَمَّا دُودُ الْقَزِّ فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ

(2/555)


الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطيب) وفى الصحيحين أن وبيض الطِّيبِ كَانَ يُرَى مِنْ مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي فَأْرَةِ الْمِسْكِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الظَّبْيَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ كَالْجَنِينِ وَالثَّانِي النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الْفَضَلَاتِ وَالْأَجْزَاءِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنْ انْفَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَنَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّبَنِ وَقِيلَ طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ
الْمُتَصَلِّبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
الْبَيْضَةُ الطَّاهِرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ دَمًا فَفِي نَجَاسَتِهَا وَجْهَانِ الْأَصَحُّ النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَالثَّانِي الطَّهَارَةُ كَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ وَلَوْ صَارَتْ مُدِرَّةً وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا اللَّحْمُ إذَا خَنِزَ وَأَنْتَنَ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ نَجِسٌ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا
* (فَرْعٌ)
هَلْ يَحِلُّ أَكْلُ الْمَنِيِّ الطَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مستخبث قال الله تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْمُخَاطِ وَأَشْبَاهِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُلْنَا بطهارة ببض مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ وَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْبَيْضِ إذَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ أَمْ نَجِسَةٌ وَقَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَقَالَ الْوَلَدُ إذَا خَرَجَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْبَيْضُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وأما الدم فنجس لحديث عمار رضى الله عنه وفى دم السمك وجهان أحدهما نجس كغيره والثانى طاهر لانه ليس بأكثر من الميتة وميتة السمك طاهرة فكذا دمه] [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ

(2/556)


عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن أسماء رضى الله عنها قَالَتْ (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ (تحته ثم تقرضه بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالدَّلَائِلُ عَلَى نَجَاسَةِ الدَّمِ مُتَظَاهِرَةٌ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ
هُوَ طَاهِرٌ وَلَكِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الاصول من اصحابنا وغيرهم لاسيما فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّاتِ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي دَمِ السَّمَكِ فَمَشْهُورَانِ وَنَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ أَيْضًا فِي دَمِ الْجَرَادِ وَنَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الدَّمِ الْمُتَحَلِّبِ مِنْ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ النَّجَاسَةُ وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ دَمِ السَّمَكِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وداود وقال أبو حنيفة طاهر وأما دم القمل والبراغيت والقراد والبق ونحوها مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَنَجِسَةٌ عِنْدَنَا كَغَيْرِهَا مِنْ الدِّمَاءِ لَكِنْ يُعْفَى عَنْهَا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الدِّمَاءِ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طَاهِرَةٌ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَكَلَامٌ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِدَمِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ نَجِسٌ مَعَ أَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فَيُقَالَ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ مَأْكُولَةٌ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فقد ذكره أبو إسحق الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَدَلِيلُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ مَا يَبْقَى مِنْ الدَّمِ فِي اللَّحْمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَةُ الدَّمِ فِي الْقَدْرِ لَعَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَحَكَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ

(2/557)


وأبى يوسف واحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ وَالْمَذْكُورُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) قَالُوا فَلَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ دَمٍ بَلْ عن المسفوح خاصة وهو السائل * قال المصنف رحمه الله
* [واما القيح فهو نجس لانه دم استحال الي نتن فإذا كان الدم نجسا فالقيح أولي واما ماء القروح فان كان له رائحة فهو نجس كالقيح وان لم يكن له رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا طاهر كالعرق والثانى نجس لانه تحلل بعلة فهو كالقيح]
* [الشَّرْحُ] الْقَيْحُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ الْمُتَغَيِّرُ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ
فِي الْإِمْلَاءِ وَقِيلَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ تَحَلَّلَ بِعِلَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَرُطُوبَاتِ الْبَدَنِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ ضَبْطَ الْغَزَالِيُّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ فَقَالَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَاسْتِحَالَةٌ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَرْشَحُ رَشْحًا وَالثَّانِي مَا يَسْتَحِيلُ وَيَجْتَمِعُ فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَالْأَوَّلُ كَالدَّمْعِ وَاللُّعَابِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهُ إنْ كَانَ نَجِسًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَهُوَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وأما الثاني

(2/558)


فكالدم والبول والعذرة والروث والقئ وَالْقَيْحِ وَكُلُّهُ نَجِسٌ وَيُسْتَثْنَى اللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَالْعَلَقَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ وَالْمُخَاطِ وَالدَّمْعِ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ والفرس والفار وَجَمِيعِ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ بَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ جَمِيعِهَا وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَهُوَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَكَذَا لَا كَرَاهَةَ فِي سؤر شئ مِنْهَا وَهُوَ بَقِيَّةُ مَا شَرِبَتْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وأما العلقة ففيها وجهان قال أبو اسحق هِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الرَّحِمِ فَهُوَ كَالْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ هِيَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَهُوَ كَالْكَبِدِ والطحال] [الشَّرْحُ] الْعَلَقَةُ هِيَ الْمَنِيُّ إذَا اسْتَحَالَ فِي الرَّحِمِ فَصَارَ دَمًا عَبِيطًا فَإِذَا اسْتَحَالَ بَعْدَهُ فَصَارَ قِطْعَةَ لَحَمِ فَهُوَ مُضْغَةٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْعَلَقَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَآخَرُونَ وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا كَالْوَلَدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْوَسِيطِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ إنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الِانْفِرَادِ بِنَقْلِ وَجْهٍ فِي نَجَاسَةِ الْمُضْغَةِ فَإِنَّ الْوَجْهَ نَقَلَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ مَسْفُوحٌ أَيْ سَائِلٌ وَقَوْلُهُ كَالْكَبِدِ هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ

(2/559)


الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا وَالطِّحَالُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَى الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ الْكَبِدَ وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ هَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ قُلْتُ وَيَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِهَا لِأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ أَيْضًا فَإِنَّهَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وهذا عند أصحابنا الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى فِيهِ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إمَامًا بَارِعًا مُتْقِنًا صَاحِبَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ لِثَمَانٍ بَقَيْنَ من شهر ربيع الاول سنة ثلاثين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله
* [وأما الميتة غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَهُمَا طَاهِرَانِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَلَوْ كَانَا نَجِسَيْنِ لَمْ يَحِلَّ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم (ولا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا غسل كسائر الميتات] [الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَصَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ تَعْلِيقًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَرِوَايَةُ الْمَرْفُوعِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(2/560)


(إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذَا مَاتَا طَاهِرَانِ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وطعامه) وقال تعالي (وهو
الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا) وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَفَوَائِدُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الَّذِي مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ أَوْ حَتْفَ نَفْسِهِ وَالطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرُ الطَّافِي وَسَوَاءٌ قُطِعَ رَأْسُ الْجَرَادَةِ أَمْ لَا وَكَذَا بَاقِي مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْجَمِيعَ حَلَالٌ فَمَيْتَتُهَا طَاهِرَةٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الْآدَمِيُّ هَلْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا فِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ

(2/561)


وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ: وَعَجَبٌ إرْسَالُ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالطَّهَارَةِ هُوَ نصفه فِي الْأُمِّ وَبِالنَّجَاسَةِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَأَمَّا قوله تعالي (انما المشركون نجس) فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَجَاسَةَ الْأَعْيَانِ وَالْأَبَدَانِ بَلْ نَجَاسَةُ الْمَعْنَى وَالِاعْتِقَادِ وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسِيرَ الْكَافِرَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا بَاقِي الْمَيْتَاتِ فَنَجِسَةٌ وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَقَالُوا الْمَيْتَاتُ نَجِسَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْآدَمِيُّ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمٌ أَوْ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ أَرْسَلَهُ أَهْلٌ لِلذَّكَاةِ وَالْجَنِينُ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَحَكَمَ بِطَهَارَةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي قَوْلٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّاشِيُّ عَنْهُ وَجْهَيْنِ فِي نَجَاسَةِ الضُّفْدَعِ بالموت ولا يرد شئ مِنْ هَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَمَّا الصَّيْدُ وَالْجَنِينُ فَلَيْسَا مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا ذَكَاتَهُمَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُذَكًّى شَرْعًا وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ السِّكِّينُ مُبَاشَرَةً وَأَمَّا مَا زَادَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فَضَعِيفٌ انْفَرَدَا بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالصَّحِيحُ النَّجَاسَةُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَكَانَ نَجِسًا فَيَنْتَقِضُ بِالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ فَإِنَّهَا
مُحَرَّمَةُ الْأَكْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً فَكَانَ يَنْبَغِي أن يقول من غير ضرر وَلَا اسْتِقْذَارٍ وَقَوْلُهُ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ يَحِلُّ أَكْلُهَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ والا فالميتة يحل أكلها فِي الْمَخْمَصَةِ وَيَحِلُّ أَكْلُ الدَّوَاءِ النَّجِسِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْعُضْوُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ كَأَلْيَةِ الشَّاةِ وَسَنَامِ الْبَعِيرِ وَذَنَبِ الْبَقَرَةِ وَالْأُذُنِ وَالْيَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:

(2/562)


قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وهم يحبون أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلَيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ (مَا تَقَطَّعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَظُفُرِهِ وَمَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ فَفِيهَا كُلِّهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا طَهَارَتُهَا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ كَمَيْتَاتِهَا وَالثَّانِي نَجَاسَتُهَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ لِحُرْمَتِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ فِي يَدِ الْآدَمِيِّ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ وَتَكَرَّرَ نَقْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ يَدِ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ إذَا قُطِعَتْ أَوْ سَقَطَتْ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ مَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ وَالصَّحِيحُ الطَّهَارَةُ كَمَا ذكرناه وأما مشيمة غير الْآدَمِيِّ فَنَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَيَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَصَبُ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّعْرِ وَالْعَظْمِ لِأَنَّهُ يَحُسُّ وَيَأْلَمُ بِخِلَافِهِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بِالْمَوْتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْجُسُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ وأحمد رواية بنجاسته * قال المصنف رحمه الله
* [واما الخمر فهي نجسة لقوله عز وجل (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان) وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا النبيذ
فهو نجس لانه شراب فيه شدة مطربة فكان نجسا كالخمر]
* [الشرح] الخمر نجسة عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالسُّمِّ الَّذِي هُوَ نَبَاتٌ وَكَالْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَاحْتَجَّ

(2/563)


أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ قَرْنُ الْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ بِهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ خَرَجَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَتْ الْخَمْرُ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَلَا يَظْهَرُ مِنْ الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الرِّجْسَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْقَذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا وَالثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ تَنَاوُلِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُسْتَخْبَثًا وَالْمَنْعَ مِنْ الْخَمْرِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا تَغْلِيظًا وَزَجْرًا عَنْهَا قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ وَمَا وَلَغَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَجَاسَةِ الْخَمْرِ بَيْنَ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِ الْعِنَبِ خَمْرًا فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَوَجْهًا أَنَّ باطن حبات العنب المستحيل طاهر وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ النَّجَاسَةُ وَأَمَّا النَّبِيذُ فَقِسْمَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ فَالْمُسْكِرُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَشُرْبُهُ حَرَامٌ وَلَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّنْجِيسِ وَالتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ هُوَ طَاهِرٌ وَيَحِلُّ شُرْبُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ بَيَانُ مَذْهَبِنَا ومذهبه والدلائل من الطرفين مستقصاة وقد ثبتت الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّذِي يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا الِاسْتِفَاضَةَ أَوْ التَّوَاتُرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ طَاهِرٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ
هُوَ بشئ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّبِيذِ فَهُوَ مَا لَمْ يَشْتَدَّ: وَلَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَذَلِكَ كَالْمَاءِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ حَبَّاتُ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ مِشْمِشٌ أَوْ عَسَلٌ أَوْ نَحْوُهَا فَصَارَ حُلْوًا وَهَذَا الْقِسْمُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَةٍ

(2/564)


عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ شُرْبِهِ ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ شُرْبِهِ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْبَذُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فيشربه إذا أصبح يومه ذاك والليلة التي تجئ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بقى شئ سَقَى الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهْرَاقُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ فَإِنْ فضل شئ أَهْرَاقَهُ) وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي الزِّيَادَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ مَا لَمْ يَصِرْ مسكرا وان زاد علي الثلاثة وَالْجَوَابُ عَنْ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اُحْتُجَّ بِهَا لِأَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بَلْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بحرام بعد الثلاثة لانه صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَسْقِيهِ الْخَادِمَ) وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَسْقِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوُهَا امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ صَارَ مُسْكِرًا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا مُحَرَّمًا وَلَا يَسْقِيهِ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْخَادِمِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا سَقَاهُ الخادم ولا بريقه لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ وَلَا يَجُوزُ إضَاعَتُهَا وَإِنَّمَا تَرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُرْبَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الضَّبِّ وَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَقِيلَ لَهُ (أَحَرَامٌ هُوَ) قَالَ (لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) وَقَدْ حَصَلَ
مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَوْ فِي قَوْلِهِ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَلَا لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ وَاخْتِلَافِ الْحَالِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

(2/565)


وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِبَاذُ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ مِنْ الْخَزَفِ وَالْخَشَبِ وَالْجُلُودِ وَالدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعُ وَالْمُزَفَّتِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرُهَا وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ) وَهِيَ جِرَارٌ خُضْرٌ وَقِيلَ كُلُّ الْجِرَارِ وَالنَّقِيرِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ وَهُوَ المطلي بالزفت والقار فهي منسوخة بحديث يريدة الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا وَقَدْ بَسَطْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
شُرْبُ الْخَلِيطِينَ وَالْمُنَصَّفِ إذَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا لَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنْ يُكْرَهُ فَالْخَلِيطَانِ مَا نُقِعَ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَالْمُنَصَّفُ مَا نُقِعَ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا وَهُوَ مُسْكِرٌ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا) وَفِي رِوَايَةٍ (لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا) وَعَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ وَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بَعْضَهَا
أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(2/566)


قال المصنف رحمه الله
* [وأما الكلب فهو نجس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دعى ألى دار فأجاب ودعى إلى دار فلم يجب فقيل له في ذلك فقال ان في دار فلان كلبا فقيل له وفى دار فلان هرة فقال الهرة ليست بنجسة) فدل علي أن الكلب نجس]
* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّ الْكِلَابَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ تَعَبُّدًا وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ الله تعالى (فكلوا مما أمكن عليكم) وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ مَوْضِعِ إمْسَاكِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ (كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَأَحْمَدُ هَذَا شَيْخُهُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وغيره هذا الحديث متصلا وقال فيه (وكان الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أو لاهن بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ إتْلَافُ مَالٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ أَيْضًا فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ هُنَا عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ النَّجِسِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ بِأَنَّ لَنَا خِلَافًا مَعْرُوفًا فِي أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْكَلْبُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فهو

(2/567)


مَعْفُوٌّ لِلْحَاجَةِ وَالْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ بِخِلَافِ الْإِنَاءِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مُجِيبًا عَنْهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ وَوُجُوبِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ فَالْكَلْبُ أَوْلَى قَالَ فَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ أَنَّ بَوْلَهَا خَفِيَ مَكَانُهُ فَمَنْ تَيَقَّنَهُ لَزِمَهُ غسله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وأما الخنزير فنجس لانه اسوأ حالا من الكلب لانه مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ ومنصوص على تحريمه فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولي واما ما تولد منهما أو من أحدهما فنجس لانه مخلوق من نجس فكان مثله]
* [الشَّرْحُ] نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنَّ مذهب مالك طهارة الخنزير مادام حَيًّا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَذَا احْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَقَوْلُهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ وَسَائِرِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا إلَى قَتْلِهَا لَكِنْ لِضَرَرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا أَوْ من احدهما وحيوان طاهر نَجِسٍ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ مِنْ كَلْبَةٍ وَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَيْسَ بِنَجِسٍ وَقَدْ سَبَقَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَجِسٍ فَكَانَ مِثْلَهُ يُنْقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَمِنْ السِّرْجِينِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ الْمَيْتَةَ لَا تُسَمَّى حَيَوَانًا وقد يمنع من هَذَا الِاعْتِرَاضُ وَيُقَالُ الدُّودُ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْمَيْتَةِ وَنَفْسِ السَّرْجِينِ وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنْ نَحْوِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي مَسْأَلَةِ طَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ: وَأَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ كُلُّهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي

(2/568)


مسائل الفرع
* قاله المصنف رحمه الله
* [وأما لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ هُوَ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طاهر فكان لبنه طاهرا كالشاة وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ اللَّبَنَ كَلَحْمِ الْمُذَكَّى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَيُؤْكَلُ كَمَا يتناول اللحم المذكى ولحم مالا يؤكل نجس فكذا لبنه]
* [الشَّرْحُ] الْأَلْبَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا لَبَنُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيُودِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا طَاهِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ
* (وَالثَّانِي) لَبَنُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ (الثَّالِثُ) لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ وَإِنَّمَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلطِّفْلِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ وَحَكَاهُ هُنَاكَ الشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا ليس بشئ بَلْ هُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا حَكَى مِثْلَهُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْآدَمِيَّةَ لَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَمَاتَتْ وَفِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ (الرَّابِعُ) لَبَنُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ نَجَاسَتُهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ طَاهِرَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِنَجَاسَتِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد فَإِنْ قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ فَهَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لِأَنَّهُ يُقَال إنَّهُ يُؤْذِي وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَأَشْبَهَ الْمُخَاطَ: وَجَمَعَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْخِلَافَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ فِي لَبَنِ الْأَتَانِ وَنَحْوِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرْبُهُ وَالثَّالِثُ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ بيعه ولا شربه: وقول المصنف لبن مالا يؤكل

(2/569)


غَيْرَ الْآدَمِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ: إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَهُ لِظُهُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
الْإِنْفَحَةُ إنْ أُخِذَتْ مِنْ السَّخْلَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَدْ أَكَلَتْ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أخذت من سخلة بحت قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ طَهَارَتُهَا لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَزَالُوا يُجْبِنُونَ بِهَا وَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَكْلِ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِهَا
* وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ نَجَاسَةَ الْإِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ كَمَذْهَبِنَا: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ السَّخْلَةِ فَأَشْبَهَتْ الْيَدَ بِخِلَافِ الْبَيْضَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا: وَلَنَا فِي الْبَيْضَةِ في جوف الدجاحة الْمَيْتَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَأَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ تَصَلَّبَتْ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ وَأَمَّا اللَّبَنُ فِي ضَرْعِ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* [وَأَمَّا رطوبة فرج المرأة فالمنصوص أنها نجسة لانها رطوبة متولدة في محل النجاسة فكانت نجسة ومن اصحابنا من قال هي طاهرة كسائر رطوبات البدن]
* [الشَّرْحُ] رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ فَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِيهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجَّحَ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ النَّجَاسَةَ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ وَحُكِيَ التَّنْجِيسُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ طهارتها ويستدل للنجاسة

(2/570)


أَيْضًا بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَرَأَيْتَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَسَأَلَ عَلِيَّ بن أبى طالب والزبير ابن الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ بِلَا غُسْلٍ مَنْسُوخَانِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْهَا فَثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ بنجاسة رطوبة الفرج والقائل الآخر يحمله عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَكِنْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَحْسَنُ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمِرْأَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وَأَمَّا مَا تَنَجَّسَ بِذَلِكَ فَهُوَ الْأَعْيَانُ الطَّاهِرَةُ إذا لاقاها شئ من هذه النجاسات واحدهما رطب فينجس بملاقاتها]
* [الشرح] هذا الذى قاله واضح لاخفاء بِهِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشْيَاءُ أَحَدُهَا الْمَيْتَةُ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا تُنَجِّسُ مَا مَاتَتْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ (الثَّانِي) النَّجَاسَة الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) الْهِرَّةُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أو مائع قبل ان تغيب لا ننجسه عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الرَّابِعُ) إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمَاءِ

(2/571)


فَلَمْ تُغَيِّرْهُ لَا تُنَجِّسُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالنَّجَاسَاتِ (أَحَدُهَا) شَعْرُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا مِنْ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ الشُّعُورِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِيهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَةُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ وسبق فيه ان مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا ذُبِحَ كَانَ نَجِسًا (الثَّانِيَةُ) قال اصحابنا الاعيان جماد وحيوان وماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْخَمْرَ وَكُلَّ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّ النَّبِيذَ طَاهِرٌ وَوَجْهٌ أَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَأَنَّ بَاطِنَ الْعُنْقُودِ إذَا اسْتَحَالَ خَمْرًا طَاهِرٌ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهِيَ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَادِ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ وَقَوْلُنَا وَلَا كَانَ حَيَوَانًا احْتِرَازٌ مِنْ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُنَا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فِي الْحَيَاةِ وَقَوْلُنَا وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ
* وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَكُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا
الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحَكَى صاحب البيان وجهان عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الدُّودَ الْمُتَوَلَّدَ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ كسائر الحيوان واما ماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ كَالْمَيْتَةِ وَالْفَضَلَاتِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُ الطَّاهِرِ مِنْهُ مِنْ النَّجِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) النَّجَاسَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لها ما لم يتصل بها شئ مِنْ الظَّاهِرِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ فَحَصَلَ بَعْضُهُ فِي الْمَعِدَةِ وَبَعْضُهُ خَارِجٌ فِي الْفَمِ أَوْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهِ إصْبَعَهُ أَوْ عُودًا وَبَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا طَوَافُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّهُ مُسْتَصْحَبٌ بِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ وَالثَّانِي لَا يَثْبُت حُكْمُ النَّجَاسَةِ وقد سبق هناك توجيهما وَبَيَانُ قَائِلِهِمَا وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى غُسْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ وَالنَّجَاسَةُ الْبَاطِنَةُ لَا حكم لها ولهذا اللبن يخرج بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّ النَّجَاسَةَ الْبَاطِنَةَ لَا حُكْمَ

(2/572)


لَهَا وَفِي الْبَيْضِ هُوَ اخْتِيَارُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيهِمَا (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْبَشَرَةِ قَالَ وَكَذَا الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي وَسَخِ الْآدَمِيِّ ضَعِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ عَرَقٌ جَامِدٌ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَكَلَتْ الْبَهِيمَةُ حَبًّا وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةً بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتَ فَعَيْنُهُ طَاهِرَةٌ لَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ لِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لانه وان صار غذاءا لَهَا فَمِمَّا تَغَيَّرَ إلَى الْفَسَادِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً وَخَرَجَتْ فَإِنَّ بَاطِنَهَا طَاهِرٌ وَيَطْهُرُ قِشْرُهَا بِالْغَسْلِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ قَدْ زَالَتْ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَمْ يَنْبُتْ فَهُوَ نَجِسٌ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ هَكَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (السَّابِعَةُ) الزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى السِّرْجِينِ قَالَ الْأَصْحَابُ لَيْسَ هُوَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ نَجَاسَةً مُجَاوِرَةً وَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهَا وَهَكَذَا الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَشَبَهُهُمَا يَكُونُ طَاهِرًا
وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَكَذَا الشَّجَرَةُ إذَا سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا فَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا وَثِمَارُهَا طَاهِرَةٌ كُلُّهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَرْعُ الشَّجَرَةِ وَنَمَاؤُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ دُودٌ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ نَجِسٌ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ
* (فَرْعٌ)
الْمِسْكُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ أَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ فِي الْبَحْرِ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ قَالَا فَإِذَا قُلْنَا بنجاسة لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَفِي هَذَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اعْتِبَارًا بِجِنْسِهِ وَالثَّانِي طَاهِرٌ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ جَمِيعَ حَيَوَانِ الْبَحْرِ طَاهِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ وَلَبَنُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَبَنُ هَذَا السِّنَّوْرِ الْبَحْرِيِّ وَقَدْ سَمِعْتُ جماعة من

(2/573)


اهل الخبرة بهذا من الثقاة يَقُولُونَ بِأَنَّ الزَّبَادَ إنَّمَا هُوَ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ فَعَلَى هَذَا هُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ قَالُوا إنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَسَ عَمَّا فيه شئ مِنْ شَعْرِهِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا نَجَاسَةُ شَعْرِ مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سِنَّوْرَ الْبَرِّ لَا يُؤْكَلُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة الا شيئان أحدهما جلد الميتة وقد دللنا عليه في موضعه والثانى الخمرة إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خطب فقال (لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله افسادها فعند ذلك يطيب الخل وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ خلا ما لم يتعمدوا الي افساده) ولانه انما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن يحكم بطهارته]
* [الشَّرْحُ] أَمَّا قَوْلُهُ لَا يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ إلَّا شَيْئَانِ فَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْعَلَقَةُ
وَالْمُضْغَةُ إذَا نَجَّسْنَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ بِمَصِيرِهِمَا حَيَوَانًا وَالثَّالِثُ الْبَيْضَةُ فِي جَوْفِ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَصِيرِهَا فَرْخًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ويجاب عن البيضة بأنها ليست نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا تَنَجَّسَتْ بِالْمُجَاوَرَةِ وَأَمَّا الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ فَفَرْعُهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ طَهَارَتُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا فَاكْتُفِيَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَآخِرُهُ قَوْلُهُ يَتَعَمَّدُوا إلى فساده وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ دُونَ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا إلَى آخِرِهِ: قَوْلُهُ أُفْسِدَتْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ خُلِّلَتْ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ إفْسَادَهَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَبْدَأُ وبهمزة آخِرُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا خُلِّلَتْ فَصَارَتْ خَلًّا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَلَكِنْ لَوْ قَلْبَ اللَّهُ الْخَمْرَ خَلًّا بِغَيْرِ عِلَاجِ آدَمِيِّ حَلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَبْدَأُ اللَّهُ إفْسَادَهَا يَعْنِي بِإِفْسَادِهَا جَعْلَهَا خَلًّا وَهُوَ إفْسَادٌ لِلْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ صَلَاحًا لِهَذَا الْمَائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ حَلَالًا وَمَالًا: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

(2/574)


خَلًّا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِمْ كُفَّارًا لَا يُوثَقُ بِأَقْوَالِهِمْ بَلْ يُبَاحُ كَمَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ وَغَيْرُهَا مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْخَلَّ وَغَيْرَهُ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي تَخْصِيصِهِمْ ذَلِكَ بِالذَّبَائِحِ وَمِمَّنْ تَابَعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ الربا والصواب ما ذكرنا وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَفَتْهَا هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ جَاءَتْ بَعْدَهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا اسْتَحَالَتْ الْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ وَسَأَذْكُرُ فَرْعًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّخَلُّلِ والتخليل إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
* [وان خللت بخل أو ملح لم تطهر لما روى ان أبا طلحة رضى الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أيتام ورثوا خمرا فقال (اهرقها فقال افلا اخللها قال لا) فنهاه من التخليل فدل علي انه لا يجوز ولانه لو جاز لندبه إليه لما فيه من اصلاح مال اليتيم ولانه إذا طرح فيها الخل نجس الخل فإذا زالت بقيت نجاسة الخل النجس فلم يطهر وان نقلها من شمس إلى ظل أو من ظل إلى شمس حتي تخللت ففيه وجهان احدهما تطهر لان الشدة قد زالت من غير نجاسة خلفتها والثاني لا تطهر لانه فعل محظور يوصل به الي استعجال ما يحل في الثاني فلم يحل به
كما لو قتل مورثه أو نفر صيدا حتى خرج من الحرم إلى الحل]
*

(2/575)


[الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلًّا قَالَ لَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو طَلْحَةَ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّخْلِيلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ حَرَامٌ فَلَوْ فَعَلَهُ فَصَارَ خَلًّا لَمْ يَطْهُرْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بَعْدَ هَذَا بِطَرِيقٍ كَالْخَلِّ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ دَلِيلُنَا هَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ ظِلٍّ إلَى شَمْسٍ وَعَكْسِهِ فَالْأَصَحُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا لِيُصِيبَهَا الْهَوَاءُ اسْتِعْجَالًا لِلْحُمُوضَةِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
الْخَمْرُ نَوْعَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا فَالْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِيَصِيرَ خَلًّا وَغَيْرُهَا مَا اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِلْخَمْرِيَّةِ وَفِي النَّوْعَيْنِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَخْلِيلُهَا بِطَرْحِ عَصِيرٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ خُبْزٍ حَارٍّ أَوْ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَإِذَا خُلِّلَتْ فَهَذَا الْخَلُّ نَجِسٌ لِعِلَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ التَّخْلِيلِ وَالثَّانِيَةُ نَجَاسَةُ الْمَطْرُوحِ بِالْمُلَاقَاةِ فَتَسْتَمِرُّ نَجَاسَتُهَا إذْ لَا مزيل لها

(2/576)


وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحُكْمِ بِانْقِلَابِهَا بِهِ طَاهِرًا بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا وَالْمَطْرُوحُ قَصْدًا وَالْوَاقِعُ فِيهَا اتفاقا بالقاء الربح وَغَيْرِهَا وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْمُحْتَرَمَةِ وَتَطْهُرُ بِهِ وَفِي وَجْهٍ تَطْهُرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا إذَا طُرِحَ بِلَا قَصْدٍ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) لَوْ طَرَحَ فِي الْعَصِيرِ بَصَلًا أَوْ مِلْحًا وَاسْتَعْجَلَ بِهِ الْحُمُوضَةَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَصَارَ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا وَالْبَصَلُ فِيهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَاقَاهُ فِي حَالِ طَهَارَتِهِ كَأَجْزَاءِ الدَّنِّ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَطْرُوحَ يَنْجُسُ بِالتَّخَمُّرِ فَتَسْتَمِرُّ
نَجَاسَتُهُ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ طَرَحَ الْعَصِيرَ عَلَى خَلٍّ وَكَانَ الْعَصِيرُ غَالِبًا بِحَيْثُ يَغْمُرُ الْخَلَّ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ فَفِي طَهَارَتِهِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ غَالِبًا يَمْنَعُ الْعَصِيرَ مِنْ الِاشْتِدَادِ فَلَا بَأْسَ بَلْ يَطْهُرُ قَطَعَا (الثَّالِثَةُ) إمْسَاكُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا جَائِزٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْخِلَافِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَيَجِبُ إرَاقَتُهَا فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لِلشِّدَّةِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِإِمْسَاكِهَا فَصَارَ كَالتَّخْلِيلِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) مَتَى عَادَتْ الطَّهَارَةُ بِالتَّخَلُّلِ طَهُرَتْ أَجْزَاءُ الظَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ لَمْ تَتَشَرَّبْ شَيْئًا مِنْ الْخَمْرِ كَالْقَوَارِيرِ طَهُرَتْ وَإِنْ تَشَرَّبَتْ لَمْ تَطْهُرْ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ كَمَا يَطْهُرُ مَا يُلَاقِي الْخَلَّ بَعْدَ التَّخَلُّلِ يَطْهُرُ مَا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي حَالِ الغليان قاله القاضي حسين وأبو الربيع الا يلاقى وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَهَذَا الا يلاقى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ قَافٌ وَاسْمُهُ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَنْسُوبٌ إلَى إيلَاق وَهِيَ بِلَادُ الشَّاشِ الْمُتَّصِلَةُ بِالتُّرْكِ قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ وَهِيَ أَحْسَنُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَنْزَهُهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو الرَّبِيعِ هَذَا بَارِعًا فِي الْفِقْهِ تَفَقَّهَ بِمَرْوٍ عَلَى الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ وَبِنَيْسَابُورَ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ وَبِبُخَارَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ وَأَخَذَ الْأُصُولَ عَنْ أبى اسحق الاسفراينى وعليه تفقه أهل الشاش وقد

(2/577)


لسطت؟ ؟ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* (فَرْعٌ)
لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ: بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ: وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ فِي طَهَارَتِهَا وَلَوْ اسْتَحَالَتْ أَجْوَافُ حَبَّاتِ الْعَنَاقِيدِ خَمْرًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا اعْتِمَادًا عَلَى طَهَارَةِ ظَاهِرِهَا وَتَوَقُّعِ طَهَارَةِ بَاطِنِهَا وَجْهَانِ وَطَرَدَهُمَا فِي الْبَيْضَةِ الْمُسْتَحِيلِ بَاطِنُهَا دَمًا وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلِّ شئ إذَا غُسِلَتْ وَغَسْلُهَا مُمْكِنٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُ دِنَانِهَا وَشَقُّ زُقُوقِهَا دَلِيلُنَا
أَنَّهَا مَالٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَتِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لا وجوب ولا يثبت شئ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَخَمْرٍ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا فَقُمْتُ وَكَسَرْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَسْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ بَلْ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَهْرِقْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْ إتْلَافَ ظَرْفِهَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْبَيْعِ التَّصَرُّفُ فِي الْخَمْرِ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ وَسَأُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا: أَمَّا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا فَتَطْهُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونَ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَأَمَّا إذَا خُلِّلَتْ بوضع شئ فِيهَا فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ

(2/578)


أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ تَطْهُرُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا طَهُرَتْ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ والثالثة حلال وتطهر دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* [وان احرق السرجين أو العذرة فصار رمادا لم يطهر لان نجاستها لعينها ويخالف الخمر فان نجاستها لمعنى معقول وقد زال]
* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ السِّرْجِينُ وَالْعَذِرَةُ وَعِظَامُ الْمَيْتَةِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَمْلَحَةٍ أَوْ وَقَعَ كَلْبٌ وَنَحْوُهُ وَانْقَلَبَتْ مِلْحًا وَلَا يطهر شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَدَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ طَهَارَةَ هَذَا كُلِّهِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ
مِنْ أَصْحَابِنَا كُلُّ عَيْنٍ نَجِسَةٍ رَمَادُهَا طَاهِرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ إذْ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ والنار تطهر الارض النجسة وهذا ليس بشئ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْرِ إذَا تخللت والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان احدهما انه نجس لانها اجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد والثانى ليس بنجس لانه بخار نجاسة فهو كالبخار الذى يخرج من الجوف]
* [الشَّرْحُ] الْوَجْهَانِ فِي نَجَاسَةِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ النَّجَاسَةُ وَجَمْعُ الدُّخَانِ دَوَاخِنُ وَيُقَالُ فِي الدُّخَانِ دخن أيضا بالفتح ودخ بضم الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَالْبُخَارُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ هَذَا الْمُرْتَفِعُ كَالدُّخَانِ وَسَوَاءٌ دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ كَالسِّرْجِينِ وَدُخَانُ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ فَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا قُلْنَا دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْفَى فَحَصَلَ فِي التَّنُّورِ فَإِنْ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ يَابِسَةٍ طَهُرَ وَإِنْ مَسَحَهُ بِرَطْبَةٍ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ فَعَلِقَ بِالثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ

(2/579)


كَثِيرًا لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغُسْلِ وَإِنْ سُوِّدَ التَّنُّورُ فَأُلْصِق عَلَيْهِ الْخُبْزُ قَبْلَ مَسْحِهِ فَظَاهِرُ أَسْفَلِ الرَّغِيفِ نَجِسٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ أَوْ أَدْخَلَ عُضْوًا مِنْهُ فِيهِ وَهُوَ رَطْبٌ لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ حَتَّى يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) فَعَلَّقَ طَهَارَتَهُ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ فدل أنه لا يحصل بما دونه]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ (إحْدَاهُنَّ) فَغَرِيبَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ فَذَكَرَهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ
فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَيَجِبُ غَسْلُ إنَائِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الْغَسْلِ سَبْعًا عَنْ أَبِي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاووس وعمرو بن دينار ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يَكْفِيهِ غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ غَسْلُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ طَهَارَتُهُ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عِنْدَهُ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ وَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثًا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد أَيْضًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَنْجُسُ الطَّعَامُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ بَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ قَالَا وَيَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ تَعَبُّدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ جَازَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَفِي جَوَازِ غَسْلِ هَذَا الْإِنَاءِ بِهَذَا الْمَاءِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

(2/580)


عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ (يَغْسِلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي عَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ كَانَ تَعَبُّدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَجَاسَةُ الطَّعَامِ وَإِتْلَافُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ سَبْعًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى هَذَا الْمَتْنَ فِي الصَّحِيحِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمُنَاسِبَاتٍ لاقوة فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ
ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ إرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَوْلَا النَّجَاسَةُ لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ هو متروك الحديث وهذا الْعِبَارَةُ هِيَ أَشَدُّ الْعِبَارَاتِ تَوْهِينًا وَجَرْحًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عنده عجائب وهذه ايضا من اوهن العبارت وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ قَالَ أَبِي كَانَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكْذِبُ قَالَ وَحَدَّثَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَوْضُوعَةٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا تَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَمِنَ لِي أَنْ لَا يُحَدِّثَ فَحَدَّثَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ فِيهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِأَنَّ مَدَارَ الْحَدِيثِ عليه ومدار

(2/581)


مَذْهَبِهِمْ عَلَيْهِ فَأَرَدْتُ إيضَاحَ الْحَدِيثِ وَرَاوِيهِ فَقَدْ يُقَالُ لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا فَفَسَّرْتُهُ وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وفى رِوَايَتِهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِجَازِيٌّ فَلَا يحتج به لو لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ سَبَبٌ آخَرُ يُضَعِّفُهُ وَكَيْفَ وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي حَالُهُ مَا وَصَفْنَاهُ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ مَعَ هَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ حَدِيثُكُمْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَفْتَى بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بثابت عنه فلا يُقْبَلْ دَعْوَى مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ بَلْ قَدْ نقل بن الْمُنْذِرِ عَنْهُ وُجُوبَ الْغُسْلِ سَبْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُنْصِفٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى عِنَايَةٍ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ أَعْنِي نَقَلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فمن بعدهم ان مُعَوَّلَ الطَّوَائِفِ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ عَلَيْهِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الرَّاوِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إذَا كَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِهِ وَمَعْلُومٌ ان هذا لا يجئ فِي مَسْأَلَتِنَا فَكَيْفَ نَجْعَلُ السَّبْعَ ثَلَاثًا
وَأَمَّا الجواب عن ما احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ إحْدَاهُنَّ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فَيَكُونُ التُّرَابُ مَعَ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلَتَيْنِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ فَيُقَالُ بِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ سَبْعُ مَرَّاتٍ فَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ هَذِهِ الرواية علي موافقتها سرنا إلَيْهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ فَوَجَبَ العمل به والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ السَّابِعَةِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ وَفِي أَيُّهَا جُعِلَ جاز لعموم الخبر]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَالْحَاصِلُ

(2/582)


أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي غَيْرِ السَّابِعَةِ أَوْلَى فَإِنْ جَعَلَهُ فِي السَّابِعَةِ جَازَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَاهُنَّ بَدَلَ أُولَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةُ بِتُرَابٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَوْلَى وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ جَعَلَ بَدَلَ التُّرَابِ الْجِصَّ أَوْ الْأُشْنَانَ وما أشبهما فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ نُصَّ فِيهِ عَلَى التُّرَابِ فَاخْتَصَّ بِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرُ نَجَاسَةٍ نُصَّ فِيهِ عَلَى جَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ كَالِاسْتِنْجَاءِ وَالدِّبَاغِ وفى موضع القولين وجهان
(أحدهما)
أنهما فِي حَالِ عَدَمِ التُّرَابِ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّانِي انهما في الاحوال كلها]
* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ بَدَلَ التُّرَابِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَالْجِصُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَالْأُشْنَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حُرْضٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ رَابِعُهَا مُخَرَّجٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَقُومُ غَيْرُ
التُّرَابِ مَقَامَهُ وَالثَّانِي يَقُومُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَالثَّالِثُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَالرَّابِعُ يَقُومُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَدَلَائِلُ الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاحْتِرَازَاتُ أيضا ظاهرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ غَسَلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ أَبْلُغُ مِنْ التُّرَابِ فَهُوَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ مَعُونَةً لِلْمَاءِ لِتَغْلِيظِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا لا يحصل بالماء وحده]
* [الشَّرْحُ] صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَغْسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ ثَمَانِ مَرَّاتٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ وَتَقُومُ الثَّامِنَةُ مَقَامَ

(2/583)


التُّرَابِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ لَا يَقُومُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا وَلَكِنَّ دَلِيلَ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ جِدًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَطَرَدُوا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ غَمَسَ الْإِنَاءَ أَوْ الثَّوْبَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بل لابد من التراب والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ وَلَغَ كَلْبَانِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعُ مَرَّاتٍ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ فِي الْجَمِيعِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وهو المنصوص في حرملة لان النجاسة لاتتضاعف بعدد الكلاب بخلاف البول]
* [الشَّرْحُ] إذَا تَكَرَّرَ الْوُلُوغُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ جِنْسهَا لَا أَثَرَ لَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا وَلَغَ كَلْبٌ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَقَوْلُنَا مِنْ جِنْسهَا احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرَّةً وَالثَّانِي يَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ والثالث انه إن مكان تَعَدُّدُ الْوُلُوغِ مِنْ كَلْبٍ كَفَى سَبْعٌ لِجَمِيعِ وَلَغَاتِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ وَجَبَ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ كَلَامٌ عَجِيبٌ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ
عُمْدَةَ الدَّلِيلِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ لِلْوَجْهِ الثَّانِي بَلْ سَلَّمَهُ وَقَرَّرَهُ وَذَكَرَ الْفَرْقَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي بَوْلِ الرَّجُلَيْنِ بِذَنُوبَيْنِ ضَعِيفٌ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ هِيَ الَّتِي فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الْمُدِّ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَذْنِبَةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ ذَنَايِبُ كَقَلُوصٍ وَقَلَايِصَ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وإن ولغ في اناء وقعت فيه نجاسة أخرى أجزأ سَبْعُ مَرَّاتٍ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ تَتَدَاخَلُ

(2/584)


وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ وَدَمٌ أَجْزَأَهُ لهما غسل مرة]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ وَلَوْ غَسَلَهُ مَرَّةً ثم وقعت فيه نجاسة غسل ستا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ مَاءِ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَغْسِلُ مِنْ كُلِّ غَسْلَةٍ مَرَّةً لِأَنَّ كُلَّ غَسْلٍ يُزِيلُ سُبْعَ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِنَاءِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْبَلَلِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ وَذَلِكَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ وَإِنْ جَمَعَ مَاءَ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ انْفَصَلَ مِنْ الْإِنَاءِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السَّابِعَةَ طَاهِرَةٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ فَإِذَا اخْتَلَطَ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نجسا]
* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ غُسَالَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرًا فَإِذَا انْفَصَلَتْ غُسَالَةُ وُلُوغِ الْكَلْبِ مُتَغَيِّرَةً بِالنَّجَاسَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ قَطْعًا وَإِنْ انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ كَمَا سَبَقَ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ الْأَخِيرَةِ فَنَجِسَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةَ فَطَاهِرَةٌ تَبَعًا لِلْمَحَلِّ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فَجُمِعَتْ السَّابِعَةُ إلَى السِّتِّ وَلَمْ تَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ الْآنَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجِسٌ لما ذكره المصنف ولو أصاب شئ مِنْ مَاءِ غُسْلِهِ ثَوْبًا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا طاهرة فالثوب طاهر ولا يشترط أَمَّا إنْ قُلْنَا نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ
الثَّوْبُ وَفِيمَا يَكْفِي فِي غَسْلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا له حكم ذلك المحل بعد هذه الغسل فَيَجِبُ لَهُ حُكْمُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَيَجِبُ بِعَدَدِ غَسْلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ ويجب التتريب ان كان إنْ كَانَ لَمْ يُتَرِّبْ وَالثَّانِي لَهُ حُكْمُهُ قبل هذه الغسلة فيجب بعددما كَانَ قَبْلَهَا وَالتَّتْرِيبُ إنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا وَالثَّالِثُ يَكْفِيهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دليله
* قال المصف رحمه الله
* [فَإِنْ وَلَغَ الْخِنْزِيرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُغْسَلُ مَرَّةً وَقَالَ سَائِرُ اصحابنا يحتاج

(2/585)


إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ قَالَ يُغْسَلُ وَأَرَادَ بِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الكلب فهو باعتبار العدد أولى]
* [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِي وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ طَرِيقِينَ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ أَحَدُهُمَا يَكْفِي مَرَّةً بِلَا تُرَابٍ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَالثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ مَعَ التُّرَابِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ قَطْعًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَتَأَوَّلُوا نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا تُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِنَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الوجوب حتى يرد الشرع لاسيما فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّعَبُّدِ وَمِمَّنْ قال يجب غسله سبعا أحمد ومالك وفى رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْخِنْزِيرِ فِيمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ قَوْلَيْنِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَهَذَا الْمُتَوَلَّدُ لَا يُسَمَّى كَلْبًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوُلُوغِ مُخْتَصَرَةٍ جِدًّا (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْلُهُ أَوْ رَوْثُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ شَعْرُهُ أَوْ لعابه أو عضو منه شيثا طَاهِرًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْوُلُوغِ وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ مَرَّةً كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّجَهٌ وَقَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا مِنْ الولوغ انما كان لينفرهم عن مواكلة الْكَلْبِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعًا مَعَ
التُّرَابِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ مُقَارَبَتِهَا وَاقْتِنَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) لَا يَكْفِي التُّرَابُ النَّجِسُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ ليس بطهور والثاني يكفى لان الغرض الاستطهار بِهِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ تَنَجَّسَتْ أَرْضٌ تُرَابِيَّةٌ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ كَفَى الْمَاءُ وَحْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ أَجْنَبِيٍّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لا يكفى في استعمال التراب دره على المحل

(2/586)


بل لابد مِنْ مَاءٍ يَمْزُجُهُ بِهِ لِيَصِلَ التُّرَابُ بِوَاسِطَتِهِ الي جميع أجزاء المحل ويتكرر بِهِ وَسَوَاءٌ طُرِحَ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ أَوْ التُّرَابُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ أُخِذَ الْمَاءُ الْكَدِرُ مِنْ مَوْضِعٍ وَغُسِلَ بِهِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْإِنَاءِ وَيُحَرِّكَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِي قَدْرِ التُّرَابِ الْوَاجِبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَقَعُ عليه الاسم والثاني ما يستوعب مَحَلَّ الْوُلُوغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (الْخَامِسَةُ) لَوْ غَسَلَهُ سِتًّا بِالْمَاءِ ثُمَّ مزج بالتراب بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ خَلٍّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَسَلَهُ بِهَا السَّابِعَةَ لَمْ يَكْفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ غَسَلَ السَّبْعَ بخل وتراب فانه لا يجزى بِالِاتِّفَاقِ (السَّادِسَةُ) لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ جَامِدٌ أَلْقَى مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْلَهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ وَيُنْتَفَعُ به كما كان كَمَا فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ وَنَحْوِهِ قاله اصحابنا وممن صرح به صاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ: قَالَ أَصْحَابُنَا ضَابِطُ الْجَامِدِ انه إذا اخذ منه قطعة لايتراد مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَوْضِعَ الْقِطْعَةِ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنْ تَرَادَّ فَهُوَ مَائِعٌ (السَّابِعَةُ) لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إنَاءً آخَرَ وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ (الثَّامِنَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَلَا يَنْجُسُ الْإِنَاءُ إن لم يكن اصابه جرمه الذى لم يصله المائع مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَقَعَ الْإِنَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ وَلَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْأَصْحَابُ مُفَرَّقَةً وَجَمَعَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنْجُسْ وَالثَّانِي يُحْسَبُ ذَلِكَ غَسْلَةً فَيَجِبُ بَعْدَهُ سِتُّ مَرَّاتٍ مَعَ التُّرَابِ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْمَاءِ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّالِثُ يُحْسَبُ سِتًّا وَيَجِبُ سَابِعَةٌ بِتُرَابٍ
وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ الْكَلْبُ أَصَابَ نَفْسَ الْإِنَاءِ حُسِبَ ذَلِكَ غَسْلَةً وَإِنْ كَانَ أَصَابَ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ

(2/587)


وَتَنَجَّسَ الْإِنَاءُ تَبَعًا حُسِبَ سَبْعًا لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ تَبَعًا لِلْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ الْآنَ فِيهِ وَالْخَامِسُ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ حُسِبَ مَرَّةً وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا طَهُرَ وَلَا حَاجَةَ إلَى مَاءٍ آخَرَ وَلَا تُرَابٍ لِأَنَّ الْمَاءَ يَجُولُ فيه مرارا ولم يصح شئ مِنْ الْأَوْجُهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً (الْعَاشِرَةُ) لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ عَيْنِيَّةً كَدَمِهِ وَرَوْثِهِ فَلَمْ تَزُلْ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا فَهَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سِتًّا أَمْ وَاحِدَةً أَمْ لَا يُحْسَبُ شَيْئًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَصَحِّهَا وَلَعَلَّ أَصَحَّهَا أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُهَا إلَّا بِغَسَلَاتٍ اُسْتُحِبَّ بَعْدَ زَوَالِ العين غسلة ثانية وثالثة فجعل مازالت بِهِ الْعَيْنُ غَسْلَةً وَاحِدَةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا لَمْ يُرِدْ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إرَاقَتُهُ أَمْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يجب اراقتها لان النفوس تطلبها فيخاف الوقع فِي شُرْبِهَا وَالثَّانِي يَجِبُ وَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيُرِقْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سائر النجاسات بل الْمُرَادَ هُنَا الزَّجْرُ وَالتَّنْفِيرُ مِنْ الْكِلَابِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا غَلَّظَ بِالْعَدَدِ وَالتُّرَابِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَتَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ ثُمَّ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِالنَّجَاسَةِ كَالْخَلِّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ أَوْ مَائِعٌ وَأَخْرَجَهُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ فَالْمَائِعُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ وَلَغَ بِكَسْرِهَا وَالْمَصْدَرُ مِنْهُمَا وَلْغًا وَوُلُوغًا وَيُقَالُ أَوْلَغَهُ صَاحِبُهُ قَالَ الْوُلُوغُ فِي
الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ فَيُحَرِّكَهُ وَلَا يُقَالُ وَلَغَ بشئ مِنْ جَوَارِحِهِ غَيْرِ اللِّسَانِ وَلَا يَكُونُ الْوُلُوغُ لشئ مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الذُّبَابِ قَالَ وَيُقَالُ لَحِسَ الْكَلْبُ الْإِنَاءَ وَقَفَنَهُ وَلَجِنَهُ وَلَجَدَهُ بِالْجِيمِ فِيهِمَا كُلُّهُ بِمَعْنَى إذَا كَانَ فَارِغًا فَإِنْ كَانَ فيه شئ قِيلَ وَلَغَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْ الْوُلُوغِ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا

(2/588)


وَمِنْ شَرَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سُؤْرُ الْهِرَّةِ والبغل والحمار والسباع والفار وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِذَا وَلَغَ فِي طَعَامٍ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِذَا شَرِبَ مِنْ مَاءٍ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْأَوْجُهُ فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي ماء أو مائع والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [ويجزئ في بول الصبي الذى لم يطعم الطعام النضح وهو أن يبله بالماء وان لم ينزل عنه ولا يجزى في بول الصبية الا الغسل لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بول الرضيع (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) ]
* [الشَّرْحُ] فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَأْكُلَا غَيْرَ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ لِلتَّغَذِّي ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُجْزِئُ النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَبَوْلُ الْخُنْثَى كَبَوْلِ الْأُنْثَى مِنْ أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ وَيُشْتَرَطُ فِي النَّضْحِ إصَابَةُ الْمَاءِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الْبَوْلِ وَأَنْ يَغْمُرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْهُ وَالْغَسْلُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيَنْزِلَ عَنْهُ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُمْهُورِ وَشَرَحَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ النَّضْحُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيُكَاثِرَهُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا يُبْلَغُ جَرَيَانُهُ وَتَرَدُّدُهُ وَتَقَطُّرُهُ بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ جَرَيَانُ بَعْضِ الْمَاءِ وَتَقَاطُرُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ عَصْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُرَادُ الْمَاءُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأُولَى النَّضْحُ الْمُجَرَّدُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ السَّيَلَانُ فَلَا تَجِبُ الثَّالِثَةُ قَطْعًا
وَتَجِبُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يَكْفِي الْأَوَّلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَهُ شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ فَرَوَاهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجَةِ الْعَبَّاسِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي السَّمْحِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَادِمُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُمَا أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بنت محسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا (جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ

(2/589)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَوْلَهَا أَثْخَنُ وَأَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ وَالثَّانِي أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا النِّسَاءُ غَالِبًا فَالِابْتِلَاءُ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ
* وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ يُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّشُّ وَاسْتَدَلَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ فَرْقٌ مِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَوْ غُسِلَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا وَإِنْ رُشَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ الطَّعَامَ أَجْزَأَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ الشافعي غير هذا قال الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّ أَحَادِيثَ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ إنْكَارًا عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الصَّبِيَّةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ) قَالَ قَوْلُهُ هَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ جَعَلَهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي جَعْلُهُ إيَّاهُ غَلَطًا
وَهُوَ يَرْتَفِعُ عَنْ ذَلِكَ ارْتِفَاعًا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ ثُمَّ ذَكَرَ النَّصَّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ لَا مَنْصُوصٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَذْكُرُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا يَقْوَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ فِي بَوْلِ الصَّبِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُهُ قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَمَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجْحَانِ التَّسْوِيَةِ مِنْ حَيْثُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ تَعَاضَدَتْ بِحَيْثُ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيَكْفِي نَضْحُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّ سلمة والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَكْفِي نَضْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الاوزاعي * قال المصنف رحمه الله
*

(2/590)


[وما سوى ذلك من النجاسات ينظر فيه فان كانت جامدة كالعذرة أزيلت ثم غسل موضعها علي ما نبينه ان شاء الله تعالى وان كانت ذائبة كالبول والدم والخمر فانه يستحب منه ثلاثا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثلاثا فانه لا يدرى أين بانت يده) فندب صلي الله عليه وسلم الي الثالث للشك في النجاسة فدل علي أن ذلك يستحب إذا تيقن ويجوز الاقتصار علي مرة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال (كانت الصلاة خمسين والغسل من النجاسة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يَزَلْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ حتى جعل الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة) والغسل الواجب من ذلك ان تكاثر النجاسة بالماء حتي تستهلك فيه فان كانت النجاسة علي الارض أجزأته المكاثرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أمر في بول الاعرابي بذنوب) وانما أمر بالدنوب لان ذلك يغمر النجاسة وتستهلك فيه وقال أبو سعيد الاصطخرى وابو القاسم الانماطى الذنوب تقدير فيجب في بول واحد ذنوب وفى بول اثنين ذنوبان والمذهب أن ذلك ليس بتقدير لان ذلك يؤدى الي أن يطهر
البول الكثير من رجل بذنوب وما دون ذلك من رجلين لا يطهر الا بذنوبين وان كانت النجاسة علي الثوب ففيه وجهان أحدهما يجزئه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئه حتى يعصر لانه يمكن عصره بخلاف الارض والاول أصح وان كانت النجاسة في اناء فيه شئ فوجهان أحدهما يجزئ فيه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئ حتى يراق ما فيه ثم يغسل لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الْكَلْبِ يَلَغُ في الاناء (فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات) ]
* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْقِطْعَةُ فِيهَا أَحَادِيثُ وَمَسَائِلُ: أَمَّا الاحاديث فالاول حيث (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْعِيفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه أَنْ يَصُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ (فَلْيُهْرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقد قدمناه

(2/591)


فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ يَلَغُ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: أَمَّا الْمَسَائِلُ فَإِحْدَاهَا الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْمَيْتَةِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ بَلْ إذَا وَقَعَتْ عَلَى طاهر ونجسته لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَهَكَذَا إذَا اخْتَلَطَتْ هَذِهِ النَّجَاسَاتُ بِتُرَابٍ وَغَيْرِهِ فَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا طَرِيقَ إلَى طَهَارَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ إلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى فَلَوْ أَلَقَى عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا أَوْ طِينَهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا: الثَّانِيَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ذَائِبَةً كَأَثَرِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ غَسْلُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْوَاجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وعن أحمد ابن حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ كُلِّهَا سبع مرات كالكلب ودليلنا حديث ابن عمرو هو صَرِيحٌ فِي الْمَرَّةِ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ كَحَدِيثِ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ (وَصُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَيْنُ الدَّمِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ طَعْمُ
سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إلَّا بِغَسَلَاتٍ كَفَاهُ زَوَالُ الْعَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَ ذَلِكَ غَسْلُهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِحَدِيثِ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) : الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الذَّائِبَةِ مِنْ الارض المكاثرة بالماء بحيث يستهلك فِيهِ وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْصَبَّ الْمَاءُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً أَمْ رِخْوَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ حَتَّى يَنْصَبَّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ فِي الثَّوْبِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الخراسانيون وجماعة من العراقين أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ سَبْعَةَ أَمْثَالِ الْبَوْلِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي بَوْلِ كُلِّ رَجُلٍ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ فَلَوْ كَانَ مِائَةً وَجَبَ مِائَةُ ذَنُوبٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ سَبْعَةُ أَضْعَافِهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِذَنُوبَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُكَاثَرَةُ إلَّا بِذَلِكَ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَلَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الثَّوْبِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَرَطْنَا الْعَصْرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِمَا مَاءُ الْمَطَرِ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الذَّائِبَةِ حُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً يَنْزِلُ الْمَاءُ فِيهَا أَجْزَأَهُ صَبُّهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَفْرُهَا وَنَقْلُ تُرَابِهَا دَلِيلُنَا حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَصَبِّ الذَّنُوبِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الْأَمْرِ بِحَفْرِهِ فَضَعِيفٌ
* الرَّابِعَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ

(2/592)


فَالْوَاجِبُ الْمُكَاثَرَةُ بِالْمَاءِ وَفِيهِ وَجْهُ سَبْعَةِ الْأَمْثَالِ الذى سبق وليس بشئ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَة غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْأَصَحُّ طَهَارَتُهَا إذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فان شرطناه لم يحكم بطهارة الثوب مادام الْمَاءُ فِيهِ فَإِنْ عَصَرَهُ طَهُرَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَعْصِرْهُ حَتَّى جَفَّ فَهَلْ يَطْهُرُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ الصَّحِيحُ يَطْهُرُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي زَوَالِ الْمَاءِ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَجَبَتْ إزَالَتُهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعَصْرِ مُفَرَّعٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ وَهِيَ
بَاقِيَةٌ فِي الثوب حكما وهذا ضعيف والمعتمد بالجزم بِالطَّهَارَةِ وَلَوْ عَصَرَهُ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا فِي إنَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ غَمَرَهُ وَلَمْ يُرِقْهُ فَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ وَمَا فِيهِ: فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُمِسَ الثَّوْبُ النَّجِسُ فِي إنَاءٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ نَجُسَ الْمَاءُ وَلَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى النَّجَاسَةِ هُنَا وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ دَاخِلُ الْإِنَاءِ مُتَنَجِّسًا فَصُبَّ فِيهِ مَاءٌ غَمَرَ النَّجَاسَةَ فَهَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ قَبْلَ إرَاقَةِ الْغُسَالَةِ: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ أصحهما الطهارة كالارض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وإن كانت النجاسة خمرا فغسلها وبقيت الرائحة ففيه قولان أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ والثاني يطهر لان الخمر لها رائحة شديدة فيجوز أن تكون لقوة رائحتها تبقى الرائحة من غير جزء من النجاسة وان كانت النجاسة دما فغسله ولم يذهب الاثر اجزأه لما روى أن خولة بنت يسار قالت (يا رسول الله ارأيت لو بقى أثر) فقال صلى الله عليه وسلم (الماء يكفيك ولا يضرك أثره) ]
* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ خَوْلَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ الْإِمَامِ قَالَ لَمْ نَسْمَعْ بِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ مُحَاوَلَةُ إزَالَةِ طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا فَإِنْ حَاوَلَهُ فَبَقِيَ طَعْمُ النَّجَاسَةِ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ وَهُوَ سَهْلُ الْإِزَالَةِ لَمْ يَطْهُرْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا كَدَمِ

(2/593)


الْحَيْضِ يُصِيبُ ثَوْبًا وَلَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الحت والقرص طَهُرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الذى قطع به الجمهور أن الحث والقرص مستحبان وليسا بشرط وفى وجه شاذهما شَرْطٌ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ وَحْدَهَا وَهِيَ عَسِرَةُ الْإِزَالَةِ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ وَبَوْلِ الْمُبَرْسَمِ وَبَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَذِرَةِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَطْهُرُ وَمِمَّنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُمَا
قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَأُمْكِنَ إزَالَتُهَا بِأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ ثُمَّ مَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ بَقَاءِ لَوْنٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ حقيقة هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ وليس بشئ هَذَا تَلْخِيصُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ فَمُرَادُهُ لَوْنٌ يَسْهُلُ إزَالَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَكَذَا مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ اللَّوْنُ لَا يَطْهُرُ وَمُرَادُهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ كَاللَّوْنِ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ كَالطَّعْمِ قَالَ لِأَنَّ اللَّوْنَ لَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطْعًا وَهَذَا الْإِنْكَارُ خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّهُ بِجَهَالَتِهِ فَهِمَ خِلَافَ الصَّوَابِ ثُمَّ اعْتَرَضَ وَالصَّوَابُ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِمَا تَأَوَّلْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَقَاءِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فَإِنْ بَقِيَ رَائِحَةٌ غَيْرُهَا فَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا لَا يَطْهُرُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْخَمْرِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَلَّدَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى عَادَتِهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِطَرْدِهِمَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ الشيخ أبو حامد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* [وإن كان ثوب نجس فغمسه في اناء فيه دون القلتين من الماء نجس الماء ولم يطهر الثوب ومن أصحابنا من قال ان قصد ازالة النجاسة لم ينجسه وليس بشئ لان القصد لا يعتبر في ازالة النجاسة ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون قال أبو العباس بن القاص إذا كان ثوب كله نجس فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقى لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة لانه إذا صب علي بعضه ماء ورد جزء من البعض الآخر علي الماء فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثواب]
*

(2/594)


[الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَطْهُرُ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَبِغَسْلِ الْمَجْنُونِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ
سُرَيْجٍ يُوَافِقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاصِّ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ صاحب البيان حكي صاحب الافصاح والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا كَانَ الثَّوْبُ كُلُّهُ نَجِسًا فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَغْسِلَهُ كُلَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فَالْجُزْءُ الرَّطْبُ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ مُلَاصِقٌ لِمَا هُوَ نَجِسٌ ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ حَتَّى يَنْجُسَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِ الثَّوْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ ابْنُ الْقَاصِّ بل بطهر الثَّوْبُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ الَّذِي يُلَاصِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى مَا هُوَ نَجِسٌ حُكْمًا لَا عَيْنًا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ) فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ دُونَ الْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ الْمُتَنَجِّسِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَنَجُسَ السَّمْنُ كُلُّهُ وَأَمَّا ابْنُ الصَّبَّاغِ فَحَكَى أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ النصف الآخر لم يطهر حتى بغسله كُلَّهُ وَحَكَى عَنْهُ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ بَلْ الدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا وُضِعَ نِصْفُهُ فِي الْجَفْنَةِ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَغْمُرُهُ لَاقَى هَذَا الْمَاءُ جُزْءًا مِمَّا لَمْ يَغْسِلْهُ وَذَلِكَ الْجُزْءُ نَجِسٌ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَنَجَّسَهُ وَإِذَا نَجُسَ الْمَاءُ نَجُسَ الثَّوْبُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ الْقَاصِّ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا نَجِسًا كُلَّهُ غَسَلَ بَعْضَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَ الثَّوْبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وجهان الصحيح ما قاله ابن القاص هو أَنَّ جَمِيعَ الثَّوْبِ نَجِسٌ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الافصاح

(2/595)


يَطْهُرُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ فَأْرَةِ السَّمْنِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمْنِ بِأَنَّهُ جَامِدٌ لَا يَتَرَادُّ قَالَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا السَّمْنُ الذَّائِبُ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْآخَرِينَ عَلَى مَا حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ غُسِلَ أَحَدُ نِصْفَيْ ثَوْبٍ ثُمَّ نِصْفُهُ الْآخَرُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُغْسَلَ كُلُّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ غُسِلَ مَعَ النِّصْفِ الثَّانِي مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ طَهُرَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفَيْنِ فَقَطْ طَهُرَ الطَّرَفَانِ وَبَقِيَ الْمُنْتَصَفُ نَجِسًا فيغسله وحده والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* [إذا أصاب الارض نجاسة ذائبة في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح فذهب اثرها ففيه قولان قال في القديم والاملاء يطهر لانه لم يبق شئ من النجاسة فهو كما لو غسل بالماء وقال في الام لا يطهر وهو الاصح لانه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس]
* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَطْهُرُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَالثَّانِي القطع بأنها لا تطهر وتأويل نصفه عَلَى أَرْضٍ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ وَأَصَابَهَا الْمَطَرُ ثُمَّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النجاسة طعم ولا لون ولا رائحة ومن قَالَ بِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَدَاوُد وَمِمَّنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُمَا إذَا زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ فَلَوْ ذَهَبَ أَثَرُهَا بِالظِّلِّ لَمْ تَطْهُرْ عِنْدَهُمْ قَطْعًا وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَمَّا الثَّوْبُ النَّجِسُ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ إذَا زَالَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالشَّمْسِ فَالْمَذْهَبُ القطع بأنه لا يطهر وبه قطع العرقيون وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ طَرَدُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ كَالْأَرْضِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ أَنَّا إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ بِالشَّمْسِ فَهَلْ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فِي الظِّلِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَفَافَ لَا يَكْفِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَجِفُّ بِالشَّمْسِ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَنْقَلِعْ
بَعْدُ آثَارُ النَّجَاسَةِ فَالْمُعْتَبَرُ انْقِلَاعُ الْآثَارِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (مَوْضِعٌ ضَاحٍ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الْبَارِزُ والله أعلم
*

(2/596)


* قال المصنف رحمه الله
* [وَإِنْ طُبِخَ اللَّبَنُ الَّذِي خُلِطَ بِطِينَةِ السَّرْجِينِ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ النَّارَ لَا تُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ وقال أبو الحسن ابن الْمَرْزُبَانِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ مَا فيه من السرجين كالزئبر فيحترق بالنار ولهذا ينتقب مَوْضِعُهُ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ والمذهب الاول]
* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا اللَّبَنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ مُخْتَلِطٌ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِهَا فَالْمُخْتَلِطُ نَجِسٌ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهَذَا فِيهِ عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَإِنْ طُبِخَ أَيْ أُحْرِقَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وخرج أبو زيد والخضرى وآخرون قولان أَنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ فَيَطْهُرُ خَرَّجُوهُ مِنْ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالشَّمْسِ قَالُوا فَالنَّارُ أَبْلَغُ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ غُسِلَ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَفَّالُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْإِحْرَاقِ فَكُسِرَ مِنْهُ مَوْضِعٌ فَمَا ظَهَرَ بِالْكَسْرِ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَا لَمْ يُكْسَرْ مِنْهُ وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ غَيْرِ مَنْبُوشَةٍ لِكَوْنِهَا مَدْفَنَ النَّجَاسَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَفْرِشَ بِهِ فَإِنْ فَرَشَ بِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا صحت مع الكراهة ولو حمله مصل ففى صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَسَدَّ رَأْسَهَا بِنُحَاسٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي غَيْرُ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالْمَعْجُونِ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ خَمْرٍ فَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَيَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا لَوْ عُجِنَ عَجِينٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَلَوْ طُبِخَ هَذَا اللَّبَنُ طَهُرَ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي زَيْدٍ ظَاهِرُهُ وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ بَاقٍ
عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُدَقَّ حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا ثُمَّ يُفَاضَ الْمَاءُ عَلَيْهِ فلو كان بعد الطبخ رخوا لايمنع نُفُوذَ الْمَاءِ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ الطَّبْخِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالزِّئْبِرِ هُوَ بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ مَا يَعْلُو الثَّوْبَ الْجَدِيدَ كَالزَّغَبِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ هُوَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ راء

(2/597)


سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَالْمَرْزُبَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ زَعِيمُ فَلَاحِي الْعَجَمِ وَجَمْعُهُ مَرَازِبَةٌ ذَكَر هَذَا كُلَّهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ هَذَا هُوَ أَبُو الحسن عل بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْزُبَانُ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ ابْنِ الْقِطَّانِ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ إمَامًا فِي الْمَذْهَبِ وَرِعًا قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنَّ لاحد علي مظلمة وهو يعلم ان الغيية مَظْلِمَةٌ تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وثلثمائة ذكرت احواله في الطبقات والتهذيب * قال المصنف رحمه الله
* [فَإِنْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ نَجَاسَةٌ فَدَلَكَهُ عَلَى الْأَرْضِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً رَطْبَةً لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْمَسْحُ كَالثَّوْبِ وَقَالَ في الامالي القديمة يَجُوزُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهِمَا خَبَثٌ فَلْيَمْسَحْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَلِأَنَّهُ تَتَكَرَّرَ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْمَسْحُ كَمَوْضِعِ الاستنجاء]
* [الشَّرْحُ] إذَا أَصَابَتْ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ فَأَزَالَ عَيْنَهَا وَبَقِيَ أَثَرُهَا نُظِرَ إنْ دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا تَنْتَشِرُ مِنْ مَحَلِّهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخُفِّ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ جَفَّتْ عَلَى الْخُفِّ فَدَلَكَهَا وَهِيَ جَافَّةٌ بِحَيْثُ لَمْ تَنْتَشِرْ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا مِنْهُ فَالْخُفُّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ هَلْ يُعْفَى عَنْ هَذِهِ النَّجَاسَةِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ المصنف أصحهما عند الاصحاب الجدبد وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَالْقَدِيمُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ هَذَا الْخُفُّ فِي مَائِعٍ أَوْ في ما دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ نَجَّسَهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ مُسْتَنْجٍ بِالْأَحْجَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا
بِالْقَدِيمِ وَهُوَ الْعَفْوُ فَلَهُ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جُرْمٌ يَلْتَصِقُ بِالْخُفِّ أَمَّا الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ بِحَالٍ الثَّانِي أن يدلكه في حال الجفاف واما مادام رَطْبًا فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ قَطْعًا الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ النَّجَاسَةِ بِالْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَلْطِيخَ الْخُفِّ بِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَأَطْرَافَهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبَةِ فِي الطُّرُقِ كَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الغزالي وصاحبه محمسد بن تحيى جَزَمَا بِالْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ

(2/598)


إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِأَسَانِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيْهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ) رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذَرِ وَالْأَذَى مَا يُسْتَقْذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَذَلِكَ كَمُخَاطٍ وَنُخَامَةٍ وَشَبَهِهِمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَجَوَابُهُ تَقَدَّمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْمَسْحُ فَاحْتَرَزَ بِمَلْبُوسٍ عَنْ مَحَلِّ الاستنجاء وبقوله نجس عن خف المحرم إذ عَلِقَ بِهِ طِيبٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إزَالَتُهُ بِالْمَسْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ مختصرة جدا خشية الاطالة وفرارا من السأآمة؟ ؟ ؟ وَالْمَلَالَةِ (إحْدَاهَا) أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَمْ يُعْصَ بِالتَّلَطُّخِ بِهَا فِي بَدَنِهِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ إزَالَتِهَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَجُسَ الزيت والمسن وَالشَّيْرَجُ وَسَائِرُ الْأَدْهَانِ فَهَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في الفأرة تقطع فِي السَّمْنِ (إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَلَمْ يَقُلْ اغْسِلُوهُ وَلَوْ جَازَ الْغَسْلُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ وَقِيَاسًا عَلَى الدِّبْسِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَائِعَاتِ إذَا تَنَجَّسَتْ فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إنَاءٍ
وَيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُكَاثَرَ بِهِ وَيُحَرَّكَ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا تَحْرِيكًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى أَجْزَائِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ حَتَّى يَعْلُوَ الدُّهْنُ ثُمَّ يُفْتَحَ أَسْفَلَ الْإِنَاءِ فَيَخْرُجَ الْمَاءُ وَيَطْهُرَ الدُّهْنُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ليس هو بصحيح وقال صحاب الْعُدَّةِ لَا يَطْهُرُ السَّمْنُ بِالْغَسْلِ قَطْعًا وَفِي غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ: أَمَّا الزِّئْبَقُ فَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وغيرهما أن اصابته نجاسة ولم ينقطع بَعْدَ إصَابَتِهَا طَهُرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ انقطع فهو كالدهن ولا يمكن تطهيره عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ شَيْئًا صَقِيلًا كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا لَمْ تَطْهُرْ بِالْمَسْحِ وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ كَغَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالْمَسْحِ (الرَّابِعَةُ) إذَا سُقِيَتْ السِّكِّينُ مَاءً نَجِسًا ثُمَّ غَسَلَهَا طَهُرَ ظَاهِرُهَا وَهَلْ يَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ أَمْ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَسْقِيَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِمَاءٍ طَهُورٍ يُورِدُهُ عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَوْ طبخ لحم

(2/599)


بِمَاءٍ نَجِسٍ صَارَ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ نَجِسًا وَفِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُغْسَلُ ثُمَّ يُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يُغْلَى مَرَّةً أُخْرَى بِمَاءٍ طَهُورٍ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي مَسْأَلَتَيْ السِّكِّينِ وَاللَّحْمِ بِأَنَّهُ يَجِبُ سَقْيُهَا وَإِغْلَاؤُهَا وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ أَنَّ الْغَسْلَ كَافٍ فِيهِمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي كتاب صلاة الخوف لو أحمى حديد ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهَا سُمًّا أَوْ غَسَلَهَا فِيهِ فَشَرِبَتْهُ ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ لِأَنَّ الطَّهَارَاتِ كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى الْأَجْوَافِ: هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا غُسِلَ السِّكِّينُ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْيَابِسَةِ لَكِنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَهُوَ حَامِلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطْبِ مَعَ قَوْلِنَا بِنَجَاسَةِ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ لَا تَصِلُ بَاطِنَهُ إذْ لَوْ وَصَلَتْ لَطَهَرَتْ بِالْمَاءِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لِلْمَاءِ قُوَّةٌ عِنْدَ الْوُرُودِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَا يَنْجُسُ بِمُلَاقَاتِهَا بَلْ يَبْقَى مُطَهِّرًا فَلَوْ صَبَّهُ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ فَانْتَشَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي الثَّوْبِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الرُّطُوبَةِ وَلَوْ صُبَّ الماء فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ طهور فإذا اداره على جوابنه طَهُرَتْ الْجَوَانِبُ كُلُّهَا هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ قَالَ فَلَوْ انْفَصَلَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا وَقَدْ زَالَتْ النَّجَاسَةُ عَنْ الْمَحَلِّ فَالْمَاءُ نَجِسٌ وَفِي الْمَحَلِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَالثَّانِي
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَحَلَّ نَجِسٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ نَجِسٌ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فِي الْمَحَلِّ قَالَ وَلَوْ وَقَعَ بَوْلٌ عَلَى ثَوْبٍ فَغُسِلَ بِمَاءٍ مَوْزُونٍ فَانْفَصَلَ زَائِدَ الْوَزْنِ فَالزِّيَادَةُ بَوْلٌ وَالْمَاءُ نَجِسٌ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ وَفِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ الْوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَطْهُرُ قُلْتُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمِيَاهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ مَعَ زيادة الوزن وليس بشئ فَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الرَّوْثُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِتُرَابٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَمْ يَطْهُرْ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُزَالَ التُّرَابُ الَّذِي وَصَلَتْهُ أَوْ يُطْرَحَ عَلَيْهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ يُغَطِّيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لَوْ طَيَّنَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ طَرَحَ عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ لَكِنْ تُكْرَهُ

(2/600)


الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ وَكَذَا لَوْ دَفَنَ مَيْتَةً وَسَوَّى فَوْقَهَا الطَّاهِرَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وتكره (السابعة) ذكرها صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاصِّ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا غَسَلَ نِصْفَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ نِصْفَهُ قَالَ لَوْ غَسَلَ الثَّوْبَ عَنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ غَسْلِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَمْ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قُلْتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ: قَالَ وَلَوْ خَرَزَ الْخُفَّ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ رَطْبٍ صَارَ نَجِسًا فَإِذَا غَسَلَهُ هَلْ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الَّذِي يَتَخَلَّلُ نقب الْخُفِّ مِنْ الْخَيْطِ نَجِسٌ لِمُلَاصَقَتِهِ الشَّعْرَ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَإِذَا غَسَلَ ظَاهِرَهُ اتَّصَلَتْ الرُّطُوبَةُ بِالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَلَا يَنْفُذُ الْمَاءُ فِيهِ لِيَطْهُرَ الْجَمِيعُ فَيَعُودَ الْمَغْسُولُ نَجِسًا وَالثَّانِي يَطْهُرُ فَيَجُوزُ أَنْ يصلى عليه لافيه وَلَوْ عَرِقَتْ رِجْلُهُ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَهَا فِيهِ رَطْبَةً لَمْ يَنْجُسْ وَلَا تَتَعَدَّى النَّجَاسَةُ مِنْ الْخَرَزِ الَّذِي فِي ثُقْبِ الْخُفِّ إلَى الْمَغْسُولِ وَكَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَخْتَارُ هَذَا الْوَجْهَ (الثَّامِنَةُ) صَبَّ الْمَاءَ عَلَى ثَوْبٍ نَجِسٍ وَعَصَرَهُ فِي إنَاءٍ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً آخر وعصره فخرج غير متغير ثُمَّ جَمَعَ الْمَاءَيْنِ فَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ طاهر وليس بشئ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ إذَا غَسَلَ فَمَهُ النَّجِسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا يَبْتَلِعْ
طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ أَكَلَ نَجَاسَةً (الْعَاشِرَةُ) إذَا كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ رَطْبَةً فَهَبَّتْ

(2/601)


الرِّيحُ فَأَصَابَهُ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غُبَارُ السَّرْجِينِ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي باب المياه (الحادية عشر) لَوْ صَبَغَ يَدَهُ بِصَبْغٍ نَجِسٍ أَوْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ شَعْرَهُ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ بِأَنْ خُلِطَ بِبَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ وَغَسَلَهُ فَزَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ فَهُوَ طَاهِرٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أبو إسحق لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ بَقِيَ لَوْنُ النَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُ الْخِضَابِ فَوَجْهَانِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا عَنْ الْحَاوِي ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا عَجِيبٌ وَاعْتِبَارُ زَوَالِ اللَّوْنِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ الْجَزْمُ بِالطَّهَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ فَإِنْ كَانَ الْخِضَابُ عَلَى شَعْرٍ كَاللِّحْيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقُهُ بَلْ يُصَلِّي فِيهِ وَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَنْصُلَ لِأَنَّهُ يَنْصُلُ عَنْ قُرْبٍ فَإِذَا نَصَلَ أَعَادَ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ وَهُوَ مما ينصل كالحناء انتظر نصوله ثم يعيدما صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْصُلُ كَالْوَشْمِ فَإِنْ أَمِنَ التَّلَفَ فِي إزَالَتِهِ لَزِمَهُ كَشْطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْحِنَّاءِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْرَهَهُ تَرَكَهُ بِحَالِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ نُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الثانية عشر) إذَا تَوَضَّأَ إنْسَانٌ فِي طَسْتٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ لم يفسد الماء ولم يجب نزح شئ مِنْهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْوًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ فِعْلُ مُكَلَّفٍ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ يَكْفِي وُرُودُ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَإِزَالَةُ الْعَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَسْلِ مُكَلَّفٍ أَوْ مَجْنُونٍ أو صبى أو لقاء الرِّيحِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ بِنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَيْهِ أَوْ مُرُورِ السَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ لكن يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ وَجْهٌ بَاطِلٌ

(2/602)


مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ وَقَعَ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ عَلَى أَرْضٍ فَقَلَعَ التُّرَابَ الَّذِي أَصَابَهُ فَإِنْ اُسْتُظْهِرَ حَتَّى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ الْبَوْلُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ الموضع طاهرا والا فلا والله أعلم
* قال مصححه عفا الله عنه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد انتهى بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الثاني) من كتابي المجموع للامام ابي زكريا محيي الدين النووي رضى الله عنه ونور ضريحه: والشرح الكبير للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقين من شهر جمادى الاولي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف

(2/603)


المجموع شرح المهذب

للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ

الجزء الثالث

دار الفكر

(3/1)