المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
* (كتاب الصلاة)
*
* (الصلاة المكتوبة خمس لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوى صوته ولا نفقه ما يقول حتي دنا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ")
*
* (الشَّرْحُ)
* الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ الشرعية صلاة لاشمالها عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَقِيلَ فِي اشْتِقَاقِهَا وَمَعْنَاهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا فاسدة لاسيما قَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صَلَيْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ إذَا قَوَّمْتُهُ وَالصَّلَاةُ تُقِيمُ الْعَبْدَ عَلَى الطَّاعَةِ وَبُطْلَانُ هَذَا الْخَطَأِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نَذْكُرَهُ لِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَاوٌ وَفِي صَلَيْتُ يَاءٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاشْتِقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ وَقَوْلُهُ ثَائِرُ أَيْ مُنْتَفِشٌ شَعْرُهُ وَهُوَ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ نَسْمَعُ وَلَا نَفْقَهُ هو بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تحث مَضْمُومَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ النُّونَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَقَوْلُهُ دَوِيَّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَمَّهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَاهُ بُعْدُهُ فِي الْهَوَاءِ وَعُلُوُّهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " هُوَ
بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ عَلَى إدْغَامِ إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الطَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الطَّاءِ عَلَى الْحَذْفِ وَأَمَّا

(3/2)


طَلْحَةُ الرَّاوِي فَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ طلحة بن عبيد الله ابن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ ابن تيم بن مرة بن كعب بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ الْخَيْرِ وَطَلْحَةَ الْجُودِ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ من جمادى الاول سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَدُفِنَ بِالْبَصْرَةِ وَحَدِيثُهُ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ جَمَعْتُهَا وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّ فِيهِ بِطُولِهِ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوُجُوبَ الصِّيَامِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْخَمْسُ وَلَا مِنْ الصِّيَامِ غَيْرُ رَمَضَانَ وَأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ النَّوَافِلِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الطَّاعَاتِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُتَأَصِّلٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَجَوَازُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَتَقْرِيرُ هذه الفوائد وما يتعلق بها موضح هناك: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا فَرْضَ عَيْنٍ سِوَاهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِيدِ هَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ وَفِي الْوِتْرِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِمَا فَإِنَّمَا وَجَبَتَا عِنْدَهُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الطَّوَافُ لَا بِالْأَصَالَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمَنْذُورَةَ وَقَدْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُسِخَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حديث سعد ابن هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ قَالَ فِيهِ قُلْتُ " أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَتْ " أَلَسْتَ تَقْرَأُ القرآن فَذَكَرَتْهُ " إلَى أَنْ قَالَتْ " فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
** (ولا يجب ذلك الا على مسلم بالغ عاقل طاهر فأما الكافر فان كان أصليا لم يجب عليه وإذا

(3/3)


أسلم لا يخاطب بقضائها لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في ايجاب ذلك عليهم تنفيرا فعفى عنه وان كان مرتدا وجبت عليه وإذا أسلم لزمه قضاؤها لانه اعتقد وجوبها وقدر علي التسبب الي أدائها فهو كالمحدث)
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا الْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ في لردة لما ذكره المصنف هذا مذهبا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي الرِّدَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَهَا وَجَعَلُوهُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ مَا قَدْ سَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهَا من فروع الاسلام وأما فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ لَا يُخَاطَبُ بِالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُخَاطَبُ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَالرِّبَا وَأَشْبَاهِهَا دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَاكَ فَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْمَاضِي وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ فَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْكُفْرِ جَمِيعًا لَا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا فَذَكَرُوا فِي الْأُصُولِ حُكْمَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الْفُرُوعِ حُكْمَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ صَلَاةٌ وَلَوْ صَلَّى في كفره ثم أسلم لم نتبين صِحَّتُهَا بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا فَعَلَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ قُرْبَةً لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الآخرة لكن يطعم بها في الذنيا وَيُوَسَّعُ فِي رِزْقِهِ وَعَيْشِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ فَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ
فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا " أَيْ قَدَّمَهَا وَمَعْنَى حَسُنَ إسْلَامُهُ أَيْ أَسْلَمَ إسْلَامًا مُحَقَّقًا لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ

(3/4)


أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وفى رواية في الصَّحِيحِ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَك مِنْ الْخَيْرِ " قَوْلُهُ أَتَحَنَّثُ أَيْ أَتَعَبَّدُ فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا يَمْنَعُهُمَا عَقْلٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إثْبَاتِ ثَوَابِهِ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بها مبسوطا في أول شرحي صحيح الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ عِبَادَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يعتد بها فمرادهم لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُجَازِفٌ غَالِطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا لَزِمَ الْكَافِرَ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ بَاقٍ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ عندنا لا تبطل الاعمال بالردة الا أن يتصل بالموت وَعِنْدَهُمْ يَبْطُلُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حبطت أعمالهم) فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِشَرْطَيْنِ الرِّدَّةِ وَالْمَوْتِ عَلَيْهَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ فِي الرِّدَّةِ أَوْ قَبْلَهَا وَهُوَ مُخَاطَبٌ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِجَمِيعِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ هَاجَرَ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ
الْقَضَاءُ سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَهَا أَمْ جَهِلَهُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفة رحمه الله لا يلزمه وما لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَهَا دَلِيلُنَا عُمُومُ النُّصُوصِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(3/5)


* (وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وعن المجنون حتى يفيق " ولا يجب عليه القضاء إذا بلغ لان زمن الصغر يطول فلو أوجبنا القضاء شق فعفى عنه)
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ الله عنهما رواه أبو داود النسائي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَيَاهُ هُمَا وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ كَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمُهَذَّبِ وقل أن يذكر رواية وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا صَبِيَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ وَيُقَالُ زَمَنٌ وَزَمَانٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لا تكليف عليه ولا يأثم بفعل شي ولا بترك شئ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَرَامَةُ إتْلَافِهِ وَنَحْوُهَا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وأما مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مرض فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة " فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح وان زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق لانه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الغرض)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لِحَاجَةٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ الْجُنُونِ والاغماء ام كَثُرَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ
وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَعَلَى مَا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ بِأَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ عَمْدًا عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا أَوْ شَرِبَ دَوَاءً لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ مِمَّا يَزُولُ بِهِ الْعَقْلُ فَزَالَ عَقْلُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ فَإِذَا عَادَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ

(3/6)


قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ لِغَلَبَتِهِ بَعْضُ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخر " السكران من اختل كلامه المنظوم باح بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ " وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ أَنْ تَخْتَلَّ أَحْوَالُهُ فَلَا تَنْتَظِمَ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَقِيَّةُ تَمْيِيزٍ وَفَهْمِ كَلَامٍ فَأَمَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ نَشَاطٌ وَهِزَّةٌ لِدَبِيبِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ يختل شئ مِنْ عَقْلِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّاحِي فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِلَا خلاف ولا ينتقض وضوؤه وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء وسنعيده ايضاحا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَحَيْثُ بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يُزِيلُ الْعَقْلَ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ كَثُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ قَلَّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْظَةً أَسْقَطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَيُتَصَوَّرُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ بِجُنُونِ لَحْظَةٍ وَإِغْمَاءِ لَحْظَةٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَحْظَةٌ ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ عَقِبَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَضَاءُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ وَقَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ وان كثر وروى هذا عن طاووس وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شُرْبُ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ لِلْحَاجَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شُرْبِ دَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِذَا زَالَ عَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ زَالَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي قَطْعِ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ إلَى تَعَاطِي مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ دَوَاءٍ فِيهِ سُمٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُ جَازَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ فِي تَنَاوُلِهِ

(3/7)


إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فَإِنْ حَرَّمْنَاهُ وَزَالَ عَقْلُهُ بِتَنَاوُلِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ نُحَرِّمْهُ فَلَا قَضَاءَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ الشَّرَابِ مُسْكِرًا أَوْ كَوْنَ الدَّوَاءِ مُزِيلًا لِلْعَقْلِ لَمْ يَحْرُمْ تَنَاوُلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَهُ مُسْكِرٌ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُسْكِرُ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ وَتَعَاطِيهِ الْحَرَامَ وَأَمَّا مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ كَالْبَنْجِ وَهَذِهِ الْحَشِيشَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَيَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وثب من موضع فزال عقله ان فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ فَعَلَهُ عَبَثًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَثَبَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مَعَ نظائرها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
* (وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما فعل الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض وان جن في حال الردة ففاته صلوات لزمه قضاؤها وان حاضت المرأة في حال الردة ففاتها صلوات لم يلزمها قضاؤها لان سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف والمرتد لا يستحق التخفيف وسقوط القضاء عن الحائض عزيمة وليس لاجل التخفيف والمرتد من أهل العزائم)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا وَلَا قَضَاءَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ فِي حَالِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْفَائِتَةُ فِي حَالِ رِدَّةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ

(3/8)


سقوط القضاء لِلتَّخْفِيفِ وَسُقُوطُهُ عَنْهَا عَزِيمَةٌ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي دَرْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَسِرٌ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ وُجُوبَ
قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ وَنَحْنُ نُقَرِّرُ الْفَرْقَ فَنَقُولُ: الْعَزِيمَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ وَالرُّخْصَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خلاف الدليل ولمعارض رَاجِحٍ وَإِنَّمَا كَانَ سُقُوطُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ عَزِيمَةً لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَتْهَا فَقَدْ امْتَثَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ التَّرْكِ فَلَمْ تُكَلَّفْ مَعَ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَلَا نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَثْرَتُهَا وَنَدُورُهُ فَيَكُونُ إسْقَاطُ قَضَائِهَا تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً بَلْ سَبَبُ إسْقَاطِ قَضَائِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ قَضَاءِ الصَّوْمِ أَيْضًا لَكِنْ لِلشَّرْعِ زِيَادَةُ اعْتِنَاءٍ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبَ قَضَاءَهُ بِأَمْرٍ مَحْدُودٍ فِي وَقْتٍ ثَانٍ وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ فَمُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ إنْ حَصَلَتْ فهى في وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ لَا فِي عَدَمِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ أَنَّ عَدَمَ قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ رُخْصَةً وَأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ فِي مُسْتَنَدِهِ فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ فِيهِ وَأَمَّا كَوْنُ سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِتَرْكِهَا فِي وَقْتِهَا يُؤْمَرُ بِقَضَائِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ وَظِيفَتِهَا وَلِهَذَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ فَهُوَ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَقِيلَ إنَّ صَوَابَهُ مِنْ أَجْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كتبنا على بنى اسرائيل) وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ وَجَبَ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْجُنُونِ وَفِي مُدَّةِ الْجُنُونِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَكْرَانَ فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا تَعَقَّبَهَا الْجُنُونُ كَانَ مُرْتَدًّا فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِذَا لم

(3/9)


يُعْرَفْ وَقْتُ الْجُنُونِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَمْتَدُّ إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا وَلَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ تَقْضِ أَيَّامَ الْحَيْضِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ حَاضَتْ وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِلْحَيْضِ فَحَاضَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُلْقِيَ الْجَنِينَ فَأَلْقَتْهُ وَنَفِسَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ مُدَّةِ النِّفَاسِ عَلَى الصَّحِيحِ
مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي النِّفَاسِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّرْكِ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ كَانَ تَخْفِيفًا وَمَنْ أُمِرَ بِالتَّرْكِ فامنثل الْأَمْرَ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِتَرْكِهِ وَبِقَضَائِهِ وَهُوَ خارج عن القياس للنص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها الا الصبى فانه يؤمر بفعلها لسبع سنين ويضرب على تركها لعشر لما روى سبرة الجهنى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ سَبْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَسَبْرَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ سَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وغيره ويقال سبرة بن عوسجة الجهنى أبوثربة بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو الرَّبِيعِ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهو أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِمَنْطُوقِهِ الصَّبِيَّ

(3/10)


وَالصَّبِيَّةَ فِي الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّفْرِيقُ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ " لَيْسَ أَمْرًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّبِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لِلْوَلِيِّ فَأَوْجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بالشئ ليس امرا بالشئ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خذ من أموالهم صدقة) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا لَا إيجَابًا وَلَا نَدْبًا الا الصبى والصبية فيؤمر ان بها ندبا
إذا بلغا سَبْعَ سِنِينَ وَهُمَا مُمَيِّزَانِ وَيُضْرَبَانِ عَلَى تَرْكِهَا إذَا بَلَغَا عَشْرَ سِنِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مميزين لم يؤمرا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ قَالَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا الْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَآخَرُونَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي آخِرِ باب موقف الامام والمأموم وهناك ذكره الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُ هَذِهِ القاعدة قوله تعالي (وأمر أهلك بالصلاة) وقوله تعالى (قو أنفسكم وأهليكم نارا) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْك حَقًّا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّكُمْ راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته " رواه البخاري ومسلم قال الشافي في المختصر " وعلي الاباء والامهات أو يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَقَلُوا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِحُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ وَبِالسِّوَاكِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَضَرْبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْأُمِّ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أُجْرَةَ تَعْلِيمِ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْفَرَائِضِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ في بيان أقسام العلم والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*

(3/11)


* (فان دخل في الصلاة ثم بلغ في أثنائها قال الشافعي رحمه الله " أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين لي أن أن عليه الاعادة " قال أبو اسحق يلزمه الاتمام ويستحب له أن يعيد وقوله أحببت يرجع الي الجمع بين الاتمام والاعادة وهو الظاهر من المنصوص والدليل عليه أن صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب وهو فيها فلزمه الاتمام ولا يلزمه أن يعيد لانه صلي الواجب بشروطه فلا يلزمه الاعادة وعلى هذا لو صلى في أول الوقت ثم بلغ
في آخره اجزأه ذلك عن الفرض لانه صلى صلاة الوقت بشروطها فلا يلزمه الاعادة وحكي عن ابى العباس ابن سريج مثل قول أبي اسحق وحكى عنه أنه قال يستحب الاتمام وتجب الاعادة فعلي هذا لو صلي في أول الوقت وبلغ في آخره لزمه أن يعيد لان ما صلي قبل البلوغ نفل فاستحب اتمامه فيلزمه أن يعيد لانه أدرك وقت الفرض ولم يأت به فيلزمه أن يأتي به ومن أصحابنا من قال أن خرج منها ثم بلغ ولم يبق من وقتها ما يمكن قضاؤها فيه لم تلزمه الاعادة وان بقى من وقتها ما يمكنه القضاء فيه لزمه وهذا غير صحيح لانه لو وجبت الاعادة إذا بقى من الوقت قدر الصلاة لوجبت إذا أدرك مقدار ركعة)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ أن يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا وَلَا يَجِبُ والثانى يستجب الْإِتْمَامُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) صَلَّى وَفَرَغَ مِنْهَا وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَلَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ سَوَاءٌ قل الباقي من الوقت ام كثر الثالث قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَ الْجَمِيعِ هذا كله في غير الجمعة أما إذ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ بَلَغَ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ قُلْنَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ يَجِبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالْجُمُعَةِ وَالصَّحِيحُ لَا تَجِبُ كَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ إذَا صَلَّيَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُمَا وَأَمْكَنَهُمَا لَا يَلْزَمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ صَلَّى لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَقَالَ دَاوُد يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بان صلاته وقعت نقلا فَلَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ يَوْمِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا نُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ فَنَقُولُ قَدْ صَلَّى

(3/12)


صَلَاةَ مِثْلِهِ وَوَقَعَتْ نَفْلًا وَامْتَنَعَ بِهِ وُجُوبُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْمُصَلِّي قَبْلَ
الْوَقْتِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَلَا مَأْذُونٍ فِيهِ بخلاف مسألتنا * قال المصنف رحمه الله
*
* (ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فان كان جاحدا لوجوبها فهو كافر ويجب قتله بالردة لانه كذب الله تعالي في خبره وان تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل وقال المزني يضرب ولا يقتل والدليل علي أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " ولانه إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ ولا مال فقتل بتركها كالشهادتين ومتى فيقتل فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له ان صليت والا قتلناك لانه يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر.
قال أبو إسحق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ويقال له ان صليت والا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد لانه ليس باكثر من المرتد وفى استتابة المرتد قولان أحدهما ثلاثة أيام والثانى يستتاب في الحال فان تاب والا قتل وكيف يقتل المنصوص انه يقتل ضربا بالسيف وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ولا يكفر بترك الصلاة لان الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح فلم يحكم بكفره ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلي الله عليه وسلم " بين الكفر والعبد ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الاول والخبر متاول)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا حَدِيثُ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُخَنَّثِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فنفى إلى القنيع فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلهُ فَقَالَ انى نهيت عن قتل المسلمين " واسناده ضعيف فيه مجهول النقيع بالنون وهو الْحِمَى الْمَذْكُورُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَرَوَى هذا الحديث البيهقي من رواية عبيد الله بن عدى بن الخبار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ " بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْعَبْدِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ كما سنذكره فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لِأَنَّهُ إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ فَيُقْتَلُ
بِتَرْكِهَا كَالشَّهَادَتَيْنِ " فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ المعلوم من سياق الكلام وان لم يذكره بلفظه

(3/13)


وَالدَّعَائِمُ الْقَوَاعِدُ وَاحِدَتُهَا دِعَامَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بترك واحد منها ولا بتركها كلها: أما حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا أَوْ جَحَدَ وُجُوبَهَا وَلَمْ يَتْرُكْ فِعْلَهَا فِي الصُّورَةِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا إذَا كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ المسلين فَأَمَّا مَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا فَلَا يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ الْجَحْدِ بَلْ نُعَرِّفُهُ وُجُوبَهَا فَإِنْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَدًّا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ وَهُوَ كَوْنُهُ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِأَنَّ الْجَاحِدَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا سَبَقَ اعْتِرَافُهُ به هكذا صرح به صاحب المحمل وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* (فَرْعٌ)
من جحد وجوب صوم رمضان والزكاة أَوْ الْحَجِّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَحَدَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا اشتهر واشترك الخواص والعوام فِي مَعْرِفَتِهِ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الخواص كاستحققاق بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَكَإِجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يُكَفَّرْ بِجَحْدِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بَلْ نُعَرِّفُهُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ غَيْرَ جَاحِدٍ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا تَرَكَهَا لعذر كنوم ونسيان وَنَحْوِهِمَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَوَقْتُهُ مُوَسَّعٌ وَلَا اثم عليه الثاني تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ تَكَاسُلًا وَتَهَاوُنًا فَيَأْثَمُ بِلَا شَكٍّ وَيَجِبُ قَتْلُهُ إذَا أَصَرَّ وَهَلْ يُكَفَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُكَفَّرُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْصُورٍ الْفَقِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي لَا يُكَفَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَمَتَى يُقْتَلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذا ضاق

(3/14)


وَقْتُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التنبيه ولم يذكره هنا والثاني يقتل إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَالرَّابِعُ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْخَامِسُ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَدْرًا يَظْهَرُ لَنَا بِهِ اعْتِيَادُهُ التَّرْكَ وَتَهَاوُنُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا تَرَكَ الظُّهْرَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَإِذَا تَرَكَ الْمَغْرِبَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ وَهَلْ تَكْفِي الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحَالِ أَمْ يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْحَالِ وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِ الِاسْتِتَابَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا (الرَّابِعَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا لِلرَّقَبَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ وَيُقَالُ لَهُ صَلِّ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ وَلَا يَزَالُ يُكَرَّرُ عليه حتي يصلي أو يموت هذا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْفَعُ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ قَتْلَهُ فَقَالَ صَلَّيْتُ فِي بَيْتِي تَرَكَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ أَمْ بَاطِلَةً قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُقَالُ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِ تَعَمُّدِ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِعِنَادِهِ وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا وَلَا أُرِيدُ فِعْلَهَا قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا قُتِلَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَا لَمْ
يُصَرِّحْ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ قُتِلَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَتَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ وَتَابَعَ الرَّافِعِيُّ

(3/15)


الْغَزَالِيَّ عَلَى هَذَا فَحَكَاهُ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَتْ الظُّهْرُ قَضَاءً عَنْهَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ مَا قَالَهُ الشاسى وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي أَدِلَّتِهِ وَقَرَّرَهُ تَقْرِيرًا حَسَنًا فِي فَتَاوِيهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ تَارِكَ الصَّلَاةِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَكَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ هَذَا جَوَابًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فَلَوْ جُنَّ قَبْلَ فِعْلِهَا لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ الجنون فلو قتله انسان لزمه القصاص قال وَكَذَا لَوْ سَكِرَ: وَلَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ أَوْ سَكِرَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قِصَاصَ لِقِيَامِ الْكُفْرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تكا سلا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا: فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يُكَفَّرُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكَفَّرُ وَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ شئ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَكَذَا الرواية " الشرك والكفر بالواو " قالوا وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ " الشِّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ " وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ قَوْلُهُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ فَلَيْسَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ التَّابِعِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَلَالَتِهِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الايمان باسناد صيحيح وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

(3/16)


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ " الزَّانِ " وَهِيَ لُغَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَاشِيَةُ الزَّانِي بِالْيَاءِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِ الله تعالي (اقتلوا المشركين) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يُوَرِّثُونَ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَيُوَرَّثُونَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَلَمْ يَرِثْ وَلَمْ يُورَثْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ كَفَّرَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ وَرِوَايَةِ شَقِيقٍ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَارَكَ
الْكَافِرَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَتْلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَمَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِيَاسُهُمْ لَا يُقْبَلُ مَعَ النُّصُوصِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ درنه شئ قالوا لا يبقى من درنه شئ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ

(3/17)


الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ يغش الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: الْبَرْدَانِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَسَتَأْتِي جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي نَحْوِ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ صلاة الجماعة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى