المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

 (باب النذر)

* قال المصنف رحمه الله
* (يصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل (فأما) الكافر فلا يصح نذره ومن أصحابنا من قال يصح نذره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فقال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك) والمذهب الاول لانه سبب وضع لايجاب القربة فلم يصح من الكافر كالاحرام (وأما) الصبي والمجنون فلا يصح نذرهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه ايجاب حق بالقول فلم يصح من الصبي كضمان المال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (رُفِعَ الْقَلَمُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ
* وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ) سَبَبٌ وُضِعَ لِإِيجَابِ الْقُرْبَةِ احْتِرَازٌ مِنْ شِرَاءِ الْكَافِرِ طَعَامًا لِلْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ بِالْقَوْلِ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إيجَابٌ عَنْ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ وَتَدْبِيرِهِ وَإِذْنِهِ فِي دُخُولِ الدَّارِ إذَا صَحَّحْنَا كل ذلك (وبقوله) بالقول مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ
* وَيُقَالُ نَذَرَ وَيَنْذِرُ - بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِيمَا نَذَرَهُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ الْمُخْتَارَ وَنَافِذَ التَّصَرُّفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا (فَأَمَّا) الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَمَوْضِعُ إيضَاحِهِ كِتَابُ الطَّلَاقِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ فَفِي نَذْرِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا أَسْلَمَ إنْ قُلْنَا نَذْرُهُ مُنْعَقِدٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الوفاء به

(8/449)


لكن يستحب وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَأَمَّا) الْمُكْرَهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَقِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فيصح منه نذر القرب البدنية (وأما) الْمَالُ فَإِنْ الْتَزَمَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا فِي يَدِهِ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُؤَدِّيه بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنْ نَذَرَ مَالًا مُعِينًا مِمَّا يَمْلِكُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ هل توقف صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ أَمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُهُ فَيَكُونُ النَّذْرُ بَاطِلًا وَإِنْ تَوَقَّفْنَا فِي النَّذْرِ أَيْضًا
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ وَإِنْ أَلْغَيْنَا عِتْقَهُ فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ وَفِي صِحَّتِهِ تَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ فَإِنْ نَذَرَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا النَّذْرَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْكَرَاهَةُ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ قَالَ فَإِنْ نَذَرَ طَاعَةً وَوَفَّى بِهِ فَلَهُ أَجْرُ الْوَفَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُ النذر هذا كلام الترمذي
*

(8/450)


* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يصح النذر الا بالقول وهو أن يقول لله على كذا فان قال علي كذا ولم يقل لله صح لان التقرب لا يكون الا لله تعالى فحمل الاطلاق عليه وقال في القديم إذا أشعر بدنة أو قلدها ونوى أنها هدى أو أضحية صار هديا أو أضحية لان النبي صلى الله عليه وسلم (اشعر بدنة وقلدها ولم ينقل انه قال انها هدي فصارت هديا) وخرج أبو العباس وجها آخر انه يصير هديا وأضحية بمجرد النية
ومن أصحابنا من قال إذا ذبح ونوى صار هديا وأضحية والصحيح هو الاول لانه ازالة ملك يصح بالقول فلم يصح بغير القول مع القدرة عليه كالوقف والعتق ولانه لو كتب على دار انها وقف أو على فرس انه في سبيل الله لم يصر وقفا فكذلك ها هنا)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ احْتِرَازٌ من تفرقة لزكاة وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ (وَقَوْلُهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَخْرَسِ
* وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ المصنف ينتقض بوقوع الطلاق بالكتب أو النية فَإِنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ الْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْبَغِي أن يزاد في القيود إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ مَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَالْعِتْقُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ
* وَهَلْ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ أَوْ بِالْإِشْعَارِ أَوْ التَّقْلِيدِ أَوْ الذَّبْحِ مَعَ النِّيَّةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الْهَدْيِ
* وَالْأَكْمَلُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لِلَّهِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا صِحَّةُ نَذْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ

(8/451)


إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي وُجُوبِ إضَافَةِ الْوُضُوءِ والصلاة وسائر العبادات إلى الله تعالى
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ ان شاء زيد فشفى لم يلزمه شئ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا لَوْ عَقَّبَ الْأَيْمَانَ وَالطَّلَاقَ وَالْعُقُودَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لا يلزمه شئ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجب بالنذر جميع الطاعات المستحبة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (وأما) المعاصي كالقتل والزنا وصوم يوم العيد وأيام الحيض والتصدق بما لا يملكه فلا يصح نذره لما روى عمران بن الحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم)
*
ولا يلزمه بنذرها كفارة وقال الربيع إذا نذرت المرأة صوم أيام الحيض وجب عليها كفارة يمين ولعله خرج ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (كفارة النذر كفارة يمين) والمذهب الاول والحديث متأول
* (واما) المباحات كالاكل والشرب فلا تلزم بالنذر لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ برجل قائم في الشمس لا يستظل فسأل عنه فقيل هذا أبو إسرائيل نذر أن يقف ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم فقال مروه فليقعد وليستظل وليتكلم ويتم صومه)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي إسْرَائِيلَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبُو إسْرَائِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُ إسْرَائِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُكْنَى أَبَا إسْرَائِيلَ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ - مَعْصِيَةٌ - وَطَاعَةٌ - وَمُبَاحٌ (الْأَوَّلُ) الْمَعْصِيَةُ كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ أَوْ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ

(8/452)


أَوْ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ أَوْ نَذْرِ ذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الْمَعْصِيَةَ الْمَنْذُورَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ مِنْ تَخْرِيجِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) الطَّاعَةُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) الْوَاجِبَاتُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ فَلَا مَعْنًى لالتزامها وذلك كنذر الصلوات الخمس وصوم شهر رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا
* وَكَذَا لَوْ نَذَرَ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَزْنِيَ وَلَا يَغْتَابَ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ أَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً
* وَإِذَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (النَّوْعُ الثَّانِي) نَوَافِلُ الْعِبَادَاتِ
الْمَقْصُودَةِ وَهِيَ الْمَشْرُوعَةُ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا وَعُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْعِبَادِ إيقَاعُهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا فَهَذِهِ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى بَذْلِ مَالٍ أَوْ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ كَالْجِهَادِ وتجهيز الموتى قال الرافعي ويجئ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَلْزَمُ الْجِهَادُ بِالنَّذْرِ (وَأَمَّا) الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ مَالٍ وَلَا مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا
* (فَرْعٌ)
كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا اُشْتُرِطَتْ فِي النَّذْرِ كَمَنْ شَرَطَ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ إذَا قُلْنَا الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ
* فَلَوْ أُفْرِدَتْ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ وَكَانَ الْأَصْلُ وَاجِبًا شَرْعًا كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مِثْلَ سُورَةِ كَذَا أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ الفرض

(8/453)


فِي جَمَاعَةٍ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا لِأَنَّهَا طَاعَةٌ (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تُغَيِّرَ مِمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ
* وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ كَالْوِتْرِ وَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (الْأَصَحُّ) اللُّزُومُ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَهُ أَفْضَلُ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ (أَمَّا) مَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُجْرَى الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ إذَا قُلْنَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَيُجْرَيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ عِنْدَ مُقْتَضَيْهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى مَسَاقِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ نَذَرَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَتَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَفْطُرَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا وَالْمَرَضُ مُرَخِّصٌ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) الْقُرُبَاتُ الَّتِي تُشْرَعُ
لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَقَدْ يُبْغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنَالُ الثَّوَابَ فِيهَا وَذَلِكَ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَفِي لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) اللُّزُومُ لِعُمُومِ حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تَخْرُجَ عَمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ
* وَفِي لُزُومِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ بالنذر وجهان (الاصح) اللزوم لما ذكره (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الِاغْتِسَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ أَنْ يُبْنَى عَلَى تَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْوُضُوءِ عَنْ حَدَثٍ بَلْ بِالتَّجْدِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِانْعِقَادِ نَذْرِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ
* وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَمُرَادُهُمْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُشْرَعُ تَجْدِيدُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ
* وَفِيهِ

(8/454)


أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا بَلْ يَكْفِي الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ عَنْ وَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَهْرُبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَإِلَّا فَلَا
* وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ الْكَفَافُ قَطُّ حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَزِمَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمُبَاحُ وَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ لِلتَّهَجُّدِ وَغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَكِنْ الْفِعْلُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا حَصَلَ الثَّوَابُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ
* وَهَلْ يَكُونُ نَذْرُ الْمُبَاحِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْفَرَائِضِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُبَاحِ وَذَكَرَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَجْهَيْنِ وَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ وَالصَّوَابُ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ
وَلَا غَيْرِهَا فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا فَفِي تَعَيُّنِهَا أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ تَتَعَيَّنُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُجَاهِدَ فِي جِهَةٍ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ مِنْهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يُجَاهِدُ فِيهَا كَالْمُعَيَّنَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَيَحْصُلُ مَسَافَةُ الْجِهَاتِ كَمَسَافَةِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ الْمَالِيَّةُ كالصدقة والاضحية والاعتاق ان يلتزمها في فِي الذِّمَّةِ يُضِيفُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنَّ المعين لغيره لم يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ قَطْعًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ

(8/455)


وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي لُزُومِهَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقُهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ وَالْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَمَلُّكِهِ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ وَسَنُوَضِّحُهُ ان شاء الله تعالى
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا إنْ مَلَكْته انْعَقَدَ نَذْرُهُ
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَكُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ إنْ مَلَكْته لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ لَكِنَّهُ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ بِشَرْطٍ وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا فِي حَالِ التَّعْلِيقِ فَلَغَا تَعْلِيقُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ
* قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ
* قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ
لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْقِيَامَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سُئِلَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ عَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك مِائَةَ دِينَارٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَهَذَا مُبَاحٌ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي إلَّا إذَا نُقِلَ مَذْهَبٌ مُعْتَبَرٌ فِي لُزُومِ ذَلِكَ النَّذْرِ
*

(8/456)


(فرع)
نقل القاضى أبو القاسم ابن كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ عَنْ ابْنِي هَلْ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ عَنْ وَلَدِهِ لِكَوْنِ الذَّبْحِ عَنْ الْأَوْلَادِ قُرْبَةً
* وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي هَلْ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ ابْنِي فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةً مَكَانَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ وَوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا نَذَرَ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَصُومَ أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ صَلَاةَ شَرْعِنَا وَصَوْمِهِ؟ هَذَا نَقْلُ ابْنِ كَجٍّ
* وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ النَّذْرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَبُطْلَانُهُ في الصور الثلاث الباقية والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوَ يَتِيمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالْيَتِيمِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ فِي الشَّرْعِ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ
* هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ إنْ قُلْنَا مَسْلَكَ جَائِزِهِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نَذْرَهُ بَاطِلٌ وَلَوْ خَالَفَهُ فَلَا كَفَّارَةَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بَلْ يَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْمَذْهَبَيْنِ
* وَاحْتَجَّ احمد أيضا بحديث عن عائشة مرفوع (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُمَا وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ التَّشْرِيقِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يلزمه بهذا النذر شئ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ بَلْ يَصُومُ غَيْرَهُ قَالَ فَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ بِهِ فَرْضُ
نَذْرِهِ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أجنبي لم ينعقد نذره ولا شئ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ فِي يَمِينٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ نَذَرَ ذبح عبده لا يلزمه شئ وقال أبو يوسف لا يلزمه شئ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ

(8/457)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) إيجَابُ الشَّاةِ فَتَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ مُبَاحًا كَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (فان نذر طاعة نظرت فان علق ذلك على اصابة خير أو دفع سوء فاصاب الخير أو دفع السوء عنه لزمه الوفاء بالنذر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (ان امرأة ركبت في البحر فنذرت ان نجاها الله ان تصوم شهرا فماتت قبل ان تصوم فأتت اختها أو أمها إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تصوم عنها) فان لم يعلقه على شئ بأن قال لله علي ان اصوم أو اصلي ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يلزمه وهو الاظهر لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وابي بكر الصيرفي لانه التزام من غير عوض فلم يلزمه بالقول كالوصية والهبة
* وان نذر طاعة في لجاج وغضب بان قال ان كلمت فلانا فعلي كذا فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (كفارة النذر كفارة يمين) ولانه يشبه اليمين من حيث انه قصد المنع والتصديق ويشبه النذر من حيث انه التزم قربة في ذمته فخير بين موجبهما ومن أصحابنا من قال ان كانت القربة حجا أو عمرة لزمه الوفاء به لان ذلك يلزمه بالدخول فيه بخلاف غيره والمذهب الاول لان العتق ايضا يلزمه اتمامه بالتقويم ثم لا يلزمه)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّهَا أَوْ أُخْتُهَا وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُهَا (أَمَّا) حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ احْتِرَازٌ مِنْ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَمَنْ الْعِوَضِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ (وَقَوْلُهُ) فلا يلزمه بالقول احتراز من الاتلاف والغضب والله أعلم

(8/458)


(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّذْرُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَذْرُ تَبَرُّرٍ (وَالثَّانِي) نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ (الْأَوَّلُ) التَّبَرُّرُ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابِلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا أَوْ نَجَّانَا مِنْ الْغَرَقِ أَوْ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الظَّالِمِ أَوْ أَغَاثَنَا عِنْدَ الْقَحْطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ يَلْتَزِمَهُ ابْتِدَاءً من غير تعليق على شئ فَيَقُولُ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَتَصَدَّقَ فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُمْ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ وَيُقَالُ فِيهِ يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا يَمِينُ الْغَلَقِ وَيُقَالُ أَيْضًا نَذْرُ الْغَلَقِ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - فَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا أَوْ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ كَلَّمَهُ أَوْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ طُرُقٍ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ قَالَ أَشْهَرُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ لَكِنْ الْأَظْهَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَالْمُوَفَّقُ بْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ
(وَالثَّالِثُ) نفى التَّخْيِيرِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَالرَّابِعُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَعَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (وَالْخَامِسُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَنَفْيُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (قُلْت) وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّارَةِ تَقَعُ تَطَوُّعًا وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا الْتَزَمَ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا وَاجِبُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ لَزِمَهُ إعْتَاقُهُ

(8/459)


كَيْفَ كَانَ وَإِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَوْ يُعْتِقَ غَيْرَهُ أَوْ يُطْعِمَ أَوْ يَكْسُوَ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَارَ الْإِعْتَاقَ أَعْتَقَ غَيْرَهُ
* وَإِنْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فان اختار الوفاء أعتقه كَيْفَ كَانَ وَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ اُعْتُبِرَ فِي إعْتَاقِهِ صِفَاتُ الْإِجْزَاءِ
* وَإِنْ الْتَزَمَ إعْتَاقَ عَبِيدِهِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ أَعْتَقَهُمْ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ أَعْتَقَ وَاحِدًا أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا
* وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَعَ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ إذَا فَعَلَهُ وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الْتِزَامًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهِ قطع البغوي وابراهيم المروذي
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (فَأَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ بِالْمُلْتَزَمِ فَيَلْزَمُهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعَيِّنُهُ مِمَّا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ
* وَعَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا
* وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَغْوٌ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِنَذْرٍ وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا فَعَلَهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ
أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً وَيَرْجِعَ إلَى نِيَّتِهِ
* وَلَوْ قَالَ نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ
* وَلَوْ عَدَّدَ أَجْنَاسَ قُرَبٍ فَقَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ حَجٌّ وَعِتْقٌ وَصَدَقَةٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ احْتِمَالًا فِي تَعَدُّدِهَا
* فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ الْيَوْمَ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أطلقك فهو كقوله ان دخلت الدار فو الله لَأُطَلِّقَنَّكِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
* وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ فَدَخَلَهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّانِي) هُوَ لغو فلا شئ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَمَا لَوْ قال لله علي

(8/460)


أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي (وَالثَّالِثُ) يَصِيرُ مَالُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَدَقَةً كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي عُرْفِهِمْ مَعْنَى النَّذْرِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ بِجَمِيعِ مَالِي وَطَرِيقُ الْوَفَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَإِذَا قَالَ في سبيل يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ مَا نص عليه الشافعي وقاله الجمهور والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الصِّيغَةُ قَدْ تَتَرَدَّدُ فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَتَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يُرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يُرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ قَالَ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ الْفِعْلَ طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحُ وَالِالْتِزَامِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَارَةً يُعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ
وَتَارَةً بِالنَّفْيِ (أَمَّا) الطَّاعَةُ فَفِي طرف الاثبات يتصور نذر التبرر بأن يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ مَعْنَاهُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ صُمْت فَإِذَا وُفِّقَ لَهَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ
* وَيُتَصَوَّرُ اللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ فَإِذَا صَلَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ وَالطُّرُقُ السَّابِقَةُ (وَأَمَّا) فِي طَرَفِ النَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ لِأَنَّهُ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَيُتَصَوَّرُ فِي اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ
* (وَأَمَّا) الْمَعْصِيَةُ فَفِي طَرَفِ النَّفْيِ يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَقَصَدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ وَيُتَصَوَّرُ نَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ وَفِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا اللَّجَاجُ بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشُّرْبِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (وَأَمَّا) الْمُبَاحُ فَيُتَصَوَّرُ فِي طرفي النفي والاثبات فيه النوعان معا لتبرر فِي الْإِثْبَاتِ إنْ أَكَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي وَاللِّجَاجُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَكْلِهِ فَيَقُولُ إنْ أَكَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا
* وَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ إنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته وَاللِّجَاجُ أَنْ يمنع من أكله فيقول إن لم آكل فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ رُؤْيَتَهُ فَهُوَ نَذْرُ

(8/461)


تَبَرُّرٍ وَإِنْ ذَكَرَهُ لِكَرَاهَةِ رُؤْيَتِهِ فَنَذْرُ لَجَاجٍ
* وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا فِي الْوَسِيطِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّرِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ فلان لم يلزم القائل شئ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا غَلَّبْنَا فِي اللَّجَاجِ مَعْنَى النَّذْرِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا هُوَ يَمِينٌ فهو كمن قال والله لاأفعل كَذَا إنْ شَاءَ زَيْدٌ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَهَا فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمَشِيئَةِ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَاتٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَافَحَةِ لِلرِّجَالِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى
الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةِ الْمَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْأَيْمَانَ التي رتبها الحجاج لم يلزمه شئ وَإِنْ أَرَادَهَا نَظَرَ إنْ قَالَ فَطَلَاقُهَا وَعِتَاقُهَا لَازِمٌ لِي انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِهِمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِمَا لَكِنْ نَوَاهُمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ أَيْضًا بِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَنْعَقِدْ يمينه ولا شئ عليه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا نذر ان يتصدق بماله لزمه ان يتصدق بالجميع لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) وان نذر ان يعتق رقبة ففيه وجهان
(أحدهما)
يجزئه ما يقع عليه الاسم اعتبارا بلفظه (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الكفارة لان الرقبة التي يجب عتقها بالشرع ما يجب بالكفارة فحمل النذر عليه
* وان نذر ان يعتق رقبة بعينها لزمه ان يعقتها ولا يزول ملكه عنها حتى يعتقها فان اراد بيعها أو ابدالها بغيرها لم يجز لانه تعين للقربة فلا يملك بيعه كالوقف وان تلف أو اتلفه لم يلزمه بدله لان الحق للعبد فسقط بموته وان اتلفه اجنبي وجبت القيمة للمولى ولا يلزمه صرفها في عبد آخر لما ذكرناه)
* (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَكْفِيه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ فَقَدْ سَبَقَ

(8/462)


بَيَانُهُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَرِيبًا
* وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ علي ان اتصدق بشئ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ
* وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ ولا بالنية لم يلزمه شئ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المنصف بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ إعْتَاقُ مَا يُسَمَّى رَقَبَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَكَافِرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ أَعْتِقُ رَقَبَةً أَيَّةُ رَقَبَةٍ كَانَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ السَّلِيمَةُ
* وَبَنَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْخِلَافَ عَلَى أَصْلٍ مَفْهُومٍ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ النَّاذِرَ إذَا الْتَزَمَ عِبَادَةً بِالنَّذْرِ وَأَطْلَقَهَا فَلَمْ يَصِفْهَا فعلى اي شئ يُحْمَلُ نَذْرُهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَفْهُومَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (أَحَدُهُمَا)
يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ فَجُعِلَ كَوَاجِبِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً (وَالثَّانِي) يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ عَلَى أَقَلِّ جَائِزِ الشَّرْعِ لِأَنَّ لَفْظَ النَّاذِرِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ (قُلْت) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ فَفِي بَعْضِهَا يُصَحِّحُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا الْأَصَحُّ وُجُوبُ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ
* وَمِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي مَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَعِيبَةُ وَالْكَافِرَةُ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي
* فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ
* وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْجُمْهُورِ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَائِرِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ لَهُ عُرْفٌ مُطْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بَلْ وُقُوعُ عِتْقِ التَّطَوُّعِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فَحُمِلَ الْعِتْقُ الْمُطْلَقُ بِالنَّذْرِ عَلَى مُسَمَّى الرَّقَبَةِ (وَأَمَّا) الصَّوْمُ فَيَصِحُّ فِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ) فَخَرَجَ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ داخلا في العموم
* وهكذا الصلاة صَحَّ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) فَخَرَجَ جَوَازُ

(8/463)


التنقل بِرَكْعَةٍ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَنْزِلُ النَّذْرُ فِي صِفَاتِهِ عَلَى صِفَاتِ وَاجِبِ الشَّرْعِ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي صِفَاتِهِ (وَأَمَّا) أَصْلُ فِعْلِهِ وَالْوَفَاءُ بِهِ فَوَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَنْزِيلِ النَّذْرِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّنْزِيلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَإِلَّا فَرَكْعَةٌ (وَمِنْهَا) جَوَازُ صَلَاتِهِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
فِيهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَيْهَا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا جَازَ الْقُعُودُ قَطْعًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَذْرِ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَطْعًا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنْ نَزَّلْنَا النَّذْرَ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا
* وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمَرْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى الْجَائِزِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدٍ وَإِنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَيَجُوزُ بِتَسْلِيمَةٍ وَبِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ فِي النَّوَافِلِ هكذا نقلوه (والاصح) انه يجوز بتسلميتين عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا
* وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لَمْ تُجْزِئْهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ نَذَرَ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَهُ فِعْلُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا وَإِنْ أَطْلَقَ فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدَانَقٍ وَدُونِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ لِأَنَّ الصلاة الْوَاجِبَةَ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بَلْ تَكُونُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الْخُلْطَةِ وَيُتَصَوَّرُ إيجَابُ دَانَقٍ وَدُونِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ إذَا تَلِفَ مُعْظَمُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَقُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَجَبَتْ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارَكِيِّ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ كَافِرَةٌ مَعِيبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ

(8/464)


وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَبَقَ
* فَلَوْ قَيَّدَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ لَمْ يُجْزِهِ الْكَافِرَةُ وَلَا الْمَعِيبَةُ بِلَا خلاف ولو قال كافرة أو معيبة أجزأنه بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ أَعْتَقَ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً فَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَا الْتَزَمَهُ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ وَذَكَرَ الْكُفْرَ وَالْعَيْبَ لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ
بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ
* وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْكَافِرَ أَوْ الْمَعِيبَ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِكَافِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ وَجْهَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ أَمْ يَكْفِي الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لُبْثٌ وَيَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ بِلُبْثِ سَاعَةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ يَوْمًا
* وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالْمُرُورِ فِي أَصْلِ الِاعْتِكَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُشْتَرَطُ لُبْثٌ لِأَنَّ لَفْظَ الِاعْتِكَافِ يُشْعِرُ بِهِ (وَالثَّانِي) لَا حَمْلًا لَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ شَرْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ إعْتَاقُهَا وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَوْ هِبَتَهَا أَوْ الْوَصِيَّةَ بِهَا أَوْ إبْدَالَهَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ
* وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمَوْلَى بِمَا شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا
* وَدَلِيلُ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي الْكِتَابِ وَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَإِيضَاحِ الْفَرْقِ فِي بَابِ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المنصف رحمه الله
* (وان نذر هديا نظرت فان سماه كالثوب والعبد والدار لزمه ما سماه وان أطلق الهدي ففيه قولان قال في الاملاء والقديم يهدي ما شاء لان اسم الهدي يقع عليه ولهذا يقال أهديت له دارا أو اهدي لي ثوبا ولان الجميع يسمى قربانا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الجمعة (من راح في الساعة الاولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة) فإذا سمى قربانا وجب أن يسمي هديا وقال في الجديد لا يجزئه الا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لان الهدى المعهود في الشرع ما ذكرناه فحمل مطلق النذر عليه
* وان نذر بدنة أو بقرة أو شاة فان قلنا بالقول الاول أجزأه من ذلك ما يقع عليه الاسم وان قلنا بالقول الثاني لم يجزه الا ما يجزئ في الاضحية
* وان نذر شاة فاهدى بدنة أجزأه لان البدنة بسبع من الغنم وهل يجب الجميع فيه وجهان
(أحدهما)
ان الجميع واجب لانه مخير بين الشاة والبدنة فايهما فعل كان واجبا كما نقول في العتق والاطعام في كفارة اليمين (والثاني) ان الواجب هو السبع لان كل سبع منها بشاة فكان الواجب هو السبع
* وان

(8/465)


نذر بدنة وهو واجد البدنة ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم لان كل واحد من الثلاثة قائم مقام الاخر والثاني أنه لا يجزئه غير البدنة لانه عينها بالنذر وان كان عادما للبدنة انتقل إلى البقرة فان لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم ومن أصحابنا من قال لا يجزئه غير البدنة فان لم يجد ثبتت في ذمته إلى أن يجد لانه التزم ذلك بالنذر والمذهب الاول لانه فرض له بدل فانتقل عند العجز إلى بدله كالوضوء
* وإن نذر الهدى للحرم لزمه في الحرم وان نذر لبلد آخر لزمه في البلد الذي سماه لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله أنى نذرت ان أذبح بمكان كذا وكذا مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال لصنم قالت لا قال لوثن قالت لا قال أوفي بنذرك) فان نذر لافضل بلد لزمه بمكة لانها أفضل البلاد والدليل عليه ما روى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حجته أي بلد أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ولان مسجدها أفضل المساجد فدل على أنها أفضل البلاد وان اطلق النذر ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز حيث شاء لان الاسم يقع عليه (والثاني) لا يجوز الا في الحرم لان الهدى المعهود في الشرع هو الهدى في الحرم والدليل عليه قوله تعالى (هديا بالغ) الكعبة وقال تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) فحمل مطلق النذر عليه
* فان كان قد نذر الهدى لرتاج الكعبة أو عمارة مسجد لزمه صرفه فيما نذر فان أطلق ففيه وجهان
(أحدهما)
ان له ان يصرفه فيما شاء من وجوه القرب في ذلك البلد الذي نذر الهدى فيه لان الاسم يقع عليه (والثاني) أنه يفرقه على مساكين البلد الذي نذر ان يهدى إليه لان الهدى المعهود في الشرع ما يفرق على المساكين فحمل مطلق النذر عليه
* وان كان ما نذره مما لا يمكن نقله كالدار باعه ونقل ثمنه إلى حيث نذر
* وان نذر النحر في الحرم ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه النحر دون التفرقة لانه نذر أحد مقصودي الهدى فلم يلزمه الاخر كما لو نذر التفرقة (والثاني) يلزمه النحر والتفرقة وهو الصحيح لان نحر الهدي في الحرم في عرف الشرع ما يتبعه التفرقة فحمل مطلق النذر عليه
* وان نذر النحر في بلد غير الحرم ففيه وجهان

(أحدهما)
لا يصح لان النحر في غير الحرم ليس بقربة فلم يلزمه بالنذر (والثاني) يلزم النحر والتفرقة لان النحر على وجه القربة لا يكون الا للتفرقة فإذا نذر النحر تضمن التفرقة
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ

(8/466)


وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَرِيبٌ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مشهور من رواية ثابت الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَذَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِبُوَانَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ فَغَرِيبٌ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي بَابِ طهر المؤمن حما مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ويستدل معه ايضا بحديث عدى بن الْحَمْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ فِي مَكَّةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا وَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَأَفْصَحُهُمَا هَدْيٌ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَبِهَذِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ (وَالثَّانِيَةُ) هَدِيٌّ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - سُمِّيَ هَدِيًّا لِأَنَّهُ يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَعَلَى الْأُولَى هُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ وَمَجْرُوحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ أَيْ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَإِلَّا فَالْإِمْلَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَهُ بَدَلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ
* وَذَكَرَ فِي الْجَدِيدِ الصَّنَمَ وَالْوَثَنَ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَعَلَى هَذَا قِيلَ الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا مِنْ حَجَرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ
مُصَوَّرٍ
* وَقِيلَ الْوَثَنُ مَا كَانَ لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ جَوْهَرٍ أَوْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مُصَوَّرًا أَوْ غَيْرَ مُصَوَّرٍ وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قَوْلُهُ) رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالْجِيمِ - وَأَصْلُهُ الْبَابُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا وَيُقَالُ فِيهِ الرَّتَجُ أَيْضًا - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَلَا إبْدَالُهُ فَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَاحْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ لِنَقْلِهِ لَزِمَهُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْمَنْذُورِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالدَّارِ وَالشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَحَجَرِ الرَّحَى وَنَحْوِهَا

(8/467)


لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَنَقْلُ ثَمَنِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّى النَّاذِرُ الْبَيْعَ وَالنَّقْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْحَاكِمِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ وَالْبَدَنَةِ وَالشَّاةِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَسَوَاءٌ الْمُقِيمُونَ فِيهِ وَالْوَارِدُونَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُونَ بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
* فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ بَدَنَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي ذَبْحِهَا قُرْبَةً
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ اللَّحْمُ إلَى الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالظَّبْيَةِ وَالْحِمَارِ وَالطَّائِرِ وَالثَّوْبِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَسْتَحْسِنُ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ إنْ قَالَ أُهْدِي هَذَا فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ جَعَلْته هَدْيًا فَالْمُؤْنَةُ فِيهِ يُبَاعُ بعضه قال لكن مُقْتَضَى جَعْلِهِ هَدْيًا أَنْ يُوصَلَ كُلُّهُ إلَى الْحَرَمِ فَيَلْتَزِمَ مُؤْنَتَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أُهْدِي
* ثُمَّ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ
صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَكِنْ لَوْ نَوَى صَرْفَهُ إلَى تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ جَعَلَ الثَّوْبَ سِتْرًا لَهَا أَوْ قُرْبَةً أُخْرَى هُنَاكَ صَرَفَهُ إلَى مَا نَوَى وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا نَوَى وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَضْعَفُ مِنْهُ أَنَّ الثَّوْبَ الصَّالِحَ لِلسِّتْرِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ الْمُعَيَّنَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِعَيْنِهِ وَيُنْزِلُ تَعْيِينَهُ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ فَيَتَصَدَّقُ بِالظَّبْيَةِ وَالطَّائِرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا حَيًّا وَلَا يَذْبَحُهُ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ فَلَوْ ذَبَحَهُ فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَغَرِمَ مَا نَقَصَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُذْبَحُ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ ذِكْرَ الْحَيَوَانِ وَقُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُهْدِيَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (اما) إذا نذر إهداء بغير مَعِيبٍ فَهَلْ يَذْبَحُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَا يصلح للتضحية كالضبية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَنْذُورِ إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ السِّنُّ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وهما مبنيان

(8/468)


عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ أَقَلِّ جَائِزَةٍ وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى وَاجِبِهِ فَيُشْتَرَطُ سِنُّ الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةَ
* وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَعِيرٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ فَفِيهِ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِالِاتِّفَاقِ لَا يُجْزِئُ الْفَصِيلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعِيرًا وَلَا الْعِجْلَ إذَا ذَكَرَ الْبَقَرَةَ وَلَا السَّخْلَةُ إذَا ذَكَرَ الشَّاةَ
* وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِي بَدَنَةً جَرَى الْخِلَافُ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِاشْتِرَاطِ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ وَهُوَ كَمَا رَأَى
* وَإِنْ أَهْدَى وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (إنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِكُلِّ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ حَتَّى الدَّجَاجَةَ أَوْ الْبَيْضَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ كُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ وَصَرْفُهُ إلَى فُقَرَائِهَا بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ لِأَنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ الْحَرَمُ وَقَدْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدْيِ
وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الْهَدْيَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَوْ أَنْحَرَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا أَوْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ فِيهِ قُرْبَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً إلَى مَكَّةَ أَوْ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا وَيَذْبَحَهَا وَيُفَرِّقَ لَحْمَهَا عَلَى فُقَرَائِهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلذَّبْحِ وَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ لَزِمَهُ الذَّبْحُ بِهَا أَيْضًا وَفِي تَفْرِقَةِ اللَّحْمِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ تَفْرِقَتُهُ بِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بَلْ لَهُ التَّفْرِقَةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خَارِجَ الْحَرَمِ وَتَفْرِيقَ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي الذَّبْحُ خَارِجُ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَيَلْزَمُهُ تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ وَكَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ لَحْمًا
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَيُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ أَوْ أَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَفْظِ الْقُرْبَةِ وَالتَّضْحِيَةِ وَلَا التَّصَدُّقِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ عَلَى فُقَرَائِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ
* وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ صَحَّ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ عِنْدَنَا وَقَدْ سَبَقَ

(8/469)


إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* ولو نذر الذبح أو النحر ببلد أُخْرَى وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا الذَّبْحَ وَالذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ أَوْ تَلَفَّظَ مَعَ ذَلِكَ بِالتَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُمْ يَتَعَيَّنُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ نَقْلِ الصَّدَقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُونَ لَمْ يَجِبْ الذَّبْحُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ
بِخِلَافِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا مَحِلُّ ذَبْحِ الْهَدَايَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُونَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يجب الذبح بهابل لَوْ ذَبَحَ خَارِجَهَا وَنَقَلَ اللَّحْمَ إلَيْهَا طَرِيًّا جَازَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ إرَاقَةُ الدَّمِ فِيهَا كَمَكَّةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَلْدَةِ كَذَا وَأُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى أَهْلِهَا فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيُغْنِي ذِكْرُ التَّضْحِيَةِ عَنْ ذِكْرِ التَّصَدُّقِ وَنِيَّتِهِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وُجُوبَ التَّفْرِقَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَوُجُوبَ الذَّبْحِ بِهَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ قَالَ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أُضَحِّي بِهَا فَهَلْ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ تَخْصِيصُ التَّفْرِقَةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وُجُوبُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ بِهَا
* وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فُلَانٍ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لم يلزمه شئ وَهَلْ لِفُلَانٍ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بَعْدَ الشِّفَاءِ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ نَعَمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إنْ شُفِيَ فَشُفِيَ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْإِعْتَاقِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَالْمُسْتَحَقُّونَ فِي الْبَلَدِ مَحْصُورُونَ فَإِنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ الشَّرْعُ قَدْ يُقِيمُ مَقَامَهَا بَقَرَةً أَوْ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ اسْمُ الْبَدَنَةِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَخِلَافُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اخْتِصَاصُ الْبَدَنَةِ بِالْإِبِلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا نَذَرَ بَدَنَةً فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُطْلِقَ الْتِزَامَ الْبَدَنَةِ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْإِبِلِ وَهَلْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا (وَالثَّانِي) نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْإِبِلَ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ وَإِلَّا جَازَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
* وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَكُلِّ شَاةٍ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُقَيِّدَ فَيَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ يَنْوِيَهَا فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الْإِبِلِ إذَا وُجِدَتْ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ عُدِمَتْ فَوَجْهَانِ

(8/470)


مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تُجْزِئُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَقَرَةِ دُونَ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ مِنْ الْإِبِلِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَاضِلِ هَذَا هُوَ
الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْفَاضِلِ فَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي أَنَّهُ يَشْتَرِي بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَهَلْ يَشْتَرِي بِهِ شِقْصًا أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِدَرَاهِمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُشَارِكُ إنْسَانًا فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا عَدَلَ إلَى الْغَنَمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ أَيْضًا
* ثُمَّ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْإِبِلَ فِي حَالَةِ التَّقْيِيدِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالسَّبْعِ مِنْ الْغَنَمِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقِيمَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْغَنَمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ
* وَلَوْ وَجَدَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ السَّبْعَ مِنْ مَالِهِ (وَالثَّانِي) تُجْزِئُهُ لِوَفَائِهِنَّ بِالْقِيمَةِ قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ النَّسَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي زَمَنِ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ شَاةً فَجَعَلَ بَدَلَهَا بَدَنَةً جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ جَمِيعُهَا فَرْضًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَفِي الزَّكَاةِ وَفِي الْحَجِّ (أَصَحُّهُمَا) يَقَعُ سُبْعُهَا وَاجِبًا وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا (وَالثَّانِي) يَقَعُ الْجَمِيعُ وَاجِبًا (فَإِنْ قُلْنَا) كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ السُّبْعُ جَازَ الْأَكْلُ مِنْ الزَّائِدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَجُوزُ أَكْلُ الزَّائِدِ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهَا بَدَنَةً لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الشَّاةَ تَعَيَّنَتْ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ قَالَ إذَا أَهْدَى هَذِهِ الشَّاةَ نَذْرًا لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أَوْ سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قَالَ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا وَنَوَى بَهِيمَةً أَوْ جَدْيًا أَوْ رَضِيعًا أَجْزَأَهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الْهَدْيِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْهُ قَالَ وَلَوْ أَهْدَى كَامِلَةً كَانَ أَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
يُجْزِئُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْفَحْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الْإِبِلِ

(8/471)


أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا نَذَرَ الْإِهْدَاءَ لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ لَزِمَ صَرْفُهُ فِي كِسْوَتِهَا وَإِنْ قَصَدَ صَرْفَهُ فِي طِيبِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ نَذْرُهُ صُرِفَ إلَيْهِ وَإِنْ نَذَرَ الْإِهْدَاءَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ صرح بصرفه في قربة أُخْرَى مِثْلِهَا أَوْ نَوَاهُ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَصْرِفُهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ وَالْوَارِدِينَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ أَمْ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْهُودِ تَعَيَّنَ لِلْمَسَاكِينِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَطْيِيبُ الْكَعْبَةِ وَسِتْرُهَا مِنْ الْقُرُبَاتِ سَوَاءٌ سِتْرُهَا بِالْحَرِيرِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ نَذَرَ سِتْرَهَا أَوْ تَطْيِيبَهَا صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ هَدْيًا لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَطِيبِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْقُلُهُ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى أَوْ نَصَّ فِي نَذْرِهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ تَطْيِيبَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ تَرَدُّدٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى تَخْصِيصِ الِانْعِقَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ مَا يُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ دَاوُد مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ هَدْيٍ وَهُوَ قَوْلُنَا الْآخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر صلاة لزمه ركعتان في أظهر القولين لان أقل صلاة واجبة في الشرع ركعتان فحمل النذر عليه وتلزمه ركعة في القول الاخر لان الركعة صلاة في الشرع وهي الوتر فلزمه ذلك وان نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ المدينة والمسجد الاقصى جاز له أن يصلى في غيره لان ما سوى المساجد الثلاثة في الحرمة والفضيلة واحدة فلم يتعين بالنذر
* وان
نذر الصلاة في المسجد الحرام لزمه فعلها فيه لانه يختص بالنذر والصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هذا) فلا يجوز أن يسقط ما نذره بالصلاة في غيره وان نذر الصلاة في مسجد المدينة أو المسجد الاقصى ففيه قولان
(أحدهما)

(8/472)


يلزمه لانه ورد الشرع فيه بشد الرحال إليه فاشبه المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لانه لا يجب قصده بالنسك فلا تتعين الصلاة فيه بالنذر كسائر المساجد
* فان قلنا يلزمه فصلى في المسجد الحرام أجزأه عن النذر لان الصلاة في المسجد الحرام أفضل فسقط به فرض النذر
* وان نذر أن يصلي في المسجد الاقصى فصلى في مسجد المدينة أَجْزَأَهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا قال (يا رسول الله إنى نذرت ان فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال صل ههنا فاعاد عليه فقال صل ههنا ثم أعاد عليه فقال شأنك) ولان الصلاة فيه أفضل من الصلاة في بيت المقدس فسقط به فرض النذر
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْبَيْتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَأْنَكَ) هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ الدم شَأْنَكَ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ (وَقَوْلُهُ) ورد الشَّرْعُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهِ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَكَسْرُ الدَّالِ (وَالثَّانِيَةُ) ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) رَكْعَتَانِ (وَالثَّانِي) رَكْعَةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ فِي صفاته مسلك واجب الشرع أم مَسْلَكَ جَائِزِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ آتِيَهُ أَوْ أَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ
الْحَرَامِ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقِيلَ في لزومه قولان حكاهما الرافعي وليس بشئ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ آتِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ فَفِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهُوَ بَيْتُ مَكَّةَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هناك انشاء اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أمشي إلى الحرام أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ ذَكَرَ بُقْعَةً مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَسْجِدِ الخيف ومنى ومزدلفة ومقام ابراهيم وغيرهما فهو كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَتَى دَارَ أَبِي جَهْلٍ أو دار الخيرزان كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِشُمُولِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ
* وَلَوْ نَذَرَ أن

(8/473)


يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَإِنْ أَرَادَ الْتِزَامَ الْحَجِّ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِحُضُورِ عَرَفَاتٍ أَوْ نَوَى أَنْ يَأْتِيَهَا مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ بِالْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَاتٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا
* وَقَيَّدَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ
* وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَكْفِي فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَحْضُرَ لَهُ حُضُورَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَرُبَّمَا قَالَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
* وَلَوْ قَالَ لله علي أن آتي مر الطهران أَوْ بُقْعَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يلزمه شئ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا الْتَزَمَ الْإِتْيَانَ إلَى الْكَعْبَةِ فَسَوَاءٌ الْتَزَمَهُ بِلَفْظِ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ وَالِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالْمَسِيرِ وَنَحْوِهَا
* وَلَوْ نذر أن يمس بثوبه حطم الْكَعْبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى إتْيَانَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ففي لزوم إتيانها قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (قَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ يَلْزَمُ (وَقَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَلْزَمُ ويلغوا النَّذْرُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالْتِزَامِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ حَمَلْنَا
النَّذْرَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ بُنِيَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ هَلْ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُوجِبُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُوجِبُهُ فَإِذَا أَتَاهُ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَإِذَا لَزِمَ فَتَفْرِيعُهُ كَتَفْرِيعِ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ والاقصى فهل يلزمه مع الاتيان شئ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِقِرْبَةٍ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَتَاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ بَلْ تَكْفِيه رَكْعَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَهَلْ يكفى أن يصلى فريضة أم لابد مِنْ صَلَاةٍ زَائِدَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَكْفِي الْفَرِيضَةُ بِنَاءً عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ الصَّوْمِ هَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكْفِيه (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْأَوْجُهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَخَصُّ الْقُرُبَاتِ بِالْمَسْجِدِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكْفِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

(8/474)


وَتَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزِّيَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَتَعْظِيمِهِ قَالَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَفَاهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالزِّيَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا نَزَّلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْزِلَةَ الْمَسْجِدَيْنِ وَأَوْجَبْنَا ضَمَّ قُرْبَةٍ إلَى الْإِتْيَانِ فَفِي تِلْكَ الْقُرْبَةِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) الصَّلَاةُ (وَالثَّانِي) الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ يَكْفِي الطَّوَافُ لَمْ يَبْعُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ قَبْلَهُ
* وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يمشي من ديويرة أهله لكن هل يحرم من ديويرة أَهْلِهِ أَمْ مِنْ الْمِيقَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ الطَّبَرِيِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
* وَلَوْ قَالَ أَمْشِي
إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى وَأَوْجَبْنَا الْإِتْيَانَ فَفِي وُجُوبِ الْمَشْي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ
* وَلَوْ كَانَ لَفْظُ النَّاذِرِ الْإِتْيَانَ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا يُسَاوِي الْمَشْيَ فَلَهُ الرُّكُوبُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدٍ آخَرَ سِوَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَصْدِهَا قُرْبَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام وَالْأَقْصَى وَمَسْجِدِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يُفْتِي بِالْمَنْعِ مِنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ مُحَرَّمٌ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلِاعْتِكَافِ تَعَيَّنَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَفِي مِثْلِهِ فِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ تَعَيَّنَ لِلصَّلَاةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَطَرِيقَانِ (قال) الاكثرون في تعيينه القولان في لزوم الاتيان (وقطع) المراوزة بالتعين والتعين هُنَا أَرْجَحُ كَالِاعْتِكَافِ
* وَإِنْ عَيَّنَ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَوَاضِعِ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلصَّلَاةِ وَقُلْنَا بِالتَّعَيُّنِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهَلْ تَقُومُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِهِمَا مَقَامَ الصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَقُومُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقُومُ مَسْجِدُ

(8/475)


الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلَا يَقُومُ الْأَقْصَى مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي نَذْرِ الْمَشْي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ ثُمَّ إذَا أَتَاهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَا إحْرَامًا لِدُخُولِ مَكَّةَ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَالصَّحِيحُ هُنَا لُزُومُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا هُنَاكَ إيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ إذَا قُلْنَا صِفَاتُ الْفَرَائِضِ تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِنْدِي انه يلزم الوفاء بذلك وجها واحد وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا انْعَقَدَ النَّذْرُ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَصَلَ مَا نَوَاهُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَدَلِيلُهُ هُنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكُ وَطَائِفَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْكَعْبَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّا حَكَيْنَا هُنَاكَ أن القاضي عياض نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا سِوَاهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِمَا نَقَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ بَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى هَذَا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ قَالَ طرف مِنْ أَصْحَابِ مَالِكِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَخْتَصُّ بِالْفُرُوضِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
*

(8/476)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً (الْأَصَحُّ) عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شئ قَالَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا قَالَ إلَى بَيْتِ كَدَاءِ أَوْ إلَى مَكَّةَ أَوَ إلَى الْكَعْبَةِ استحسانا
* (فرع)
فَرْعٌ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الحرام فصلى في غيره لم يجزه عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ فضيلة فلزمه الصوم وَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحَرَامُ وَالْمَدِينَةُ وَالْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة المالكى إذا نذر قصد مسجد قبا لَزِمَهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يأتي قبا كل سبت راكبا وماشيا
* (فرع)
إذا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةَ أَوْ مِنًى فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ لَا يَلْزَمُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْحَرَمِ فَأَشْبَهَ الْكَعْبَةَ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّعَيُّنِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أبو حنيفة لا يتعين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر الصوم لزمه صوم يوم لان أقل الصوم يوم
* وان نذر صوم سنة بعينها لزمه صومها متتابعا كما يلزمه صوم رمضان متتابعا فإذا جاء رمضان صام عن رمضان لانه مستحق بالشرع ولا يجوز أن يصوم فيه عن النذر ولا يلزمه قضاؤه عن النذر لانه لم يدخل في النذر ويفطر في العيدين وأيام التشريق لانه مستحق للفطر ولا يلزمه قضاؤه لانه لم يتناولها النذر
* وان كانت امرأة فحاضت فهل
يلزمها القضاء فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمها لانه مستحق للفطر فلا يلزمها قضاؤه كايام العيد (والثاني)

(8/477)


يلزمها لان الزمان محل للصوم وانما تفطر هي وحدها
* فان أفطر فيه لغير عذر نظرت فان لم يشترط فيه التتابع أتم ما بقي لان التتابع فيه يجب لاجل الوقت فهو كالصائم في رمضان إذا افطر بغير عذر ويجب عليه قضاؤه كما يجب على الصائم في رمضان
* وان شرط التتابع لزمه ان يستأنف لان التتابع لزمه بالشرط فبطل بالفطر كصوم الظهار وان افطر لمرض وقد شرط التتابع ففيه قولان
(أحدهما)
ينقطع التتابع لانه افطر باختياره (والثاني) لا ينقطع لانه افطر بعذر فأشبه الفطر بالحيض فان قلنا لا ينقطع التتابع فهل يجب القضاء فيه وجهان بناء على القولين في الحائض وقد بيناه وان افطر بالسفر فان قلنا انه ينقطع التتابع بالمرض فالسفر اولى وان قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان
(أحدهما)
لا ينقطع لانه افطر بعذر فهو كالفطر بالمرض (والثاني) ينقطع لان سببه باختياره بخلاف المرض
* وان نذر سنة غير معينة فان لم يشترط التتابع جاز متتابعا ومتفرقا لان الاسم يتناول الجميع فان صام شهرا بالاهلة وهي ناقصة أجزأه لان الشهور في الشرع بالاهلة وان صام سنة متتابعة لزمه قضاء رمضان وأيام العيد لان الفرض في الذمة فانتقل فيما لم يسلم منه إلى البدل كالمسلم فيه إذا رد بالعيب ويخالف السنة المعينة فان الفرض فيها يتعلق بمعين فلم ينتقل فيما لم يسلم إلى البدل كالسلعة المعينة إذا ردها بالعيب وأما إذا اشترط فيها التتابع فانه يلزمه صومها متتابعا على ما ذكرناه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْتِزَامَ الصَّوْمِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلِيَّ صَوْمٌ أَوْ أَنْ أَصُومَ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ ويجئ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَكْفِيه إمْسَاكُ بَعْضِ يَوْمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَأَنَّ إمْسَاكَ بَعْضِ الْيَوْمِ صَوْمٌ وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ وَبَيَّنَهَا فَذَاكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَيَّامَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ
* وَلَوْ قَالَ أَصُومُ دَهْرًا أَوْ حِينًا كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ
* وَهَلْ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ أَمْ يَكْفِي بِنِيَّةِ قَبْلِ الزَّوَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ بِاشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ (وَذَكَرَ) آخَرُونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ هَلْ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْجَائِزِ (إنْ قُلْنَا) مَسْلَكَ الْوَاجِبِ اُشْتُرِطَ التَّبْيِيتُ
وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِالنَّذْرِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِأَيِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ غَيْرَ رَمَضَانَ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ خَمِيسٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَامَ أَيَّ خَمِيسٍ شَاءَ فَإِذَا مَضَى خَمِيسٌ وَلَمْ يَصُمْ مَعَ التَّمَكُّنِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ فُدِيَ عَنْهُ
* وَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ يَوْمًا كَأَوَّلِ خَمِيسٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ خَمِيسٍ هَذَا الْأُسْبُوعِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ قَبْلَهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ صَامَ قَضَاءً سَوَاءٌ أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا لَكِنْ ان

(8/478)


أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَإِنْ أَخَّرَهُ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَأْثَمْ
* وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وغيره في تعيينه وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) تَعَيُّنُهُ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَيَّنَ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُعَيَّنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ قَضَاءً وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرُ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَعَثَ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ في آخر الخلق من آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُطْلَقٍ مِنْ أُسْبُوعٍ مُعَيَّنٍ صَامَ مِنْهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ لَا يَثْبُتُ لَهُ خَوَاصُّ رَمَضَانَ سَوَاءٌ عَيَّنَّاهُ بِالنَّذْرِ أم جوزنا غيره مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لَوْ أَفْطَرَ وَعَدَمُ قَبُولِ صَوْمٍ آخَرَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ لَوْ صامه عن قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَأَيَّامِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ بِالنَّذْرِ هَلْ يَتَعَيَّنُ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ إذَا عَيَّنَ لَهَا فِي نَذْرِهَا وَقْتًا وَفِي الحج إذا عين له فِي نَذْرِهِ سَنَةً وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ بِالتَّعَيُّنِ فَقَالَ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي وَقْتٍ عَيَّنَهُ غَيْرَ أَوْقَاتِ النَّهْيِ تَعَيَّنَ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ ضَحْوَةً صَلَّى فِي ضَحْوَةِ أَيِّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الضَّحْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ
* وَلَوْ عَيَّنَ ضَحْوَةً فَلَمْ يُصَلِّ فِيهَا قَضَى أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ ضَحْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
* وَلَوْ عَيَّنَ لِلصَّدَقَةِ وَقْتًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْقَوْلُ فِي الْمُبَادَرَةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً وَفِي أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهَا هَلْ تَتَعَيَّنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَعَيُّنِ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي النَّذْرِ وَالصَّحِيحُ التَّعَيُّنُ فِي الْجَمِيعِ وَحَيْثُ لَا نَذْكُرُهُ أَوْ الْأَصْحَابُ يَكُونُ اقْتِصَارًا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجُوزُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةً وَمُتَتَابِعَةً لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِالْمُسَمَّى
* وَإِنْ عَيَّنَ النَّذْرَ بِالتَّتَابُعِ لَزِمَهُ فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ
* وَلَوْ قَيَّدَ بِالتَّفْرِيقِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُعْتَبَرٌ فِي صَوْمِ

(8/479)


التَّمَتُّعِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً حُسِبَتْ لَهُ خَمْسَةٌ وَيُلْغَى بَعْدَ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ نُظِرَ إنْ عَيَّنَهُ كَرَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ أَوْ قَالَ أَصُومُ شَهْرًا مِنْ الْآنَ فَالصَّوْمُ يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِتَعَيُّنِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا فِي نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لا يلزمه الاستئناف ولوفاته الْجَمِيعُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ فَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ لان شرط التتابع مع تعين الشَّهْرِ لَغْوٌ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْزَمُهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا
* وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ أَصُومُ شَهْرًا فَلَهُ التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ فَإِنْ فَرَّقَ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِنْ تَابَعَ وَابْتَدَأَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ابْتَدَأَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَرَجَ نَاقِصًا كَفَاهُ لِأَنَّهُ شَهْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يُعَيَّنَ سَنَةً مُتَوَالِيَةً بِأَنْ يَقُولَ أَصُومُ سَنَةَ كَذَا أَوْ سَنَةً مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ مِنْ الْغَدِ فَصِيَامُهَا يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَكَذَا التَّشْرِيقَ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ
* وَلَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فِيهَا بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَفِي وُجُوبِ
الْقَضَاءِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ كَالْعِيدِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْمَرَضِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ وَرَجَّحَ ابْنُ كَجٍّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لانه لا يصح أن تنذر صَوْمُ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَيَصِحُّ أَنْ يُنْذَرَ صَوْمُ أَيَّامِ الْمَرَضِ
* وَلَوْ أَفْطَرَ بِالسَّفَرِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِب الْقَضَاءُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ أَفْطَرَ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ صَوْمُ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَإِذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ مَعَ تَعْيِينِ السَّنَةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الشَّهْرِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ وَالْإِفْطَارُ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لَهُ حُكْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ فَفِي الْقَضَاءِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
* وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ تَنَاوَلَ السَّنَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّم فَإِنْ كَانَ مَضَى بَعْضُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا صَوْمُ الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ بَاقِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ عَنْ النَّذْرِ وَلَا قَضَاءُ الْعِيدَيْنِ وَفِي التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ
* (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ وَأَطْلَقَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ صَامَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ أَيُّهُمَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ وَكُلُّ شَهْرٍ اسْتَوْعَبَهُ بِالصَّوْمِ فَنَاقِصُهُ كَالْكَامِلِ

(8/480)


فَيُحْسَبُ شَهْرًا وَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَشَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ مُنْكَسِرَانِ بِسَبَبِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ فلو صام سنة متوالية قضى العيدين والتشتريق ورمضان ولا بأس بصوم يوم الشَّكِّ عَنْ النَّذْرِ وَيَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْحَيْضِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَنَّهُ إذَا صَامَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ إلَى مِثْلِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ صَامَ سَنَةً وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرُطْ التَّتَابُعَ (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لِلنَّذْرِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
عَلَى الِاتِّصَالِ بِالْمَحْسُوبِ مِنْ السَّنَةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ
* ثُمَّ إنَّهُ يَحْسِبُ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا
* وَإِذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ
* ثُمَّ فِي قَضَاءِ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَحُكْمُ قَضَاءِ مَا يُفْطِرُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي السَّنَةِ
* وَلَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَحَاضَتْ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَشَرَعَتْ فِي يَوْمٍ فَحَاضَتْ لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ هَذَا الْعَدَدِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ التَّتَابُعُ
* وَلَوْ قَالَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ التَّتَابُعُ وَيَقْضِي لِرَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ عَلَى الِاتِّصَالِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ التَّتَابُعَ يَلْغُو هُنَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فِي الْحَرَمِ لَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهِ قَالَا قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ مُبْدَلُهُ الَّذِي هُوَ الْهَدْيُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ
* وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ لِأَنَّ الْحَرَمَ يَخْتَصُّ بِأَشْيَاءَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* وَاتَّفَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لَا يتعين بل يصوم حيث شاء والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ بَاقِي سَنَةِ التَّارِيخِ

(8/481)


وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّنَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَهِيَ سَنَةُ التَّارِيخِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَاقِي هَذِهِ السَّنَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَوْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ كَرَمَضَانَ
*
(فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ وَلَا شئ عَلَيْهِ أَصْلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ صَامَ الْعِيدَ أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ وَاجِبِ نَذْرِهِ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر أن يصوم في كل اثنين لم يلزمه قضاء أثانين رمضان لانه يعلم أن رمضان لا بد فيه من الاثانين فلا يدخل في النذر فلم يجب قضاؤها وفيما يوافق منها أيام العيد قولان
(أحدهما)
لا يجب وهو قول المزني قياسا على ما يوافق رمضان (والثاني) يجب لانه نذر ما يجوز أن لا يوافق أيام العيد فإذا وافق لزمه القضاء
* وان لزمه صوم الاثانين بالنذر ثم لزمه صوم شهرين متتابعين في كفارة بدأ بصوم الشهرين ثم يقضي صوم الاثانين لانه إذا بدأ بصوم الشهرين يمكنه بعد الفراغ من الشهرين أن يقضي صوم الاثانين وإذا بدأ بصوم الاثانين لم يمكنه أن يقضي صوم الشهرين فكان الجمع بينهما اولى فإذا فرغ من صوم الشهرين لزمه قضاء صوم الاثانين لانه أمكنه صيامها وانما تركه لعارض فلزمه القضاء كما لو تركه لمرض وان وجب عليه صوم الشهرين ثم نذر صوم الاثانين بدأ بصوم الشهرين ثم يقضى صوم الاثانين كما قلنا فيما تقدم ومن أصحابنا من قال لا يجب القضاء لانه استحق صيامه عن الكفارة فلا يدخل في النذر والمذهب أنه يلزمه لانه كان يمكنه صومه عن النذر فإذا صامه عن غيره لزمه القضاء)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَثَانِينَ رَمَضَانَ كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ أَثَانِي بِحَذْفِ النُّونِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعَيَّنَ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ يَتَعَيَّنُ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الشَّاذِّ يَصُومُ بَدَلَ الِاثْنَيْنِ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانُ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِ يَوْمَ الْقُدُومِ بِعَيْنِهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ وَسَنَشْرَحُهُمَا عَقِبَ هَذَا وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَثَانِينِ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الاثانين
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الاثانين الْوَاقِعَةِ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةٌ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْخَامِسِ وَجْهَانِ وَقِيلَ

(8/482)


قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ
* وَكَذَا لَوْ وَقَعَ يَوْمُ الْعِيدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ أَيْضًا وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَالْعِيدِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ
* وَلَوْ صَدَرَ هَذَا النَّذْرُ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَفْطَرَتْ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَقِيلَ) يَجِبُ قَضَاؤُهُ قَطْعًا لِأَنَّ وَاجِبَهُ شَرْعًا يُقْضَى وَهُوَ رَمَضَانُ فَكَذَا بِالنَّذْرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ غَالِبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا تَقَعُ عَادَتُهَا أَصَحُّ وَأَقْوَى وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ
* وَلَوْ أَفْطَرَ هَذَا النَّاذِرُ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِالْمَرَضِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ نذر صوم سنة معينة والله أعلم
* (وأما) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْأَثَانِينِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ وَلَوْ عَكَسَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْأَثَانِينِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ الْوَاقِعَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ النَّذْرِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْأَثَانِينِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَطَائِفَةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَصُومُ الشَّهْرَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ لِأَنَّ صَوْمَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَإِنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ الشَّهْرَيْنِ إلَّا الْأَثَانِينَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَثَانِينُ فَيَصُومُهَا عن النذر الاول ولا يلزمه قضاؤها عن النَّذْرِ الثَّانِي لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّوْمِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا أَوْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ أُسْبُوعًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الشَّهْرَ أَوْ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ وَإِنْ عَيَّنَ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ
الصَّوْمُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ آخَرَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَإِلَّا فَحُكْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ حُكْمُ رَمَضَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ أَيْضًا إذَا صَادَفَ نَذْرَانِ زَمَانًا مُعَيَّنًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ الثَّانِي وَطُرِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيمَا إذَا قَالَ إذا قدم زيد فلله عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ التَّالِي لِقُدُومِهِ وَإِنْ قَدِمَ عَمْرُو فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ قُدُومِهِ فَقَدِمَا مَعًا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَنَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ أَوَّلِ نَذْرٍ نَذَرَهُ وَيَقْضِي يَوْمَ النَّذْرِ الثَّانِي
* وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ

(8/483)


وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ وَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانُ فَشَفَى الْمَرِيضُ وَأَصْبَحَ النَّاذِرُ فِي أَوَّلِ الْخَمِيسِ صَائِمًا فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانُ وَقَعَ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ (وَأَمَّا) النَّذْرُ الْآخَرُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ قَضَى عَنْهُ يَوْمًا آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَالَ النَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ الدَّهْرِ
* وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بَعْدَ النَّذْرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهَا وَيَفْدِي عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جائزه (ان قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصُمْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرُ كَالْعَاجِزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي صَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ بِسَبَبٍ هُوَ فِيهِ مُخْتَارٌ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا
* وَلَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا (1) ثُمَّ إنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ تَعَدَّى لَزِمَتْهُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ نَوَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ قَضَاءَ يَوْمٍ كَانَ أَفْطَرَهُ مُتَعَدِّيًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا فَعَلَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَدُّ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الزَّمَانَ الْمُعَيَّنَ لِصَوْمِ النَّذْرِ هَلْ يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ أَيَّامَ غَيْرِهِ مُتَعَيِّنَةٌ لِلنَّذْرِ
* قَالَ الْإِمَامُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْمُفْطِرِ الْمُتَعَدِّي فِي حَيَاتِهِ وَلِيُّهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِيُّهُ الظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ مِنْهُ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَطْرَأُ عُذْرٌ يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ لَهُ وَيُتَصَوَّرُ تَكَلُّفُ الْقَضَاءِ مِنْهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَضَى مَا أَفْطَرَ فِيهِ مُتَعَدِّيًا وَسَيَأْتِي النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ
هَلْ يلزمه ان يسافر ليقضي والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فلان ففيه قولان
(أحدهما)
يصح نذره لانه يمكنه ان يتحرى اليوم الذي يقدم فيه فينوي صيامه من الليل فإذا قدم صار ما صامه قبل القدوم تطوعا وما بعده فرضا وذلك يجوز كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (والثاني) لا يصح نذره لانه لا يمكنه الوفاء بنذره لانه ان قدم بالنهار فقد مضى جزء منه وهو فيه غير صائم وان تحرى اليوم الذي يقدم فيه فنوى من الليل فقدم في أثناء النهار كان ما قبل القدوم تطوعا وقد أوجب صوم جميعه بالنذر فان قلنا إنه يصح نذره فقدم ليلا لم يلزمه لان الشرط أن يقدم نهارا وذلك لم يوجد فان قدم نهارا وهو مفطر لزمه قضاؤه وان قدم نهارا وهو صائم عن تطوع لم يجزه عن النذر لانه لم ينو من أوله وعليه أن يقضيه وان عرف أنه يقدم غدا فنوى الصوم من الليل عن النذر صح عن النذر ويكون أوله تطوعا والباقي فرضا فان اجتمع في يوم نذران بان قال ان قدم زيد فلله علي أن اصوم اليوم الذي يلي يوم مقدمه وان

(8/484)


قدم عمر فلله علي أن أصوم أول خميس بعده فقدم زيد وعمرو يوم الاربعاء لزمه صوم يوم الخميس عن أول نذر نذره ثم يقضي عن الاخر
* (الشرح) قوله وان قدم الْيَوْمَ الَّذِي يُقَدِّمُ فِيهِ هُوَ - بِفَتْحِ الْقَاف وَالدَّال الْمُشَدِّدَة - يَعْنِي عَرَفَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ انْعِقَادُهُ (والثاني) لا ينعقد ولا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ نَظَرَ إنْ قدم ليلا فلاصوم عَلَى النَّاذِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَوْمَ قُدُومٍ وَلَوْ عَنَى بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا لان الليل ليس بقابل للصوم قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ الْفِدَاءُ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا آخَرَ
* وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا فَلِلنَّاذِرِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَذْرِهِ يَوْمًا آخَرَ وَهَلْ نَقُولُ لَزِمَهُ بالنذر الصوم من أَوَّلِ الْيَوْمِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ نِصْفَ النَّهَارِ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ اعْتَكَفَ بَاقِيَ الْيَوْمِ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ مَا مَضَى
مِنْهُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مَكَانَهُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ولايجوز الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْآخَرِ كَفَاهُ اعْتِكَافُ بَاقِي الْيَوْمِ وَلَا يلزمه شئ آخَرُ (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَحُرِّيَّةُ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا حُرِّيَّةَ هَذَا إذَا كَانَ قُدُومُ زَيْدٍ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ (أَمَّا) إذَا قَدِمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ حَصَلَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدَ عَنْ سَلِطَةِ الْبَائِعِ
* وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانُ لَمْ يُوَرَّثْ عَنْهُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيُوَرَّثُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُجْزِئُهُ عَلَى الثَّانِي (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ بَانَ أَنَّ الْمَوْتَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ
* وَلَوْ خَالَعَهَا فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَقَدِمَ فُلَانٌ فِي آخِرِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ الْخُلْعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ فَيُتِمُّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ لِهَذَا النذر
* واستحب للشافعي وَالْأَصْحَابُ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ فيه لانه بان أنه صام يَوْمًا مُسْتَحِقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ
* قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ

(8/485)


عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَقْدَمَ وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرُ صَائِمٍ وَهُوَ مُمْسِكٌ وَهُوَ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ هَذَا النَّهَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي قَالَ الْمُتَوَلِّي يَبْنِي عَلَى جَوَازِ نَذْرِ صَوْمِ بَعْضِ يَوْمٍ إنْ جَوَّزْنَاهُ نَوَى إذَا قَدِمَ وَكَفَاهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ يَوْمًا كَامِلًا لِلْخُرُوجِ من الخلاف وان لم نجوزه فلا شئ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهُ
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ (وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ إتْمَامُ مَا هُوَ فِيهِ وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ
* هَذَا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا نَوَى وَصَامَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّاذِرُ مَتَى يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ النَّاذِرُ أَنَّ فُلَانًا يَقْدَمُ غَدًا فَنَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَفِي إجْزَائِهِ عَنْ نذره وجهان (أصحهما) يجزئه وبه قطع المنصف وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ بَنَى النِّيَّةَ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ فَأَشْبَهَ مَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ الْقُدُومَ
* وَخَصَّصَ الْمُتَوَلِّي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا بِاللُّزُومِ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ فِي رَمَضَانَ فهو كما لو قدم ليلا والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ طَرِيقَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدِ لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا اجْتَمَعَ فِي يَوْمٍ نَذْرَانِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ
* وَلَوْ نَذَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا لغير المتمتع وهو المذهب وان قلنا بالوجه الشاذ أنه يَصِحُّ صَوْمُهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ (وَالْأَصَحُّ) انه لا ينعقد هذا النذر ولا نذر صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الجمهور

(8/486)


لِأَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ وَبَعْضُ الْيَوْمِ لَيْسَ بِصَوْمٍ
قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ نَوَى فِيهِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ (أَمَّا) إذَا أَصْبَحَ مُمْسِكًا وَلَمْ يَنْوِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ عَلَى مَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ انْعِقَادِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَهَذَا مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا رَكْعَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا رَكْعَةٍ لَزِمَهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ إذَا حَمَلْنَا الْمَنْذُورَ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ قَالَ وَتَكَلَّفَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا قَالَ وَلَا فَرْقَ فَيَجِبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا لَهُ قَدْ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا إذَا نَذَرَ رَكَعَاتٍ فَفِي لُزُومِ الْقِيَامِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ النَّذْرُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) ينعقد ويلزمه امساك بقية هذا النهار بِالنِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَهُ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَمَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ أَضْعَفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا نذر ابتداء صوم بعض يوم فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صوم تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى الِانْعِقَادِ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ عَنْ النَّذْرِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا فِي أَوَّلِهِ فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الْآنَ
* وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ رَكْعَةٍ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَالصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِفِعْلِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ حَتَّى إنَّهُ يُدْرِكُ بِهِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لَوْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ مُفْرَدًا فَإِنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ
* وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ مُطْلَقًا تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ رُكُوعًا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى
انْعِقَادِ النَّذْرِ
* وَلَوْ نَذَرَ تَشَهُّدًا قَالَ الْمُتَوَلِّي يَأْتِي بِرَكْعَةٍ يَتَشَهَّدُ فِي آخِرِهَا أَوْ يَقْتَدِي بِمَنْ قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ يَقْتَضِي التَّشَهُّدَ فَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ
* وَلَوْ نَذَرَ سَجْدَةً فَرْدَةً فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو محمد وغيره

(8/487)


لَا يَنْعَقِدُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ السَّجْدَةَ قُرْبَةٌ بِدَلِيلِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَكُونُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَقِدُ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الرُّكُوعِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْبَيَانِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ انْعِقَادُ نَذْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لان الشرط لم يوجد وان قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وفي قضاء ما فات وجهان (احدهما) يلزمه وهو اختيار المزني (والثاني) لا يلزمه وهو المذهب لان ما مضى قبل القدوم لم يدخل في النذر فلا يلزمه قضاؤه
* وان قدم وهو محبوس أو مريض فالمنصوص أنه يلزمه القضاء لانه فرض وجد شرطه في حال المرض فثبت في الذمة كصوم رمضان وقال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري لا يلزمه لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ في النذر كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ احْتِرَازٌ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) وُجِدَ شَرْطُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ لِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَالِ الْمَرَضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَحَاضَتْ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لا يدخل في النذر احترز بِقَوْلِهِ النَّذْرِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الصوم فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا لَزِمَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ قَطْعًا وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهُ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ الَّتِي
قَاسَ عَلَيْهَا الْقَائِلُ الْآخَرُ بِأَنَّ الْحَائِضَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِخِلَافِ اعْتِكَافِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ بَعْدَ الْقُدُومِ وَفِي قَضَاءِ مَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
* وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَحْبُوسِ إذَا حُبِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ المشي إليه بحج أو عمرة لانه لا قربة في المشي إليه الا بنسك فحمل مطلق النذر عليه ومن أي موضع يلزمه المشي والاحرام فيه وجهان (قال) ابو اسحاق يلزمه ان يحرم ويمشي من دويرة أهله لان الاصل في الاحرام أن يكون من دويرة أهله وانما أجيز

(8/488)


تأخيره إلى الميقات رخصة فإذا اطلق النذر حمل على الاصل (وقال) عامة أصحابنا يلزمه الاحرام والمشي من الميقات لان مطلق كلام الادمى يحمل على المعهود في الشرع والمعهود هو من الميقات فحمل النذر عليه فان كان معتمرا لزمه المشي إلى ان يفرغ وان كان حاجا لزمه المشي إلى ان يتحلل التحلل الثاني لان بالتحلل الثاني يخرج من الاحرام فان فاته لزمه القضاء ماشيا لان فرض النذر يسقط بالقضاء فلزمه المشي فيه كالاداء وهل يلزمه ان يمشي في فائته فيه قولان (احدهما) يلزمه لانه لزمه بحكم النذر فلزمه المشي فيه كما لو لم يفته (والثاني) لا يلزمه لان فرض النذر لا يسقط به)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
* وَسَبَقَ حِكَايَةُ خِلَافٍ شَاذٍّ فِيهِ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ
* وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ أَمْ لَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَالُوا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ بِدَلِيلِهَا (أَصَحُّهَا) الرُّكُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَشْيُ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى
الْآخَرِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُمَا سَوَاءٌ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَإِذَا أَحْرَمَ فَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَمَنْ ضَعُفَ وَسَاءَ خُلُقُهُ لَوْ مَشِيَ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ (وَالْمَذْهَبُ) ان الركوب أفضل مطلقا
* قالوا فان الْمَشْيُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ قُلْنَا الرُّكُوبُ أَفْضَلُ أَوْ سَوَّيْنَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ الْمَشْيِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَوْ صَرَّحَ بِابْتِدَاءِ الْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْفَرَاغِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ فَلَوْ أَطْلَقَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ (وَالثَّانِي) مِنْ الْمِيقَاتِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
* وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ والمتولي وغيرهما المشي مبني عَلَى الْإِحْرَامِ إنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الميقات فكذا المشي وان قلنا من الميقات فَكَذَا الْمَشْيُ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَوْ قَالَ أَمْشِي حَاجًّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَحُجُّ مَاشِيًا وَمُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُوبُ اقْتِرَانِ الْحَجِّ وَالْمَشْيِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَمْشِيَ مِنْ

(8/489)


مَخْرَجِهِ إلَى الْحَجِّ (الثَّانِيَةُ) فِي نِهَايَةِ الْمَشْيِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ لِغَرَضِ تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ
* فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الاصحاب فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَشْيَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الْحَجِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ هُنَا وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُ مَا يَتَأَوَّلُ
عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّمْيِ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَفُرِّعَ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ
* فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ جَازَ الرُّكُوبُ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّكُوبُ بعد التحللين وقبل ايام التشريق والله أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي تَمَامِ الْحَجَّةِ الْفَائِتَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَالتَّحَلُّلُ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ
* وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مَاشِيًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمُضِيِّ في فاسده فيه هذان القولان
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان نذر المشي فركب وهو قادر على المشي لزمه دم لما روى ابن عباس عن عقبة بن عامر ان اخته نذرت ان تمشي إلى البيت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال (ان الله تعالى لغني عن نذر اختك لتركب ولتهد بدنة) ولانه صار بالنذر نسكا واجبا فوجب بتركه الدم كالاحرام من الميقات
* فان لم يقدر على المشي فله ان يركب لانه إذا جاز ان يترك القيام الواجب في الصلاة للعجز جاز أن يترك المشي فان ركب فهل يلزمه دم فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمه لان حال العجز لم يدخل في النذر (والثاني) يلزمه لان ما وجب به الدم لم يسقط الدم فيه بالمرض كالتطيب واللباس)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُقْبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ

(8/490)


هَدْيًا) هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ مَا يَمْنَعُ حُسْنَهُ وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ
* وَعَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ يَعْنِي أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً ولتكفر يَمِينِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَمْشِ إذَا قَدَرَتْ وَتَرْكَبْ إذَا عَجَزَتْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ (بَابُ الْمَشْيِ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالرُّكُوبِ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ) ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِك فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً) هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَدَنَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (فَتُهْدِي هَدْيًا) وَرُوِيَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي رَكْبٍ إذْ بَصَرَ بِخَيَالٍ قَدْ نَفَرَتْ مِنْهُ إبِلُهُمْ فَأَنْزَلَ رَجُلًا فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ عُرْيَانَةٍ نَاقِضَةً شَعْرَهَا فَقَالَ مالك قَالَتْ نَذَرْت أَنْ أَحُجَّ الْبَيْتَ مَاشِيَةً عُرْيَانَةً نَاقِضَةً شَعْرِي فَأَنَا أَتَكَمَّنُ بِالنَّهَارِ وَأَنْتَكِبُ الطَّرِيقَ بِاللَّيْلِ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ارْجِعْ إلَيْهَا فَمُرْهَا فَتَلْبِسُ ثِيَابَهَا وَلْتُهْرِقْ دَمًا (قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ دُونَ ذِكْرِ الْهَدْيِ فِيهِ
* ثُمَّ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هديا وَلْيَرْكَبْ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَلْيُهْدِ بَدَنَةً وَلْيَرْكَبْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ فَهُوَ مُرْسَلٌ قَالَ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ موقوفا والله أعلم) (أما)
حكم الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لَمْ يجز له

(8/491)


الرُّكُوبُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ مَا دَامَ عَاجِزًا فَمَتَى قَدَرَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ السَّابِقِ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يركب) قال الترمذي هذا حديث صحيح (الثانية) إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فَحَجَّ رَاكِبًا وَقَعَ حَجُّهُ عَنْ النَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ جَبْرُ الْمَشْيِ الْفَائِتِ بِإِرَاقَةِ دَمٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا دَمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَعَجَزَ فَإِنَّهُ يصلي قاعدا ويجزئه ولا شئ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ شَاةٌ تُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (هَذَا) (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَتَرَكَهُ وَحَجَّ رَاكِبًا فَقَدْ أَسَاءَ وَارْتَكَبَ حَرَامًا تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَشْيِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ نَذْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى صِفَتِهِ الْمُلْتَزَمَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِمَّا دُونَهُ أَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ وَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهَلْ هُوَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْأَصَحُّ) شَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا حَقِيقَةُ الْعَجْزِ عَنْ الْمَشْيِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْعَجْزِ عن صوم رمضان بالمرض والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر ان يركب إلى بيت الله الحرام فمشى لزمه دم لانه ترفه بترك مؤنة المركوب
* وان
نذر المشي إلى بيت الله تعالى لا حاجا ولا معتمرا ففيه وجهان (احدهما) لا ينعقد نذره لان المشي في غير نسك ليس بقربة فلم ينعقد كالمشي إلى غير البيت (والثاني) ينعقد نذره ويلزمه المشي بحج أو عمرة لانه بنذر المشي لزمه المشي بنسك ثم رام اسقاطه فلم يسقط)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ رَاكِبًا فَإِنْ قُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُوَ وَالرُّكُوبُ سَوَاءٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ مَشَى (وَإِنْ قُلْنَا) الرُّكُوبُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ مَشَى فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ

(8/492)


صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشُقُّ مِنْ الرُّكُوبِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ إنْ قلنا المشي أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُمَا سَوَاءٌ فَلَا دَمَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الدَّمُ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَعِنْدِي أنه لادم لِأَنَّهُ أَشُقُّ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْكَعْبَةِ لَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّ الْمَشْيَ هُنَاكَ لَا يَتَضَمَّنُ النُّسُكَ فَكَذَا هُنَا إذَا صَرَّحَ بِتَرْكِ النُّسُكِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ هُنَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ بِنُسُكٍ بِخِلَافِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ حَافِيًا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيَلْبَسَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا يَشَاءُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بقربة ولا ينعقد نذره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر المشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام ولا نواه فالمذهب انه يلزمه لان البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد فلا يجوز حمله على البيت الحرام فان
نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لان قصده لا يجوز من غير احرام فكان ايجابه ايجابا للاحرام وان نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه لانه يجوز قصده من غير احرام فلم يكن في نذره المشي إليه اكثر من ايجاب المشي وذلك ليس بقربة فلم يلزمه
* وان نذر المشي إلى مسجد غير الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يلزمه لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومسجدي هذا) وان نذر المشي إلى المسجد الاقصى أو مسجد المدينة ففيه قولان (قال) في البويطي يلزمه لانه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام (وقال) في الام لا يلزمه لانه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ أَحَادِيثِ نَحْوِهِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ (وَقَوْلُهُ) وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ الْحَرَامِ - بكسر الميم - (أما) أحكام الفصل فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ نَذْرِ

(8/493)


الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَأَوْضَحْنَا أَحْكَامَهَا بِفُرُوعِهَا وَسَبَقَ أَيْضًا بَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ وَلَا نَوَاهُ وَلَكِنْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَلُزُومِ الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي صَحَّحَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ لَا ينعقد نذره ولا يلزمه شئ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا شي عَلَيْهِ
* وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ قَالُوا نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ ظَاهِرٌ لَا صَرِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ لَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ هَذَا نَصُّهُ
* قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لكنها مشهورة بالوجهين
* وممن صرح بان الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجُرْجَانِيُّ والرافعي وآخرون والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر ان يحج في هذه السنة نظرت فان تمكن من ادائه فلم يحج صار ذلك دينا في ذمته كما قلنا في حجة الاسلام وان لم يتمكن من ادائه في هذه السنة سقط عنه فان قدر بعد ذلك لم يجب لان النذر اختص بتلك السنة فلا يجب في سنة اخرى الا بنذر آخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ نَذَرَ حَجًّا مُطْلَقًا اُسْتُحِبَّ مُبَادَرَتُهُ بِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا شئ عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ (أَمَّا) إذَا عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ سَنَةً فَتَتَعَيَّنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَوْ حَجَّ قَبْلَهَا لَمْ يُجْزِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَيَّنُ تِلْكَ السَّنَةِ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَهَا
* وَلَوْ قَالَ أَحُجُّ فِي عَامِي هَذَا وَهُوَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُ الْحَجُّ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَقْضِيه بِنَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ تَرِكَتِهِ
* وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا هُوَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَكَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ
* وَلَوْ صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِعَدُوٍّ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ

(8/494)


وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَكِّنِ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ
* وَلَوْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ وَحْدَهُ أَوْ مَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ
* وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الصَّدِّ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالصَّدِّ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدِّ وَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا نَظَرْتُ فِي
كُتُبِ الْأَصْحَابِ رَأَيْتهَا مُتَّفِقَةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ فِي ذَلِكَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا اجْتَمَعْت شَرَائِطُ فَرْضِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَجَبَ الْوَفَاءُ وَاسْتَقَرَّتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَلَا
* قَالُوا وَالنِّسْيَانُ وَخَطَأُ الطَّرِيقِ وَالضَّلَالُ فِيهِ كَالْمَرَضِ
* وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
* وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَمَنَعَهُ مِمَّا نَذَرَ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ يَجِبُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالِاسْتِطَاعَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ حَجَّاتٍ كَثِيرَةً انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَيَأْتِي بهن على توالى السِّنِينَ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَا أَخَّرَهُ فَإِذَا نَذَرَ عَشْرَ حَجَّاتٍ وَمَاتَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَتَمَكَّنَ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ مَالِهِ خَمْسَ حَجَّاتٍ
* وَلَوْ نَذَرَهَا الْمَعْضُوبُ وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَشَرَةً يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَجَبَ قَضَاءُ عَشْرِ حِجَجٍ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِبَعْضِ الْعَشْرِ كَحَجَّتَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا فَيَحُجُّ غَيْرُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُجَّ مُفْرَدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَجٌّ صَحِيحٌ
* وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلنُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ
* وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحَجَّ رَاكِبًا وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَأَفْرَدَهُمَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ لِلنَّذْرِ حَجَّةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ مَثَلًا لَزِمَهُ صَلَاةٌ اخرى والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُوَ عَلَى مَسَافَةِ شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ

(8/495)


عَرَفَةَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ ولا شي عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى
* وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَذَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ النَّذْرِ
(إحْدَاهَا) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنَّ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَنْ نَذْرِهِ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ صَارَتْ مَعِيبَةً فَلَا تُجْزِئُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً وَذَهَبَ بِهَا إلَى مَكَّةَ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ تَعَيَّبَتْ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّ لِلْمُهْدِي مَا يُهْدِي إلَى الْحَرَمِ وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالذَّبْحِ والله أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَأَتَصَدَّقُ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْخُبْزِ بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ رِجْلِي الْحَجُّ مَاشِيًا صَحَّ نَذْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلْزَامَ الرِّجْلِ خَاصَّةً (الرَّابِعَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ وَكَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ عَنْ كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ وَنَوَاهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَفَّالُ مَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ قُلْت الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَلِدُ أَوْلَادًا وَيَمُوتُونَ فَقَالَتْ إنْ عَاشَ لِي وَلَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْعِتْقِ أَنْ يَعِيشَ لَهَا وَلَدٌ أَكْثَرَ مِمَّا عَاشَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهَا الْمَوْتَى وَإِنْ قَلَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ مَتَى وَلَدَتْ حَيًّا لَزِمَهَا الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ لِأَنَّهُ عَاشَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (السَّابِعَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ (الثَّامِنَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ وَأَرَادَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَرِيضِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
* وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ (التَّاسِعَةُ) لَوْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا وَنَحْوَهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ قَدْ
يَنْتَفِعُ وَلَوْ عَلَى النُّذُورِ مُصَلٍّ هُنَاكَ أَوْ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا صَحَّ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَلَّقُ وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ وَقَفَ شَيْئًا لِيُشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ زَيْتٌ أَوْ غَيْرُهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ

(8/496)


الصَّوْمِ قَالَ الْقَفَّالُ يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حلف وحنث في يمينه وهو معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم
*
*
*
* (قال مصحح مطبعة الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد) فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع
قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم
*
*
*
* (قال مصحح مطبعة
الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد)
فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع على امور دينهم والان قد تم طبع الجزء الثامن منه الذي اشتمل على النصف الاخير من كتاب الحج وسيليه ان شاء الله تعالى الجزء التاسع واوله باب الاطعمة وكان الفراغ من طبعه في يوم الخميس العاشر من شهر محرم الحرام من سنة 1347 هجرية على صاحبها افضل الصلاة واكمل التحية
وكان طبعه بالمطبعة المذكورة اعلاه وانا لنرجو من الله تعالى ان يبقي حياة اؤلئك العلماء الاعلام ويوفقهم إلى اتمام هذا المشروع الجليل كما نرجو وننصح لكل عالم وطالب علم ومؤمن ومسلم ان يؤيد هذا المشروع ويعضده ويقتني هذا الكتاب فانه درة نفيسة
والله ولى التوفيق
*

(8/497)