المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

المجموع شرح المهذب

للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ

الجزء السادس

دار الفكر

(6/1)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالي

* (باب زكاة الذهب والفضة)

(زكاة الذهب والفضة: تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله عز وجل (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ولان الذهب والفضة معد للنماء فهو كالابل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان لان ذلك معد للاستعمال فهو كالابل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة ونصاب الذهب عشرون مثقالا لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شئ) ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) والاعتبار بالمثقال الذى كان بمكة ودراهم الاسلام الذى كل عشرة وزن سبع مثاقيل لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة) ولا يضم أحدهما الي الآخر في اكمال النصاب لانهما جنسان فلم يضم أحدهما الي الآخر كالابل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالا من الذهب وخمسة دراهم عن مائتي درهم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب الصدقات (في الرقة ربع العشر) وروى عاصم بن
ضمرة عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (ليس في أقل من عشرين دينارا شئ وفى عشرين نصف دينار) ويجب فيما زاد علي النصاب بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَوَجَبَ فيما زاد بحسابه ويجب في

(6/2)


الجيد الجيد وفى الردئ الردئ فان كانت أنواعا قليلة وجب في كل نوع بقسطه وان كثرت الانواع أخرج من الوسط كما قلنا في الثمار وان كان له ذهب مغشوش أو فضة مغشوشة فان كان الذهب والفضة فيه قدر الزكاة وجبت الزكاة وان لم تبلغ لم تجب وان لم يعرف قدر ما فيه من الذهب والفضة فهو بالخيار ان شاء سبك ليعرف الواجب فيخرجه وان شاء اخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَالرِّقَةُ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هِيَ الْوَرِقُ وَهُوَ كُلُّ الْفِضَّةِ وَقِيلَ الدَّرَاهِمُ خَاصَّةً وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الرِّقَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا وَلَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ إنَّ الرِّقَةَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّهَبِ بَلْ هِيَ الْوَرِقُ وَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْته وَأَصْلُهَا وِرْقَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالزِّنَةِ مِنْ الْوَزْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ (الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ

(6/3)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عن علي عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ وَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَابْنِ عُمَرَ فَغَرِيبَانِ وَيُغْنِي عَنْهُمَا الْإِجْمَاعُ فَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى مَعْنَاهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

(6/4)


الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَفِي
مُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَالْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعُونَ بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إما إلي الجنة وإما إلي النار) وأما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَاللُّؤْلُؤُ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ لُؤْلُؤ بِهَمْزَتَيْنِ وَلُولُو بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزِ أَوَّلِهِ دُونَ ثَانِيه وَعَكْسُهُ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ اللُّؤْلُؤُ الْكِبَارُ وَالْمَرْجَانُ الصِّغَارُ وقيل عكسه (وقوله) وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ وَزْنِ عَشْرَةٍ سَبْعَةُ

(6/5)


مَثَاقِيلَ هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هُنَا كُلُّ أُوقِيَّةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّهُ صُحِّفَ فِي نُسْخَةٍ وَشَاعَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ احتراز من الماشية (وقوله) في الردئ الردئ هُوَ مَهْمُوزٌ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا الْمَسْكُوكُ وَالتِّبْرُ وَالْحِجَارَةُ مِنْهُمَا وَالسَّبَائِكُ وَغَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا إلَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) لَا زَكَاةَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وسائر النحاس والزجاج وإن حسنت صنعتها وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَلَا زَكَاةَ أَيْضًا فِي الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي حِلْيَةِ بَحْرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ فَلَا زَكَاةَ فيه ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ الْخُمْسُ فِي الْعَنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْخُمْسُ فِي كُلِّ مَا يَخْرُجُ

(6/6)


مِنْ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَحَكَى الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا حَتَّى فِي الْمِسْكِ وَالسَّمَكِ ودليلنا الاصل ان لا زكاة الافيما ثَبَتَ الشَّرْعُ فِيهِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي العنبر زكاة انما هو شئ دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَهُوَ بِدَالٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ قَذَفَهُ وَدَفَعَهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ (الثَّالِثَةُ) لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ بِوَقِيَّةِ الْحِجَازِ وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَأَمَّا الْمِثْقَالُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَقَدْرُهُ مَعْرُوفٌ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرَادُ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الَّتِي كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَسَأُفْرِدُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلًا نَفِيسًا أَذْكُرُ فِيهِ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ فِي حَالِ الدِّينَارِ والدرهم وقدرهما وما يتعلق بتحقيقهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ حَبَّةً أَوْ بَعْضَ حَبَّةٍ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ عندنا وإن راج رواج الوزن وَزَادَ عَلَيْهِ لِجَوْدَةِ نَوْعِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ مِنْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَحَبَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ وَيَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ وَعَنْهُ إنْ نَقَصَتْ دَانَقًا أَوْ دَانَقَيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إذَا نَقَصَتْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ واحتج لهما بأنها كالمائتين في المعاملة (احتج) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْبَابِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا دُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُسَامِحُ بِهِ صَاحِبُهُ إذَا نَقَصَ تَبَرُّعًا فَلَوْ طَالَبَ بِنُقْصَانِ الْحَبَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(6/7)


(فَرْعٌ)
لَوْ نَقَصَ نِصَابُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَنَحْوَهَا فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَكَانَ تَامًّا فِي بَعْضِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ لَا تَجِبُ
لِلشَّكِّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ النِّصَابِ وَالثَّانِي تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِيهِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ وَقَالَ الصَّوَابُ لَا تَجِبُ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ (الرَّابِعَةُ) لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ وَلَا هِيَ إلَيْهِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُضَمُّ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَيَكْمُلُ النَّوْعُ من أحدهما بالنوع الآخر والجيد بالردئ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وبالردائة الْخُشُونَةُ وَالتَّفَتُّتُ عِنْدَ الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) وَاجِبُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ أَمْ زَادَ زِيَادَةً قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسَةُ) يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاتِهِمَا أَنْ يَمْلِكَهُمَا حَوْلًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مُعْظَمَ السَّنَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ وَلَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا ثُمَّ تَمَّتْ بَعْدَ سَاعَةٍ انْقَطَعَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا حَوْلٌ كَامِلٌ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ هُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلُّهُ جَيِّدًا أَخْرَجَ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَهُ مَعِيبًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ مَغْشُوشًا لَمْ يُجْزِئْهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَعْضُ جَيِّدًا وَالْبَعْضُ رَدِيئًا فَأَخْرَجَ عَنْ الْجَمِيعِ رَدِيئًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يُجْزِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا عِنْدِي خَطَأٌ مَحْضٌ صَرِيحٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ له استرجاع المعيب والردئ وَالْمَغْشُوشِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ مَحْكِيَّانِ فِي الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَعِيبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ سَلِيمَةٍ فَأَعْتَقَ مَعِيبَةً فَإِنَّهَا تُعْتَقُ وَلَا تُجْزِيهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ ما له قَبْلَ الْحَوْلِ.
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا بَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ كَوْنَهَا زَكَاةَ هَذَا الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَوَجَّهْ الرُّجُوعُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا

(6/8)


فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْمَسَاكِينُ أَخْرَجَ التَّفَاوُتَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمُخْرَجُ بِجِنْسٍ آخَرَ فَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ مِثَالُهُ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ جَيِّدَةٍ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً مَعِيبَةً فَقَوَّمْنَا الْخَمْسَةَ الْجَيِّدَةَ بِذَهَبٍ.
فَسَاوَتْ نِصْفَ دِينَارٍ وَسَاوَتْ الْمَعِيبَةُ خُمُسَيْ دِينَارٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ جَيِّدٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مَالِهِ جَيِّدًا فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ رَدِيئًا كَفَاهُ الاخراج من نفسه أو من ردئ مثله وهذا الاخلاف فِيهِ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَأَخْرَجَ أَجْوَدَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذهب أنواعا بعضها جيد وبعضها ردئ أَوْ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ قَلَّتْ الْأَنْوَاعُ وَجَبَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أَخْرَجَ مِنْ أَوْسَطِهَا لَا مِنْ الْأَجْوَدِ وَلَا مِنْ الْأَرْدَأِ كَمَا سَبَقَ فِي الثِّمَارِ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الصَّحِيحِ عَنْ الْمَكْسُورِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ إذَا لَزِمَهُ دِينَارٌ جَمَعَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَإِنْ وَجَبَ نِصْفُ دِينَارٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا كَامِلًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً فَإِذَا تَسَلَّمُوهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِي الدِّينَارِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لَأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نَصِيبَهُ أَوْ يَشْتَرِي نَصِيبَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَى صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُكَسَّرُ عَنْ الصَّحِيحِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ (وَجْهٌ ثَانٍ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ حِصَّتَهُ مُكَسَّرًا (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ (وَوَجْهٌ رَابِعٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ فَرْقٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ مَغْشُوشَةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهَا نِصَابًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَمَتَى تَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا تَكُونُ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ فِيهَا مِائَتَيْنِ وَلَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّتْ إلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ غَيْرِهِ لَبَلَغَ نِصَابًا تَجِبُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(لَيْسَ فِيمَا دُونَ خمس اواق من الورق صدقه) والله تعالي أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَغْشُوشَةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ خَالِصَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو متطوع بالزيادة ولو أخرج عن مِائَتَيْنِ خَالِصَةٍ خَمْسَةً مَغْشُوشَةً فَقَدْ سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيه وَأَنَّ

(6/9)


لَهُ اسْتِرْدَادَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الالف المغشوشة يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ رُبْعَ الْعُشْرِ أَجْزَأَهُ بِأَنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا سَوَاءً فَأَخْرَجَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ الْفِضَّةِ فِيهَا مَعَ عِلْمِهِ بِبُلُوغِهَا نِصَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أن يسبكها ويخرج ربع العشر خَالِصِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ مَا يَتَيَقَّنُ أن فِيهِ رُبْعُ عُشْرِ خَالِصِهَا فَإِنْ سَبَكَهَا فَفِي مؤنة السبك وجهان حكاهما صاحبا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَكَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ
(وَالثَّانِي)
تَكُونُ مِنْ الْمَسْبُوكِ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ الْمُشْتَرَكِ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ فِي الْمَغْشُوشِ كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الْفِضَّةِ عِلْمًا لَكِنِّي اجْتَهَدْتُ فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى كَذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفٌ مِنْ أَحَدِهِمَا سِتُّمِائَةٌ وَمَنْ الْآخَرِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلَا يَعْرِفُ أَيُّهُمَا الذَّهَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ احْتَاطَ فَزَكَّى سِتَّمِائَةَ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةَ فِضَّةً أَجْزَأَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُمَيِّزَهُ بِالنَّارِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَقُومُ مَقَامَ النَّارِ الِامْتِحَانُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ قَدْرُ الْمَخْلُوطِ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فِي مَاءٍ وَيُعَلَّمَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْتَفِعُ إلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُخْرَج وَيُوضَع مِثْلُهُ مِنْ الفضه الخالصة ويعلم علي موضع الارتفاع وهذه العلامة تقع فَوْقَ الْأَوْلَى لِأَنَّ أَجْزَاءَ الذَّهَبِ أَكْثَرُ اكْتِنَازًا ثُمَّ يُوضَعَ فِيهِ الْمَخْلُوطُ وَيُنْظَرَ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِهِ أَهُوَ إلَى عَلَامَةِ الذَّهَبِ أَقْرَبُ أَمْ إلَى عَلَامَةِ الْفِضَّةِ وَيُزَكَّى كَذَلِكَ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ إنْ كَانَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ فَلَهُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي لَمْ يُقْبَلْ ظَنُّهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ أَوْ التَّمْيِيزُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ قَالَ ويحتمل ان يجوز الاخذ بما شَاءَ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّ
اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَجْهًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ولان فيه افسادا للنقود واضرار ابذوى الْحُقُوقِ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ وَانْقِطَاعَ الْأَجْلَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَى الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَخْفَى فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ

(6/10)


فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وإن كَانَتْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ لا يؤمن فيه لغش وَالْإِفْسَادُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا قَالَ الْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ إمْسَاكِ الْمَغْشُوشِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يغربه وَرَثَتَهُ إذَا مَاتَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْحَيَاةِ كَذَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ فَإِنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَوْ صُفِّيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُورَةٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَطْلِيَّةِ بِزِرْنِيخٍ وَنَحْوِهِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْغِشِّ كَالْعَدَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا كَالْمَغْشُوشِ بِنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ فِيهَا مَعْلُومَةً لَا تَخْتَلِفُ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى عَيْنِهَا الْحَاضِرَةِ وَفِي الذِّمَّةِ أَيْضًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الَّتِي فِيهَا مَجْهُولَةً فَفِي صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا مُعِينَةٌ وَفِي الذِّمَّةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ فِيهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهَا بِالنُّحَاسِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادُهَا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِضَّةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ لِأَنَّ مقصوده الفضه وهى مجهولة وكما لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَوَاهِرِ وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ مَعِيبَةً وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا قَرْضُهَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا غَالِبًا
لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَيَجُوزُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْآخَرِينَ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ قَالَ الصيتمرى وَصَاحِبُهُ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا كَانَ قَدْرُ الْفِضَّةِ فِي الْمَغْشُوشَةِ مَجْهُولًا فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يكون الغش بشئ مَقْصُودٍ لَهُ قِيمَةٌ كَالنُّحَاسِ وَهَذَا لَهُ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ غَيْرَ مُمَازِجَةٍ لِلْغِشِّ كَالْفِضَّةِ عَلَى النُّحَاسِ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا لَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الآخر

(6/11)


غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُشَاهَدٍ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا كَالْفِضَّةِ الْمَطْلِيَّةِ بِذَهَبٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ مُمَازِجَةً لِلنُّحَاسِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهْلِ بِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَعْجُونَاتِ وَفِي جَوَازِهَا عَلَى أَعْيَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وأبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ حِنْطَةٍ مَخْلُوطَةٍ بِشَعِيرٍ وَكَالْمَعْجُونَاتِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ بِخِلَافِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ (الحال الثاني) أن يكون الغش بشئ مستهلك لاقيمة لَهُ حِينَئِذٍ كَالزِّئْبَقِ وَالزِّرْنِيخِ فَإِنْ كَانَا مُمْتَزِجِينَ لَمْ تَجُزْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ مُمْتَزِجٌ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُمْتَزِجَيْنِ بَلْ كَانَتْ الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِ الزِّرْنِيخِ وَالزِّئْبَقِ صَارَتْ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُشَاهَدٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ: هَذَا كُلُّهُ لَفْظُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَالْحُكْمُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بالدنانير الخالصة وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ بِمَغْشُوشَةٍ وَلَا بِخَالِصَةٍ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الرِّبَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَتْلَفَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إنْسَانٌ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا ذَهَبًا لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مَضْبُوطَةً فَيَجِبُ مِثْلُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِتَفْسِيرِ الْكَنْزِ الْمَذْكُورِ في قوله تبارك وتعالي (الذين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فبشرهم بعذات اليم) وَجَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الْكَنْزِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى
زَكَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا أَمْ ظَاهِرًا فَأَمَّا مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بكنز سواء كان مدفونا أم بارز أو ممن قَالَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ في ضحيحه مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه أن اعرابيا قال لابن

(6/12)


فَوَيْلٌ لَهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ فِي أَحْكَامِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ قَالَ أحمد بن شبيب وذكر اسناده وأحمد اين شَبِيبٍ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ الْمَشْهُورِينَ وَقَدْ عَلِمَ أهل العناية بصنعة الْحَدِيثِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ إذَا اسْتَعْمَلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي شَيْخِهِ كَانَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ مَا أُسْقِطَ فِي أَوَّلِ إسْنَادِهِ وَاحِدٌ فأكثر وكل هذا موضح فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ فَقَالَ (هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديت حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية (الذين يكنزون الذهب والفضة) كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقُوا فَقَالُوا يا نبى الله انه اكبر علي أصحابك هذه الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَكَبَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ مَا يُكْنَزُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) رواه أو دَاوُد فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَنْزُ مَا لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَمَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا قَالَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ دَاوُد فَقَالَ ابْنُ دَاوُد الْكَنْزُ فِي اللُّغَةِ
الْمَالُ الْمَدْفُونُ سَوَاءٌ أَدَّيْت زَكَاتَهُ أَمْ لَا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الْكَنْزُ الْمُحَرَّمُ فِي الْآيَةِ هُوَ مَا لَمْ تُنْفِقْ منه في سبيل الله في الغز وقال وكل من الاعتراضين غلط والصواب قال الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والله اعلم
*

(6/13)


(فَصْلٌ)
فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَمَبْدَأُ أَمْرِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ وَضَبْطُ مِقْدَارِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَابِ
* الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ
* قَالَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الْمُعَدَّلَةِ مِنْهَا الْعَشَرَةُ بِسَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الْأَوْزَانِ فِي الْبُلْدَانِ فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ وَمِنْهَا الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَهُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ الْجَارِي بَيْنَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ شِرَاهَا بَرِيرَةَ إنْ شَاءَ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فَعَلْت تُرِيدُ الدَّرَاهِمَ فَأَرْشَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْوَزْنِ وَجَعَلَ الْمِعْيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ تَزَلْ الدَّرَاهِمُ عَلَى هَذَا الْعِيَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا غَيَّرُوا السِّكَكَ وَنَقَشُوهَا بِسِكَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا قال النبي صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِأَمْرِ النَّاسِ مِمَّنْ يَعْنِي بِهَذَا الشَّأْنِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ضَرْبَيْنِ الْبَغْلِيَّةُ السَّوْدَاءُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيَّةُ أَرْبَعَةٌ وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا مُنَاصَفَةً مِائَةٌ بَغْلِيَّةٌ وَمِائَةٌ طَبَرِيَّةٌ فَكَانَ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَكَاةً فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ بَنِي أُمَيَّةَ قَالُوا إنْ ضَرَبْنَا الْبَغْلِيَّةَ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهَا الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَضُرُّ الْفُقَرَاءَ وَإِنْ ضَرَبْنَا الطَّبَرِيَّةَ ضُرَّ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَجَمَعُوا الدِّرْهَمَ الْبَغْلِيَّ وَالطَّبَرِيَّ وَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَأَمَّا الدِّينَارُ فَكَانَ يُحْمَلُ إلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَلَمَّا أَرَادَ عبد الملك ابن مَرْوَانَ ضَرْبَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَأَلَ عَنْ أَوْزَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجْمَعُوا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمِثْقَالَ اثْنَانِ وعشرون قيراطا الاحبة بِالشَّامِيِّ وَأَنَّ عَشَرَةً مِنْ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَضَرَبَهَا كَذَلِكَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: اسْتَقَرَّ فِي الْإِسْلَامِ وزن الدراهم سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ اسْتِقْرَارِهَا عَلَى هَذَا الْوَزْنِ فَقِيلَ كَانَتْ فِي الْفُرْسِ ثَلَاثَةُ أَوْزَانٍ مِنْهَا دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ الْمِثْقَالِ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَدِرْهَمٌ اثْنَا عَشَرَ وَدِرْهَمٌ عَشَرَةٌ فَلَمَّا اُحْتِيجَ فِي الاسلام

(6/14)


إلَى تَقْدِيرِهِ أُخِذَ الْوَسَطُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْزَانِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا مِنْ قَرَارِيطِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا الْبَغْلِيُّ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أربعة المعربى ثَلَاثَةُ دَوَانِيقَ وَالْيَمَنِيُّ دَانِقٌ وَاحِدٌ فَقَالَ اُنْظُرُوا أَغْلَبَ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا فَكَانَ الْبَغْلِيُّ وَالطَّبَرِيُّ فَجَمَعَهُمَا فَكَانَا اثْنَيْ عَشَرَ دَانِقًا فَأَخَذَ نِصْفَهُمَا فَكَانَ سِتَّةَ دَوَانِيقَ فجعله درهم الْإِسْلَامِ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ الملك بن مروان قال أبو الزياد أَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِضَرْبِهَا فِي الْعِرَاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ بَلْ ضَرَبَهَا فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِهَا فِي النَّوَاحِي سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ قَالَ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَمْرِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعِينَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكَاسِرَةِ ثُمَّ غَيَّرَهَا الْحَجَّاجُ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَتَقَعُ بِهَا الْبِيَاعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ من ذلك أنه لم يكن منها شئ مِنْ ضَرْب الْإِسْلَامِ وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مِنْ ضَرْبِ فَارِسٍ وَالرُّومِ وَصِغَارًا وَكِبَارًا وَقِطَعَ فِضَّةٍ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَلَا منقوشة ويمنية ومغربية فرأو اصرفها إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ وَتَصْيِيرَهَا وَزْنًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ وَأَحْيَانًا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْمَوَازِينِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَكَيْفَ كَانَتْ تُعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الله تعالي في الزكاة وغيرها وحقوق المعباد
وَهَذَا كَمَا كَانَتْ الْأُوقِيَّةُ مَعْلُومَةً أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِهَذَا الْوَزْنِ وَهُوَ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمِثْقَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ فِي زَمَنِ رَسُولِ الله كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ مَعْرُوفَةَ الْمِقْدَارِ وَهِيَ السَّابِقَةُ

(6/15)


إلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَبِهَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُهُ كَانَ هُنَاكَ دَرَاهِمُ أُخْرَى أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّرَاهِمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ كُلُّ دِرْهَمٍ ستة دوانيق كل عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا عَلَى هَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَأَمَّا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ حَزْمٍ بَحَثْت غَايَةَ الْبَحْثِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ فَكُلٌّ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بمكة وزنه ثنتان وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ وَعُشْرُ عُشْرُ حَبَّةٍ فَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَهُوَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَأَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ على المائتين فقال الجمهور يخرح مِمَّا زَادَ بِحِسَابِهِ رُبْعَ الْعُشْرِ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَمْ كَثُرَتْ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وابن عمر والنخعي وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ والحسن

(6/16)


البصري والشعبى ومكحول وعمرو ابن دينار والزهرى وابو حنيفة لا شئ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْنِ حَتَّى
تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا دِرْهَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نِصَابَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ويجب فيما ما زاد بحسابه ربع العشر قلت الزيادة أم كَثُرَتْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ إذَا كَانَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَقِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ فَرُوِيَ عَنْهُ هَذَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا هُوَ دُونَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (1) وَفِي دُونِ عِشْرِينَ إذَا سَاوَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ وَإِنْ بلغت مائى دِرْهَمٍ وَتَجِبُ فِي عِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهَا مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وابو حنيفة
__________
(1) كذا بالاصل ولعل الصواب واختلفوا الخ

(6/17)


وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ
* وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الذَّهَبِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ دُونَ عِشْرِينَ مثقالا فلا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ
* وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ تَنْقُصُ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالذَّهَبُ يَنْقُصُ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نَقْصًا يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ يَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أن مذهبنا أنه لا زكاة وبه قال استحاق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْمَلُ نِصَابُ الدَّرَاهِمِ بِالذَّهَبِ وَلَا عَكْسُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا إلَّا نِصْفًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَشَرِيكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمِّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَضُمُّ الْقَلِيلَ إلَى الْكَثِيرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حنيفة انه يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَهُ ذَهَبَ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ
يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْأَجْزَاءِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليس فبما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) (الثَّالِثَةُ) مذهبنا ومذهب

(6/18)


الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره من أصحابنا عن المغربي وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عددا وَزْنًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عددا وزنها مائتان فلا شئ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مِائَتَانِ عَدَدًا وَزْنُهَا مِائَةٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمَا لِمُخَالَفَتِهِ النُّصُوصَ وَالْإِجْمَاعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ (الرَّابِعَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ مِثْلَ نِصْفِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ بِغِشِّهِ نِصَابًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغِشَّ إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا غِشَّ فِيهَا فَرَدَّ عَشَرَةً فِيهَا سِتَّةٌ فِضَّةً وَالْبَاقِي غُشَّ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهَا وَيَبْرَأُ الْمُقْتَرِضُ بِهَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ خَالِصَةً فَأَخْرَجَ زَكَاتَهَا خَمْسَةً مَغْشُوشَةً قَالَ تَجْزِيهِ قَالَ الماوردى وفساد هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) (الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ

(6/19)


انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَكْمُلُ النِّصَابُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَلِفَتْ كُلُّهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَتَلِفَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ تَمَامَ الْمِائَتَيْنِ وَتَمَامَ الاربعين وجبت زكاة الجميع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ له دين نظرت فان كان دينا غير لازم كمال الكتابة لم يلزمه زكاته لان ملكه غير
تام عليه فان العبد يقدر أن يسقطه وان كان لازما نظرت فان كان علي مقر ملئ لزمه زكاته لانه مقدور على قبضه فهو كالوديعة وان كان علي ملئ جاحد أو مقر معسر فهو كالمال المغصوب وفيه قولان وقد بيناه في زكاة الماشية وان كان له دين مؤجل ففيه وجهان قال أبو اسحق هو كالدين الحال علي فقير أو ملئ جاحد فيكون علي قولين وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تجب فيه

(6/20)


الزكاة فإذا قبضه استقبل به الحول لانه لا يستحقه ولو حلف أنه لا يستحقه كان بارا والاول أصح لانه لو لم يستحقه لم ينفذ فيه ابراؤه وان كان له مال غائب فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يرجع إليه وان لم يقدر عليه فهو كالمغصوب)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الدَّيْنُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ لَازِمًا وَهُوَ مَاشِيَةٌ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ أَرْبَعُونَ شَاةً سَلَمًا أَوْ قَرْضًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ شَرْطَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ السَّوْمُ وَلَا تُوصَفُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بِأَنَّهَا سَائِمَةٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَهُوَ مُسْتَقَرٌّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ تعذر استيفاؤه لا عسار مَنْ عَلَيْهِ أَوْ جُحُودِهِ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مَطْلِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَهُوَ كَالْمَغْصُوبِ: وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ طُرُقٌ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ زَكَاةِ الماشية والصحيح وجوبها وقيل يجب في الممطول والدين علي ملئ غَائِبٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْوُجُوبُ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حُصُولِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ (1) فِي يَدِهِ أَخْرَجَ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ هَذَا مَعْنَى الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِيفَاؤُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى ملئ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُهُ وَقُلْنَا الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِلَا شَكٍّ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبِ (أَصَحُّهُمَا) يجب الزكاة (والثاني) لا تجب أو هذه طريقة أبى اسحق المروزى
__________
(1) كذا في الاصل ولعل الصواب إذا حصل الخ

(6/21)


(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ نَقْدًا تُسَاوِي سِتَّةً مُؤَجَّلَةً وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يسلم أربعة نقدا نساوي خَمْسَةً مُؤَجَّلَةً فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْإِخْرَاجِ إلَى الْقَبْضِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ فَقِيرًا عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لِيُوقِعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا لِأَنَّ شَرْطَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَمْلِيكًا مُحَقَّقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَالُ الْغَائِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خبره فهو كالمغصوب هكذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ نَافِذٌ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ قَبْلَ عَوْدِهِ وَقَبْضِهِ وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُخْرِجُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ الزَّكَاةَ
* هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فَإِنْ كان سائرا غير مستقر لم تجب إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَإِذَا وَصَلَ أَخْرَجَ عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ وَمَا وَجَدْته خِلَافُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَنَزِّلْهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُظَنُّ مُخَالِفًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ) وَهَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ سَائِرًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعِدَّةِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا فِي الْحَالِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ) أَصْحَابُنَا كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجَبَ ضَمُّهُ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ لِإِكْمَالِ النِّصَابِ وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِمَا فِي الْحَالِ وَكُلُّ دَيْنٍ لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجِبُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَالًا يَبْلُغُ وَحْدَهُ نِصَابًا وَيَبْلُغُ بِالدَّيْنِ نِصَابًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا مَعَهُ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ لزمه زكاتهما عن الماضي شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قلنا
إخْرَاجُ قِسْطِ مَا مَعَهُ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الدَّيْنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَزِمَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَكُلُّ دَيْنٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عَوْدِهِ عَنْ الْمَاضِي بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْحَوْلَ إذَا قَبَضَ فَهَذَا لَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابُ ما معه وإذا قبضه لا يزكيهما عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُمَا الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٌ وَمِائَةٌ غَائِبَةٌ فَإِنْ كانت الغائبة مقدورا عليها لزمه زكاة الحاضرة في الحال في موضعها والغائبه فِي مَوْضِعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا عَادَ فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَاضِرِ لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ وان قلنا تجب زَكَاتُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْحَاضِرِ فِي الْحَالِ فيه الوجهان

(6/22)


السَّابِقَانِ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شرط في الوجوب ام الضَّمَانُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا فِي الْحَالِ أَوْجَبْنَاهَا فِيهِ وَفِي الْغَائِبِ إنْ عَادَ وَإِلَّا فَلَا * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُجْرَةُ دَارٌ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَجِبُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا فَأَشْبَهَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجِبُ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْهَدِمُ الدَّارُ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِالرِّدَّةِ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا زَكَاةُ الصَّدَاقِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَيَلْزَمُهَا الْإِخْرَاجُ عَنْ جَمِيعِهِ فِي آخِرِ كل حول بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ بِالْفَسْخِ بِرِدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ غَيْرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ وَقَبَضَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بدليلهما (مِثَالُهُ) آجَرَهَا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةٍ وَسِتِّينَ دِينَارًا كُلُّ سَنَةٍ بِأَرْبَعِينَ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ مِلْكِ الْمِائَةِ وَقَبْضِهَا زَكَاةُ جَمِيعِ الْمِائَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي البويطى قال صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمُصَنَّفِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ

(6/23)


(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْقَدْرِ الَّذِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَفِي غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ حِصَّةِ السَّنَةِ وَهُوَ دِينَارٌ عَنْ أَرْبَعِينَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا السنتين وهى أربع دَنَانِيرَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارَانِ وَقَدْ أَخْرَجَ فِي السنة الاولي دينار افيسقط عَنْهُ وَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَوَاجِبُهَا تِسْعَةُ دَنَانِيرَ لكل سنة ثلاثة وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ أَرْبَعَةً فَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وستين دينارا في السنين الماضية تِسْعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا وَاجِبَ السَّنَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى سِوَى مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَزَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةَ لِسَنَتَيْنِ وَعِنْدَ السنة الثالثة والرابعة يقاس بما ذكرناه امام إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الْمِائَةِ وَالسِّتِّينَ وَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ يُخْرِجُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ مَا بَقِيَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ قَالُوا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْجَمِيعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ الْقَوْلَانِ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ وَالْإِخْرَاجُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا إنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كله إذا كانت الاجرة مساوية فِي كُلِّ السِّنِينَ كَمَا مَثَّلْنَاهُ أَوَّلًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ زَادَ الْقَدْرُ الْمُسْتَقِرُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ علي ربع المائة فِي بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ هَلْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهَا أَوْ كَانَتْ مُعِينَةً أَمْ لَا فَرْقَ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ نَقَلَةِ الْمَذْهَبِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَتَفْصِيلًا إلَّا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَجِبُ زَكَاةُ كُلِّ الْمِائَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَا أَخَذَ
حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ رَدُّ مِثْلِهِ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ حُكْمُ الزَّكَاةِ حُكْمُهَا فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعُودَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَحَقُّ بالخلاف من الاولى وما ذكره القاضى اختيار مِنْهُ لِلْوُجُوبِ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا هَذَا آخِرُ كلام

(6/24)


الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنْ فِي مِلْكِهِ قَوْلَانِ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَكَالصَّدَاقِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ وَنُصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مَوْقُوفًا فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ مِنْ الْمُدَّةِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى الْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ بِالِانْهِدَامِ رَجَعَ بِمَا قَابَلَهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا قَابَلَهَا كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
أَنَّ مِلْكَ

(6/25)


الزَّوْجِ عَلَى الصَّدَاقِ مُسْتَقِرٌّ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لِبِضْعِهَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ لم يرجع بشئ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالثَّانِي أَنَّ رُجُوعَ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ إذَا عَرَضَ فَسْخٌ أَوْ بِنِصْفِهِ إذَا عَرَضَ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ إنَّمَا هُوَ ابتداء جلب ملك فلا يمنع استقرارا مِلْكِ الزَّوْجَةِ عَلَى الصَّدَاقِ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِقِسْطِ الْأُجْرَةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فرع)
لو انهدمت الدار في أثاء الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا يَنْفَسِخُ في الما عَلَى الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا سَبَقَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْجَمِيعِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ
حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَلَزِمَهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ قَالَ وَأَمَّا زَكَاتُهَا فَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ إنَّ مِلْكَهُ

(6/26)


غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا زَكَاةَ لانه كلما مَضَى مِنْ مُدَّةٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ إنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ فَحُكْمُهُ عَكْسُ مَا سَبَقَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَزَالَ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُزَكِّي الْبَاقِي وَهَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِصَّتِهَا فَإِذَا مضتت السنة الرابعة زال ملكه عن ما بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ فَلَا يُزَكِّيه وَلَا رُجُوعَ بِمَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ السِّلْعَةَ حَتَّى حَالَ حَوْلٌ عَلَى الثَّمَنِ فِي يَدِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إخْرَاجُ زَكَاةِ النَّقْدِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْأُجْرَةِ لان الثمن

(6/27)


قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ لِلتِّجَارَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهَا قَبْلَ قَبْضِهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا إنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةِ مُسْتَقِرٌّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ الْفَسْخِ فَمِلْكُ الثمن والسلعة مستقر فيجب زكاتهما وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسْخَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِي الْأُجْرَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَكَذَا الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَسْلَمَ نِصَابًا فِي ثَمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَعَذُّرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ زَكَاةُ النِّصَابِ الَّذِي قَبَضَهُ بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْأُجْرَةِ فَأَمَّا الْمُسْلَمُ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ الْمُسْلَمِ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ تأجيل الثمر يمنع وجو ب زَكَاتِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم
*

(6/28)


(فَرْعٌ)
إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِنِصَابٍ وَمَاتَ الْمُوصِي وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ يَحْصُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الزَّكَاةُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ
يَبْطُلُ بِرِدَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِزَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِلْوَارِثِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِضَعْفِهِ بِتَسَلُّطِ الْمُوصَى لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَقَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَصَدَقَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً بِأَعْيَانِهَا لَزِمَهَا الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا من يوم الاصداق

(6/29)


سواء دخل بِهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخْرِجٌ مِنْ الْأُجْرَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ كَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الزَّوْجِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ عَادَ نِصْفُ الْمَاشِيَةِ إلَى الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يميز فهما خليطان فعليهما عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ تَكُونَ قَدْ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَاشِيَةِ فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) نِصْفُ الْجُمْلَةِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْغَنَمِ أَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَخَذَ النِّصْفَ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ
(وَالثَّانِي)
نِصْفُ الْغَنَمِ الْبَاقِيَةِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأُمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنِصْفِ عَيْنِ الصَّدَاقِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعَيْنِ فَيَرْجِعُ فِي نِصْفِ مَا بَقِيَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الصَّدَاقِ فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ أَصْدَقهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَحَالَ الْحَوْلُ فَبَاعَتْ بَعِيرًا وَاشْتَرَتْ مِنْ ثَمَنِهِ شَاةً أَخْرَجَتْهَا زَكَاةً فَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ يَنْصَرِفُ الْمُخْرَجُ إلَى حِصَّتِهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِعَشْرَيْنِ شَاةً فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا
الحكم كما سبق من القولين الباقيبن مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْصَرِفُ هُنَا إلَى نَصِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ هُنَاكَ فَيَرْجِعَ الزَّوْجُ بِعِشْرِينَ كَامِلَةً لِأَنَّهَا بِاخْتِيَارِهَا صَرَفَتْ الْمُخْرَجَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فالمذهب وبه قطع العراقيون وغيرهم بأخذ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَخْرُجُ الزَّكَاةُ أَصْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ تَعُودُ إلَى الزَّوْجِ شَائِعًا فَإِذَا جَاءَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا شَاةً رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَلَوْ اقْتَسَمَاهَا قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا فَفِي صِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ فَصَحِيحَةٌ فَعَلَى هَذَا لَهُمَا عِنْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِالزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ

(6/30)


(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقِيًا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا فِي يَدِهَا دُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهَا اسْتَقَرَّ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا تَالِفَيْنِ فَأَيُّهُمَا يُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا وَالثَّانِي لِلسَّاعِي مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيمَا كَانَ بِأَيْدِيهِمَا فَإِنْ طَالَبَ الزَّوْجَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ طَالَبَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِهَا بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْهَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهَا فيأخذ الساعي الزكوة مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا فَفِي بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ متقدم فصار قدر الزكوة كَالْمُسْتَحَقِّ حَالَ الْقِسْمَةِ فَعَلَى هَذَا بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ يكون لوجود الزوج بعض الصداق دُونَ بَعْضِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي ذِمَّتِهَا وَأَخْذُ السَّاعِي كَانَ بَعْدَ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فلم يبطلها كما لو اتلفت المرأة شيأ مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ بِقِسْمَةٍ فَعَلَى هَذَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجَةِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ المأخوذة ان كَانَتْ مِثْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ السَّاعِيَ ظَلَمَهُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وقل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَتَقَاسَمَا قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ الْمُقَاسَمَةُ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ صَحَّتْ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ فَجَاءَ السَّاعِي لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَإِنْ وَجَدَ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ مِنْ عَيْنِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَمِمَّا أَخَذَهُ الزَّوْجُ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَاقٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَصْدَقهَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ مَضَتْ أَحْوَالٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُشْتَرَطُ فِي زَكَاتِهِ السَّوْمُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*

(6/31)


قال المصنف رحمه الله تعالي
* (ومن ملك مصوغا من الذهب والفضة فان كان معدا للقنية وجبت فيه الزكاة لانه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ وان كان معدا للاستعمال نظرت فان كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أوما يحلي به المصحف أو يؤزر به المسجد أو يموه به السقف أو كان مكروها كالتضبيب القليل للزينه وجبت فيه الزكاة لانه عدل به عن اصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وبقى علي حكم الاصل وان كان لاستعمال مباح كحلي النساء وما اعدلهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان (احدهما) لا تجب فيه الزكاة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (ليس في الحلي زكاة ولانه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الابل والبقر (والثاني) تجب فيه الزكاة واستخار الله فيه الشافعي واختاره لما روى ان امرأة من اليمن جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معها ابنتها في يدها مسكتان غليظتان من الذهب فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتعطين زكاة هذا فقالت لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ايسرك ان يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما والقتهما إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ هما لله ولرسوله ولانه من جنس الاثمان فاشبه الدراهم والدنانير وفيما لطخ به اللجام وجهان قال أبو الطيب بن سلمة
هو مباح كالذى حلي به المنطقة والسيف فيكون على قولين وقال أبو إسحق لا يحل وهو المنصوص لان هذا حلية للدابة بخلاف السيف والمنطقة فان ذلك حلية للرجل في الحرب فحل وإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه الا انه يمكن اصلاحه للبس ففيه قولان
(أحدهما)
تجب فيه الزكاة لانه لا يمكن لبسه فوجبت فيه الزكاة كما لو تفتت
(والثانى)
لا تجب لانه للاصلاح واللبس اقرب وان كان لها حلي معد للاجارة ففيه طريقان أحدهما انه تجب فيه الزكاة قولا واحدا لانه معد لطلب النماء فأشبه إذا اشتراه للتجارة والثانى انه علي قولين لان النماء المقصود قد فقد لان ما يحصل من الاجرة قليل فلم يؤثر في ايجاب الزكاة كأجرة العوامل من الابل والبقر وإذا وجبت الزكاة في حلي تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه ويسلمه إليهم بتسليم مثله ليستقر ملكهم عليه كما قلنا في الرطب الذى لا يجئ منه تمر وقال أبو العباس يخرج زكاته بالقيمة لانه يشق تسليم بعضه والاول أظهر)
*

(6/32)


(الشرح) أما الاحاديث ولآثار الْوَارِدَةُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ وَعَدَمِهَا فَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسْكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ (أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ عن خالد بن الحرب عَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا إسناد حسن وراه التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا رواه الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالْمُثَنَّى وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفَانِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شئ هَذَا آخِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا التَّضْعِيفُ الَّذِي ضعفه الترمذي بناه عَلَى انْفِرَادِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ به وليس هو منفردا بَلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحُسَيْنٌ ثِقَةٌ بِلَا خِلَافٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ
وَمِنْ رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا ثُمَّ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُعْتَمِرٍ وَحَدِيثُ مُعْتَمِرٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صُغْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك يارسول اللَّهِ قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ هُوَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ
* وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْت أَلْبَسُ أوضاحا من ذهب فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ يُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ نَافِعٍ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ورى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَ

(6/33)


أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ) وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها كانت تحلى بنانها الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيه نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ فِي الْأُمِّ وَرَوَاهَا عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عمرو ابن دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحُلِيِّ أَفِيه زَكَاةٌ فَقَالَ جَابِرٌ لَا فَقَالَ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ كَثِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَا أَدْرِي أَثَبَتَ عَنْهُمَا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُمَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَرَوَى فِيهِ شَيْئًا ضَعِيفًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ السَّابِقَ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من رواية حسين المعلم عن عمرو ابن شُعَيْبٍ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ بِبَعْضِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حُسَيْنُ أَوْثَقُ مِنْ الْحَجَّاجِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ رِوَايَاتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهَا صَحِيفَةٌ كَتَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ الْبَيْهَقِيُّ

(6/34)


وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عَمْرِو مِنْ أَبِيهِ وسماع أبيه من جده عبد الله ابن عَمْرٍو قَالَ وَقَدْ انْضَمَّ إلَى حَدِيثِهِ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْفَتَخَاتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِين كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فيه محفوظا غير ان رواية القسم وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مدهبها مِنْ إخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَتْهُ عنه الافيما عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِي يَرْوِيه فُقَهَاؤُنَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ لَا أَصْلَ لَهُ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ فَمَنْ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا كَانَ مُغَرَّرًا بِدِينِهِ دَاخِلًا فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ أَمْثَالِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَحَصَلَ فِي ضِمْنِهِ بَيَانُ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَمَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ الْحُلِيِّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً أَوْ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ: قَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمَلٍ مِنْهُ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَحِلُّ مِنْ الْحُلِيِّ وَيَحْرُمُ فِي هَذَا الْبَابِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَكُلُّ مُتَّخِذٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ إذَا حَكَمَ بِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُبَاحًا كَحُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمِنْطَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ قولان مشهوران أصحهما عند الاصحاب لا كمالا تَجِبُ فِي ثِيَابِ الْبَدَنِ وَالْأَثَاثِ وَعَوَامِلِ الْإِبِلِ والبقر وهذا مع الانار السَّابِقَةِ عَنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا نصه في البويطي والقديم قال السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ

(6/35)


وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَوْنَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَآخَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُ الْفُورَانِيِّ إنَّ الْقَدِيمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالْجَدِيدَ لَا تَجِبُ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ لَا تَجِبُ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ كَمَا نُصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا مُبَاحًا بَلْ قصد كنزه واقتناءه فالمذهب الصحيح المشهور لذى قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا مُبَاحًا فِي عَيْنِهِ لَكِنْ لم يقصد به استعمالا ولا كنز أو اقتناء أو اتخذه لِيُؤَجِّرَهُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْأُجْرَةِ كَأُجْرَةِ الْمَاشِيَةِ الْعَوَامِلِ وَالثَّانِي تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا زَكَاةَ فِيهِ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُتَّخَذَ لِلْإِجَارَةِ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ
*

(6/36)


(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُحَرَّمًا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا زكاة في الاصح قال أصحابنا والمحرم نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ لَعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي وَالْمَلَاعِقِ وَالْمَجَامِرِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُحَرَّمٌ بِالْقَصْدِ بِأَنْ يَقْصِدَ الرَّجُلُ بِحُلِيِّ النِّسَاءِ الَّذِي يَمْلِكُهُ كَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ أَنْ يَلْبَسَهُ أَوْ يُلْبِسَهُ غِلْمَانَهُ أَوْ قَصَدَتْ الْمَرْأَةُ بِحُلِيِّ الرِّجَالِ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ أَنْ تَلْبَسَهُ أَوْ تُلْبِسَهُ جَوَارِيهَا
أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ أو أعد الرجل لِنِسَائِهِ وَجَوَارِيه أَوْ أَعَدَّتْ الْمَرْأَةُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِزَوْجِهَا وَغِلْمَانِهَا فَكُلُّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا بَلْ قَصَدَ كَنْزَهُ وَاقْتِنَاءَهُ أَوْ إيجَارَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْقَصْدِ الطَّارِئِ بَعْدَ الصِّيَاغَةِ فِي جمع مَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْمُقَارَنِ فَلَوْ اتَّخَذَهُ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالٍ مُحَرَّمٍ ثُمَّ قَصَدَ مُبَاحًا بَطَلَ الْحَوْلُ إذَا قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَلَوْ عَادَ الْقَصْدُ الْمُحَرَّمُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الِاسْتِعْمَالَ ثُمَّ قَصَدَ كَنْزَهُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا نَظَائِرُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ حُلِيَّ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ حُلِيَّ الرِّجَالِ بِلَا قَصْدٍ وَقُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ الِاتِّخَاذَ مُبَاحٌ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الزَّكَاةِ بِالشَّكِّ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَانْكَسَرَ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أحدها) أن ينكسر بحيث لا يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ فَلَا تَأْثِيرَ لِانْكِسَارِهِ بِلَا خِلَافٍ ويبقي في زكاته القولان (الثاني) ينكسر بحيث يمنع الِاسْتِعْمَالُ وَيَحُوجُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَأَوَّلُ الْحَوْلِ وَقْتَ الِانْكِسَارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (والثالث) ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لَا يَحْتَاجُ إلَى صَوْغٍ وَيَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ بِالْإِلْحَامِ فَإِنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَنْزَهُ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الِانْكِسَارِ وَإِنْ قَصَدَ إصْلَاحَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا زَكَاةَ وَإِنْ تَمَادَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ

(6/37)


لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَا وَلَا ذَاكَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحُلِيِّ فَالذَّهَبُ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَعَلَى الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ التَّحْرِيمِ عَلَى الرِّجَالِ مَوْضِعَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَفِي مَعْنَى الْأَنْفِ السِّنُّ وَالْأُنْمُلَةُ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا ذَهَبًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ أو يده لى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَمَا جَازَ مِنْ هَذَا مِنْ الذَّهَبِ فَمِنْ الْفِضَّةِ أَوْلَى وَقَدْ سَبَقَتْ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَبَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) تَمْوِيهُ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وغيرهما للرجل ان كان يحصل منه شئ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ التَّحْرِيمُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ (هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (وَالثَّانِي) الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَأَمَّا اتِّخَاذُ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ لِلْخَاتَمِ فَقَطَعَ الْأَصْحَابُ بِتَحْرِيمِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهُ بالضبية الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّخَتُّمُ بِهَا وَهَلْ لَهُ مَا سِوَى الْخَاتَمِ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالدُّمْلُجِ وَالسِّوَارِ وَالطَّوْقِ وَالتَّاجِ فِيهِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيه يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ الْحُلِيِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْعَابِ الْعَدُوِّ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالْخُفِّ وَالرَّانِينَ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالثُّفْرِ لِلدَّابَّةِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قال أبو الطيب ابن سَلَمَةَ مُبَاحٌ كَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ

(6/38)


وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ كُتُبٍ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ لِأَنَّ هَذَا حِلْيَةٌ لِلدَّابَّةِ لَا لِلرَّجُلِ بِخِلَافِ الْمِنْطَقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَيَجْرِيَانِ فِي تَحْلِيَةِ أَطْرَافِ السُّيُورِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ الْقِلَادَةِ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ تحلية شئ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذَّهَبِ وَكَذَا بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَالتَّشَبُّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَقَالَ آلَاتُ الْحَرْبِ إمَّا أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَلَابِسِ الرَّجُلِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ الايرى أَنَّ الشَّافِعِيَّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ قَالَ الشَّاشِيُّ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا غَيْرَ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ لِلنِّسَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْت) وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ حَرَامٌ وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الصحيح أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ وَاَللَّهُ تعالى أعلم
*

(6/39)


(فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ جَمِيعًا كَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالْخَاتَمِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالدَّمَالِجِ وَالْقَلَائِدِ وَالْمَخَانِقِ وَكُلِّ مَا يُتَّخَذُ فِي الْعُنُقِ وَغَيْرِهِ وَكُلِّ مَا يَعْتَدْنَ لُبْسَهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَأَمَّا لُبْسُهَا نِعَالَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ الظَّاهِرِ وَالْخُيَلَاءِ وأصحهما عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِبَاحَةُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ لِبَاسُ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النَّوَاحِي فَحَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ لَا يَجُوزُ لانه تشبيه بالرجال وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِلْمَرْأَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْإِبَاحَةُ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهَا لِبَاسٌ حَقِيقِيٌّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا اتِّخَاذُ زِرِّ لقميص وَالْجُبَّةِ وَالْفَرْجِيَّةِ مِنْ ذَهَبِ وَلَا فِضَّةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ تَحْرِيمُ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِهَا (قُلْت) إنْ تَكُنْ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَإِذَا جَازَ الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ فَالزِّرُّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فَإِنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كان
كلخلخال وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ تَحْرِيمُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُبَاحٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً أَوْ الْمَرْأَةُ خَلَاخِلَ كَثِيرَةً ليلبس الواحد منها بَعْدَ الْوَاحِدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ القطع بالجواز لعموم النصوص المطلقة والثاني فيه وَجْهَانِ كَالْخَلْخَالِ الَّذِي فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا يَتَحَلَّى بِهِ لُبْسًا فَأَمَّا غَيْر اللُّبْسِ فَمِنْهُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَكَذَا اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ الْمُضَبَّبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ وَسِكِّينِ الْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ وَالدَّوَاةِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ بِالذَّهَبِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا

(6/40)


التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ هَذِهِ كُلِّهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَقِيلَ هِيَ كالرجل فيكون فيها الوجهان الا فِي حَقِّهَا وَحَقِّ الرَّجُلِ سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا حُلِّيَتْ بِذَهَبٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اتَّخَذَ مُدْهِنًا أَوْ مُسْعِطًا أَوْ مُكْحُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَا ظَرْفُ الْغَالِيَةِ اللَّطِيفِ حَرَامٌ أَيْضًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمُكْحُلَةٍ وَظَرْفِ غَالِيَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِوَاءِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَحْلِيَةُ رُبْعِهَا بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَتَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا كَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ فِي رَبْطِ سِنِّهِ وَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِتَحْرِيمِ الْمِيلِ البندنيجي
*

(6/41)


(فَرْعٌ)
فِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ (وَجْهَانِ) أَوْ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَنُصَّ فِي سنن الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الْأُمِّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَهَذَا شُذُوذٌ مِنْهُ فَلْيُعْرَفْ وَأَمَّا تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَحَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ تَحْلِيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ غِلَافِهِ بِالذَّهَبِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ بَاقِي الْكُتُبِ غير القرآن فحرام باتفاق الاصحاب ومن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ هُنَا وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَمْوِيهُ سَقْفِهِ وَتَعْلِيقُ قَنَادِيلِهَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أصحهما) التحريم وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا عَمِلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْجَوَازُ تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِعْظَامًا لِلدِّينِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى سَتْرِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا حَرَامٌ وَجَبَتْ زكاته بلا خلاف والا فعلي القولين في الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ هَذَا إذَا كَانَ التَّمْوِيهُ وَالْقَنَادِيلُ وَنَحْوُهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ فَاعِلِهَا

(6/42)


فَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَيْهِ إمَّا مِنْ غَلَبَةٍ وَإِمَّا بِأَنْ وَقَفَهَا الْفَاعِلُ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَفِي صِحَّةِ وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى هذه الجهة مع تحريمهما نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الْفَاعِلُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَخْرَجَهَا بِالِاسْتِظْهَارِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ وَإِلَّا فَلْيُمَيِّزْهُ بِالنَّارِ
فَإِنْ كَانَ لَوْ ميز لم يجتمع منه شئ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يجتمع منه شئ وصار مستهلكا فلا يحرم استدامته والله تعالي أَعْلَمُ وَأَمَّا تَمْوِيهُ سَقْفِ بَيْتِهِ وَجِدَارِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ الاتفاق عليه قالوا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ لِإِعْظَامِ الْمَسْجِدِ كَمَا جَازَتْ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ حيت جَوَّزْنَاهُ دُونَ سَائِرِ الْكُتُبِ (قَالَ) الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كان المموه مستهلكا لا يحصل منه شئ بالسبك لَمْ يَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ وَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ إنْ بَلَغَ وَحْدَهُ نِصَابًا أَوْ بِانْضِمَامِ مَالٍ آخَرَ لَهُ
*

(6/43)


(فَرْعٌ)
لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا عَلَى قَوْمٍ يَلْبَسُونَهُ لُبْسًا مُبَاحًا أَوْ يَنْتَفِعُونَ بِأُجْرَتِهِ الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ الْمُعَيَّنِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَلَّى شَاةً أَوْ غَزَالًا أَوْ غَيْرَهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ
* (فَرْعٌ)
حَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي تَحْلِيَةِ ولي الصِّبْيَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ فِي إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ دليل الاوجه (وأصحها) جَوَازُ تَحْلِيَتِهِمْ مَا دَامُوا صِبْيَانًا وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَالثَّانِي) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ
* (فَرْعٌ)
الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا لُبْسُ حُلِيِّ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ مُرْصَدَاتٍ لِلتَّزَيُّنِ لِلْأَزْوَاجِ وَالسَّادَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ الْقَاضِي أَبُو الفتوح والبغوى وصاحب البيان وآخرون وهو مباحا له في صغره ولم يتحقق تحريمه الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِي الصِّغَرِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ زَادَ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَفِي زَكَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ وُجُوبَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُحَرَّمٌ
(وَالثَّانِي)
فِي وُجُوبِهَا لقولان فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحُ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ تَحْرِيمَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ وإنما حرمناه للاحتياط والله تعالي أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَأَمَّا الْمُتَّخَذَةُ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ اسْتِعْمَالِ

(6/44)


وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فَهُوَ لِلْقُنْيَةِ وَمَكْرُوهٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ وَالْمُتَّخَذَ لِلْقُنْيَةِ يَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ إذَا جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ فَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْحُلِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ لَا يُعَدُّ وَجْهًا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَلَيْسَ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهِ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ فِي ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لِصَانِعِهِ وَالْأَرْشِ عَلَى كَاسِرِهِ وَكَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاضِحًا وَيَظْهَرُ فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ فَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ بِأَنْ كَانَ لَهَا خَلَاخِلُ وَزْنُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ فُرِضَ مِثْلُهُ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُحَلَّاةِ لِلرِّجَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ الْحُلِيِّ مَتَاعًا بِأَنْ سَلَّمَهُ كُلَّهُ إلَى السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ نَائِبِهِمْ فَإِذَا تَسَلَّمَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَبِيعُ السَّاعِي نَصِيبَ الْمَسَاكِينِ إمَّا لِلْمَالِكِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُونَهُ هُمْ إنْ قَبَضُوهُ هُمْ أَوْ وَكِيلُهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَصُوغًا كَخَاتَمٍ وَسِوَارٍ لَطِيفٍ وَغَيْرِهِمَا وَزْنُهُ خَمْسَةٌ وَقِيمَتُهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ نَفْسِ الْمَكْسُورِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمَسَاكِينِ طَلَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ وَبِهِمْ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَيِّدَةً لجودة سبكها ولينها بحيث تساوى سبعة ونصفا اجزاءه لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ ذَهَبًا يُسَاوِي سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لِلْحَاجَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ والاصحاب والمذهب الاول ويندفع الْحَاجَةُ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ له إناء وزنه مائتان ويساوى ثلثمائة
فَإِنْ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَ الْإِنَاءِ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ وَكَيْفِيَّةُ إخْرَاجِهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحُلِيِّ وَإِنْ حَرَمْنَاهُ وَهُوَ الاصح ولا قيمة لصنعة شَرْعًا فَلَهُ إخْرَاجُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفِيسَةً وَلَهُ كَسْرُهُ وَإِخْرَاجُ خَمْسَةٍ مِنْهُ وَلَهُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ مُشَاعًا وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الذَّهَبِ بَدَلًا عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَى كَاسِرِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْإِنَاءِ إنْ جَوَّزْنَا وَجَبَ وَإِلَّا

(6/45)


فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ كالرجال دون النساء وعكسه ويجب عَلَى كَاسِرِهِ ضَمَانُ صَنْعَتِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الضَّبَّةُ الَّتِي عَلَى الْإِنَاءِ إذَا حَكَمْنَا بِكَرَاهَتِهَا فَلَهَا حُكْمُ الْحَرَامِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُبَاحِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِإِبَاحَتِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الصَّيْمَرِيُّ ثُمَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُتَابِعُوهُمَا هُنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ إذَا أَكْرَى حُلِيَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَنْ لَا يُكْرِيَهُ بِجِنْسِهِ بَلْ يُكْرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَلَوْ أَكُرَى الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بُطْلَانُهُ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلهُ الرِّبَا وَلِهَذَا يَجُوزُ إجَارَةُ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ الربا هُنَا مَدْخَلٌ لَمْ يَجُزْ هَذَا
* (فَرْعٌ)
إذَا اتَّخَذَ أَنْفًا أَوْ سِنًّا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ شَدَّ سِنَّهُ بِهِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا زَكَاتُهُ فَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ الْعُضْوُ وَتَرَاكَبَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ والشعبي ومحمد ابن عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وابو ثور وابو عبيد وبن
والمنذر وَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أيضا عن ابى الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَالزُّهَرِيِّ وَاحْتَجَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي اول الفصل والآثار وروى البيهقى عن بن عمر وبن الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَكَاةَ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم
*

(6/46)