المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (باب العقيقة)

* قال المصنف رحمه الله
* (العقيقة سنة وهو ما يذبح عن المولود لما روي بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عن الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجب ذلك لما روي عبد الرحمن بن أبي سعيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن العقيقة فقال لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فاحب أن ينسك له فليفعل فعلق على المحبة فدل على أنها لا تجب ولانه إراقة دم من غير جناية ولا نذر فلم يجب كالاضحية
والسنة أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة لما روت أم كرز قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة فقال للغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولانه إنما شرع للسرور بالمولود والسرور بالغلام أكثر فكان الذبح عنه أكثر وان ذبح عن كل واحد منهما شاة جاز لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن شاة جاز لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا) ولا يجزئ فيه ما دون الجذعة من الضأن ودون التثنية

(8/426)


من المعز ولا يجزئ فيه إلا السليم من العيوب لانه اراقة دم بالشرع فاعتبر فيه ما ذكرناه كالاضحية والمستحب أن يسمى الله تعالى ويقول اللهم لك واليك عقيقة فلان لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وقال قولوا بسم اللهم لك واليك عقيقة فلان) والمستحب أن يفصل أعضاءها ولا يكسر عظمها لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة تطبخ جدولا ولا يكسر عظم) ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع ولانه أول ذبيحة فاستحب أن لا يكسر عظم تفاؤلا بسلامة أعضائه ويستحب أن يطبخ من لحمها طبيخا حلوا تفاؤلا بحلاوة أخلاقه
* ويستحب أن يأكل منها ويهدي ويتصدق لحديث عائشة ولانه إراقة دم مستحب فكان حكمها ما ذكرناه كالاضحية
* والسنة أن يكون ذلك في اليوم السابع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤسهما الاذى) فان قدمه على اليوم السابع أو أخره أجزأه لانه فعل ذلك بعد وجود السبب والمستحب أن يحلق شعره بعد الذبح لحديث عائشة ويكره أن يترك على بعض راسه الشعر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن القزع في الرأس) والمستحب أن يلطخ راسه بالزعفران ويكره أن يلطخ بدم العقيقة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ (كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يجعلوا مكان الدم خلوفا))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

(8/427)


اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ ضَعِيفَانِ كَمَا تَرَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إذَا ضُمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ قَوِيَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَهُ وفي اسناده عبيد الله بن يزبد وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَحَّحَهُ
* وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَقَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لك واليك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ فِي طَبْخِهَا جُدُولًا فَغَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يوم السابع وأمر أن يماط عن رأسهما الْأَذَى) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ قَرِيبًا عَنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ حَدِيثُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْقَزَعِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْعَلُونَ قُطْنَةً) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَالْعَقِيقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَقِيقَةُ أَصْلُهَا الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ يُولَدُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعْرُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ (أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) وَيَعْنِي بِالْأَذَى ذَلِكَ الشَّعْرَ الَّذِي
يُحْلَقُ عنه قال وهذا من تسمية الشئ بِاسْمِ مَا كَانَ مَعَهُ أَوْ مَنْ سَبَّبَهُ قال ابو عبيد وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الشَّعْرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ حِينَ يُولَدُ يُسَمَّى عَقِيقَةً وعقة وعقيق قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَصْلُ الْعَقِّ الشَّقُّ وَسُمِّيَ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ وَيُقْطَعُ وَقِيلَ لِلذَّبِيحَةِ عَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ أَيْ يُشَقُّ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا وَوَدَجَاهَا كَمَا قِيلَ لَهَا ذَبِيحَةٌ مِنْ الذَّبْحِ وَهُوَ الشَّقُّ
* قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ

(8/428)


يقال منه عق عن ولده يعق ويعق بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا إذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ وَهِيَ شَعْرُهُ أَوْ ذَبَحَ عَنْهُ شَاةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ كَرَاهَةَ الِاسْمِ وَسَمَّاهَا نَسِيكَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ (فَأُحِبُّ أَنْ يَنْسُكَ) يُقَالُ يَنْسُكُ - بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا - (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وقتل الزانى المحصن (قوله) لما رو ت أُمُّ كُرْزٍ هِيَ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ كَعْبِيَّةٌ خُزَاعِيَّةٌ مَكِّيَّةٌ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ وَهُوَ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا - هَكَذَا صَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ قَالَ وَيَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ مُكَافَأَتَانِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ كَسْرُهَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نذر وذبح دون سن الاضحية أو معيبة فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ (وَقَوْلُهُ) تُطْبَخُ جُدُولًا هُوَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا جَدْلٌ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ (قَوْلُهُ) إرَاقَةُ دم مستحبة احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ (وَإِمَاطَةُ الْأَذَى) إزَالَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى الشَّعْرُ الَّذِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِأَنَّهُ شَعْرٌ ضعيف (والخلوف) - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهُوَ طِيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَسُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ الغلام شاتان وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً فَإِنْ عَقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاةً حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ تَحْصُلْ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ أَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا جَمَاعَةٌ جَازَ سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (الثَّالِثَةُ) الْمُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ هُوَ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ
فَلَا تُجْزِئُ دُونَ الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةِ الْمَعْزِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْهَا

(8/429)


اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ أَشَارَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى وَجْهٍ مُسَامِحٍ بِالْعَيْبِ هُنَا (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ جَذَعَةُ الضَّأْنِ ثُمَّ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) الْغَنَمُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ شئ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عِنْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ ثُمَّ يَقُولُ (اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِهَا أَنَّهَا عَقِيقَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ جَعَلَهَا عَقِيقَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْصَلَ أَعْضَاؤُهَا وَلَا يكسر شئ مِنْ عِظَامِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كُسِرَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
* وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ (1) (السَّابِعَةُ) قَالَ جُمْهُورُ أصحابنا يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيا بَلْ يَطْبُخُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّا إذَا قُلْنَا بالمذهب أنه لاتجزئ دون الجذعة والثنية وجب التصدق بلحمها نيا وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بمقدار من الاضحية والعقيقة وجب تمليكه نيا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَبْخُهُ وَفِيمَا يُطْبَخُ بِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بِحُمُوضَةٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُطْبَخُ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ) وَعَلَى هَذَا لَوْ طُبِخَ بِحَامِضٍ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَمَرَقِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالْبَعْثِ إلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَلَوْ دَعَا إلَيْهَا قَوْمًا جَازَ وَلَوْ فَرَّقَ بَعْضَهَا وَدَعَا نَاسًا إلَى بَعْضِهَا جَازَ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا
وَيَتَصَدَّقَ وَيُهْدِيَ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَفِي سنن البيهقي عن علي
__________
(1) هكذا بالاصل وانظر اين المسالة السادسة)
*)

(8/430)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطَى الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنَةُ) السُّنَّةُ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ يَوْمَ السابع من الولادة وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّادِسِ مِمَّا بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّابِعِ مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ
* فَإِنْ وُلِدَ فِي اللَّيْلِ حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ فِيهِ أَنْ لَا يُحْسَبَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ السَّابِعِ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ السبعة لكن يستحب أن لا يوخر عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ
* قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البوشيحى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا إنْ لَمْ تُذْبَحْ فِي السَّابِعِ ذُبِحَتْ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ هَكَذَا فِي الْأَسَابِيعِ
* وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَتْ السَّبْعَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاتَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّالُ وَالشَّاشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهَا لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَاسْتَغْرَبُوهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَدْ رَأَيْت أَنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ (وَلَا يَعُقُّ عَنْ كَبِيرٍ) هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ نَقَلَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ (لَا يَعُقُّ عَنْ الْبَالِغِ غَيْرُهُ) وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَقِّهِ عَنْ نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ البيهقي باسناده عن عبد الله ابن مُحَرَّرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ
نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ إنَّمَا تَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا

(8/431)


الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ وجه آخر عن أنس وليس بشئ فهو حديث باطل وعبد الله ابن مُحَرَّرٍ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ هو متروك والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ بَعْدَ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ لَا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ عَقَّ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ ضَمِنَ الْعَاقُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ فَأَيْسَرَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْعَقُّ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهَا وَبَعْدَ مُدَّةِ النِّفَاسِ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ أَيْسَرَ في مدة النِّفَاسِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ الْعَقِيقَةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَا فِي مَالِ الْمَوْلُودِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عِنْدَ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الْعَقِيقَةِ فِي التَّصَدُّقِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ وَالْهَدِيَّةُ وَالِادِّخَارُ وَقَدْرُ الْمَأْكُولِ وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ وَتَعَيُّنِ الشَّاةِ إذَا عُيِّنَتْ لِلْعَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْعَقِيقَةَ بِمَا دُونَ الْجَذَعَةِ لَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ وَجَازَ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ بِدَمِ العقيقة ولا بأس بلطخه بخلوف أو زعفران وفي استحباب الخلوف أَوْ الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِهِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى هكذا قاله أصحابنا واستدلوا له بِحَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ

(8/432)


وَغَيْرُهُمَا مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ (وَزَنَتْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِ الْحُسَيْنِ فِضَّةً) وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ (تَصَدَّقُوا بِزِنَتِهِ فِضَّةً) فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ كُلَّهَا مُتَّفِقَةً عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فِضَّةً ليس في شئ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَلْ يُقَدَّمُ الْحَلْقُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً فِي بَابِ السِّوَاكِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ حَلْقِ كُلِّ الرَّأْسِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ وَخِضَابِ الشَّعْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
فِعْلُ الْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أحمد وابن المنذر * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب لمن ولد له ولد أن يسميه بعبد الله أو عبد الرحمن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أحب الاسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن) ويكره أن يسمى نافعا ويسارا ونجيحا ورباحا وأفلح وبركة لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تسمين غلامك أفلح ولا نجيحا ولا يسارا ولا رباحا فانك إذا قلت اثم هو قالوا لا) ويكره أن يسمي

(8/433)


باسم قبيح فان سمي باسم قبيح غيره لما روى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير اسم
عاصية وقال أنت جميلة) ويستحب لمن ولد له ولد أن يؤذن في أذنه لما روى أبو رَافِعٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ في أذن الحسن رضي الله عنه حين ولدته فاطمة بالصلاة) ويستحب أن يحنك المولود بالتمر لما روى أنس قال (ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولد قال هل معك تمر قلت نعم فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب الانصار التمر وسماه عبد الله))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ (أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآخَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ ابْنَةً لَعُمَرَ كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ) وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مُخْتَصَرًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ سَمَّيْته عَبْدَ اللَّهِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (وَقَوْلُهُ) فَلَاكَهُنَّ أَيْ مَضَغَهُنَّ وَفَغَرَ فَاهُ أَيْ فَتَحَهُ وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ) يَتَلَمَّظُ هُوَ أَنْ يَتَتَبَّعَ

(8/434)


بِلِسَانِهِ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ وَيُخْرِجَ لِسَانَهُ وَيَمْسَحَ بِهِ شَفَتَيْهِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُبُّ الْأَنْصَارِ) رُوِيَ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ كَالذَّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا مَرْفُوعَةٌ أَيْ مَحْبُوبُ الْأَنْصَارِ التَّمْرُ (وَأَمَّا) مَنْ ضَمَّ الْحَاءَ فَهُوَ مَصْدَرٌ وَتَكُونُ الْبَاءُ عَلَى هَذَا مَنْصُوبَةً بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ اُنْظُرُوا حُبَّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ أَيْ حُبُّهُمْ التَّمْرَ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الاحكام فيه مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمَّى الْمَوْلُودُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ (وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ خَاصَّةً
* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ تَسْمِيَتِهِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ

(8/435)


لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الِاسْمِ وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ (سَمِّ ابْنَك عَبْدَ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ
* وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وأسماء آبائكم فاحسنوا أسمائكم) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْأَشْهَرُ أنه سمع أبا الدرداء وقال البيهقي وطائفة لَمْ يَسْمَعْهُ فَيَكُونُ مُرْسَلًا
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّسْمِيَةِ
بِأَسْمَاءِ الانبياء وعن الحرد بن مسكن أَنَّهُ كَرِهَ التَّسْمِيَةَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّسْمِيَةِ بِجِبْرِيلَ وَيَاسِينَ
* دَلِيلُنَا تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَسَمَّى خَلَائِقُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُكْرَهْ (الرَّابِعَةُ) تُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهَا فِي الْعَادَةِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ فَمِنْ الْأَسْمَاءِ الْقَبِيحَةِ حَرْبٌ وَمُرَّةُ وَكَلْبٌ وَكُلَيْبٌ وَجَرْيٌ وَعَاصِيَةُ وَمُغْرِيَةُ - بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَشَيْطَانٌ وَشِهَابٌ وَظَالِمٌ وَحِمَارٌ وَأَشْبَاهُهَا وَكُلُّ هَذِهِ تَسَمَّى بِهَا نَاسٌ
* وَمِمَّا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وهي يسار وَرَبَاحٌ وَنَافِعٌ وَنَجَاحٌ وَبَرَكَةُ وَأَفْلَحُ وَمُبَارَكٌ وَنَحْوُهَا والله أعلم
*

(8/436)


(فَرْعٌ)
صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تسمى ملك الاملاك) وفي رواية (أخنا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا الرِّوَايَةَ الْآخِرَةَ فَإِنَّهَا لِمُسْلِمٍ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة (ملك الاملاك مثل شَاهَانْ شَاهْ) ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ قال العلماء معنى أخنع وأخنا أذل وأوضع وَأَرْذَلُ قَالُوا وَالتَّسْمِيَةُ بِهَذَا الِاسْمِ حَرَامٌ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ إلَيْهِ أَبُو أُسَيْدٍ ابْنًا لَهُ فَقَالَ (مَا اسْمُهُ قَالَ فُلَانٌ قَالَ لَا وَلَكِنَّ اسْمَهُ الْمُنْذِرُ)
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ
* وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ سُمِّيتُ بُرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمُّوهَا زَيْنَبَ قَالَتْ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كانت جورية اسْمُهَا بُرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ) وَفِي صَحِيحِ البخاري عن سعد بْنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ حَزْنًا
(جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا اسْمُك قَالَ حَزْنٌ قَالَ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سمانيه أبي فقال ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ - الحزونة غلظ الوجه وشئ مِنْ الْقَسَاوَةِ - وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ أَصْرَمُ قَالَ بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ وَأَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يُكْنَى أبا الحكم ان الله هو الحاكم فمالك مِنْ الْوَلَدِ قَالَ سُرَيْجٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قَالَ سُرَيْجٌ قَالَ فَأَنْتَ أَبُو سُرَيْجٍ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْعَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتْلَةَ - بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا - وَشَيْطَانٍ وَالْحَاكِمِ وَغُرَابٍ وَحَبَّابٍ وَشِهَابٍ فَسَمَّاهُ هَاشِمًا وَسَمَّى حَرْبًا سُلَيْمًا وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضًا يُقَالُ لَهَا عُقَرَةُ سَمَّاهَا خُضْرَةَ وَشِعْبُ

(8/437)


الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى وَبَنُو الدَّنِيَّةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرُّشْدِ وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بِبَنِي رَشْدَةَ والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ سِتِّ الْعَرَبِ أَوْ سِتِّ الْقُضَاةِ أَوْ بِسِتِّ الْعُلَمَاءِ مَا حُكْمُهُ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَتُسْتَنْبَطُ كَرَاهَتُهُ مِمَّا سَبَقَ فِي حَدِيثِ (أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ) وَمِنْ حَدِيثِ تَغْيِيرِ اسْمِ بَرَّةَ إلَى زَيْنَبَ وَلِأَنَّهُ كَذِبٌ
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَاطِلَةٌ عَدَّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِسِتِّ النَّاسِ سَيِّدَتَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ لَفْظَةَ سِتٍّ إلَّا فِي الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ التَّكَنِّي وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ وَيُسْتَحَبُّ تَكْنِيَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أم لا وسواء كني بولده أم بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَوْ أَبِي فُلَانَةَ وَسَوَاءٌ كُنِّيَتْ الْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَوْ أُمِّ فُلَانَةَ
* وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ تَكْنِيَةُ الصَّغِيرِ
* وَإِذَا كُنِّيَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ كُنِّيَ بِأَكْبَرِهِمْ
* وَلَا بَأْسَ بِمُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ بِكُنْيَتِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِهَا أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ مَفْسَدَةٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الِاسْمِ
* وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فَأَمَّا أَصْلُ الْكُنْيَةِ فَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ فِيهِ أَحَادِيثُ الْآحَادِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يا أبا عمير ما فعل البعير) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبَاتِي لَهُنَّ كُنًى قَالَ فَاكْتَنِي بِابْنِك
عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُكْنَى أُمَّ عَبْدِ الله
* فهذا هو الصواب المعروف أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَإِنَّمَا كنيت بابن أختها عبد الله ابن أَسْمَاءَ
* وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّهَا كُنِيَتْ بِسِقْطٍ أَسْقَطَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ فَمِنْ دَلَائِلِهَا قَوْله تَعَالَى (تَبَّتْ يَدَا أبي لهب) واسمه عبد العزا قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ تَكْنِيَتَهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِهَا وقيل كراهة لاسمه حيث هو عبد العزا
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى مَا قَالَ أَبُو حَبَّابٍ يُرِيدُ عَبْدَ الله بن أبى بن سلول المنافق)

(8/438)


وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ) وَكَانَ أَبُو رِغَالٍ كَافِرًا
* فَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ وَإِلَّا فَلَا يُزَادُ عَلَى الِاسْمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَتَبَ إلَى مَلِكِ الرُّومِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ)
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تكنوا بكنيتي) وصح عن على أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدِك وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِك أَوْ أُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِك قَالَ نَعَمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكْنَى بِأَبِي الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَمِمَّنْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ الْمُحَدِّثُونَ الْفُقَهَاءُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ مِنْ سُنَنِهِ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ تَارِيخُ دِمَشْقَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى التَّرَخُّصِ لَهُ وَتَخْصِيصِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ (وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي) مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلِغَيْرِهِ وَيُجْعَلُ النَّهْيُ خَاصًّا بِحَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(8/439)


(وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ
* وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّالِثُ أَصَحَّ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَكْتَنُونَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الثَّالِثُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْحَدِيثِ (وَأَمَّا) إطْبَاقُ الناس على فعله من أَنَّ فِي الْمُتَكَنِّينَ بِهِ وَالْكَانِينَ الْأَئِمَّةَ الْأَعْلَامَ وَأَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَاَلَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَكُونُونَ فَهِمُوا مِنْ النَّهْيِ الِاخْتِصَاصَ بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ فِي تَكَنِّي الْيَهُودِ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَمُنَادَاتِهِمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ لِلْإِيذَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ كُنْيَتَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ (أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْت أَنَا أُمُّ هَانِئٍ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ قَالَ (جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا

(8/440)


فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا قُلْت أَبُو قَتَادَةَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا بَأْسَ بِالتَّكَنِّي بِأَبِي عِيسَى وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا يَكْفِيك أَنْ تُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كَنَّانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِنْ عُمَرَ ضَرَبَ ابْنًا لَهُ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّهْيِ حَتَّى يَثْبُتَ وَلَا يُتَخَيَّلُ مِنْ هذا كون عيسى بن مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَبَ لَهُ لِأَنَّ الْمُكَنَّى لَيْسَ أَبًا حَقِيقَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَنَابَزُوا بالالقاب) وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ تَلْقِيبِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْوَلِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَحْدَبِ وَالْأَزْرَقِ وَالْأَفْطَسِ والاشتر والاثرم والاقطع والزمن والمتعد وَالْأَشَلِّ أَوْ كَانَ
صِفَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُهُ
* وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِذَلِكَ وَدَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ حَذَفْتهَا لِشُهْرَتِهَا
* وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اللَّقَبِ الَّذِي يُحِبُّهُ صَاحِبُهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ (وَقِيلَ) اسْمُهُ عَتِيقٌ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ الْأَطْرَافُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَقَبُ خَيْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ عَتِيقًا فَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ) فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا
* وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ سُمِّيَ عَتِيقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَسَبِهِ شئ يُعَابُ بِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
* وَمِنْ ذَلِكَ أَبُو تُرَابٍ لَقَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ التُّرَابُ فَقَالَ قُمْ أَبَا تُرَابٍ فَلَزِمَهُ هَذَا اللَّقَبُ الْحَسَنُ) رَوَيْنَا هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ

(8/441)


سَهْلٌ وَكَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ إلَيْهِ وَإِنْ كان ليفرح أن يدعا بِهَا
* وَمِنْ ذَلِكَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ - كَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كان يدعوه ذا اليدين) والله أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَرْخِيمِ الِاسْمِ المنتقص إذا لم يتأذى بِذَلِكَ صَاحِبُهُ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّمَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصحابة فقال لابي هريرة يا أباهر ولعائشة يا عائش ولانجشة يانجش (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْوَلَدِ وَالتِّلْمِيذِ وَالْغُلَامِ أَنْ لَا يُسَمِّيَ أَبَاهُ وَمُعَلِّمَهُ وَسَيِّدَهُ بِاسْمِهِ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ هَذَا قَالَ أبي قال لا تمشي أَمَامَهُ وَلَا تُسْتَسَبَّ لَهُ وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ) وَمَعْنَى لَا تُسْتَسَبَّ لَهُ أَيْ لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لَأَنْ يَسُبَّك عَلَيْهِ أَبُوك زَجْرًا وَتَأْدِيبًا
* وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - قَالَ (يُقَالُ مِنْ الْعُقُوقِ أَنْ تُسَمِّيَ أَبَاك وَأَنْ تَمْشِيَ أَمَامَهُ) (الْعَاشِرَةُ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ مَنْ يُنَادِيهِ نَادَاهُ بِعِبَارَةٍ لَا يَتَأَذَّى بِهَا كَيَا أَخِي يَا فَقِيرُ يَا فَقِيهُ يَا صَاحِبَ الثَّوْبِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ يَمْشِي بَيْنَ القبور (يا صاحب السبتتين وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ
* وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ اسْمَ الرَّجُلِ قَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَاطِبَ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ وَلَدٍ وَغُلَامٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَنَحْوِهِمْ بِاسْمٍ قَبِيحٍ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا وَرِيَاضَةً فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ) (قَوْلُهُ) غُنْثَرُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَضْمُومَةٍ وَمَعْنَاهُ الْبَهِيمُ (قَوْلُهُ) جَدَّعَ - بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - أَيْ دَعَا بِقَطْعِ أَنْفِهِ وَنَحْوِهِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَيَكُونُ الْأَذَانُ بِلَفْظِ أَذَانِ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى
* وَقَدْ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ

(8/442)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ) وَأُمُّ الصِّبْيَانِ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ
* وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُحَنَّكَ الْمَوْلُودُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ بِتَمْرٍ بِأَنْ يَمْضُغَهُ إنْسَانٌ وَيُدَلِّكَ بِهِ حَنَكَ الْمَوْلُودِ وَيَفْتَحَ فَاهُ حتى ينزل إلى جوفه شئ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فبشئ آخَرَ حُلْوٍ
* وَدَلِيلُ التَّحْنِيكِ وَكَوْنِهِ بِتَمْرٍ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ وَيُحَنِّكُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ (حَمَلْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فنزلت قبا فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ دعا بتمر فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلُ شئ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرِ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ)
* وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ عَلَّمَ إنْسَانًا التَّهْنِئَةَ فَقَالَ قُلْ
بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْت بِرَّهُ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ الْمُهَنَّأُ عَلَى الْمُهَنِّئِ فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَك وَجَزَاءَك وَنَحْوَ هَذَا
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَرَعُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْفَرَعَةُ - بِالْهَاءِ - أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الام كثرة نَسْلِهَا
* وَالْعَتِيرَةُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - ذَبِيحَةٌ كَانُوا يذبحونها في العشر الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا
* هَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْفَرَعُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِيهِ هو تفسير

(8/443)


الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
* وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لطواغيتهم وعن بريشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَادَى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا قَالَ إنَّا كُنَّا نُفَرِّعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا قال في كل سائمة فرع تغدوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبيحة فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فقال أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ السَّائِمَةُ مِائَةٌ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةً شَاةٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ
* وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ قَالَ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا ابْنَ مَاخِضٍ وَابْنَ لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأَ إنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَك) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ معناه الفرق لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يُولَدُ وَلَا شِبَعَ فِيهِ وَلِذَا قَالَ وَتَذْبَحَهُ يُلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ لِأَنَّ فِيهِ ذَهَابَ وَلَدِهَا وَذَلِكَ يَرْفَعُ لَبَنَهَا وَلِهَذَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ إنَاءَك يَعْنِي
إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَكَأَنَّك كَفَأْت إنَاءَك وَأَرَقْته وَأَشَارَ بِهِ إلَى ذَهَابِ اللَّبَنِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَفْجَعُهَا بِوَلَدِهَا وَلِهَذَا قَالَ وَتُولِهَ نَاقَتَك فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ ثُمَّ يُذْبَحُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمِّهِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَالَ بِمِنًى وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفْرِعْ) وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ مِنْهَا وَنُطْعِمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(8/444)


وسلم لا بأس بذلك) وعن محنف بن سليم العامدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْته يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ المزني قال ما سمعت الشافعي يقول في الفرع هو شئ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شاته فلا يغدوه رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ (فَرِّعُوا إن شئتم) أي اذبحوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اختيارا أن يغدوه ثُمَّ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفَرَعُ حق) معناه ليس باطل وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ قال وقوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَبَرَّرُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَتِيرَةَ) أَيْ لَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ قَالَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ لِلَّهِ فِي أَيِّ شهر كان لا أنها فِي رَجَبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشَّهْرِ هَذَا آخر كلام الشافعي (وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ
وَغَيْرُهُمَا الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكْرَهَانِ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) (والثاني) لا يكرهان للاحاديث السابقة بالترخيص فِيهِمَا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ (لَا فَرَعَ) بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ
* وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي

(8/445)


سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا إنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ مَنْسُوخٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مُعَاقَرَةُ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَبَارَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَاخِرُ صَاحِبَهُ فَيَعْقِرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَدَدًا مِنْ إبِلِهِ فَأَيُّهُمَا كَانَ عَقْرُهُ أَكْثَرَ كَانَ غَالِبًا فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَهَا لِأَنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
* قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ الْعَقْرُ هُوَ أَنْ يَعْقِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفَاخَرَةً لِصَاحِبِهِ فَهُوَ نَحْوُ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ بَلْ جَعَلُوهُ مُرْسَلًا
* (فَرْعٌ)
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ) قَالَ وَذَبَائِحُ الْجِنِّ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّارَ أَوْ يَسْتَخْرِجَ الْعَيْنَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَذْبَحُ لَهَا ذَبِيحَةً لِلطَّيْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُونَ فَيَخَافُونَ إنْ لَمْ يَذْبَحُوا أَنْ يُصِيبَهُمْ فيها شئ مِنْ الْجِنِّ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ
*
(فَرْعٌ)
عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (اقروا الطير على مكاناتها) وَفِي رِوَايَةٍ مَكَانَتِهَا - بِفَتْحِ الْكَافِ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يُونُسُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَقَّ كَانَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبَ هَذَا سَمِعْته يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ

(8/446)


أَتَى الطَّيْر فِي وَكْرِهِ فَنَفَّرَهُ فَإِنْ أَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ وَإِنَّ أَخَذَ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ فَنَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ يُونُسُ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يسيح وحده في هذه والله أَعْلَمُ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الِاصْطِيَادِ لَيْلًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَقِيقَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ رَجُلٌ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَجُلٌ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ
* دَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا وَهُوَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ بِالْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ قَالَ وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ التَّابِعِيُّ أَدْرَكْت النَّاسَ وَمَا يَدْعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْعَقِيقَةَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ وَبُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ مِنْ أهل يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ
* قَالَ وَانْتَشَرَ عَمَلُ ذَلِكَ فِي عامة بلدان المسلمين متبعين فِي ذَلِكَ مَا سَنَّهُ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ السُّنَّةَ مَنْ خَالَفَهَا وَعَدَلَ عَنْهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي قَدْرِ الْعَقِيقَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَالِكٌ
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لَا عَقِيقَةَ

(8/447)


عَنْ الْجَارِيَةِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ الْعَقِيقَةِ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الابل والبقر والغنم وبه قال أنس ابن مَالِكٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْغَنَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُكْسَرَ عِظَامُ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قال عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فِي كَسْرِهَا الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَةُ لَطْخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُدْمَى) دَلِيلُنَا حَدِيثُ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مع الغلام عقيقته فاهرقوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ وَيُدْمَى فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَصِحُّ بَلْ هِيَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ وَيُسَمَّى
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ تَفُوتُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ الْعَقِيقَةُ عِنْدَنَا
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ لَا تُسْتَحَبُّ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يَعُقُّ عَنْهُ مِنْهُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابُ تَسْمِيَةِ السَّقْطِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُسَمَّى مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله

(8/448)