المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (فَصْلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ)
رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَبِلَالٍ وَجَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرُوَيْفِعٍ بْنِ ثَابِتٍ وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (أَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَشْهُورٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالزَّائِدُ وَالْمُسْتَزِيدُ فِي النَّارِ) رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتُلِفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ فِيهِ فَفِي سُنَنِ أبى قرة عن محمد
ابن السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَصِحَّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أبو جمرة مَيْمُونٌ الْقَصَّابُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازداد فقد أربى)

(10/59)


وأبو جمرة ضَعِيفٌ وَقَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قال الدارقطني في كتاب العلل وأبو جمرة مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَالِاضْطِرَابُ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ قِبَلِهِ والله أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَتِنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرُجهُ ابْنُ ماجه والدارقطني فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ عَنْ عُمَرَ بن محمد عن أبيه وهو من الْحَنَفِيَّةِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ وَالصَّرْفُ هَا وَهَا) وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ غَرِيبٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمُخَرَّجٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْمُسْتَدْرِكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ وَهَذَا لَفْظُ الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ سَعْدٌ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ قَالُوا نَعَمْ الرُّطَبُ يَنْقُصُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ) هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْفَضْلِ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَادَةَ فَهُوَ أَتَمُّ الْأَحَادِيثِ وَأَكْمَلُهَا وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْعُمْدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَعُبَادَةُ أَسَنُّ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَكَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الكتب الستة

(10/60)


غيره وقد اشتبه علي بن مَعْنٍ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ فَنَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَنَسَبَ الثَّانِي إلَى مُسْلِمٍ وَحْدَهُ فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ إذَا نَسَبَ الْحَدِيثَ إلَى كِتَابٍ مُرَادُهُ مِنْهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ مِنْهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ فَمُرَادُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ الذى يستدل به فلابد من الموافقة فيه والله أَعْلَمُ
* وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابن عبيد بن عُبَادَةَ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَلَمْ يَقُلْهُ الْآخَرُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا قَالَ أَحَدُهُمَا فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدَّمَ الْوَرِقَ عَلَى الذَّهَبِ وَبَعْضَ قَوْلِهِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ وَقَوْلِهِ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ وَرِوَايَةُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ (وَأَمَّا) رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ هُرْمُزٍ فَمُتَّصِلَةٌ فِيمَا أَظُنُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ من حديث مسلم ابن يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ) قَالَ وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَكَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا مَنْ زَادَ

(10/61)


أَوْ ازْدَادَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ مُتَّصِلًا بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ وَانْفَرَدَتْ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ
وَفِيهِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُ وَنِعْمَ مَا فَعَلَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ اسْتَزَادَ لَيْسَ فِي مُسْلِمٍ بَلْ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالنَّسَائِيَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ لَفْظِ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ اسْتَزَادَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُ عُبَادَةَ ازْدَادَ هَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَتِنَا والله أَعْلَمُ
* وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّمْرَ عَلَى الْبُرِّ وَلَمْ يَقُلْ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَرَوَاهُ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وعينها والبر مُدًّا بِمُدٍّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدًّا بِمُدٍّ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ

(10/62)


بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَبِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد مختصر وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُشْتَرَكَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالْإِثْبَاتِ لَا بِالنَّهْيِ وَفِيهَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِالْأَصْنَافِ الْمُخْتَلِفَةِ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ وَالْفِضَّةُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ حَتَّى قَالَ الْمِلْحُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ) وَقَدْ رَوَى مَا تُوُهِّمَ أَنَّ حَكِيمًا
لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُبَادَةَ فَهَذِهِ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ الخمسة في حديث عبادة والله أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَهُوَ أَتَمُّهَا وَأَحْسَنُهَا بَعْدَ حَدِيثِ عُبَادَةَ لَا سِيَّمَا وَهُوَ الْمَنَاظِرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ وَلَفْظُهُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إلَّا يَدًا بِيَدٍ ولفظه عند البخاري (كنا نرزق بجمع تَمْرَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنْ التَّمْرِ وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صاعين بصاع ولا درهم بدرهمين) وكذلك فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ) قَالَ أَحْمَدُ قَالَ زَيْدٌ وَلَا صَاعَا تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَا حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بالورق مثلا

(10/63)


بِمِثْلٍ) وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) وَهُوَ أَتَمُّ أَلْفَاظِهِ
* وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَلْفَاظِهِ عَنْ ذِكْرِ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ هَذَا (وأما) حديث أبى الدرداء وأبى أسيد رضى الله عنهما فقد تَقَدَّمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ خبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا والله يارسول اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) وَفِي أُخْرَى (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ قَالَ (الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا) وَفِي رِوَايَةٍ
فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ صَحِيحَةٍ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ جَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أبيع الشئ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَاسْتَفْضَلَ فِي ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدَيْ فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى دَابَّتِهِ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دينار الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ) هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ النَّسَائِيُّ فَذَكَرَهُ هَكَذَا فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمُجْتَبَى أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الاصول فقال إنَّ النَّسَائِيَّ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَاَلَّذِي أَظُنُّ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا غَلَطُ سَقْطِ ابْنِ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي

(10/64)


وقعت لابن الاثير والله أَعْلَمُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مَالِكٍ هَذَا خَطَأٌ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ وَرْدَانَ الدَّوِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا عَهْدُ صَاحِبِنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي بِصَاحِبِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا عَهْدُ نبينا الينا وهو يريد إلى أصحابه بعد ما ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ
* وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا بِمَا لَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ لِمَا أَلْزَمْتُ نَفْسِي مِنْ الْأَدَبِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَنَسَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْغَلَطِ وَرَأَى أَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مُجْمَلَةٌ وَرِوَايَةَ مَالِكٍ مُبَيِّنَةٌ فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ صَاحِبُنَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيئا) ولكن لرواية ابن عمر أَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ قَالَ (كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ فَدَعَا بِلَالًا بِتَمْرٍ عِنْدَهُ فَجَاءَ بِتَمْرٍ أَنْكَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا التَّمْرُ قَالَ التَّمْرُ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا أَبْدَلْنَاهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دِهْقَانَةَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ شُرَحْبِيلُ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُمْ فَأَدْخَلَنِي اللَّهُ النَّارَ
* وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ أَرْسَلَ ذَلِكَ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ الْأُوقِيَّةَ الذَّهَبَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا) رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الله

(10/65)


فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تَأْخُذْنَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ الشَّعِيرُ قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارَعَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُسْنَدَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الآثار عن أبى بكرة ثنا عمر بن نفير نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ (مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثٍ بَلَغَهُ عَنْهُ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ رَافِعٌ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَشْفُوا الدِّينَارَ عَلَى الدِّينَارِ وَلَا الدِّرْهَمَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَلَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَدْخُلَ عَتَبَةَ بَابِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ أَنَا اسرائيل عن أبى اسحق عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ بِلَالٍ قَالَ (كَانَ عِنْدِي مُدُّ تَمْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ أَطْيَبَ مِنْهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا يَا بِلَالُ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ قَالَ رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا) (وأما) حديث ابن عَبْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ
قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ فِي سِتَّةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ نُهُوا عن الصَّرْفِ رَفَعَهُ رَجُلَانِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* الصَّرْفُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْفَضْلِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ - بِفَتْحِ الصَّادِ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(10/66)


وَسَلَّمَ قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الرَّبِيعِ هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هذا اللفظ (وأما) حديث رويفع ابن ثابت فرواه الطحاوي ثنا فهد بن أَبِي مَرْيَمَ أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ أَنَا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن ابن حسان النحبى انه سمع جنس الصنعانى يحدث عن رويفع بن ثابت عن عروة إياس قبل العرب يَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَبْتَاعُونَ الْمِثْقَالَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا الْمِثْقَالُ بِالْمِثْقَالِ وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ) وَرُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ هَذَا أَنْصَارِيٌّ صَحَابِيٌّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ الكبير يعد في المصريين وذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي الْأَنْصَارِ وَرَوَى لَهُ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بسند فيه الفضل ابن حَبِيبٍ السَّرَّاجُ إلَى بُرَيْدَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَهَى تَمْرًا فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَلَا أَرَاهَا إلَّا أُمَّ سَلَمَةَ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَأَتَوْا بِصَاعٍ مِنْ عَجْوَةَ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالُوا بَعَثْنَا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْنَا بِصَاعٍ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ) فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَنِي رِوَايَاتُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَرَوَاهُ مُرْسَلًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا
كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا) رَوَاهُ مَالِكٌ في المؤطا وَالسَّعْدَانِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا بِزِيَادَةٍ عَلَى السِّتَّةِ عَنْ مالك بن أوس بن الحدبان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لافضل بَيْنَهُمَا) وَهُوَ مُرْسَلٌ وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فِيهِ رَجُلٌ وَضَّاعٌ وَآخَرُ مَجْهُولٌ فَهَذِهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَفِي مُسْلِمٍ وَحْدَهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفَضَالَةَ وَعَلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ

(10/67)


عنه (ومنها) خارج الصحيحين وهو صحيح حديت أَبِي أُسَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحُكْمُ الثَّانِي) تَحْرِيمُ النَّسِيئَةِ وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ جَمِيعًا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ صَرِيحًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّا وَجَدْنَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه انه باع من عمر بْنِ حُرَيْثٍ جُبَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ إلَى أجل وان عمر أَحْرَقَهَا وَأَخْرَجَ مِنْهَا مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ وَوَجَدْنَا لِلْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ صَاحِبِ مَالِكٍ أن دينارا وثوبا بدينارين احدهما نقد وَالْآخَرُ نَسِيئَةً جَائِزٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ كَذَلِكَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْمِلْحِ بِالْمِلْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً حرام اه كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا عَنْ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ فِي تَعْلِيقَةِ أبى اسحق التُّونِسِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَهُ تَأْوِيلًا أَوْ وَقَعَ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ
* وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَحَدِيثِ أُسَامَةَ وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ وزيدبن أَرْقَمَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَمَّا) حَدِيثُ أُسَامَةَ فَقَوْلُهُ (إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ) إنْ جَعَلْنَاهُ مَنْسُوخًا فَالْمَنْسُوخُ مِنْهُ الْحَصْرُ خَاصَّةً كَمَا قِيلَ مِثْلُهُ فِي (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْإِثْبَاتِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ
* وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَاءِ فِي الْجِنْسَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ النَّسَاءِ آكَدُ
بِدَلِيلِ تَحْرِيمِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ التَّفَاضُلُ فَالنَّسَاءُ أَوْلَى وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّالِثِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَلَا تَبْقَى فِيهِ دَلَالَةٌ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا

(10/68)


فَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِ الْأَجَلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَلْ عُمُومُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا أَوْ جِنْسَيْنِ وَقَدْ أُخِذَ هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (هاوها) (إمَّا) لِأَنَّ اللَّفْظَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً (وَإِمَّا) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُلُولُ غَالِبًا وأما فرض أجل يسير ينقض فِي الْمَجْلِسِ فَنَادِرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْذَهُ مِنْ هَذَا وَقَالَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ إذْ الْعَيْنُ لايدخل فِيهَا الْأَجَلُ وَلَا يُمْكِنُهُمَا الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُمَا وَجَمِيعَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ التَّعْيِينَ بَلْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَرِدَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لكنه قد يقال انه غَلَبَ إطْلَاقُ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْأَجَلِ وَالْعَيْنِيَّةِ فِي مُقَابِلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَفِي تَسْلِيمِ هَذِهِ الْغَلَبَةِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحُكْمُ الثَّالِثُ) تَحْرِيمُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ رِبَا الْيَدِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَالْجِنْسَانِ (أَمَّا) فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ
* وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَّزَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ التَّفَرُّقَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ
* وَأَمَّا الطَّعَامُ فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ إنَّهُ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَافْتَرَقَا مِنْ الْمَجْلِسِ ثم تقابضا بعدم لَمْ يَضُرَّ الْعَقْدَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرْفِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ التَّقَابُضُ عِنْدَهُ مِنْ قاعدة الربا في شئ لافى الصرف ولافى الطعام وانما اشترطه فِي الصَّرْفِ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ ان الدارهم والدنانير لاتتعين بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القبض لصار دينار وَلَكَانَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِهَا وَيَجْعَلُونَ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ لِمَنْعِ النَّسَاءِ وَقَوْلَهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدًا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ

(10/69)


إذَا تَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْقِيَاسُ (أَمَّا) الْكِتَابُ فَهُوَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْآيَةِ هُوَ الرِّبَا وَالرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ إمَّا فِي الْمِقْدَارِ وَإِمَّا فِي الْمِيعَادِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ النَّسَاءُ أَوْ الْجَوْدَةُ أَمَّا فِي الْجَوْدَةِ فَقَدْ أَسْقَطَهَا الشَّرْعُ حَيْثُ قَالَ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ رَوَاهُ (1) وَلِسُقُوطِ قِيمَتِهَا تَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَفِي هَذَا بَنَوْا أَنَّ مَنْ فَوَّتَ جَوْدَةَ الْحِنْطَةِ لَا يَضْمَنُهَا عَلَى حَالِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ سَاقِطَةٌ بِزَعْمِهِمْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّفَاضُلُ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ فِي الْمِيعَادِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الرِّبَا فليس التقابض من الربا في شئ إذْ قِيمَةُ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ كَوْنِهِ نَقْدًا كَقِيمَةِ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قِيمَةَ الْحَالِ فَلَوْ حُرِّمَ تَرْكُ التَّقَابُضِ بِحُكْمِ الرِّبَا لَكَانَ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّ الْقَبْضَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ إذْ بِالْعَقْدِ يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فِيهِ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْعَقْدِ فَالْوَاجِبُ التَّعْيِينُ فَقَطْ لَا الْقَبْضُ وَوَجْهُ الْكِنَايَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ أَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ كَمَا أَنَّهَا آلَةُ الْقَبْضِ فَكَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْقَبْضِ يَجُوزُ أَنْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ التَّعْيِينِ
* وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مُحْتَمَلًا وَتَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ فَالتَّعْيِينُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي السَّلَمِ أَيْضًا فَإِذَا أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ وَجَبَ إقْبَاضُ الدَّرَاهِمِ لِيَتَعَيَّنَ فَلَا يَكُونُ بَيْعَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْأَصْلُ فِي السَّلَمِ أَنْ يَجْرِيَ بِالْأَثْمَانِ فَيَكُونَ الثَّمَنُ مُسْلَمًا فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ دَيْنٌ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ ثُمَّ لَمَّا عَسُرَ عَلَى العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه ومالا يَجِبُ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ مُطْلَقًا بِاسْمِ السَّلَمِ وَأَوْجَبَ فِي الْأَثْمَانِ بِاسْمِ الصَّرْفِ تَيْسِيرًا لِمُرَادِهِمْ وَتَحْقِيقًا لِلْغَرَضِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّقَابُضَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ فَلَمَّا قَالَ يَدًا بِيَدٍ كَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ لِلْخَلَاصِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ لَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ كَمَا فِي السَّلَمِ فَوُجُوبُهُ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا مُسْنَدَ له إلا الحديث (فان قلت) ليس
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/70)


أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ فِيهِمَا (قُلْتُ) الْوُجُوبُ عِنْدَهُمْ هُنَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَتَعْلِيقُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى عَدَمِ قَبْضِ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَقَدْ تَمَسَّكُوا فِي الْوُجُوبِ فِيهِمَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا التَّسْوِيَةُ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَنْبَغِي إذَا أَسْقَطَاهَا أَنْ يَسْقُطَ وَأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِثَوْبَيْنِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ مَعَ فُقْدَانِ التَّسْوِيَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ فَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عينا بعين متأخر حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يَكُونَ مُؤَكِّدًا وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي لَفْظِ الْمُسْتَدْرَكِ بِتَقْدِيمِ يَدًا بِيَدٍ عَلَى عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَأَمَّا) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهَا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى يَدًا بِيَدٍ وَالْمُؤَكِّدُ لَا يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمُؤَكَّدِ فَإِنْ جَعَلُوا يَدًا بِيَدٍ تَأْكِيدًا فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بن يحيى تلميذ الغزالي سَبَقَ قَوْلُهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَمْنَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي مَعْنًى يَسْتَغْنِي عَنْ التَّأْكِيدِ بِمُحْتَمَلٍ كَيْفَ وَتَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْيَدَ آلَةٌ لِلتَّعْيِينِ كَمَا هِيَ آلَةٌ لِلْإِقْبَاضِ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ لِلْإِقْبَاضِ (وَأَمَّا) التَّعْيِينُ فَيُشَارِكُهَا فِيهِ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ لَيْسَ بصحيح لان قوله يد بِيَدٍ مَعْنَاهُ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ فَعَبَّرَ بِالْيَدِ عَنْ الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهَا إلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ الْفَاعِلِيِّ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِنْ يَدٍ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَهَرَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً حَيْثُ أُطْلِقَ يَدًا بِيَدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ التَّقَابُضِ وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْحَابُنَا فِي المسألة بالاثر وَالْمَعْنَى (أَمَّا) الْأَثَرُ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمَّا تَصَارَفَا وَقَوْلُهُ لَا تُفَارِقْهُ فلما نَهَى عُمَرُ مَالِكًا عَنْ مُفَارَقَةِ طَلْحَةَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا هَا وَهَا) وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ التَّقَابُضَ لَا مُجَرَّدَ الْحُلُولِ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ الرِّبَا لَا من قاعدة

(10/71)


لتعيين وَبَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَيَأْتِي مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَهْمُ الرَّاوِي أَوْلَى من فهم غيره لاسيما مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ تَرْكَ التَّقَابُضِ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا عِبَارَةٌ عَنْ الْفَضْلِ الْمُطْلَقِ
وَالْفَضْلُ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ يَكُونُ قَدْرًا فِي الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ وَنَقْدًا فِي الْعَيْنِ بِالنَّسَاءِ وَقَبْضًا فِي الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ فَوْقَ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنِيَّةُ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِيُتَوَصَّلَ إلَيْهَا بِالْأَيْدِي وَلِأَنَّ الْيَدَ تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ وَالْعَيْنِيَّةَ لَا تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ رِبًا فَيَجِبُ التَّقَابُضُ نَفْيًا لِلرِّبَا وَمَتَى جَازَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَمْكَنَ الرِّبَا فَلَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِيجَابِ التَّقَابُضِ فِيهِمَا وَهَذَا مُلَخَّصُ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وسيأتى القول في تعيين الايمان الَّذِي جَعَلُوا بِنَاءَ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ الله تعالى والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
* وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ يَشْتَرِطُونَ التَّقَابُضَ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَمَا هُوَ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَطَالَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَمُقَابِلِيهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْإِلْزَامَاتِ بِمَا لَمْ أَرَ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِ وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَوَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَتَى لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ ذَلِكَ الْأَصْلُ انْحَلَّ كَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بينه وبين الطعام والله أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ) قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَحَصَّلَ فِي الْقَبْضِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ بَيْعُ الْمَطْعُومِ بِنَقْدٍ ومختلف فيه وهو بيع الْمَطْعُومُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ) جَوَازُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ السَّابِقَةِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ عِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبِالْإِجْمَاعِ واما في غيره فباجماع القايسين

(10/72)


وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرَامٌ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا عَدَا الصَّرْفَ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَضَتْ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ خَرَّجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كُتُبِهِمْ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ
قَالَ فَدَعَانِي طلحة بن عبيد فتراودنا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي (1) مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذهب بالورق ربا إلاها وها والبر بالبر ربا إلاها وها والتمر بالتمر ربا إلاها وَهَا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ) فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَ عُمَرُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ ولينقدنه وَرِقَهُ) يَقُولُ عُمَرُ ذَلِكَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَفِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي الصَّرْفِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ربا إلاها وها) رواها ابن أبى ديب عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَأَسَانِيدُ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَصَحُّ وَهِيَ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ هَاتِ وَهَذَا إنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ الرِّبَا) وَمِمَّا هُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه
__________
كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/73)


وبينك وبينه ليس لَفْظُ النَّسَائِيّ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ سِمَاكٌ وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظٍ فِي أَخْذِ الْبَدَلِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (الْحُكْمُ الْخَامِسُ) إنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله والنووي وأحمد واسماعيل بن علية وأبو إسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وجابر بن عبد الله وأنس ابن مَالِكٍ
* وَخَالَفَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَرُوِيَ وَلَمْ
يَصِحَّ عَنْ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَأَفْرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاسْمٍ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْأَجْنَاسَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ جِنْسٌ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَمِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَهَذَا نَصٌّ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ

(10/74)


فلا) وَكَذَلِكَ عِنْدَ النَّسَائِيّ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا) رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثَةٍ إلَى عُبَادَةَ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ تَرْجِعُ إلَى مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبيد عن عبادة وقدم تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ ذَكَرَ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ (وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يدا بيد) ثم قال حديث عبادة عن حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بعضهم هذا الحديث عن خالد الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ على خالد الخلاء هَلْ الْمَذْكُورُ فِي مُقَابَلَةِ الشَّعِيرِ التَّمْرُ أَوْ الْبُرُّ فَإِنْ كَانَ التَّمْرَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ
عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْبُرَّ فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا هل كذا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ أَبِي قِلَابَةَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بِيعُوا الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ كَيْفَ شِئْتُمْ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ بِهِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ لِكِتَابِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ قَوْلَهُ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ

(10/75)


شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ زِيَادَةٌ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الرُّوَاةِ فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أن هذا الاختلاف عن خالد الخلاء وَرِوَايَةُ التَّمْرِ بَدَلَ الْبُرِّ وَرَدَتْ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ وَقَدْ انْفَرَدَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ سُفْيَانَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ الْبُرُّ بِالشَّعِيرِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِي حَدِيثِ سفيان لابن بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَقَالَ فِيهِ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ ثنا فَزَالَتْ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ اللَّفْظَيْنِ مِثْلُ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ فِيهِ وَالْمِلْحُ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ بُرًّا وَلَا شَعِيرًا فِيهِ فَإِذَا نظرت مافى التِّرْمِذِيِّ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ الدُّولَابِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَلِمْتَ أَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ عَلَى سُفْيَانَ وَالرَّاجِحُ عَنْهُ رِوَايَةُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّ الْأَشْجَعِيَّ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِيهِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَهَذَا مَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ يُوهِنُ رِوَايَةَ التَّمْرَ بِالشَّعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رُجْحَانٌ فِي الْخِلَافِ عَلَى سُفْيَانَ وَلَا عَلَى خَالِدٍ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِ رِوَايَاتِ خَالِدٍ وَقَدْ رَأَيْنَا غَيْرَ خَالِدٍ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَمِثْلُ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الاشعث رويا خلاف ماروى عَنْ خَالِدٍ وَقَالَا الشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَفِي حَدِيثِ بن سِيرِينَ وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْبُرَّ بالشعير

(10/76)


وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا (وَقَوْلُهُ) أُمِرْنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عُبَادَةُ فَلَا وَجْهَ لِتَحَمُّلِ الْإِدْرَاجِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّعَارُضِ وَالِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ صَدَّنَا عَنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ فَتَبْقَى فِي الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ على مقتنسى الدَّلِيلِ وَبِقَوْلِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَاَلَّذِي عَوَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ
(أحدهما)
ماروى عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بعض صاع فلما جاء معمر أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذلك انطلق فرده ولا تأخذ الا مثل بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ قِيلَ فَإِنَّهُ ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع) رواه مسلم في الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ (قَالَ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا بِمِثْلِهِ) وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَوْصُولًا عَنْ شَبَّابَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارَ وَرَوَى زَيْدٌ أبو عباس أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عَنْ شَرْيِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ قَالُوا نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِمَّا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مالك قال ابن عبد البر والبيضاء الشعير مَعْرُوفٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ بِالْحِجَازِ كَمَا أَنَّ السَّمْرَاءَ عِنْدَهُمْ الْبُرُّ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ القاسم بن محمد عن معيقيب المدوسى مِثْلُ ذَلِكَ هَكَذَا هُوَ

(10/77)


فِي مُوَطَّأِ الْعَقَبِيِّ عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَفِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ أيضا عن نافع أن سليمان ابن يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ عَبْدِ الرحمن بن الاسود بن يَغُوثَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهِ شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَزَجَرَهُ إنْ زَادَ أَوْ يَزْدَادَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى مُعَيْقِيبًا وَمَعَهُ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ قد اسْتَبْدَلَهُ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لَكَ إنَّمَا الْحَبُّ مُدٌّ بِمُدٍّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رَأَى الْحُبُوبَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْبُرُّ عِنْدَهُ وَالشَّعِيرُ فَقَطْ صِنْفًا وَاحِدًا فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وسعد بن أبى وقاص ومعمر ومعيقيب المدوسى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جنسا واحدا أو جنسين (الثاني) إثْبَاتُ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا بِالنَّظَرِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّقَارُبِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَشْمَلْهُمَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) بَلْ يَكُونُ مَفْهُومُهُ مَانِعًا مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا قَالُوا لِأَنَّ تقارب الاعراض والمنافع في الشئ يُصَيِّرُهُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَأَجْنَاسُهُمَا وَمَا بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مِنْ التَّقَارُبِ أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَلَسِ هَذَا مَعَ اتِّفَاقِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ في المسبب وَالْمَحْصَدِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ فَلَوْلَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ بيع البر بالبر

(10/78)


وفيه شئ من الشعير لانه لابد مِنْ تَفَاوُتِهِمَا فَهُمَا نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْجِنْسِيَّةِ مَعَ التَّقَارُبِ فِي الْأَحْكَامِ كَالتَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ في الخرص وكذلك التقارب في الاثمان والجلاوة لِأَنَّ أَغْرَاضَ النَّفْسِ تَخْتَلِفُ فِي كُلِّ نَوْعٍ منها ذكر الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ تَقَارُبَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَشَدُّ مِنْ تَقَارُبِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَقَالَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَرَجَّحُوا مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَذْهَبَهُمْ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عَنْ الرِّبَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ أَثَرِ مَعْمَرٍ أَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعًا وَخَشْيَةَ أَنْ يُضَارِعَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِلْمُضَارَعَةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ الشُّبْهَةِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (وَأَمَّا) الاثر عن عمر ومعيقب فَمُنْقَطِعَانِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ سَعْدٍ فَعَلَى ظَاهِرِ رواية سليمان بن يسار لا دليل في لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ سَعْدٍ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ كَمَا فَعَلَ مَعْمَرٌ وَعَلَى
رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى الْحَدِيثِ رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا نَسِيئَةً فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا فَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ هِيَ الْبُرُّ بالعشير وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّ السُّلْتَ حَبَّةٌ بَيْضَاءُ مُضَرَّسَةٌ وَأَهْلُ العراق يسمون جنسا من الشعير لاقشر لَهُ السُّلْتَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ السَّادِسِ

(10/79)


أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ السُّلْتِ بِالذُّرَةِ فَكَرِهَهُ وهذا الذي قاله الحربى مع الذى قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْضَاءَ وَالسُّلْتَ اللذين سُئِلَ عَنْهُمَا سَعْدٌ نَوْعَانِ مِنْ الشَّعِيرِ لَا سِيَّمَا وَسَعْدٌ كَانَ بِالْعِرَاقِ فَيُحْمَلُ السُّلْتُ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ نَوْعَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مُتَفَاضِلًا لَكِنَّ رِوَايَةَ الْحَرْبِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ سَعْدًا كَرِهَ السُّلْتَ بِالذُّرَةِ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ يُطْرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ أَوْ يَكُونُ مَذْهَبُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ مَذْهَبِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَ ذِكْرَ الذُّرَةِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ مِنْ وَهْمِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَخَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَا فِيهِ السُّلْتُ بِالذُّرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السُّلْتُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ وَقِيلَ فِي السُّلْتِ هُوَ الشَّعِيرُ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ هُوَ الشَّعِيرُ الْحَامِضُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ في العرنيين فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ وَهِيَ السَّمْرَاءُ وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ هَذَا قَوْلُ الْهَرَوِيِّ وَعَنْهُ أَنَّ السُّلْتَ هُوَ حَبٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا بِالسُّلْتِ وَالشَّعِيرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالسُّلْتُ هُوَ الشَّعِيرُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وقال الخطابى البيضاء نوع من البرابيض
اللَّوْنِ وَفِيهِ رَدَاءَةٌ يَكُونُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالسُّلْتُ نَوْعٌ غَيْرُ الْبُرِّ وَهُوَ أَدَقُّ حَبًّا مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْضَاءُ هِيَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يُبْنَى مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ مِنْهُمَا جِنْسًا وَالْيَابِسُ جِنْسًا آخَرَ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْبَيْضَاءَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ فَمَنْعُ سَعْدٍ ظَاهِرٌ كَالرُّطَبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الاسود ليس بصاحبي بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وُلِدَ عَلَى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ

(10/80)


مُعَارِضًا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ جِنْسًا خَاصًّا أَوْ كُلَّ مَا يُطْعَمُ فَإِنْ كَانَ جِنْسًا خَاصًّا أَمَّا الْحِنْطَةُ وَحْدَهَا أَوْ الشَّعِيرُ كَمَا قَدْ يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ (وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ) فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ كُلَّ مَا يُطْعَمُ لَزِمَ أَلَّا يُبَاعَ الْقَمْحُ بِالتَّمْرِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا أَحَدٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَحِينَئِذٍ تَقِفُ الدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ وَيُحْتَاجُ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسًا وَاحِدًا إلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ هَذَا الْحَمْلُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَالْمَخْصُوصُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ بِالطَّعَامِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ الْمُجَانِسِ لَهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّجَانُسُ فِي اللَّفْظِ يُشْعِرُ بِالتَّجَانُسِ فِي الْمَعْنَى (وَأَمَّا) حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَمُتَعَذَّرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمَانِ نَهْيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلا مثلا بمثل وهو المتبادر إلى الفهم والموافق لبقية الاحاديث فانه ههنا حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ بَيَانَ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (فان قلنا) ان المراد المعرف بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فَأَيْضًا لَا إطْلَاقَ وَلَا تَقْيِيدَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعُمُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِهِ عَلَى بُعْدٍ لِأَنَّ إيجَابَ وَصْفٍ فِي مُطْلَقِ مَاهِيَّةٍ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَهُ فِي كُلِّ أَفْرَادِهَا وَوَجْهُ بُعْدِهِ لَا يَخْفَى (وَأَمَّا) مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَحْقِيقِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا تَتَقَارَبُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِمَا وَالْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرُوهَا (فَقَدْ) أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ مُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْقَمْحَ يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ وَلَا يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ وَالشَّعِيرَ بِالْعَكْسِ يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ
وَلَا يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ غَالِبًا وَلَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُهُمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُ الشَّعِيرِ فِي مَوْضِعٍ يعز

(10/81)


الْقَمْحُ فِيهِ وَهَذِهِ الذُّرَةُ يَقْتَاتُهَا خَلْقٌ مِنْ النَّاسِ وَالْأُرْزُ يُقْتَاتُ غَالِبًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ جَائِزٌ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الْبُرِّ وَجَعَلَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الذُّرَةَ وَالدُّخْنَ وَالْأُرْزَ صِنْفًا وَسَلَّمَ فِي الْقَطَانِيِّ كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ وَالْجُلُبَّانِ فَنُلْزِمُهُ بالقول لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُخْتَبَزُ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعِلَّةُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَطَانِيِّ وَسَأَذْكُرُ خِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي فَصْلٍ جَامِعٍ أَتَكَلَّمُ فِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وهذا الذى ألزمناهم به ههنا هو قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِيهِ (وَأَمَّا) إلْغَاءُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مَا أَلْزَمَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِهِ مِنْ التَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي أَنَّهُمَا حُلْوَانِ وَيُخْرَصَانِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا فَإِلْغَاءٌ عَلَى وَجْهِ التَّحَكُّمِ وَإِلَّا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ هَذِهِ الشُّبَهِ وَاعْتِبَارِ مَا ادَّعَاهُ هُوَ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَفِيهِ شئ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ قَدْرًا لَوْ مُيِّزَ لَظَهَرَ عَلَى الْمِكْيَالِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ لَوْ مُيِّزَ فَجَوَازُ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي الْمِكْيَالِ لَا لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ التُّرَابَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ لَا تَضُرُّ مُخَالَطَتُهُ وَلَيْسَ بجنس للطعام وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحِنْطَتَيْنِ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ مَعَ الْقَمْحِ (وَأَمَّا) الْعَلَسُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِنْطَةِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ لَا فِي لُغَةٍ وَلَا غَيْرِهَا
* ثُمَّ إنَّ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَنْكَسِرُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّ قِيَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَعْظَمُ مِنْ قِيَامِ الشَّعِيرِ مَقَامَ الْبُرِّ وَمَعَ ذَلِكَ هُمَا جِنْسَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّصُّ مُغْنٍ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَعْنَى وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي جَانِبِنَا كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرًا مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ وَقَدْ قَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ لَهُ حِنْطَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَيْهَا أَوْ ضَرَبَهَا الْإِمَامُ جِزْيَةً أَوْ وَجَبَ عُشْرُ حِنْطَةٍ لَمْ يَقُمْ الشَّعِيرُ مقامها في شئ من ذلك
*

(10/82)


(التَّفْرِيعُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ) (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَا مَصُوغَيْنِ أَوْ تِبْرَيْنِ أَوْ عَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَصُوغًا وَالْآخَرُ تِبْرًا أَوْ عَيْنًا أَوْ جَيِّدَيْنِ أَوْ رَدِيئَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا أَوْ كَيْفَ كَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ مَضَى السَّلَفُ وَالْخَلَفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ (وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُصَارِفَ الرجل الصائغ الفضة بالحلى الفضة الممولة وَيُعْطِيَهُ إجَارَتَهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا ولا نعرف في ذلك خلافا إلا ماروي عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الرِّبَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَيْهِ هُنَاكَ
* وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرِ لِأَنَّ لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً وَحَكَى أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازَ بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَحُلِيٍّ وَزْنُهُ مِائَةٌ يَشْتَرِيهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ الصِّيَاغَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَالِكِيَّةُ يُنْكِرُونَ هَذَا

(10/83)


النَّقْلَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنَّا فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْضَلَ بَيْنَهُمَا قَدْرَ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْنَا وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلٍ لَنَا وَلَا لِأَحَدٍ عَلَى وَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ عُمُومُ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَصُوغِ وَالْمَضْرُوبِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ إنَّمَا لَا تُرَاعَى إلَّا فِي الْإِتْلَافِ دُونَ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا وَجْهَ لِنَصْبِ الْخِلَافِ مَعَهُمْ وَهُمْ مُوَافِقُونَ وَقَدْ نَصَّبَ أَصْحَابَنَا الْخِلَافَ مَعَهُمْ وَكَانَ شُبْهَةُ النَّقْلِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةً نَقَلَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ فَكَأَنَّ الْأَصْحَابَ أَخَذُوا مِنْهَا ذَلِكَ لِمَا كَانَ لَازِمًا بَيِّنًا مِنْهَا وَهَا أَنَا أَنْقُلُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَوْءٍ مُنْكَرَةٌ لَا يَقُولُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ
مَسْأَلَةٍ مَا يُخَالِفُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي التَّاجِرِ يَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِوَرِقِهِ فَيُعْطِيهِمْ أَجْرَ الضَّرْبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ وَزْنَ وَرِقِهِ مَضْرُوبَةً قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ خروج الرقعة ونحوه فارجو أن لا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ القاسم أراه حقيقا لِلْمُضْطَرِّ وَلِذِي الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَذَلِكَ ربا ولا يحل شئ مِنْهُ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَصْلُحُ هذا ولا يعجبني اه وقد ذكر بن رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ ونقل عن مالك أنه قال إنى لا أرجو أن يكون حقيقا وَقَدْ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ بِدِمَشْقَ فِيمَا مَضَى وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْوَرَعِ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مَذْمُومَيْنِ أَخَفُّهُمَا خَلْطُ أَذْهَابِ النَّاسِ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الضَّرْبِ أَخَذَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ عَلَى حِسَابِ ذَهَبِهِ وَأَعْطَى الضَّرَّابَ أُجْرَتَهُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يعمل به في زمان بنى أمية لانها كَانَتْ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالتُّجَّارُ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ مُجْتَازُونَ وَالْأَسْوَاقُ مُتَقَارِبَةٌ فَلَوْ جَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ حَتَّى يَضْرِبَ ذَهَبَ صَاحِبِهِ فَاتَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّ الذَّهَبَ يُغَشُّ وَقَدْ صَارَ لِكُلِّ مَكَان سِكَّةٌ تُضْرَبُ

(10/84)


فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّانِ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ ارْتَفَعَتْ وَقَالَ سَحْنُونَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحُكِيَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَلَمْ يُرَخِّصُوا فِيهِ عَلَى حَالٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) اسْتِعْمَالُ الدَّنَانِيرِ وَمُبَادَلَتُهَا بِالذَّهَبِ بَعْدَ تَخْلِيصِهَا وَتَصْفِيَتِهَا مَعَ زِيَادَةِ أُجْرَةِ عَمَلِهَا قَالَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِمُضْطَرٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَفَّفَ ذَلِكَ مالك رحمه الله في وسم بدرسعة مصوفها بَعْدَ هَذَا لِمَا يُصِيبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَبْسِ عَنْ حُقُوقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا جَوَّزَ الْمَعَرِّيُّ جَوَازَ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا وَكَمَا جَوَّزَ دخول مكة بغير احرام لكن يُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَبْرَارِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَاهُ خفيفا لِلْمُضْطَرِّ وَذَوِي الْحَاجَةِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ الَّذِي يُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا خَفَّفَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ شِرَاءَ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
بِوَزْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزِيَادَةِ قَدْرِ الصِّيَاغَةِ وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُجِيزُ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ مُتَفَاضِلًا وَالْمَصُوغَ مِنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ فَرَاعَى فِيهِ قَوْلَهُ انْتَهَى مَا أَرَدْتُ نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَوَجْهُ الِاشْتِبَاهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَعْنَى مَا نُقِلَ عنه ومعنى ماقاله إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا لَمَّا نَقَلُوا عَنْهُ حُجَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ وَجَوَابَهَا فَنَذْكُرُهَا لِيُسْتَفَادَ وَيَحْصُلَ بِهَا الْجَوَابُ عَنْ مَذْهَبِ مُعَاوِيَةَ وَعَمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَنَقَلُوا مِنْ احْتِجَاجٍ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ حُلِيًّا وَزْنُهُ مِائَةٌ وَصِيَاغَتُهُ تُسَاوِي عَشْرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ وَقَدْ ذكر أصحابنا الجواب عن ذلك وأبسطهم جواب القاضى أبو الطَّيِّبِ قَالَ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا

(10/85)


إذَا أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبًا مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِضَّةً وَالْمُتْلَفُ ذَهَبًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَكُونُ رِبًا وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا ذَهَبًا أَوْ يَكُونَ فِضَّةً فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَوَّمُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ما قالوه ومن أصحابنا من قال يوم بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى وَزْنِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ وَضَمَانِ الْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا بَذَلَ فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ الْمَصُوغِ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ وَالصِّيَاغَةُ إنَّمَا هِيَ تَأْلِيفُ بَعْضِ الذَّهَبِ إلَى بَعْضٍ وَالتَّأْلِيفُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا مَبْنِيَّةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُسْقِطَ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا لِأَجْلِ زَوَالِ تَأْلِيفِ الدَّارِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ التَّفَاضُلُ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَلَا يَجْرِيَ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دِرْهَمًا صَحِيحًا بِأَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ مُكَسَّرٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا صَحِيحًا وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ فانه يقوم بالمكسر وان بلغت قميته أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا يَكُونُ رِبًا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الاتلاف قد يضمن به مالا يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَلَوْ بَاعَهَا
لَمْ تَصِحَّ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بِالضَّمَانَيْنِ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ لِحُسْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ أَيْضًا نَقَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ مُبَادَلَةَ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ بِالْوَازِنَةِ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ يَدًا بِيَدٍ كَرَجُلٍ دَفَعَ إلَى أَخٍ لَهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا نَاقِصًا أَوْ طَعَامًا مَأْكُولًا فَقَالَ لَهُ أَحْسِنْ إلَيَّ أَبْدِلْ هَذَا بِأَجْوَدَ مِنْهُ وَأَنْفِقْهُ فِيمَا يُنْفَقُ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ

(10/86)


فَجَازَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْقَرْضِ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَعْنَى ذلك في الذهب والورق بأقل منه الدينارين وَالثَّلَاثَةُ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ سَحْنُونَ قَدْ أَصْلَحَ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا ثَلَاثَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَدَلِهَا بِأَوْزَنَ وَأَجْوَدَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ القاسم فيها ثم قال ومنع ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ فَلَمْ يجز المعفون بالصحيح ولا لكثير الغش بالخيف الْغِشِّ وَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونَ فِي الْمَعْفُونِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُشْبِهُ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ تَفَاضُلًا بِالْوَزْنِ وَلَا تَفَاضُلَ فِي الْكَيْلِ بَيْنَ الْمَعْفُونِ وَالصَّحِيحِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَفِرُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ شَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْهُ وَزْنًا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ لَيْسَ يُحِلُّ بَيْعًا وَلَا يحرمه فان كان وهب له دينار وَأَثَابَهُ الْآخَرُ دِينَارًا أَوْزَنَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ فَإِنَّهُ أَسْلَفَهُ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهُ أَقَلَّ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ لَهُ بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ لَهُ الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وزن ذهبه فلا بأس في هذا
* ليس من معاني البيوع اه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ له تعلق بالتماثل والتفاضل
* إذا قال رجل لِصَائِغٍ صُغْ لِي خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ لِأُعْطِيَكَ دِرْهَمَ فِضَّةٍ وَأُجْرَةَ صِيَاغَتِكَ فَفَعَلَ الصَّائِغُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا لم يصح ذلك وكان الحاكم عَلَى مِلْكِ الصَّائِغِ لِأَنَّهُ شِرَاءُ فِضَّةٍ مَجْهُولَةٍ بفضة مجهولة وتفرقا قَبْلَ التَّقَابُضِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ فِي الشِّرَاءِ وَذَلِكَ كله يفسد العقد فإذا أصاغه فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَيْفَ شَاءَ وَبِجِنْسِهِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ
فِي أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فَيَقُولَ لَهُ اعْمَلْهُ لِي خَاتَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ ذَلِكَ وَأُعْطِيَكَ أُجْرَتَكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى كَلَامُ الشافعي وقالت الحنبلية للصائغ أخذ الدراهم أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةٌ لَهُ فِيمَا إذَا قَالَ صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَأُعْطِيكَ مِثْلَ زِنَتِهِ وَأُجْرَتَكَ دِرْهَمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لِلصَّائِغِ أَخْذَ الدِّرْهَمَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ

(10/87)


وَالشَّرْطِ وَإِنْ أَرَادُوا بِحُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ يُورِدُهُ عَلَى الْخَاتَمِ الْمَصُوغِ بَعْدَ صِيَاغَتِهِ فَهَذَا عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ فَلَا اتِّجَاهَ لِهَذَا الْفَرْعِ إلَّا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَصْفُهُ وَأُجْرَتُكَ كَذَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ التفرق قبل القبض والشرط الْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْفَرْعِ وان لم يكن ما بَابِ الرِّبَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسَجَ الْحَائِكُ مِنْ ثَوْبٍ بَعْضَهُ فَقَالَ لَهُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنَّكَ تُتِمُّهُ لَمْ يَجُزْ نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ (فَرْعٌ)
وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قُطُوعٌ مُكَسَّرَةٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ نُقْرَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِهَا صِحَاحًا أَوْ كَانَ مَعَهُ صحاح فاراد أن يبيعها بجنسها قطوعا فَإِمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَزْنِ وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِعَرَضَيْنِ وَيَتَقَابَضَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ فَأَمَّا مَعَ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ فَهُوَ الرِّبَا كَذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ نَصْرٌ وَهَكَذَا الدِّينَارُ الرومي بالعربى والخرساني بِالْمَغْرِبِيِّ وَالدَّرَاهِمُ الرُّومِيَّةُ مَعَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْخُرَاسَانِيَّة مَعَ الْمَغْرِبِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّقَلِّيِّ مَعَ الْمِصْرِيِّ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ
*

(10/88)


(فَرْعٌ)
وَهَكَذَا فِي الْمَطْعُومِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ بِصَاعِ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَيْسَ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ جَازَ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ لِأَجْلِ الرِّيعِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الحبوب وهكذا إذا باع صاع صيجانى أو معقلى بِصَاعِ دَقَلٍ أَوْ صَاعِ جَمْعٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَجْنَاسِ الْمَطْعُومَاتِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا قَدْ وُجِدَتْ فَلَا يَجُوزُ
خِلَافُهَا لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا لَوْ بَاعَ دِينَارًا صَرْفُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ صَرْفُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَسِ بِالْحِنْطَةِ لِعَدَمِ التماثل بينهما كذلك الشَّعِيرُ بِالسُّلْتِ لِأَنَّ عَلَى الْعَلَسِ قِشْرَتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ (1) إذا اشترى دينارا بدينار وتقابضا ومضى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعِيرُ الدِّينَارَ الَّذِي قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ جَازَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَرَفَ وَزْنَ الدِّينَارِ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا جَهِلَ وَزْنَ الدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَإِنْ وَزَنَ أَحَدُهُمَا الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذَهُ فَنَقَصَ يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ مُتَفَاضِلَيْنِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ التَّقَابُضِ إذَا بَاعَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ فَأَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ بِالْعِشْرِينَ وَتَفَرَّقَا لَمْ تَقُمْ الْحَوَالَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الصَّرْفُ بِتَفَرُّقِهِمَا قَالَهُ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ
* (فَرْعٌ)
عَلَى التَّقَابُضِ أَيْضًا قَدْ عُرِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ زَمَنُ الْعَقْدِ قَصِيرًا بَلْ سَوَاءٌ طَالَ الْمَجْلِسُ أَمْ قَصُرَ لِلْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُصَارَفَةِ طَلْحَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَلَمْ يَسْمَحْ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ إذَا طَالَ والله أعلم
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/89)


(فَرْعٌ)
عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْجِنْسَيْنِ الْمُتَّفِقَيْ الْعِلَّةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَجَلِ وَكَثِيرِهِ وَلَيْسَ الْحُلُولُ مُلَازِمًا لِلتَّقَابُضِ فَقَدْ يُؤَجَّلُ بِسَاعَةٍ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ فَاسِدٌ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ في اليوم والساعة ونحوهما الغزالي ومحمد ابن يَحْيَى وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّسِيئَةِ تَأَخُّرُ الْقَبْضِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْحُلُولَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْعُقُودُ المشتملة على عوض مالى ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ بِالنَّسِيئَةِ إلَى الْحُلُولِ
وَعَدَمِهِ عَلَى أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ عُقُودُ الرِّبَا (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَهُوَ أَكْثَرُ الْعُقُودِ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ مُؤَجَّلًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَازِهِ حَالًّا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ في الربويات إذا بيع منها الشئ بِجِنْسِهِ امْتِنَاعُ السَّلَمِ فِيهَا كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي التَّمَاثُلِ فِي الْحُلُولِ قَالَ وَنَعْنِي بِهِ مَعْنَى الْأَجَلِ وَالسَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَالُّ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جِنْسِ السَّلَمِ الْأَجَلُ وَالْغَالِبَ عَلَى الْأَجَلِ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ كَانَ ظَاهِرًا فِي إخْرَاجِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ التَّقَابُضُ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَلَا يُسَلِّمُ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فِي مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَقَالَ أيضا ولا يجوز أن يسلم ذهب فِي ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةً فِي فِضَّةٍ وَلَا ذهب فِي فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةً فِي ذَهَبٍ

(10/90)


وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أنه حكاه عن الاصحاب ثم قال (قلت) انا إنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَانَ حَالًّا فَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ عِنْدِي وَاقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ تَرْجِيحَ هَذَا وَجَعْلَهُ بَيْعًا بِلَفْظِ السَّلَمِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الَّذِي حَكَيْتُهُ اسْتَشْكَلَهُ جَمَاعَةٌ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ وَجَعَلَ عَطْفَهُ عَلَى الْأَجَلِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَبَعْضُهُمْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَلَّا يُعْقَدَ بِصِيغَةِ السَّلَمِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ (وَأَمَّا) إسْلَامُ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَطْعُومَاتِ فَصَحِيحٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى (فَإِنْ قِيلَ) يَنْبَغِي أَلَّا يَصِحَّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ أَخَذَ عَلَيْنَا شَرْطَيْنِ الْحُلُولَ وَالتَّقَابُضَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (قُلْنَا) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي هَذَا تَنْزِيلًا على اختلاف الجنسين فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ جُمْلَتَانِ مُتَفَاضِلَتَانِ النَّقْدَانِ وَالْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ تَنْفَرِدُ كُلُّ جُمْلَةٍ بِعِلَّتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ اخْتِلَافُ الْجِنْسَيْنِ مِنْ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ
كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدُ مُطْلَقٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الاجماع الذى قاله محمد بن يحيى والذى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ وَسَأَذْكُرُ مَنْ نَقَلَهُ غَيْرَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَاعِدَةٌ) لَعَلَّكَ تَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمُ وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ فَمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ شَيْئَيْنِ فقط (فاعلم) بان الْوَصْفَ الْمَحْكُومَ بِكَوْنِهِ عِلَّةً تَارَةً لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ أَصْلًا فَهَذَا مَتَى ثَبَتَ ثَبَتَ الْحُكْمُ وَتَارَةً يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ إمَّا شَرْطٌ فِي تَأَثُّرِهِ وَإِمَّا مَحَلٌّ يُؤَثِّرُ فِيهِ دُونَ مَحَلٍّ آخَرَ وَهَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مَعَ شَرْطِهِ أَثَّرَ وَإِذَا وجد بغير شرطه

(10/91)


أوفى غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ وقد يوثر فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِثَالُهُ الزنا علة للرجم فِي الْمُحْصَنِ فَإِذَا فُقِدَ الْإِحْصَانُ لَا يُؤَثِّرُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْجَلْدُ فَالطُّعْمُ عِلَّةٌ فِي تَحْرِيمِ الثَّلَاثَةِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي جِنْسَيْنِ فَيُؤَثِّرُ فِي النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ فَقَطْ فَمُطْلَقُ الطُّعْمِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَعِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَعِلِّيَّتُهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ وَفِي اثْنَيْنِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَعِنْدَ هَذَا أَذْكُرُ تَقْسِيمًا فِي مُطْلَقِ الْعُقُودِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ فِي الْعِوَضَيْنِ اشْتِرَاكٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَالْجِنْسِيَّةِ أَوْ لَا يَحْصُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ يَحْصُلَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ فَقَطْ أَوْ فِي الْجِنْسِيَّةِ فَقَطْ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ إجْمَاعًا وَالتَّفَاضُلُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالْبَدَلُ قَبْلَ التَّقَابُضِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةِ أَمْ لَا كَإِسْلَامِ عَبْدٍ فِي ثَوْبَيْنِ وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ وَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحِ بِالْحِنْطَةِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ نَقْدًا كَبَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِهِ نَسَاءً وَلِبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِيهِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبَيْنِ فَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ القسم الثاني ذكرهما المصنف في الفصل الذى قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ
* إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هَلْ نَقُولُ الْجِنْسِيَّةُ شرط العمل الْعِلَّةِ فَالْجِنْسِيَّةُ وَحْدَهَا لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا
أَوْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا فَتَكُونُ مُرَكَّبَةً أَوْ مُجْمَلٌ فِيهِ الْعِلَّةُ فَاَلَّذِي يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ وَصْفٌ وَأَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فِي تَخْرِيجِ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ مِنْ طَرِيقَةِ نَاصِرِ

(10/92)


الْعُمَرِيِّ وَزَعَمَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ اتِّفَاقَ أصحابهم ممن صنف الخلاف وأصحابنا وأصحاب أبى حنففة عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ إلَى وَقْتِهِ أَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا قَالَ وَخَالَفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ الْعِلَّةُ هِيَ الطُّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ وَلَكِنَّ الْجِنْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَكَانَ يَقُولُ العلة الطعم في الجنس سمعت القاضى أبى القاسم بن كج الشافعي بالدينو يَقُولُ هَذَا وَيَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا عَمَّنْ عَاصَرَهُ من أصحابه في ذلك شئ يَتَحَرَّرُ وَلَمْ يُدَقِّقُوا فِي النَّظَرِ وَلَا تَعَلَّقُوا فِيهِ إلَى هَذَا التَّضْيِيقِ وَالتَّحْقِيقِ ثُمَّ اخْتَارَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْجِنْسَ شَرْطٌ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَرَاوِزَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ وَأَطْنَبَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا أَثَرَ لَهُ وَالْحَنَفِيَّةُ جَعَلُوا الْجِنْسِيَّةَ وَصْفًا فِي الْعِلَّةِ فَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ وَحْدَهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءَ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ ثوب في ثوبين ومعنى المحل مايعين لِعَمَلِ الْعِلَّةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاوِزَةُ هَلْ هِيَ مَحَلٌّ أَوْ شَرْطٌ فَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ يَحْيَى أَنَّهَا مَحَلٌّ وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ الْمَرَاغِيُّ وَالْفَقِيهُ الْقُطْبُ أَنَّهَا شَرْطٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ تَحْتَ هَذَا الِاخْتِلَافِ كَبِيرُ طَائِلٍ وَمَنَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا يَلْزَمُ إفَادَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْغَزَالِيُّ قَدْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْمَنْعِ أَيْضًا فِي التَّحْصِينِ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقَابُضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يَجِبُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بالاجماع وهو الصرف (ومنها) مالايجب بِالْإِجْمَاعِ كَبَيْعِ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ بِالنَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِيهِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أعلم
*

(10/93)


(فَصْلٌ)
فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الذَّهَبُ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَذْهَابٌ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ - فَتْحُ الْوَاوِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَكَسْرُ الْوَاوِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَشْهُورَةٌ وَالرَّابِعَةُ - فَتْحُ الْوَاوِ وَالرَّاءِ مَعًا - حَكَاهُمَا الصَّاغَانِيُّ فِي كِتَابِ الشَّوَارِدِ فِي اللُّغَاتِ قَالَ وَقَرَأَ أَبُو عُبَيْدٍ (أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) وَنَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيِّ وَضَبْطِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ هَكَذَا بِالنَّصْبِ وَهُوَ عَلَى الْحَالِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُصَدَّرِ بِالنَّهْيِ التَّقْدِيرُ لَا تَبِيعُوا الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّقْدِيرُ الذَّهَبُ مَبِيعٌ بِالذَّهَبِ فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ بالرفع فيكون مثل بمثل مبتدأ وخبر وَهِيَ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَأَخَوَاتُهَا وَالتَّقْدِيرُ مِثْلٌ مِنْهُ بِمِثْلٍ وَحُذِفَتْ مِنْهُ هَهُنَا كَمَا حُذِفَتْ مَنَوَانِ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ وَالْمِثْلُ فِي اللُّغَةِ النَّظِيرُ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلُهُ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مُسْتَوِيًا بمستو لافضل لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَيْسُوا سواء) أي مستوين وكذلك قوله (سواء للسائلين) أَيْ مُسْتَوِيًا وَهَذَا مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ فَاسْتَوَى الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ وَيَكُونُ السَّوَاءُ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالنَّصَفَةِ بِمَعْنَى الْوَسَطِ قَوْلُهُ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ يُرِيدُ مَرْئِيًّا بِمَرْئِيٍّ لَا غَائِبًا بِغَائِبٍ وَلَا غَائِبًا بِحَاضِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَيْنِ عَيْنُ الْمَرْئِيِّ لِأَنَّهَا سَبَبُ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ حَاضِرًا بِحَاضِرٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الكلمتين

(10/94)


كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُعَايَنَةً كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِمْ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً وَالْعَيْنُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَالْعَيْنِ وَالْمُعَايَنَةِ وَالنَّظَرِ والعين الذى ينظر للقوى وَهُوَ الرِّيبَةُ وَالْعَيْنِ الَّذِي تُبْقِيهِ لِيَتَجَسَّسَ لَكَ الْخَبَرَ وَالْعَيْنِ يَنْبُوعِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الرَّكِيَّةِ مَصَبِّ مَائِهَا وَالْعَيْنِ مِنْ السَّحَابِ مَاءٍ عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ وَقَدْ يُقَالُ الْعَيْنُ مَاءٌ عَنْ يمين قبلة العراق إلى الناحية والمعين مَطَرُ أَيَّامٍ لَا يُقْلِعُ وَقِيلَ هُوَ الْمَطَرُ يَدُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةً وَالْعَيْنُ النَّاحِيَةُ كَذَا أَطْلَقَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَعَيْنُ الرَّكِيَّةِ نُقْرَةٌ في
مقدمها وَعَيْنُ الشَّمْسِ شُعَاعُهَا الَّذِي لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ العين قاله ابن سيده والمعين الْمَالُ الْحَاضِرُ وَمِنْ كَلَامِهِمْ عَيْنٌ غَيْرُ دُبُرٍ وَالْعَيْنُ الدِّينَارُ وَالْعَيْنُ الذَّهَبُ عَامَّةً قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا عَلَيْهِ مِائَةٌ عَيْنًا وَالرَّفْعُ الْوَجْهُ وَالْعَيْنُ فِي الْمِيزَانِ الْمَيَلُ وَجِئْتُكَ بِالْحَقِّ مِنْ عَيْنٍ صَافِيَةٍ أَيْ مِنْ فِضَّةٍ وَجَاءَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ أَيْ خَالِصًا وَاضِحًا وَعَيْنُ الْمَتَاعِ خِيَارُهُ وَعَيْنُ الشئ نفسه وشخصه وأصله والعين والعينة المسلف وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْعَيْنُ الثُّقْبُ فِي الْمَزَادَةِ وَالْعَيْنُ الْمَالُ النَّاضُّ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَضْرُوبُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعَيْنُ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ قَالَهَا الْأَزْهَرِيُّ فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ لِلْعَيْنِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ سِيدَهْ وَابْنِ فَارِسٍ وَالْهَرَوِيِّ وَأَكْثَرُهَا فِي كَلَامِ ابْنِ سِيدَهْ وَقَوْلُهُ (يَدًا بِيَدٍ) إعْرَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ مُقَابَضَةً وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً عَنْ سِيبَوَيْهِ
* قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ لا يفرد منها شئ دون شئ فَلَا تَقُلْ بِعْتُهُ يَدًا حَتَّى تَقُولَ بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ هَذَا النَّحْوَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا

(10/95)


وَمَنْ جَمَعَ مِنْ الرُّوَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَدَعْوَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى وَدَعْوَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَعْنًى فَالْعَيْنُ لِإِفَادَةِ الْحُلُولِ وَالْيَدُ لِإِفَادَةِ التَّقَابُضِ أَيْ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَنَقُولُ مُنَاجَزَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ بَاعَ فُلَانٌ غَنَمَهُ بِالْيَدَيْنِ يُرِيدُ تَسْلِيمَهَا بِيَدٍ وَأَخْذَ ثَمَنِهَا بِيَدٍ قَالَ وَيُقَالُ أَبِيعَتْ الْغَنَمُ بِالْيَدَيْنِ أَيْ بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْمُنْذِرُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الروايات (ها وها) معناه التقابض وقال الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ (هَا وَهَا) مَقْصُورَيْنِ وَالصَّوَابُ مَدُّهُمَا وَنَصْبُ الْأَلِفِ مِنْهُمَا وَجَعْلُ أَصْلِهِ هاك أي خذ فاسقطوا الكاف وعرضوا عَنْهَا الْمَدَّ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ هَا وَلِلِاثْنَيْنِ هَا وَأَمَّا بِزِيَادَةِ الْمِيمِ لِلْجَمَاعَةِ فَهَاؤُمْ قَالَ اللَّهُ تعالى (هاؤم اقرؤا كتابيه) وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ الْمُظَفَّرِ وَذَكَرَ أَبُو بكر ابن الْعَرَبِيِّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَاكَ وَهَاكُمَا وَهَاكُمْ وَجَرَى فِي ذَلِكَ قول كثير لبابه عند أَنَّ هَا تَنْبِيهٌ وَحُذِفَ خُذْ وَأَعْطِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ وَأَمَّا هَاؤُمَا وَهَاؤُمْ فَقِيلَ فِيهِ مَعْنًى أُمَّا وَأُمُّوا أَيْ اقْصِدُوا وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي
الْوَاحِدِ إلَّا بِالْكَافِ فَهِيَ الْأَصْلُ وَلِذَلِكَ أَجْرَتْ بَعْضُ الْعَرَبِ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي لُحُوقِ الْكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) (مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَقُولُ مَنْ زَادَ صَاحِبَهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَازْدَادَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَقَدْ أَرْبَى أَيْ دَخَلَ فِي الرِّبَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) (الْأَصْنَافُ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ

(10/96)


عَلَى تَحْقِيقِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) (كَيْفَ شِئْتُمْ) كَيْفَ هَهُنَا اسْمُ شَرْطٍ أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ فَبِيعُوا فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبِيعُوا الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَيْفَ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ كَمَا هُوَ أُغْلَبُ أَحْوَالِهَا وَكَوْنُهَا تَأْتِي اسْمَ شَرْطٍ قَدْ ذَكَرَهُ النُّحَاةُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ
* وجوبك بِكَيْفَ مَعْنًى لَا عَمَلًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ
* يَعْنِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ يَجْعَلُونَهَا اسْمَ شَرْطٍ مَعْنًى وَعَمَلًا ومن مجئ كَيْفَ شَرْطِيَّةً قَوْله تَعَالَى (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) أَيْ كَيْفَ يَشَاءُ يُنْفِقُ وَمَعْنَاهَا فِي ذَلِكَ عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ كَيْفَ شِئْتَ فَلَهُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ وَبِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَجْوِيزُ الْكُلِّ فَيُمْكِنُ اعْتِضَادُهُ بِالْحَدِيثِ فِي إدْرَاجِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ تَحْتَ الْكَيْفِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ فَرْقٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَعًا كَقَوْلِهِ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا الصِّنْفَ بِصِنْفٍ آخَرَ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَحَدِهِمَا زِيَادَةً) فَشَمِلَ أَيْ فَبِيعُوا فِي الثَّمَنِ وَذَلِكَ مُقَابَلَةُ الْمَبِيعِ بِالْكَيْفِيَّةِ إلَى أَحْوَالٍ وَنُقْصَانُهُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَكَالَةِ فَالْكَيْفِيَّةُ رَاجِعَةٌ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا جَرَمَ شَمِلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ وَلَمْ يَشْمَلْ قِلَّةَ الثَّمَنِ وَكَثْرَتَهُ وَبَيَانَ جِنْسِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ مُسَمَّى الْبَيْعِ (وقَوْله) تعالى (ينفق كيف يشاء) وَمَوْقِعُ كَيْفَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّمَاثُلَ وَالتَّفَاضُلَ صِفَتَانِ لِلْمَبِيعِ يَرْجِعَانِ إلَى أَحْوَالِ مُقَابَلَتِهِ بِغَيْرِهِ وذلك من الكيف لامن الْكَمِّ فَلِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) (إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَاهْتِمَامُهُ بِهِ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ التَّأْكِيدَ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ يَدُلُّ عَلَى التَّقَابُضِ صَرِيحًا وَعَلَى الْحُلُولِ ظَاهِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَفِي الْأَوَّلِ أَتَى بِاللَّفْظَيْنِ لِيَدُلَّا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ صَرِيحًا وَفِي الْأَخِيرِ اكْتَفَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ والله أَعْلَمُ
* وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ

(10/97)


لِلْبَيْعِ أَيْ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَدًا بِيَدٍ أي مناجزة فههنا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ وَفِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَبِيعُوا إلَّا مُنَاجَزَةً فَيَكُونُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَيْعًا مُنَاجَزَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التبر من الدراهم والدنانير ماكان غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَمَا كَانَ كُسَارًا أَوْ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وَأَصْلُ التِّبْرِ مِنْ قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَّرْتُهُ جِدًّا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ التِّبْرُ بِالتِّبْرِ وَبِالْعَيْنِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاصِلِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَقَبْلَ الضَّرْبِ وَأَمَّا التِّبْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْدِنِ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ فِضَّةٍ وَلَا يُوجَدُ تِبْرُ ذَهَبٍ خَالِصًا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ بَيْعُ التِّبْرِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِخَالِصٍ كَبَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ جَوَازِ الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا إذَا حَصَلَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ تَارَةً يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَتَارَةً يَرِدُ عَلَى الذِّمَّةِ وَالْوَارِدُ عَلَى الذِّمَّةِ إمَّا أَنْ يَرِدَ على شئ يستحق بالعقد وإما على شئ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَتَحَوَّلُ بِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ)

(10/98)


المعين
(والثانى)
الموصوف أو مافى مَعْنَاهُ (وَالثَّالِثُ) الدَّيْنُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى عِوَضَيْنِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِهِمَا فِي الاقسام الثلاثة ستة ترتيبها أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ قِسْمٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ ما بعده وقد رتبتها
هكذا (الاول) أن يكونا معينين (الثاني) معين وموصوف (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ (الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ (الْخَامِسُ) مُعَيَّنٌ وَدَيْنٌ (السَّادِسُ) مَوْصُوفٌ وَدَيْنٌ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ وَمَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا يَمْتَنِعُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَمْوَالِ الرِّبَا كَبِعْتُكَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ بِهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ بِهَذَا الشَّعِيرِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَتَفَاصِيلُهُ وَمِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْمُتَعَيَّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَتَى تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَدَ الْعَقْدُ وَإِذَا خرج مستحقا تبين بطلان العقد وحيث استحق الرجوع به إما بمقايلة وَإِمَّا بِرَدٍّ بِعَيْبٍ حَيْثُ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَخْذُ بِدَلِهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاعِلُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ في العمد وَغَيْرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قبل قبضه فان القاضي حسين نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَخْطَأَ مَنْ جَوَّزَهُ وَهُوَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بِقَوْلِ الْفَرَّاءِ إنَّ الثَّمَنَ لَهُ شَرْطَانِ أَنْ يَصْحَبَهُ الْبَائِعُ وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ قِيلَ إنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(10/99)


أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بينكما شئ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَيَّنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَثْمَانِ مُطْلَقَةً وَعَنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
لَا مَجَالَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ إنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى ثَمَنًا صَارَ بَحْثًا لَفْظِيًّا وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّفْقَةَ خَالِيَةٌ عَنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ مِنْ حيث التسمية فقط فكما أن الثبوت مُتَعَيِّنٌ بِالْعَقْدِ كَذَلِكَ النَّقْدُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْفَرَّاءَ خَلَطَ فِي هَذَا الْكِتَابِ اللُّغَةَ بِالْفِقْهِ وَعَوَّلَ عَلَى فِقْهِ الْكُوفِيِّينَ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِيمَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّقْدَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِأَجْنَاسِهِمَا فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّنَانِيرِ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ على ذلك الطاووسي فِي طَرِيقَتِهِ وَحُجَّتُنَا فِي التَّعْيِينِ مِنْ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الرِّبَا (عَيْنًا بِعَيْنٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَا لَا يَتَعَيَّنَانِ لِمَا كَانَا عَيْنًا بِعَيْنٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِوَضًا بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ ويتعين بالقبض وعلى القرض والوديعة والغصب والوضيعة وَالْإِرْثِ وَالصَّدَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حُلِيًّا فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّقْدِ بِخُصُوصِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ لَكِنَّهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ الْمُعَيَّنَ إنْ صَلُحَ لِلْعِوَضِيَّةِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ لِتَعَلُّقِ الْمِلْكِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الثَّمَنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَمَعْنَى التَّعْيِينِ أَنَّهُ يُوفِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ هَذَا الْمُعَيَّنِ (فَنَقُولُ) إنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِالتَّعْيِينِ كَالسَّلَمِ إذَا عَيَّنَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا وَهَذِهِ حُجَّةُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَبْطُ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِهِ لِعِلْمِهِ بِحِلِّهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَوَائِدَ وَمَقَاصِدَ فِي تَعْيِينِ الثَّمَنِ (مِنْهَا) لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ عِنْدَ الْفَلَسِ وَتَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ لِقَصْرِ الْحَقِّ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ (وَمِنْهَا) لِلْمُشْتَرِي تَكْمِيلُ مِلْكِهِ إذْ الْمِلْكُ فِي

(10/100)


العين آكد منه في الدين ولهذا أجير الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِيُسَاوِيَ الْبَائِعَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَبِالتَّسْلِيمِ يَصِيرُ مَا عَلَيْهِ عَيْنًا مِثْلَ الْمَبِيعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ مُخْتَصَرًا وَلَا فَرْقَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّخَايُرِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَقَبْلَ التَّخَايُرِ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي كَالتَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَضَعَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا يَصِحُّ أَوْ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقَبْلَ التَّقَابُضِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يُصَادِفُ الِاسْتِبْدَالُ محلا خلافا لابن سريج والله أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
لَوْ وَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ الدَّرَاهِمَ الْمُعَيَّنَةَ لِبَاذِلِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهَا وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ طَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْتَرِي مَلَكَ صَحَّ التَّزْوِيجُ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَعَاقَدَا عَلَى مُعَيَّنَيْنِ يَجُوزُ جُزَافًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا مَوْصُوفَيْنِ أوفى مَعْنَى الْمَوْصُوفَيْنِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ مُتَعَارَفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ دِينَارًا مِصْرِيًّا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا من

(10/101)


الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتِكَ فَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا تَوَاصَفَا الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَيَرْجِعُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَاسْتَقْرَضَا وَتَقَابَضَا جَازَ وَكَذَلِكَ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إنَّمَا يُقَوَّمُ بِالْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ بِأَنْ كَانَ فِيهَا نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ النَّوْعِ كَقَوْلِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ رَاضِيَةٍ أَوْ نَاصِرِيَّةٍ بِدِينَارٍ مطبقي أو ما سيأتي أو أهوارى أَوْ سَابُورِيٍّ وَفِي التَّقْوِيمِ يُعَيِّنُ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غير تعين فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى
أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ بَيْعَ الدَّيْنِ فَقَدْ نَهَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قَالَ فَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ عَيْنًا غَائِبَةً لَمَا كَانَ إلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ سَبِيلٌ وَاسْتَضْعَفَ الرُّويَانِيُّ هَذَا وَنَظِيرُ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ صَالِحِ الْمِصْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا ثُمَّ يُقْبَضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مَوْصُوفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ غَرِيبَانِ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَحْكِهِمَا في المسئلتين غَيْرُ هَذَيْنِ الْمُصَنِّفَيْنِ يَعْنِي صَاحِبَ التَّتِمَّةِ وَالْمَاوَرْدِيَّ فِيمَا أَعْلَمُ وَلَسْت أَدْرِي هَلْ يُوَافِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ الْعَبَّادِيَّ وَأَبَا الْعَبَّاسِ الْمِصْرِيَّ صَاحِبَيْ الْوَجْهِ صَاحِبَهُ فِي مَسْأَلَتِهِ أَمْ لَا وَالْمُسَاوَاةُ مُتَّجَهَةٌ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ الَّتِي رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ

(10/102)


بِالْوَرِقِ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إذَا عَيَّنَا فِي الْمَجْلِسِ صَارَ عَيْنًا بِعَيْنٍ كَمَا إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَمْ يرد التعيين والتقابض في نفس العقد اه وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنَانِ حَاضِرَتَيْنِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُظْهِرَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَيُعَيِّنَ وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعنيه قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ يُحِلُّهَا مِنْ كِيسِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَاتَّفَقُوا يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءَ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ ومالك وَالشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّرْفِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ كونه عينا اه وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَقَاضِيهِ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ أَخْذَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ صَرْفٌ وَالْمَأْخُوذَ عَنْهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْت) حَكَمْتُمْ هُنَا بِجَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى الْمَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَرَّمْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَلَنَا
خِلَافٌ مَشْهُورٌ عَلَى النَّظَرِ إلَى الْمُعَيَّنِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِهِ لِأَنَّهُ سَلَمٌ أَوْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ حَالًّا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قُلْت) امْتِنَاعُ إسْلَامِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْأَجَلِ وَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّرْفِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ وَالسُّؤَالُ إذَا نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ إشْعَارَ اللَّفْظِ بِالْأَجَلِ يَزُولُ بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ (إمَّا) تَصْحِيحُ السَّلَمِ فِيهَا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَإِمَّا) فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (قُلْت) الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ قِسْمَانِ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ فَهُمَا خَاصَّانِ تَحْتَ أَعَمَّ وَبَيْنَهُمَا أَعْنِي الصَّرْفَ وَالسَّلَمَ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُ نَقْدًا وَقَدْ

(10/103)


لَا يَكُونُ وَبَيْعَ النَّقْدِ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَفِي مَحَلِّ صِدْقِهِمَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ النَّقْدُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجِبُ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ فَحُكْمُ الصَّرْفِ وُجُوبُ التَّقَابُضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحُكْمُ السَّلَمِ قَبْضُ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْمُثَمَّنُ فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأَخُّرِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الصَّرْفِ تَضَادٌّ أَوْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَدَمَهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَيُرَجَّحُ بِاللَّفْظِ فَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ السَّلَمِ بَطَلَ وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الصَّرْفِ صَحَّ وَكَانَ صَرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَكَانَ السَّلَمُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ لُزُومِ التَّقَابُضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَفِّيَ الصَّرْفَ حُكْمَهُ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كَوْنَهُ صَرْفًا يَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَكَوْنَهُ سَلَمًا غَيْرُ مَانِعٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (فَإِنْ قُلْتَ) التَّرْجِيحُ بِاللَّفْظِ فِيمَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَصِحُّ أَوْ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَبْطُلُ لِمَا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مِنْ التضاد أما إذا جَرَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ فَيَبْقَى تَعَارُضُ الْمَعْنَيَيْنِ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ (قُلْت) بَلْ لَفْظُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ إلَى هَذَا الْمَبِيعِ الْخَاصِّ مُرَجِّحٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ سَمَّوْا هَذَا النَّوْعَ بِاسْمِ الصَّرْفِ لِمَا سَتَعْرِفُهُ وَهَذَا الْبَحْثُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْصُوفًا وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ أَوْ دَيْنٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَشْعَرَ هَذَا الْبَحْثَ فَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَإِنْ
وُضِعَ السَّلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُحْسَبُ والصرف يجوز عقده على الوصف ثم لابد مِنْ التَّقَابُضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ انما هو ذكر حكم للسلم وَالصَّرْفِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنْهَا وَفِيمَا قَدَّمْتُهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَمْ يَجْزِمْ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ بِالطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ كَمَا جَزَمُوا

(10/104)


فِي الصَّرْفِ بَلْ حَكَوْا فِي الطَّعَامِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْبَهَ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ وَجْهَ الْجَوَازِ أَظْهَرُ
* (فَرْعٌ)
هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أولا؟ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ يَجُوزُ عَلَى الْجَدِيدِ الْمَشْهُورِ (وَأَمَّا) فِي الصَّرْفِ فَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لَمْ يَحْصُلْ مَدْلُولُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) لَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا فِي الْمَجْلِسِ فَوَجَبَ الْبُطْلَانُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ بِعَرَضِيَّةِ الْبُطْلَانِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ قُبِضَ أما إذا الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلِانْفِسَاخِ مِنْ جِهَتِهِ بِأَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهِ وَالثَّمَنُ فِي الصَّرْفِ قَابِلٌ لِلِانْفِسَاخِ الْآتِي مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ قَبْضِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ اللُّزُومُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي اللزوم قبل التقابض أو على الوجه الْقَائِلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ لِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ فلابد مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَدْ خَرَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الِاسْتِبْدَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَاذَا وَحُكِمَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الثَّمَنُ النَّقْدُ وَلَا مَبِيعَ هُنَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ لَا يَنْبَغِي التَّعْرِيجُ عَلَيْهِ والله أعلم
*

(10/105)


(فَرْعٌ)
الْإِبْرَاءُ عَنْ هَذَا الْعِوَضِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي الصَّرْفِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ افْتَرَقَا قبل قبضها بطل الصرف لانه ابراء مما لم يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
* (فَرْعٌ)
جَرَيَانُ الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس لاإشكال فِيهِ كَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَأَنْ يَبِيعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ وَالِانْتِصَارِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي
* (فَرْعٌ)
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ فَلَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ يَجِبُ دِرْهَمٌ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ مِنْ النُّقْرَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فلوسا أو دراهم عطر بقية يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
جَرَيَانُ هَذَا الْقِسْمِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيْثُ يَكُونُ هُنَاكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُمْكِنُ فَرْضُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ كَأَنْ يَبِيعَ دَنَانِيرَ مَغْرِبِيَّةً بِدَنَانِيرَ مَشْرِقِيَّةٍ أَوْ دَرَاهِمَ لَيِّنَةً بِدَرَاهِمَ خَشِنَةٍ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ
*

(10/106)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَنْعُ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي النُّقُودِ أَهْوَنُ وَهَكَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِطْلَاقُ
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِك بِالْعَشَرَةِ الدارهم الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ كُلٍّ مِنَّا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِتَطَارُحِ الدَّيْنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت اولم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا حَلَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَكِنَّ طَرِيقَهُمَا أَنْ يُبْرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا هل يدخل في بيع الدين بالدين أولا وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ المنذر وقال قال احمد جماع الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُبَاعَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ (قُلْتُ) وَنَاهِيكَ بِنَقْلِ أَحْمَدَ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ سَنَدُهُ فِيهِ مَعَ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ إنَّ إسْنَادَهُ لَا يَثْبُتُ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَصِحُّ فِي هَذَا حَدِيثٌ قَالَ لَا فَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ أَمْكَنَ التَّمَسُّكُ بِهِ فَإِنَّ الْكَالِئَ بِالْكَالِئِ هُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ كذلك فَسَّرَهُ نَافِعٌ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَقِيقَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَثْبُتْ فالاجماع لا يمكن التمسك به

(10/107)


مع جود الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَوِّلُ هَذَا إلَى تَفْسِيرِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُجْمَعِ عَلَى مَنْعِهِ يَعْنِي مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعُ دَيْنٍ بِمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مُتَمَسَّكٌ بِضَعْفِهِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ
* وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وتقاضيه الدارهم عَنْ الدَّنَانِيرِ وَبِالْعَكْسِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فَلَوْ وَجَبَ لزيد في ذمة عمرو دينار أهوارى ووجب لعمرو في ذمة زيد دينار أهوارى جَازَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جمعور الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ جَرَى هَذَا الْقِسْمُ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَانَ بَاطِلًا أَيْضًا كَالْقِسْمِ الثَّانِي وَرَأَى شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَطْعَ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لِلْبُعْدِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) دَيْنٌ بِعَيْنٍ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَقَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَذَا قِسْمَانِ
(أحدهما)
أن لا يكون ثمنا ولا
مثمنا كدين القرض وَالْإِتْلَافِ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا عَلَى الْجَدِيدِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَلَوْ كَانَ

(10/108)


فِي الصَّرْفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مؤجلا فسيأتي حكمه
* إذا عرف ذلك فجواز أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ والحسن والحكم وحماد وطاووس وَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ومالك والثوري والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأبى سلمة ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤْخَذُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَبِأَعْلَى وَبِأَرْخَصَ (قَالَ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انما يقتضيه إيَّاهَا بِالسِّعْرِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ يَقْضِيهِ إيَّاهَا بِالسِّعْرِ إلَّا مَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بسعر يومها) واستدل له بأن هذا حال مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو حصيناه من الجنس والتماثل بينا مُتَعَذِّرٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَاعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سماك بن حرب عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ الدَّنَانِيرَ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ حفصة فقلت يارسول اللَّهِ رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ

(10/109)


مِنْ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تفترقا وبينكما شئ) وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَدْ تَفَرَّدَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا يُرْوَى مِنْ غَيْرِ جِهَةِ سِمَاكٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَوْ سِمَاكٌ عَلَى الشَّكِّ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا سماك وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِسِمَاكٍ مِنْ
أَفْرَادِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَسِمَاكٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَضَعَّفَهُ شعبة والنووي وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ إنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَأَنَّ شُعْبَةَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلِسِمَاكٍ حَدِيثٌ كَبِيرٌ مُسْتَقِيمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تابعي الكوفيين وأحاديثه حسان عمى يَرْوِي عَنْهُ وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيَّ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ طَلِيقٍ يَسْأَلُ شُعْبَةَ فَقَالَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ سِمَاكٍ فِي اقْتِضَاءِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ يَرْفَعُهُ أَحَدٌ إلَّا سِمَاكٌ قَالَ فَتَذْهَبُ أَنْ أَرْوِيَ عَنْكَ قَالَ لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَأَخْبَرَنِيهِ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أبى هند عن سعيد ابن جُبَيْرٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ فَأَنَا أُفَرِّقُ بِهِ قُلْتُ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ فَمِنْ جُمْلَةِ مَا رَوَى عَنْهُ حَدِيثُ سُوَيْد بن قليس قال خليت أنا ومخرمة العبدى يدا مِنْ هَجَرَ أَوْ الْبَحْرَيْنِ حَدِيثٌ لَيْسَ لِزَيْدٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ حَالِ سِمَاكٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّوْثِيقِ أَقْرَبُ وَحَدِيثُهُ هَذَا يَدْخُلُ

(10/110)


فِي قِسْمِ الْحَسَنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ عَدِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ قَدْ أَدْرَكْتُ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهُ قَالَ (ذَهَبَ بَصَرِي فَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ ذَهَبَ بَصَرِي قَالَ انْزِلْ إلَى الْفُرَاتِ فَاغْمِسْ رَأْسَكَ فِيهِ وَافْتَحْ عَيْنَيْكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرُدُّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بَصَرِي) وَقَدْ جَعَلَ قَوْمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَشِبْهِهِ فِي قَوْلِهِ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ الْحَدِيثَانِ بِمُتَعَارِضَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُفَسَّرٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُجْمَلٌ فَصَارَ مَعْنَاهُ لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ بِنَاجِزٍ وَإِذَا حُمِلَا عَلَى هَذَا لَمْ يتعارضا اه وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فَهُوَ نَصٌّ فِي أَخْذِ الْمُعَيَّنِ عَنْ الدَّيْنِ (وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال
بِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ عَنْ الدَّيْنِ فَمُحْتَمَلٌ فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ يَعْتَاضُ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهَا دَرَاهِمَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ (وَآخُذُ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْقَبْضِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْسِدُهُ الْجَوَابُ وَرَفْعُ البأس مما إذا تفرقا وليس بينهما شئ ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شئ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ وَقَدْ رَدَّ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَنَعَ جَوَازَ ذَلِكَ وَرَدَّ الْحَدِيثَ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إذَا بَايَعْتَ صَاحِبَكَ فَلَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ مَضْمُونَ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وبالعكس فاقتصر

(10/111)


في رواية النسائي على ما ذِكْرِ مَا يُفْعَلُ فِي الثَّمَنِ دُونَ شَرْحِ الْقِصَّةِ بِكَمَالِهَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا مُنَافَاةَ وَمَنْ زَادَ حُجَّةً عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْخَامِسِ الْقَبْضُ فِي المجلس وبى مَسْأَلَةَ مَا إذَا صَالَحَ بِدَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِبْدَالِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ هُنَا مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّهُ إذَا اعْتَاضَ عَرَضًا عَنْ النَّقْدِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ قَبْضُ الْعَرَضِ فِي الْمَجْلِسِ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَوْ اعْتَاضَ عَرَضًا وَنَقْدًا ففيه قولا الجمع بين (1) لا يَسْلَمُ لَهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ
*
(فَرْعٌ)
وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ البيع أو مافى مَعْنَاهُ (2) قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالٌّ فَأَعْطَاهُ (3) عَلَى غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذهب فليس ببيع والذهب (4) وَعَلَى هَذَا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَخَذَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ) دَيْنٌ بِمَوْصُوفٍ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فِي بَلَدٍ فِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ فَيَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا إذَا صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفَيْنِ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا الْقِسْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَاقِعٌ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَصُوَرُهُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي القسم الثاني وهو ما إذا كانا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل فحرر (4) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/112)


مَوْصُوفَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُطْلَقَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَوْصُوفَيْنِ فَإِذَا تَبَايَعَا دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ وَوَصَفَا كُلًّا مِنْ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ غَالِبٌ وَتَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَإِنَّمَا صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ صَدْرُ كَلَامِهِ مُحْتَمِلًا لِمَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ لِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بالبدل وتعليله بان المعقود عليه ما فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُعَيَّنًا لَمْ يَأْتِ هَذَا الْحُكْمُ وَالتَّعْلِيلُ إلَّا فِي الْعِوَضِ الْآخَرِ فَقَطْ فَلِذَلِكَ قُلْتُ إنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنَاجِزَا جَازَ أَنْ يَرُدَّهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الْمَقْبُوضِ وَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَحِيحٌ لَا عَيْبَ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ مَعِيبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ كما إذَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ بِعَيْنِهِ فَلَوْ طَالَبَهُ ببدله لطالبه بشئ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ يَرُدُّ الْعِوَضَ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ وَيُطَالِبُ بِبَدَلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَالْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِضَّةً خَشِنَةً أو صكتها مضطربة مخالة لسكة السُّلْطَانِ أَوْ بِهَا صَدْعٌ أَوْ ثَلْمٌ أَمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَنَانِيرَ فَتَخْرُجَ نُحَاسًا أَوْ فِضَّةً مَطْلِيَّةً بِذَهَبٍ أَوْ شِبْهِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ دَرَاهِمَ فَتَخْرُجَ رَصَاصًا كَذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَقْبُوضِ أَمْ بِبَعْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا رَدَّ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كلام المصنف

(10/113)


وَسُكُوتُهُ عَنْ صِحَّةِ قَبْضِ الْبَدَلِ إذَا أُخِذَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِذَا قَبَضَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا حُكْمَيْنِ وَعِلَّتَيْنِ أَوْ يَجْعَلُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَدْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ كَافِيَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ هَذَيْنِ النَّقْدَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَجْعَلَ عِلَّةَ جَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقْبِضْ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ ظَاهِرٌ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَإِذَا قَدَّرْتَ جُمْلَةً شَرْطِيَّةً مَحْذُوفَةً كَمَا ذَكَرْتُ صَارَ الْمَعْنَى فَإِذَا قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَلَامٌ لَغْوٌ فَإِنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَاجِبَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ تَحْصُلُ بِاخْتِلَافِ الضَّمِيرَيْنِ فَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الثَّانِي عَائِدٌ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَقَاسَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ يَصِحُّ لِوُضُوحِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ

(10/114)


قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَاحْتَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ البحث والتقدير ما لم يحتمله كلامهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ جَزَمُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بِالْبَدَلِ وَلَنَا خِلَافٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَنَّ تَعْيِينَهُ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَكُونُ كَتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلَمِ إليه الاتيان ببدله فهلا كان كذلك ههنا (قُلْتُ) قَدْ تَخَيَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَلَّا يَجُوزَ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ وَهَذَا التَّخَيُّلُ ضَعِيفٌ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى الْجَزْمِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَلْزَمُوا بِهَا الْمُزَنِيَّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وجعلوا هذه المسألة ناقضة لِدَعْوَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ ظَهَرَ لَكَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِبْدَالِ فِي الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ نُقِلَ لِلْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَوْصُوفِ بَلْ هُوَ مُطَالَبَةٌ بِالْمُسْتَحَقِّ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَى هَذَا الْمَقْبُوضِ قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ وَفِي الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَوْصُوفِ

(10/115)


وَلَا تَتَعَيَّنُ حَقِيقَتُهُ بِالْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَزَمَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِجْرَاءِ الْخِلَافِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا ثُمَّ عَجَّلَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ بَاقٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي يَظْهَرُ بِأَنَّهُ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي الصَّرْفِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا حَتَّى لَوْ تَقَايَلَا فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَوْ جَرَى سَبَبٌ يَقْتَضِي الْفَسْخَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْعِوَضِ الَّذِي سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَزَالَ الْإِيرَادُ وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي يُخَيَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ عَلَّلَ الْمَحَلِّيُّ فِي الذَّخَائِرِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قبل التفرق بان مافى الذِّمَمِ بَاقٍ لَا تَبْرَأُ بِالْمَعِيبِ صَحِيحٌ وَإِنْ
جاز رده والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ وَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ غَرِمَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ
* (فَرْعٌ)
لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِهِ بِعَيْبِهِ جَازَ فِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ أَرْشِهِ لَمْ يَجُزْ
* وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ الْفِضَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا تَفَرَّقَا

(10/116)


ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ عَلَى أَنَّهُ دَرَاهِمُ فَإِذَا هِيَ رَصَاصٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبٌ فَإِذَا هِيَ تِبْرٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَيْبَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ غَيْرُ الْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يجوز له إمساكه فإذا قد عقد اعقد الصرف وتفرقا قبل القبض فبطل ما نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ
* وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ فَأَوْهَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ وَكَذَلِكَ قَالَ القاضي حسين انه لا خلاف فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الْكُلِّ بَطَلَ عَقْدُ الصَّرْفِ لِمَا قُلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ من المذهب وكان أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَرِّجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ (1) وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقْتَرِنًا بالصفقة وهذا التخريج الذى قاله أبو إسحق هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ تَخْرِيجَهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ فَسَادٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ إذْ تَمَامُ الصَّرْفِ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْبَاقِي قَوْلَانِ فَعَلَى هَذَا ان أبطلناه
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/117)


فِي الْكُلِّ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فِي السَّلِيمِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ فِي السَّلِيمِ فَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُمْضِيَهُ فَإِنْ أَمْضَاهُ فِي السَّلِيمِ فَبِمَاذَا يُمْضِيهِ نُظِرَ إنْ كَانَ الصَّرْفُ جِنْسًا وَاحِدًا أَمْضَاهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بِحِصَّتِهِ
(وَالثَّانِي)
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ الماوردى وكان أبو إسحق يُخَرِّجُ قَوْلًا ثَانِيًا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَسَخَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قُلْتُ وَمَا قَالَ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَمَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ فَمَتَى أَجَازَ بِكُلِّ الثَّمَنِ يَدْخُلْ في ال (1) كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ بَلْ مِنْ حَيْثُ رَدَاءَةُ الْجَوْهَرِ وَخَسَاسَةُ الْمَعْدِنِ أَوْ قُبْحُ السِّكَّةِ وَالطَّبْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ إمساكه والرضا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بنفى الخلاف فيه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَهُ رَدُّهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ وَهَلْ لَهُ إبْدَالُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْعِوَضِ أَوْ بِبَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَالْجُرْجَانِيُّ في المعاياه
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/118)


وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَصَحِّ رِوَايَتَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لَهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ أَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَلَمًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَخَذَ صَاحِبَهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ فِيهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يُصَيِّرُهُ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا جَازَ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ
حَصَلَ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ السَّلَمِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ أَيْضًا فَإِنَّ إقْبَاضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا كَإِقْبَاضِ عِوَضِ الصَّرْفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقْبَاضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَزَادَ الشَّيْخُ فِي الْقِيَاسِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ كَلِمَةً عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلْمُزَنِيِّ فَجَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَجَعَلَهُ مَلْزُومًا بِجَوَازِ الْإِبْدَالِ بَعْدَهُ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ جَوَازِ الْإِبْدَالِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ أَحَدُ أَنْوَاعِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ أَعْنِي هَذَا النَّوْعَ مِنْهُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ كَقَوْلِهِ مَنْ صَحَّ

(10/119)


طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ كَالْمُسْلِمِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ نَظِيرُ الظِّهَارِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَذَلِكَ هُنَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نَظِيرُ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقْطَعَ النَّظِيرَ وَيَقُولَ إنَّ الْإِبْدَالَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَحْظُورٌ بِخِلَافِ الْإِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُصُولُ التَّقَابُضِ بَعْدَ التَّفْرِقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي السَّلَمِ لَا مَحْظُورَ فِيهَا أَيْضًا وَلَا يلزم من استوائهما في السلم استواءهما فِي الصَّرْفِ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ اسْتِوَاءِ حُكْمِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَإِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ زِيَادَةٌ يَنْدَفِعُ بِهَا هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَمَا جَازَ فِيهِ كَالْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَافِيَةٌ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ فِيهِ لِأَجْلِ نَقْلِ الْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَالْمَنْعُ فِيهِ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَصَرَ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمَوْصُوفِ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْجَوَازِ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاعْتِلَالِ قَالَ لِأَنَّ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَقَعَ التَّقَابُضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَيُؤَدِّيَ إلَى دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ

(10/120)


فَأَشَارَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذَا إلَى خِلَافِ الْعِلَّةِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الْعِلَّةِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْمُزَنِيِّ فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِبْدَالِ مُطْلَقًا فَلْنَذْكُرْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَتَوْجِيهَهُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَالْجَوَابِ فِي الْمُعَيَّنِ وَرَجَّحَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْقَوْلَ فَلِهَذَا نَسَبْتُ الْبَحْثَ الْمُتَقَدِّمَ إلَيْهِ وممن رجحه أبو على العارفي تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ قَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَبَّرَ الْأَئِمَّةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالُوا إذَا فَرَضَ رَدَّ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِبْدَالِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ العقد لم يجز أَمْ لَا يَسْتَنِدُ الْبَعْضُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَبْضِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا بِمَثَابَةِ الِاخْتِلَافِ فِي نَظِيرِ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فِي جَارِيَةٍ ثُمَّ قَبَضَ جَارِيَةً فَوَجَدَهَا دُونَ الْوَصْفِ فَإِنْ قَنِعَ بِهَا فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْلُبُ جَارِيَةً عَلَى الْوَصْفِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَكِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ مَهَّدْنَا الْآنَ اه قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ مِنْ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ فِيمَا يَجُوزُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ سَوَاءً وَفِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءً لَزِمَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءً وَقَدْ قَالَ يُرَدُّ الدِّرْهَمُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدينار قال الشيخ أبو حامد وغيره للقول الذى اختاره المزني ثلاثة أدلة (أحدها) أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَيَأْخُذُ الْعِوَضَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا لِعِوَضِ الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ أَجْوَدُ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كَلَامِهِ المتقدم (الثاني) أن ماعين بالقبض بمنزلة ماعين بِالْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ الْمُعَيَّنُ بِالْعَقْدِ (الثَّالِثُ) دَلَالَةُ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي فِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَعْنَاهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَالصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ فِي الِاسْتِبْدَالِ قِيَاسًا عَلَى استوائهما في التقابض والتفرق وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ

(10/121)


الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي حَصَلَ كَانَ قَبْضًا صَحِيحًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَفَرَّقَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ إمْسَاكُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَلِفَ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْقَابِضِ فَالْقَبْضُ صَحِيحٌ لَكِنْ هُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ فانه بفسخ الْعَقْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ زَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَقَامَ الْقَبْضُ الثَّانِي مَقَامَهُ فَهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يكن في ذلك تفرق قبل القبض يوجه (وَأَمَّا) الثَّانِي فَبَاطِلٌ إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعَيِّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا يُعَيِّنُ بِالْعَقْدِ ثُمَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ غَيْرَ مَا ابْتَاعَهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ يَنْكَسِرُ بِالِاسْتِبْدَالِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا قَالَ وَافْتَرَقَا فِي ذَلِكَ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَجَوَابُهُ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَهُ جَوَابًا إلْزَامِيًّا فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا الْمُزَنِيَّ وَافَقَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا أَوْمَأَ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ عَيْنَهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحًا وَوَافَقَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ أَنَّ ذَاهِبًا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَانَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا خِلَافًا فِي السَّلَمِ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَمْ لَا يُمْلَكُ إلَّا مِنْ حِينِ الرضى بالعيب وخرجوا على ذلك مسائل وكذلك قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَبَضَ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنَّهُ بَانَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ فَكَأَنَّ الْقَابِضَ لَمْ يَقْبِضْ وَالْمَجْلِسُ بَعْدُ جَامِعٌ هَذَا تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِجَوَازِ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا قَبَضَ الْمَعِيبَ فِي عَقْدِ الصرف من غير علم بالعيب أن لا يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا تَفَرَّقَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَالْعُذْرُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ من حين الرضى يدل أن لا يُؤْخَذَ بِظَاهِرِهِ بَلْ يَكُونُ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّرْفِ التَّقَابُضُ لَا حُصُولُ الْمِلْكِ بِهِ وَهَذَا التَّقَابُضُ جَرَى صَحِيحًا بِدَلِيلِ حُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ الرِّضَى بِلَا خلاف ولو لم يكن القبض صحيحا لااحتاج إلَى قَبْضٍ ثَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَا يَبْقَى تَنَاقُضٌ بَيْنَ مَا جَزَمُوا بِهِ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ حُصُولُ التَّقَابُضِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قُلْتَ الصَّرْفُ أضيق من غيره ونص الشرع يقتضى أن لا يَبْقَى بَيْنَهُمَا عُلْقَةٌ أَصْلًا وَالْمِلْكُ أَقْوَى الْعُلَقِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأُمُورَ الَّتِي سبق اعتبارها

(10/122)


تُغْتَفَرُ وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ لَا عَيْبَ فِيهِ مِمَّا يَشُقُّ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ وَصُحِّحَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يَلْتَقِيَانِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى عَنْ الذِّمَّةِ إذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الاخذ أولا أَوْ كَأَنَّهُ وُجِدَ وَزَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ ثُمَّ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ ثَانِيًا بِالرَّدِّ وَفِيهِ قَوْلَانِ فَائِدَتُهُمَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جارية فردها بعيب هل يجب استبراؤها (الثانية) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَبْدًا فَاسْتَكْسَبَهُ وَأَخَذَ كَسْبَهُ وَغَلَّتَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ جُعِلَ كأنه لم يوجد القبض والاخذ فههنا يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ حَصَلَ التَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَإِنْ قُلْنَا هَذَا مِلْكٌ آخَرُ أَيْ وَتَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي وَإِنْ كَانَا قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُمْلَكُ الْمَعِيبُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ مِنْ حِينِ الرِّضَى فَهُمَا غَيْرُهُمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا السُّؤَالُ كَمَا وَرَدَ عَلَى قَائِلِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رَدَّ وَاحِدٌ الْبَدَلَ هَلْ يَقُولُ إنَّهُ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ فِي الْبَدَلِ أَوْ يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ أَصْلًا وَهَذَا أمر تقديري لاأنه بِطَرِيقِ الْيَقِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فكذلك هذا رفع حكم القبض مني أَصْلِهِ وَالْعَامِلُ الْآخَرُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ فَكَذَلِكَ تَقُولُ إنَّهُ زَالَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَعَادَ فِي الثَّانِي هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ يَلْزَمُ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الرِّضَى أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ فَذَلِكَ الْخِلَافُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي سَالِمٌ عَلَى الْإِشْكَالِ.
وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى مَنْ غَيَّرَهُ بِالْعِبَارَةِ الْأُولَى وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَقَالَ إطْلَاقُ الْإِبْدَالِ عَلَى مَا يُوجَدُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يجوز فأن الاجماع منعقد على أنه لا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ
* قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ بَدَلًا عماثبث في الذمة لكان إذ تَلِفَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِمَالِهِ فِي الذِّمَّةِ (قُلْنَا) إنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ إذَا تَلِفَ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّهُ قبضه بصفة المسلم فيه لاأنه بدل عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ بَلْ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَةِ مَالِهِ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ.
وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْقَبْضُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَاقِعًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
وذلك لا يجوز بحل اه وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إبْدَالُ مافى الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ ثَانِيًا بَدَلٌ عَنْ الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا

(10/123)


فالابدال للمقبوض عما في الذمة لالما في الذمة والممتنع في السلم ابدال مافى الذِّمَّةِ.
فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مافى الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمهم بَيْنَهَا وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُعَيِّنُهُ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ وَيَكُونُ مُسْلَمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُ مَا فِي الذِّمَّةِ مُجَرَّدًا فَإِذَا رَدَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ وَأَخَذَ الْبَدَلَ فَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ وَانْتَقَلَ إلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ إبْدَالٌ وَإِنَّمَا الْإِبْدَالُ لِقِيَامِ الْمُعَيَّنِ الثَّانِي مَقَامَ الْمُعَيَّنِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بالابدال ههنا الْمُبَادَلَةَ وَالِاعْتِيَاضَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَخْذُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَوَّلِ فَقَدْ بَانَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ غَيْرُ مُتَوَجَّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّفْرِيعُ) إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ إنَّهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَبِهِ صرح الغزالي في الخلاصة والبغوى فِي التَّهْذِيبِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا ان وجد في العقد الاول وقد (1) ولا خيار في الفسخ واسترجعا الثَّمَنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ قَالَ الْقَاضِي أبو الطيب أن له رد وَاسْتِرْجَاعَ ثَمَنِهِ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ! فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَمَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا رُدَّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى بِنَاءِ الْإِمَامِ فَإِنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَا الْإِبْدَالَ بِنَاءً عَلَى أنه ملك بالقبض ومتى ملك المعيب بِالْقَبْضِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي الذِّمَّةِ والاصح ماقاله الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ مَعِيبًا وَأَنْ يَرُدَّهُ وَيَفْسَخَ الْعَقْدَ وَيَرْجِعَ ما دَفَعَ كَالصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ الْبَعْضَ وَيَرُدَّ الْبَعْضَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي تَعْلِيقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَحَدُهُمَا) لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ وَهُوَ أَقْوَى
(وَالثَّانِي)
لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُفَرِّقُ الصَّفْقَةَ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا أَنْ لاسبيل لَهُ إلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ
طَرِيقَانِ فِي جَوَازِ رَدِّ الْبَعْضِ إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا وَهُمَا غَرِيبَانِ لَمْ أَرَهُمَا إلَّا فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِبَعْضِهِ وَفُرِضَ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ فَقَدْ بَنَاهُ الْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمَحَامِلِيُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ قُلْنَا هناك
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/124)


له الا ستبدال فههنا لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ ويطالبه ببدله سليما.
وقال المحاملى إنه ههنا أَوْلَى.
وَعِبَارَتُهُمْ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهُ جَيِّدًا وَبَعْضَهُ رَدِيئًا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أن يرد الجيد ويكون له الردئ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أن لا خيار له إذا كان الكل مَعِيبًا وَقُلْنَا بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ معيبا فههنا كذلك ونقلت من خط سليم الدار عن الشيخ أبى حامد أنه ههنا أَوْلَى فَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَظَرْتَ فَإِنْ رَدَّ الْكُلَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَجَازَ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ وَإِمْسَاكُهُ السَّلِيمَ بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ لَمْ يَجُزْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ وَإِنْ قُلْنَا تُبَعَّضُ الصَّفْقَةُ يَجُوزُ رَدُّ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْعَيْبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ.
وَيُخَيَّرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمْسَاكِ الْكُلِّ وَرَدِّهِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَلِكَ بَنَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الطبري والمحاملى والماوردي والشاشى والبغوى.
وَإِذَا أَمْسَكَ السَّلِيمَ أَمْسَكَهُ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَيَحْصُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَ بِبَعْضِ مَا مَعَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَخَصَّهَا الْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يُبْدِلُ الْبَعْضَ الْمَعِيبَ (وَالثَّانِي) (وَالثَّالِثُ) قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَعَلَى قَوْلٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَعْضَ وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْجَمِيعَ أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ الْمَعِيبِ ذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ جَوَّزْنَا
الاستبدال غرم ما تلف عنده واستبدل وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب وإن كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَدْ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دِينَارًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وسيأتى ذكرهما مبسوطان فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ
* ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى امْتِنَاعِ أَخْذِ الْأَرْشِ فَإِذَا رَدَّ مِثْلَ الدِّينَارِ الْمَعِيبِ فِيمَا لَهُ

(10/125)


مِثْلٌ أَوْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَرِقًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الَّذِي بَانَ عَيْبُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا فِيهِ قَوْلَانِ مَضَيَا فَأَفْهَمَ كَلَامُ الماوردى امتناع أَخَذَ الْأَرْشَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَجَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهُوَ عكس ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وهى مااذا كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَمِثْلُهُ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَوْصُوفًا وَالْآخَرُ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في التنبيه ولم يذكرهما ههنا
* وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ أَنَّ الصَّرْفَ قِسْمَانِ
* صَرْفٌ لِلنَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ فَالْعَيْبُ إمَّا أَنْ يكون من الجنس أولا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكُلِّ أَوْ بِالْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ فَخَرَجَتْ نُحَاسًا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قُدِّرَ عَلَى عَيْنِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ
* وَإِنْ كَانَ رأى من قبل أنه نحاس أو شئ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا نَصٌّ يُبْطِلُ كُلَّ تَخْرِيجٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجِئْ هَذَا الْخِلَافُ
* وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ
رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا بَدَلٌ وهو بعيد والله أعلم
* قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يَقْتَصِرْ الشَّافِعِيُّ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِاخْتِلَافٍ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ أَوْ تَوَسَّعَ فِي الْإِطْلَاقِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْثِلَةٌ يَجْمَعُهَا الِاخْتِلَافُ فِي النَّظَرِ إلَى الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ (مِنْهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَغْلَةَ فَخَرَجَتْ حِمَارًا وَفِي الْبِغَالِ نَوْعٌ يُشْبِهُ الْحَمِيرَ يَكُونُ بِطَبَرِسْتَانَ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ قُطْنٍ فَإِذَا هُوَ كَتَّانٌ نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَزٌّ فَخَرَجَ كَتَّانًا لِأَنَّ الْكَتَّانَ الْخَامَ يُشْبِهُ الْقَزَّ
* قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَخَرَجَ زُجَاجًا
* نَقَلَهُ الْجَوْزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ
* (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى غُلَامًا فَكَانَ جَارِيَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخِرِ شَطْرٍ مِنْ بَابِ الرِّبَا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ على

(10/126)


الْمَذْهَبِ
* وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ مَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا جَرَى بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ بِالنُّحَاسِ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَأْخُذُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ شَرْطُهَا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ كَمَا رَأَيْتَ أَمَّا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّهَا مَغْرِبِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَشْرِقِيَّةً أَوْ عَلَى أَنَّهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ فَخَرَجَتْ أَصْفَرَ أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فأذا هو غير هروى صرح به المارودى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَالْقَاضِي حسين ذكر ذلك قولين ولعله أثبت ما حكاه صحاب الْإِفْصَاحِ قَوْلًا.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ فِي الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِالْقِسْطِ فَقَالَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ جَزَمَ بِالْقِسْطِ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَذَلِكَ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ وَاخْتِلَافُ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَلْ فِي قِسْمٍ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِبَعْضِهَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ فَوَجَدَ بَعْضَهَا نُحَاسًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي النُّحَاسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَفْرِيقَ
بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتَرَدَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُفَرَّقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُ الْبَاقِي.
وَبِمَاذَا يُمْسِكُهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ هَلْ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِالْجَمِيعِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْحِصَّةِ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَرَدَاءَةِ الْمَعْدِنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الْعَيْبُ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَلَفِهِ فَإِنْ ظَهَرَ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ وَبَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ
* نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَحُكْمُ الرَّدِّ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ وَلَا يَسْتَبْدِلَ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ مُعَيَّنٌ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَا أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يُسْتَحَقُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ قَالَهُ الماوردى وغيره وذلك معروف في مَوْضِعُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفَاصِيلُ ذَلِكَ وَأَحْكَامُهُ فِي

(10/127)


بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ والفرض في صرف النقد بغير جنسه ولايجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الارش غَيْرِ الْأَثْمَانِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ رَدِّهِ وَبَيْنَ الرِّضَى بِهِ مَعِيبًا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْبَعْضِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الصَّفْقَةِ.
وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَيُمْسِكَ السَّلِيمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّفْرِيقُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْبَقُوا عَلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ.
وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ التَّفْرِيقِ هُنَا.
وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ فَالْخِلَافُ وَإِنْ كَانَ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُ الصَّحِيحِ.
فان قلنا لا يتبعض كلا ويتخير بَيْنَ شَيْئَيْنِ إمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَرَدِّ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ من الثمن كان له رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ حظه في رد المعين لِأَنَّهُ
لَا يَسْتَرْجِعُ بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَيَكُونُ رَدُّهُ سَفَهًا لِأَنَّ تَبْقِيَتَهُ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ رَدِّهِ.
هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ أنه هل يمتنع على إفْرَادُ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِإِفْضَائِهِ إلَى هَذَا الْمَحْذُورِ أَوْ أَنَّهُ يجوز له رده وامساك السليم لان القعد قَدْ صَحَّ عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا ارْتَفَعَ فِي بَعْضِهِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصفقة في الابتداء ولا يجرى قول الاجارة بالكل ههنا.
الْأَوَّلُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ في المجموع والجرجاني فأنهم قالوا.
وَاللَّفْظُ الثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ.
ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فُرُوعٍ فِي آخِرِ بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّةً رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ لِهَذَا الْمَحْذُورِ.
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ لَيْسَ إلَّا وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) ما لفرق بَيْنَ هَذَا حَيْثُ أَخَذَهُ بِحِسَابِهِ

(10/128)


مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْبُ بَعْضِهَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بينهما أن ههنا قَدْ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى الْكُلِّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا فُسِخَ فِي الْبَعْضِ الْمَعِيبِ وَأَقَامَ عَلَى الْبَعْضِ السَّلِيمِ طَلَبًا لِلْحَظِّ فَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ فَسْخُ الْبَيْعِ سَفَهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ قَدْ بَطَلَ فَلَمْ يكن له أن يأخذه بكل الثَّمَنِ فَجَازَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالصَّرْفِ وَالرِّبَا بَلْ هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَيْضًا إذَا ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ وَإِمْسَاكَ السَّلِيمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُمْسِكَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَدُّ الْمَعِيبِ سَفَهًا بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ طَرِيقَةً ضَعِيفَةً أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ في الصرف وهذه طريقة لَا يُعَرَّجُ
عَلَيْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُمْسِكُ السَّلِيمَ وَحْدَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ أَوْ جَوَازُهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّوْزِيعِ فَفِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ اخْتِلَافِ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ الْمُعَيَّنُ فِي جِنْسَيْنِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ أو في

(10/129)


كُلِّهِ وَإِذَا كَانَ فِي كُلِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَيْضًا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَعِيبًا كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لِكَوْنِهِ رِبًا فَإِنَّهُ بَاعَ جَيِّدًا وَمَعِيبًا بِجِنْسِهِ فينقسم الثمن عليهما على قدر قيمتها فيودى إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَفِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ مَا يَقْتَضِي النِّزَاعَ فِيهِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ أَنَّهُ يُمْسِكُ السَّلِيمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ وَأَمْسَكَ الْبَعْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ رِبًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَسْأَلَةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ إنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ وَالْجِنْسَيْنِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَاقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ فَإِنْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ جِنْسًا وَاحِدًا أو جنسين لافرق بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ الْأَقْسَامَ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَعِيبًا بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْجُمْلَةَ بِعَقْدٍ إذَا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا وَقُلْنَا لَهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ فِي الرَّدِّ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي قَوْلٍ وَبِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ وَفِي مَالِ الرِّبَا إذَا بَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلى

(10/130)


التفاضل وقد أقام صاحب البيان ماقاله كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَجْهًا فَجَعَلَ الْبُطْلَانَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْآخَرَ قَوْلَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَثْبَتَهُمَا وَجْهَيْنِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ
فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَعَلَّ الْآخَرِينَ لَاحَظُوا مَا يَقْتَضِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَلَمْ يُلَاحِظُوا هَذَا الْعَقْدَ الْخَاصَّ وَأَنَّهُ مِنْ صُورَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ أَوْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَالْمَحَامِلِيُّ مِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِاشْتِرَاطِ اتِّحَادِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي اللُّبَابِ وَجَزَمَ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ بِالْوَسَطِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمُدْرَكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ بيع الجيد والردئ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا كَانَا مُتَمَيِّزَيْنِ (أَمَّا) إذَا خُلِطَا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَلْنَسْتَدِلَّ لَهُ بِحَدِيثٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ فِي كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْمَطْعُومِ خَاصَّةً أَوْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي النَّقْدِ نَظَرٌ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهَا (وَأَمَّا) الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَأَخْرَجَ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَقَالَ إنَّ الْمَذْهَبَ الْبُطْلَانُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فوافق القاضى أبو الطَّيِّبِ ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَ الْعَيْبِ مِنْ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَجَعَلَهُ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَوَافَقَ فِي ذَلِكَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيَّ فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ قَاعِدَةِ مد إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ يَكُونُ

(10/131)


حُكْمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِهِ وَفِي رَدِّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكِ السليم بما يخصه ما سبق ولا يجئ ههنا قَوْلُ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَكِنْ يُخَيَّرُ بِالْحِصَّةِ قَطْعًا كَمَا قُلْنَا هُنَاكَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَلِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ رِبًا فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ التَّفَاضُلُ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَيَبْطُلُ فِي الْمَعِيبِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الثَّانِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ أَجَازَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُخَيَّرَ بِالْقِسْطِ قَطْعًا وَقَدْ يُؤَخَّرُ
* رَأَيْتُ فِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ بِأَنْ تَبَايَعَا دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَظَهَرَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَقًّا أَوْ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ أُخِّرَ بَعْضُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَلَوْ أَجَازَ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَأَجْرَى قَوْلَ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ هُنَا وَهَذَا وَهْمٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَأْتِي وَجْهُ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى
هَذَا الْوَجْهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ النُّحَاسَ مَبِيعٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَالنَّقْدُ صَرْفٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ هَذَا الوجه قاعدة مد عجوة أيضا فان لا حظها وَجَعَلَ ذَلِكَ تَابِعًا بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الوجه منقولا بل ذكرته تفقها والله أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَخَرَجَ نُحَاسًا فَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صاحب الافصاح

(10/132)


(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ النَّوْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فَلَهُ رَدُّهُ وَإِذَا رَدَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْبَدَلِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ وَيَتَبَيَّنَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا إذَا صَارَفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ وَتَقَابَضَا وَتَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ ثُمَّ علم الذى تلف ما حصل له أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ فرعا في المجموع ههنا وَالصَّيْمَرِيُّ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَهُ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حُلِيًّا وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمْثِلَةٌ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَعَذُّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا كَانَ الْمَعِيبُ بَاقِيًا وَلَكِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرد ويغرم الارش ومسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ إذْ لَا مَرْدُودَ فَمَاذَا نَصْنَعُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ مِثْلَ مَا أَخَذَهُ وَلْيَسْتَرْجِعْ مَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَعَهُ فِي الْبَيْعِ تَفَاضُلٌ

(10/133)


وَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ تَالِفٌ لَا يمكن رده ولا يمكن رده أن يقال انه يقر العقد ولا شئ له لانه قد عين بالمعيب فلا بد له من استدراك ضلامته فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعُدَّةِ وَشَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ وَالتَّحْرِيرِ لِلْجُرْجَانِيِّ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَرْضَى
وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ التَّالِفِ فِي عَيْنِهِ وَيَسْتَرْجِعَ مَا أَعْطَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرجوع بالارش وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ فَالْوَجْهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يرد عليه مثل الجيد ويكون الردئ فِي ذِمَّتِهِ يُعْطِيهِ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْمَعِيبِ التَّالِفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ مِثْلُ إنْ كَانَ التَّالِفُ مَعِيبًا بِعُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَزَادَ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أَعْطَى قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَقَالَ إنَّ هَذَا أَصَحُّ وَإِنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي مَالِ الرِّبَا تُشْتَرَطُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَاسْتِرْجَاعُ بَعْضِ الثَّمَنِ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا
*

(10/134)


(فَرْعٌ)
اشْتَرَى دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نُقْرَةً أَوْ إنَاءً مَصْنُوعًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَرْضَى بِهِ نَاقِصًا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الْمُعَيَّنَ بِدَرَاهِمَ فَفِي جَوَازِ رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي (أَقْيَسُهُمَا) عِنْدَهُ الْجَوَازُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ وَبِأَرْشِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ عَيْبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَلَمْ يَتَّسِعْ لِدُخُولِ الْأَرْشِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَيْبُ الدِّينَارِ التَّالِفِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجِنْسِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً بِهَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَاسَانِيًّا

(10/135)


فَبَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ مَغْرِبِيًّا فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ مَغْرِبِيًّا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُبَهْرَجًا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِعَيْبِهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ وَلَا يَرُدَّ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُبَهْرَجَ لَا مِثْلَ لَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِيهِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَ الَّتِي أَتْلَفَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ وافقه على هذا الْعِبَارَةِ فِي الشَّافِي وَقَالَ فَإِذَا فُسِخَ رَدَّ
مَنْ تَلِفَتْ الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ دِرْهَمًا مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّ دِرْهَمَهُ فَالْجَيِّدُ مَعَ بَقَائِهِ وَبَدَلُهُ مَعَ تَلَفِهِ فَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ بَاذِلَ الْمَعِيبِ حينئذ يمتنع مِنْ الْفَسْخِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوَّمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَيَرُدُّ مِثْلَ التَّالِفِ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَوَافَقَ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَذَكَرَ مُجْمَلَ هَذَا الْفَرْعِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عد الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَازِمِينَ أَوْ مُرَجِّحِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ بَقِيَ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْمَكَانِ

(10/136)


فرع حسن قال ابن ابى الدم وذكر أنه شئ لَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي بَابِ المعيب إذا اشترى شاة مثلا وقبضها ونتجت عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَهُ رَدُّهَا وَالزِّيَادَةُ يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِهَا هَذَا فِي شِرَاءِ الْعَرَضِ فَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شئ وَكَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ شَاةً مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَحْضَرَهَا الْمُسْلِمُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ افْتَرَقَا وَنُتِجَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ ومطالبته بشاة سلمية مَوْصُوفَةٍ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فَهَلْ يَخْتَصُّ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِالنِّتَاجِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هَذَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا إلَى الْآنَ وَلَا بَلَغَنِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ فَرَّعْتُهُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ جِهَتِي حَيْثُ اقْتَضَاهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأُصُولِ المذكرة وَنَشَأَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَصَدَّرَهُ فِي

(10/137)


الْقَاعِدَةِ الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي النِّتَاجِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ إذَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ هَلْ نقول تملكه بالقبض وبالرد قد يقبض المالك أو يقال بالرد تببن أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا كَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ أَعْنِي فِي مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَخْتَصُّ بِهَا (وَإِنْ) قُلْنَا إنَّهُ بِالرَّدِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا فَالزِّيَادَةُ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الْعَرَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْنًا وَبَيْنَ الْعَرَضِ الْمَوْصُوفِ
فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا ثُمَّ يَقْبِضُ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ أَمْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ الْمُسْتَأْنَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّرْفِ بَلْ تَجْرِي فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الرِّبَا بيع بجنسه قاله الرافعى ويجئ فِي التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْعَيْنِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَفَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْفَرْعَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَإِنْ لَمْ يجوز الاستبدال مع بقائه فالحكم كالمبيع بالمعين وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِلضَّرُورَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ التَّالِفِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِدِينَارٍ سَلِيمٍ أَوْ بِخَلْخَالٍ سَلِيمٍ وَكَانَ فَرْضُ المسألة في

(10/138)


بَيْعِ خَلْخَالٍ بِدِينَارٍ قَالَ وَهَكَذَا إذَا قُلْنَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
(وَالثَّانِي)
لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّلِيمِ فيه والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَعِيبًا سَقَطَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ مِثْلُ أَنْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَيَسْقُطُ عُشْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ فَيَسْقُطُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي المعين والله أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّ بَدَلَ التَّالِفِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ حَتَّى يَكُونَ الْفَسْخُ بِرَدِّهِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَالْأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَذْهَبِهِمْ إذَا تَلِفَ الْعِوَضُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَيَرُدُّ الْمَوْجُودَ وَتَبْقَى قِيمَةُ الْمَعِيبِ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلِفَ فِي يده فيرد مثلها أو عوضها إذ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ أَخْذِ الْأَرْشِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ بَيِّنٌ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْعَيْبَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أعلم
*

(10/139)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ فَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنْ بَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ طَعَامِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ وَلَا يَرُدُّ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ من العيب شيأ (قُلْتُ) وَلَوْ بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فَالْحُكْمُ وَالتَّفْصِيلُ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْمُطَارَحَاتُ ظَنِّي أَنَّهَا لِابْنِ الْعَطَّارِ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهَا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ فِي نُسْخَةٍ.
وَفِي نسخة أخرى رأيتها منسوبة لابي اسحق الاسفراينى
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَحَصَلَ التَّلَفُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَهَكَذَا.
وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
فَإِنْ كَانَ الجنس مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب.
وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (أَصَحُّهَا) يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ.
إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ
*

(10/140)


(فَرْعٌ)
كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ السِّكَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
أَمَّا لَوْ بَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ نُحَاسًا أَوْ مَطْلِيَّةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَتَرَادَّانِ.
قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ.
قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
* (فَرْعَانِ) لَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ شيأ بِدَرَاهِمَ بَرْمَكِيَّةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ عَزِيزُ الوجود وقل ما يُوجَدُ فِي بِلَادِنَا هَذِهِ: وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ فَتْحِيَّةٍ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَعُمُّ وُجُودُهُ (1) هَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْهُ جَائِزٌ أَمْ لَا.
إنْ قُلْنَا جَائِزٌ صَحَّ.
وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ إذَا بَاعَ بِمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ فِي الْبَلَدِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ صَحَّ ثُمَّ إنْ وَجَدَ ذَلِكَ النَّقْدَ وَإِلَّا يَسْتَبْدِلُ.
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ لَمْ يَصِحَّ.
كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ
الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْلَى مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي (الثَّانِي) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ الاستبدال فلا يفسد العقد وان
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/141)


قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ
(وَالثَّانِي)
يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا انْقَطَعَ (فَأَمَّا) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ إنَّ السُّلْطَانَ رَفَعَ ذلك لاغير سَوَاءٌ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ.
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَاسَهُ البغوي على مالو أَسْلَمَ فِي صَبْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ إلَّا صَبْطَةً وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ فَيَأْخُذَ النَّقْدَ الاول وبين أن يفسح ويسترد ما أعطى كما لو تغيب المبيع قبل القبض، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ جَاءَ بِالنَّقْدِ الثَّانِي الْمُحْدَثِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَإِنْ أَرَادَ قَبُولَهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِيَاضِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ حَصَلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدٍ مَعْرُوفٍ

(10/142)


فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ فِيهِ بِهِ فَقَالَ خُذْهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ حَرَّمَهُ السُّلْطَانُ فِي بَلَدِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يَتَعَامَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَعَامَلُ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ بِرَائِجٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى آخَرَ عُشْرُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ أَوْ يُبْرِئُهُ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ لَهُ الْإِبْدَالَ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَقْبُوضُ عَنْ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي بَابِ خِيَارِ الرَّدِّ بِالرِّبَا فِيهِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ الدراهم المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو رابحة فِي بَعْضِ التِّجَارَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ عَيْبٌ عندهم فله أن يردها وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهَا إنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَالْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً
بِغَيْرِ عَيْبٍ لَا يَرُدُّهَا لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ بَلْ صِفَةٌ تُخْلَقُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَوَجَدَهَا أَرْدَأَ حِنْطَةٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا إذَا اشْتَرَطَ جَوْدَتَهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْحَنَفِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَنْتَقِضُ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا وَمَعِيبًا فَلَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا فَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ سَلَمٌ لَهُ الْبَدَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ صِحَّةَ الْقَبْضِ تَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ يَظْهَرُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ وَلَمْ يَرْضَ

(10/143)


الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْجَامِعُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَإِنْ قَبَضَ مِثْلَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَدَّهُ وَقَبَضَ آخَرَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَأَخَّرَ الْقَبْضَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِنْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِنْ رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ فَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ وَإِنْ وَجَدَهُ سُتُّوقًا انْتَقَضَ السَّلَمُ بقدره تجوز به أو رده لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ افتراقا لَا عَنْ قَبْضِ هَذَا الْقَدْرِ
* (فَرْعٌ)
حُكْمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَيْبًا حُكْمُ بَدَلِ الصَّرْفِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَحَالَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي اسْتَحَقَّ فِيهَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَى رَجُلٍ حَاضِرٍ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الصَّرْفُ وَإِنْ قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ (إنْ قُلْنَا) الْحَوَالَةُ مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) اسْتِيفَاءٌ جَازَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى مِنْ صَيْرَفِيٍّ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدِّينَارَ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الصَّيْرَفِيِّ
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ اجل هذه العشرة بدلا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْعَشَرَةُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ قَبْلَ الصَّرْفِ أَوْ بَعْدَهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ حَصَلَتْ قَبْلَ الصَّرْفِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ حَصَلَتْ بَعْدَهُ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
*

(10/144)


(فَرْعٌ)
اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ سُوقِ كَذَا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ ذَلِكَ السُّوقِ مُخْتَلِفًا بَطَلَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِإِمْكَانِ التَّعْيِينِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ كَذَا أَوْ بِمَا يَضْرِبُهُ السلطان لم يجز قاله (1) وَإِذَا شُرِطَ فِي الصَّرْفِ أَنَّ الذَّهَبَ يُسَاوِي كَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَطَلَ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ باعه بدينار إلا درهم فَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ فِي الْحَالِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ عَلِمَاهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا صَرَفَ بِدِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا رَاجِحًا قِيرَاطًا فَأَعْطَاهُ عَنْ الْقِيرَاطِ ذَهَبًا مِثْلَهُ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُ فِضَّةً مَعْلُومَةً أَوْ جُزَافًا صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَوْ جَهِلَا مِقْدَارَ الرُّجْحَانِ فَأَعْطَاهُ بِهِ ذَهَبًا مُمَاثِلًا لَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا يَجُوزُ إنْ جَهِلَا الْقَدْرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بَدَلَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَائِفَةٍ أَوْ مُبَهْرَجَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ إلْحَاقًا بِضَمَانِ الدَّرَكِ وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ وَهَذِهِ مِنْ مَنْصُوصَاتِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِنْ وَجَدَ الْقَابِضُ زَائِفًا أَوْ مُبَهْرَجًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إبْدَالِهَا إنْ شَاءَ عَلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ شَاءَ عَلَى الضَّامِنِ فَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الْمُؤَدِّي بَرِئَ الضَّامِنُ وَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الضَّامِنِ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمُؤَدِّي إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَالَ الضَّامِنُ أَعْطُونِي الْمَرْدُودَ لِأُعْطِيَكُمْ بَدَلَهُ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ وَقِيلَ لَهُ الْوَاجِبُ أَنْ تَفْسَخَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرْدُودِ فَأَنْتَ تَرُدُّ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ مَا ضَمِنْتَهُ وَهَذَا الْمَرْدُودُ مِنْ مَالِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَكَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَدَّيْتَ فَلَوْ أَحْضَرَ الْقَابِضُ دَرَاهِمَ رَدِيئَةً وَقَالَ هِيَ ما قبضت وأنكراه جميعا فان كانت رادءتها بعيب فالقول قولهما مع اليمين لانه
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/145)


مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يمينه لان أصل
الدين ثابت وانما أَقَرَّ بِقَبْضِ النُّحَاسِ وَهُوَ لَا يَكُونُ قَبْضًا عَنْ الْفِضَّةِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ نَتَعَرَّضُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ الله تعالى فان المصنف ذكر فِي التَّنْبِيهِ هُنَاكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا كَثِيرًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقْبِضُ مَالَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا بِالصَّيْرَفِيِّ وَيَعْتَمِدُ عَلَى نَقْدِهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّيْرَفِيَّ ضَمَانُ دَرَكِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَتَى لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ضَمَانٌ فَهُوَ أَمِينٌ لَا يَلْزَمُهُ شئ فَيَتَعَيَّنُ لِمَنْ يُرِيدُ الِاحْتِرَازَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ الصَّيْرَفِيَّ يَتَلَفَّظُ بِالضَّمَانِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ
* وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيُرَدُّ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نُحَاسًا من المتعامل به الَّذِي تَنْزِلُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْهُ فَيَكُونُ كَأَخْذِ النُّحَاسِ عَنْ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَأَخْذِ الْمَعِيبِ عَنْ السَّلِيمِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ أَوْ تَصَارَفَا وَتَقَابَضَا ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِدِينَارٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّ مَعَ يَمِينِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي وَفِيهِ وَجْهٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ حَلَفَ وَغَرِمَ التَّالِفَ وَطَالَبَهُ بِالْجَيِّدِ
* وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَرَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَعْطَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْرُ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى السَّلَامَةِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ (قُلْتُ) وَلَوْ خَرَجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لَمْ يَبْعُدْ
*

(10/146)


(فرع)
قال اصحابنا إذا باع دينار بِدِينَارٍ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَوَازَنَا وَقْتَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا وَزَنَا قَبْلَهُ وَعَرَفَا الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا جَازَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَمَعَ غَيْرِهِ دِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ شِرَاءَ نِصْفِ الدِّينَارِ جَازَ وَيَقْبِضُهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ نِصْفُهُ قَبْضًا بِالشِّرَاءِ وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَنْزِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ
مَعَهُ إلَّا عَشَرَةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يُقْبِضَهُ مِنْهَا الْعَشَرَةَ الَّتِي مَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَبَضَهَا اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَهَا قَضَاهُ الْعَشَرَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ وَتَقَابَضَا وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَرْضًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّامِلِ والرافعي وغيرها وَالْحَاوِي
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ وَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا وَإِنَّمَا رَدَّهَا إلَيْهِ بِحَالِهَا فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْقَرْضِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي المجموع هذا الوجه عن أبى اسحق المروذى وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّ الدَّارَكِيَّ نَقَلَهُ عَنْ المروذى وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ غَيْرَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ بينهما باطل وحكي المحاملى عن أبى اسحق أنه علله بذلك وبأن (1) فَإِنَّهُ يَجُوزُ هَكَذَا اسْتَشْهَدَ أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشامل ولا في كلام القاضى حسين الذى حكيته
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/147)


ما ينازع فيه هذا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخَايُرِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقُلْنَا إنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (أَمَّا) لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ غَيْرَهَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِ عَنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَ فِي الْبَحْرِ الصِّحَّةَ وَوَافَقَ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا فِي الذِّمَّةِ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اقْتَرَضَ الْآخَرُ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقَرْضَ مَتَى يُمْلَكُ وعند أبى اسحق يبطل هذا الصرف ههنا لِأَنَّهُ قَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالتَّصَرُّفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَشَيْخِهِ أبى الطيب وبه قال الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهُ فِي الصَّرْفِ نَصًّا أَنَّهُ يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الصَّرَّافِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَمَامِ الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ جَرَتْ لَهُ بِذَلِكَ عَادَةٌ أَمْ لَا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ

(10/148)


قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ حَرُمَ وَتَمَسَّكَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْعَادَةَ الْخَاصَّةَ لَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ نَكَحَ مَنْ عَادَتُهُ الطَّلَاقُ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَشَرْطِ الطَّلَاقِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مَعَهُ دِينَارٌ وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِدِينَارٍ وَسُدُسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَتَقَابَضَا الْعِوَضَيْنِ وَيَتَخَايَرَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دِينَارًا وَسُدُسًا أَوْ مَا يَزِيدُ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِذَا أَرَادَ بَيْعَ صِحَاحٍ بِمُكَسَّرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ إذَا تَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا وَتَخَايَرَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِذَلِكَ الْعَرَضِ الْمُكَسَّرَةَ وَيَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا وَقَدْ أَطْبَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا جَازَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيَجُوزُ أن يبيع الشئ إلَى أَجَلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دَيْنٍ أَوْ نَقْدٍ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَشْتَرِيهَا الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ زَعَمَ تَتَبُّعَ الْأَثَرِ وَمَحْمُودٌ مِنْهُ أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ الصَّحِيحَ فَلَمَّا سئل عن الاثر إذا هو (أبو إسحق عَنْ امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ بَيْعًا بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بكذا أو كذا

(10/149)


إلى العطا ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ أَصْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ (أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أَوْ سَمِعَتْ امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى العطا ثُمّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا ابْتَعْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْهَا عَابَتْ
عَلَيْهَا بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهَذَا مَا لَا يُجِيزُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شئ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَإِنَّ أَصْلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ وَاَلَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ وَحِكْمَةُ هَذَا أَنَّا لَا نُثْبِتُ مِثْلَهُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا وَلَا يَبْتَاعُ إلَّا مِثْلَهُ
* وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ شَيْئًا أَوْ ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ محرما وهو يراه حلالا لم نَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْبِطُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا.
وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ

(10/150)


اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَى جَمِيعِ مَا يُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ فَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(اعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي اسحق عَنْ امْرَأَتِهِ (أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فذكرته) وهذا أسلم في الدلالة لهم الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ النَّسِيئَةَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ إلى العطاء حتى يحمد الْمَنْعَ إلَى الْجَهَالَةِ لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وليس بشئ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ كَتَبْتُ عَنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَرَمَيْتُ بِهِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّهُ كَذَّابٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُضْرَبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ هُوَ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَا أَتَّهِمُهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ شَيْخٌ صَالِحٌ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ وَيُذَاكِرُ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهُمُّ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَيَغْلَطُ فِي الرواية إذا حدث من حفظه وياتى عن الثِّقَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَلَمَّا نَظَرَ يحيى

(10/151)


إلَى تَنَكُّرِ الْأَحَادِيثِ أَنْكَرَهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْجَرْحَ بِهَا (وَأَمَّا) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ عَلِمَ مَا قُلْنَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمُتَعَمِّدِ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِنْسَانُ الْجَرْحَ بِالْخَطَأِ بِخَطَأٍ أَوْ الْوَهْمَ بِوَهْمٍ مَا لَمْ يَفْحُشُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَدَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عِنْدَهُ صَدُوقٌ فِيمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ حِبَّانَ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ وَوَعَدَ هُنَا
بِأَنْ يُمْلِيَ كِتَابًا فِيهِمْ وَيَذْكُرَ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّوَابَ فِيهِ لِئَلَّا يُطْلَقَ عَلَى مُسْلِمٍ الْجَرْحُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَرَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ قال حدثنا عباس ومحمد قال حَدَّثَنَا فَرَدَّادٌ أَبُو نُوحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن أبى اسحق عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ خَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مُحِبَّةَ إلَى مَكَّةَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَنَا مِمَّنْ أَنْتُنَّ قُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَتْ فَكَأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنَّا فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ مُحِبَّةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ وَإِنِّي بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى عَطَائِهِ وَإِنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا قَالَتْ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ فَأَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقَالَتْ لَهَا أَرَأَيْتِ إنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ إلَّا رَأْسَ مَالِي قَالَتْ فَمَنْ

(10/152)


جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سلف وَهَذَا إسْنَادٌ (1) وَحُجَّةُ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ) انْفَرَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ بِتَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابى في كلامه على السُّنَنِ هَذَا الْبَابَ بِالْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ وَفَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ الْعِينَةَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ معلوم إلى أجل مُسَمًّى ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ طَالِبِ الْعِينَةِ سِلْعَةً مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ طَالِبِ الْعِينَةِ بِثَمَنٍ أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ أَيْضًا عِينَةٌ وَهِيَ أَهْوَنُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَسُمِّيَتْ عِينَةً بِحُصُولِ النَّقْدِ لِصَاحِبِ الْعِينَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ هُوَ الْمَالُ الْحَاضِرُ فَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِيَبِيعَهَا بِعَيْنٍ حَاضِرٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَجَعْلُهُ اسْمَ الْعِينَةِ يَشْمَلُ الامرين المذكورين مختلف فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْعِينَةَ اسْمًا لِلثَّانِي فَقَطْ وَيُسَمِّي الْأَوَّلَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ شِرَاءَ ما باع باقل مما بَاعَ وَهَذَا صُنْعُ الْحَنَفِيَّةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعِينَةُ السَّلَفُ وعينة كل شئ خِيَارُهُ قَالُوا وَيُقَالُ أَعْيَانٌ إذَا اشْتَرَى بِالْعِينَةِ وا أَسْلَفَ: وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ أبدان أم لعيان أم تنبري
* لنا فهى مثل حد السيف هزت مضاربه
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/153)


وَيُصَحِّحُ الْحَنَفِيَّةُ الثَّانِيَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالْعِينَةِ دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَجْعَلُ اسْمَ الْعِينَةِ شَامِلًا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْمَالِكِيُّونَ وَالِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ (النَّهْيِ عَنْ الْعِينَةِ حَسَدٌ) يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا مِنْ جِهَةِ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرحمن الخراساني واسمه اسحق بْنُ أَسِيدٍ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الراوى فِيهِ شَيْخٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلَا يُسْتَقَلُّ بِهِ وَعَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَهَالَةُ الْحَالِ فَإِنَّهُ قد روى عنه حيوة بن سريج فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي فِي السُّنَنِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ جَهَالَةُ العين واعترض كل من الفريقين عن الآخر به عن الْحَدِيثَيْنِ بِاعْتِرَاضَاتٍ (مِنْهَا) أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَتَغْلِيطَهَا فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفٌ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّأْجِيلِ بِالْعَطَاءِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَذْهَبُ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ إلَى العطاء (ومنها) أنها ثبتت جِهَةَ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرِّبَا لَمَّا اسْتَشْهَدَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ جَاءَهُ موعظة من ربه فانتهى) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَبَقِيَّةُ مَا قَالُوهُ ممنوع وقد سلموا أن الْقِيَاسَ الْجَوَازُ
* قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا أَنَّ تَرْكَهُ وَاجِبٌ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ وُجُوبٌ القول بالذرائع والقول بالذرائع أصل في

(10/154)


نفسه مقدم الا أن الجزء مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ قَالُوا وَوَجْهُ الذَّرِيعَةِ فِيهَا هُوَ أَنَّ الْبَائِعَ دَفَعَ مِائَةً نَقْدًا لِيَأْخُذَ مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ وَذِكْرُ السِّلْعَةِ وَالتَّبَايُعِ لَغْوٌ وَهَذِهِ ذَرِيعَةٌ لِأَهْلِ الْعِينَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتَبِيعُ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَا أُرْبِحُكَ دِينَارًا فَيَفْعَلَ ذَلِكَ فَيُحَصِّلَ مِنْهُ قرضه عَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِأَحَدَ عَشَرَ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِالْبَائِعِ إلَى السِّلْعَةِ وَإِنَّمَا تَذَرَّعَ بِهَا إلَى قَرْضِ ذَهَبٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا وَجَدْنَا فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ فَاعِلِهِ وَالْقَصْدِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إلَى تميز مَقَاصِدِ النَّاسِ وَلَا إلَى تَفْصِيلِ قُصُودِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ وَجَبَ حَسْمُ الْبَابِ وَقَطْعُ النَّظَرِ إلَيْهِ فَهَذَا وَجْهُ بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الذَّرِيعَةِ قَالُوا فَإِنْ سَلِمَ لَنَا هَذَا الْأَصْلُ بَنَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ نُقِلَ الْكَلَامُ إلَيْهِ هَذَا مَا عَوَّلَتْ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالنِّزَاعُ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَشْهُورٌ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ وَافَقُونَا كَمَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى عَدَمِ إنَاطَةِ الْأَحْكَامِ بِالْمَقَاصِدِ وَوُجُوبِ رَبْطِهَا بِمَظَانَّ ظَاهِرَةٍ فَقَدْ يُوجَدُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ نَتَّفِقُ نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ يُعْدَمُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ يَحْكُمُونَ هُمْ بِفَسَادِهِ والحكم حينئذ بالفساد احتكام بنصب شئ مُفْسِدٍ وَذَلِكَ مَنْصِبُ الشَّارِعِ لَيْسَ لِآحَادِ الْفُقَهَاءِ اسْتِقْلَالٌ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ إلَى المقاصد الحنفية جائز اتِّفَاقًا فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَوَاهِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وعدم الاحكام بأمر آخر وليس هذا موضوع الْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِبْهِهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيب فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ قَالَ لَا تَفْعَلْ بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَرْشَدَهُ

(10/155)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الربا بذلك وان كان المقصود تحصيل الخبيب بِالْجَمْعِ وَقَدْ أَطْنَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي فُرُوعِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأُولَى الَّتِي صَدَّرْنَا الْكَلَامَ بِهَا مُتَرْجَمَةٌ عِنْدَهُمْ بِبُيُوعِ الْآجَالِ وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً جِدًّا وَفِي بَعْضِهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَارَةً تُفْرَضُ فِي الصَّرْفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهَا وَتَارَةً تُفْرَضُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَتَقَعُ تَارَةً بِدُونِ الْأَجَلِ وَتَارَةً بِالْأَجَلِ وَبَوَّبَ الْأَصْحَابُ لَهَا بَابَ الرَّجُلِ يَبِيعُ الشئ بِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَخَصُّ مِنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا عَلِيٍّ يَقُولُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَيْعُ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ
عَنْهُ وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَاهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ الْفَاضِلِ لَهُ بالعقد الثاني على ماملك عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَضَلَ مَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَالْإِنْسَانُ مَرَّةً يَرْبَحُ بِأَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى وَأُخْرَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَالرِّبْحُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ إلَّا بِعَقْدَيْنِ فَتَعُودُ الْعَيْنُ إلَيْهِ مَعَ خُلُوصِ الرِّبْحِ لَهُ وَهَذَا مُجَرَّدُ الدعوى بل حقيقة الربح قصد ما يملك على ما يَمْلِكُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَوْرُوثَ أَوْ الْمَوْهُوبَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ رَبِحَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا لَهُ فِي الشَّرَائِطِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الَّذِي حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فيما أظن
*

(10/156)


(فَرْعٌ)
كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِعَادَةٍ أَوْ بِغَيْرِ عَادَةٍ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ بِالْمَنْعِ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا يَعْنِي لَا لِأَجْلِ سَدِّ الذَّرَائِعِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الْعَادَةَ تَصِيرُ كَالْمَشْرُوطَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَمَسْأَلَةُ الْعِينَةِ قَدْ عَمَّ الْعُرْفُ بِهَا بِالزِّيَادَةِ فِي النُّقُودِ وَلَنَا وَجْهٌ فَنَقُولُ فِي مَذْهَبِنَا أن ما يتقدم العقد الَّتِي لَوْ امْتَزَجَتْ بِالْعَقْدِ لَأَفْسَدَتْهُ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ فيفسد العقد بها فيتأيد هَذَا الْوَجْهُ مَعَ ضَعْفِهِ بِعُمُومِ الْعُرْفِ (فَأَمَّا) ماقاله الْأُسْتَاذُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَادَةٌ وَغَيْرُ عَادَةٍ سَوَاءٌ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ قَصْرَهُ عَلَى مَا إذَا فُرِضَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِضَعْفِهِ (وَأَمَّا) اعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَأْبَاهُ
* (فَرْعٌ)
فَإِنْ فُرِضَ الشَّرْطُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ بَطَلَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مَحَلَّ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا

(10/157)


مَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ
* (فرع)
عرفت ان في المسألة خلافا فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّ عَادَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ فَلَا خِلَافَ
أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وفى كلام الاصحاب اطلاق العينة عليهما وَجَمِيعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ جَازِمَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قد تنازع في ذلك قول بعض الاصحاب وما حكيناه في مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مما باع من الجزم بالجواز هو الموجود في أكثر كتب أصحابنا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قَدْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ الشَّخْصَ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلِوَارِثِهِ فِيهِ شُفْعَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّبَرُّعِ عليه وكذا قول الاصحاب أن الولي إذا باع على اليتيم شقصا له شُفْعَةٌ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ هُنَا إنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ لَهُ فِي سَدِّ الذرائع قال وذلك يقتضى إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَبِيعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْخَصْمُ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ

(10/158)


قَوْلُهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ الَّذِي هُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَامٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
أَنَّ مَنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ ماكان ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَفِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الْمَاءِ إنَّمَا يحرم لانه في معنى تلف على مالا غِنَى بِهِ لِذَوِي الْأَرْوَاحِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِذَا مَنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ مَنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِهِ وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُتَعَلَّقًا قَوِيًّا لِإِثْبَاتِ قَوْلِ سَدِّ الذرائع بل لان الذريعة تعطى حكم الشئ الْمُتَوَصَّلِ بِهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لَهُ كَمَنْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمَنْعِ الْكَلَأِ وَمَنْعُ الْكَلَأِ حَرَامٌ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَالذَّرِيعَةُ هي الوسيلة فهذا القسم وهو ماكان مِنْ الْوَسَائِلِ مُسْتَلْزِمًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ لا يسمح له المشترى بالبيع أو ببذولهما أو بمنع مَانِعٌ آخَرُ فَكُلُّ عَقْدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْآخَرِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فَسَدُّ الذَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ أَمْرٌ زَائِدٌ

(10/159)


عَلَى مُطْلَقِ الذَّرَائِعِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ تَعَرُّضٌ لَهُمَا وَالذَّرَائِعُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كَلَامُ لَفْظِهِ لَا نِزَاعَ فِي اعْتِبَارِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ (وَأَمَّا) الذَّرَائِعُ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حَسَدًا (وَثَانِيهَا) مُلْغًى إجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالشَّرِكَةِ فِي سَلَمِ الْأَذِرَّةِ خَشْيَةَ الرِّبَا (وَثَالِثُهَا) مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ اعْتَبَرْنَا نَحْنُ الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَنَا غَيْرُنَا فَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّا قُلْنَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ
* فَالذَّرَائِعُ هِيَ الْوَسَائِلُ وَهِيَ مُضْطَرِبَةٌ اضْطِرَابًا شَدِيدًا قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً وَتَخْتَلِفُ أَيْضًا مَعَ مَقَاصِدِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَضَعْفِهَا وَانْغِمَارِ الْوَسِيلَةِ فِيهَا وَظُهُورِهَا فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى كُلِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِهَا وَلَا بِإِلْغَائِهَا وَمَنْ تَتَبَّعَ فُرُوعَهَا الْفِقْهِيَّةَ ظَهَرَ لَهُ هَذَا وَيَكْفِي الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّرِيعَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي الِاعْتِبَارِ إذْ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولا بلغناه كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ فَضْلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا وَإِلْغَاءَهَا فَلَا دَلِيلَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ قَوْلٍ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ (وَأَمَّا) الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ تَمَسَّكَ بِهِمَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (فَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ إذَا بَاعَ عَلَى الْيَتِيمِ شِقْصًا لَهُ فِيهِ شُفْعَةٌ وَكَوْنُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ

(10/160)


هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُتْرَكَ النَّظَرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ لِلصَّبِيِّ وَتَسَامَحَ فِي الْبَيْعِ لِيَأْخُذَ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ فَالتُّهْمَةُ الْمَانِعَةُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شئ وَهَذَا لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ لَهُمَا الْأَخْذُ لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يَأْخُذُ (وَقِيلَ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذُكِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ (وَقِيلَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَصْلًا وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْأَوَّلُ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعَةِ
أَوْجُهٍ مَنْقُولَةٍ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَظَاهِرُ هذين الوجهين الآخرين أنه يلزم مجئ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَقِيَاسُ الْوَجْهِ الْآخَرِ أَلَّا يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَهْرًا وَمُحَابَاةُ الْمَرِيضِ لِلْمُشْتَرِي تَبَرُّعٌ فَهُوَ بِالْمُحَابَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْجَدَ تَبَرُّعًا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِأَخْذِهِ بِدُونِ رِضَا الْمُشْتَرِي فَأَشْبَهَ التَّبَرُّعَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فَإِنْ أَخَذَ الْوَارِثُ قَهْرًا مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَ قَبُولِهِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ لَا يُوَافِقُهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ التَّخْرِيجَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَقْوَالِ الْإِمَامِ أَمَّا الْوُجُوهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّمَا يُلْزَمُ قَائِلُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ الْمُرَادُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ

(10/161)


بِدُونِهَا وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ بِالْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ دَلَائِلَ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ عَصْرُونٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِشَرْطِهِ فِي الْعَقْدِ يُكْرَهُ قَصْدُهُ وَقَالَ ابْنُ دَاوُد شارح مختصر المزني انه إن اتحد ذَلِكَ عَادَةً كُرِهَ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً (وَالصَّوَابُ) مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ مَقْصُودًا كُرِهَ سَوَاءٌ اعْتَادَهُ أَوْ لَمْ يَعْتَدْهُ نَعَمْ إنْ جَرَى ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا عَادَةٍ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّهَا مراتب (الاولى) أن يجرى ذلك بقصد الكروه مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَجْرِيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا يَكُونُ الشَّخْصُ مِمَّنْ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التُّهْمَةُ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الرِّبَا أَوْ أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ أنه حرام اعتبار بِالصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَظِنَّةِ التُّهْمَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَجْرِيَ بِقَصْدِ الْمَكْرُوهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَيُكْرَهُ عِنْدَنَا وَمُقْتَضَى
مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنَاطَتِهِمْ ذَلِكَ بِالْمَظِنَّةِ أَنْ يُجَوِّزُوهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ بُيُوعِ الْآجَالِ تصنيفا لَكِنِّي أَذْكُرُ نُبْذَةً يَسِيرَةً جِدًّا
* (فَرْعٌ)
فِي نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَنْتَهِي فِي التَّفْرِيعِ إلَى أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ مَسْأَلَةً ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ

(10/162)


يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا وَقَدْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَيْضًا وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ إذَا لَمْ يَغِبْ المبتاع عن الطعام وتسع أخرى إذَا غَابَ عَلَيْهِ ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَمِثْلُهَا فِي الشِّرَاءِ إذَا غَابَ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَمِثْلُهَا أَيْضًا فِي الشِّرَاءِ إلى أبعد من الاجل فمنها خمسة عشر مَسْأَلَةً لَا تَجُوزُ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا الطَّعَامَ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ أَوْ بعضه أو كله وزيادة عليه وان يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَيْهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَقَالَ أبو اسحق التُّونِسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ فِي كِتَابِ ابن الموان من قول لمالك وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا تُكْرَهُ الْعِينَةُ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ وَأَمَّا بَيْعُ النُّقُودِ فَلَا إلَّا مَنْ عُرِفَ بِالْعِينَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ وَالثَّانِيَةُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ اُتُّهِمَ فِيهَا كُلُّ أَحَدٍ وَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا الْعِينَةُ خاصة (أَصْبَغُ)
* وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ

(10/163)


الْعِينَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِهَا وَوَقَعَ لِابْنِ وَهْبٍ إذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا وَالثَّانِيَةُ إلَى أَجَلٍ أَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ فِيهِمَا كَمَا يُتَّهَمَانِ إذَا كَانَتْ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ أَعْنِي التُّونِسِيَّ وَمِمَّا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَيُتَّهَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونَ
دَفَعَ عَشَرَةً انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ وَرَدَّ عِوَضَهَا خمسة عشرة وَكَانَتْ سِلْعَتُهُ لَغْوًا لِرُجُوعِهَا إلَيْهِ وَمِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزَ فِي أَهْلِ الْعِينَةِ لِأَنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ من السِّلْعَةَ مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ نَقْدًا فَكَأَنَّهُ قَالَ اذْهَبْ فَبِعْ مِنْهَا بِعَشَرَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ وَالْبَاقِي بِعْتُهُ مِنْكَ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ إذَا كَانَ إنَّمَا يَشْتَرِي لِيَبِيعَ لَا لِيَأْكُلَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيَذْهَبَ فَيَقُولَ بِعْتُهَا بِثَمَانِيَةٍ فَحُطَّ عَنِّي مِنْ الرِّبْحِ قَدْرَ الدِّينَارَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَكَأَنَّهُ إنما عقد معه على أنه ماصح لَكَ فِيهَا رَبِحْتُ عَلَيْكَ فِيهِ الدِّرْهَمَ دِرْهَمًا أَوْ نِصْفًا فَصَارَ أَصْلُ الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ لَا يُعْلَمُ مَا ثَمَنُهُ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهِ وَهَذَا لِمَنْ يَشْتَرِي لِيَبِيعَ وَيَجُوزُ هَذَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنْتَفِعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا وَأُرْبِحْكَ فِيهَا كَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَأَكْثَرُ المالكية من هذا الْمَسَائِلِ وَأَخَوَاتِهَا جِدًّا
*

(10/164)


(فَرْعٌ)
اشْتَرَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا الْبَعْضَ وَافْتَرَقَا بَطَلَ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ وَفِي الْمَقْبُوضِ طَرِيقَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قبل القبض وقال الرويانى إنه لا يجئ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَلَا الثمن مجهول قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي نَظَرِهِ مِنْ السَّلَمِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَا يَرْتَضِيهِ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَمَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ لا يبطل في الباقي قولا واحد ومن أصحابنا من قال خرج أبو إسحق فِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ العقد وهذا غلط على أبى اسحق لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِهِ وَلَعَلَّهُ مَحْكِيٌّ عن غيره وليس بشئ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَعْلُهَا كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ هُنَا احْتِيَاطًا لِلرِّبَا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَكَّلَ فِي الصَّرْفِ وَعَقَدَ الْوَكِيلُ هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقْبِضَ وَيَكْتَفِيَ بِقَبْضِهِ عَنْ قَبْضِ الْوَكِيلِ؟ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ الْإِيجَابِ
وَالْقَبُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَقَبْضِ رأس السَّلَمِ وَالتَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْمُوَكِّلِ وينتقل الملك إليه وهذا يقتضى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَتَقْرِيرَ الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ

(10/165)


رحمه الله والاصحاب قَبْضَ الْوَكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ الْمَذْكُورُ قَدْ يُنَازَعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي هَذَا وَقَدْ يُسَلَّمُ وَيُقَالُ إنَّ الْوَكِيلَ يَنُوبُ عَنْ الْمُوَكَّلِ فَإِذَا قَبَضَ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْوَكِيلِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقُمْ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ) فِي تَسْمِيَةِ الصَّرْفِ قَالَ ابْنُ سَيِّدَهُ فِي الْمُحْكَمِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ عَلَى الدِّينَارِ والصرف بيع الذهب بالفضة والصراف والصرف والصيرفي النقاد والجميع صَيَارِفُ وَصَيَارِفَةٌ دَخَلَتْ فِيهِ الْهَاءُ لِدُخُولِهَا فِي الملائكة والقساعمة لَا لِلنَّسَبِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ الصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَرَأَيْتُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّرْفَ اسْمٌ لِبَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ وَالْمُصَارَفَةُ اسْمٌ لِبَيْعِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمُصَارَفَةِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كُلَّ دِينَارٍ زَادَ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ جَمَعَتْ الصَّرْفَ وَالْمُصَارَفَةَ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ حِصَّةُ الْمُصَارَفَةِ مِنْ حِصَّةِ الصَّرْفِ وَقَالَ المارودى سُمِّيَ الصَّرْفُ صَرْفًا لِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ لِصَرْفِ الْمُسَامَحَةِ عَنْهُ فِي زِيَادَةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُصَارَفَةَ صَاحِبِهِ (أَيْ مُضَايِقَتَهُ)
* (فَرْعٌ)
كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً عَدَدًا قَضَاءً لِمَا عَلَيْهِ فَوَزَنَهَا الْقَابِضُ فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا قَالَ الْأَصْحَابُ والقاضي أبو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ كَانَ الدِّينَارُ الزَّائِدُ لِلْقَاضِي مُشَاعًا فِيهَا وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ أَمَانَةً وَلَيْسَ كَمَا إذَا سَلَّمَ دِينَارًا
نِصْفَهُ شَائِعًا حَيْثُ يَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ النِّصْفَ الزَّائِدَ بَدَلًا عَمَّا عَلَيْهِ وَهُنَا قَبَضَهُ بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ شَاءَ الْقَاضِي اسْتَرْجَعَ مِنْهُ دِينَارًا وان شاء

(10/166)


وَهَبَهُ لَهُ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْهُ عَرْضًا أَوْ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ ثَمَنًا لِمَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ سَلَمًا هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الدِّينَارُ بَاقِيًا فَلَوْ تَلِفَ صَارَ دَيْنًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ فِي السَّلَمِ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي مِقْدَارِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ (أَنَّ قَبْضَ الْمَوْزُونِ أو المكيل جزافا فاسدا) حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ الدَّافِعُ إنَّنِي وَزَنْتهَا وَإِنَّهَا كَذَا فَقَبَضَهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَكُونُ فَاسِدًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَمَحَلُّ تَحْرِيرِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَوْصُوفَةٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَاحِدًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ أَهْوَازِيَّةٍ فَجَاءَهُ بِثَلَاثَةٍ وَتِسْعِينَ دِينَارًا وَزْنُهُ مِائَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَقْبِضَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ مِائَةً وَزْنُهَا وَعَدَدُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ ذَلِكَ قَالَهُمَا الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الدِّينَارَ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ دِينَارِكَ فَكَانَ دِينَارُهُ زَائِدًا سُدُسًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَهَبَهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ أَوْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بعد بشئ آخر ويقطع الزيادة منه أَوْ يُشْرِكَهُ فِيهِ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ برضاه والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
آخَرُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ بِوَزْنِ الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ هَذَا الدِّينَارِ لَزِمَهُ نصفه سواء كان وزنه دينار أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ أَوْ إنْ كَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ دِينَارٍ دَفَعَ الْكُلَّ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَغْلِيبِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ
*

(10/167)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ وَهَبَ مِنْهُ دِينَارًا أَوْ أثابه الآخر دينارا
أو زن أو نقص فَلَا بَأْسَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ فَأَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَالدِّينَارُ لَهُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ بَلَغَتْ فَطَرِيقُهُمَا أَنْ يَتَبَارَيَا
* (فَرْعٌ)
لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ وَصَارَ لِلصَّيْرَفِيِّ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ
* (فَرْعٌ)
التَّوْلِيَةُ بِبَيْعٍ جَائِزَةٌ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ كَغَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ لرجل اشترى عِشْرِينَ دِرْهَمًا لِنَفْسِكَ بِدِينَارٍ ثُمَّ وَلِّنِي نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا وَلَّاهُ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ
* (فَرْعٌ)
بَاعَ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَرَفَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَجِبْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ قَالَ بِمِائَةِ درهم إلا درهما صح هكذا أطلق (1) إذا قال بعتك بدينار الا درهم وَكَانَ يَعْلَمُ قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ إمَّا عُشْرُهُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مَعْلُومٍ مِنْ مَعْلُومٍ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ شِقُّ دِينَارٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ آخَرُ مَكْسُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ فَإِنْ أَعْطَاهُ صَحِيحًا فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنْ شَرَطَ فِي الثَّانِي (2) إنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْعَقْدِ بَاقِيًا فَسَدَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعًا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ أَوْ الصَّحِيحَ إذَا

(10/168)


وُجِدَ فِي الْمَجْلِسِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيُجْعَلُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بدينار صحيح وفى المسأله شئ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَعَ ذَلِكَ أَطْلَقَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَلِعِزَّتِهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا
بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ لِكَثْرَةِ وُجُودِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ قِطْعَةً وَزْنُهَا نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ يُشْرِكُهُ فِي دِينَارٍ صَحِيحٍ إنْ رَضِيَ بِهِ وَسَاقَ بقية الكلام فأثر هَذَا الْكَلَامُ إشْكَالًا فَإِنَّ النِّصْفَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى نِصْفٍ شَائِعٍ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ تَسْلِيمُ النِّصْفِ شَائِعًا وَلَا يَكْسِرُهُ فَإِنَّهُ يُنْتَقَصُ قِيمَتُهُ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَسْرَ الْمُشَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَزِيزِ الْوُجُودِ وَقَدْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نِصْفٍ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْضًا أن يأخذ مشاعا إلا برضاء كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَيُتَّجَهُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إمَّا عَزِيزُ الْوُجُودِ وَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ تَنْقِيصُ عَيْنِ الْمَبِيعِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِقَطْعِ دِينَارٍ وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ النِّصْفَ وَإِنْ قَيَّدَ فَإِنْ قَالَ نِصْفًا مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ اقْتَضَى الْإِشَاعَةَ وَلَا يَأْتِي مَا قَالُوهُ فِي تَسْلِيمِ شِقِّ دِينَارٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا صَحِيحًا اقْتَضَى الْفَسَادَ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا مَكْسُورًا مِنْ دِينَارٍ اقْتَضَى الْفَسَادَ أَيْضًا إذْ لَا يُوجَدُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ إلَّا عَزِيزًا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ مُكَسَّرًا اقْتَضَى تَنْقِيصَ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ إذَا بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَكَذَا قَالَ إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أن له عليه دينارا فان قيده بأن لا يكون نصف
* (1) (فرع)
وهو من تتمة ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَعْلَاهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مُدَوَّرًا يَصِحُّ وَلَوْ سَلَّمَ مُدَوَّرًا وَشِقًّا مِنْ دِينَارٍ يَجُوزُ وَإِنْ سَلَّمَ ثَقِيلًا وَأَشْرَكَهُ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ مُدَوَّرًا وَهُوَ عَامُّ الوجود يجوز وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الْوُجُودِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ

(10/169)


بَيِّنٌ فَلْيُنَزَّلْ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
اشْتَرَى ثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَجَاءَ بِعِشْرِينَ صِحَاحًا وَزْنُهَا عِشْرُونَ وَنِصْفٌ وَقَبَضَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فِضَّةً جَازَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ بَيْعِ الثَّوْبِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ دِينَارٌ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أن يأخذ دينارا بنصفين قاله المارودى وَلَوْ بَاعَ الثَّوْبَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالثَّانِي بنصف دينار على أن له عليه دينار كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَائِزَيْنِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَرِنَ بِالثَّانِي لَا يُنَافِيهِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الدِّينَارَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِفْهُ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي نِصْفَيْ دِينَارٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَوَّلًا بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ الْإِطْلَاقِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وغيره ورضى الله عنه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لا جماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة في المكيلات والمطعومات
*) (الشَّرْحُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ عَلَى الثَّمَنِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ وَحْدَهُ بِعِلَّتَيْنِ وَيَعُودُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ كَذَلِكَ وَلَا إلَيْهِمَا لِامْتِنَاعِ عَوْدِ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ إلَى اثْنَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى جِنْسِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ مَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْفَصْلَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهِمَا أَعَادَ الضمير على مثنى على معنى مالان الْمُرَادَ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعِيدَهُ

(10/170)


عَلَى لَفْظِهَا فَيَقُولُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَأَمَّا الْمَجْمُوعُ حَالَةَ الْمُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَصْلًا لَا بِعِلَّةٍ وَلَا بِعِلَّتَيْنِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الْعِلَّتَانِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ الطَّعْمُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَطْ وَالثَّمَنِيَّةُ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ فَالْعِلَّتَانِ مُوجِبَتَانِ لِنَوْعِ حُرْمَةِ الرِّبَا الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَخَصُّ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِغَيْرِ رِبَوِيٍّ وَإِنْ كان التمثيل بعيد وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ خَاصَّةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَأَمَّا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ فَإِنَّهُ أَفْرَدَ لَهُ الْفَصْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُدْرِجَهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ إدْرَاجَهُ فِي الْكَلَامِ لَجَاءَتْ الاقسام خمسة لانه إما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا دُونَ الآخر وهذان القسمان لا يحرم فيهما شئ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا ربويين فاما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

(10/171)


فَيَحْرُمُ فِيهِمَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ يَخْتَلِفَا فَإِنْ اشْتَرَكَا حُرِّمَ النساء والتفرق وان اختلفا لم يحرم شئ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا
* إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِرِبَوِيٍّ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَفْظُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَصْرَحُ قَالَ فيه (لان المسلمين أجمعوا على أن لذهب وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ (وَلَا أَعْلَمُ المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدارهم يسلمان في كل شئ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ فِي الْآخَرِ) وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ الدِّينَارَ والدرهم يسلمان في كل شئ ولا يسلم أحدهما في الآخر) اه والاستدلال بجواز

(10/172)


السَّلَمِ عَلَى جَوَازِ النَّسَاءِ إذَا مَنَعْنَا التَّسَلُّمَ الْحَالَّ وَاضِحٌ وَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ فَطَرِيقُ تَقْرِيرِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ فَكُلُّ سَلَمٍ هُوَ بَيْعُ نَسِيئَةٍ وَأَمَّا إنَّ كُلَّ بَيْعِ نَسِيئَةٍ سَلَمٌ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يَكُونُ سَلَمًا أَوْ بَيْعًا وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَكُونُ سَلَمًا فَصَارَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ نَسِيئَةً شَيْئًا وَاحِدًا فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَلَا يُذْكَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لاسلما فَإِنَّا نَقُولُ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَيَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ أَوْ قريبا منه الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَقَالَ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا نَقْدًا وَنَسِيئًا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَلَا يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا وَيَشْتَرِطُ تَسْلِيمَهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَلَا يَنْحَصِرُ الْفَسَادُ فِيمَا قَالَهُ بَلْ تَارَةً يَكُونُ النَّسَاءُ فِي الْمَبِيعِ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ إرْدَبَّ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي إلَى شَهْرٍ بِهَذَا الدِّينَارِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْإِرْدَبَّ الْقَمْحَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ إلَى شَهْرٍ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا

(10/173)


جَعَلْنَاهُ سَلَمًا وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَحْضٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ مَبِيعَةً فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً بِالذَّهَبِ فَيَكُونُ سَلَمًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ بَيْعًا فِي مَعْنَى السَّلَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِذَهَبٍ فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نَسَاءً فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَأْخُوذًا مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى السَّلَمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَالْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ دَلِيلُ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِلْحَاقُ جَلِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ ثُمَّ إذَا جَازَ الْبَيْعُ نَسِيئَةً تَبِعَهُ جَوَازُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ حَرُمَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرُمَ النَّسَاءُ فيهما ومالا فَلَا وَلَا يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْجَوْهَرَةِ بِالْجَوْهَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إلَى النَّسَاءِ بَلْ لِكَوْنِهِ لا يضبط بالصفة فيكون المسلم فيه مَجْهُولًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي جَوَازَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالذَّهَبِ وَالشَّعِيرِ بِالْفِضَّةِ نَسَاءً وَلَا أَشْعَرَ بِهِ إلَّا أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمِ الظَّاهِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مَرَاتِبَ الْإِجْمَاعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْتِيَاعَ بِدِينَارَيْنِ أَوْ دَرَاهِمَ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مقبوضة أو بها إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ بِالْأَيَّامِ أَوْ الْأَهِلَّةِ وَالسَّاعَاتِ وَالْأَعْوَامِ الْقَمَرِيَّةِ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ الْأَجَلُ جِدًّا جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ شَيْئًا مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جَوَازِ بيع ذلك بالدراهم والدنانير إلَى أَجَلٍ مَوْصُوفٍ وَأَمَّا حَالًّا فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَضَمَّنَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ

(10/174)


شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ واختلاف الاصناف ويشتمل اخْتِلَافَهُمَا عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ عِلَّةُ الرِّبَا فِيهِمَا وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَقَدْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ التَّقَابُضُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَيَحْتَمِلُ كلام الحزمى وُجُوبَ التَّقَابُضِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِقَوْلِهِ يَدًا بيد وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ كَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي الْعِلَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الحنفية فعندنا المطعومات وعندهم المكيلات
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة كالتمر البرنى والتمر المعقلى فهما جنس واحد وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب فهما جنسان والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ستة أشياء وحرم فيها التفاضل إذا باع كل شئ منها بما وافقه في الاسم وأباح فيه التفاضل إذا باعه بما خالفه في الاسم فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاسم فهما جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان)
* (الشَّرْحُ) لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الرِّبَوِيِّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ كُلَّ رِبَوِيَّيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي أُمُورٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أُمُورٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الضَّابِطَ وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَحَرَّرَهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَاعْتِرَاضَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ عَلَيْهَا سَتَنْكَشِفُ لَكَ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في بَابِ جِمَاعِ تَفْرِيعِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مَا مُلَخَّصُهُ، إنَّكَ تَنْظُرُ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ كَالنَّبَاتِ مَثَلًا ثُمَّ تَقْسِمُهُ إلَى الْحَبِّ اسما غيره بِمَعْنَى الِاسْمِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ بِهِ عَمَّا يُشَارِكُهُ مِنْ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ

(10/175)


يَشْمَلُهُمَا أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ إلَى تِبْرٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ التِّبْرُ إلَى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ أَخَصُّ الْأَسْمَاءِ الصَّادِقَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ يَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إلَى الصِّفَاتِ فَيُقَالُ تَمْرٌ بَرْنِيُّ وَتَمْرٌ مَعْقِلِيٌّ وَذَهَبٌ مِصْرِيٌّ وَذَهَبٌ مَغْرِبِيٌّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذلك شئ يَخُصُّهُ بَلْ إذَا أُرِيدَ مَعْرِفَتُهُ ذَكَرَ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ ثُمَّ قِيلَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالتَّمْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّبْرِ وَالْحَبِّ لَا يُذْكَرُ الِاسْمُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بَلْ اسْمُهُمَا بِخُصُوصِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ فِي الْأَسْمَاءِ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يُسَاوِي مُدُّهَا دِينَارًا بحنطة رديئة لا يسوى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قبيحة مثلا بمثل فقول
الصنف فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْمِ المشترك كالفاكهة فانه اسم يعم وكذلك التمر فَإِذَا قَالَ تَمْرٌ فَقَدْ خَصَّصَ (قُلْتُ) فَلِمَ قَالَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأَسْمَاءُ تُوضَعُ وَلَا يُقَالُ تُخْلَقُ قَالَ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ اسْمٌ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّ الِاسْمَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ هُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ فَإِنَّ الدَّقِيقَ لَمْ يُخْلَقْ عَلَى هَيْئَتِهِ وَإِنَّمَا يُخْلَقُ حَبًّا ثُمَّ يُطْحَنُ فَيَصِيرُ دَقِيقًا انْتَهَى وَكَذَلِكَ اللُّحُومُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا أَسْقَطَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ دَقِيقُ بُرٍّ وَدُهْنُ سِمْسِمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِنْسَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَلَمْ يَقُلْ الْخَاصَّ كَمَا قَالَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الِاسْمِ صَادِقٌ بِطَرِيقَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
بِالِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعَامِّ كَمَا مَثَّلَ
(وَالثَّانِي)
الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ أَيْضًا وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي التَّجَانُسِ فَالِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ بِذَلِكَ أَوْلَى وان كان لابد بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ اسْمٍ عَامٍّ لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَعِيدًا وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ

(10/176)


لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الْعَامِّ وَهُوَ الْحَبُّ وَالتِّبْرُ وَحَرَّمَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِمِثْلِهَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْقَاسَانِيِّ وَالسَّابُورِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حُرِّمَ التَّفَاضُلُ وَحَيْثُ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ جَازَ التَّفَاضُلُ وَذَلِكَ هُوَ مرادنا هنا باتفاق الجنس واختلافه وكذلك الصنف الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ فَحَيْثُ اتَّفَقَ الِاسْمُ صَدَقَ أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَصِنْفٌ وَاحِدٌ وَحَيْثُ اخْتَلَفَ يُقَالُ جِنْسَانِ وَصِنْفَانِ فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَكَذَلِكَ اللَّوْنُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ (فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلا ماختلفت أَلْوَانُهُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التمر لا يجوز التفاضل بينهما من التمر والحنطة وما أشبههما تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَامِلِ خَيْبَرَ الْمُتَقَدِّمُ في الجمع والخصيب

(10/177)


وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ الْأَصْنَافُ فَحِينَئِذٍ الْجِنْسُ وَالصِّنْفُ وَاللَّوْنُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالجنس ههنا مَا يَتَعَارَفُهُ الْأُصُولِيُّونَ فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إنَّ قَوْلَنَا جِنْسٌ تَارَةً يَرْجِعُ إلَى اتِّفَاقٍ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالْإِبِلِ والبقر والغنم في اشتراكهما فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْإِجْزَاءِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَإِنَّهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ذَكَرَ فِي تَأْيِيدِ قَوْلِهِمْ فِي اللُّحُومِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ التسمية أولى لان الدليل المتقدم دل عليه وما سواه لم يقم دليل عَلَى اعْتِبَارِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الضَّابِطِ أَنْ يَكُونَ الطَّلْعُ وَالرُّطَبُ وَالتَّمْرُ أَجْنَاسًا لاختلافهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ (فَالْجَوَابُ) أَمَّا الطَّلْعُ فَإِنَّهُ اسْمٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ طَلْعُ النَّخْلَةِ كُلُّهُ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تُسَمَّى بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا فَهُوَ حِينَ كَانَ طَلْعًا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا بِلَا إشْكَالٍ للاتفاق في الاسم والحقيقة فحين انتقل شئ من الطلع إلى حالة يسمى فيهما تَمْرًا أَوْ رُطَبًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنه

(10/178)


جِنْسٌ غَيْرُ الطَّلْعِ لِأَنَّهُ هُوَ مَعَ تَبَدُّلِ صِفَتِهِ وَحَصَلَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ تَبَعًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْجِنْسِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالْيُبْسِ وَالرُّطُوبَةِ وَالتَّلَوُّنِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَخَصَّ مِنْ الطَّلْعِ فِي جَعْلِهَا أَجْنَاسًا لِأَنَّ الطَّلْعَ الَّذِي فَرَضْنَا الكلام طَلْعُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا تَبَدَّلَتْ حَالَاتُهُ فَالطَّلْعُ اسْمٌ خاص بتلك الذات ولا فرادها أَسْمَاءٌ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ وَهَذَا أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ مِنْ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ وَاخْتِلَافُ النَّوْعِ أَشَدُّ مِنْ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَإِنَّ النَّوْعَيْنِ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِيَّةِ ثَابِتٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ التَّمْرِ مَعَ الرُّطَبِ وَالطَّلْعِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ هُوَ الْحِنْطَةُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ تَبَدَّلَتْ صِفَتُهُ وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ إنَّمَا جُعِلَ مَنَاطَ اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الذَّوَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ أَمَّا مَعَ اتِّحَادِهَا فَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِ التَّابِعِ لِلصِّفَاتِ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّهُ مَعَ اخْتِلَافِهَا لَا أَثَرَ لِلِاتِّحَادِ الطَّارِئِ كَاللُّحْمَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي السَّلَمِ هل اختلاف

(10/179)


النوع كاختلاف الجنس والاصح أنه مثله وههنا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ لَيْسَ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ (قُلْتُ) الْقَوْلُ فِي السَّلَمِ أَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةٌ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ الا أن يكون بينهما من الاختلاف مالا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ وَأَمَّا الرِّبَوِيَّاتُ فَالْمُعْتَبَرُ مُسَمَّى الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّوْعَيْنِ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا فِي السَّلَمِ لَا يَأْخُذُ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ لَا نَجْعَلُهُمَا جِنْسَيْنِ بَلْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ نَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كُلُّهَا كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الْحِنْطَةِ كَالصَّعِيدِيِّ وَالْبُحَيْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الذَّهَبِ كَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الزَّبِيبِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ وَسَائِرِ أَصْنَافِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ حَدِيثُ بِلَالٍ الْمُتَقَدِّمُ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ) (فَائِدَةٌ) الْبَرْنِيُّ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ أَجْوَدُ التَّمْرِ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي السَّلَمِ إنَّ الْمَعْقِلِيَّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَرْنِيِّ إنَّهُ مُدَوَّرٌ أَصْفَرُ كَذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَدْوِيرٌ وَالْمَعْقِلِيُّ بِالْعِرَاقِ مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ نَهْرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَكِنْ لَا يُسْتَكْمَلُ الْغَرَضُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الضَّابِطِ وَتَحْرِيرِهِ إلَّا بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاشْتِبَاهُ فِي ذَلِكَ فَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْأَصْلِ والله المستعان
*

(10/180)


وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَقْصُودُهُ بِالِاسْمِ الِاسْمُ الْخَاصُّ الَّذِي مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَسَكَتَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ يُورَدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ فَإِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الِاسْمِ وَلَا يَرِدُ التَّمْرُ فَإِنَّ اسْمَ التَّمْرِ طَارِئٌ عَلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِهِ رُطَبًا وَكَذَلِكَ لَا يَرِدُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَإِنَّهُمَا يُذْكَرَانِ صِفَةً لَا اسْمًا فَيُقَالُ شاة ضانية وشاة ماعزة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وما اتخذ من أموال الربا كالدقيق والخبز والعصير والدهن تعتبر بأصولها فان كانت الاصول أجناسا فهى أجناس وان كانت الاصول جنسا واحد فهى جنس واحد)
* (الشَّرْحُ) لِمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الِاسْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
مَا يَكُونُ مُتَّحِدًا فِي أَمْوَالِ الرِّبَا كَالدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَسَيَأْتِي (أَمَّا) الْقِسْمُ الْأَوَّلُ كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ وَالْعَصِيرِ وَالْخُلُولِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأُصُولِهَا فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مختلفة في أنفسها وإشراكها في اسم علم وَهُوَ الدَّقِيقُ أَوْ الدُّهْنُ مَثَلًا لَا يُوجِبُ اتِّحَادَهَا كَمَا يَشْتَرِكُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ فِي الْحَبِّ وَلَيْسَا مُتَّحِدَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ اسْمًا يَخُصُّهُ بَلْ اكْتَفَتْ فِيهِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ الْمُتَمَيِّزِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاتِّحَادَ فِي الْجِنْسِ وَكَوْنُهَا مُخْتَلِفَةَ الْحَقَائِقِ نَاشِئٌ مِنْ أَجْنَاسٍ تُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فَاعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا

(10/181)


كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَدْهَانِ وَقَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالْأَذِرَّةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ مَعَانٍ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى مَا يَكُونُ يُشِيرُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إلَى مَا قُلْتُهُ وَمِنْ هَذَا الْكَلَامِ اسْتَفَدْتُهُ وَهُوَ أَسْهَلُ فِي التَّقْرِيرِ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ اتِّفَاقًا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ ثُمَّ يَدَّعِيَ اخْتِلَافَهُمَا لا خلاف أُصُولِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَقَدْ وَضَعُوا لِبَعْضِ الْأَدْهَانِ اسْمًا بِخُصُوصِهِ كَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ فَصَارَ اخْتِلَافُهُمَا لِأَمْرَيْنِ اخْتِلَافِ اسْمِهِمَا الْخَاصِّ وَاخْتِلَافِ أَصْلِهِمَا وَبِهَذَا يَزُولُ اعْتِرَاضُ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الِاسْمَ فَالْأَدِقَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كُلٌّ مِنْهَا مُتَّحِدَةُ الِاسْمِ فهذه كانت جنسا واحد وَسَنَذْكُرُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ خِلَافًا ضَعِيفًا وَكَذَلِكَ فِي الْعَصِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا يقتضيه هذا الاصل الممهد والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فعلى هذا دقيق الحنطة ودقيق الشعير جنسان وخبز الحنطة وخبز الشعير جنسان ودهن
الجوز ودهن اللوز جنسان)
*

(10/182)


(الشرح) هذا التفريع على ذلك الاصل لاخفاء فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَسْأَلَتَيْ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْأَخْبَازُ أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ ادَّعَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فِي الادقة قال الْمَحَامِلِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ فِي حَرْمَلَةَ كَلَامًا يُؤَدِّي إلى أنها جنس واحد وليس بشئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْأَدِقَّةِ حِكَايَةُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ فَلَا يُجْزَمُ بِإِثْبَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ وَتَأَمَّلَ مَعْنَاهُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ قَوْلًا وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ خِلَافُهُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَيُبَاعُ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رُطَبًا أَوْ يَابِسًا بِيَابِسٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ وُجُودُ التَّفَاضُلِ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ ثَبَتَ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي بَيْعِ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِهَا وَخُبْزِهَا بِخُبْزِهَا وسيأتى

(10/183)


حكمهما فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الطَّرِيقَةَ الْجَازِمَةَ بِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُرْضِيَةُ وَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ غَرَضُ الَّذِي خَرَّجَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ إلَّا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَدِقَّةِ فَنَقُولُ الدَّقِيقُ عَيْنُ أَجْزَاءِ الْحَبِّ وَلَكِنَّهَا مَجْمُوعَةٌ فَتَفَرَّقَتْ وَالدُّهْنُ الْمُعْتَصَرُ وَإِنْ كَانَ فِي أصله ولكنه في ظن الناس كالشئ الْمُحَصَّلِ جَدِيدًا وَقَدْ تَجِدُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بالخبز والمراد به ما إذا كانا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ حَكَوْا ذَلِكَ عَنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَزَيَّفُوهُ (وَأَمَّا) الْقَوْلُ التَّفْصِيلِيُّ فَقَدْ قَسَّمَهَا الْأَصْحَابُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ دُهْنٌ يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلدَّوَاءِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلطِّيبِ وَدُهْنٌ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَلَا لِلدَّوَاءِ وَلَا لِلطِّيبِ فَالْأَوَّلُ الْمُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَدُهْنِ الجوز واللوز الحلو وَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الصَّنَوْبَرِ وَالْبُطْمِ وَالْخَرْدَلِ وَالْحَبَّةِ الْخَضْرَاءِ
فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال

(10/184)


فِيهَا وَفِي الْخُلُولِ قَوْلَانِ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَعْنِي الْأَدْهَانَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى فَسَادِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* إذا ثبت هذا فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ جِنْسِهِ جَازَ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْحُلُولِ وَالتَّمَاثُلِ وَالتَّقَابُضِ لَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الشَّيْرَجَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطيب ذلك أيضا عن ابن أبى اسحق وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ خِلَافٌ وَمِمَّنْ أَثْبَتَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَجَانُسِ الْأَدْهَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ لِلدَّوَاءِ كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَاللَّوْزِ المر وَنَوَى الْمِشْمِشِ وَنَوَى الْخَوْخِ وَعَدَّ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْحَبَّةَ الْخَضْرَاءَ وَأَبُو الطَّيِّبِ الْخَرْدَلَ فَهَذَا رِبَوِيٌّ كَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَحُكْمُ هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ أَجْنَاسًا حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ بِجِنْسِهِ حَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ حَلَّتْ الْمُفَاضَلَةُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ وَمُقْتَضَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا

(10/185)


وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ صَرِيحًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ فِيهِ وَدُهْنُ كُلِّ شَجَرٍ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ بَعْدَ الَّذِي وَصَفْتُ وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شئ مِنْهُ الْفَضْلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ حَلَّ الْفَضْلُ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَجُزْ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةٌ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللوز المر وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الطِّيبُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلُوفَرِ والخيرى والزنبق فَهَذَا كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمِيعِ السِّمْسِمُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّهُ ليس بمأكول وقد تقدم ذلك في كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْبَابِ
وَإِنَّمَا أَعَدْنَا ذَلِكَ هُنَا لِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِيهِ وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِعِزَّتِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الرِّبَا كَالزَّعْفَرَانِ هُوَ مَطْعُومٌ وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ لِلصَّبْغِ وَالطِّيبِ فَيُبَاعُ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مُتَمَاثِلًا وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْنَافًا وَيُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ هذه الادهان بعضها ببعض لانه ليس ههنا مع الدهن شئ وَإِنَّمَا الْوَرْدُ يُرْتَبُ بِهِ السِّمْسِمُ فَيُفْرَشُ السِّمْسِمُ وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يُطْرَحُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أَبَدًا حَتَّى يَطِيبَ ثُمَّ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الدُّهْنُ فَلَا يَكُونُ مَعَ الدُّهْنِ غَيْرُهُ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الدُّهْنَ مُسْتَخْرَجٌ أَوَّلًا ثُمَّ يُطْرَحُ أَوْرَاقُهَا فِيهِ حَتَّى يَطِيبَ أَوْ يُطْبَخَ مَعَ الْوَرْدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بيع الشيريج بالشريج وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا يَظْهَرُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الدُّهْنَ مَوْزُونًا أَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُ مَكِيلًا فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ الدُّهْنُ مِنْ الْأَوْرَاقِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمِكْيَالِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي تماثله والله أعلم (الضرب الرابع) مالا يُتَنَاوَلُ أَدَمًا وَلَا دَوَاءً وَلَا هُوَ طِيبٌ كَدُهْنِ بَذْرِ الْكَتَّانِ الْمَقْصُودِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِيمَا شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والصحيح المشهور انه لاربا فِيهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ طَرِيًّا وَيُقْلَى بِهِ السَّمَكُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إنَّ مَا كَانَ مِنْ هذه الادهان

(10/186)


لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرِّبَا وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا فَبَقِيَ تَحْقِيقُ مَنَاطِ أَنَّ هَذَا هَلْ يُؤْكَلُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَعَلَّلَهُ في المهذب بأن دهن السمك يأكله الملاحون ودهن بزر الْكَتَّانِ يُؤْكَلُ أَوَّلَ مَا يُسْتَخْرَجُ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَقْسَامُ الدُّهْنِ وَالْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَجَعَلَهَا أَرْبَعَةَ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَأْكُولَةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهَا الرِّبَا اعْتِبَارًا بِأَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (الثَّانِي) مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَأْكُولٍ كَدُهْنِ الْمَحْلَبِ وَالْبَانِ وَالْكَافُورِ فَلَا رِبَا فِيهَا (الثالث) ماهى فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عُرْفًا كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْيَاسَمِينِ لَكِنَّهَا
مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ وَهُوَ السِّمْسِمُ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ وكذلك دهن السمك وَأَمَّا دُهْنُ الْبَذْرِ وَالْقُرْطُمِ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِهَا هَلْ هِيَ مَأْكُولَةٌ يَثْبُتُ الرِّبَا فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيهَا الرِّبَا فَفِي أَدْهَانِهَا وَجْهَانِ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ (الرَّابِعُ) مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ لَكِنَّهَا بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولًا كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَالْقَرْعِ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ نَظَرًا إلَى أَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (قُلْتُ) قَوْلُهُ فِي الْقَرْعِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ وَيَعْنِي به حب الْقَرْعَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ دُهْنُ اللَّوْزِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْحُلْوَ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا مِنْ الْقِسْمِ

(10/187)


الْأَوَّلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمُرُّ وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا بِجَرَيَانِ خِلَافٍ فِيهِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي دُهْنِ الْخِرْوَعِ الْمَأْكُولِ لِلتَّدَاوِي الْمُتَّخَذِ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا لا يكون مما نحن فيه والله عز وجل أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَدْهَانِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا نَحْكِيهِ عَنْهُ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ وَدُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلُّ دُهْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فاختلف مايخرج مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ أَوْ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَوْ تلك العجمة فهو صنف واحد ولايجوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ حَبِّهِ أَوْ ثَمَرِهِ أَوْ عُجْمِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ نَسِيئَةً ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ يَفْتَرِقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا كَهُوَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْوَدَكِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَذَلِكَ الشَّحْمُ غَيْرُ الْمُذَابِ بِالسَّمْنِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْلَهُ سَاعَتَئِذٍ فَيَجُوزُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُطَيَّبِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا إذَا اخْتَلَفَ طِيبُهُ وَقَالُوا
يَجُوزُ بَيْعُ مَكِيلِهِ مِنْ دُهْنِ الْوَرْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ دُهْنِ الْخَيْرِيِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ وَقَالُوا أَيْضًا يَجُوزُ الْمُطَيَّبُ بِغَيْرِ الْمُتَطَيِّبِ مُتَفَاضِلًا
*

(10/188)


(فَرْعٌ)
ذُكِرَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَلَفَ فِي الْحِيتَانِ وَالْأَجْبَانِ وَالْأَسْمَانِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ هَلْ هِيَ أَنْوَاعٌ أَوْ نَوْعٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ وَالْخُلُولُ وَحَصَلَتْ لِي رِيبَةٌ فِي نِسْبَةِ الرَّوْنَقِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْخُلُولِ وَالْأَدْهَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَرِيبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ لَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ السَّمْنَ مَعَ سَائِرِ الْأَدْهَانِ جِنْسَانِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَدْهَانِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّمْنِ يَعْنِي وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف قوله في زيت الزيتون وزيت الفجل فقال في أحد القولين هما جنس واحد لانه جمعهما اسم الزيت والثانى أنهما جنسان وهو الصحيح لانهما يختلفان في الطعم واللون فكانا جنسين كالتمر الهندي والتمر البرنى ولانهما فرعان لجنسين مختلفين فكانا جنسين كدهن الجوز ودهن اللوز)
* (الشَّرْحُ) اخْتِلَافُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ قَالَ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ بالحنطة والتمر بالتمر وبرد مَا يُرَدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يعصر من الفجل دهن يمسى زَيْتَ الْفُجْلِ وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلَادِنَا يُعْرَفُ له اسم بأمه ولست أعرفه يمسى زَيْتًا إلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ لَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ

(10/189)


مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الزَّيْتُ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ فِي طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وَهُوَ فَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَلَّا يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا مِنْ الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ رَجُلٌ
أَكَلْتُ زَيْتًا أَوْ اشْتَرَيْتُ زَيْتًا أَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُ دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرُ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ من كل واحد مِنْهُمَا وَالْأَصْحَابُ عَادَتُهُمْ إذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله مثل هذا التردد يجعلوه تَرَدُّدَ قَوْلٍ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وقد قال المحامدى إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَعَلَّ نَصَّهُ هُنَاكَ أَصَرْحُ مِنْ هَذَا وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَقَالَ فِيهِ فَزَيْتُ الزيتون صنف زيت الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ جَزَمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بزيت الفجل بزيت الْفُجْلِ بِالسَّمْنِ مُتَفَاضِلًا وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحَهُ فَلَا جَرَمَ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الزَّيْتُ الْمَعْرُوفُ مَعَ زَيْتِ الْفُجْلِ جِنْسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمُهُمَا حكم اللحمان وقال الرويانى ان القول بأنها جِنْسَانِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَرْجِيحِهِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ إلَى مَنْعِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَأَنَّ زَيْتَ الْفُجْلِ لَا يُسَمَّى زَيْتًا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأَدْهَانِ الَّتِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ ما يستعمل فيه الزيت أطلق عليه اسْمَ زَيْتٍ أَيْ مَجَازًا هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَحْثِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّقِيقِ وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا انْتَفَى وَضْعُ الْخَاصِّ لَهُمَا وَكَانَا مَعَ

(10/190)


ذَلِكَ مُخْتَلِفَيْ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَالشَّجَرَةِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَاسَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ وَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ بِجَامِعٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ جَزْمًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهٌ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ وَلَعَلَّ شُبْهَةَ ابْنِ القطان أنه ظن اشتراكهما في الاسم الْخَاصِّ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّيْتِ وَجَوَابُهُ يَشْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيِّ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ التَّمْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُقَيَّدًا فيقال تمر هندي وعند الاطلاق يتبادر الذهن إلَى التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ لَا إلَى الْهِنْدِيِّ فَلَمْ يَكُنْ اسْمُ التَّمْرِ
مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُوجِبُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ بِالدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الزَّيْتِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا تَمْرٌ هِنْدِيٌّ مُقَيَّدًا بِخِلَافِ الزَّيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ مُجَرَّدًا فَلَا يَحْسُنُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَتَخْرِيجُهُ عليه وقد وقع في الكلام أبى محمد عبد الله بن يحيى الصغير عَلَى الْمُهَذَّبِ أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ لَمْ يَدْخُلْ الرِّبَا فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَاللُّحُومِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَلَعِيُّ فِي احْتِرَازَاتِهِ قَوْلُهُ فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ السَّمْرَاءِ فَإِنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ تَأْكِيدٌ لَا احْتِرَازَ فِيهِ فَإِنَّ تَغَايُرَ الْجِنْسِيَّةِ وَتَعَدُّدَهَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا ضَرُورَةً وَقَدْ أَفَادَ ابْنُ الصَّعْبِيِّ أَنَّ فِي مُخْتَلِفَيْنِ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ حَاصِلٌ قَبْلَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمِ الزَّيْتِ أَيْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ هُوَ عِلَّةُ التَّعَدُّدِ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا فِي الْأَصْلِ فيسير فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِعِلَّةِ التَّعَدُّدِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَنَاطِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ إنْ فُقِدَ فِي الْفَرْعِ فهو موجود في الاصل (فائدة) السليط الشيرج والجلجلان السِّمْسِمُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْبِطِّيخِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْهِنْدِبَاءِ وَالْقِثَّاءِ مَعَ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْبُقُولُ كَالْهِنْدِبَاءِ وَالنَّعْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا أَجْنَاسٌ

(10/191)


(إذَا قُلْنَا) بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَكُسْبُهُ جِنْسَانِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كَالْمَخِيضِ وَالسَّمْنِ وَفِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ خَلِّهِ وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لا فراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود في السكر الفانيد وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ قَصَبِهِمَا وَكَذَا السُّكَّرُ النَّبَاتُ والطَّبْرَزْدُ جِنْسٌ وَاحِدٌ (1) وَفِي السُّكَّرِ الاحمر وهو القوالب وهو عكى الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَئِمَّةِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّفَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الذُّرَةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ الذُّرَةُ المعروفة بيضاء اللون كثيرة الحبات والذى تُعْرَفُ بِالدَّخَنِ صَغِيرَةُ الْحَبَّاتِ صَفْرَاءُ اللَّوْنِ إلَّا أَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَيَتَقَارَبَانِ فِي الطَّعْمِ وَالطَّبْعِ وَأَنْوَاعُ الْعِنَبِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى إنَّ الْمِشْمِشَ مَعَ سَائِرِ الْأَعْنَابِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْكُمَّثْرَى وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلُ وَالتُّفَّاحُ وَالْمِشْمِشُ أَنْوَاعٌ
كُلٌّ مِنْهَا جِنْسٌ وَأَنْوَاعُ الْبِطِّيخِ جِنْسٌ وَاحِدٌ الْحُلْوُ وَغَيْرُ الْحُلْوِ فَإِنَّ الْبِطِّيخَ الَّذِي فِيهِ الْحَبَّاتُ السُّودُ وَيُعْرَفُ فِي الْعِرَاقِ بِالرِّيفِيِّ وَالرُّومِيِّ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ بالهندى مع البطيح الْمَعْرُوفِ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ فِيهِ وَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ مَعَ الْجَوْزِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خِلَافَ ابْنِ الْقَطَّانِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ مَعَ التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ الْمَعْرُوفُ مَعَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَلَامُهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ نَاقِلَ الْوُجُوهِ لا يخرج له والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف قوله في اللحمان فقال في أحد القولين هي اجناس وهو قول المزني وهو الصحيح

(10/192)


لانها فروع لاصول هي أجناس فكانت أجناسا كالادقة والادهان
(والثانى)
أنها جنس واحد لانها تشترك فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تحريم الربا فكانت جنسا واحد كالتمور وتخالف الادقة والادهان لان أصولها أجناس يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا فاعتبر فروعها بها واللحمان لا يحرم الربا في أصولها فاعتبرت بنفسها)
* (الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ فِي اللَّحْمِ مَشْهُورَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَطَائِرُهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ يَابِسًا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إلَى الْقَدِيمِ وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلَكِنْ فِي آخِرِهِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَتَوَهَّمْتُ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ فَرَأَيْتُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ نُسْخَةٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ إلَى الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْقَوْلُ فِي اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ ولحم الظباء صنف وَلَحْمَ كُلِّ مَا تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءٌ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ يُعْرَفُ أَسْمَاؤُهُ فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظباء ولحم أرانب
ولحم زرابيع وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ فِي الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجَلٍ وَلَحْمٌ مُعَاقَبٌ كَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ فِي

(10/193)


التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحْوَ وَرَقَةٍ ثُمَّ قَالَ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كَالتَّمْرِ كُلِّهِ صِنْفٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَهُ فِي الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجَامِعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْجَامِعُ مَعَ التَّمْرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الثِّمَارِ صنفا وهذا ما يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي فَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِلْزَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمٍ جَامِعٍ وَهَذَا يُنَبِّهُكَ عَلَى أن اسم اللحم اسم عام لاخاص وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ خَاصٌّ ثُمَّ يُقَرِّرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ بما سنذكره وتحقيق ذلك يؤول إلَى بَحْثٍ لَفْظِيٍّ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْخَاصِّ ما لم يوضع لما تحته من أن أنواعه اسما بِخُصُوصِهَا فَاسْمُ اللَّحْمِ عَلَى هَذَا خَاصٌّ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شَبِيهٌ بِالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ يَخُصُّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ أَسْمَاءٌ صادقة على ذلك الشئ وَيَكُونُ هُوَ أَخَصَّهَا كَالْحَبِّ وَالْحِنْطَةِ فَاسْمُ اللَّحْمِ

(10/194)


عَلَى هَذَا لَيْسَ بِخَاصٍّ وَأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ والحيوان والدواب وبهيمة الانعام لا يصدق شئ مِنْهَا عَلَى اللَّحْمِ حَالَةَ كَوْنِهِ لَحْمًا عَلَى أَنَّ تَقْسِيمَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمَتْهُ آنِفًا يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجْرِيَ كَلَامُهُ هُنَا وَفِي الْأَدْهَانِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْأَدْهَانَ مِمَّا لَا يُوضَعُ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَالَةَ كَوْنِهَا دُهْنًا اسْمُ مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ بَلْ تُذْكَرُ مُضَافَةً إليه كما بذكر اللَّحْمُ مُضَافًا إلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ فَإِنْ جَعَلْنَا اسْمَ اللَّحْمِ لَيْسَ بِخَاصٍّ سَهُلَ النَّظَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِثْبَاتُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَإِنْ جعلناه خَاصًّا فَقَدْ وَجَّهَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ أَنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلُهُ هُنَا إنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَلَمْ يَقُلْ فُرُوعٌ لِأَجْنَاسٍ كَمَا قَالَ وَلَا قَالَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذلك أن كون الزيتون والفجل
جنسين لاشبهة فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانَاتِ أَجْنَاسًا فَتَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ ثُمَّ قَالَ هِيَ أَجْنَاسٌ وَهَذَا فِي حُكْمِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ كَذَلِكَ اسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمَّا كَانَ زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الزَّيْتِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الدُّهْنِ وَذَلِكَ يُوهِمُ اتِّحَادَهُمَا احْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَ التَّبَايُنَ فِي أُصُولِهِمَا بِقَوْلِهِ مُخْتَلِفَيْنِ وَاللُّحْمَانُ كُلُّهَا إنَّمَا تَتَمَيَّزُ بِالْإِضَافَةِ كَبَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ اعْتَنَى بِإِثْبَاتِ أَنَّ

(10/195)


أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى زِيَادَةِ لَفْظِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ وَهَذَا مِنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَطْعٌ بِأَنَّ اللُّحْمَانَ أَصْنَافٌ وَقَدْ قَطَعَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلُحُومُهَا الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَلْبَانِ بِالِاخْتِلَافِ أَوْلَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِنْ هُنَا نَسَبَ الْأَصْحَابُ إلَى الْمُزَنِيِّ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ يَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْقَطْعِ بِهِ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَجْلِ أَنَّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي مَأْخَذِهِ غَيْرُ خَالٍ عَنْ احْتِمَالٍ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي اسْمٍ خَاصٍّ كَالتَّمْرِ وَالْبُرِّ وَاشْتِرَاكُ التمر

(10/196)


وَالزَّبِيبِ فِي اسْمٍ عَامٍّ وَهُوَ الثَّمَرَةُ وَبِهِ يَنْقَطِعُ الْإِلْزَامُ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي حِكَايَةَ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ احْتِرَازٌ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ عَامٍّ كَالْحَبِّ وَالثَّمَرَةِ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا احْتِرَازٌ مِنْ الْأَدِقَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُنِعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ الدَّقِيقُ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ أَوَّلَ حَالِ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي حَبَّاتِهَا وَلَا يَشْتَرِكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقِيَاسُهُ عَلَى التُّمُورِ قَالَ الْقَاضِي ان اصحابنا يقيسون على التمر أنه لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الرِّبَا يَسْبِقُ كَوْنَهُ رُطَبًا وبسرا وتمرا وخلا لان الطَّلْعَ مَطْعُومٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ أَوَّلُ حَالَيْهِ فَوَجَبَ بِأَنْ يُقَاسَ عَلَى الطَّلْعِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ الطَّلْعُ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ

(10/197)


وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الطَّلْعَ اسْمٌ لِطَلْعِ النَّخْلَةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا (وَأَمَّا) إطْلَاقُهُ عَلَى الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَمِنْ بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُتَّجَهْ قَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَشْيَاءَ تَشْتَرِكُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ دُخُولِ الرِّبَا فَلَا جَرَمَ وَاَللَّهُ أعلم لم يعتمد المصنف ماقاله القاضي أبو الطيب مع هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ كَوْنِهِ شَيْخَهُ وَمُعْتَمَدَهُ وَاعْتَمَدَ ماقاله الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي فَجَوَابُهُ أَنَّ أَنْوَاعَ التَّمْرِ مُشْتَرِكَةٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الربا بكون كل منها طلعا ثُمَّ يَصِيرُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا ثُمَّ يَصِيرُ تَمْرًا وَفِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ يَصْدُقُ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ الِاسْمُ خَاصٌّ فَصَحَّ أَنَّ أَنْوَاعَ التُّمُورِ تَشْتَرِكُ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا إلَى

(10/198)


آخِرِهَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ هُوَ إمَّا طَلْعٌ وَإِمَّا رُطَبٌ وَإِمَّا تَمْرٌ فَإِنَّ ثَلَاثَتَهَا أَنْوَاعٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا تَشْتَرِكُ فِي اسْمِ التَّمْرِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي وَهُوَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْسُنُ الِاحْتِرَازُ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْأَدِقَّةِ فَإِنَّ دَقِيقَ الْقَمْحِ وَدَقِيقَ الشَّعِيرِ مَثَلًا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حِينَ صَارَا دَقِيقًا وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا قَمْحًا وَهَذَا شَعِيرًا لَيْسَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ لَا دَقِيقٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا شَعِيرٍ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الْحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَبَعْدَ أَنْ حَرَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْقِيَاسَ عَلَى الطَّلْعِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلْعَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ لِأَنَّ أُصُولَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْأَصْنَافِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللُّحُومُ فَإِنَّ أُصُولَهَا أَصْنَافٌ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِأُصُولِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَلْبَانِ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ طَرِيقَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُمَا وَلَعَلَّ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّهَا كَاللُّحْمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُخَالِفُ الْأَدِقَّةَ وَالْأَدْهَانَ إلَخْ مَقْصُودُهُ
بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ تَحْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّ الْفَرْقَ أَبْدَى مَعْنًى فِي احدى الصورتين مفقود فِي الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ كَوْنُ أُصُولِهَا أَجْنَاسًا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضِ مُتَفَاضِلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ مَفْقُودًا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا جَوَازُ التَّفَاضُلِ وَعَدَمُ حُرْمَةِ الرِّبَا تَضَادٌّ فَكَانَتْ الْمُقَابَلَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ رِبَوِيَّةٌ بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ هَكَذَا صَنَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرِّبَا فِي الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ مَعْلُومًا سَكَتَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ أَنَّهُ فِي

(10/199)


ذَلِكَ الْمَحِلِّ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا وَلِهَذَا صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فَإِنَّهُ أَثَرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِيهَا فَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ مُعْتَبَرًا فِيهَا اُعْتُبِرَ فِي فُرُوعِهَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِيهَا فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا فَنَبَّهَ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ كَوْنُهُ فِي مَحِلٍّ رِبَوِيٍّ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهَا لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ تَكُنْ رِبَوِيَّةً لَا يَصِحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا ضَرُورَةً فَكَأَنَّهُ نَفَى الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بِدَلِيلِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللُّحْمَانَ لَا تُعْتَبَرُ فِي أُصُولِهَا فِي كَوْنِهَا أَجْنَاسًا بِخِلَافِ الْأَدِقَّةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِهِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ إذْ كُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ رِبَوِيٌّ قَطْعًا فَثُبُوتُ حُكْمِ الرِّبَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَالْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ أُصُولَ اللُّحْمَانِ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالرِّبَا فَإِنَّ حُكْمَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَالْأَصْنَافِ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُضَمُّ إلَى الشَّعِيرِ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونَانِ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الرِّبَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ تَبَيَّنَ إلْغَاءُ الْفَرْقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لِكَوْنِهَا جِنْسًا أَنَّ جَعْلَ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ الطَّلْعُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ

(10/200)


عَنْهُ وَأَنَّ جَعْلَ الْقِيَاسِ عَلَى التُّمُورِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ أَصْلُ كُلٍّ مِنْهَا لَيْسَ جِنْسًا مُخَالِفًا لِأَصْلِ الْآخَرَ لِأَنَّ أَصْلَهَا التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالطَّلْعُ وهو شئ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أُصُولٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّ لَهَا أُصُولًا مُخْتَلِفَةً كُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ مُسْتَقِلٌّ فَاعْتُبِرَ بِهِ فَقَدْ تَحَرَّرَ الْمَذْهَبُ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَنَّ اللُّحْمَانَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجَدِيدِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فقال الصحيح أنها جنس واحد وكذلك الجوزى فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ المصنف في الثلث عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لِكَوْنِهَا أَجْنَاسًا فَقَالَ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَصْفِ فَإِنَّ

(10/201)


الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ وَالْمَرْوِيَّةَ عِنْدَهُمْ أَجْنَاسٌ وَإِنْ كَانَتْ فروعا لجنس واحد هذا السؤال يُسَمَّى بِعَدَمِ التَّأَثُّرِ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يُعْدَمَ الحكم لعدم العلة وقد تتعحب مِنْ الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ اسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَأَجَابَ عن دليل الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ صَرَّحَ بتصحيح القول الاول ولاعجب وَالسَّبَبُ الدَّاعِي لِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الْمَذْهَبِ فَهُوَ مَقْصُورٌ فِي الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ كَالصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ مَعْنٍ صَاحِبُ التَّنْقِيبِ عَلَى الْمُهَذَّبِ فَقَالَ قَوْلُهُ مُشْتَرِكٌ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمَهَا لَا يُتَلَقَّى مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الرِّبَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَإِذَا كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا كَانَتْ أَجْنَاسًا إذَا دَخَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يظهر جوابه مما تقدم اللحمان - بِضَمِّ اللَّامِ - وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ كَلَامُ ابْنِ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَمْعٌ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّحْمُ وَاللُّحْمُ لُغَتَانِ والجمع ألحم ولحوم ولحام ولحمان
*
(فصل)
في ذكر مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَالصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفَصَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا لُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ صِنْفٌ وَلُحُومُ الطَّيْرِ
كُلِّهِ صِنْفٌ وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْمَاءِ كُلِّهَا صِنْفٌ فَهِيَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ وَالرُّجُوعَ إلَى الْعَادَةِ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِبِلُ

(10/202)


وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْوُحُوشُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ مِنْ لُحُومِهَا وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا صِنْفٌ إنْسِيُّهَا وَوَحْشِيُّهَا لَا يَصْلُحُ مِنْ لَحْمِهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَالْحِيتَانُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا بأس بلحم لحيتان بلحم البقر مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ واحد كأحد قولى الشافعي
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان قلنا إن اللحم جنس واحد لم يجز بيع لحم شئ من الحيوان بلحم غيره متفاضلا وهل يدخل لحم السمك في ذلك فيه وجهان وقال أبو إسحق يدخل فيها فلا يجوز بيعه بلحم شئ من الحيوان متفاضلا لان اسم اللحم يقع عليه والدليل عليه قوله تعالى (لتأكلوا منه لحما طريا) ومن أصحابنا

(10/203)


من قال لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب لانه لا يدخل في اطلاق اسم اللحم ولهذا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بأكل لحم السمك)
* (الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا إنَّ اللُّحْمَانَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالْوُحُوشِ كُلِّهَا وَالطُّيُورِ كُلِّهَا جَمِيعُ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ والاهلى لا يجوز بيع شئ مِنْهُ بِآخَرَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يُبَاعُ لحم العصفور بحلم الْجَمَلِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّتُهَا وَهَكَذَا تَحْرُمُ الْبَحْرِيَّاتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْفُورَانِيُّ بَلْ أَوْلَى وَلَعَلَّ الْأَوْلَوِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأُصُولِهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِخِلَافِ لُحْمَانِ الْبَرِّ فَإِنَّ أُصُولَهَا ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) السَّمَكُ مع البريات ففيه وجهان حكاهما العراقيون والخراسانيون
(أحدهما)
وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ اللُّحُومِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَمَنْ قَالَ
بِهَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ فِي الْحِيتَانِ إنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمِنْ كل تأكلون لحما طريا) وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي

(10/204)


الْكِتَابِ وَهِيَ أَنَصُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِيهَا اللَّحْمَ عَلَيْهِ بِصَرَاحَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَمِنْ كل تأكلون) فأطلق فيها على مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَعًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّغْلِيبِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطبري واختيار الشيخ ابى حامد الاسفراينى والمصنف والمحاملى وقال انه الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اللُّحُومِ وَأَنَّهَا مَعَهَا جِنْسَانِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَعَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ لَهَا اسْمًا أَخَصُّ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ السَّمَكُ وَحَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّهُ أَلْزَمَ مَنْ قَالَ اللُّحْمَانُ صِنْفٌ أَنْ يكون السمك مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يَرْتَضِ أَبُو الطيب هذا وحمل قول الشافعي وهذا مالا يجوز لاحد ان يقوله على التمر (1) قد تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ وَأَجَابَ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كَوْنِ السَّمَكِ أَخَصَّ بِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ بِدَلِيلِ الْآيَةِ وَالرَّاجِحُ ماقاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَلَا دَلَالَةَ لِأَبِي الطَّيِّبِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ اسْمِ اللَّحْمِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَامِعًا لَكِنَّهُ عن الاطلاق
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/205)


يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى مَا سِوَى لَحْمِ السَّمَكِ وَالْآيَةُ فِيهَا قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ إرَادَتَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَحْرِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقًا وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى السَّمَكِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِهِ لَحَنِثَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ صِدْقَ اللَّحْمِ عَلَى لَحْمِ السَّمَكِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَقَيَّدُ بِمَا عَدَا السَّمَكَ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يكون إطلاق الشئ يَدُلُّ عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَا يُسَمَّى مَاءً والله أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَنَّ السَّمَكَ لَا يُضَافُ لَحْمُهُ إلَيْهِ فَلَا يُقَالُ لَحْمُ سَمَكٍ وانما يقال سمك فلا ينطاق عَلَيْهِ
اسْمُ اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَ مِنْ اللُّحْمَانِ لَصَحَّ أَنْ يُضَافَ بِاسْمِ اللَّحْمِ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَالُ لَحْمُ السَّمَكِ كَمَا يُقَالُ لَحْمُ الْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ انه ليس من جهة اللُّحْمَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ اللُّحْمَانُ كُلُّهَا صِنْفَيْنِ فَلُحُومُ حَيَوَانِ الْبَرِّ عَلَى اخْتِلَافِهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلُحُومُ حِيتَانِ الْبَحْرِ عَلَى اختلافها

(10/206)


صِنْفٌ وَاحِدٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ إنَّمَا فَرَضُوهُ فِي السَّمَكِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَفِي الْبَحْرِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَهَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي جَمِيعِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فِيهَا أَمَّا الْفُورَانِيُّ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ ذَلِكَ الْخِلَافِ وَأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي لُحْمَانِ الْبَرِّ مَعَ لُحْمَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مُخَالِفَةٌ لِحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ بَعْضُهَا مَعَ بعض ففيها خلاف وجهان أو قولان مَبْنِيَّانِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ عَلَى أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ هَلْ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ حَتَّى يَحِلَّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الماء وكلبه أولا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ كَانَتْ كُلُّهَا جِنْسًا وَاحِدًا ذَا أَنْوَاعٍ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ لَا يشمل الجميع فالحوت مع مالا يُسَمَّى حُوتًا جِنْسَانِ وَمَا عَدَا الْحُوتِ أَجْنَاسٌ أَيْضًا فَغَنَمُ الْمَاءِ وَبَقَرُهُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ جِنْسَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ اسْمُ السَّمَكِ فَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بناء

(10/207)


وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَفَصَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ فَأَمَّا سَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسَانِ فَسَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَيْضًا جِنْسَانِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْكُلَّ هَلْ يُسَمَّى سَمَكًا أَمْ لَا وَفِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْكُلُّ يُسَمَّى سَمَكًا فَحُكْمُ الْكُلِّ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَاسٌ مختلفة (قلت) والاصح على ماقاله صحاب التَّهْذِيبِ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى سَمَكًا فَلِذَلِكَ أَتَى
الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ السَّمَكِ لِشُمُولِهِ لِلْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُنَاقَشَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِي اسْتِثْنَاءِ السَّمَكِ أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا السَّمَكُ مِنْ جِنْسِ لُحُومِ الْبَرِّ فَبَقِيَّةُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ فَفِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أن الكل يسمى سمكا أولا (وإن قلنا) يسمى سمكا فحكمها حكم السمك فيكون جنسا آخر (وان قلنا) لا يمسى سَمَكًا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ لِعَدَمِ الِاسْمِ الْخَاصِّ أَعْنِي أَنَّ لَحْمَهَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ بخصوصه

(10/208)


فان صح هذا الترتيب فيجئ فِي حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
جِنْسٌ آخَرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّ غَيْرَ السَّمَكِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ وَالسَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَوْجُهٍ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَحُكْمُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ
* (فَرْعٌ)
عَنْ التَّتِمَّةِ عَلَى قول أبى اسحق
* الْجَرَادُ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَالسَّمَكِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَادِ وَصُورَتُهُ لَيْسَتْ صُورَةَ اللَّحْمِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي على في ان السمك لايدخل فِي اللَّحْمِ فَالْجَرَادُ هَلْ يَلْحَقُ بِحَيَوَانِ الْبَحْرِ لِحِلِّ مَيْتَتِهِمَا وَلِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَخَّصَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ * قال المصنف رحمه الله
* (فان قلنا أن اللحوم أجناس جاز بيع لحم كل جنس من الحيوان بلحم جنس آخر متفاضلا فيجوز بيع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا ولحم بقر الوحش بلحم بقر الاهل لانهما جنسان ولايجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز ولا لحم البقر بلحم الجواميس متفاضلا لانهما نوعان من جنس واحد)
*

(10/209)


(الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَحْرِيَّ مَعَ الْبَرِّيِّ جِنْسَانِ وَمِمَّنْ صرح به الرافعى فاما البرى مَعَ الْبَحْرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ إلَخْ وَبَسَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَالُوا الْأَهْلِيَّاتُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ مَعَ الْوَحْشِيَّاتِ جِنْسَانِ لِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَجْنَاسٌ فَلُحُومُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ بَخَاتِيُّهَا وَعِرَابُهَا وَأَرْحَبِيُّهَا وَنَجْدِيُّهَا وَمَهْرِيُّهَا وَسَائِرُ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ عِرَابُهَا
وَجَوَامِيسُهَا وَدَرَنَانِيُّهَا هَكَذَا رَأَيْتهَا مَضْبُوطَةً بِخَطِّ سُلَيْمٍ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ - وَالْغَنَمُ الْأَهْلِيَّةُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا جِنْسٌ وَالْوُحُوشُ أَجْنَاسٌ فَالظِّبَاءُ جِنْسٌ مَا تَأَنَّسَ مِنْهَا وَمَا تَوَحَّشَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبَقَرُ الْوَحْشِ صِنْفٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَنْصَرِفُ إليها عند الاطلاق وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا جِنْسَانِ وَالضِّبَاعُ جِنْسٌ وَالْأَرَانِبُ جِنْسٌ وَالثَّعَالِبُ جِنْسٌ وَالْيَرَابِيعُ جِنْسٌ وَالْوَحْشِيُّ مِنْ الْغَنَمِ جِنْسٌ غَيْرُ الْغَنَمِ الْإِنْسِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصباغ وقالا إنَّ الْوَحْشِيَّ مِنْ الْغَنَمِ هُوَ الظِّبَاءُ وَالْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ صِنْفٌ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي الْإِبِلِ وَحْشِيٌّ وَفِي الظِّبَاءِ مع الابل - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ - تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَيَسْتَقِرُّ جَوَابُهُ عَلَى أَنَّهُمَا كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّ الظِّبَاءَ والابل تَلْحَقُ بِالْغَنَمِ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهُ وَالتَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْمَعْزِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرِ الوحشى مع الانسى وهذا موافق مذكورا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى لَحْمِ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ بِالْوَحْشِيِّ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُجْعَلُ جِنْسًا فِي الرِّبَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهِ قَرِيبًا وَالطُّيُورُ أَصْنَافٌ الْكَرَاكِيُّ صِنْفٌ وَالْإِوَزُّ صِنْفٌ وَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا

(10/210)


فاما لحم اللبح (1) فجنس واحد لحم العصفور لانه لا يسمى عصفورا قاله القاضى حسين صنف وَالْبَطُّوطُ صِنْفٌ وَالْفَوَاخِتُ صِنْفٌ وَالدَّجَاجُ صِنْفٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الرَّبِيعُ وَالْحَمَامُ صِنْفٌ والحمام كل ماعب وَهَدَرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَلَّذِي عِنْدِي الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَوَاخِتَ جِنْسٌ وَالْقَمَارِيَّ جِنْسٌ وَالدَّبَّاسِيُّ جِنْسٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو حامد اختيار جماعة أَصْحَابِنَا وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَعَنْ الرَّبِيعِ أَنَّ الْحَمَامَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ كل ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدُّبْسِيُّ وَالْفَاخِتُ وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وصاحب التهذيب قال الرافعى واستبعد أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا بِرَأْسِهِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا انْتَهَى
تَبَيُّنُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْحَمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ مِنْ الرَّبِيعِ بِأَنَّ الْيَمَامَ مِنْ جِنْسِ الْحَمَامِ لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْيَمَامَ وَالْقُمْرِيَّ وَالْفَاخِتَ وَالدُّبْسِيَّ وَالْقَطَا كُلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي اسْمِ الْحَمَامِ وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَا إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ مِنْ الْحَمَامِ فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا اقْتَضَى مَجْمُوعُ هَذَيْنِ أَنَّ الْيَمَامَ بِالْحَمَامِ لَا يَجُوزُ متفاضلا فيكون كذا ولكن لابد فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّبِيعُ مُوَافِقًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَجِّ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ الرَّبِيعِ فِيهِ شَيْئًا مُوَافَقَةً وَلَا مُخَالَفَةً وَكَلَامُ الرَّبِيعِ الْآنَ فِيمَا يَحْضُرُنِي هُنَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْيَمَامِ تَحْتَ اسْمِ الْحَمَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ نَفْسِهِ اخْتِيَارًا فِي ذَلِكَ وَاسْتِبْعَادُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ دُخُولُهَا فِي اسْمِ الحمام في الحج
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/211)


كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا لَهَا اسما خاصا كَالْجَوَامِيسِ مَعَ الْبَقَرِ فَلَا جَرَمَ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطُّيُورِ لُحُومُ جِنْسِهَا صِنْفٌ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصباغ عن الربيع أنه قال ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الصَّبَّاغِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا انْفَرَدَ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا وَفِي الْأُمِّ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَمَامٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَفِي الْمُجَرَّدِ حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَأَنَّ الشَّيْخَ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ قَالَ هِيَ أَصْنَافٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَكَذَا السُّمُوكُ أَجْنَاسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَكَذَا بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ (وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ هُوَ صِنْفٌ لِأَنَّهُ ساكن الماء ولو زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَكَانَ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُوتَانِ فَكُلُّ مَا تَمَلَّكْته وَيَصِيرُ لَكَ فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ مِنْ آخَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ) هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْحِيتَانِ كُلُّ مَا اخْتَصَّ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ فَهُوَ صِنْفٌ وَقَالَ
الرَّافِعِيُّ وَفِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السُّمُوكِ وَكَذَا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أنها أجناس

(10/212)


كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى فِي لُحُومِ الْحِيتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ جَمِيعَهَا صِنْفٌ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إلَّا حِيتَانُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ كُلَّهُ مَأْكُولٌ حِيتَانُهُ وَدَوَابُّهُ وَمَا فِيهِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّمَكُ كُلُّهُ صنفا واحدا والنتاج صنفا وكلما اخْتَصَّ بِاسْمٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُ صِنْفًا (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشافعي رضى الله عنه المتقدم الآن صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُوتَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ (إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بأس ببعضها ببعض مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا) هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلٍ بَلْ أَطْلَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَبَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ آخَرَ فَجَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَا رَطْبَيْنِ أَمْ يَابِسَيْنِ أَمْ رَطْبًا وَيَابِسًا وَزْنًا وَجُزَافًا مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا إذَا كَانَ نَقْدًا يَدًا بِيَدٍ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَإِنَّمَا جَعَلَ بقر الوحش جنسا مخالفا للبقر لانه لا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْبَقَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ كَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ مَعَ التَّمْرِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ مَعَ الزيت وكذلك غنم الوحش مع الاهل وانما كانت الظباء جنسا وحشيها وَمَا تَأَنَّسَ مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْمَ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ (وَالضَّمِيرُ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى بَقَرِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْأَهْلِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى (أَمَّا) الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ نُفَرِّعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ

(10/213)


ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ الْعِرَابُ وَالْجَوَامِيسُ فَكَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجَوَامِيسَ اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا فَكَانَتْ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ لِنَوْعَيْ الْغَنَمِ لَا اسْمًا فَأَشْبَهَا الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ وَفِي النَّفِيسِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَإِنْ سَلَّمْنَا صِدْقَ الْبَقَرِ عَلَيْهَا فَذَلِكَ كَصِدْقِ الدُّهْنِ عَلَى الزَّيْتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْلُوفِ وَالرَّاعِي وَلَا بَيْنَ
الْمَهْزُولِ وَالسَّمِينِ (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى عِبَارَتِهِمْ أَنَّ السَّمَكَ مَعَ اللَّحْمِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ جِنْسَانِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ لُحُومُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَحْمَيْهِمَا أَمَّا السَّمَكَةُ الْكَامِلَةُ فَفِي بَيْعِهَا بِاللَّحْمِ حَيَّةً وَمَيِّتَةً كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْعُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ
* هَلْ الْجَرَادُ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ فِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَهُوَ مِنْ الْبَرِّيَّات أَوْ الْبَحْرِيَّات فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَاجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ وَاسْتَدَلَّ الرُّويَانِيُّ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبَحْرِيَّاتِ لِكَوْنِهِ نَقَلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ وَلِهَذَا حَلَّتْ مَيْتَتُهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ يَلْزَمُ الجزاء على المحرم بقتله
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل واللحم الاحمر والابيض جنس واحد لان الجميع لحم واللحم والشحم جنسان واللحم والالية جنسان والشحم والالية جنسان واللحم والكبد جنسان والكبد والطحال جنسان واللحم والكلية جنسان لانها مختلفة الاسم والخلقة)
* (الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي اللَّحْمِ الذى تخلتف صِفَتُهُ وَفِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ الْوَاحِدِ (فَأَمَّا) اللَّحْمُ الْمُخْتَلِفُ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ على القولين

(10/214)


أَنَّ اللَّحْمَ الْأَبْيَضَ السَّمِينَ وَاللَّحْمَ الْأَحْمَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَعْنِي (إنْ قُلْنَا) إنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) انها جِنْسَانِ فَإِذَا انْقَسَمَ لَحْمُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَى أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ كَانَ جِنْسًا وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْوَصْفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَبْيَضُ مِنْ جِنْسٍ وَالْأَحْمَرُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ أَصْلَيْهِمَا وَصِفَتَيْهِمَا وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ جِنْسٌ وَسَنَذْكُرُ خِلَافًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَنَّ مَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ أَوَّلًا وَمُقْتَضَى قَوْلِ من يجعله من جِنْسَ الشَّحْمِ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلَّحْمِ وَذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي حَقِيقَتِهِ هَلْ هُوَ لَحْمٌ أَبْيَضُ أَوْ شَحْمٌ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمِ التسمية (وأما) أعضاء الحيوان
الواحد كَالْكَرِشِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالرِّئَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّا إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَهَذِهِ أَوْلَى لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا جنس واحد فوجهان لان من حلف أن لا يَأْكُلَ اللَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ لَحْمَ السَّمَكِ أَجْنَاسٌ أَوْ هُوَ جِنْسٌ كَسَائِرِ اللَّحْمِ هَكَذَا عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَعَبَّرَ الْإِمَامُ عَنْهَا بِأَنَّا إنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكُلُّ مَا حَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ اللُّحْمَانِ وَفِيمَا لَا حِنْثَ بِأَكْلِهِ

(10/215)


وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي اللَّحْمِ الَّذِي مَعَ لُحُومِ الْحِيتَانِ وَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَالرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى اللَّحْمِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ وَحَكَى الْخِلَافَ مَعَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ شِئْت جعلت الخلاف مرتبا فتقول (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا جِنْسٌ فَإِنْ قُلْنَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى اللَّحْمِ بِهَا فَهِيَ جِنْسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحْنَثُ فَفِي الْمُجَانَسَةِ وَجْهَانِ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَقْرَبُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى مَعَ عَدَمِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ جَزَمَ بِالِاخْتِلَافِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِالِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللحوم جنس واحد ولو تَحَقَّقَ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ طَرِيقَةً ثَالِثَةً فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ رَدِيئَةٌ لَمْ أَرَهَا إلَّا لِشَيْخِنَا حَكَاهَا عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ فَلَا أعدها من المذهب

(10/216)


أنا إنْ جَعَلْنَا اللُّحُومَ جِنْسًا وَاحِدًا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُجَانِسَةٌ لَهَا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا أَجْنَاسًا فَوَجْهَانِ لِاتِّحَادِ الْحَيَوَانِ وَصَارَ كَلَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِهِ قَالَ الرافعى وكيفما قدر فظاهر المذهب ماقاله المصنف فنذكر الْأَعْضَاءُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُفَصَّلَةً وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَعْضَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى عُضْوًا وَنَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِهِ أَمَّا اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ فَجِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاخْتِلَافِ اسْمَيْهِمَا فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخُصُّهُ وَمَعَ اخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ لَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَوْ اخْتِلَافِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةِ قَالَ هُوَ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ
وَأَرَادَ بِهِ الشَّحْمَ الَّذِي فِي الْجَوْفِ فَأَمَّا الَّذِي عَلَى جَنْبِ الْبَهِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَحْمٌ أَبْيَضُ وَلَيْسَ بِشَحْمٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَيْضًا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ والجنب شئ وَاحِدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ لِاحْتِكَارِهَا عِنْدَ الْهُزَالِ وَقِيلَ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَمُغَايِرٌ لِلَّحْمِ بِلَا خِلَافٍ وشحم العين جزم الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ ثُمَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيَجُوزُ بَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِشَحْمِ الظَّهْرِ وَلَحْمِهِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا وَرَطْبًا وَيَابِسًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَزَمَ فِي الرِّبَا بِكَوْنِهِمَا جِنْسَيْنِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الْحَالِفَ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَشَحْمُ الظَّهْرِ شَحْمٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ شَحْمًا وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا فَهُوَ لَحْمٌ فِي حَقِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَظْهَرُ جَرَيَانُهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ فِي الرِّبَا لَيْسَتْ رَاجِعَةٌ إلَى فهم المتعاقبين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَلِكَ

(10/217)


اللَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَ الْآخَرَ بِأَنَّ الْأَلْيَةَ لَحْمٌ إلَّا أَنَّهُ سَمِينٌ فَأَشْبَهَ لَحْمَ الظَّهْرِ وَلَحْمَ الْجَنْبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالشَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْخِلَافَ فيها كاللحم والالية ونقل صاحب الذخائر بعد ما حَكَى قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ احْتِمَالَ الْإِمَامِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقَيْنِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مِنْ اللَّحْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْأَلْيَةَ لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَقِيلَ لَحْمٌ وَقِيلَ شَحْمٌ (أَمَّا) الشُّحُومُ وَحْدَهَا هَلْ هِيَ أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِيهَا قَوْلَانِ كَاللُّحُومِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَلَكِنْ هَلْ

(10/218)


تَكُونُ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفًا مِنْ الشَّحْمِ أَمْ لَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِتَوْجِيهِ ذَلِكَ مَوْضِعٌ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ
* وَاللَّحْمُ
والكبد جنسان.
قاله الماوردى والمصنف.
والالية والسنام جِنْسَانِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ.
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا
* (فَرْعٌ)
وَهُوَ أَصْلٌ قَالَ الْإِمَامُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَوْلُ فِي هَذَا يَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ أَمْرٍ إلَى أَصْلٍ فِي الْأَيْمَانِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ وَالطِّحَالِ وَالْمِعَاءِ وَالرِّئَةِ فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى لَحْمًا.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَحْنَثُ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى اللَّحْمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يحنث بأكل الشحم وَلَسْتُ أَعْنِي سَمِينَ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ اللَّحْمِ.
اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَنْ نَقَلُوهُ (وَأَمَّا) الْقَلْبُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ بِأَنَّهُ لَحْمٌ.
وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ كَالْكَبِدِ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ محتمل، والكلية عِنْدِي فِي مَعْنَى الْقَلْبِ وَالْأَلْيَةِ لَمْ يَعُدَّهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا مِنْ الشَّحْمِ وَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كاللحم السمين يجمع للضائر عَلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَاسْتِقْصَاؤُهُ يُحَالُ عَلَى مَوْضِعِهِ عُدْنَا إلَى غَرَضِنَا
*

(10/219)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا الْبَيْضُ فَنَوْعَانِ بَيْضُ طَيْرٍ وَبَيْضُ سَمَكٍ فَبَيْضُ الطَّيْرِ لَا يَكُونُ صِنْفًا مِنْ لَحْمِ الطَّيْرِ لِأَنَّ الْبَيْضَ أَصْلُ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِلْحَيَوَانِ فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ اللُّحْمَانُ أَصْنَافٌ فَالْبَيْضُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَصْنَافًا وَإِذَا قِيلَ هَذَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَفِي الْبَيْضِ وَجْهَانِ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَهَلْ يَكُونُ نَوْعًا مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ صِنْفٌ غَيْرُهُ كَمَا أَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ صِنْفٌ غَيْرُ لَحْمِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْبَيْضِ فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي بَيْضِ الطُّيُورِ أَنَّهُ أَجْنَاسٌ
* (فَرْعٌ)
صُفْرَةُ الْبَيْضِ وَبَيَاضُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ
* هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ
* (فَرْعٌ)
الْبَيْضِ الْمَقْلِيِّ بِالْمَقْلِيِّ أَوْ الْمَقْلِيِّ بِغَيْرِ الْمَقْلِيِّ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِتَغَيُّرِهِ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ وَلِدُخُولِهِ النَّارَ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالْمَقْلِيِّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَالِ الْإِدْخَارِ وَالنَّارُ لَا تَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا (قُلْتُ) إنْ كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْزُوعِ الْقِشْرِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَ بقشره فلا يسمى
مقليا فلينظر اه وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ جِنْسَانِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الفؤاد صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ الْمُخُّ وَالدِّمَاغُ وَالْكَرِشُ وَالْمُصْرَانُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ أَيْضًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْكَرِشَ وَالْمُصْرَانَ كَاللَّحْمِ مَعَ الشَّحْمِ يَعْنِي فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْقَلْبُ وَالْأَلْيَةُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ قَدْ قِيلَ فِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقَلْبَ وَالرِّئَةَ وَاللَّحْمَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمُخُّ مع هذه الاشياء جنس آخر قاله الامام

(10/220)


وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَا الْجِلْدُ جِنْسٌ آخَرُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْجِلْدَ لَيْسَ رِبَوِيًّا فَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدٍ بِجُلُودٍ وَبِغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إنَّهَا جِنْسٌ آخَرُ (قُلْتُ) وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الْجِلْدِ الَّذِي يُؤْكَلُ كَجِلْدِ السَّمِيطِ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ رِبَوِيًّا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَسْمُوطِ فِي جِلْدِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِ جِلْدٌ يُؤْكَلُ كَجِلْدِ الْحِدَأِ وَالدَّجَاجِ بِمِثْلِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَقَالَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ الْجُلُودُ مِمَّا اخْتَلَفَ قول الشافعي فيه هل هو نَوْعٌ أَوْ أَنْوَاعٌ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ جِلْدِهِ الْمَأْكُولِ بِلَحْمٍ كَانَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ اللَّحْمُ يَابِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَأَيْتُ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ مَا هُوَ أَغْرُبُ مِنْ هَذَا قَالَ إذَا بَاعَ جِلْدَ الْغَنَمِ بِجِلْدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا هَلْ يَصِحُّ يَحْتَمِلُ

(10/221)


قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجِلْدَ رِبَوِيٌّ وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِجِلْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجِيبٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَقْرَبُ وَفِي شَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِ الْبَطْنِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَنَامُ الْبَعِيرِ مَعَ شَحْمِ ظَهْرِهِ وَشَحْمِ بَطْنِهِ جِنْسَانِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى ذَلِكَ وَكَلَامُ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ وَلَحْمُ الرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي الاكارع احتمال عند الامام فانه قَالَ إنَّ الْأَئِمَّةَ قَطَعُوا بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَا اعْتِرَاضَ فِي الِاتِّفَاقِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ أَكْلُ اللَّحْمِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْقَصَبَةَ الْمُفْرَدَةَ لَيْسَتْ لَحْمًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ فِي لَحْمِ
الرَّأْسِ وَالْخَدِّ واللسان والاكارع طريقين (أصحهما) يحنث بأكلها إذا حلف أن لا يأكل اللحم

(10/222)


(الثانية) على وجهين فيكون ماقاله فِي الرِّبَا جَرْيًا عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْعَظْمُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ الصُّلْبُ مِنْهُ وَالْمُشَاشِيُّ وَالْغُضْرُوفِيُّ وَقَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَهِيَ عِلَّةٌ شَامِلَةٌ غَيْرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي ضَابِطِهِ إلَّا اخْتِلَافُ الِاسْمِ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّحُومَ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ وَفِي الشحوم نفسها قولان كَاللَّحْمِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَهَلْ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفَانِ مِنْ الشَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما الالبان ففيها طريقان (من) أصحابنا من قال هي كاللحمان وفيها قولان (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا لانها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الالبان واللحمان لا تتولد من الحيوان والصحيح أنها كاللحمان)
* (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ جَازِمٌ بِأَنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزُهُ وَضَانِيهِ وَالصِّنْفُ الذى يخالفه البقر

(10/223)


رديانيه وَعِرَابِيَّةٌ وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُخَالِفهُمَا مَعًا لبن الابل أو اركها وعواديها ومهريها ونجيبتها وعرابها وقال فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ وَذَكَرَ أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا قال أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَهَذَا غَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَمَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِيهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ فِي اللُّحْمَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْبَانُ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ لانه لافرق بينها وبين اللحمان وتوجبه الْقَوْلَيْنِ
كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ اللُّحْمَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَرَجَّحَهَا أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْمُصَنِّفُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ

(10/224)


الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لَبُونٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالشَّاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا لَبَنٌ وَلَا يَمْنَعُ مَا فِيهَا مِنْ اللَّحْمِ مِنْ بيع احديهما بِالْأُخْرَى تَوَلَّدَ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا ثُمَّ قَالَ أَبُو إسحق الْأَقْوَى تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْأُصُولَ التى حصل اللبن فيها بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَيُدَامُ حُكْمُهَا عَلَى الْفُرُوعِ بِخِلَافِ أُصُولِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْقَيْنِ نَظَرٌ (أَمَّا الْأَوَّلُ) الَّذِي فِي الْكِتَابِ فَلِأَنَّ لَقَائِلٍ أَنْ يُغَلِّبَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِانْتِقَالِهَا عَمَّا كانت على حين كانت جزء حيوان دما إلى حالة أُخْرَى فَنَاسَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ بِنَفْسِهَا وَاللُّحْمَانِ لَا تَتَوَلَّدُ بَلْ هِيَ عَيْنُ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَكَانَ إجْرَاءُ حُكْمِهَا عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْهَا (وَأَمَّا) الْفَرْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْأَدِقَّةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَرْقًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ اللَّبَنَ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ بِخِلَافِ اللحم قال الامام وهذا الفرق ردئ فَإِنَّ الْأَلْبَانَ فِي الضُّرُوعِ وَقَدْ اشْتَرَكَتْ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَوَّلِ حُصُولِهَا وَهَذَا مُعْتَمَدُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي إجْرَاءِ الرِّبَا فِيهَا فِي الضُّرُوعِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ أَيْضًا طَرِيقَةً قَاطِعَةً (1) فَعَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْأَلْبَانُ أَوْلَى وَعَلَى طَرِيقَةِ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ يَأْتِي الطَّرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا
* (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ إلَّا مُتَمَاثِلًا وَلَهُ أَحْكَامٌ تُذْكَرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشْرَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى هَذَا القول

(10/225)


كُلُّ مَا يُسَمَّى لَبَنًا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَلَبَنُ الْبَقَرِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ
بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ وَهِيَ الظِّبَاءُ وَأَنْوَاعُهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَا يَكُونُ لِلْإِبِلِ وَحْشٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَّخِذُهُ مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي اللُّحُومِ وَلَكِنِّي أَقْصِدُ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَتَأَسَّيْت أَيْضًا بِالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ كَذَلِكَ وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَبَنُ الْوَعْلِ مَعَ الْمَعْزِ الْأَهْلِيِّ جِنْسَانِ اعْتِبَارًا بِالْأُصُولِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ جِنْسٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ (أَمَّا) إذا قلنا الالبان جنس واحد فسيأتي والكلام فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ جِنْسِهِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ الْأُمَوِيُّ فِي نَوَادِرِهِ وَلَا أَقُولُ صِنْفًا إنَّمَا هُوَ صَنْفٌ - بِالْفَتْحِ - وَصُنُوفٌ وَأَنْشَدَ (إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ) الْبَيْتُ
* (فَرْعٌ)
إنْ قُلْنَا الْأَلْبَانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَبَنُ الْآدَمِيِّ مَعَ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أن الكل

(10/226)


جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ جِنْسٌ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ جِنْسٌ آخَرُ لِأَنَّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ هَذَا اللَّبَنُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الْأَلْبَانِ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ جِنْسًا آخر قاله القاضى حسين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَخْرُجْهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ النَّسَائِيّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُجْتَبَى بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا إلَّا قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَإِنَّ مَوْضِعَهَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ
صَحِيحَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (مِنْهَا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عيينة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ والفضة باالفضة وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله

(10/227)


وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الصَّاعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِقَرِيبٍ مِمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَزْنِ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ مدى بمدى والمدى قال القلعى والمد مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الشَّامِ مَعْرُوفٌ يَسَعُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالتِّبْرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التِّبْرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا كَانَ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مَا كَانَ كِسَارًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ آنِيَةً وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وأصل التبر من قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَرْتُهُ حِدَادًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التِّبْرِ بَحْثٌ (وَقَوْلُهُ) عَيْنُهُ يُرِيدُ ذَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْمَكِيلَيْنِ فِي الْوَزْنِ ولا اختلاف

(10/228)


الْمَوْزُونَيْنِ فِي الْكَيْلِ فَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ فَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا حَكَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّهُ أَعْنِي الْفُورَانِيَّ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُهَذَّبُ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ الْمَنْعَ وَمُوَافَقَةَ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى الْجَوَازَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونَاتِ بِبَعْضٍ جُزَافًا وَسَيَأْتِي النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْمَكِيلَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَوَزْنًا بِوَزْنٍ قَالَ لان الاعتبار بالتساوى فأذاوجد بِالْوَزْنِ جَازَ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ أسلم في مكيل بالوزن جاز
* لنا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ التَّمْرِينَ ثَقِيلًا فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ صَاعٍ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَوْزُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَالْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ أَنْ يصير مضبوط القدر وليس كذلك ههنا لِأَنَّهُ تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ عَلَى مَا أَمَرْنَا بِهَا فِي الشَّرْعِ
*
(فَرْعٌ)
فَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمِلْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قطعا كبارا أو صغار فَإِنْ كَانَ مَسْحُوقًا نَاعِمًا أَوْ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ جُرْمُهُ عَلَى جُرْمِ التَّمْرِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا كَيْلًا وَإِنْ كَانَ الْقِطَعُ كِبَارًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُبَاعُ وَزْنًا وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ
(وَالثَّانِي)
يُسْحَقُ وَيُبَاعُ كَيْلًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي هَذَا ضِيقٌ عَلَى النَّاسِ وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ اعْتِبَارُهُ بِالْوَزْنِ
* (فَرْعٌ)
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يُكَالُ وَفِيمَا يُوزَنُ يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِهِ لَا إلَى قَدْرِهِ

(10/229)


فَلَوْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِلَّةِ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ فَإِنَّهَا لاتكال وَالذَّرَّةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُوزَنُ فعندنا يمتنع بيعها بملثها فَلَا يُبَاعُ حَفْنَةٌ بِحَفْنَةٍ وَلَا بِحَفْنَتَيْنِ وَلَا تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَلَا ذَرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَرَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَأْخَذِنَا وَمَأْخَذِهِ وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ عند الحنفية أن لا يَبْلُغَ نِصْفَ صَاعٍ فَلَوْ بَلَغَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ امْتَنَعَ عِنْدَهُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَطْوِيلَاتٌ فِي كتب الخلاف لاضرورة إلَى إيرَادِهَا هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي مَبَاحِثِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَهُمْ فِي الْإِمْلَاءِ فَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ بِالْأَرْبَعِ عَدَدًا وَأَطَالَ فِي الْبَحْثِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ بِالْمَوْزُونِ وَكَأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُمْ فَرَّعُوا ذَلِكَ وَالْتَزَمُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَظَاهِرُ ذَلِكَ شُمُولُهُ لِمَا عُلِمَ مِعْيَارُ جِنْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(10/230)


وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّمْرَ الْكِبَارَ الَّذِي يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ وَزْنًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ هَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ غَيْرُ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ وعبارة التهذيب مطلقة كعبارة الرافعى
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان باع صبرة طعام بصبرة طعام وهما لا يعلمان كيلهما لم يصح البيع لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ (وَلَا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ الطَّعَامِ) وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ) وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ سَوَاءً وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَهُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقِفَ أَحَدٌ عَلَى كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ فَيَظُنَّ الْوَهْمَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ التمر في آخر الحديث فلاختلاف بَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي تَقْيِيدِهِ الصُّبْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِالتَّمْرِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ مقيدة وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مُطْلِقَةٌ وَالنَّسَائِيِّ رَوَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَتَرْجَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَالسَّنَدُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ ضَارٍّ وَلَعَلَّهُمَا جميعا ثابتان فلا تنافى بينهما لاسيما وَالْإِطْلَاقُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّقْيِيدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَلَعَلَّ جَابِرًا حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وقد وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ التَّمْرِ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْمِكْيَالِ فَنَهَى عَنْهَا

(10/231)


وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ لَفْظًا شَامِلًا تَنْدَرِجُ فِيهِ تِلْكَ الصُّبْرَةُ وَغَيْرُهَا وَرُوِيَ الْأَمْرَانِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَلَامَانِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا مَجَالَ لَهُ فِي النَّفْيِ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مِثَالٌ لِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَأَنَّ الصَّادِرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَةِ فَالْأَخْذُ بِاللَّفْظِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الرَّاوِي عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ التَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَثْبُتْ إلَّا الرِّوَايَةُ الْمُقَيَّدَةُ لَكَانَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ ويدل على أنه لافرق بَيْنَ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عام المراد بِهِ خَاصٌّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتَا غَيْرُ مَعْلُومَتَيْنِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ
طَعَامٍ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهُمَا فاما أن يكون الصبرتان من جنس واحد أولا فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ حُجَّةٌ لَهُ وَلِهَذَا نَقُولُ إنَّ الْجَهْلَ بالمماثلة كحقيقة

(10/232)


المفاضلة ولايجوز ذلك جزافا ولا بالتحرى والحذر وَالتَّخْمِينِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ فِي الْمَكِيلِ دُونَ الْمَوْزُونِ لِأَنَّ الْبَادِيَةَ يَتَعَذَّرُ فِيهَا وُجُودُ الْمِكْيَالِ وَأَجَابَ الْقَاضِي بِمَنْعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَيْلَ يُمْكِنُ بِالْإِنَاءِ وَالْقَصْعَةِ وَالدَّلْوِ وَحَفْرِ حَفِيرَةٍ يَكِيلُ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يجوز البيع في ذلك جزافا ولا بالحذر والتخمين والتحرى بل لابد مِنْ الْعِلْمِ سَوَاءٌ خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا إذَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ فَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ وَشَرْطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَدْرِي أَهِيَ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا أَوْ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَشَبَهِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هُوَ مَيِّتٌ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ فَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْعِلْمُ بِهَا شَرْطٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِي الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَيْثُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فَقَطْ لَا الْعِلْمُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ فَلِذَلِكَ صَحَّ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي يَظُنُّهُ لِأَبِيهِ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافَهُ وَنَقَلَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ صَحَّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ عَلِمَا التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَزُفَرُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْعِلْمُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي الصُّبْرَةِ بالصبرة جاز بعينه في الدراهم بالدارهم وَفِي الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَفِي كُلِّ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ صرح الاصحاب بذلك والاجل جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ رَدَّ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ الْأَصْحَابِ

(10/233)


إن العلة لطعم وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَدْ يقول بالجواز
ونظره بَيْعُ مَالٍ ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَكَانَ لِنَفْسِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ بَيْعِهِ (قُلْتُ) وَهَذَا التَّخْرِيجُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمَنْعِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِيهِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْإِجْمَاعِ إنْ ثَبَتَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ زُفَرَ فَالْوَجْهُ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ مَا ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَالْفَرْقُ بين المسألتين لاأن يُطْلَبَ تَخْرِيجٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَتَمْرٍ بِزَبِيبٍ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَبَايَعَاهُمَا جُزَافًا جَازَ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَلِمَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى من روايتي مسلم المتقدمة التى فيها بالكيل الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ فَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُنَا زِيَادَةٌ مِنْ الرَّاوِي يَجِبُ قَبُولُهَا وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ حَلَالًا (1) بجزف وكانت لزيادة إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حِلًّا فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُجَازَفَةً وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد الطبري المعروف بالكتا مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بَعْضِ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَالَ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُجَازَفَةً كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ جُزَافًا وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ وَجَوَّزَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعَ الْمَكِيلِ بالموزن جُزَافًا كَبَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي بَيْعِ مَا يُكَالُ بِمَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ بِمَا يُوزَنُ جزافا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَا يَدْرِي مَا كَيْلُ هَذَا وهذا نص في الصبر وعام في

(10/234)


الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ قَالَ وَتَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ الْجَهْلَ مَانِعًا فَالنَّهْيُ بِالتَّسَاوِي لَا يَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فَحَيْثُ جَوَّزَ الشَّرْعُ التَّفَاضُلَ وَقَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الْمُجَازَفَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ هُوَ مَأْخَذُنَا وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ انْتَهَى
* عَلَى أَنَّ ابْنَ قَدَامَةَ الْحَنْبَلِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلَ الْمَانِعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ رَدَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَرَجَّحَ الْجَوَازَ وَقَالَ إذَا كان حقيقة الفضل لا تمنع فاحتماله
أولى أن لا يَكُونَ مَانِعًا قَالَ وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ فَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ بِالصُّبْرَةِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا ذَلِكَ مُجَازَفَةً يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا الْمَكِيلَ مَوْزُونًا وَالْمَوْزُونُ مَكِيلًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَلْنَرْجِعْ إلَى أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) صُبْرَةُ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ وَحَذَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَأَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ بَغْدَادَ

(10/235)


وَالْعِرَاقِ يَخْتَصُّ بِالْقَمْحِ فَلِذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ الْعِرَاقِيُّونَ وَيُرِيدُونَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ دَرَاهِمَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهُمَا أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ الطَّعَامِ كَانَ أَشْمَلَ لَكِنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مُنْطَبِقًا عَلَى دَعْوَاهُ وَافِيًا بِمَقْصُودِهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَعْلَمُهُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الضَّمَائِرِ كُلِّيَّةٌ كَالْعَامِّ وَلِأَنَّ النَّفْيَ إذا تأخر عن صيغة العموم أفاد الاستفراق ولا فرق في الحكم بين أن لا يَعْلَمَا وَأَنْ يَعْلَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الصُّبْرَةِ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ أَنَّ عَطَاءً وَابْنَ سيرين وعكرمة ومجاهدا ومالكا وأحمد واسحق كَرِهُوا ذَلِكَ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ جُزَافًا وَإِذَا عرف كيلة أحب إليه ومرداه إذا باعها بالدرهم وبغير جنسها والا فبيع الصُّبْرَةِ بِجِنْسِهَا لَا يُجِيزُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ الْجُزَافَ نَعَمْ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا وَأَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ فَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ (وَقَوْلُهُ) لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يَعُودَ عَلَى الصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الصُّبْرَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ وَالْحُكْمُ شَامِلٌ لَهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

(10/236)


يَجْهَلَ كِلْتَا الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدَاهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ مُسْلِمٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ)
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مِمَّنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَلَمْ يَعْلَمْ فَسَادَهَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ظَاهِرًا ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْحُكْمُ
صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَصِحُّ أَوْ لَا يَحِلُّ فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً أَمْ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِهَا أَمْ جَهِلَ فَلَا وَجْهَ لِتَشْبِيهِهَا بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمَ الْحِلِّ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ إذَا صَدَرَتْ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ الْقِنِّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ حُكْمَنَا بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَهُوَ الْحَقُّ إذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْقِيقُ مَعْنَاهَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ هذه

(10/237)


الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُكَاتِبِهِ لَا تَحِلُّ سَوَاءٌ علم بفساد الكتابة أم لم يعلم فلا يصح تشبيهها بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ بِحِرَامٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَبْدِهِ الْقِنِّ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أَيَكْفِي حُصُولُ الْإِثْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ الظَّنِّ وُجُودًا وعدما وقد أقدم على العقد ههنا مَعَ ظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ فَيَأْثَمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْحِلِّ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَسَادَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ نظر والله أعلم
*

(10/238)


* قال المصنف رحمه الله
* (وان باع صبرة طعام بصبرة طعام صاع بصاع فخرجتا متساويتين صح البيع وان خرجتا متفاضلتين ففيه قولان
(أحدهما)
أنه باطل لانه بيع طعام بطعام متفاضلا
(والثانى)
أنه يصح فيما تساويا فيه لانه شرط التساوى في الكيل ومن نقصت صبرته فهو بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يمضيه بمقدار صبرته لانه دخل على أن يسلم له جميع الصبره ولم يسلم له فثبت له الخيار) (الشَّرْحُ) بَيْعُ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ لَهُ حَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ جُزَافًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَكُونَ مُكَايَلَةً كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ صَاعًا بِصَاعٍ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ اعقدا بيعهما أَنْ يَتَكَايَلَا هَذَيْنِ الطَّعَامَيْنِ جَمِيعًا بِأَعْيَانِهِمَا مِكْيَالًا بمكيال فتكايلا فكان مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ لِلَّذِي نَقَصَتْ صُبْرَتُهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ البيع لانه بيع شئ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ أَوْ رَدُّ الْبَيْعِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ البيع

(10/239)


مفسوخ لانه وقع على شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْتُ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وإنما يكون له الخيار فيما نقص قيما لان فِي الزِّيَادَةِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَأَمَّا فِيمَا فِيهِ رِبًا فَقَدْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَدْنَا الْبَعْضَ مُحَرِّمًا أَنْ يَمْلِكَ بِهَذَا الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ بَيْعَةٍ وَفِيهَا حَرَامٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ والشيخ أبو محمد والرافعي والمرانى وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ البيع جَائِزٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَأَغْرَبَ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ وَقُلْنَا عِنْدَ التَّفَاضُلِ يبطل فههنا وجهان
(أحدهما)
يبطل قال وليس بشئ وينبغي

(10/240)


أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْخِلَافِ فِي مُتَابِعٍ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي ذَلِكَ وَهْمٌ وَانْتِقَالٌ مِنْ الْفَرْعِ الَّذِي سَيَأْتِي إذا تقابضا مجازفة وتفريقا ثُمَّ تَكَايَلَا وَخَرَجَتَا سَوَاءً فَهُنَاكَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحُصُولُ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي عِنْدَنَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا ثُمَّ ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي وَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُقَابَلَةَ كُلِّ صَاعٍ بِصَاعٍ لَا مُقَابِلَةَ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمُقَابَلَتَانِ مَقْصُودَتَانِ وَانْطِبَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ

(10/241)


بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ) وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التمر لاتعلم بكيلها وَقَدْ يَعْتَذِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمُكَايَلَةُ هُنَا مُشْتَرَطَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْبَائِعِ اكْتَفَى بِهَا وَفَارَقَ بِذَلِكَ التَّبَايُعُ جُزَافًا فَإِنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ وَاجِبًا فِيهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَبَطَلَ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ
رَجَّحَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ فِي التهذيب وخالف ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ فِي الِانْتِصَارِ وَجَزَمَ فِي الْمُرْشِدِ وَالْأَحْكَامِ الْمُخْتَارَةِ

(10/242)


بِالصِّحَّةِ فِيمَا تَسَاوَيَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَتَانِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمُ يُرْشِدُ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْمَأْخَذَ فِي ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا باع صبرة أو قَفِيزًا وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا وَقَالَ إنَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ لَا مُقَابَلَةَ مَعَ اشْتِرَاطِ كَيْلٍ بِكَيْلٍ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ حَاصِلَةٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ فِي مَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَكِنَّهُ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ لَمْ يَطَّرِدْ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا جَرَيَانَ لَهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ أَلَا تَرَى

(10/243)


أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ نَقُلْ بِصِحَّتِهِ فِي دِرْهَمٍ مُشَاعًا وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَهَذَا أَحَدُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالضَّابِطُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ تَخَلَّلَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْفَسَادُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ إنَّمَا كَانَ تَخَلُّلٌ فِي الْعَقْدِ نَفْسِهِ وَكَوْنُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ مَحْظُورَةً مِنْ الشَّارِعِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى السَّوَاءِ وَأَجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ صَالِحَةٌ لِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَجْمِعٌ شَرَائِطَ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِيهِ وَفَسَدَ فِي الْجَمِيعِ

(10/244)


قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهَا لَمْ يَسْتَجْمِعْ شَرَائِطَ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ (1) فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالْإِبْطَالِ فِيهِ وَتَصْحِيحُ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أن الحرام في صور تفريق الصفقة هو أحد الجزءين والهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ إنَّمَا حَرُمَتْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فَإِذَا فُرِضَ الْإِبْطَالُ زَالَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهَا وَعُقُودُ الرِّبَا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهَا لَيْسَ وَاحِدًا من الجزءين وانما المحرم الهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَنِسْبَتُهَا إلَى كُلِّ الْأَجْزَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلِذَلِكَ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشافعي
__________
(1) كذا بالاصل)
*)

(10/245)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ يُخَالِفُ مَا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ تَأَمَّلَهُ إلَى آخِرِهِ عَلِمَ مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرِكٌ بينهما فكان تَأْوِيلِ كَلَامِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا قُلْتُهُ غَيْرُ ممتنع للنظر وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ تَعَسُّفٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ انما يكون له الخيار فيما نقص لافيما لاربا فِي زِيَادَةِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَى آخِرِهِ يؤيده إذا باعه صبرة بعشرة دارهم مَثَلًا كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَخَرَجَتْ نَاقِصَةً عَنْ العشرة فههنا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَصِحُّ فِي الصُّبْرَةِ بجميع العشرة لانه لاربا فِيهَا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهَا

(10/246)


مَتَى خَرَجَتْ نَاقِصَةً أَوْ زَائِدَةً بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بَاعَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ بِعَشْرَةٍ وَشَرْطُ مُقَابَلَةِ كُلِّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مُمْتَنِعٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُطَّرِدَةٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَتْ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا كَانَ لَيْسَ مِمَّا لاربا فِيهِ مِثْلُ الْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَمَّا مَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا
* (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا بالصحة فيما تساويا فيه فيثبت للذى بَاعَ الصُّبْرَةَ النَّاقِصَةَ وَهُوَ مُشْتَرِي النَّاقِصَةِ وَهُوَ مُشْتَرِي الصُّبْرَةِ الْكَثِيرَةِ الْخِيَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقَابَلَةَ الشئ بمثله مقصود بالعقد فلم يغب عليه شئ وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ إحَالَةً لِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ صُورَتَهَا أَنْ تَقَعَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بالجملة ولكن المماثلة مظنونة فأذا فاتت الْمُمَاثَلَةُ بَطَلَ الْخِيَارُ وَمِمَّنْ وَافَقَنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصِّحَّةِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ ظُهُورِ التَّفَاضُلِ الْحَنَابِلَةُ
*

(10/247)


(فرع)
لو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل في المكيل والوزن في الموزن فَهَلْ يَبْطُلُ
الْعَقْدُ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَسَبَهُمَا الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ (أَصَحُّهُمَا) على ماقاله الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَا لِوُجُودِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ لِبَقَاءِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ قَالَ لِأَنَّهُ يجوز أن يقال إنَّ الْقَبْضَ جُزَافًا فِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ (قُلْتُ) وَقَدْ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وفيه وجهان وإذ نَظَرْنَا إلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوِيَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَسَائِرَ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ وَالشَّافِعِيَّ بَلْ وَسَائِرَ الْعُلَمَاءِ جَازِمُونَ بِأَنَّ القبض فيما يباع مكايلة لابد فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلًا فقبضه (ان يكتاله) له وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الصَّرْفِ والقبض من البيوع كل ماكان يَنْتَقِلُ مِثْلُ الصَّيْدِ وَالْعُرُوضِ أَوْ يُوزَنُ وَيُكَالُ فَقَبْضُهُ الْكَيْلُ وَالِانْتِقَالُ

(10/248)


وَالْوَزْنُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَوْ أَعْطَى طَعَامًا فَصَدَّقَهُ فِي كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَقْبُوضًا إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ فَاسِدٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ وَجَزَمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا بِالْكَيْلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا مُكَايَلَةً وَقَبَضَهُ جُزَافًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ لِبَقَاءِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْقَبْضِ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُسَلَّطًا على التصرف في القدر المستحق فأبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّهُ يَصِحُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْيَسُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ السَّلَمِ وَأَبُو الطَّيِّبِ هُنَا أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ شِيَخَةٌ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّ الْمُرَادَ بفساد القبض ههنا أن القول قول القابض في مقداره قال امام الحرمين وَهَذَا لَيْسَ مَحْمَلًا وَاضِحًا قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إطْلَاقُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَيْقَنِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّلَمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أن

(10/249)


الرَّافِعِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهِ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ فَيَنْبَغِي عَلَى قياس ذلك أن لا يعتبره في الصرف ويبطل العقد بالتفرق ولا يكتفى بِصُورَةِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ نَاقِلًا لِلضَّمَانِ عَلَى أَشْكَالِهِ لَكِنَّ بَابَ الربا يجب الاحتياط فيه وأن لا يُكْتَفَى إلَّا بِمَا هُوَ قَبْضٌ تَامٌّ وَيُعَضِّدُهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ) فاقتضى اشتراط أن لا يبقى شئ مِنْ الْعَلَقِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَقَدْ أَجَازَ الْإِمَامُ فَبَنَى الْوَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي أَنَّ التَّقَابُضَ عَلَى الْمُجَازَفَةِ هَلْ يُسَلَّطُ عَلَى بَيْعِ مَا اسْتَتْبَعَتْهُ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ لِنُقْصَانِ الْقَبْضِ
(والثانى)
لا لجريانه واقتضائه نقل الضَّمَانِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ الْوَجْهَانِ يُبْنَيَانِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ مُكَايَلَةٍ هَلْ يَكُونُ قَبْضًا

(10/250)


صحيحا في انبرام العقد أم لافعلى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
صَحِيحٌ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ لَا يَكْفِي وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الصَّرْفِ إذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِدِينَارٍ وَتَقَابَضَا وَمَضَى كُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَعِيرُ الدِّينَارَ الَّذِي قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ جَازَ وَنَزَّلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَرَفَ وَزْنَ الدِّينَارِ فَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ حِينَئِذٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ كَافٍ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ الكلام مع صحاب الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ وَتَأْوِيلِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ فِي الْفُرُوعِ السَّالِفَةِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَبْضَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ لَهُ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَحْصُلَ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُمَاثَلَةِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ من أحد المتعاقدين أو غيره.

(والثانى)
أَنْ يَحْصُلَ التَّقَابُضُ بِالْجُزَافِ مَعَ الْجَهْلِ وَالتَّرَدُّدِ (فَأَمَّا) هَذِهِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَيَظْهَرُ فِيهَا الْحُكْمُ بِفَسَادِ الْقَبْضِ وَأَنَّ التَّفَرُّقَ بَعْدَهُ قَبْلَ جَرَيَانِ قَبْضٍ صَحِيحٍ مُبْطِلٌ لِبَقَاءٍ عَلَّقَ الْعَقْدَ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ بَيْعٌ لَازِمٌ فِي صُبْرَةٍ بِصُبْرَةٍ لا يعلمان كيهلما وذلك مصادم لحديث (وَأَمَّا) الصُّورَةُ الْأُولَى فَوَجْهُ الْحُكْمِ بِفَسَادِ الْقَبْضِ فِيهَا أَنَّ الِاكْتِيَالَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يبيعه حَتَّى يَكْتَالَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) رواه

(10/251)


أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَ الْكَيْلَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا أعطاه طعاما فصدقه فِي كَيْلِهِ صُوَرُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ اشْتَرَاهُ مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَعَزَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ قَدْرًا وَقَالَ قَدْ كِلْتُ هَذَا وَالْحُكْمُ بَعْدَ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا نَقَلْتُهُ فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مُوَافَقَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَصَاحِبَ الشَّامِلِ جَعَلُوا مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ إذا اشترى منه طعاما يعينه بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ مِنْهُ جُزَافًا إنْ قَالَ لَهُ قَدْ كِلْتُهُ أَوْ هُوَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَقَبَلَ قَوْلَهُ وَقَبَضَهُ فَإِنَّ الْقَبْضَ فَاسِدٌ قَالَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْكَيْلَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ السُّنَّةِ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ (إذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي) وَلَوْلَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ كَانَ تَقَوِّي الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكْتَفِي بِالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَيَكْتَفِي بِهِ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي يَقْتَضِي

(10/252)


كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ نَقْلَهُ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ غَنِيَّةٌ عَنْ الِاعْتِضَادِ بِغَيْرِهَا وَمَهْمَا ثَبَتَ فِي الطَّعَامِ ثَبَتَ مِثْلُهُ فِي النَّقْدِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِمَا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ فَسَادُ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ في بيع الدينار بالدينار وأنه لا يكتفى بِذَلِكَ الْقَبْضُ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ مَا قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدِّينَارِ بالدينار في الفرع الْمَذْكُورِ فِيهِمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
عَلَى هَذَا الْفَرْعِ إذَا قُلْنَا بِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إنْ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَخَرَجَتَا متساويتين صَحَّ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ جَرَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْطُلُ فَلَا فَرْقَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُكَالَا بَعْدَ
ذَلِكَ فَيَخْرُجَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ أَوْ مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَسَلَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَرْتِيبًا آخَرَ لَيْسَ بَيْنَهُ

(10/253)


وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ اخْتِلَافٌ فَقَالَ إذَا تَقَابَضَا جُزَافًا ثُمَّ تَكَايَلَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ هَلْ يَجُوزُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَسَاوَيَا فِيهِ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ فَلِأَيِّ مَعْنًى فِيهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا وَبَقِيَ بينهما علقة التقابض والباب باب ربا (والثاني) لِوُجُودِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَوْ خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ يَجُوزُ فههنا أولى وان قلنا هناك لا يجوز فهنا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ (إنْ قُلْنَا) الْمَعْنَى فِيهِ بَقَاءُ الْعَلَقَةِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي جَازَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ يُبْنَيَانِ عَلَى هذين المعنين وَلَيْسَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلا حسن الترتيب والبناء والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَتَانِ مَعْلُومَتَيْ الْمِقْدَارِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ فَقَالَ
(أَحَدُهُمَا)
لِصَاحِبِهِ بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قُلْتُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي قَبْضِهَا إلَى كَيْلٍ بَلْ حُكْمُهُ فِي الْقَبْضِ حُكْمُ الْجُزَافِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْكَيْلُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ

(10/254)


فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خلافا بين (1) في المسألتين انه يشترط (2) فيما بيع (3) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا بِيعَ مُجَازَفَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ جُزَافًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بسنده إلى طاووس انه أن يَكْرَهُ أَنْ تُبَاعَ صُبْرَةٌ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ لا يعرف مكيلهما أو يعلم مكيلة احديهما وَلَا يُعْلَمُ مَكِيلَةُ الْأُخْرَى أَوْ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهُمَا جَمِيعًا هَذِهِ بِهَذِهِ وَهَذِهِ بِهَذِهِ قَالَ لَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَهَذَا يَقْتَضِي أن طاووسا يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى أَنَّ الصُّبْرَتَيْنِ مَعْلُومَتَا الْمِقْدَارِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعْلُومَةً عِنْدَ بَائِعَهَا فَقَطْ جَاءَ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الدِّينَارَيْنِ وَالْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي قَدَّمْتهَا فِي الدِّينَارَيْنِ جَارِيَةٌ فِي الصُّبْرَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
*

(10/255)


(فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِكَيْلِهَا مِنْ صُبْرَتِكَ وَصُبْرَةُ الْمُخَاطَبِ كَبِيرَةٌ صَحَّ جَزَمَ بذلك الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَزَادَ الْقَاضِي فِي تَصْوِيرِهَا أَنْ يَقُولَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ يَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يصح أخذ مِمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصبرة لان المقابل بالصبرة الصغيرة متميز قال وهذا لا شَكَّ عِنْدِي فِيهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ مِنْ النَّوْعِ (قُلْتُ) وَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصُّبْرَتَانِ مَعْلُومَتَيْ الْمِقْدَارِ فَلَا يَأْتِي فِيهِمَا الْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ فُرِضَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً فَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمُهَذَّبِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ التَّخْرِيجِ مُتَّجَهٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْدِ وَغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصاع مِنْ الصُّبْرَةِ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَالَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَقَابَضَا تَمَّ الْعَقْدُ وَمَا زَادَتْ الْكَبِيرَةُ لِصَاحِبِهَا وَإِنْ تَقَابَضَا الْجُمْلَتَيْنِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
* وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْقِطْعَةَ الذَّهَبَ بِقَدْرِهَا مِنْ دِينَارِكَ أَوْ هَذَا الْإِنَاءَ الْفِضَّةَ بِمَا يُوَازِنُهُ مِنْ فِضَّتِك يَصِحُّ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
*

(10/256)


(فَرْعٌ)
لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْكَيْلِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِمِكْيَالٍ فَاكْتَالَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ ذَلِكَ الْمِكْيَالِ لَمْ يَجُزْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِائَةَ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ فَاكْتَالَهُ بِالْقَفِيزِ لَمْ يَتِمَّ الْقَبْضُ فَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ قفيزا من طعام فاكاله منه بالمكول الذي هو ربع القفيز ففيه وجهان وهكذا لو اكتال الصاع بالمد ففيه وجهان اه
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ أُخْرَى جَازَ قَالَهُ فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي إنْ كَانَتَا مَعْلُومَتَيْ الصِّيعَانِ صَحَّ جَزْمًا وَإِنْ كَانَتَا مَجْهُولَتَيْنِ يَأْتِي فِيهِمَا خِلَافُ الْقَفَّالِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وإن باع صبرة طعام بصبرة شعير كيلا بكيل فخرجتا متساويتين جاز وإن خرجتا متفاضلتين فان رضى صاحب الصبرة الزائدة بتسليم الزيادة أقر العقد ووجب على الآخر قبوله لانه

(10/257)


ملك الجميع بالعقد وان رضى صاحب الصبرة الناقصة بقدر صبرته من الصبرة الزائدة أقر العقد وان تشاحا فسخ البيع لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ صُبْرَتَهُ بِجَمِيعِ صبرة صاحبه على التساوى في المقدار وقد تعذر ذلك ففسخ العقد)
* (الشَّرْحُ) إذَا بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا مُكَايَلَةً جَازَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَذَلِكَ وَاضِحٌ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إنْ تَبَرَّعَ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ الزَّائِدَةِ بِالزِّيَادَةِ جَازَ الْبَيْعُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَوَجَبَ عَلَى الْآخَرِ قَبُولُهُ وَعِلَّتُهُ مَا ذَكَرَهُ المصنف وهى مصرحة بانه مَلَكَ الْجَمِيعَ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على الجميع كما تقدم التنبيه عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَكِنَّهُ فَاتَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا غَرَضٌ (أَمَّا) بَائِعُ الصُّبْرَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِلصُّبْرَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَفَوَاتُ الشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ (وأما) الآخر فلظنه أنها تحصل له كاملة وقد أخلف فثبت له الْخِيَارَ أَيْضًا وَمُسَامَحَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَحْصُلُ لِغَرَضِ الْآخَرِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي

(10/258)


ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ مَلَكَ الْجَمِيعَ بِالْعَقْدِ فارق ذلك مسألة الاعراض النقد فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْقَبُولِ وَمَسْأَلَةُ إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ حَقَّهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الثِّمَارِ الْمُخْتَلِطَةِ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِلْكُ الْبَائِعِ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إذَا قُلْنَا بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى قَبُولِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ مسألتا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ امْتَنَعَ وَرَضِيَ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ النَّاقِصَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِهَا مِنْ الصُّبْرَةِ الزَّائِدَةِ جَازَ الْبَيْعُ لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ تَمَانَعَا فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لَا لِأَجْلِ الرِّبَا وَلَكِنْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ صُبْرَتَهُ بِجَمِيعِ صُبْرَةِ صَاحِبِهِ عَلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمِقْدَارِ فَإِذَا تَفَاضَلَا وَتَمَانَعَا وَجَبَ فَسْخُ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا هَذِهِ عِلَّةُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْتُهُ آنِفًا أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ
مِنْهُمَا خِيَارُ الْخُلْفِ فَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَذَاكَ وَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الطَّلَبِ وَالْمُنَازَعَةِ فُسِخَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفْسَخُ فِي التَّخَالُفِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يجوز فان

(10/259)


جَوَّزْنَاهُ فَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَبِيعَةٍ وَلِمُشْتَرِيهَا الْخِيَارُ هَكَذَا قال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ بِخِلَافِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَتَى بِعِبَارَةٍ مُشْكِلَةٍ فَقَالَ إنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ صَحَّ وَإِنْ خَرَجَتَا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الجنس الواحد وفيه نظر فان الْبُطْلَانُ هُنَاكَ مَأْخَذُهُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِالْقَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ نَاقِلُ الْجُمْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ بَاعَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ بِالْعَشَرَةِ بِشَرْطِ مُقَابَلَةِ كُلِّ صاع منها بِدِرْهَمٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ والنقصان محال وهذا حاصل ههنا وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عِلَّةً لِلْبُطْلَانِ هِيَ بِعَيْنِهَا عِلَّةُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْفَسْخِ وَاَلَّذِي

(10/260)


يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذِكْرُ الْكُلِّ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ أَوْ فِي مَعْرِضِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلُّ صَاعٍ مِنْهَا بِصَاعٍ مِنْهَا فَهَذَا تَفْصِيلُ الثَّمَنِ وَالصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِهِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِعَقْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ
(وَالثَّانِي)
الْمُقَابَلَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ فيتجه هنا البطلان كما قال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ مِثْلُ أن يقول بعتك هذه الصبرة بهذه الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَشْرَةُ آصُعٍ مثلا فيتجه هنا ماقاله الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا إلَّا صَفْقَةٌ تَضَمَّنَتْ شَرْطًا وَقَدْ أَخْلَفَ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَبَّهَ النَّوَوِيُّ عَلَى ذلك مستدركا على الرافعى فنقل ماقاله الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ
أَصْحَابِنَا وَأَمَّا كَوْنُهُ يفسخ بينهما عند المشائخ فنظيره ما إذَا اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا تَشَاحَّا يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَعَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَطْلَقَهُ وَيَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ هُنَا وَحَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ بِمَا يُخَالِفُهُ إذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصبرة بهذه الصبرة على أنها عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَخَرَجَتْ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ جَازَ الْعَقْدُ وان

(10/261)


خَرَجَتْ أَحَدَ عَشْرَ هَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ أَوْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فِي الْعَشَرَةِ فَالْقَدْرُ الزَّائِدُ لِمَنْ يَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّا غَلَّبْنَا الْإِشَارَةَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمَبِيعَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ (إنْ قُلْنَا) إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي فَهَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ لَا (الصَّحِيحُ) لَا لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ مِنْ جِهَتِهِ فِي تَرْكِ الْمُكَايَلَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارُ (وَإِنْ قُلْنَا) الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيهِ وَجْهَانِ ظَاهِرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ تِسْعَةً فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) يَصِحُّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ دُونَ الْبَائِعِ فَإِنْ فَسَخَ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ أَجَازَ فَبِكَمْ يُجِيزُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ
(وَالثَّانِي)
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ هَذَا كَلَامُ القاضى الحسين والله أعلم
*

(10/262)


(فَرْعٌ)
مَفْهُومُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ فِيمَا نَقَصَ فميا لَا رِبَا فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ صُبْرَةً بِغَيْرِ جِنْسِهَا سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ دراهم أو غير ذلك مكايلة فخرجت إحداهما نَاقِصَةً أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنْ الْبُطْلَانِ إذَا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم فخرجت ناقصة أو زائدة والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ فَتَفَرَّقَا وَكَانَ وَزْنُهُ تِسْعِينَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إذَا قَالَ عِنْدِي أَنَّ الْوَزْنَ مِائَةٌ فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَكَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ صَدَّقَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ لَا عَلَى طَرِيقِ
الشَّرْطِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَا خيار
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويعتبر التساوى فيما يكال ويوزن بكيل الحجاز ووزنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مكة))
* (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد (الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) وَلَفْظُ النَّسَائِيّ (الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ) رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ أبو داود اختلافا في سنده ومتنه (أما) السَّنَدُ فَقِيلَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ أَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ صَحَابِيٌّ (وَأَمَّا) الْمَتْنُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ بِاللَّفْظِ

(10/263)


الْمُتَقَدِّمِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طاوس عن ابن عمر قال ورواه الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ (وَزْنُ الْمَدِينَةِ وَمِكْيَالُ مَكَّةَ) قَالَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا واختلف فِي الْمَتْنِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذكره أبو عبيد فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ فَقَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (الْمِيزَانُ مِيزَانُ الْمَدِينَةِ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ مَكَّةَ) قَالَ أَبُو عبيد يقال إن هذا الحديث أصل لكل شئ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِيهِمَا بِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ تَغَيَّرَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَتَخَبَّطَ فِي تَأْوِيلِهِ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَعْدِيلَ الْمَوَازِينِ وَالْأَرْطَالِ وَالْمَكَايِيلِ وَجَعَلَ عِيَارَهَا أَوْزَانَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَكَايِيلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ عِنْدَ الشَّارِعِ حُكْمًا بَيْنَ النَّاسِ يُحْمَلُونَ عَلَيْهَا إذَا تَدَاعَوْا فَادَّعَى بَعْضُهُمْ وزنا أو في مِكْيَالًا أَكْبَرَ وَادَّعَى الْخَصْمُ أَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْهُمَا دُونَ الْأَكْبَرِ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمَكِيلَةٍ بر أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِرِطْلٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَكِيلَةِ وَالرِّطْلِ فَإِنَّهُمَا يحملان على عرف البلد وعادة الناس في أوزان الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يُعْطَى بِرِطْلِ مَكَّةَ وَلَا بِمِكْيَالِ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَفَ فِي عَشَرَةِ مَكَايِيلِ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ
وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا مَكِيلَةً وَاحِدَةً مَعْرُوفَةً فَإِنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَكَايِيلَ مختلفة فأسلفه في عشر مَكَايِيلَ وَلَمْ يَصِفْ الْكَيْلَ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ

(10/264)


فِي نَوْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُونَ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَأُمُورِ مَعَاشِهِمْ (وَقَوْلُهُ) وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ يُرِيدُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خُصُوصًا دُونَ سَائِرِ الْأَوْزَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي النُّقُودِ دُونَ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الْمُعَدَّلَةِ مِنْهَا الْعَشَرَةُ بِسَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَإِذَا مَلَكَ رَجُلٌ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الْأَوْزَانِ فِي بَعْضِ الْبَلَدَانِ والا ماكن فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَمِنْهَا الطَّبَرِيُّ وَمِنْهَا الْخُوَارِزْمِيُّ وَأَنْوَاعٌ غيرها فالبغلي ثمانية دوانيق والطبري أربعة دَوَانِيقَ وَهُوَ نَقْدُ أَهْلِ مَكَّةَ وَوَزْنُهُمْ الْجَائِزُ بَيْنَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ (إنْ شِئْت أعدها لَهُمْ) فَأَرْشَدَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْوَزْنِ فِيهَا وَجَعَلَ الْعِيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ دُونَ مَا يَتَفَاوَتُ وَزْنُهُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْبَلَدَانِ وَأَطَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَحْقِيقِ الدَّرَاهِمِ وَضَرْبِهَا ثُمَّ قَالَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّمَا هُوَ الصَّاعُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وجوب

(10/265)


الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به وَتَكُونُ بِقَدْرِ النَّفَقَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِعْيَارٌ وَلِلنَّاسِ صِيعَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فَصَاعُ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَصَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ فِيمَا يَذْكُرُهُ زُعَمَاءُ الشِّيعَةِ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ وَيَنْسُبُونَهُ إلَى جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَصَاعُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ الْحَجَّاجِ الَّذِي سَعَّرَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَلَمَّا وَلِيَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ الْعِرَاقَ ضَاعَفَ الصَّاعَ فَبَلَغَ بِهِ سِتَّةَ عَشْرَ رِطْلًا فَإِذَا جَاءَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ حَمَلْنَا الْعِرَاقِيَّ عَلَى الصَّاعِ الْمُتَعَارَفِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ بِلَادِهِ وَالْحِجَازِيَّ عَلَى الصَّاعِ المعروف ببلاد الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى عُرْفِ أَهْلِهِ فَإِذَا جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ وَأَحْكَامُهَا فَهُوَ صَاعُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَوْجِيهُهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسَاوِيَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْكَيْلِ بِمِكْيَالِ الْمَدِينَةِ وَلَا التَّسَاوِي بِمِيزَانِ مَكَّةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ فِي سَائِرِ البلاد بل أي كيل

(10/266)


اتفقا عليه أو ميزان اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَعَرَفَ التَّسَاوِي جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيزَانُ مَكَّةَ أَوْ كَيْلُ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اعْتِبَارَ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَوَازِينِ أَهْلِ مَكَّةَ لَا تُرَاعَى وَقَالَ الشَّارِحُونَ لِلْمُهَذَّبِ وَالْأَصْحَابُ إنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُكَالُ إلَّا بكيل المدينة ولا يوزن إلا بِوَزْنِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي كون الشئ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا إلَى هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ فَكُلُّ مَطْعُومٍ كَانَ أَصْلُهُ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيْلَ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَاللُّوبْيَةِ وَالْبَاقِلَا قَالَهُمَا

(10/267)


صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ بالكيل وما كان أصله بالحجاز الوزن كاذهب وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا فَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ بِالْوَزْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ وَأَصْلُ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَكُلُّ مَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والمصنف

(10/268)


وَغَيْرُهُمَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ جِهَةِ المعنى بأن ماكان مَكِيلًا مِنْهُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ بِتَفَاضُلِ الْكَيْلِ وَكَذَلِكَ ماكان يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا بَلْ الْحِجَازُ كُلُّهُ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ذلك اطلاقا وذكره صاحب البيان واسماعيل الحصرى شارح المهذب مبينا فقالا مكة والمدينة ومخالفيها وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي

(10/269)


حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ مِكْيَالَ أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ وَمِيزَانَ الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِمَا ذُكِرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ على الوجهين يعني الوجهين اللذين ذَكَرَهُمَا أَبُو دَاوُد فِي الْمَتْنِ فِي رِوَايَةِ (وَزْنُ مَكَّةَ وَمِكْيَالُ الْمَدِينَةِ) وَفِي رِوَايَةِ (وَزْنُ الْمَدِينَةِ وَمِكْيَالُ مَكَّةَ)
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَتْ تُكَالُ كَانَتْ الْعَادَةُ فِيهِمَا الْكَيْلُ وَكَذَلِكَ الْوَزْنُ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي

(10/270)


الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا وليس لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يرجع فيه إلى العرف والعادة وأوالى العادات ماكان فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَوْلَى فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ (الميزان ميزان أهل مكة) اعتبار الْوَزْنِ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَبِرَ الِاكْتِيَالَ بِمِكْيَالِ الْحِجَازِ بَلْ إنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّسَاوِي بِهِ وَمَتَى تَسَاوَى طَعَامَانِ فِي مِكْيَالٍ أَيُّ مِكْيَالٍ كَانَ فَعُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي مِكْيَالِ الْحِجَازِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كِيلَا بِهِ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوَى مَوْزُونَانِ فِي أَيِّ مِيزَانٍ كَانَ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا

(10/271)


لَوْ وُزِنَا بِمِيزَانِ الْحِجَازِ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فَهَذَا وَجْهُ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَكُونُ فَائِدَةُ ذَلِكَ نَفْيَ فَسَادِ الْمَكِيلِ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْمَوْزُونِ في الكيل ان أَرَدْتُ دَفْعَ السُّؤَالِ مَرَّةً فَاجْعَلْ قَوْلَهُ بِكَيْلِ الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ وَيُكَالُ وَيُوزَنُ كَأَنَّهُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ بِالْحِجَازِ أَوْ مَوْزُونٌ بِهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ مَكِيلًا بِالْحِجَازِ ولا موزنا بِهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فَهَذَا مَحْمَلٌ سَائِغٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ وَيُعْتَبَرُ

(10/272)


التَّسَاوِي بِكَيْلِ الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُطْلَقًا لَمْ يَحْسُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَجَوَّزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حَمْلِ الْحَدِيثِ احْتِمَالَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَعَلَّ اتِّحَادَ الْمَكَايِيلِ كَانَ يَعُمُّ فِي الْمَدِينَةِ وَاتِّحَادَ الْمَوَازِينِ كَانَ يَعُمُّ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْعَادَةِ (قُلْتُ) وَكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ مُمْكِنٌ وَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ أَقْرَبُ إلَى تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ (وَأَمَّا) انْحِصَارُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَلَا يَلْزَمُ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ انْدِرَاجُهَا فِيهِ كُلُّ مَا اُعْتُبِرَ الشرع التَّقْدِيرُ فِيهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ فَيَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الشَّيْخِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِعَادَةِ الْحِجَازِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَكِيلِ بِالْكَيْلِ
وَالْمَوْزُونِ بِالْوَزْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالسِّرُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا تُجَّارًا لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا أَصْحَابَ النَّخِيلِ وَالْكَيْلِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ بِكَيْلِ

(10/273)


الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ أَيْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَأَمَّا الْعَادَةُ الْحَادِثَةُ بِالْحِجَازِ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا اتِّفَاقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ من الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ اتَّحَدَ مِكْيَالٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ فِي عَصْرِ الشَّارِعِ وَكَانَ يجري التماثل به فالوجه القطع بِجَوَازِ رِعَايَةِ التَّمَاثُلِ بِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتعبدنا فِي الْحَدِيثِ إلَّا بِالْكَيْلِ الْمُطْلَقِ فِيمَا يُكَالُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مِكْيَالًا (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَدَّمْتُهُ لَكَ مِنْ أَنَّ التَّسَاوِيَ فِي مِكْيَالٍ دَالٌّ عَلَى التَّسَاوِي فِي كُلِّ مِكْيَالٍ تَنَبَّهْت لِذَلِكَ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَعْيَانَ الْمَكَايِيلِ فَإِنَّا إذَا كِلْنَا صاعا بصاع المدينة وعلمنا أن الصَّاعَ يَسَعُ قَدَحَيْنِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّاعَ يُسَاوِي الْقَدَحَيْنِ هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا وَزَنَّا دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ فِي مِيزَانِ بعض البلاد وتساويا يعلم

(10/274)


أنها مُسْتَوِيَانِ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَجْمَعَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ وَعُدِّلَتَا بِالتَّسَاوِي فِي كِفَّتَيْ مِيزَانٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا تَحْوِيهِ كُلُّ كِفَّةٍ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مِكْيَالٍ يَجْرِي الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْهَدْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ بِيعَ ملء قَصْعَةٍ بِمِلْئِهَا وَمَا جَرَى الْعُرْفُ بِالْكَيْلِ بِأَمْثَالِهَا فَقَدْ حَكَى شَيْخِي تَرَدُّدًا عَنْ الْقَفَّالِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا الْجَوَازُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ الْإِمَامُ هُوَ الرَّاجِحُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ يُكَالُ بِالدَّلْوِ والدورق والجرة والحفنة والزمبيل وبحفر حفرة يكال فيها قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَمَحِلُّ خِلَافِ الْقَفَّالِ فِي قَصْعَةٍ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْكَيْلِ بِهَا أَمَّا قَصْعَةٌ يُعْتَادُ الْكَيْلُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ الشَّارِعِ فَيَجُوزُ

(10/275)


جزما كما اقتضاه كلام (1) وَابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ وقال الامام والرافعي وَالْوَزْنُ بِالطَّيَّارِ وَزْنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لِسَانٌ وَالِاسْتِوَاءُ يَبِينُ فِيهِ بِتَسَاوِي فَرْعَيْ الْكِفَّتَيْنِ والوزن بالقرطستون وزن قالا وقد يتأنى الوزن بالماء بأن يوضع الشئ فِي ظَرْفٍ وَيُكْفَى عَلَى الْمَاءِ وَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ غَوْصِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي تَمَاثُلِ الرِّبَوِيَّاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَوَّلَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ قَالَ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ وَتَوَقَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْوَزْنِ بِالطَّيَّارِ لِعَدَمِ اللِّسَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً فَإِنَّمَا تَنْفَعُ فِيمَا سِوَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا (وَأَمَّا) الستة فقد تقدم الْفَصْلِ السَّابِقِ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَالتَّنْصِيصُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَوْزُونَانِ وَالْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ مَكِيلَةٌ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ فِي الْمِلْحِ والله أعلم
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/276)


(فَرْعٌ)
الْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حنيفة رضى الله عنه نقل أصحابنا عنه أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا مَكِيلَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدُ فِيهَا وَأَمَّا ما سوى الاربعة فالا عتبار فِيهَا بِعَادَةِ النَّاسِ فِي بُلْدَانِهِمْ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَادَةِ الْحِجَازِ وَلَا بِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ فِيهَا عَادَةً غَيْرَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ
* (فَرْعٌ)
عَدَّ الْمَاوَرْدِيُّ أَشْيَاءَ ادَّعَى فِيهَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكِيلَةً (منها) الحبوب

(10/277)


وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا ادَّعَاهُ سَالِمٌ لَهُ إلَّا فِي الْأَدْهَانِ فَيَسْتَغْرِقُ حُكْمَهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ إنْ شَاءَ الله تعالى وقد عرض لى ههنا بحث من قول الحطابى أن الطبري الذى هو أربع دَوَانِيقَ هُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ (قُلْتُ) فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَيْهِ وَالدِّرْهَمُ الْيَوْمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ) يَنْفِي اعْتِبَارَ غَيْرِهِ مِمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الزمان ومما حدث بعده فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الدِّرْهَمِ الْمُعَدَّلِ بَيْنَ وَزْنِ مَكَّةَ
وَغَيْرِهِ الَّذِي ضُرِبَ فِي زَمَانِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ النِّصَابُ من هذه الدراهم اليوم مائة وثلاثة

(10/278)


وثلاثين وثلث وَوَاجِبُهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَإِنَّمَا بِوَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ مِائَتَانِ وَالْمُخْرَجُ خَمْسَةٌ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الْيَوْمَ كُلُّ مِائَتَيْنِ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّ فِيهَا مِنْ الْخَالِصِ هَذَا المقدار الا أن يقال ماقاله الخطابى عن أبى عبيد انهم كانو يَتَعَامَلُونَ بِالْبَغْلِيَّةِ وَالطَّبَرِيَّةِ نِصْفَيْنِ مِائَةٌ بِغَلِيَّةٍ وَمِائَةٌ طَبَرِيَّةٌ فَكَانَ فِي مِائَتَيْنِ الزَّكَاةُ لَكِنَّا نَقُولُ مُجَرَّدُ الْمُعَامَلَةِ لَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا فِي مَكَّةَ الَّتِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ وَزْنَهَا عَلَى الْخُصُوصِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ وَزْنَ مَكَّةَ مُوَافِقٌ لِلْوَزْنِ الَّذِي هُوَ الْيَوْمَ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ وَمَا هُوَ مَوْزُونٌ
* الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَوْزُونَانِ بِالنَّصِّ وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ مَكِيلَانِ بِالنَّصِّ وَالْمِلْحُ مَكِيلٌ بِالنَّصِّ إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ اسْتَثْنَوْا مَا إذَا كَانَ قِطَعًا كِبَارًا فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ وَكُلُّ

(10/279)


مَا هُوَ فِي جُرْمِ التَّمْرِ وَدُونِهِ فَهُوَ مَكِيلٌ كَاللَّوْزِ وَالْعُنَّابِ وَكُلُّ مَا فَوْقَهُ مَوْزُونٌ قالهما القاضى حسين والعجب أن القاضى حسين قَبْلَ ذَلِكَ بِسَطْرٍ قَالَ إنَّ دُهْنَ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ لِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلٍ مَوْزُونٍ وَالْأُرْزُ مَكِيلٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ وَالسِّمْسِمُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا
* إذَا كَانَتْ صِيغَةُ بِتَسَاوِي طَعَامًا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَفْضُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَاعْرِفْ مِنْ حَالِهِ أَنَّ التَّمَاثُلَ فيه بالوزن كالتماثل فيه بالكيل

(10/280)


فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالِفَةِ النَّصِّ وَتَغْيِيرِ الْعُرْفِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِكَوْنِ الْوَزْنِ فِيهِ ثَابِتًا عَنْ الْكَيْلِ للعلم بموافقته كم كَانَ مِكْيَالُ الْعِرَاقِ ثَابِتًا عَنْ مِكْيَالِ الْحِجَازِ لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمِكْيَالَيْنِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ التَّفَاضُلُ وَالْوَهْمُ كَالْحَقِيقَةِ ثُمَّ نَقَلَ مَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا
سَوَاءٌ تَفَاضَلَا فِي الْكَيْلِ أَوْ تَسَاوَيَا وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قرية يباع الطعام فيها وَزْنًا فَبَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُوَازَنَةً وَجْهَيْنِ (وَقَالَ) أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ جَوَازَ بَيْعِهَا وَزْنًا وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْكَيْلِ عَلَى وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلا ماقاله الماوردى
*

(10/281)


* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ في الكيل والوزن نظرت فان كان مما لا يمكن كيله اعتبر التساوي فيه بالوزن لانه لا يمكن غيره وان كان مما يمكن كيله ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يعتبر بأشبه الاشياء به في الحجاز فان كان مكيلا لم يجز بيعه الا كيلا وان كان موزونا لم يجز بيعه الا موزونا لان الاصل فيه الكيل والوزن بالحجاز فإذا لم يكن له في الحجاز أصل في الكيل والوزن اعتبر باشبه الاشياء به والثانى أنه يعتبر بالبلد الذى فيه البيع لانه أقرب إليه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَيْ الَّذِي يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ الَّذِي صَدَرَ الْفَصْلُ بِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَطْعُومَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُهِدَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ أَوْ لَا (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ الْمَعْهُودُ بِالْحِجَازِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ الَّذِي

(10/282)


لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا فَرَضْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ لِيَكُونَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا قَوْلًا وَاحِدًا قَدِيمًا وَجَدِيدًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ (1) الَّذِي فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرَّعَهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّصْوِيرِ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْمَشْهُورِ فِي الْكُتُبِ أَنَّ مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فِي الْحِجَازِ لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِي الْقَدِيمِ وَيَجْرِي فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَمْ يُحَرِّرْ الْعِبَارَةَ فَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ اشْتِرَاطُ الْحِجَازِ فِي ذَلِكَ فِي اعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَافْهَمْهُ
* إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ
الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ إمَّا لِأَنَّهُ حَدَثَ بِالْحِجَازِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْبِلَادِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ أَوْ لَا وَلَا يَتَأَتَّى بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِنَا انه مما يكال أو يوزن
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/283)


لانه يصح هذا الاطلاق إذَا صَحَّ وَاحِدٌ فَقَطْ فَقَدْ صَحَّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ الْوَزْنُ وَكَذَلِكَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ ومن تبعهم من غير أن يأتو بلفظ الامكان أو عدمه بل عجلوا مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ وَزْنًا وَأَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَفُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَضَبَطَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وصاحب التتمة بما زاد غالى جُرْمِ التَّمْرِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ مَا يَتَجَافَى وَمَا لَا يَتَجَافَى وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ قائلون بالوزن فيما يقول هَؤُلَاءِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ فَصَحَّ عَدُّهُمْ فِيمَنْ يَقُولُ بِالْوَزْنِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ إذَا أَخَذَ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَمِمَّا لَا يتأتى فيه خلاف لانه ربوي قطعيا لاجتماع الطعم وَالْوَزْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ التَّقْدِيرَ فِي الرِّبَا وَلَا بُدَّ مِنْ مِعْيَارٍ تُعْرَفُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مِعْيَارَ إلَّا الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ مُمْتَنِعٌ لِمَا فُرِضَ فَتَعَيَّنَ الْوَزْنُ فَهَذَا بَسْطُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

(10/284)


وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُمَا انْحِصَارُ الْمِعْيَارِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَامْتِنَاعُ الْكَيْلِ فَإِنْ عُدِمَ إمْكَانُ غَيْرِ الْوَزْنِ إمَّا لَتَعَذُّرِهِ كَالْكَيْلِ وَإِمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَهَذِهِ الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مِعْيَارٍ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا عَلَى عِبَارَةِ القاضى حسين وأتباعه فقد لا يسلم لَهُمْ امْتِنَاعَ
الْكَيْلِ فِيمَا زَادَ عَلَى التَّمْرِ بِقَلِيلٍ فَلِذَلِكَ عَلَّلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ الْكَيْلَ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ التَّمْرِ وَبِأَنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ وَيَكْثُرُ التَّفَاوُتُ وهذان المعنيان يمكن أن يجعلا جزئي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً بَلْ جَمَاعَاتٍ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْقِسْمَ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيمَا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ مُطْلَقًا وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السَّمْنُ وَالزَّبِيبُ وَالْعَسَلُ والسكر كلها تباع وَزْنًا عَلَى الْمَنْصُوصِ وَسَيَأْتِي فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ نَذْكُرُهُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ إنْ شَاءَ الله تعالى
*

(10/285)


(فَرْعٌ)
هُوَ كَالْقَاعِدَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في بَابِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَصْلُ السَّلَفِ فِيمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ أَصْلَانِ فَمَا كان منه بصفة وَتَسْتَوِي خِلْقَتُهُ فَيَحْتَمِلُهُ الْمِكْيَالُ وَلَا يَكُونُ إذَا كيل تجافى في المكيال فيكون الواحد منه يأتيه في المكيال عريضة الاسفل رفيعة الرأس أو عريضة الاسفل والرأس رفيعة الوسط فإذا وضع شئ إلَى جَنْبِهَا مَنَعَهُ عَرْضُ أَسْفَلِهَا مِنْ أَنْ يَلْصَقَ بِهَا وَوَقَعَ فِي الْمِكْيَالِ وَمَا بَيْنَهَا وبينه تجافى ثُمَّ كَانَتْ الطَّبَقَةُ الَّتِي فَوْقَهُ مِنْهُ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَالَ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا تَرَكُوا كَيْلَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ كَيْلًا وَفِي شَبِيهٍ بِهَذَا الْمَعْنَى مَا عَظُمَ وَاشْتَدَّ فَصَارَ يَقَعُ في المكيال منه الشئ لم يقع فوقه منه شئ

(10/286)


مُعْتَرِضًا وَمَا بَيْنَ الْقَائِمِ تَحْتَهُ مُتَجَافٍ فَيَسُدُّ المعرض الَّذِي فَوْقَهُ الْفُرْجَةُ الَّتِي تَحْتَهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ فوقه غيره فيكون من المكيال شئ فَارِغٌ بَيْنَ الْفَرَاغِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي هذا كيلا ولو تراضيا عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ سَلَفًا وَمَا صَغُرَ وَكَانَ يَكُونُ في المكيال فيمتلئ المكيال به ولا يتجافا التَّجَافِيَ الْبَيِّنَ مِثْلَ التَّمْرِ وَأَصْغَرُ مِنْهُ مِمَّا لا تختلف خلقته اختلاف بَائِنًا مِثْلُ السِّمْسِمِ وَمَا أَشْبَهَهُ أُسْلِمُ فِيهِ كيلا وكلما وصفت لا يجوز السلم فيه كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِيهِ وَزْنًا انْتَهَى كلام الشافعي رحمه الله وهو ضابط فيما يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِيهِ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَثَّلَ
الرُّويَانِيُّ مَا يَتَجَافَى بِعُرُوقِ الشَّجَرِ وَقِطَعِ الْخَشَبِ مِمَّا يُتَدَاوَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ السَّعْمَقَ يُبَاعُ وزنا لانه قَدْ يَكُونُ فُتَاتًا وَيَكُونُ قِطَعًا فَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُ وَزْنُهُ وَهَكَذَا صَوَّرَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ والوزن جميعا فيما إذا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَالِكِي طريقتهم الوجهين الذين ذكرهم المصنف في

(10/287)


الْكِتَابِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِ وصححه ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَجَزَمَ بِهِ سَلَّامُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ (قَالَ) الْأَصْحَابُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا حَكَمَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ حَلَّ وَمَا اسْتَخْبَثَتْهُ حَرُمَ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ رُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَرْجِعَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الِاشْتِبَاهُ أَنْ تَرُدَّ إلَى أَشْبَهِ الْأُصُولِ بِهَا وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْحِجَازِ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَرْجِعَ إلَى الْحِجَازِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَا أَصْلٌ فَنَعْتَبِرُ مَا يُشْبِهُهُ مُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ بِبَلَدِهِ لَفَاتَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ الْأَفْقَهُ وَاقْتَضَى إيرَادُ الْجُرْجَانِيِّ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِيمَا لَا عَادَةَ فِيهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُسْتَوِيَةً فِيهِ قال صاحب الواقى وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ إلَى الْعُرْفِ لَا إلَى أشبه الاشياء به لعله يفرق بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَمَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْبَعِيدَ فِي اعْتِبَارِ الْأَشْبَاهِ مَعْمُولٌ بِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بدليل

(10/288)


إيجَابِ الشَّاةِ فِي قَتْلِ الْحَمَامِ وَمَا عَبَّ وهدر فهو مردودا إلَى أَدْنَى شَبَهٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمَعْمُولَ فِيهِ أَصْلًا هُوَ الْعُرْفُ لَا مَا يُشْبِهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمْرَ مَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ إلَى الْوَزْنِ أَقْرَبُ فَاتُّبِعَ فِيهِ الْعُرْفُ فَكَذَلِكَ فِيمَا لَهُ شَبَهٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُصَنَّفِينَ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ فَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ قالوا بلد البيع قال الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مَعَ هَذَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْعُرْفِ فَالْغَالِبُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عُرْفُ أَهْلِ الْوَقْتِ فِي
أَغْلَبِ الْبِلَادِ وَجَزَمَ بِهِ فَإِنْ اسْتَوَتْ أَوْ فُقِدَتْ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَقَالَ القاضى أبى الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ

(10/289)


الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عُرْفُ الْبِلَادِ قَالُوا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ يُكَالُ فِي بَعْضِهَا وَيُوزَنُ فِي بَعْضِهَا حُكِمَ بِالْأَكْثَرِ زَادَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ لِلِاخْتِلَافِ وَلَا أَدْرِي أَيُّ الْعُرْفَيْنِ أَغْلَبُ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ أَيْضًا بَحْثًا لَكِنْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ غَالِبُ عَادَةِ النَّاسِ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَأَطْلَقَ وَفِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ سُلَيْمٌ قَالَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَعْنَى وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى شئ وَاحِدٍ فَلَا يَبْقَى اخْتِلَافٌ إلَّا بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَيَعُدَّانِ

(10/290)


كَذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ غَيْرَ مَنْسُوبَيْنِ فَتَحَصَّلْنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَلَيْسَ يُوجَدُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْكُوا فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا وَجْهَيْنِ وَلَا يَكْفِي مَنْ نَقَّحَ الْمَسْأَلَةَ وَمَيَّزَ أَقْسَامَهَا وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ قِسْمٍ وَحْدَهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا أَعْلَمُ الْآنَ وَيُوجَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ أُخَرُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (رَابِعُهَا) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مَكِيلٌ بَلْ كُلُّ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ مَكِيلٌ (وَخَامِسُهَا) الْوَزْنُ لِأَنَّهُ أَخُصُّ (وَسَادِسُهَا)

(10/291)


أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَ التَّخْيِيرِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ (وَسَابِعُهَا) إنْ كَانَ مُتَخَرَّجًا مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومِ التَّقْدِيرِ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ كَأَصْلِهِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ وَالْخَلُّ مَكِيلٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْعَصِيرُ مَكِيلٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الزبيب مكيل وهذ الْوَجْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ أَيْضًا وَجَعَلُوا مَحِلَّ الْخِلَافِ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَخْرَجًا مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومِ التَّقْدِيرِ
وَالرَّافِعِيُّ قَالَ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مَعْلُومُ التَّقْدِيرِ

(10/292)


وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْصِيصُ الْمَاوَرْدِيُّ محل الخلاف بما لاعادة فيه أوما كَانَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مُسْتَوِيَةً (فَأَمَّا) صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى جَعَلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (وَجْهُ) اعْتِبَارِ الشَّبَهِ (وَوَجْهُ) اعْتِبَارِ غَالِبِ الْبَلَدَانِ كَمَا فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ثُمَّ قَالَ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَكَانَ شَبَهُهُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ سَوَاءٌ فَقِيلَ الْكَيْلُ وَقِيلَ الْوَزْنُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي وَعَادَةُ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَالْوَزْنُ وَقِيلَ الْكَيْلُ يَتَخَيَّرُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَيْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ أَوْ بِعَادَةِ بَلَدِ الْبَيْعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي أَكْثَرِ الكتب والله أعلم
* وهى على الوجه الثاني غير مافى الْحَاوِي وَعَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ عَلَى قولنا باعتبار الشبه فكان تشبيههما معا فأنهما يُعْتَبَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (1) وَهُوَ بَعْضُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَبَحَثَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْوَجْهَ الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ عَنْ شَيْخِهِ فَقَالَ وَلَوْ مَنَعَ مَانِعٌ أَصْلَ الْبَيْعِ لِاسْتِبْهَامِ طَرِيقِ التَّمَاثُلِ لَكَانَ أَقْرَبَ مِمَّا ذَكَرَهُ يَعْنِي شَيْخَهُ (قُلْتُ) وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُ الْبَيْعِ لِأَنَّ هَذَا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَيُبَاعُ إمَّا الْكَيْلُ وَإِمَّا الْوَزْنُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ حَيْثُ نَقُولُ إنَّهُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ العلة فيه أن المبيع ممتنع الا بشرط الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَهُمَا مَفْقُودَانِ وههنا بخلافه هما ممكنان ومع المرجح من
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/293)


الْعَادَةِ أَوْ الشَّبَهِ أَوْ الْأَصْلِ لَا نُسَلِّمُ الِانْبِهَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ أطلقوا هذا الخلاف كما ذكرناه والجوزي جَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ مَا كَالَهُ قَوْمٌ وَوَزَنَهُ آخَرُونَ (أَمَّا) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَهُوَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ كَالسُّكَّرِ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى وَزْنِهِ (قُلْتُ)

(10/294)


انما يحتاج في السُّكَّرُ إلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ مَدْقُوقًا أَمَّا الْكِبَارُ فَفِي الضَّوَابِطِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرَعٌ)
مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ عبارة المصنف لاتشملة ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ يُكَالُ مَرَّةً وَيُوزَنُ أُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ
*

(10/295)


(فَرْعٌ)
يُبَاعُ الْبَيْضُ بِالْبَيْضِ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قِشْرُهُ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهِ
* قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الوزن ولا بأس أن تسلف في شئ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا فِي شئ يُبَاعُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِي المدينة في عهد النبي صلى الله على وَسَلَّمَ قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي أَدْرَكْنَا المتبايعين به عليه فأما ماقل مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ لَا لِكَثْرَةٍ يُبَاعُ وزنا

(10/296)


وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَا آكُلُ سَمْنًا مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ) وَيُشْبِهُ الْأَوَاقِيَ أَنْ يَكُونَ كَيْلًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* وَفِي قَوْلِهِ وَيُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ يَكُونَ كَيْلًا نَظَرٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذَا الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ وَقَدْ كَانَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ بِالزَّيْتِ فَقَرْقَرَ بَطْنُهُ فَقَالَ (قَرْقَرِ مَا شِئْتِ فَلَا يَزَالُ هَذَا دَأْبُكِ مَادَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ) وَجَعَلَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ أَصْلَ السَّمْنِ الْوَزْنُ وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّمْنَ لِقِلَّتِهِ صَارَ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْوَزْنِ فَامْتَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَكْلِهِ فَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْأَوَاقِي اسم لِلْمَكَايِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ الْآنَ والشافعي أخبر بعرف ذلك الزمان
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان مما لا يكال ولا يوزن وقلنا بقوله الجديد إنه يحرم فيه الربا وجوزنا بيع بعضه ببعض نظرت
فان كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ والبطيخ وما اشبهها بيع وزنا وان كان مما يمكن كيله ففيه وجهان (احدهما) لا يباع الا كيلا لان الاصل هو الاعيان الاربعة المنصوص عليها وهى مكيلة فوجب رده إلى الاصل
(والثانى)
انه لا يباع الا وزنا لان الوزن احصر)
* (الشَّرْحُ) (قَوْلُهُ) وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمَبِيعُ الْمَطْعُومُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ أَيْ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَأَتَّى كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمُتَقَدِّمِ لانه لافرق فِي الْحُكْمِ هُنَا بَيْنَ مَا عَهِدَهُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَانِيُّ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ السُّؤَالِ عَمَّا فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ الْإِشْكَالِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ

(10/297)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي شَرَعْنَا فِيهَا فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَاَلَّذِي قُلْتُهُ أَشْمَلُ وَأَحْسَنُ فَاعْلَمْهُ
* إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَنَا خِلَافًا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْخِيَارِ وَالْجَوْزِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ عَدَدًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الشَّرْقِ وَإِلَّا فَالْجَوْزُ وَالْقِثَّاءُ فِي بِلَادِنَا يُبَاعَانِ وَزْنًا وَالْبَاذِنْجَانُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ فِي بعض البلاد كذلك ضابط ما يكليه فِيهِ مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ الْعَامُ بِتَقْدِيرِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَّفِقُ فِي بَعْضٍ عَلَى خِلَافِ الْعُمُومِ فَالْقَدِيمُ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَهُوَ

(10/298)


جُزْءُ الْعِلَّةِ فِي الْقَدِيمِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَجُزَافًا وَمُتَفَاضِلًا وَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَلَهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِفَصْلَيْنِ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَيَذْكُرُهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَيْنِ فِيمَا يدخر بعد تجفيفه قال لا يجوز رُطَبَةٍ بِرُطَبٍ وَبَعْدَ الْجَفَافِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لا يعرف له مِعْيَارٌ فِي الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ بَعْضٌ إلَى ابن جريج بن شريح فَعَلَى هَذَا إنْ
كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّفَرْجَلُ الْكِبَارُ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْفُجْلُ وَالسَّلْجَم وَالْجَزَرُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَا أَشْبَهَهُ بِيعَ وَزْنًا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالتُّفَّاحِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالتِّينُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّبْقُ وَالْعُنَّابُ قَالَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخَوْخُ الصِّغَارُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَفِي مِعْيَارِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي تعليقه عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّهُ أَحْصَرُ فِي حُصُولِ حَقِيقَةِ الْمُسَاوَاةِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّافِي وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ قال في البسيط بعد ذكر مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَهَذَا فِيمَا لَا قِشْرَ لَهُ أَمَّا الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا وَجْهًا وَاحِدًا وَطَرَدَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ خِلَافًا إذَا بِيعَ وَزْنًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيهِ لَا يُضْبَطُ وَقَالَ هُوَ وَابْنُ الصباغ

(10/299)


إنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ حال بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَجَرَيَانُ الرِّبَا في غير المكيل والموزون من المأكول وإذا بيع منه جنس بشئ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَصِحَّ عَدَدًا وَلَمْ يَصِحَّ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هذا الموضع بغلطه هذا لفظ الشافعي رحمه الله تعالى وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِتَفَاوُتِ الْعَدَدِ وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ الْخُضَرِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ الْكَيْلُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ قِيلَ مِنْ شَأْنِ الْفَرْعِ أَنْ يُرَدَّ إلَى الْأَصْلِ بِحُكْمِهِ وَهَذِهِ الْأُصُولُ حُكْمُهَا تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ

(10/300)


حُكْمُ فُرُوعِهَا تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ فِي الْوَزْنِ قُلْنَا إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكَيْلُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَقْدِيرَهَا فِي الْعَادَةِ بِالْكَيْلِ وَالْفَرْعُ الْمُلْحَقِ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي تُسَاوِيهِ بِمَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ كَيْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَزْنَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوْزُونَ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّنْبِيهِ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ هَذَا الْقِسْمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى
الْجَدِيدِ مَقْصُودًا وَهُنَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْمِعْيَارِ وَذَكَرَ وَجْهًا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَيْلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا الْوَزْنَ فَقَطْ وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْوَافِي أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْكِتَابَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي التَّنْبِيهِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ الَّذِي هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آنِفًا كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ إلَّا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
امْتِنَاعُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّنْبِيهِ أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ فِي التَّنْبِيهِ مَا يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ مَا يُمْكِنُ كيله ومالا يمكن

(10/301)


قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُبَاعُ وَزْنًا أَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَقِطَعًا وَأَمَّا فِيمَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ كَذَلِكَ وَلِضَعْفِهِ فَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ شَائِعَةٌ فِي كَلَامِهِ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَمَلٌ لايرد عليه شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ صَحَّحَ كَلَامَهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى جَمَاعَةٍ وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْهُ خِلَافُ مُرَادِهِ وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُهُمْ حِكَايَتَهُ فِيهِ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعٍ مُطْلَقًا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي الْمُهَذَّبِ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي التَّنْبِيهِ شَامِلٌ لِمَا يُدَّخَرُ وقد عرفت أن القاضى حسين حَكَى فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالَةِ جَفَافِهِ وَجْهَيْنِ وَلِمَا لَا يُدَّخَرُ الَّذِي حُكِيَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمُهَذَّبِ
*

(10/302)


(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزُ بِالْجَوْزِ مَعَ قِشْرِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَا الْمِعْيَارُ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ قُلْتُ لَهُ فَالْجَوْزُ بِالْجَوْزِ فَقَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُبَاعُ وَزْنًا
(وَالثَّانِي)
يُبَاعُ كَيْلًا وَكَذَلِكَ حَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ فِي قِشْرِهِ وَزْنًا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ) وَكَوْنُ الْجَوْزِ مَوْزُونًا أَقْرَبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الضَّابِطِ فِيمَا زَادَ عَلَى حَدِّ التَّمْرِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ اللَّوْزَ مَكِيلٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ
الْآجَالِ مَا ظَاهِرُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ معه شئ معيب مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي داخله فلا خير فيه بعضه ببعض عددا ولا كيلا وزنا من قبل أن ماكوله معيب وَأَنَّ قِشْرَهُ يَخْتَلِفُ فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ فَلَا يكون أبدا الا مجهول بِمَجْهُولٍ فَإِذَا كُسِرَ فَخَرَجَ مَأْكُولُهُ فَلَا بَأْسَ ببيع بعضه ببعض عددا لا وزنا ولا كيلا فَإِذَا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَطْبًا فَقَدْ يَبِسَ فَيَنْقُصُ وإذا انتهى يبسه فلا يستطاع أن يكال وَأَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَزْنًا لِأَنَّا لَا نُحِيلُ الْوَزْنَ إلَى الْكَيْلِ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ

(10/303)


قَالَ فِي الصَّرْفِ لَا يُبَاعُ الْجَوْزُ بَعْضُهُ ببعض كيلا ولا وزنا ثم قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا بَعِيدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَبِالْجَوَازِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ قِشْرَهُ مِنْ صَلَاحِ اللُّبِّ وَيُدَّخَرُ مَعَهُ كَيْلًا يَفْسُدُ فَهُوَ كَالنَّوَى مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَا يقيه من الفساد يكون في جوفه وههنا مَا يَقِيهِ مِنْ الْفَسَادِ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ ومقتضى كلام الامام الْجَوْزَ وَالْبَيْضَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْقِثَّاءِ بِالْقِثَّاءِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْقِثَّاءِ الْمَنْعُ عَلَى الْجَدِيدِ ثُمَّ قَالَ وَاتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي أَجْوَافِهَا وَقُشُورِهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِي الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ إذَا بيع البعض بالبعض منها وزنا وجهين قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ (قُلْتُ) وَذَلِكَ أَنَّ الْجَوْزَ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ يُبَاعُ بِالْعَدَدِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ الْعُرْفُ فِي وَزْنِهِ فَهُوَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلشَّارِعِ فِيهِ مِعْيَارٌ فَامْتَنَعَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْقِثَّاءِ مِنْ جِهَةِ اسْتِتَارِهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَلَا اللَّوْزِ بِاللَّوْزِ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا إلَّا أَنْ لَا ينقص في

(10/304)


الْكَيْلِ فَيَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي جَوْفِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قِشْرَهُ مِنْ صَلَاحِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَإِنَّ الْجَوْزَ مَعْدُودٌ وَاللَّوْزُ مَكِيلٌ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ فِي الْإِبَانَةِ بَيْعُ الْأَدْوِيَةِ بالادوية إن كانت لاتتجافى في المكيال فتباع كيلا والافوزنا وَإِنْ كَانَتْ مَعْجُونَةً فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ هَذَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَزْنًا قَالَ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةُ كَمَالِهِ فَإِنْ كَانَا مَكْسُورَيْنِ لَمْ يَجُزْ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فِي مَكَان لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُبَاعُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْكَيْلُ بِيعَ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الْكَيْلُ بِيعَ كَيْلًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَوَزْنًا عَلَى الآخر اه فَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَكَانِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ هُنَا عَدَمَ الْكَيْلِ والوزن خَاصَّةً بَلْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَحِلُّ كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ) الْأَصْحَابُ يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ فِي الْمَطْعُومِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُصَرِّحُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَوْ الشَّرْعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْتُهُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْعَنْتَ فِيهِ التَّأَمُّلَ يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو محمد عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ فَصْلٌ فِيمَا لَا يُقَدَّرُ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا مَا لَا يُقَدَّرُ في الْعُرْفِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ الْقَدِيمُ أَنَّهُ

(10/305)


لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ) فَأَفَادَ ذَلِكَ مَا قُلْتُهُ وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غُضُونِ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْ تِلْكَ اللَّفْظَةِ أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله ذلك والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة كبيع ثوب ودرهم بدرهمين ومد عجوة ودرهم بدرهمين ولا يباع نوعان من جنس بنوع كدينار قاسانى ودينار سابورى بقاسانيين أو سابوريين أو وكدينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو دينارين قراضة والدليل عليه ما روى فضالة بن عبيد قال (أتى رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلادة فيها

(10/306)


خرز مغلفة بذهب فابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة دنانير فقال عليه السلام لا حتى تميز بينه
وبينه قال أنا أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما) ولان الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن عليهما والدليل عليه أنه إذا باع سيفا وشقصا بالف قوم السيف والشقص وقسم الالف عليهما على قدر قيمتهما وأخد الشفيع الشقص بحصته من الثمن على قدر قيمته وأمسك المشترى السيف بحصته من الثمن على قدر قيمته وإذا قسم الثمن على قدر القيمة أدى إلى الربا لانه إذا باع دينارا صحيحا قيمته عشرون درهما ودينارا قراضة قيمته عشرة بدينارين وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما صارت القراضة مبيعة بثلث الدينارين والصحيح بالثلثين وذلك ربا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ فَضَالَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَيْضًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَنَسَبَهُ ابْنُ مَعْنٍ شارح

(10/307)


المهذب إلى مسلم وأبن دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ اعْتِبَارًا بِأَصْلِ الْحَدِيثِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُخَرِّجِينَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالصَّوَابُ مَا حَرَّرْتُهُ وَرِوَايَةُ الصَّحَابِيِّ فَضَالَةَ بِفَتْحِ - الْفَاءِ - وَالضَّادِ - الْمُعْجَمَةِ ابْنِ عُبَيْدٍ مُصَغَّرًا ابْنِ نَافِذٍ - بِالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - ابْنِ قَيْسِ بْنِ صُهَيْبِ بن الاضرم من جَحْجَبَا - بِجِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَهُنَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - ابْنِ كُلْفَةَ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ - ابْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْعُمَرِيِّ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَسُكُونِ الْمِيمِ - أَبُو مُحَمَّدٍ

(10/308)


وأمه عفرة - بفتح العين - ابنت محمد بن عقبة بن أحيحة بن الحلاج بن الحريس بْنِ جَحْجَبَا الْمَذْكُورِ شَهِدَ فَضَالَةُ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وما بعدها مِنْ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِدِمَشْقَ لَمَّا مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِوَصِيَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِمُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَهُ عَقِبٌ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ المدايني وَرَأَيْتُ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ لِلْبَغَوِيِّ أَنَّهُ سَكَنَ مِصْرَ وَمَاتَ بِهَا مَعَ ذِكْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ كَاتِبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وروى عنه هذا الحديث حنش ابن عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحِ اللَّخْمِيُّ وَفِي طَبَقَتِهِ حَنَشٌ الرَّاوِي

(10/309)


عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ سليمان التيمى وخالد الواسطي في حديثه ضعف اسمه حسين ابن قيس وحنش بن المعتمر الكوفى الرواى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحَنَشُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَقِيطٍ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ يَرْوِي عَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ الْمَذْكُورِ أَبُو شُجَاعٍ هَذَا وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو سَلَمَةَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وسعيد ابن يَزِيدَ مِصْرِيٌّ رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ حَدِيثَهُ مُرْسَلًا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ (مِنْهَا) اللَّفْظُ الَّذِي فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ (اشْتَرَيْتُ

(10/310)


يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً ثَمَنُهَا اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُبَاعُ حَتَّى تَفْصِلَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقَلَائِدَ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْغَنَائِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (وَمِنْهَا) عَنْ حَنَشٍ قَالَ (كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلِأَصْحَابِي قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فَقَالَ انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ ثُمَّ لَا تَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً فِيهَا ذَهَبٌ

(10/311)


وخرز فأردت بيعها فذكرت ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ افْصِلْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ بِعْهَا) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عن حنش ولم يذكر أبا شجاع وخالد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى حَنَشٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ سِيَاقُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعَ عَدَالَةِ رُوَاتِهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا شَهِدَهَا فَضَالَةُ كُلَّهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا فَأَدَّاهَا كلها وحنش الصنعانى أداها منفرقا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
عَنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ حَكَمَ بِأَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى قَالَ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ اشْتَرَاهَا وَفِي تِلْكَ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَهَا وَاخْتَلَفَا أَيْضًا فِي قَدْرِ الدَّنَانِيرِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي النَّهْيِ حَتَّى يَفْصِلَ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ البيع لاجل الجمع بينهما فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ أَسَانِيدَ الطُّرُقِ كُلِّهَا صِحَاحٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى بَعْضِهَا بِالْغَلَطِ وَأَيْضًا كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ على النهى عن البيع حَتَّى يَفْصِلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدْ رَامَ الطَّحَاوِيُّ دَفْعَهَا بِمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ وَقَدْ اضْطَرَبَ عَلَيْنَا حَدِيثُ فَضَالَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا فَرَوَاهُ قَوْمٌ على ما ذكرنا في أول (1) وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصْلٌ الذَّهَبَ لِأَنَّ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِي ذَلِكَ فَفَعَلَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ لَا لِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مَعَ غَيْرِهِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَى مَنْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ) ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اضْطَرَبَ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/312)


عَلَيْنَا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَمْ يُوقَفْ عَلَى مَا أُرِيدَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَعْنًى من المعاني التى روي عليها إلا إن احْتَجَّ مُخَالِفُهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْآخَرُ (قُلْتُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاضْطِرَابٍ قَادِحٍ وَلَا تَرِدُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُبَاعُ حَتَّى يَفْصِلَ) صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَكَوْنُ فَضَالَةَ أَفْتَى بِهِ فِي غير طريقة غَيْرِ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِي سَمَاعَهُ لَهُ فَقَدْ يَسْمَعُ الرَّاوِي شَيْئًا ثُمَّ يَتَّفِقُ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيُفْتِي بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ ضَبَطَهُ ابْنُ النَّوِيكِ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَافٍ - ابْنُ مَعْنٍ يَرْوِي بِالْقَافِ وَيَرْوِي مُغَلَّفَةً بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - وَهَذَا الْحَدِيثُ مُعْتَمَدُ

(10/313)


أَصْحَابِنَا مِنْ جِهَةٍ لِلْأَثَرِ فِي الْقَاعِدَةِ الْمُتَرْجَمَةِ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ وهب ومن فقه للسقاية الَّتِي بَاعَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَنْكَرَهَا عُبَادَةُ أَنَّهَا الْقِلَادَةُ وخالفهم غيرههم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَفِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلَهُ عَلَى خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَ الجميع بالدراهم ثم يشترى بالدراهم حساما دَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ صاع تمر ردئ فَيُجْمَعُ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ فَائِقٍ
ثُمَّ يَشْتَرِي بهما صاعا تَمْرٍ وَسَطٍ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أن يجمع الردئ مع الجيد للغايه أَمْرِهِ فِيمَا يَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَضُمَّ الردئ إلَى الْجَيِّدِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ وَسَطًا وَكَانَ

(10/314)


ذَلِكَ مَوْجُودًا انْتَهَى مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَأَيْتُ مَا نَسَبَهُ الْبَيْهَقِيُّ إلَى الْقَدِيمِ فِي الْإِمْلَاءِ وَسَأَنْقُلُهُ فِي آخِرِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْعِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَالَ فِي بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ وَإِذَا بِعْتَ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الذَّهَبِ أو الورق بشئ مِنْ صِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَأَنْ يَكُونَ مَا بِعْتَ مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا وَيَكُونُ مَا اشْتَرَيْتَ صِنْفًا واحدا ولا نبالي أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ مِمَّا اشْتَرَيْتُهُ به ولا خير في أن تأخذ خمسين دينارا مروانية وخمسين حدثا (1) بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها وكذلك لاخير في أن
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/315)


تَأْخُذَ صَاعَ بُرْدِيٍّ وَصَاعَ لَوْنٍ بِصَاعَيْ صَحَانِيٍّ وَإِنَّمَا كَرِهْتُ هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ تَمْرُ صَاعِ البردى بثلاثة أرباع صاعي الصَّحَانِيِّ وَذَلِكَ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَصَاعُ اللَّوْنِ بِرُبْعِ صَاعَيْ الصَّحَانِيِّ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ صَحَانِيٍّ فَيَكُونُ هَذَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا
* هَذَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ فِي بَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَإِذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا خَاتَمًا فِيهِ فَصٌّ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ حِلْيَةُ السَّيْفِ أَوْ مُصْحَفٌ أَوْ سكين فلا يشترى شئ مِنْ الْفِضَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ وَهَكَذَا الذَّهَبُ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ مَعَ سَيْفٍ اُشْتُرِيَ بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ اُشْتُرِيَ بِفِضَّةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لَمْ يشتر بذهب ولا فضة واشترى

(10/316)


بالعروض قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يجوز أن يشترى شئ فِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٌ وَمَا أَشْبَهَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ لِأَنَّ فِي هَذِهِ البيعة صرف وبيع لَا نَدْرِي كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ مِنْ حِصَّةِ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا وَإِذَا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ مِثْلُ تَمْرٍ بُرْدِيٍّ وَتَمْرٍ عَجْوَةٍ بِيعَا مَعًا بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَصَاعٌ مِنْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ وَصَاعٌ مِنْ هَذَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ الْبُرْدِيِّ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ
الِاثْنَيْ عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْبُرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الِاثْنَيْ عَشَرَ والعجوة بسدس الاثنى عشر وهكذا لَوْ كَانَ صَاعُ الْبُرْدِيِّ وَصَاعُ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ لَوْنٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ مِنْ اللَّوْنِ

(10/317)


فَكَانَ الْبُرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ صَاعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ صَاعَيْنِ فَلَا يَحِلُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبُرْدِيَّ بِأَكْثَرَ مِنْ كَيْلِهِ وَالْعَجْوَةُ بِأَقَلِّ مِنْ كَيْلِهَا وَهَكَذَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ كَأَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مَرْوَانِيَّةٍ وعشرة محدثة بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ هَاشِمِيَّةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قِيمَةَ الْمَرْوَانِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ المحدثة وهكذا الذهب بالذهب متفاضلا لان العين الَّذِي فِي هَذَا فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاطِلَ الدَّنَانِيرَ الْهَاشِمِيَّةَ التَّامَّةَ بِالْعِتْقِ النَّاقِصَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فِي الْوَزْنِ وَإِنْ كان لهذه فضل وزنها وهذا فَضْلُ عُيُونِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَ فِي الصَّفْقَةِ شيئا من

(10/318)


الذى فيه الرِّبَا فِي الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ صُبْرَةَ تَمْرٍ مَكِيلَةٍ أَوْ جُزَافًا بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَكِيلَةً أَوْ جُزَافًا وَمَعَ الْحِنْطَةِ مِنْ التَّمْرِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّفْقَةَ فِي الْحِنْطَةِ تَقَعُ عَلَى حِنْطَةٍ وَتَمْرٍ بِتَمْرٍ وَحِصَّةُ التَّمْرِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَتِهَا وَالْحِنْطَةُ بِقِيمَتِهَا وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا كَيْلًا بِكَيْلٍ (وَقَالَ) فِي بَابِ تَفْرِيعِ الصِّنْفِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِمِثْلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ شئ ومعه شئ غيره بشئ آخر لاخير في مد بمد عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلَا مَدَّ حِنْطَةٍ سَمْرَاءَ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حَتَّى يكون الطعام

(10/319)


بالطعام لا شئ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أَوْ يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ صِنْفِهِ شئ (وقال) في باب (1) في التمر بالتمر ولاخير فِي أَنْ يَكُونَ صَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ مِنْ تَمْرٍ وَاحِدٍ (وَقَالَ) في مختصر المزني ولاخير فِي مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلِ (وَقَالَ) فِيهِ أَيْضًا وَلَوْ رَاطَلَ مِائَةَ دِينَارٍ عِتْقٍ مَرْوَانِيَّةٍ ومائة دينار من ضرب مكروه
بمائتي دينار مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ خَيْرٍ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَدُونَ المروانية لم يجز لانى لَمْ أَرَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا أَنَّ مَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ مِنْ عَبْدٍ وَدَارٍ أَنَّ الثَّمَنَ مَقْسُومٌ عَلَى كل واحد منها بقدر قيمته من
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/320)


الثَّمَنِ فَكَانَ قِيمَةُ الْجَيِّدِ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ من الردئ وَالْوَسَطُ أَقَلُّ مِنْ الْجَيِّدِ (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ البويطى في باب البيوع وكل شئ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ الْحِنْطَةَ وَالتَّمْرَ وَالشَّعِيرَ وَالْعَسَلَ وَالدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَإِذَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَسَلٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ ومد عسل فلا يجوز أو درهم وثوب بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمَ وَثَوْبَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ مد حشف ومد تمر بمدى تَمْرٍ أَوْ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ دَقِيقٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَبِمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَجْمَعُهُمَا وَلَا يَتَمَيَّزُ تَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الثمن ولا يدري كم ذلك

(10/321)


فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مِثْلُ ثَوْبٍ وَرِطْلٍ مِنْ عَسَلٍ بثوب ورطل عسل لِأَنَّ لِلثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ الَّذِي وَقَعَ بِالثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ لِلدِّرْهَمِ حِصَّةٌ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالثَّوْبِ وَمِنْ الْآخَرِ مثل ذلك فلا يجوز لان ثمنها لا يميز مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَدْخُلُ الثَّوْبُ وَالدِّرْهَمُ بِالثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ بَيْع وَصَرْف (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ الصَّرْفِ وَإِذَا صَارَفَهُ خَمْسِينَ قِطَاعًا وَخَمْسِينَ صِحَاحًا بِمِائَةٍ صِحَاحٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِلْخَمْسِينَ الْقِطَاعِ حِصَّةً مِنْ الْمِائَةِ الصِّحَاحِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التفاضل والثمن مقوم عليهما وَهُوَ مِثْلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا وَثَوْبًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْ اشْتَرَى

(10/322)


مِائَةَ دِينَارٍ قِطَعٍ بِمِائَةٍ صِحَاحٍ فَلَا بَأْسَ وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بِمِائَةِ صِحَاحٍ
* وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَيَأْتِي مِثْلُهُ مَبْسُوطًا فِي الْإِمْلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ دنانير ودارهم فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِدَنَانِيرَ وَلَا بِدَرَاهِمَ إذَا اسْتَثْنَى مَالَهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ بِلَا مَالٍ فَجَائِزٌ (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ
فِي بَابِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامله على خيبر (أن يبيع الجميع بالدراهم ثم يشترى بالدراهم حساما) دل والله أعلم على أن لا يجوز أن يباع صاع تمر ردئ فَيُجْمَعُ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ فَائِقٍ ثُمَّ يَشْتَرِي

(10/323)


بِهِمَا صَاعَيْنِ بِتَمْرٍ وَسَطٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ يحيط بأن صاع التمر الردئ لَوْ عُرِضَ عَلَى صَاحِبِ التَّمْرِ الْوَسَطِ بِرُبْعِ صَاعٍ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلَوْ قُوِّمَ لَمْ تَكُنْ قيمته كقيمة ربع صاع من الوسط وانما يُعْطَى صَاحِبُ الصَّاعَيْنِ مِنْ الْوَسَطِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ ردئ وَصَاعٍ جَيِّدٍ لِيُدْرِكَ فَضْلَ تَمْرِهِ الْجَيِّدِ عَلَى الردئ بما يأخذه من الجيد وعامل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يُقَاسِمُهُمْ نِصْفَ تَمْرِهِمْ فَيَأْخُذُ الْجَيِّدَ الغاية من صاحب الجيد الغاية والردئ الذى لاأسفل منه من صاحب التمر الردئ وَمِنْ كُلِّ ذِي تَمْرٍ نِصْفَ تَمْرِهِ وَلَوْ كان يجوز أن يجمع الردئ مَعَ الْجَيِّدِ الْغَايَةِ أَمَرَهُ فِيمَا يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَضُمَّ الردئ إلى الجيد ثم

(10/324)


يشترى به وَسَطًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فَخَالَفَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ (لَا بَأْسَ أَنْ يضم الحشف إلى الردئ ثُمَّ يَشْتَرِي بِكِلَيْهِمَا تَمْرَ عَجْوَةٍ) وَقَالَ (لَا بأس بالذهب بالذهب متفاضلة إذَا دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَيْسَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الذَّهَبِ يُضَمُّ إلَيْهَا غَيْرُهَا مَعْنَى التَّمْرِ الردئ يضم إليه التمر الردئ مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقُلْتُ لِبَعْضٍ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا اشترى ألف درهم تسوي عَشَرَةَ الدَّرَاهِم بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ قَالَ جَائِزٌ (قُلْتُ) فَإِنْ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَالَ يَرُدُّهُ بِأَلْفٍ قلت فهكذا يقول فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا قَالَ أَيُّ الْبُيُوعِ (قُلْتُ) أرأيت لو باع جارية تسوي ألفا وثوبا يسوي عَشَرَةَ دَرَاهِمِ بِأَلْفَيْنِ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَالَ تُقْسَمُ الْأَلْفَانِ عَلَى الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ

(10/325)


وَيُرَدُّ الثَّوْبُ بِحِصَّةِ عَشَرَةٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ) قَالَ (وكذلك جارية تسوي ألفا وثوبا يسوي مائة بيعا بألفين ومائتين يرد الثَّوْبُ بِمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سَهْمٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سهما من الثمن ويكون صحة هَذَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ واحد منهما حصته من الثمن (قلت) فلم لا يكون الثمن هكذا قال لان الثَّمَنَ كُلَّهُ مَعْرُوفٌ (قُلْتُ) وَالسِّلْعَتَانِ اللَّتَانِ بِيعَتَا مَعْرُوفَةٌ فِي الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ نَعَمْ (قُلْتُ) وَهَكَذَا الْبُيُوعُ كُلُّهَا قَالَ نَعَمْ (قُلْتُ) لِمَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الثَّوْبِ
مَعَ الدَّرَاهِمِ قَالَ إذَا احْتَرَزَ الرِّبَا فَيَكُونُ أَلْفًا بأكثر منها (قلت) فهذا أَبْطَلْنَا مَا أَجَزْتُ مِنْ الصَّرْفِ وَإِذَا أَجَزْتُهُ فَقَدْ تَرَكْتُ أَنْ يُقَسَّمَ الثَّمَنُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ عُقْدَةُ الْبَيْعِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا إذَا كان المبيع مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَعَلَى مَا إذَا كَانَ نَوْعَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

(10/326)


وَيُعَبِّرُ الْأَصْحَابُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِقَاعِدَةِ مَدُّ عَجْوَةٍ وَضَابِطُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَشْتَمِلَ الصَّفْقَةُ عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيَخْتَلِفُ مَعَ ذَلِكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا جِنْسًا أَوْ نَوْعًا أَوْ صَفْقَةً فَقَوْلُنَا مَالٌ وَاحِدٌ خَرَجَ بِهِ مَا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى جِنْسِ مَالِ الرِّبَا كَمَا إذَا بَاعَ قَمْحًا وَشَعِيرًا بِتَمْرٍ وَزَبِيبٍ فَإِنَّهُ لَوْلَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَدَخَلَ تَحْتَ الضَّابِطِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا غيره على مِمَّا فِيهِ الرِّبَا أَوْ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ وَفِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَحْسَنِ الْعِبَارَاتِ وَأَسْلَمِهَا لَكِنْ فِيهَا اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوَّلُ مَا يُعْتَنَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْجَهْلَ بالمماثلة لحقيقة المفاظلة وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ

(10/327)


عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا وَيَشْهَدُ لَهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهَا وَمَنَعَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا فِي غَيْرِ الْعَرَايَا قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَهِيَ تُخَرَّجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الاصل الذى عرف لنا في مسائل الرِّبَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ الْحَظْرِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ عَنْ الْحَظْرِ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْوَجْهُ يَبْقَى مَحْظُورًا تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ (وَالْأَصْلُ الثَّانِي) أَنَّ اخْتِلَافَ الْعِوَضَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ وَتَوْزِيعَ الثَّمَنِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ لِدَلِيلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ فَإِنَّ التُّجَّارَ يَقْصِدُونَ بِالشِّرَاءِ التَّثْمِينَ
(وَالثَّانِي)
مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا إذَا

(10/328)


بَاعَ عَبْدًا وَثَوْبًا ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحِقًّا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِذَا بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ وَلَهُ
حَالَةُ الْعَقْدِ فَلَوْلَا أَنَّ التَّوْزِيعَ حَاصِلٌ حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَكَمَا فِي رَدِّ الْبَعْضِ بِالْعَيْبِ وَتَلَفِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْلَا التَّوْزِيعُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا تَوَزَّعَ فِي الِانْتِهَاءِ وَلَا يُتْرَكُ التَّوْزِيعُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ مُقْتَضَى حُمِلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَدَّى إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ أَوْ إلَى صَلَاحِهِ كَمَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُقَابَلَةَ جميع الثمن للثمن حُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى فَسَادِهِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ هِبَةٌ وَالْآخَرُ ثَمَنٌ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَغْلِبُ وَجْهُ الصِّحَّةِ بِكُلِّ حَالٍ مَمْنُوعٍ قَالَ الْعِجْلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ بِعَرَضِ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الجيد لواحد والردئ لآخر قائلا هما

(10/329)


ثمانين فَيَقُولُ صَاحِبُ الْمِائَةِ الْجَيِّدَةِ نَزَلَ عَنْ مِائَةٍ وَحَصَلَ أَكْثَرُ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ
* بَيَانُهُ أَنَّ قِيمَةَ الْجَيِّدَةِ إذَا كَانَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وقيمة الردئ أَلْفًا وَصَاحِبُ الْجَيِّدَةِ أَخَذَ ثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَهُوَ مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وصاحب الردئ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِالْمِائَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلْثَانِ وَهَذَا عَيْنُ الرِّبَا وَهَذَا مُقْتَضَى لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يَقْتَضِ الْعَقْدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكًا أَصْلًا أَوْ اقْتَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مُلْكًا فِي الْكُلِّ أَوْ اقْتَضَى مِلْكًا فِي النِّصْفِ عَلَى التَّسَاوِي أَوْ اقْتَضَى مِلْكًا بِحَسَبِ مَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ الْقِيمَةِ وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى ظَاهِرَةُ الْبُطْلَانِ فَتَعَيَّنَ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى العقدان

(10/330)


مَا ظَهَرَ بِالْقِيمَةِ وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمِلْكِ فَكَذَا عِنْدَ اتِّحَادِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَالْقِسْمَةِ لَا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ إذْ بَاذِلُ الْجَيِّدِ لَا يَرْضَى أَنْ يَسْتَفِيدَ فِي مُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ مَا يستفيده في مقابلة الردئ وَلَا بَاذِلَ الثَّمَنِ يَبْذُلُهُ عَلَى التَّسَاوِي بَلْ هَذَا الْقَصْدُ ضَرُورِيٌّ فِي نَفْسِ الْمُعَاقَدِ وَمُطْلَقُ كَلَامِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا مَا يُقْصَدُ فِي عَادَةِ التَّعَامُلِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِمُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ بزيادة اه ثُمَّ أَلْزَمَهُمْ بِمَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ التَّفَاضُلُ مُقْتَضَى الِانْقِسَامِ وَالِانْقِسَامُ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْمِلْكِ أَوْ اخْتِلَافَ الْعَيْبِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقَ أَوْ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الاختلافات الاربع

(10/331)


أَطْلَقْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكُلَّ بِالْكُلِّ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَفَاضُلٌ (قُلْنَا) كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ
الِاخْتِلَافَاتُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَ الْعَقْدَ مَعَ أن مقتضى الانقسام والتفاضل موجود اه وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا فَرَضَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ كان لرجلين عبدين فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الغرض وَلِأَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَيْضًا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ فَيَصِحُّ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَلْزَمَ أَصْحَابُنَا الْخَصْمَ بِالتَّوْزِيعِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً ثم اشتراه مع آخر بأكثر نقد فأن عندهم

(10/332)


لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ بِأَقَلِّ مِمَّا بَاعَ وَاعْتَذَرُوا عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ بِأَنَّ هُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وُجُوهُ الصِّحَّةِ كَثِيرَةٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ أَلْفًا وَمَا فَوْقَهُ درهما درهما إلى أن يبقى درهم للعقد الثَّانِي وَإِذَا كَثُرَتْ الْوُجُوهُ صَارَ مَا قَابَلَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْمَانِ مَجْهُولًا فَبَطَلَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ وَأَبْطَلَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْجَوَابَ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بعشرة وأحدث فيها عمارة واكراها باحدى عَشَرَةَ (1) أُجْرَةً فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّارِ دِرْهَمًا وَمَا زَادَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا إلَى أَنْ يَبْقَى دِرْهَمٌ فِي مُقَابَلَةِ الْعِمَارَةِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْعَلُوا بَلْ جَعَلُوا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الدَّارِ وَالزِّيَادَةَ فِي مقابلة العمارة وصححوا (قال) أصحابنا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/333)


وقد تكثر وجوه الصحة في مسئلتنا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ وَمُدَّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَمُدَّيْ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدَّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أن يجعل مدى حنطة بمد شَعِيرٍ وَمُدَّيْ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدَّيْ تَمْرٍ بمد حِنْطَةٍ وَكَذَا مُدُّ حِنْطَةٍ وَمُدُّ شَعِيرٍ بِمُدِّ حنطة ومدى شَعِيرٍ فَقَدْ كَثُرَتْ وُجُوهُ الصِّحَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزْتُمْ
* وَأَلْزَمَهُمْ أَصْحَابُنَا أَيْضًا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَتَصَرَّفَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مُقَابَلَةٍ لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهَا بِأَنْ يَجْعَلَ الدِّرْهَمَ بِالْمُدِّ فقد اتضح بهذه المباحث نظرا وإلزاما اتِّجَاهَ الْقَوْلِ بِالتَّوْزِيعِ قَالَ الْفَارِقِيُّ وَهَذَا أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبْذُلُ مِنْ العوض في

(10/334)


مقابلة الردئ مَا يَبْذُلُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ اعْتَرَضَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي فِي وَضْعِهِ
تَوْزِيعًا مُفَصَّلًا بَلْ مُقْتَضَاهُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ أَوْ مُقَابَلَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ بِمِثْلِهِ مِمَّا فِي الشِّقِّ الْآخَرِ بِأَنْ يُقَالَ ثُلُثُ الْمُدِّ وَثُلُثُ الدِّرْهَمِ يُقَابِلُ ثُلُثَ الْمُدَّيْنِ يَعْنِي إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَكْلِيفِ تَوْزِيعٍ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّوْزِيعِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِضَرُورَةِ الشُّفْعَةِ (قَالَ) وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي التَّعْلِيلِ أَنَّا تَعَبَّدْنَا بِالْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا وَإِذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ لَمْ يُحَقِّقْ الْمُمَاثَلَةَ فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَلِنَاصِرِيهَا أَنْ يَقُولُوا أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ التوزيع المفصل فِي مَسْأَلَةِ الشَّفْعِ وَلَوْلَا كَوْنُهُ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ لكان

(10/335)


ضَمُّ السَّيْفِ إلَى الشِّقْصِ مِنْ الْأَسْبَابِ الدَّافِعَةِ لِلشُّفْعَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْدَفِعُ بِعَوَارِضَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّا تَعَبَّدْنَا بِتَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمخضت مقابلة شئ مِنْهَا بِجِنْسِهِ أَمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (إنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَمَمْنُوعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَالِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْإِمَامِ حَقٌّ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يُقَوِّيهِ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي فَضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ وَهُوَ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا بِتَمْرٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ مَبِيعٌ قَطْعًا وَلَا مُقَابِلَ لَهُ إلَّا تَمْرٌ وَمَتَى صَدَقَ أَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا بِتَمْرٍ وَجَبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالنَّصِّ وبمحض المقابلة فمد زائد لم يدل على دَلِيلٌ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ فِي جعله العمدة فِي التَّوْزِيعِ مَنْسُوبَةً لِلْأَصْحَابِ فَإِنَّهَا عُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَفِي دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتَمَدَ حَدِيثَ الْقِلَادَةِ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَعَرُّضًا لَهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بَلْ عَنْ الْأَصْحَابِ والله سبحانه أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
إذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ هَانَ تقدير القاعدة المذكورة وليست كلها على مَرْتَبَةً وَاحِدَةً بَلْ هِيَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ تَارَةً يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ النَّوْعُ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ الْوَصْفُ فَلْنُفْرِدْ كُلَّ مَرْتَبَةٍ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ وَهِيَ الَّتِي صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا رِبَوِيًّا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَكَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ صاعي حنطة أو صاعي شعير أو دينار ودرهم بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ بِدِينَارَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا فَقَطْ كَثَوْبٍ
وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِثَوْبٍ وَدِرْهَمٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِثَوْبَيْنِ لِأَنَّ مَالَ الرِّبَا حِينَئِذٍ لَمْ يَتَّحِدْ من الجانين فَلَا يَكُونُ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَكَمَا إذَا بَاعَ خَاتَمًا فِيهِ فَصٌّ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ أَوْ لَا فَصَّ فِيهِ وَهُمَا

(10/336)


جَمِيعًا فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِسَيْفٍ مُحَلَّى بِفِضَّةٍ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ قِلَادَةً فِيهَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ أَوْ عَبْدًا مَعَهُ مَالُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمِ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ إذَا اشْتَرَطَ كَوْنُ الْمَالِ لِلْمُشْتَرِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيُّ وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي

(10/337)


ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ فِي بَيْعِهِ فيقول المد في مقابلة المد والدرهم قى مقابلة الدرهم كذلك صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ الْمُتَقَدِّمِ وبالاصلين اللذين تَقَدَّمَا وَوَجْهُ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَ الْمُدَّ بِالْمُدِّ وَالْمُدَّ الثَّانِي بِالدِّرْهَمِ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدِّ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ هُوَ إطْلَاقًا لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ عَلَى زَعْمِ الْمُخَالِفِ فَلَا يَكُونُ هُوَ تَابِعًا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فبقى

(10/338)


عَلَى الْفَسَادِ وَيَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ دِرْهَمًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فيكون المد ثلثي ما في هذه الطَّرَفِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَابَلَ مُدًّا بِمُدٍّ وَثُلُثٍ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ كَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْمُدُّ ثُلُثَ مَا فِي هَذَا الطَّرَفِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ مِنْ الطَّرَفِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَابَلَ مُدًّا بِثُلُثَيْ مَدٍّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا فَلَا تَظْهَرُ الْمُفَاضَلَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكِنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا تَسْتَنِدُ إلَى التَّقْوِيمِ وَالتَّقْوِيمُ بِخَمْسِينَ قَدْ يَكُونُ صَوَابًا وَقَدْ يَكُونُ خَطَأً وَالْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الربا هي المماثلة

(10/339)


الحقيقة
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مقتضى كلام إكثر الاصحاب ولافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ
أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُدِّ مِثْلَ الدِّرْهَمِ أَوْ لَا عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عليه ولافرق أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا وَخَالَفَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالِفُونَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُمَا لَوْ عَلِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدِّ مِثْلُ الدِّرْهَمِ وَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ رِبًا إذَا كَانَ التَّفَاضُلُ مَعْلُومًا أَوْ التَّمَاثُلُ مَجْهُولًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُبْعِدُهُ أَنَّ الْقِيمَةَ أَمْرٌ تَخْمِينِيٌّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الرِّبَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ

(10/340)


إلَّا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِيهِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَوَافَقَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَأَطْلَقَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ يَجُوزُ وَأَخَذَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَالَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ فِي مُدِّ عَجْوَةٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِرْهَمٌ لِأَنَّا إذَا وَزَّعْنَا الدِّرْهَمَ عَلَى الْمُدَّيْنِ خَصَّ كُلَّ مُدٍّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَإِذَا وَزَّعْنَا الْمُدَّ الذى مَعَ الدِّرْهَمِ خَصَّ كُلَّ مُدٍّ مِنْ الْمُدِّ الْمُوَزَّعِ نِصْفُهُ فَيَصِيرُ بَيْعُ مُدٍّ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ بنصف مد قيمته نصف فَيَقَعُ نِصْفُ الْمُدِّ بِإِزَاءِ نِصْفِ الْمُدِّ وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ

(10/341)


فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ مِنْ رجعت إليه وبه الْعَصْرِ (1) مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا يُجَوِّزُ هَذَا الْبَيْعَ وَيَحْتَجُّ بِتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَى هَذَا التَّخْرِيجِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْبَيْعَ باطل ههنا أَيْضًا لِأَصْلٍ آخَرَ سِوَى الْمُعَامَلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي مَسَائِلَ الرِّبَا مَمْنُوعٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّقْوِيمُ ضَرْبٌ مِنْ التَّخْمِينِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تَحَقَّقْنَا الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ إذَا اجْتَنِيَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مَجَالَ لِلتَّحَرِّي فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ قَالَ وَالتَّشْكِيكُ فِي مثل
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/342)


هَذَا الْمَوْضِعِ نَوْعٌ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَهَذَا أَصَحُّ عندي والله أَعْلَمُ
* وَلِذَلِكَ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ لو تحقق الْمُسَاوَاةُ بِأَنْ اجْتَنِيَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غُصْنٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّجْرِبَةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَغَلَطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ وَكُلُّهُمْ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ وَشَبَهِهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ وَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا باع درهما ودينارا بدرهم وديناران وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ أَوْ بَاعَ صَاعَ

(10/343)


حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعَا الْحِنْطَةِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَاعَا الشَّعِيرِ كَذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ الصِّحَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَسْرَارِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَهُوَ أَخُصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُوَافَقَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَةُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَإِطْلَاقِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَمْ يَفْصِلُوا فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ إذَا تَأَمَّلْتَهَا لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْقِيمَةَ إلَّا فِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَأَمَّا فِي اخْتِلَافِ الجنس فانه

(10/344)


أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّمَسُّكِ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ قِيمَةِ الْخَرَزِ الَّذِي مَعَ الذَّهَبِ وَهَلْ يَقْتَضِي التَّوْزِيعُ تفاضلا أولا فَكَانَ الْحُكْمُ عَامًا وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ مِنْ حُجَّةِ الْمَانِعِينَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ فَالدِّينَارُ يُقَابِلُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مَعًا لَوْ خَرَجَ الدِّينَارُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا يَرُدُّ بَعْضَ الدِّينَارِ وَبَعْضَ الدِّرْهَمِ بِاعْتِبَارِ التَّقْسِيطِ بِالْقِيمَةِ
* مِثَالُهُ قِيمَةُ الدينار عشرة دَرَاهِمَ مَعَهُ دِرْهَمٌ فَالْجَمِيعُ أَحَدَ عَشَرَ فَنَجْعَلُ الدِّينَارَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا

(10/345)


فَيَسْتَرِدُّ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ الدِّينَارِ وَعَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُقَسِّطَ الدِّينَارَ عَلَى مَا حَصَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَإِذَا قَسَّطْنَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ أَوْ الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ
* هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ
* عَلَى أَنَّ الرُّويَانِيَّ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ بَلْ يَخْتَارُ الصِّحَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُعْتَمَدُ
* وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ بِذَلِكَ
فَقَالَ لَا يَصِحُّ - وان قال أهل العلم - هما متفقان في القيمة لانهم يخيرون عَنْ الِاجْتِهَادِ وَرُبَّمَا يَتَفَاوَتُ عُرِفَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ بِالْمُخَالِفَةِ فِي الْقِيمَةِ وَجْهٌ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ غَيْرَهُ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ

(10/346)


تاج الدين الفرارى فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ ذِكْرَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْقِيمَةِ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ المخالفة فيها ليست شرطا بَلْ لَوْ كَانَ التَّسَاوِي مَجْهُولًا كَفَى فِي الْبُطْلَانِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَجْوَةُ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيمَةُ الْمُدِّ دِرْهَمٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ جَعْلُ الْمُدِّ فِي مُقَابِلَةِ الْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ الْآخَرِ فَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى إرَادَتِهِ لِغَرَابَةِ الْوَجْهِ وَلِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ثَمَّ اتِّفَاقُ الْقِيمَةِ لَا عَدَمَ اخْتِلَافِهَا ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمِثَالِ فَإِنَّ الْجِنْسَ الْعَجْوَةُ وَالْعِوَضَ الْمُخَالِفَ الدِّرْهَمُ وَلَا يُقَالُ فِي الدِّرْهَمِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ قِيمَةٌ فَلَوْ كَانَ كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ لَكَانَ أَجْوَدُ (قُلْتُ) أَمَّا

(10/347)


اسْتِبْعَادُهُ إرَادَتَهُ لِغَرَابَتِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَهُ كَمَا عَلِمْتَ وَهُوَ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ فَلَمْ يَخْفَ عَنْهُ وَلَيْسَ غَرِيبًا فِي حَقِّهِ (وَأَمَّا) كَوْنُ الْمُصَحَّحِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ اتِّفَاقَ الْقِيمَةِ لَا عَدَمَ اخْتِلَافِهَا فَالْمُدْرَكُ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ هُوَ التَّوْزِيعُ وَالتَّفَاوُتُ فِيهِ شئ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ وَصْفًا فِي الْبُطْلَانِ وَلَمْ يَجْعَلْ عَدَمَ الِاخْتِلَافِ مُصَحَّحًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ وَلَيْسَ بَيْنَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَوُجُودِ الِاتِّفَاقِ وَاسِطَةٌ فَنَبَّهَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ التى يظهر فِيهَا الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ (وَأَمَّا) لَوْ كَانَ التَّسَاوِي مَجْهُولًا فَقَدْ عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِ الرِّبَا أَنَّ الْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ

(10/348)


(وَأَمَّا) كَوْنُهُ لَا يُقَالُ فِي الدِّرْهَمِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْقِيمَةِ فَعِبَارَةُ الْمَذْهَبِ سَالِمَةٌ عَنْ هَذَا فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْمَذْهَبِ وَصْفٌ لِلْجِنْسِ الْمَضْمُومِ إلَى الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْمَضْمُومُ إلَى الْجِنْسِ الَّذِي بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ هُوَ الْعَجْوَةُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ الدِّرْهَمَ فِي الْقِيمَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْعَجْوَةَ تُخَالِفُ الدِّرْهَمَ فِي قِيمَتِهَا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قِيمَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِلدِّرْهَمِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَقِيمَةِ الدِّرْهَمِ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَهُ (وَأَمَّا) عَلَى عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ
فَإِنَّهُ جَعَلَ مُدَّ عَجْوَةٍ فَالْمَضْمُومُ هُوَ الدِّرْهَمُ وَقَدْ قَالَ يُخَالِفُهُ فِي الْقِيمَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ يُخَالِفُ الْمُدَّ

(10/349)


فِي الْقِيمَةِ فَطَرِيقُ الصَّحِيحِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْنَى أَنَّ الدِّرْهَمَ يُخَالِفُ الْمُدَّ فِي قِيمَةِ الْمُدِّ لَا فِي قِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةَ وَارِدَةٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَوْ أَتَى بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمِثَالِ لَكَانَ أَوْضَحَ
* وَاعْلَمْ أَنَّ ماقاله القاضى أبو الطيب وما حكاه القاضى وصاحب التتمة يظهر أنه شئ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمِثَالِ أَنْ تَتَّفِقَ الْقِيمَةُ حَتَّى لَا تُؤَدِّيَ إلَى الْمُفَاضَلَةِ وَيَدُلُّ عَلَى هذا ما تقدم نقله عن المنهاج للقاضى أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ صَوَّرَهُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ (قَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ

(10/350)


يُقَالَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَانِبَيْنِ يَعْنِي فِي مِثَالِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ بِخِلَافِهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ (قُلْتُ) وَذَلِكَ فَرْقٌ ضَعِيفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافٌ وَاحِدٌ فَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ الَّذِي لَمَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِلَّا كَانَ فِي ذَلِكَ تَظَافُرٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شَاهِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى هَذِهِ النُّقُولِ فَقَالَ إنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ حَكَى

(10/351)


الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَضَعَّفَ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ فَوَافَقَ الْمُصَنِّفُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا فِي الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وصاحب التتمة أن له عنده التفاتا على أَنَّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ إذَا قَتَلَ مِثْلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ وَطَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ الْمَنْعُ وَهِيَ الْمُصَحَّحَةُ (قُلْتُ) وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِأَنَّهُ لَا يوزع مع هُنَاكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْمُسَاوَاةِ الظَّاهِرَةِ جَوَازُ الْبَيْعِ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّوْزِيعِ وَلِذَلِكَ نَجْزِمُ بِالْمَنْعِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَطْلَقَ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْبُطْلَانَ فِي جَمِيعِ الْعَقْدِ إلَّا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا فِي الْمُدِّ الَّذِي

(10/352)


مَعَ الدِّرْهَمِ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُدَّيْنِ وَفِي الدِّرْهَمِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَفِي الْمُدِّ وَمَا يُقَابِلُهُ قَوْلَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا بِدِينَارَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْعَقْدُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي قَابَلَ الْجِنْسَ بَاطِلٌ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولًا عَلَى مَا فَصَّلَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْسِيطَ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَصَحَّ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ الْقِيمَةُ وَالرَّافِعِيُّ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ فَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ لَا وَجْهَ لِلْإِبْطَالِ لِأَنَّا إذَا صَحَّحْنَا فِي الدِّرْهَمِ بِمُدٍّ بناءا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ فَلَوْ أَبْطَلْنَاهُ لَكَانَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَالْعُذْرُ عَنْ عَدَمِ تَخْرِيجِهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الرِّبَوِيَّاتِ لِكَوْنِهِ تَخْمِينًا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا فَلَا يُعْلَمُ الْقَدْرُ الْمُقَابِلُ مِنْ الْمُدَّيْنِ لِلْمُدِّ فَيَصِيرُ الْمُقَابِلُ مِنْهُمَا لِلْمُدِّ مَجْهُولًا وَمَنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَابِلُ لِلدِّرْهَمِ مَجْهُولًا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسْقِطْ اعْتِبَارَ التَّقْوِيمِ فِيهِمَا وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَابًا آخَرَ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ الْفَرْقُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصِّحَّةِ بِحَالٍ لِتَمَيُّزِهِ فَأَمْكَنَ قَصْرُ الْبُطْلَانِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا قَابَلَ الْجِنْسَ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلصِّحَّةِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وإذا قبلها لم يمكن قَصْرُ الْبُطْلَانِ عَلَيْهِ وَقَرُبَ مِمَّا إذَا تَزَوَّجَ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقُولُ بَطَلَ فِي وَاحِدٍ وَفِي الْبَاقِيَاتِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ نَعَمْ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ أَغْرَبَ فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ بِالْخَبَرِ يَرُدُّ طَرِيقَةَ

(10/353)


المتولي الا أن يقول كان المذهب فيه هو المقصود والجور تَابِعٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ (قُلْتُ) وَتَمَسُّكُهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِمَسْلَكِ أَبِي حَنِيفَةَ سَهْلٌ عَلَى ضَعْفِهِ فَإِنَّا لَا نَخْشَى أَنْ نَجْعَلَ الجواب على مذهبنا مستندا إلى شئ لَا نَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (نَعَمْ) إنَّمَا يَقْوَى هَذَا الْبَحْثُ مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ الْقَائِلِينَ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْقِيمَةِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِهَا يُمْكِنُ دَعْوَى التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مِنْ عُقُودِ الرِّبَا فَبَطَلَتْ جُمْلَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى فِي الْعَرَايَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ فَاسِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ أَعْلَمُ
* وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْقِلَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي رَدِّ ذَلِكَ فان النبي صلى الله عليه وسله مَنَعَ ذَلِكَ وَرَدَّهُ حَتَّى يَفْصِلَ وَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَبْطُلُ فِي الذَّهَبِ وَمَا يقابله من الذهب وفى والخرز وَمَا يُقَابِلُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (إمَّا) بُطْلَانُ التَّخْرِيجِ فِي ذَلِكَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَإِمَّا) أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَفْرِيقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* إذَا تُحَذِّرَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَنَا عَلَى الْمَنْعِ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ بن عبد الله السعينى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِس لَا تَبِيعُوا سُيُوفًا فِيهَا حَلْقَةٌ فِضَّةٌ بِالدَّرَاهِمِ) وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَثَرُ الدَّالُّ عَنْهُ عَلَى ذلك وروى فيه عن

(10/354)


علي شئ مُحْتَمَلٌ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ سَرْجًا وَلَا سَيْفًا فِيهِ فِضَّةٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمِنْ الْبَائِعِينَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ وَيَقُولُ اشْتَرِهِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدِ
* وَابْنُ سِيرِينَ كَانَ يَكْرَهُ شِرَاءَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى إلَّا بِعَرَضٍ وَيَقُولُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ فِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بِالْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بالفضة فان كانت ذهبا وفضة فلا تشتريها بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ وَاشْتَرِهَا بِعَرَضٍ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي سئل عن طريق ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ أَيُبَاعُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَ تُنْزَعُ الْفُصُوصُ ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالزُّبَيْرِيِّ قَالَا جَمِيعًا يُكْرَهُ أن يباع الخاتم فيه فضة بالوزن وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِذَهَبٍ وَقَالَ حَمَّادٌ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فمنع من ذلك وقال لا ولكن اشترى أَلْفَ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ ايضا عن سلم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَوَافَقَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ

(10/355)


روى المغيرة بن حنين عن على ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بِأَرْضِنَا قَوْمًا يَأْكُلُونَ الرِّبَا قَالَ عَلِيٌّ وَمَا ذَاكَ قَالَ يَبِيعُونَ جَامَاتٍ مَخْلُوطَةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ
بِوَرِقٍ فَنَكَسَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَا أي لا بأس به) المغيرة ابن حنين ذكره البخاري في تاريخه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (لَا بأس ببيع السيف المحلى بالدارهم) وَعَنْ إبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ خَبَّابٌ

(10/356)


فِينَا وَكَانَ رُبَّمَا اشْتَرَى السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْوَرِقِ) وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ (كُنَّا نَبِيعُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَنَشْتَرِيهِ وَمِنْ الْبَائِعِينَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ سُئِلَ عَنْ أَلْفِ دِينَارٍ وَسِتِّينَ درهما بألف درهم وخمسة دَنَانِيرَ قَالَ لَا بَأْسَ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَالْفَضْلُ بالدنانير) وعن الحسن وابراهيم والشعيبى قَالُوا كُلُّهُمْ (لَا بَأْسَ بِالسَّيْفِ فِيهِ الْحِلْيَةُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ بِأَنْ يَبْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ مَا فِيهِ أَوْ بِأَقَلَّ وَنَسِيئَةً وَعَنْ مُغِيرَةَ قَالَ (سَأَلْتُ إبراهيم

(10/357)


النَّخَعِيّ عَنْ الْخَاتَمِ أَبِيعُهُ نَسِيئَةً فَقَالَ أَفِيهِ فَصٌّ فَقُلْت نَعَمْ فَكَأَنَّهُ هَوَّنَ فِيهِ) وَهَذَا فِيهِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرُهُ وَعَنْ ابْن سِيرِينَ وَقَتَادَةَ لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ السَّيْفِ الْمُفَضَّضِ وَالْخِوَانَ وَالْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ) وَعَنْ حَمَّادِ ابن أَبِي سُلَيْمَانَ سُئِلَ عَنْ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ هَذِهِ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْهُ فِي الْمُوَافِقِينَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بن موسى ومكحول مثل ماروى عن

(10/358)


هَؤُلَاءِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى يُشْتَرَى نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَيَقُولُ فِيهِ الْحَدِيدُ وَالْحَمَائِلُ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَتْ الدراهم أَكْثَرَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ
* وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَكُونَانِ جَمِيعًا قَالَ لَا يُبَاعُ إلَّا بِوَزْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ يُلْغِي الْوَاحِدَ (وَأَمَّا) الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَبَعًا وَكَانَ الْفَضْلُ فِي الْفَضْلِ جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ نَقْدًا وَتَأْخِيرًا

(10/359)


وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَتْ فِضَّةُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْحَفُ كَذَلِكَ وَالْمِنْطَقَةُ أَوْ خَاتَمُ الْفِضَّةِ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ النَّصْلِ وَالْغِمْدِ وَالْحَمَائِلِ وَمَعَ الْمُصْحَفِ وَمَعَ الْفَصِّ وَكَانَ حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ تَقَعُ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِي ثُلُثِ الْقِيمَةِ الْجَمِيعُ مَعَ الْحِجَارَةِ مَا قَلَّ جَازَ بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِنَوْعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ وَمِثْلِهِ وَأَقَلَّ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَصْلًا وَقَالَ أَيْضًا لَا يجوز بيع

(10/360)


غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ فِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْهُمَا قَلَّ أَوْ كثر كالسكين المحللات بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ السَّرْجِ كَذَلِكَ وَكُلُّ شئ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إذَا نُزِعَ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شئ لَهُ بَالٌ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِبَيْعِهِ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَقْدًا أَوْ بِتَأْخِيرٍ وكيف شاء وقال أبو حنيفة كل شئ يُحَلَّى بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أكثر مما في البيع مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بِأَقَلِّ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ مَا تَقَعُ

(10/361)


الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وجواز أَنْ يُبَاعَ مُدُّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٌ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ وَشَبَهِهِ
* وَقَالَ يَكُونُ الْمُدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ وَالْمُدُّ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ حَتَّى قَالَ لَوْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ بِدِينَارٍ فِي خَرِيطَةٍ مَعَ الْخَرِيطَةِ جَازَ وَيَكُونُ دِينَارٌ مِنْ الْمِائَةِ في مقابلة الدينار وبقيتها في مقابلة الخريطة وقد تقدمت الاشارة إلى شئ مِنْ حُجَّتِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهَا
* وَتَكَلَّمُوا عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي اعْتَمَدْنَا عَلَيْهِ بِالِاخْتِلَافِ فِي طُرُقِهِ وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ وَاعْتَضَدُوا فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ فَصَّلَهَا فَجَاءَتْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا قِصَّتَانِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَسْتَفْصِلْ) وَأَنَاطَ الْمَنْعَ بِوَصْفٍ وَهُوَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ فَدَلَّ

(10/362)


عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ لَا غَيْرُهُ وَأَمَّا الرَّاوِي قَالَ إنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ فَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ فِيهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ الَّذِي هُوَ ثَمَنٌ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدِينَارٍ ثَقِيلٍ بِدِينَارٍ أَخَفَّ مِنْهُ وَدِرْهَمٍ وَعَنْ الْحُكْمِ فِي الدِّينَارِ الشَّامِيِّ بِالدِّينَارِ الْكُوفِيِّ وَفَضْلُ الشَّامِيِّ فِضَّةٌ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِائَةِ مِثْقَالٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكَرِهَهُ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمَعْنَى
فَضْلِ الشَّامِيِّ فِضَّةٌ أَنَّ الشَّامِيَّ أَثْقَلُ مِنْ الْكُوفِيِّ فَيَأْخُذُ بِالْفَضْلِ فِضَّةً
* وَصَحَّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِتِسْعَةٍ وَفَلْسٍ وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ

(10/363)


وَذَهَبٍ وَلَمْ أَفْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الذَّهَبِ نَقْدًا وَالْفُلُوسُ لَيْسَ بِنَقْدٍ
* (فَرْعٌ)
مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ بَاعَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ فَصٌّ بِفِضَّةٍ لَا يَجُوزُ
* وَإِنْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَبَاعَهُ وَبِيعَ الذَّهَبُ الْإِبْرِيزُ بِالْهَرَوِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِنْ فُرُوعِ قاعدة مد عجوة بعض المختلطات كالسكر المختلط بِبَعْضِ اللَّبُونِ إذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ بَاطِلٌ
* قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ الرُّويَانِيُّ كُلُّ مَا خُلِطَ مِنْ شَيْئَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ
*
(فَصْلٌ)
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ أَوْ الصِّفَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَمُدَّ بَرْنِيِّ بِمُدَّيْ مَعْقِلِيٍّ أَوْ قَفِيزَ طَعَامٍ وقفيز طعام ردئ بقفيزين من طعام جيد أو ردئ أو جيد وردئ أَوْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ جَيِّدٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ ردئ بمائتي دينار جيد أو ردئ

(10/364)


أَوْ وَسَطٍ أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ رَدِيئَةٍ أَوْ دِينَارًا قَاسَانِيًّا وَدِينَارًا سَابُورِيًّا بِقَاسَانِيَّيْنِ أَوْ سَابُورِيَّيْنِ أَوْ بِقَاسَانِيٍّ وَسَابُورِيٍّ أَوْ قَاسَانِيٍّ وَإِبْرِيزِيٍّ بِقَاسَانِيَّيْنِ أَوْ إبْرِيزِيَّيْنِ أَوْ قَاسَانِيٍّ وَإِبْرِيزِيٍّ أَوْ دِينَارًا صَحِيحًا وَدِينَارًا مَكْسُورًا بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَوْ مَكْسُورَيْنِ أَوْ صَحِيحٍ وَمَكْسُورٍ أَوْ ذَهَبَ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ وَذَهَبَ دُرَّةٍ حَمْرَاءَ بِذَهَبَيْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ دَرَاهِمَ صحاحا وغلة بدراهم صحاحا وغلة أو دينار مغربي ودينار سابورى بِدِينَارَيْنِ مَغْرِبِيِّينَ أَوْ حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ وَإِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ

(10/365)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ الَّتِي قَالَ فيها ولو راطل بمائة دينار عتق مراونية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ وَبِقَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ إذَا صَارَفَهُ خَمْسِينَ قِطَاعًا وَخَمْسِينَ صِحَاحًا بِمِائَةٍ صِحَاحٍ وَبِقَوْلِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْأُمِّ الَّذِي تَقَدَّمَ نقله عنه في التمر البردى والعجوة أو اللوز بالصحانى وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَيْضًا وَإِلْحَاقُهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى
وَقَدْ عَرَفْتَ قوله في مختصر البويطى وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بِمِائَةٍ صِحَاحٍ وَهَذَا الْقَوْلُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ في الاملاء وليس بقول الشافعي فلذلك

(10/366)


لَا يُحْكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَهَلْ هُوَ مِنْ نَقْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْبُوَيْطِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَفَّالِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ مَا حكى البويطى أنه يجوز فليس بشئ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَوَافَقَ الْقَفَّالُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَجَعَلَهُ عَائِدًا إلَى جَمِيعِ صُوَرِ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فِي التَّمْرِ وَالنَّقْدِ وَقَدْ حُكِيَ وَجْهٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ رُوِيَ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ صِفَةَ الصِّحَّةِ فِي مَحِلِّ الْمُسَامَحَةِ وَرَأَى أَنَّ التَّفَاوُتَ في الصحة لا يضر وحكي الفوارنى وغيره وجهين في بيع الصحانى والبرنى بالصحانى أو البرنى والصحانى وفى بيع الصحيح والمكسور بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَكْسُورِ أَوْ بِهِمَا وَفِي الْجَيِّدِ والردئ بِالْجَيِّدَيْنِ أَوْ الرَّدِيئَيْنِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى

(10/367)


حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَكْسُورِ وَحِكَايَةُ الْقَفَّالِ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَكِنْ حَكَاهُ فِي صُورَةِ بَيْعِ الصَّحِيحِ بِالْمَكْسُورِ وَالصَّحِيحِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ حاكى وَحَكَاهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ وَرُدَّ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ بَيْعِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ بِالْمُكَسَّرِ فَجُزِمَ بِالْبُطْلَانِ وَلَمْ يُحْكَ فِيهَا خِلَافٌ وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ وَجَزَمَ الْقَفَّالُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الدَّنَانِيرِ الْعُتَّقِ وَالْجُدُدِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِجُدُدٍ أَوْ عُتَّقٍ بِالْبُطْلَانِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِحِكَايَةِ الْوَجْهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي نَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي التَّنْبِيهُ فِي فَرْعٍ ذَكَرَهُ

(10/368)


الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا مِنْ جِنْسِهَا كَانَ الْبَيْعُ باطلا وخالفه الشيخ أبو حامد والمحاملى والمارودي وَنَبَّهْتُ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ إنَّمَا تَتِمُّ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الجيد والردئ بالجيد والردئ وَابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي ذَلِكَ إنَّ الَّذِي يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ
أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ طَرَدَهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا

(10/369)


تَقَدَّمَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَحْمَدُ لَمْ يَطْرُدَاهُ بَلْ خَصَّاهُ بِاخْتِلَافِ النوع لاغير وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَصَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَكْسُورِ وَكَذَلِكَ إمام الحرمين وافق على ماقاله صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَقَالَ إنَّ التَّوْزِيعَ فِي أَصْلِهَا بَاطِلٌ عِنْدِي وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِهَايَةُ الْفَسَادِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ إذَا انْطَوَتْ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ جَانِبٍ نِصْفُهَا مَكْسُورَةٌ وَعَلَى عَشَرَةٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي فَتَكَلُّفُ التَّوْزِيعِ فِي هَذَا غُلُوٌّ وَاشْتِغَالٌ بِجَلْبِ التَّفَاضُلِ عَلَى مُكَلَّفٍ وَقَدْ صَارَتْ الْمُمَاثَلَةُ مَحْسُوسَةً بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ثُمَّ هُوَ فِي وُضُوحِهِ فِي الْمَعْنَى يَعْتَضِدُ بِمَا يُقَرِّبُ ادِّعَاءَ الْوِفَاقِ فِيهِ فَمَا زَالَ النَّاسُ يَبِيعُونَ الْمُكَسَّرَةَ بِالصِّحَاحِ

(10/370)


وَالْمُكَسَّرَةُ لَوْ قُسِمَتْ لَكَانَ فِيهَا قِطَعٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَالْقِيمَةُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ تَسَاوِي صِفَةِ الْقِطَاعِ فَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَمَنْ رَاعَى التَّوْزِيعَ أَفْسَدَ الْبَيْعَ وَمَنْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ حُكِمَ بِالصِّحَّةِ لِتَحَقُّقِ تَمَاثُلِ الْجُمْلَتَيْنِ وَلِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ قَطَعَ الارعيانى (1) عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُ فِي فَتَاوَى النِّهَايَةِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تعالى فِي الْوَسِيطِ إلَى تَرْجِيحِهِ (وَقَالَ) فِي الْبَسِيطِ إنَّ الْقِيَاسَ الصِّحَّةُ قَالَ وَلَا يَزَالُ النَّاسُ يتبايعون الدارهم وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَات وَالْمُكَسَّرَاتُ مِنْهَا تشتمل الكبار والصغار وكذلك
__________
(1) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/371)


الدَّنَانِيرُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ يَعْرِفُ الصَّيَارِفُ صَرْفَهَا وَفَضْلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا قَطُّ تَمْيِيزَهَا وَكَذَلِكَ التَّمْرُ إذَا بِيعَ بِالتَّمْرِ وَيَشْتَمِلُ الصَّاعُ عَلَى تَمَرَاتٍ رَدِيئَةٍ وَأُخْرَى جَيِّدَةٍ ولو فصلت لتفاوتت قيمتها وابطال بيعها بعد وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا فِيهَا تَوَقُّفٌ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ مَيَّزَ بَيْنَ صِغَارِ التَّمْرِ وَكِبَارِهِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْ الصِّغَارِ وَصَاعًا مِنْ الْكِبَارِ بِصَاعٍ مِنْ الصِّغَارِ وَصَاعٍ مِنْ الكبار فالحكم كالحكم فيما باع ردهما وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَهُمَا مِنْ ضَرْبٍ

(10/372)


وَاحِدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ صَاعَيْنِ بِصَاعَيْنِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ كُلَّ عِوَضٍ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَمَا حُكْمُ الْعَقْدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ تَفَاوُتٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا وَالشَّرْطُ فِي بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ أَنْ تَتَسَاوَى أَجْزَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يفرد البعض عن الْبَعْضُ وَتَحْقِيقُ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّقْسِيطِ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الرِّبَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ حُسَيْنٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا بَاعَ صَاعًا بِصَاعٍ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِغَارٌ وَكِبَارٌ إنْ كان الصِّغَارُ ظَاهِرَةً فِيمَا بَيْنَ الْكِبَارِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ ذلك

(10/373)


ذَلِكَ لِلنُّظَّارِ لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصِّغَارُ ظَاهِرَةً فيها بين الكبار فالعقد صحيح وصار كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَعْدِنٌ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إنْ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّغَارُ مُخْتَلِطَةً بِالْكِبَارِ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً لِأَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَ الصِّغَارَ عَنْ الْجُمْلَةِ وَمَيَّزَهَا عَنْهَا ثُمَّ بَاعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ بِالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عِنْدَ التَّمْيِيزِ كُلَّ نَوْعٍ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ الْجُمْلَةُ مَقْصُودَةٌ وَكُلُّ نَوْعٍ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَتَظْهَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ لَوْ بَاعَ صَاعَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ

(10/374)


ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُ الصَّاعَيْنِ مُسْتَحِقًّا يَسْتَرِدُّ بِإِزَائِهِ دِرْهَمًا مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِذَا كَانَتْ الصِّغَارُ مُفْرَدَةً عن الكل فخرج أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مُسْتَحِقًّا لَا يَسْتَرِدُّ بِإِزَائِهِ دِرْهَمًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ مَا يُقَابِلُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ
* انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمُلَخَّصُهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً تَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ تأمل لم يصح والاصح والوجهان ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا عِنْدَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ سَوَاءٌ ظَهَرَتْ أَمْ لَمْ تَظْهَرْ فَإِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فاستعمله على خيبر فقدم بتمر خبيب فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكذا قال لا والله

(10/375)


يارسول اللَّهِ إنَّا نَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْجَمْعَ اسْمٌ لِمَا يَجْمَعُ أَنْوَاعَ التَّمْرِ وَقَدْ خَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أن يشتري صاعا من الخبيب بِصَاعٍ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ ظَاهِرًا مِنْ ذَلِكَ أولا مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ يَظْهَرُ الِاخْتِلَاطُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ نَوْعٍ مُتَمَيِّزًا مُنْفَصِلًا فَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ نَظَرٌ أَنَّ الْمُخْتَلَطَ لَا يُوَزِّعُ أَهْلُ الْعُرْفِ الثَّمَنَ عَلَيْهِ بَلْ يُقَوِّمُونَ شَيْئًا وَاحِدًا وَالتَّمْيِيزُ يُقَوِّمُ أَهْلُ الْعُرْفِ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَبِمَا ذَكَرْتُهُ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَظْهَرُ وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ

(10/376)


الامام والغزالي فعند عدم التميز أُلْحِقَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعِنْدَ التَّمْيِيزِ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُونَ إنْ خلط الصحانى بالبردى أَوْ الْكِبَارَ بِالصِّغَارِ ثُمَّ بَاعَ صَاعًا بِصَاعٍ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ وَلَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ ثُمَّ بَاعَ لَمْ يَجُزْ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ إنْ سَلَّمْنَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ) عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي

(10/377)


أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ وَتَجْوِيزُهُ فِي التَّمْرِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُهَا وَيَشُقُّ تَمْيِيزُهَا ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ احْتَرَزَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ مَسْأَلَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُرَاطَلَةِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ طَرْدِهِ فِيهَا فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ فَرَضَ مَسْأَلَةَ الْمُرَاطَلَةِ فِي الْعُتَّقِ وَهِيَ نَفِيسَةٌ وَالْمَرْوَانِيَّة وَهِيَ دُونَهَا ثُمَّ فَرَضَ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي مِائَتَيْ دِينَارٍ وَسَطًا حَتَّى لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُسَامَحَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ اقْتَضَى الْعَقْدُ مِنْ الشِّقَّيْنِ طَلَبَ الْمُعَايَنَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّوْزِيعَ وَهُوَ يُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ لَا مَحَالَةَ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ وَإِنْ نُقِلَ الْخِلَافُ في مسألة الصحاح والمكسرة لكن إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّ قِيَاسَهُ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بالصحة في

(10/378)


مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ قَالَ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ وَتَابَعَهُ القرافى فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ يُتَبَيَّنُ فَرْقٌ بين مسألة المراطلة وبين مالو بَاعَ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً وَخَمْسَةً صَحِيحَةً بِمِثْلِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ هَذَا نَقْلُ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُ الاشكال وقد قال الغزالي فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى - بِمَآخِذِ الْأَشْرَافِ عَلَى مَطَالِعِ الْإِنْصَافِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ - إنَّ الطَّرِيقَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ يَعْنِي طَرِيقَ التَّوْزِيعِ وَالْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا تَأْتِي فِي مَسَائِلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَمَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا علما أَنَّ قِيمَةَ الْمُدِّ مِثْلُ

(10/379)


الدِّرْهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ الَّتِي خَالَفَ الْإِمَامُ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ فِيهَا فأن للنظر فيها مجالا وذلك أنه راطل مِائَةَ دِينَارٍ عُتَّقٍ وَمِائَةً مَرْوَانِيَّةً بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَسَطٍ فَإِنْ فُرِضَ مُسَاوَاةُ الْوَسَطِ لِلْمِائَتَيْنِ الْعُتَّقِ والمروانية فِي الْقِيمَةِ صَحَّ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ فُرِضَ التَّفَاضُلُ أَوْ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ قَطْعًا يَعْنِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيُتَّجَهُ لَهُمْ يَعْنِي لِلْخَصْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ)

(10/380)


وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ) (قُلْتُ) لَمْ أَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَدِيثٍ
* وَالْحَنَفِيَّةُ اسْتَنَدُوا إلَى حَدِيثِ عُبَادَةَ كَذَا في شرح الميرغينانى للهداية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقَابَلَةُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ بِوَزْنِ الْعَيْنِ لَا بِرِعَايَةِ الصِّفَةِ وَلَوْ رُوعِيَتْ الصِّفَاتُ لَمَا تُصُوِّرَ تَصْحِيحُ بَيْعِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ إذْ مَا مِنْ صَاعٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ عَلَى تَمَرَاتٍ رَدِيئَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لَوْ مُيِّزَتْ لَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْعَاهَا الشَّرْعُ قَطْعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَحِلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى مَسَاقِ الْمَذْهَبِ فَنَقُولُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جيدها ورديئها سواء) ان كَانَ حَدِيثًا أَرَادَ بِهِ مَا إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ

(10/381)


النَّوْعُ فَهُوَ مُسْتَخْرَجٌ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمُعَامَلَةِ قَدْ تَعَبَّدْنَا بِهَا وَالتَّوْزِيعُ يُفْضِي إلَى مُفَاضَلَةٍ لَا مَحَالَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ الدِّينَارَ الجيد لو كان لواحد والدينار الردئ لِآخَرَ لَا يَتَقَاسَمَانِ الدِّينَارَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْجَيِّدِ زِيَادَةً وَلَا يَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُهُ لِمِلْكِ الزيادة إلى القسمة إذا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لِلْحَقِّ لَا يَزِيدُ بِهِ الْحَقُّ وَلَا يَنْقُصُ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعَاقِدِ فَلَا تَخْتَلِفُ الْمُقَابَلَةُ بِاتِّحَادِ الْعَاقِدِ ثُمَّ قَالَ هَذَا طَرِيقُ التَّوْزِيعِ وَفِيهِ غُمُوضٌ لَا يُنْكِرُهُ مَنْ تَأَمَّلَهُ وهو الاستدلال الذى استدل به الفراقى لَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَذَكَرُوا أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عبادة (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) إلَى أَنْ قَالَ (الامثلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالُوا مَا جَازَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَجْمَعَ الصَّفْقَةُ نَوْعًا وَاحِدًا أو

(10/382)


نَوْعَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الطَّعَامِ (إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ) قَالُوا وَلِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ لَا جَائِز أَنْ تَكُونَ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ بِمَكْسُورَيْنِ يجوز وإن كانت قيمة الصحاح أكبر وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْخَبَرَ حجة لنا لانه قال (إلاسواء بِسَوَاءٍ) وَلَيْسَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَإِنَّمَا جَازَ فِي الدرهمين الصحيحين بالمكسورين لانه مُتَّفَقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّمَا التَّمَاثُلُ بِالْقَدْرِ غَيْرَ أَنَّ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُعْرَفُ بِهَا تَمَاثُلُ الْقَدْرِ وتفاضله والله أعلم
* وبعد أن ذكر الجوزى طَرِيقَ التَّوْزِيعِ قَالَ وَاسْتَدَلَّ الْمَدِينِيُّ بِهَذَا الدَّلِيلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَعَدٍّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَنْعُ مِنْ صَاعَيْ بَرْنِيِّ بصاعي سهرير بجواز أن يستحق أحدهما صاعي السهرير فَيَرْجِعُ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ مِنْ الْبَرْنِيِّ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ أَعْطَى صَاعًا وَنِصْفًا برنيا بصاع من سهرير قَالَ فَإِنْ كَانَ اقْتَحَمَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَرَاهُ فَاعِلَهُ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُجِيزَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْ الْقِيَمِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَنْخَفِضُ قِيمَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ مَا خَافَهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ

(10/383)


ضعيف لان صاع السهرير مقابل بصاع من البرنى لاغير وقد أبطله الجوزي وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي إبْطَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى اعْتَضَدْنَا فِيهَا بِحَدِيثِ الْقِلَادَةِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
لِأَنَّ الْقِلَادَةَ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فِيهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهَا هُنَا إلَّا التَّمَسُّكُ بِالْمَعْنَى وَالنَّظَرُ فِي الحاق هذه الرتبة بِالْأُولَى وَلِذَلِكَ خَالَفَ فِي هَذِهِ بَعْضُ مَنْ وَافَقَ فِي الْأُولَى
* وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ فَجَائِزٌ ذَلِكَ كله عندهم لان ردئ التَّمْرِ وَجَيِّدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
* (فرع)
قال الماوردى إذا باع مائة درهم صحاحا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ غَلَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صِحَاحٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ غَلَّةً فَإِنْ اخْتَلَفَ جَوْهَرُ الصِّحَاحِ مِنْ هَذَا الْعِوَضِ وَجَوْهَرُ الْغَلَّةِ مِنْ هَذَا الْعِوَضِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ

(10/384)


وَهَذَا يُبَيِّنُ مَحِلَّ الْخِلَافِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ رَاجِعَةً لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى جَوْهَرِ الْعِوَضَيْنِ أما إذا اختلف جوهر العوض مَعَ الْمَضْمُومِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا هَكَذَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْكَلَامُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ عِلَّةَ الْجَوَازِ فِي بَيْعِ الدِّينَارِ الجيد بالردئ أن أجزاء الجيد متساوية القيمة وأجزاء الردئ مُتَسَاوِيَةُ الْقِيمَةِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ الرَّدَاءَةُ فِي طَرَفٍ مِنْ الدِّينَارِ وَبَقِيَّتُهُ جَيِّدٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ وَلَا ردئ ولا بمثله والظاهر خلافه لان الدينار شئ واحد لا يوزع الثمن على أجزائه القيمة وَإِنَّمَا يُقْصَدُ جُمْلَتُهُ وَلَوْ فُرِضَ اخْتِلَافُ رَدَاءَتِهِ كَالصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ الْمُخْتَلَطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عُتَّقًا وَجُدُدًا بِعُتَّقٍ وَجُدُدٍ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعُتَّقِ وَالْجُدُدِ أَوْ كَانَ الْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ
*

(10/385)


(فرع)
جعل نصر المقدس مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ دِينَارَ صَحِيحٍ وَدِينَارَ رُبَاعِيَّات بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَوْ رُبَاعِيَّانِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِم (قُلْتُ) وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِنِصْفَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الرَّوَاجُ وَاحِدًا وَهُوَ يُبَيِّنُ مُرَادَهُمْ بِالْمَكْسُورِ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَكْسُورَ وَالْمَقْطُوعَ الَّذِي لَا يُرَوَّجُ رَوَاجَ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ عَنْ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ
الْمَرْتَبَةِ مُدُّ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَمَدُّ حِنْطَةٍ مِصْرِيَّةٍ بِمُدَّيْنِ مِصْرِيَّيْنِ أَوْ شَامِيَّيْنِ فِي (1) أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُنْظَرْ
* (فَرْعٌ)
مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَوْ بَاعَ ذَهَبًا مَصُوغًا وَذَهَبًا غَيْرَ مَصُوغٍ بِذَهَبٍ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَصُوغَ مُتَقَوِّمٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِ الْمَصُوغِ أَمَّا لَوْ بَاعَ ذَهَبًا مَصُوغًا بِذَهَبٍ غَيْرِ مَصُوغٍ جَازَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (فائدة) قال صاحب التخليص الرِّبَا لَا يَقَعُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ إلَّا في أربع مَوَاضِعَ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَنْتَ إذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ فَحَسْبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/386)


(فَرْعٌ)
أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا خلط الجيد بالردئ أَوْ الْحِنْطَةَ النَّقِيَّةَ بِالْبَخْسَةِ ثُمَّ بَاعَ صَاعًا منه بمثله أو باع بصاع ردئ جَازَ لِأَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ الْآخَرِ لَا يُوجِبُ التَّوْزِيعَ بِالْقِيمَةِ بَلْ تَتَوَزَّعُ الْأَجْزَاءُ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ جَيِّدًا بردئ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا كَمَا أَخْبَرَ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَلَطَ نَوْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَضَرَبَهُمَا دِينَارًا وَاحِدًا أَوْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ خَلَطَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ نَوْعَيْنِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ ثُمَّ بَاعَهَا بِمِثْلِهَا يَصِحُّ فَلَوْ خَلَطَ جِنْسًا بِجِنْسٍ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ بِأَحَدِهِمَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ مع التمر المصرى جِنْسَانِ قَالَ وَبَيْعُ مُدَّيْ كَرْمَانِيِّ وَمُدٍّ بَصْرِيٍّ بمد تمر شحرى إن كان منفردا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُجْتَمِعًا لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَمُرَادُهُ بِالشِّحْرِيِّ الْهِنْدِيَّ وَأَمَّا الْكَرْمَانِيُّ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَهُ بِهِ نَوْعًا مِنْ الْهِنْدِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْبَصْرِيِّ جَازَ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْهِنْدِيِّ فَقَدْ بَاعَ الْهِنْدِيَّ بِالْهِنْدِيِّ مَعَ جِنْسٍ آخَرَ فأن كان للاختلاط مُسَوَّغًا كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ مُسَوَّغًا فِي سَائِرِ صُوَرِ اختلاف الجنس كقمح وشعير مختلطين بقمح وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/387)


(فَرْعٌ)
إذَا ثَبَتَ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ نَصٌّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ فَيَصِيرُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بجنسه مشروطا بأربعة شروط (الحلول والثماثل وَالتَّقَابُضُ وَكَوْنُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) وَقَدْ نَبَّهَ أَبُو حَامِدٍ
فِي الرَّوْنَقِ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ هَذَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ مِنْ شُرُوطِ الصرف وكذلك المحاملى فِي اللُّبَابِ وَمَا أَقْدَرُ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَكُونَا كتابا واحدا ثم لنتنبه لِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا اخْتِلَافَ النَّوْعِ وَاخْتِلَافَ الصِّفَةِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا النَّوْعَ مِنْ الصِّفَةِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ وَالصِّغَرُ وَالْكِبَرُ وَالْمُرَادَ بِالنَّوْعِ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِ التَّمْرِ وَشِبْهِهِ لَكِنَّ عَدَّ الصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ فِي الْوَصْفِ أَقْرَبُ مِنْ عَدِّهَا فِي النَّوْعِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُتَّحِدٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ (وَالْوَجْهُ) الَّذِي حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ نَعَمْ وَجْهُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مُخْتَصٌّ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ وَاحْتُرِزَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مسألة المراطلة ولا يَظْهَرُ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ وَبَيْنَ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ مُنْقَدِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) أَنَّ اخْتِلَافَ الْقِيمَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي النَّوْعَيْنِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ عَلَى وَجْهٍ قَدْ عَلِمْتَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ

(10/388)


ظَاهِرَهُ الِاشْتِرَاطُ وَقَدْ شَرَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرَطَهُ فِي الجنسين ففى النوعين أولى فقد اشْتَرَطَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ (الثَّالِثُ) الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَقَعَ التَّعَرُّضُ لَهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ النَّوْعُ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ الضرب من الشئ - وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ - النَّوْعُ أَخَصُّ مِنْ الْجِنْسِ - وَالْعَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ - بِالْمَدِينَةِ وَنَخْلَتُهَا تُسَمَّى لِينَةً قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَكْبَرُ مِنْ الصَّيْحَانِيِّ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ مِنْ غَرْسِ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إنَّ الصَّيْحَانِيَّ الذى يحمل من المدينة من العجوة والبردى - بِضَمِّ الْبَاءِ - ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ قَالَهُ الجوهرى وفى الحديث أمرأن يؤخذ البردى فِي الصَّدَقَةِ وَالْبُرْدِيّ بِالْفَتْحِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ قَالَهُ الجوهري واللون قال الهروي النخل كله ماخلا الْبُرْنِيَّ وَالْعَجْوَةُ يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْأَلْوَانُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ

(10/389)


فِي صَدَقَةِ التَّمْرِ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْبَرْنِيِّ مِنْ الْبَرْنِيِّ وَفِي اللَّوْنِ مِنْ اللَّوْنِ قَالُوا اللَّوْنُ أَلَذُّ قَالَ وَجَمْعُهُ الْأَلْوَانُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ اللَّوْنُ النَّوْعُ وَاللَّوْنُ أَلَذُّ قَالَ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ النَّخْلِ وَالصَّيْحَانِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ضَرْبٌ مِنْ تمر المدينة وقال الازهرى الصحيانى مِنْ جُمْلَةِ أَلْوَانِ الْعَجْوَةِ جِنْسٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الوان وهذا الصحيانى
الَّذِي يُحْمَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْبُرْنِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَشَفِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ يُقَالُ (أَحَشَفًا وسوء كيله) وقال إبراهيم الجربى الْحَشَفُ فَاسِدُ التَّمْرِ أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ عَنْ الاصمعي قال الحشفة الواحدة من ردئ التَّمْرِ وَالْحَشَفَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَبَلِ الْغَلِيظَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَاءً فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا فَنَسَخَتْ الْأَرْضَ حَتَّى ظَهَرَتْ حَشَفَةً فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا بَيْتَهُ) وَالْحَشَفَةُ الْكَمَرَةُ وَالْعَاتِقُ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَالْحَشِيفُ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَالْجَمْعُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ يقال كل شئ مِنْ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمْعٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ قَالَ كُلُّ لَوْنٍ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ قَالَ وَقِيلَ هُوَ التَّمْرُ الَّذِي يَخْرُجُ من النوى

(10/390)


وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَاسَانِيِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْأَلْفِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ نُونٌ - قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى قَاسَانَ وَهِيَ بَلْدَةٌ عِنْدَ قُمٍّ وَأَهْلُهَا شِيعَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّابُورِيُّ - بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَبَعْدَهَا الْوَاوُ وَفِي آخِرِهَا رَاءٌ - هَذِهِ النِّسْبَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ نِسْبَةً إلَى سَابُورَ بَلْدَةً بِفَارِسٍ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَظَنِّي أَنَّهَا حَدُّ نَيْسَابُورَ كَانَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنِسْبَةً إلَى جَدٍّ اسْمُهُ سَابُورُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا (وَالثَّالِثَةُ) نِسْبَةٌ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَهُوَ سَابُورُ الْمَشْهُورُ بِذِي الْأَكْتَافِ بْنِ هرمز بن موسى بن بهرام بْنِ بَهْرَامِ بْنِ هُرْمُزِ بْنِ سَابُورِ بْنِ أَرْدَشِيرِ بْنِ بَابِكِ بْنِ سَاسَانَ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ الَّذِي وَافَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ يَزْدَجْرِدُ بْنُ شهربار ابن كِسْرَى بْنِ قَبَاذِ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجْرِدْ بن بهرام حور بن يزدجرد بن بهرام بْنِ سَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُلُوكٌ وَجَعَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سَابُورَ هَهُنَا بِنَيْسَابُور وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ إنَّهُ الْمَلِكُ وَالْقِرَاضَةُ الْقَطْعُ تَقْرِضُ مِنْ الدِّينَارِ لِلْمُعَامَلَةِ فِي صِغَارِ الْحَوَائِجِ وَهِيَ تَنْقُصُ عَنْ الصِّحَاحِ وَيَجُوزُ فِيهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَدْ اشْتَرَطَ

(10/391)


ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْبُطْلَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُكَسَّرُ الْمَضْمُومُ إلَى الصَّحِيحِ قِيمَتُهُ دُونَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَذَلِكَ
تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيِهِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِمْ الْقِيمَةَ أَنْ لَا فَرْقَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ نَصْرِ الْمَقْدِسِيِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ دِينَارٍ صَحِيحٍ ودينار رباعيان بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْرُوضًا في رباعيان تُخَالِفُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ الصَّحِيحِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَيَجِبُ طَرْدُ مِثْلِهِ فِي دِرْهَمٍ ونصفين بدرهمين والصحيح () والغلة () والمروانية () والهاشمية العامة () والحدث أو المحدثة () والردئ إمَّا بِانْمِحَاءِ السِّكَّةِ أَوْ بِعَدَمِ الطَّبْعِ أَوْ بنقصان الوزن كذلك قال الفارقي وليس الردئ هُوَ الْمَغْشُوشُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَهَبٍ وَغَيْرِهِ وَالْعُتَّقُ النَّافِقَةُ () وَالضَّرْبُ الْمَكْرُوهُ () وَالضَّرْبُ الْوَسَطُ () وَالْقِطَاعُ أَظُنُّهَا الْقِرَاضَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّبَاعِيَّاتِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَالرَّوَاجُ أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَالْأَنْصَافِ مَعَ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يَظْهَرُ تَفَاوُتٌ وَالْمُرَاطَلَةُ لَفْظٌ قَدِيمٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ يُرَاطِلَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغَ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغَ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ () وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ دَرَاهِمُ غِطْرِيفِيَّةٌ قَالُوا وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ كَذَا فِي المعرب وقل هو
__________
(مابين الاقواس بياض بالاصل)
*)

(10/392)


خَالُ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ دِينَارٌ شَلَابِي وَهُوَ نِسْبَةٌ (1) وَدِينَارٌ جَعْفَرِيٌّ وَأَظُنُّهُ نِسْبَةً إلَى الْمُتَوَكِّلِ فَإِنَّ اسْمَهُ جَعْفَرٌ وَدِينَارٌ أهوارى وهو نسبة (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ مَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ أَوْ النَّوْعَيْنِ مَقْصُودًا أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَقْصُودٍ فَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثِلَةٌ فِي فُصُولٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ (أَمَّا) إذَا بِيعَ الرِّبَوِيُّ بغير جنسه وفى الطرفين أو أحدهما شئ آخَرُ فَيُنْظَرُ إنْ اتَّفَقَا
فَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ فِي جَمِيعِ الْعِوَضَيْنِ جَازَ أَيْضًا كَصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ وَصَاعِ مِلْحٍ وَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ شَرْطًا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَفِيهِ قَوْلَا الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَشْتَرِطُ التَّقَابُضَ وَكَذَلِكَ صَاعُ حِنْطَةٍ وَثَوْبٌ بِصَاعِ شَعِيرٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ يَكُونُ (2) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ بدنانير فيه قولان لانه صرف وبيع
*
__________
(1 و 2) كذا بالاصل فحرر)
*)

(10/393)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ دَارًا مُمَوَّهَةً بِذَهَبٍ بِدَنَانِيرَ أَوْ مُمَوَّهَةً بِالْفِضَّةِ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ التَّمْوِيهُ بِحَيْثُ إذا نحت يخرج منه شئ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَلَوْ بَاعَ الْمُمَوَّهَةَ بِالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ أَوْ الْمُمَوَّهَةَ بِالْفِضَّةِ بِذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا نحت لا يحصل منه شئ صح وإن كان يحصل منه شئ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
* وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِذَهَبٍ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ ذَهَبٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ الْجَزْمُ بِهَذَا وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا وَهُوَ يُوَافِقُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي بَيْعِ الْقَمْحِ الْمُخْتَلَطِ بِالشَّعِيرِ وَكَوْنُهُ يَعْتَبِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ (وَلَعَلَّكَ) تَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَظَهَرَ فِيهَا مَعِيبٌ أَنَّ جَمَاعَةً اخْتَارُوا الْبُطْلَانَ وَخَرَّجُوهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَاَلَّذِي ظَهَرَ بِهِ الِاخْتِلَافُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلَّا كَانَ الْمَعْدِنُ كَذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ فِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ يُشْتَرَطُ الْمُمَاثَلَةُ وَقَدْ ظَهَرَ انْخِرَامُهَا بِانْقِسَامِ الْعِوَضِ إلَى صَحِيحٍ وَمَعِيبٍ والدار المبيعة بالذهب وهى المقصودة لاربا فِيهَا وَالرِّبَوِيُّ الَّذِي ظَهَرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا (أَمَّا) لَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا حِينَ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ

(10/394)


عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الصِّحَّةُ لِلتَّبَعِيَّةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبِئْرُ ظَاهِرَةً وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ لَا لِأَنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً
فَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَقْصُودِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ ظَاهِرًا يُقْصَدُ وَحْدَهُ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدَّارِ وَسَيَأْتِي فِي بَيْعِ الدَّارِ بَحْثٌ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ بَيْعَ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ
* وَلَوْ بَاعَ بَقَرَةً بِلَبَنِ بَقَرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِي الْبَقَرَةِ لَبَنًا فَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمَعْدِنُ فَيَحْتَاجُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ هُوَ وَالرَّافِعِيُّ إلَى الْفَرْقِ أَوْ طَرْدِ الْحُكْمِ وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ فِي الْمُصَرَّاةِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْإِنَاءِ وَالْمَعْدِنُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قُلْتُ) قَوْلُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نُلْحِقَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ فِيهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَوِزَانُ اللَّبَنِ بَيْعُ الدَّارِ الْمُصَفَّحَةِ بِالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَأَنَّهُ لَا يجوز لانه من قاعدة مد عجوة اه
*

(10/395)


(فَرْعٌ)
لَوْ أَجَّرَ حُلِيًّا مِنْ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ يَجُوزُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا صَفَائِحُ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ فَهُوَ صَرْفٌ وَبَيْعٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قاله الرويانى قال فإذا قلنا يصح فلابد مِنْ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَمَا يُقَابِلُ الصَّفَائِحَ مِنْ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَمَا يُقَابِلُ الدَّارَ لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا صَفَائِحُ ذَهَبٍ بِدَارٍ فِيهَا صَفَائِحُ فِضَّةٍ يُمْكِنُ جَمْعُهَا وَقُلْنَا يَصِحُّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الدَّارَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ قَبْضَ مَا عَلَيْهِمَا يَكُونُ بِقَبْضِ الدَّارَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ تَسْلِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاجِبٌ في المجلس وتسليم الدارين غير وَاجِبٌ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ فَيَكُونُ عَقْدُ الصرف اقتضى تسليم شئ آخَرَ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الصَّرْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ كَذَلِكَ بَحْثُنَا وَسَأُكَرِّرُ هذا الاشكال فِي مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ إلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ فِيهِ بِجَوَابٍ أَوْ يُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الشَّفِيعُ إذَا أَرَادَ أَنْ يأخذ هذه الدار بالشفعة قال الرويانى فلابد مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ الصَّفَائِحَ في المجلس ويتسلم الدار
*

(10/396)


* قال المصنف رحمه الله
* (فصل ولا يباع خالصه بمشوبه كحنطة خالصة بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة خالصة بفضة مغشوشة
وعسل مصفى بعسل فيه شمع لان أحدهما يفضل على الآخر ولا يباع مشوبة بمشوبة كحنطة فيها شعير أو زوان بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة مغشوشة بفضة مغشوشة أو عسل فيه شمع بعسل فيه شمع لانه لا يعلم التماثل بين الحنطتين وبين الفضتين وبين العسلين ويجوز أن يباع طعام بطعام وفيه قليل تراب لان التراب يحصل في سفوف الطعام ولا يظهر في الكيل فأن باع موزونا بموزون من جنسه من أموال الربا وفيه قليل تراب لم يجز لان ذلك يظهر في الوزن ويمنع من التماثل)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ يَتَضَمَّنُ الْقِسْمَ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ فِيهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ (مِنْهُ) مَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ فُصِلَ وَمُيِّزَ لَكَانَ قَدْ يُقْصَدُ حِينَئِذٍ وَيُقَابَلُ بِالْإِعْرَاضِ وَحْدَهُ كَالشَّعِيرِ الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَالنُّحَاسِ الْمُخَالِطِ لِلْفِضَّةِ وَالشَّمْعِ الْمُخَالِطِ لِلْعَسَلِ (ومنه) مالا يكون مقصودا بوجه ما كَالتُّرَابِ وَالْقَصْلِ وَالزُّوَانِ وَالشَّيْلَمِ

(10/397)


وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكِيلِ أَوْ فِي الْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْزُونِ امتنع مطلقا لما ذكره المصنف في آخر كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ وَيَمْنَعُ التَّمَاثُلَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَكِيلِ فَإِمَّا أن يكون المخالط قدرا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ كَالشَّعِيرِ الْيَسِيرِ جِدًّا الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَالزُّوَانِ وَالْقَصْلِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالتُّرَابُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي سُفُوفِ الطَّعَامِ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الطَّعَامُ فَتُسُومِحَ بِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ مَعَ فَرْضِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمِكْيَالِ نَعَمْ قَدْ يقال ان ذلك لابد أَنْ يُؤَثِّرَ وَلَوْ يَسِيرًا لَكِنَّ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ فِي مَحِلِّ الْمُسَامَحَةِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ امتنع فهذا جملة الْفَصْلِ (وَحَاصِلُهُ) الْحُكْمُ فِي الْكَيْلِ بِالِامْتِنَاعِ إلَّا فِيمَا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ فِي الْمَكِيلِ وَذَلِكَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلَ قَلِيلِ التُّرَابِ الدَّقِيقِ وَمَا دُقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَهَكَذَا كل صنف من هذه خلطه غَيْرُهُ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ مِنْهُ لَمْ يجز بعضه ببعض الا خالصا مما يخلطه الا أن يكون ما يخلط الْمَكِيلَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلَ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دُقَّ مِنْ
تِبْنِهِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ في شئ من هذا فيه اه
* وَالْعِبَارَةُ الْجَامِعَةُ لِذَلِكَ أَنَّ الرِّبَوِيَّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَأْخُذُ خطأ مِنْ الْمِكْيَالِ وَهِيَ عِبَارَةُ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْكَافِي وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْضِيدِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ فِي أَمْثِلَةِ الْخَالِصِ بِالْمَشُوبِ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ (الْأُولَى) الْحِنْطَةُ الْخَالِصَةُ بِالْحِنْطَةِ الَّتِي فِيهَا شَعِيرٌ أَوْ زُوَانٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ لاخير في مد حنطة فيها قصل أو زوان بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك لانها حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مُتَفَاضِلَةٍ وَمَجْهُولَةٍ وَقَالَ فِي الْأُمِّ في باب المأكول من صنفين شيب أحدها بِالْآخَرِ وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ فِيهَا حِجَارَةٌ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ بمد حنطة لا شئ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ فِيهَا تِبْنٌ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ في قول الشافعي لاخير أراد بقوله لاخير يَعْنِي لَا يَجُوزُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكُنَّا

(10/398)


نَتَوَهَّمُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَهُ حَتَّى وَجَدْنَاهَا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسَائِلِ الرِّبَا فَتَوَهَّمْنَاهَا لَهُ حَتَّى وَجَدْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم استعملها في مثل هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَعِبَارَةُ الْأُمِّ أَصَحُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَخَلَّ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَقَيَّدَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْقَصْلُ كَثِيرًا يَعْنِي بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ أَمَّا مَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُتَبَيَّنُ فِي الْمِكْيَالِ قَالَ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَطَرَدَا ذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يُرْشِدُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ بِمِثْلِهَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ كَثِيرًا وذلك هو الحق الذى لامرية فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ مَا يُوهِمُ الْمُخَالَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَصْلِ وَالزُّوَانِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مُخَالَفَةً بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْقَلِيلُ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَكِيلِ فَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي

(10/399)


ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُرَادِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي مَنْعِ الْمُمَاثَلَةِ وَمَا كَانَ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا فَيُمْنَعُ عِنْدَ
اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَيُمْنَعُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِفَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا يُمْنَعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزُّوَانِ وَالْقَصْلِ وَالشَّعِيرِ وَالشَّيْلَمِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ وَغَيْرُهُ ضَابِطُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَاللَّفْظُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ في أحديهما حَبَّاتٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ وَفِي الْحِنْطَةِ حَبَّاتٌ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا وَبَعْضُهُمْ لَا يَذْكُرُ هَذَا التَّفْصِيلَ الْأَخِيرَ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ وَيُطْلِقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ الْجَوَازَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ يُوهِمُ أَنَّ الْحِنْطَةَ المشوبة لاتباع

(10/400)


بِمِثْلِهَا وَلَا بِالْخَالِصَةِ وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ مَا ظَاهِرُهُ يُوَافِقُ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُوَافِقِيهِ وَاخْتَصَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ فَأَوْضَحَهُ وَبَيَّنَ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ وَقَدْ قَالُوا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ فِي الْمِكْيَالَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا شَعِيرٌ أَوْ تُرَابٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إنْ أَثَّرَ فِي التَّمَاثُلِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ بِحِنْطَةٍ فِيهَا شَعِيرٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِثْلُهُ صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءً أَثَّرَ فِي الْمِكْيَالِ أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ اه قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا يُكْتَرَثُ بِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا بِكَوْنِهِ مُتَمَوِّلًا فَالنَّظَرُ إلَى كَوْنِهِ مَقْصُودًا عَلَى حِيَالِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الشَّعِيرِ الَّذِي خَالَطَ الْحِنْطَةَ قَدْرًا يُقْصَدُ غَيْرُهُ لِيُسْتَعْمَلَ شَعِيرًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَشَبَّهُوا هَذَا بِالْمُحْرِمِ الَّذِي قَطَعَ مُدَّةً لَا يَلْزَمُهُ فِدْيَةُ الشُّعُورِ الَّتِي عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ مَقْصُودَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَكَذَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الرِّبَوِيَّ الْمَكِيلَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَشُوبٌ بِالْآخَرِ فَالْمَانِعُ كون المخالط مقصود التمييز لِيُسْتَعْمَلَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ لِتَبَيُّنِهِ فِي الْمِكْيَالِ أَثَرٌ وَلَا لِمَالِيَّتِهِ وَإِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَالْمَانِعُ كَوْنُ الْمُخَالِطِ قَدْرًا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا فَرْقَ في ذلك بين المكيل والموزن كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِنْ الْفَرْعِ الْآتِي عَنْ الشَّيْخِ أبى محمد بقى هَهُنَا
* (فَرْعٌ)
وَهُوَ إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ قَدْرًا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ لَكِنَّهُ مَقْصُودٌ كَمَا لَوْ بَاعَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَفِي أَحَدِ الْمِكْيَالَيْنِ أَوْ فِيهِمَا طَعَامٌ صَغِيرُ الْحَبِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَيُقْصَدُ كَالسِّمْسِمِ

(10/401)


مَثَلًا وَمُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ وَيَكُونُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ لِيُتَنَبَّهْ) لِأَمْرٍ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْفَصْلِ الَّذِي أَجْرَيْنَاهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ مِنْهُ أَنْ يُقْصَدَ تَمْيِيزُ الْخَلِيطِ لِيُسْتَعْمَلَ عَلَى حِيَالِهِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا مُنْضَمًّا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُقْصَدُ مَجْمُوعُهَا سَوَاءٌ امْتَنَعَ التَّمْيِيزُ فِيهَا كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهُوَ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ بِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ أَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ وَلَكِنَّهُ يَقْصِدُ اخْتِلَاطَهَا كَالْقَمْحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَعِيرٍ كَثِيرٍ قَدْ يَقْصِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ لِرُخْصِهِ أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَلَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُ الشَّعِيرِ عَنْهُ وَإِنْ أَرَدْنَا أَنَّ قَصْدَ تَمْيِيزِ الْمَبِيعِ عَنْ الْخَلِيطِ مَانِعٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَصْدَ يَتَعَلَّقُ بِتَمْيِيزِ الْحِنْطَةِ عَنْ الشَّعِيرِ وَإِنْ قَالَ فَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنْ حَذَفْنَا لَفْظَ التَّمْيِيزِ وَقُلْنَا الْمَانِعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيطُ مَقْصُودًا اسْتَقَامَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الطَّرْدِ أَيْ كُلُّ خَلِيطٍ مَقْصُودٍ مَانِعٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْعَكْسِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَانِعٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ

(10/402)


لَبَنَ الْغَنَمِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِلَبَنِ الْبَقَرِ الْمَشُوبِ وَالْخَالِصِ كَمَا قُلْنَا فِي خَلِّ التَّمْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَلَا يُفِيدُ كَوْنُهُ يُقْصَدُ تَمْيِيزُ اللَّبَنِ عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرَ مُرَادٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْذَفَ لَفْظُ التَّمْيِيزِ وَيُجْعَلُ هَذَا الضَّابِطُ غير منعكس أو يدعى انعكاسه ويعتذر عن مَسْأَلَةِ اللَّبَنَيْنِ بِأَنَّ الْمَانِعَ جَهَالَةُ مِقْدَارِ اللَّبَنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيْعِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْخَلِّ فَإِنَّ المقصود الهيئة التركيبية ولا يرد على الطرد الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ خَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ فِي كَوْنِ الْمَاءِ الْخَلِيطِ فِي خَلِّ التَّمْرِ مَقْصُودًا لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مشوبا بالآخر وههنا ليس في أحد العوضين شيئا مِمَّا فِي الْآخَرِ إذْ خَلُّ التَّمْرِ لَا عِنَبَ فِيهِ وَخَلُّ الْعِنَبِ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تَمْرَ وَلَعَلَّكَ تَقُولُ الْكَلَامُ فِي بَيْعِ الحنطة بالشعير وفى كل منهما شئ من الآخر وليس في أحد اللبنين شئ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَلَا فِي أَحَدِ الْخَلَّيْنِ وَإِنَّمَا مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْخَلَّيْنِ كَوْنُهُ مُقَابِلَهُ خَلًّا وَأَمَّا الْمَاءُ فِي الْخَلِّ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى نَفْسُهُ حَاصِلٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَإِنْ كَانَ الْخَلِيطُ فِي كُلِّ طَرَفٍ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي التَّمْيِيزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتُ) إذَا بَاعَ الْقَمْحَ بِالْقَمْحِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَعِيرٌ قَدْ خُلِطَ بِهِ وَعُرِفَ مِقْدَارُ الْخَلِيطَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ الصِّحَّةُ فِيهِ عَلَى الخلاف في بيع مد ودرهم بمد وَهُمَا مِنْ غَلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَسِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ
وَافَقَهُ الصِّحَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَأْيَ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطُ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِيمَةِ

(10/403)


فَيَنْبَغِي إذَا فُرِضَ اتِّحَادُ قِيمَةِ الشَّعِيرِ مَعَ قِيمَةِ الْقَمْحِ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ الصحة وهو قد أطلق القول بالفساد ههنا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ صَرِيحًا أَنَّهُ إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعَا الْحِنْطَةِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَاعَا الشَّعِيرِ كَذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَإِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ الْمُتَمَيِّزَيْنِ فَلَأَنْ يَجْرِيَ فِي الْمُخْتَلِطَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّ عَدَمَ التَّمْيِيزِ فِي النَّوْعَيْنِ قَدْ جُعِلَ عُذْرًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الصاع المختط من الجيد والردئ بمثله وبالردئ وإن كان في الجنسين لم؟ كَالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالشَّهْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عِنْدَ التَّمْيِيزِ فَلَأَنْ يجري مع الاختلاط أولى (قلت) ذلك حَقٌّ وَالْعُذْرُ عَنْ الشَّيْخِ فِي إطْلَاقِهِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي قِيمَةِ الشَّعِيرِ لَا تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْقَمْحِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي ذلك

(10/404)


وَإِنَّمَا يُلْزِمُ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُوَافِقِيهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْمُوَافَقَةَ فِي الْقِيمَةِ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْمُومَيْنِ فِي الْعِوَضِ الْوَاحِدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ كُلِّ عِوَضٍ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ الْآخَرِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَإِذَا كان الشعيران متساويين وَالْحِنْطَتَانِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَزِمَهُمْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا أَطْلَقُوا الْمَنْعَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الشَّعِيرِ الْمَضْمُومِ إلَى الْحِنْطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) نَبَّهَ عَلَى الْكَلَامِ فِيهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ
* قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّعِيرَ إذَا كَانَ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الحنطة المختلطة به بمثلها وبالخالصة عنه وَأَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ تَمْيِيزُهُ

(10/405)


لَا يَضُرُّ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسَيْنِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ شَبِيهَ ذَلِكَ ببيع الْمُخْتَلِطِ بِالزُّبْدِ فَإِنَّ مَا فِي الزُّبْدِ مِنْ الرَّغْوَةِ الْمُمَاثِلَةِ لِلْمَخِيضِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَالزُّبْدُ وَالْمَخِيضُ بَعْدَ نَزْعِ زُبْدِهِ يَخْتَلِفَانِ فَلَمْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَغَيْرَهُ حكوا عن
ابى اسحق أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالْمُخْتَلِطِ لِأَنَّ فِي الزُّبْدِ شَنَانُ الْمَخِيضِ وَكَذَلِكَ حَكَوْا فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فقياس الشبهة يقتضى أَنْ يَأْتِي وَجْهٌ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بالشعير كقول ابى اسحق فِي بَيْعِ الْمُخْتَلِطِ بِالزُّبْدِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ردوا على ابى اسحق هنالك بان مَا فِي الزُّبْدِ مِنْ الْمَخِيضِ لَا يَظْهَرُ وَقَاسَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِيهِمَا قَلِيلٌ مِنْهُ وَالتَّخَارِيجُ الْمَذْهَبِيَّةُ إنَّمَا تَطَّرِدُ فِي أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ (أَمَّا) الْوَجْهُ الَّذِي لِلْأَصْحَابِ فَلَا يَلْزَمُنَا طَرْدُهَا بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا فَإِنْ طَرَدَهَا وَكَانَ لَهُ جَوَابٌ فَارَقَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ ضَعْفُ قَوْلِهِ وَلَيْسَ يَسُوغُ أَنْ يُؤْتَى إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ مَرْدُودٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ على تعليل حكى عن ابى اسحق أَنَّهُ عَلَّلَ بِهِ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِاللَّبَنِ كَمَا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب ان أبا اسحق لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الشَّرْحِ فَيُوجَدُ وَجْهٌ مِثْلُ هذا يثبت به خلاف في مسألة مجزم بِهَا بَلْ يُرَدُّ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَجْزُومِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ نَعَمْ حَكَوْا فِي بَيْعِ الزبد وَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْفَسَادِ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ مَوْزُونٌ فَلَا يُغْتَفَرُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فليس كمدرك ابى اسحق فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِالْمَخِيضِ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ في بيع الحنطة المختلطة بالشعير القليل الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ

(10/406)


بمثلها ولا بالشعير والله أَعْلَمُ
* وَقَدْ نَبَّهَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الْمَأْكُولِ مِنْ صنفين شيبا في الام قال في آخر كُلُّ مَا شَابَهُ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ مَا شَابَهُ يَنْقُصُ مِنْ كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ ماء بلبن خَلَطَهُ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ يَعْنِي فَيَمْتَنِعُ (قُلْتُ) وَهَذَا الْكَلَامُ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُخْتَلِطَ بِاللَّبَنِ لَوْ كَانَ يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ صَحَّ فَإِنَّ اللَّبَنَ مكيل على الصحيح
* (فرع)
إذَا خَلَطَا نَوْعًا بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَبَاعَهُ بِنَوْعٍ مِنْهُ كَمَعْقِلِيٍّ بِبَرْنِيِّ أَوْ قَمْحٍ صَعِيدِيٍّ بِبَحْرِيٍّ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا شئ مِنْ الْآخَرِ فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ نَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْخَلِيطُ غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا إذَا بَاعَ مَعْقِلِيًّا بِبَرْنِيِّ فِيهِ شئ يسير من المعقلى لا يقصد فههنا أَوْلَى وَحَيْثُ نَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ يكون الخليط مقصودا فههنا يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ

(10/407)


مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ وَيَأْتِي فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ظَاهِرًا يُرَى مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ الخليظ موجبا لتفوات الْكَيْلِ فِيمَا اخْتَلَطَ بِهِ وَمُقَابِلَهُ لِأَنَّ الْخَلِيطَ هُنَا مِنْ الْجِنْسِ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَيْلِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ بِالْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَالْمَغْشُوشَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ (قِسْمٌ) الْغِشُّ الَّذِي فِيهَا مِمَّا لَهُ ثَبَاتٌ وَقِيمَةٌ كَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْمَسِّ وَهُوَ (1) وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ الْمُزَيَّفَةُ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا فِضَّةٌ وَرَصَاصٌ وَزِئْبَقٌ فَيُسْتَهْلَكُ الزئبق ويبقى الْفِضَّةُ وَالرَّصَاصُ (وَقِسْمٌ) الْغِشُّ الَّذِي فِيهَا مِمَّا يُسْتَهْلَكُ كَالزَّرْنِيخِيَّةِ والْأنْدَرانِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي تُتَّخَذُ شَبَهَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ ثُمَّ يَطْلِي عَلَيْهِ الْفِضَّةَ وَقَدْ كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا فِي بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا وَتُسَمَّى بِخُرَاسَانَ الزَّرْنِيخِيَّةَ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِغِشِّهَا قِيمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ الْغِشِّ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ شَامِلٌ لِلْقِسْمَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْغِشُّ مما قيمته باقية
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/408)


أَمْ لَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ وَإِنْ قَلَّ وَكَذَلِكَ الْمَغْشُوشَةُ بِالْمَغْشُوشَةِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ مُخْتَلِفٌ (فَأَمَّا) الْمَغْشُوشَةُ بِغِشٍّ يَبْقَى لَهُ قِيمَةٌ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وغيره انه بيع فضة وشئ بفضة أو بفضة وشئ فصار كمسألة مدعجوة
(وَالثَّانِي)
لِأَنَّ الْفِضَّةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَأَشْبَهَ بَيْعَ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ وَبَنَوْا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ شِرَاءَ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَهَذَا رَأْيُ الْقَفَّالِ فِيمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَضْعَفُوا هَذَا وَاسْتَدَلُّوا لِلْأَوَّلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ زَافَتْ دَرَاهِمُهُ فَلْيَأْتِ السُّوقَ وَلْيَشْتَرِ بها ثيابا) رواه (1) عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ (زَافَتْ) عَلَى أَنَّهَا بَقِيَتْ لَيْسَ أَنَّهَا زُيُوفٌ جَمْعًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ نُفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ قُدَامَةَ وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْرُ الْغِشِّ مَعْلُومًا جَازَ قَطْعًا وَإِلَّا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (رَابِعُهَا) إنْ كَانَ الْغِشُّ غالبا لم يصح والا فيصح وَهُوَ
مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) الْمَغْشُوشَةُ بِغِشٍّ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالزَّرْنِيخِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ بِالْخَالِصَةِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ أَوْ تَحَقُّقُ الْمُفَاضَلَةِ وَإِنْ ابْتَاعَ بِهَا ثِيَابًا جَازَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ عَلَى الْفِضَّةِ فَحَسْبُ وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الزَّرْنِيخِيَّةِ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا مَنْعَ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا ذَهَبًا جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ ومقتضى ذلك أنه لا يجئ خلاف التعامل بالدراهم
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/409)


الْمَغْشُوشَةِ وَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الْكَلَامِ فِيهَا مَعَ تَقَدُّمِهَا وَمِمَّا أَفَادَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ أَخْذُهَا وَإِمْسَاكُهَا إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي فِي أَيْدِي النَّاسِ خَالِصًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَغْرِيرَ النَّاسِ قَالَ فَلَوْ كَانَ جِنْسُ النَّقْدِ مَغْشُوشًا فَلَا كَرَاهِيَةَ وَأَفَادَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْغِشَّ لَوْ كَانَ قَلِيلًا مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ حَظًّا مِنْ الْوَزْنِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَقَدْ قيل يتعذر طبع الفضة إذا لم يخالطها جط مِنْ جَوْهَرٍ آخَرَ (قُلْتُ) وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ضُرِبَتْ الْفِضَّةُ خَالِصَةً فَتَشَقَّقَتْ فَجُعِلَ فِيهَا فِي كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِثْقَالٌ مِنْ ذَهَبٍ فانصلحت لكن مِثْلَ هَذَا إذَا بِيعَ دِرْهَمٌ مَثَلًا لَا يَظْهَرُ فِي الْمِيزَانِ مَا مَعَهُ مِنْ الْغِشِّ واما إذا بيع قدر كبير فيظهر في ذَلِكَ فِي الْوَزْنِ فَيَنْبَغِي الْبُطْلَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَتَّبُوا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَوَازَ بَيْعِهَا بِالذَّهَبِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الثِّيَابِ بِهَا فالذهب أولى (وان قلنا) يجوز فههنا بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ صَرْفٌ وَبَيْعُ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ بِالذَّهَبِ بَيْعٌ فَهُوَ بَيْعٌ وَصَرْفٌ وَلَنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ (وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِ مُسْتَهْلَكًا كَالزَّرْنِيخِيَّةِ والْأنْدَرانِيَّةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بِالْخَالِصَةِ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ التَّسَاوِي أَوْ مَعْلُومَةِ التَّفَاضُلِ وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا جَازَ بِلَا خِلَافٍ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ جَمِيعًا (أَمَّا) عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَلِأَنَّهُ ليس ههنا مع الفضة شئ ينقسط عَلَيْهِ الثَّمَنُ (وَأَمَّا) عَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ المقصود مجهول فههنا الْمَقْصُودُ ظَاهِرٌ وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى ذَهَبًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الَّذِي مَعَ الْفِضَّةِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَيَجِبُ أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ
الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ لَا يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ أَوْ فِيهَا خِلَافٌ فَإِنَّ هَذِهِ دراهم مغشوشة

(10/410)


وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَامُلِ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ شِرَاءِ السِّلَعِ بِهَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
* وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفِضَّةِ يَأْتِي فِي الذَّهَبِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَغْشُوشًا بِمَغْشُوشٍ أَوْ خَالِصًا بِمَغْشُوشٍ وَأَقْسَامُ الْغِشِّ وأحكامه لا يختلف كَذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ فَوَائِدُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الكتاب فهى متعلقة به تحتاج والله أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذلك في الام والمختصر وهذا لفظه في الام وَلَا يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَ وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كَانَ الْعَسَلُ أَقَلَّ مِنْهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَزْنًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْعَسَلِ وَمِنْ وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وَقَدْ يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّفَاضُلِ وَالْجَهْلِ بالتماثل (والاخرى) انه كمسألة مدعجوة وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِهِ مُصَفَّيَيْنِ هَلْ المصفيين بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْآنَ إلَّا مَنْعَ بَيْعِهِمَا وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَسَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقَ الْقَوْلِ فِي أَنَّ الْعَسَلَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لَهُ قَبْلَ آخِرِ الْبَابِ بِفَصْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ اشْتَرَكَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الَّتِي فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَقِيقَةُ الْمُفَاضَلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي عِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْزُونَ مِنْهَا كَالْفِضَّةِ وَالْعَسَلِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَوْزُونٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْمُخَالَطُ سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَأَمَّا الْمَكِيلُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ إذَا قُلْنَا بانه مكيل كما هو قول ابى اسحق فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخَالِصَةَ لَا تُبَاعُ بِالْمَشُوبَةِ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَيْتُهُ الْآنَ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فِي الْعَسَلِ وَإِطْلَاقُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ وقد عرفت تقييده وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالزُّوَانِ وَمَسْأَلَةَ الْعَسَلِ مَنْصُوصَةٌ وَمَا سِوَاهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ والله أَعْلَمُ
* وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ بَيْعُ الْمَشُوبِ بِالْمَشُوبِ مُشْتَرَكَةٌ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الْغِشِّ وَقَدْ يُعْلَمُ وَتُحَقَّقُ

(10/411)


الْمُفَاضَلَةُ أَوْ تُجْهَلُ الْمُمَاثَلَةُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي تَقَدَّمَ في قاعدة مدعجوة وَمَسْأَلَةُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالزُّوَانِ بِمِثْلِهَا مُشَارٌ إلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ مَنَعَ أَنْ تُبَاعَ بِالْمُخْتَلِطَةِ بِالتِّبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وممن صرح بها الماوردى وصورة ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ كَثِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُتَبَيَّنُ فِي الْمِكْيَالِ فَيَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَأْوِيلُ مَا يُتَوَهَّمُ مُخَالَفَتُهُ لَهُ وَمَسْأَلَةُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ بِمِثْلِهَا لَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً لَكِنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَالنَّصُّ فِي الْقَصْلِ وَالزُّوَانِ وَالتِّبْنِ دَالٌّ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ كَثِيرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ فَلَا بَأْسَ وَمَسْأَلَةُ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ بِالْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ بِالذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَكَذَا دِينَارٌ نَيْسَابُورِيٌّ بِدِينَارٍ نَيْسَابُورِيٍّ لا يجوز لانه قد قيل انه دَخَلَهُ الْغِشُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَيْعُ الذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ بِالْهَرَوِيِّ عَيْنُ الرِّبَا قَالَ وَبَيْعُ الذَّهَبِ الْهَرَوِيِّ بِالْوَرِقِ بَاطِلٌ فَإِنَّ النَّقْرَةَ فِي الْهَرَوِيِّ مَقْصُودَةٌ (قُلْتُ) وَالْهَرَوِيُّ نَقْدٌ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَالنَّيْسَابُورِيّ ذَهَبٌ خَالِصٌ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الذَّهَبُ الْهَرَوِيِّ بِالذَّهَبِ الْهَرَوِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهَذَا بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في بيع الْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ إنَّ قِيَاسَ الْوَجْهِ الذَّاهِبِ إلَى جَوَازِ بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَجُوزُ بَيْعُ الْهَرَوِيِّ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ مِقْدَارُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فيه معلوما والنوع واحد وَالسِّكَّةُ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ الدِّرْهَمُ وَالْمُدُّ بِالدِّرْهَمِ وَالْمُدِّ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فِي الْهَرَوِيِّ بِمِثْلِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّ النَّارَ عِنْدَ الضَّرْبِ قَدْ تُذْهِبُ مِنْ أَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا تُذْهِبُهُ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ (قُلْتُ) وَجَزْمُ الْأَصْحَابِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ بِمِثْلِهَا يَدُلُّ

(10/412)


عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَأْثِيرِ النَّارِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّرَ هَلْ النَّارُ تَأْخُذُ مِنْ جَوْهَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شَيْئًا عِنْدَ الضَّرْبِ أَمْ تُخَلِّصَهُمَا فَقَطْ فَإِنْ كَانَتْ تَأْخُذُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَلَا وَمَسْأَلَةُ الْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ بِالْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كلام الشافعي كما تقدم الاصحاب مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ شَهْدٌ بِشَهْدٍ وقد ذكر الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالُوا (إنْ قِيلَ) أَلَيْسَ يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا النوى وهكذا اللحم باللحم الطرى ان جوزناه والقديد بالقديد كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَفِيهِمَا الْعَظْمُ (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ بَقَاءَ النَّوَى فِي التَّمْرِ مِنْ صَلَاحِ التَّمْرِ لِأَنَّهُ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى لَا يَدُومُ بَقَاؤُهُ كَمَا وَفِيهِ النَّوَى وَهَذَا الْفَرْقُ جَوَابٌ عَنْ النَّوَى وَالْعَظْمِ مَعًا وَالْأَوَّلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي النَّوَى وَأَمَّا الْعَظْمُ فَزَعَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ اللَّحْمِ وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ فَالْجَوَابُ الثَّانِي كَافٍ فِيهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَكَان آخَرَ إنَّ بَقَاءَ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مَفْسَدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّمْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَسَلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّوَى وَالْعِظَامَ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ وَلَا قِيمَةَ لَهُمَا فِي الْغَالِبِ وَلِهَذَا يُرْمَى بِهِمَا فَلَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا وَشَيْئًا آخَرَ بِتَمْرٍ وَالشَّمْعُ لَهُ قِيمَةٌ فَإِذَا بِيعَ مَعَ الْعَسَلِ كَانَ رِبًا أَوْ لَحْمًا وَشَيْئًا آخَرَ بِلَحْمٍ وَبِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَيْهِمَا وَبَيْنَ الْعَسَلِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا فَرْقًا بَيْنَ الشَّهْدِ وَاللَّبَنِ حَيْثُ جَوَّزُوا بَيْعَ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمْنِ وَالْمَخِيضِ بِأَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ مُخَامِرٍ لِلْعَسَلِ في أصله فإن النحل ينسج البيوت من الشَّمْعِ الْمَحْضِ ثُمَّ يُلْقِي فِي خَلَلِهِ الْعَسَلَ الْمَحْضَ فَالْعَسَلُ مُتَمَيِّزٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ يَنْشَارُ الْعَسَلُ بِخَلْطِهِ بِالشَّمْعِ بَعْضَ الْخَلْطِ بِالتَّعَاطِي وَالضَّغْطِ وَلَيْسَ اللَّبَنُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/413)


(فَرْعٌ)
بَيْعُ الشَّمْعِ بِالْعَسَلِ الْمُصَفَّى وَغَيْرِ الْمُصَفَّى جَائِزٌ لِأَنَّ الشَّمْعَ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمَسْأَلَةُ) الطَّعَامِ الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ الْقَلِيلِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ التُّرَابُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ
فَلَا يَمْنَعُ تَمَاثُلَ الْقَدْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مُيِّزَ ظَهَرَ نُقْصَانُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ لِلتَّفَاضُلِ أَوْ الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ هَهُنَا إمَّا الْمُفَاضَلَةُ أَوْ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ خَاصَّةً وَلَا تَعَلُّقَ لذلك بقاعدة مدعجوة لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ مُنْبَسِطًا عَلَى صُبْرَةٍ انْبِسَاطًا وَاحِدًا عَلَى تَنَاسُبٍ فَبِيعَ صَاعٌ مِنْهَا بِصَاعٍ فَالْمُمَاثَلَةُ مُحَقَّقَةٌ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَا يُبْسَطُ عَلَى تَنَاسُبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَنْسَلُّ مِنْ خَلَلِ الْحَبَّاتِ يَطْلُبُ السَّفَلَ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ التُّرَابُ فِي أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمِنْ تَمَامِ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ النُّقْصَانُ فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِحَيْثُ لَوْ مُيِّزَ التُّرَابُ مِنْهُ لَمْ يَبِنْ النُّقْصَانُ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارٍ لَوْ جُمِعَ تُرَابُهُ لَمَلَأَ صَاعًا أَوْ أَصْعَاءَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِأَصْلِ الْبَابِ تَجْوِيزُ الْبَيْعِ فِي الْقَلِيلِ وَمَنْعُهُ فِي الْكَثِيرِ لَمْ يُبَالَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِثْلُ التُّرَابِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحِنْطَةِ دُقَاقُ التِّبْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ التُّرَابُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ بَيْنَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِالْخَالِصِ عَنْهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُدْرَكَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْكَيْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْقِسْمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَسْأَلَةُ الْمَوْزُونِ الْمُخْتَلَطِ بِقَلِيلٍ مِنْ التُّرَابِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَا مِنْ الْأَصْحَابِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ دَاوُد وَأَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجَمِيعُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ صَاحِبِ الافصاح أنه

(10/414)


قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِيزَانُ كَبِيرًا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْقَرَارِيطُ وَالدَّوَانِيقُ فَهَذَا كَالْكَيْلِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ خَالَطَهُ مَا لَا يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ كَانَ كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْكَيْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ موازين الذهب والفضة يظهر فيها الشئ الْيَسِيرُ الَّذِي قَدْ لَا يَظْهَرُ فِي مِيزَانِ الارطال وميزان الارطال يظهر فيها مالا يَظْهَرُ فِي الْقَبَّانِ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِغَالِبِ الْمَوَازِينِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَوْزُونِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ مَطْعُومًا كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَالسُّكَّرِ وَشِبْهِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَاعَ الزَّعْفَرَانَ بِالزَّعْفَرَانِ وَزْنًا وَفِي إحْدَى الْكِفَّتَيْنِ يَسِيرُ تُرَابٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(فَصْلٌ)
الْمَعْجُونَاتُ وَالْمَخْلُوطَاتُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ حُكْمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَلَسُ بِالْعَلَسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قِشْرُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ قِشْرِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ تَقَشُّرِهِ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مِنْهَا وَلَكِنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَأَمَّا بَيْعُ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا لَا يَجُوزُ كَالْعَلَسِ وَبَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ الْحَمْرَاءِ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فِيهَا بِمِثْلِهِ ويجعل النصاب فيها عشرة أو سق كَالْعَلَسِ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ

(10/415)


هَذِهِ الْقِشْرَةَ الْحَمْرَاءَ الْمُلَاصِقَةَ بِهِ تَجْرِي مَجْرَى أَجْزَاءِ الْأُرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْحَنُ مَعَهَا وَيُؤْكَلُ أَيْضًا مَعَهَا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَنَاهِيًا فِي اسْتِطَابَتِهِ كَمَا يَخْرُجُ مَا لَصِقَ بِالْحِنْطَةِ مِنْ النُّخَالَةِ وَنِصَابُهُ فِي الزَّكَاةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَالْحِنْطَةِ مع قشرتها الحمراء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَلَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْآخَرَ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهِ وَيُدَّخَرُ مَعَهُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَّا بِالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ يَجُوزُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (قُلْتُ) أَمَّا قِشْرُهُ الْأَسْفَلُ فَتَصْحِيحُ الْجَوَازِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَعْلَى فَلَا يُمْكِنُ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَعَدَمِ إمْكَانِ كَيْلِهِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَيَزْدَادُ امْتِنَاعًا وَبَيْعُ الْأُرْزِ بَعْدَ تَنْحِيَةِ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى جَائِزٌ وَلَا يَبْطُلُ ادِّخَارُهُ بِتَنْحِيَتِهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ بِغَيْرِهِ قَبْلَ زَوَالِ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا يَكُونُ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَيْسَ بِصَائِنٍ لَهُ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَامِدٍ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ النَّصِّ (وَقِيلَ) كَالشَّعِيرِ يُبَاعُ فِي سُنْبُلِهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُرْزَ يَكُونُ أَوَّلًا فِي قِشْرَتِهِ فَتُزَالُ عَنْهُ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا ثُمَّ يُنْضَحُ بِالْمِلْحِ فَيُزَالُ عَنْهُ الْقِشْرُ الْآخَرُ وَهُوَ أَحْمَرُ دَقِيقٌ وَيُدَّخَرُ بَعْدَ إزَالَتِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذا خلا عن ملح لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْكَيْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَلَوْ فُرِضَ فِيهِ مِلْحٌ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمِكْيَالِ امْتَنَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْأُمِّ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ خُلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَى آخِرِهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْخَلِيطَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمِكْيَالِ
عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ مَانِعٌ سَوَاءٌ قُصِدَ أَمْ لَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْمَأْكُولِ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ كَنَوَى التَّمْرِ وَقِشْرِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/416)


(فَصْلٌ)
فِي أَحَادِيثَ مُرْسَلَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ
* رَوَى أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الاعلى عن برد عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى قَالَ (مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا مَغْلُوثًا فِيهِ شَعِيرٌ فَقَالَ اعْزِلْ هَذَا مِنْ هَذَا وَهَذَا مِنْ هَذَا ثُمَّ بِعْ ذَا كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِنَا غِشٌّ) وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ على رجل يبيع الحنطة يخلط الجيد بالردئ فَنَهَاهُ وَقَالَ مَيِّزْ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ) المغلوث والغليث هو الطعام المخلوط بالشعير أو الذرة وعم به بعضهم ويقال أيضا الْمَغْلُوثُ وَالْغَلِيثُ الطَّعَامُ الَّذِي فِيهِ الْمَدَرُ وَالزُّوَانُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحْكَمِهِ (وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا خَالَطَ الْمَبِيعَ قَلِيلُ تُرَابٍ وَكَذَلِكَ دُقَاقُ التِّبْنِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يظهر في الكيل لتخلله فِي شُقُوقِ الطَّعَامِ فَلَا يَمْنَعُ التَّمَاثُلَ وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا لَمْ يَجُزْ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْمِيزَانِ وَمَنْعِهِ مِنْ التَّمَاثُلِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا مَحْمُودِيًّا بِدِينَارٍ مَحْمُودِيٍّ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَلَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا مَحْمُودِيًّا بِفِضَّةٍ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِضَّةٌ وَالْفَرْقُ فِي أَنَّ بَيْعَ الدينار بالدينار المقصود هو الذهب وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَمَا فِيهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ يُفَوِّتُ الْعِلْمَ بِهَا وَفِي بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ الذَّهَبُ وَمِنْ الْآخَرِ الْفِضَّةُ وَالْمُمَاثَلَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ الَّتِي فِي الدِّينَارِ قَلِيلَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَا يَعْبَأُ بِهَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ إنَّهُ إذَا بَاعَ الدِّينَارَ الْهَرَوِيَّ بِالْهَرَوِيِّ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا بَاعَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ فِضَّةٌ مَجْهُولَةٌ أَوْ مُتَفَاضِلَةٌ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدِّينَارَ إذَا صَارَ مُقَابَلًا بِالدِّينَارِ فَالذَّهَبُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَمُمَاثَلَةُ الذَّهَبِ مَجْهُولَةٌ بِسَبَبِ مُخَالَطَةِ الْفِضَّةِ أَمَّا إذَا قُوبِلَ الدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ فَالْمَقْصُودُ مُقَابَلَةُ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الدِّينَارِ بِالْفِضَّةِ وَهُمَا

(10/417)


جِنْسَانِ وَلَا يُعْبَأُ بِالْفِضَّةِ الْيَسِيرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالدِّينَارِ وَمِثْلُهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِيهِ حَبَّاتُ حِنْطَةٍ وهذا يلتبث عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَلِيطُ مَقْصُودًا لَا يَضُرُّ وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمِعْيَارِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ دَاوُد شَارِحُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَسَلِ (وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَ كَيْلًا) قَالَ فِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا تَارَةً ووزنا أخرى وهذا غريب قل ما يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ (قُلْتُ) وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَرَدُّدِهِ هَلْ هُوَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ
* (فَرْعٌ)
تَقْيِيدُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ التُّرَابَ بالدقيق لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ لِدُخُولِهِ بَيْنَ الْحَبَّاتِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الطِّينَ الْمُخَالِطَ لِلْقَمْحِ فِي الْعَادَةِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ عَنْهُ الطَّعَامُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ كَثِيرًا أَمَّا الْمَدَرُ الْيَسِيرُ الذى لَوْ فُصِلَ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْكَيْلِ فَهُوَ كَالتُّرَابِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحِنْطَةِ شَعِيرٌ يَسِيرٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ وَتُرَابٌ قَلِيلٌ كَذَلِكَ وَيَسِيرٌ مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ مَجْمُوعَهُ يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْغَلَثِ فَإِنَّهُ إذَا غُرْبِلَ يَنْقُصُ فِي الْكَيْلِ حِسًّا فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُغَرْبَلِ وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْغَلَثِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا
* (فَرْعٌ)
الْعَسَلُ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَكِيلٌ كما هو قول ابي اسحق وَكَانَ فِيهِ شَمْعٌ يَسِيرٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ هَلْ يُسَامَحُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِشَعِيرٍ يَسِيرٍ
* (فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَشْيَاءُ التِّبْنُ وَالْقَصْلُ وَالْمَدَرُ وَالْحَصَا وَالزُّوَانُ وَالشَّعِيرُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُسَلِّمَهَا نَقِيَّةً عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ السَّلَفِ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ الْأُمِّ وَسَيَأْتِي فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*

(10/418)


(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ وَلَا بَأْسَ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْقِشْرِ لِأَنَّ الصَّلَاحَ
يَتَعَلَّقُ بِهِ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الفاظ الكتاب الخالص () وَالْمَشُوبُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ - مَا خَالَطَهُ غيره () وَالزُّوَانُ هُوَ حَبٌّ أَسْوَدُ وَصِغَارٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَآخَرُونَ حَادُّ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ وَقَالَ ابْنُ بَاطِيشَ يُشْبِهُ الرَّازَيَانَجَ مِنْ الطَّعْمِ يُفْسِدُ الْخُبْزَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ الَّذِي يُسْكِرُ أَكْلُهُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْقَلَعِيُّ وابن باطيش زوان - بِضَمِّ الزَّايِ وَالْهَمْزِ - قَالَ الْقَلَعِيُّ وَهِيَ أَفْصَحُهَا وزوان - بالضم من غير همز - وزوان قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْفَرَّاءِ يقال في الطعام قصل وزوان ومزمرا ورعرا وَعَفَا مَنْقُوصٌ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ فَيُرْمَى بِهِ وَالشَّمْعُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالشَّمْعُ معروف وقد تفتح ميمه والفضة () وَالْقَصْلُ قَالَ ابْنُ دَاوُد وَهُوَ سَاقُ الزَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ هُوَ عُقَدُ التِّبْنِ الَّذِي يَبْقَى فِي الطَّعَامِ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ وَالشَّيْلَمُ واحد طرفيه دقيق أصغر من الزوان
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فصل ولا يباع رطبه بيابسه على الارض لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بيع الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فقالوا نعم فقال لا إذا) فنهى عن بيع الرطب بالتمر وجعل العلة فيه أنه ينقص عن يابسه فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَطْبٍ لَا يَجُوزُ بيع رطبه بيابسه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَعْدٍ هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْأَئِمَّةُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَغَيْرُهُمَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وجمعتهم فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ الْجَارُودِ فِي المنتقى والحاكم أبو عبد الله بن التبع في المستدرك من
__________
(1، 2، 3) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/419)


طُرُقٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى إمَامَةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ مُحْكَمٌ فِي كُلِّ مَا يَرْوِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَاتِهِ إلَّا الصَّحِيحُ خُصُوصًا فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ لِمُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ
الْأَئِمَّةِ إيَّاهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَالشَّيْخَانِ لَمْ يُخْرِجَاهُ لِمَا خَشِيَاهُ مِنْ جَهَالَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كتبه الثلاثة السنن الكبير والسنن الصغير ومسرفة السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ فَطُرُقُهُ كُلُّهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكُتُبِ تَرْجِعُ إلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَيُقَالُ فِيهِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ ابن عبد البر ولا يصح شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَةٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ويقولون ان عبد الله ابن عَيَّاشٍ هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ أَخْطَأَ في اسمه بلا شك وفى موضوع آخَرَ شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الرَّاوِي عَنْهُ فَالْأَكْثَرُونَ رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ لِذَلِكَ أَنَّهُ ابْنُ هُرْمُزَ الْقَارِئُ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ وَلَمْ يَرْوِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ فِي مُوَطَّئِهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا وَهَذَا الْحَدِيثُ لعبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفين مَحْفُوظٌ وَقَدْ نَسَبَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ (قُلْتُ) وَأَبُو قُرَّةَ وَهَذَا الذى قاله ابن عبد البر لهو الصَّوَابُ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ لِتَضَافُرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وغيره بأنه مولى الاسود بن سفين مُثْبَتًا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ البخاري قال أبو أويس مولى الاسود ابن عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ وَقَالَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ وَيُقَالُ مولى بني تميم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ الَّذِي تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ هُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَالِكُ بن أنس واسماعيل بن أمية والضحاك ابن عُثْمَانَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَالَ فِيهِ (نَهَى

(10/420)


رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ يَحْيَى يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَفِيهِمْ إمَامٌ حَافِظٌ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ حُجَّةٌ عَلَى تَصْوِيبِ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّتِهِمَا جَمِيعًا لِثِقَةِ رِوَايَتِهِمَا وَتَكُونَانِ وَاقِعَتَيْنِ مَرَّةً نَهَى عَنْهُ نَسِيئَةً وَمَرَّةً
نَهَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ زَادَ مَا أَسْقَطَهُ الْآخَرُ وَلَا تَنَافِيَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ النَّظَرَ الْحَدِيثِيَّ ههنا أَقْوَى وَالظَّاهِرُ مَعَ مَنْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ النَّسِيئَةِ وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَلَى رِوَايَتِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظِ النَّسِيئَةِ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ وَهْبٍ لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحرث ان بكر ابن عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ حَدَّثَهُ (أَنَّ مَوْلًى لِبَنِي مَخْزُومٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الرَّجُلِ يُسَلِّفُهُ الرَّجُلُ الرُّطَبَ بِتَمْرٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ سَعْدٌ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا) وَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَإِنْ ثَبَتَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ كَمَا قَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ قَرِيبًا فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون سئل عنه نبيئة فهى عَنْهُ وَسُئِلَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْهُ مُطْلَقًا فَنَهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ فَالْحُكْمُ بِإِسْقَاطِ الزيادة متعيين قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْخَبَرُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِنُقْصَانِ الرُّطَبِ فِي الْمُتَعَقَّبِ وَحُصُولُ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ النهى لاجل النيسئة فلذلك لم لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِمَّنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ بِرِوَايَتِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد قال لان علة النسأ عِنْدَنَا الطَّعْمُ وَعِنْدَهُمْ الْجِنْسُ (أَمَّا) النُّقْصَانُ فَلَا والله أَعْلَمُ
* وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ حَسَنَةٌ وَصَحِيحَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَنْعَ مُطْلَقٌ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبَايَعُوا التَّمْرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبَايَعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بالتمر) متفق عليه وَعَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ

(10/421)


بِالتَّمْرِ كَيْلًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ قَالَ (نَهَى رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ الْجَافِّ) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ آخَرَ ضَعِيفٍ أَيْضًا وَعَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ فَقَالَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ) لَكِنْ فِي سَنَدِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رُطَبٍ بِيَابِسٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُزَابَنَةِ حَدِيثٌ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَفْظُهُ (رُخِّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ) فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ شَاهِدًا لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ التَّحْرِيمِ لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُسَلِّمُ سَبْقَ التَّحْرِيمِ فِي الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُقَالُ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ وَلِذَلِكَ قبله ابن المفلس الظَّاهِرِيُّ وَسَبَقَهُمَا إلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنَّ أَبَا عَيَّاشٍ لَا يُعْرَفُ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ فَسَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تابعه اه وَمَدَارُ تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ عَلَى جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَوَّلُ مَنْ رَدَّهُ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وقال هُوَ مَجْهُولٌ لَمَّا

(10/422)


سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ دُخُولِهِ بَغْدَادَ وعلى أنه يتضمن مالا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ عَمَّا لَا يَخْفَى فَأَمَّا تَضْعِيفُهُ بِسَبَبِ جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَدْ قَالَ الدارقطني فيما نقل التربشتى عَنْهُ أَنَّهُ ثِقَةٌ فَتَثْبُتُ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ إنَّهُ مَجْهُولٌ فان ذلك ليس بتخريج (وَأَمَّا) التَّضْعِيفُ بِسَبَبِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا تَكَلَّمَ فِي أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وقال زيد أبو عياش رواية ضَعِيفَةٌ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يحتج به قال الخطابى وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ وَأَبُو عَيَّاشٍ هَذَا مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ بِوَجْهٍ وَهَذَا مِنْ شَأْنِ مَالِكٍ وَعَادَتُهُ مَعْلُومَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ وَكَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عنه اثنان ثقتان عبد الله ابن يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُمَا مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ هَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي مُوَطَّئِهِ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ وَنَقْدِهِ وَتَتَبُّعِهِ لِأَحْوَالِهِمْ وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ وَصَحَّحَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَصَحَّحَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَذَكَرَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (قُلْتُ) وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي تَرْجَمَةِ

(10/423)


عبد الله بن يزيد الرواى عَنْهُ وَوَصَفَهُ بِالْأَعْوَرِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ وَالتَّمْهِيد بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي جَهَالَتِهِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ وَأَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ اسْمُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ حَفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْهُ وَشَهِدَ مَعَهُ بَعْضَ مُشَاهَدِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَهُوَ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ فقال فيه الزُّرَقِيِّ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ عَدْلٍ مُثْبِتَةٌ أَنَّهُ هُوَ الصَّحَابِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَاجْتِمَاعُ الشَّافِعِيِّ وَالْعَدَنِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لَكِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا اشْتَهَرَ فِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ وَأَحَالَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ أَبُو عَيَّاشٍ هُوَ الزُّرَقِيُّ قَالَ لِأَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ مِنْ جُلَّةِ أصحاب رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدْرِكْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَإِنْ كَانَ هُوَ إيَّاهُ فَقَدْ كَفَيْنَاهُ مُؤْنَةَ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَيَكْفِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْثِيقِ الدَّارَقُطْنِيّ لَهُ وَحُكْمِ الْأَئِمَّةِ بِتَصْحِيحِ حَدِيثِهِ وَأَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ عَاشَ إلَى زَمَانِ مُعَاوِيَةَ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَكُلُّ الرُّوَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ أبو عياش - بالباء الْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - إلَّا رِوَايَةً ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي جَمْعِهِ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن اسحق

(10/424)


ابن خُزَيْمَةَ يُسْنِدُهُ إلَى يَحْيَى قَالَ فِيهَا إنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَوْ عَيَّاشٍ شَكَّ يَحْيَى وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ ضَبْطِ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ إلَى يَحْيَى وَقَالَ فيه (نهى رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ يابس) هكذا وقع في الكتاب وعليه تطبيب وَعَلَامَةٌ
أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا فَهُوَ اخْتِلَافٌ مُوهِنٌ لِرِوَايَةِ يَحْيَى أَيْضًا
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ إلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالنُّقْصَانِ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَقَدْ عُلِمَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ حصته (وَأَمَّا) الْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَوَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمِنْ جِهَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ (أَمَّا) رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَيْنَاهَا عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ (وَأَمَّا) رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ فَرَوَيْنَاهَا فِي سُنَنِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي يَرْوِيهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَفِيهَا وَصْفُ أَبِي عَيَّاشٍ بِالزُّرَقِيِّ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مُتَابَعَةُ الْعَدَنِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَفْعُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُونَ (سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ) وَكَذَلِكَ هُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرِهِمْ وَبَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ يَقُولُونَ (عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ) كَذَلِكَ هُوَ فِي النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ مَنِيعٍ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ (وَقَالَ) أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَوَكِيعٌ وَابْنُ نُمَيْرٍ شَيْخُ أَحْمَدَ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَخَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ شيخا ابراهيم الحزبى خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ (الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ) مِثْلُ رِوَايَةِ الْآخَرِينَ (وَقَالَ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ (عَنْ تَمْرٍ بِرُطَبٍ) مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَشْهُورَةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ (تَبَايَعَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ وَرُطَبٍ) فَلَمْ يُعَيِّنُوا شَيْئًا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (عَنْ بَيْعٍ) فَلَمْ أَجِدْهُ في شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ كُلُّهُمْ إمَّا بِلَفْظِ الشِّرَاءِ وَإِمَّا بِحَذْفِهِمَا مَعًا وَأَنَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ بَعْدَهُ (1) أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ يَقُولُونَ فِي آخِرِهِ (قَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ) وَكَذَلِكَ لَفْظُ أَبِي دَاوُد والترمذي
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/425)


وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ (فَكَرِهَهُ) وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ فِيهِ (قَالُوا نعم فَلَا إذًا) مِثْلَ مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ جَمِيعًا وَذَكَرَهُ أَبُو قُرَّةَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ فَقَالَ فِيهِ (فَنَهَاهُ عَنْهُ) وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فِيهِ (فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَا أَوْ فَنَهَى عَنْهُ) هَكَذَا رَوَاهُ عَلَى الشَّكِّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ (إذَا يَبِسَ) وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ (إذَا جَفَّ) ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ (أَيَنْقُصُ؟) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (أَلَيْسَ يَنْقُصُ؟) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ فِيهِ إذَا يَبِسَ نَقَصَ) هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الْخَرَّازِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَنْ يُرِيدُ تَحْرِيرَ النَّقْلِ وَلْنَذْكُرْ لَفْظَ الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ مُحَرَّرًا رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فقال له سعد أيتهما أَفْضَلُ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنْ شِرَاءَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) وَهُوَ فِي الْأُمِّ كَذَلِكَ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِي الْإِمْلَاءِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ بِهَلْ وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ وَالتَّنْبِيهُ فِيهِ عَلَى نُكْتَةِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ لِيَعْتَبِرُوهَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَحْوَالِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ إذَا يَبِسَ نَقَصَ فَيَكُونُ سُؤَالَ تَعَرُّفٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَهَذَا كَقَوْلِ جَرِيرٍ أَلَسْتُمْ خَيْرُ مَنْ رَكَبَ الْمَطَايَا
* وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا اسْتِفْهَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَدْحٌ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْتُمْ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) وقوله (ألم نشرح لك صدرك) وَغَيْرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اعْتَنَى الْأَصْحَابُ بِبَيَانِهِ هُنَا لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ضَعَّفَ بِهِ الْخَصْمُ هَذَا الْحَدِيثَ كَوْنُهُ مُتَضَمِّنًا لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ أَمْرٍ لَا يَخْفَى (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ

(10/426)


رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَفِيهِ دَلَائِلُ (مِنْهَا) أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عَنْ نُقْصَانِهِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا حَضَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ مِنْ أَهْلِهَا (وَمِنْهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي مُتَعَقَّبِ الرُّطَبِ فَلَمَّا كَانَ يَنْقُصُ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ مِنْ الرُّطَبِ إذَا كَانَ نُقْصَانُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَقَدْ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فِيهَا زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ فِي الْمُتَعَقَّبِ مِنْ الرُّطَبِ فَدَلَّتْ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الْبُيُوعِ فِي الْمُتَعَقَّبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَهُمَا رَطْبَانِ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ قَرِيبًا من ذلك وَزَادَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ بَعْضٌ لَا بَأْسَ بِالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ قَالَ قَوْلُنَا فِي كَرَاهِيَةِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ عَادَ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ رَطْبَةٍ بِحِنْطَةٍ يَابِسَةٍ وَحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ نُقْصَانًا إذَا يَبِسَ مِنْ الْآخَرِ وَتَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا فِي الْأُمِّ عَلَى قَوْلِ سَعْدٍ فِي الْبَيْضَاءِ وَالسُّلْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا خِلَافًا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيمَا إذَا بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الْأَرْضِ بِالتَّمْرِ وَكَذَلِكَ حكاه مجلى عن الابانة للفورانى ولم أجده في شئ مِنْ الْكِتَابَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ فِي خَمْسَةِ أوسق فما دونها تخرجا عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا وَعِبَارَةُ التَّتِمَّةِ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْفُورَانِيِّ مُطْلَقَةً (أَمَّا) الزَّائِدُ عَلَيْهَا فَلْيُفْهَمْ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَقَلَ هَذَا الْخِلَافَ إلَّا مُجَلِّيٌّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَيْفَمَا كان فهو مردود يجب اعتقاده أَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْهُمَا أَوْ سُوءٌ فِي العبارة واطلاقها ولعل حملها على ذلك اطلاق عبارة الفورانى ولكن ذاك لانه قد ذكرها في فصل العرايا فكان ذلك قرية بِخِلَافِهِمَا حَيْثُ تَكَلَّمَا فِي فَصْلِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْكِفَايَةِ أَوْجَبَ الْإِفْهَامَ فِيهِ كَوْنُهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَحِلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّنْ ذَهَبَ

(10/427)


إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الصَّحَابَةِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا أحاط العلم بانهما إذا يبسا تساويا جاز وأحمد بن حنبل واسحق وَدَاوُد هَكَذَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمَنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنْ بِيعَ مُتَمَاثِلًا فَالْمَنْعُ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِنْ كَانَ التَّمْرُ أَكْثَرَ فَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَالتَّخْمِينُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَرَايَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ دَاوُد مُوَافَقَتَهُ لَهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ الا أن أَبَا حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ سَعْدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَ أَحَدٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَهَكَذَا يَقُولُهُ فِي كُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ بِيَابِسِهَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْإِمْلَاءِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُوَافَقَةُ أَبِي يُوسُفَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا وَجْهَ لَهُ فَمَتَى ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ ثَبَتَ فِيهَا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورُ فِي الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) الرَّطْبَةُ مِنْ الْأَصْلِ كَالْفَرِيكِ فَلَا يَجُوزُ بِالْيَابِسَةِ وَلْنَرْجِعْ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمَحِلِّ الْخِلَافِ فِي الرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الْأَرْضِ
* وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الرُّطَبَ والتمر إما أن يكونا جنسا واحد أو جنسين فان كانا جنسا واحد فَبَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَبَيْعُ جِنْسٍ بِجِنْسٍ آخَرَ أَجْوَزُ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ لَا يَخْفَى وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دَخَلَ بَغْدَادَ فَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا شَدِيدِينَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَذَكَرَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فَأُورِدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ فَقَالَ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ قَالَ شَارِحُ الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ وَهَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قِسْمٌ ثَالِثٌ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ التَّرْدِيدِ الْمَذْكُورِ جَازَ فِيهَا وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يُمْنَعْ توقع نقص يحدث الْعَقْدِ كَالتَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْحَدِيثِ أَوْ الْعَتِيقِ والسمسم بالسمسم وإن كان يؤول إلَى الشَّيْرَجِ (وَأَجَابُوا) عَنْ حَدِيثِ سَعْدٍ بِجَهَالَةِ زَيْدٍ أَبِي
عَيَّاشٍ وَبِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذا كان نسيئة وقد ورد ذلك فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهَا

(10/428)


وَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَتُحْمَلُ النَّوَاهِي الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى ما إذا كان الرطب على رؤس النَّخْلِ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ (وَاحْتَجُّوا) أَيْضًا بِعُمُومِ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ) وَقَالُوا إنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهَا فَإِنْ اعْتَذَرُوا بِأَنَّ طَحْنَ الدَّقِيقِ صَنْعَةٌ تُعَارِضُ عَمَلَهَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا التَّفَاضُلَ بين الدقيق والحنطة ثم ان الصنعة لاأثر لَهَا فِي عُقُودِ الرِّبَا (وَعَنْ) الثَّانِي بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّسَاوِي حَالَةَ الِادِّخَارِ وَبِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ مُسْتَنْبَطَةٌ وَعِلَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى (وَعَنْ) جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ بِمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ) الِاحْتِجَاجِ بِالْمَفْهُومِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِأَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِذَلِكَ لَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَامَّ الْمَذْكُورَ قَارَنَهُ تَعْلِيلٌ وَهُوَ قَوْلُهُ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) فَصَارَ مَعْنَاهُ خَاصًّا كَأَنَّهُ قَالَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بَعْدُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّسَاوِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَالْمَفْهُومُ الْمُقَابِلُ لَهُ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُهُ كَالْقِيَاسِ فَيُسْقِطُهُ لِرُجْحَانِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَقُولُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْطُوقِ وَيَتَقَابَلَانِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْمَنْطُوقُ أَوْلَى لِأَنَّهُ نُطْقٌ خَاصٌّ مَعَهُ تَعْلِيلٌ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَا تَعْلِيلَ مَعَهُ هَكَذَا حَكَى هَذَا الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْبِنَاءَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَائِلٌ بِمُسَاوَاةِ الْمَفْهُومِ لِلْمَنْطُوقِ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنْ التَّعْلِيلِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ رَاجِحٌ عَلَى الْمَفْهُومِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَفْهُومُ خَاصًّا وَالْمَنْطُوقُ عَامًّا وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَبَعْضَهُمْ يُسْقِطُ الْمَفْهُومَ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَفْهُومَ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ (وَعَنْ) احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي الرُّطَبِ وَالْيَابِسِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْيَابِسِ بِدَلِيلِ ما ذكرنا وعن قوله (التمر بالتمر) أن الرُّطَبَ لَا يُسَمَّى تَمْرًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ التَّمْرَ فَأَكَلَ الرُّطَبَ لَمْ يَحْنَثْ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَمْلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ على رؤس النَّخْلِ لَا يُكَالُ (وَأَيْضًا) فَإِنَّ
الْمُزَابَنَةَ تَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَعَنْ) قِيَاسِهِمْ عَلَى بَيْعِ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مَجْمُوعَةٍ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والماوردي والمحاملى
(أحدهما)
أَنَّ النَّقْصَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كتخصيص العموم

(10/429)


(الثَّانِي) أَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ وَالْعَتِيقَ تَسَاوَيَا فِي حَالَةِ الِادِّخَارِ فَلَا يَضُرُّ النُّقْصَانُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ نُقْصَانَ الْحَدِيثِ يَسِيرٌ وَقَدْ يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحِنْطَةِ تُرَابٌ وَزُوَانٌ يَسِيرٌ (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَتِيقِ إذَا لَمْ تَبْقَ النَّدَاوَةُ فِي الْحَدِيثِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ دُونَهَا فِي الْمِكْيَالِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْتَرَضَ نَصْرٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرِ المجهول فكيف يدفعون هذا الخبر به لو كَانَ مَجْهُولًا كَمَا ادَّعُوهُ وَعُمْدَتُنَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَهُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ غَيْرِ شَغَبٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا امْتِنَاعَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الدَّقِيقَ الَّذِي فِي الْحِنْطَةِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّقِيقِ الَّذِي فِي مقابلة لانه ينتقض بيع جَيِّدَةٍ بِحِنْطَةٍ ضَامِرَةٍ مَهْزُولَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالدَّقِيقُ فِي الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ وَلَهُمْ وَلِأَصْحَابِنَا أَجْوِبَةٌ وَأَسْئِلَةٌ ضَعِيفَةٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ مُقْنِعٌ وهذه المسألة مما تلتبث أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هَلْ هُوَ وُجُوبُ الْمُسَاوَاةِ كَمَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَاوِي الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْضَاءُ بِالسُّلْتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُ الْبَيْضَاءِ وَأَنَّهَا الشَّعِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ السُّلْتَ وَالشَّعِيرَ عِنْدَ سَعْدٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يجوز التفاضل بينهما وكذلك القمح معها صِنْفٌ وَاحِدٌ قَالَ وَهَذَا مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَلْنَرْجِعْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُ) الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَرْضِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَاحْتِرَازٌ عَنْ بيع الرطب على رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ إلَّا الْعَرَايَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ عَلَى الْأَرْضِ حَالًا مِنْ رُطَبِهِ أَيْ لَا يُبَاعُ رُطَبُهُ حَالَ كَوْنِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِيَابِسِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَابِسَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقُصُ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الْفَاءُ الدَّاخِلَةُ
عَلَى الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْوَصْفِ
(وَالثَّانِي)
إذَا فَإِنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ (وَالثَّالِثُ) اسْتِنْطَاقُهُ وَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُقْصَانِهِ إذَا يَبِسَ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاضِرُونَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النُّقْصَانُ عِلَّةً فِي الْمَنْعِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ وَهَذَا الْمِثَالُ عَدَّهُ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَقْسَامِ الْإِيمَاءِ والتنبيه لكنه

(10/430)


لِأَجْلِ ازْدِحَامِ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إنَّهُ تَرَقَّى فِي الظُّهُورِ إلَى رُتْبَةِ الصَّرِيحِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وَشَرْحِهَا إنَّ ذَلِكَ أَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ فلا إذا) صَرِيحٌ فِي التَّعْلِيلِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يُفِيدُ ذِكْرُهَا غَيْرَ التَّعْلِيلِ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ فِي الْمَعُونَةِ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) بَعْدَ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَطْبٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ مُسْتَنَدُهُ الْقِيَاسُ وَعُمُومُ الْعِلَّةِ فَيَعُمُّ الْحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي ادَّعَاهَا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ رُطَبُهُ بِيَابِسِهِ مُطْلَقًا فِي بَعْضِهِ بِالنَّصِّ وَفِي بَاقِيهِ بِالْقِيَاسِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ النَّصَّ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ فِي رُتْبَةِ الصَّرِيحِ لَا تَكُونُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى جَمِيعِ مَحَالِّهَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا ثَابِتًا بِالنَّصِّ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ يَشْمَلُ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ وَالْبَلَحَ وَالْخِلَالَ بِلُغَةِ الْعِرَاقِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمِصْرِيُّونَ رَامِخًا لَا يجوز أن يباع شئ مِنْهَا بِالتَّمْرِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَالْحِصْرِمُ إذَا بِيعَ بِالزَّبِيبِ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ رُطَبُهَا بِيَابِسِهَا وَكَذَلِكَ الْبُنْدُقُ وَالْفُولُ وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ وَالْخَوْخُ الرَّطْبُ بِالْمُقَدَّدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ بِهِ (1) وَكَذَلِكَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا بِيعَ بِالْآخَرِ كَالرُّطَبِ الْمَقْلِيِّ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ لَا يَجُوزُ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ كُلِّهَا وَهُمْ وَالشَّافِعِيُّ مُصَرِّحُونَ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ رَطْبٌ بِيَابِسٍ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شئ مِنْهَا إلَّا فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالرُّطَبِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فَأَشْبَهَ الْقَصْلَ بِالْحِنْطَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلْعِ يَصِيرُ رُطَبًا بِخِلَافِ الْقَصْلِ (وَالثَّالِثُ) قَالَا وَهُوَ أَصَحُّ إنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ جَازَ لِأَنَّهُ صَارَ رُطَبًا وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ لَمْ يَجُزْ
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبُسْرَ وَالْبَلَحَ كَالرُّطَبِ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَكَذَلِكَ الْخَلَّالُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ كَالدِّبْسِ وَالنَّاطِفِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِتَمْرٍ وَلَا رُطَبٍ وَلَا بِمَا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ رطبا كالبلح وَالْخِلَالِ وَالْبُسْرِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إمَامُ الحرمين عند الكلام الْأَجْنَاسِ إنَّ الْبَلَحَ مَعَ الرُّطَبِ وَالْحِصْرِمِ مَعَ الْعِنَبِ كَالْعَصِيرِ مَعَ الْخَلِّ عِنْدَهُ وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عنده
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/431)


فِي الْعَصِيرِ مَعَ الْخَلِّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ جَوَازُ بَيْعِ الْبَلَحِ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَجَوَازُ بَيْعِ الْحِصْرِمِ بِالْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ فَهَذَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ جِنْسَانِ بَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ
* وَاعْلَمْ أن الْحُكْمَ بِكَوْنِ الطَّلْعِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ جِنْسًا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِأَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِاسْمٍ خَاصٍّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُمَا جِنْسَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَشْهُورِ فِي اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْأَجْنَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ عَائِدٌ عَلَى مَا حَرُمَ بِهِ الرِّبَا الَّذِي صُدِّرَ بِهِ الْفَصْلُ السَّابِقُ عَلَى الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَاتِّحَادُ الضَّمِيرِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ أَيْ لَا يُبَاعُ رَطْبُ الْجِنْسِ بِيَابِسِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مُقْتَصِرًا عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ بَلْ كُلُّ رَطْبٍ بيابس إذا كان ربويا من جنس واحدا كَحَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ الرَّطْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ يَعْنِي تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِنْ الْوَاضِحَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالْعِنَبِ وَالْعِنَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالزَّبِيبِ وَالزَّبِيبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَدْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ كَبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ إذَا تَسَاوَيَا في المكيال وذلك بالاتفاق وكذلك كل تمرة لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ الَّذِي يُفْلَقُ وَالْكُمَّثْرَى الَّذِي يُفْلَقُ وَالرُّمَّانُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ مَرَّ بعضه عند الكلام في المعيار والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما بيع رطبه برطبه فينظر فيه فان كان ذلك مما يدخر يابسه كالرطب والعنب لم يجز بيع رطبه برطبه وقال المزني يجوز لان معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع بعضه ببعض كاللبن والدليل على انه لا يجوز إنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّمَاثُلُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الكمال والادخار فلم يجز بيع احدهما بالآخر كالتمر بالتمر جزافا ويخالف اللبن فان كماله في حال رطوبته لانه يصلح لكل ما يراد به والكمال في الرطب والعنب في حال يبوسته لانه يعمل منه كل ما يراد منه ويصلح للبقاء والادخار)
*

(10/432)


(الشَّرْحُ) الطَّعَامُ الرَّطْبِ مِنْهُ مَا يَخْرُجُ عَنْ الرُّطُوبَةِ فِي حَالٍ يَصِيرُ يَابِسًا وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَإِلَى مَا لَا يدخر فذكر المصنف في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لَمْ يَنْتَنْ مِثْلَ الزَّيْتِ والسمن والشيرج والادهان واللبن والخل وغيره مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ فِي مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه ابدا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كَمَا كَانَ أَوْ بِأَنْ يُقَلَّبَ بِأَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَارٍ أَوْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ يَابِسٌ فَيَصِيرُ هَذَا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رُطُوبَةَ مَا يَبِسَ مِنْ التمر رطوبة في شئ خلق مستحسلا انما هو رطوبة طرأ كطروت اغْتِذَائِهِ فِي شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فَإِذَا زَالَ مَوْضِعُ الِاغْتِذَاءِ مِنْ مَسِّهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وَمَا وُصِفَتْ رُطُوبَتُهُ مُخَرَّجَةً مِنْ أَمَاتَ الْحَيَوَانِ أَوْ تمر شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ قَدْ زَالَ الشَّجَرُ وَالزَّرْعُ الَّذِي هُوَ لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ مَا هُوَ فِيهِ رَطْبًا انْطِبَاع رُطُوبَتِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كَمَا يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْتُ فَلَمَّا خَالَفَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ وَلِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لَا مُتَنَقِّلًا إلَّا بتنقل غيره اه فَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ بَلْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِهِ فِيمَا بَعْدُ كَالْخُلُولِ وَالْأَلْبَانِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّطْبِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ يَابِسُهُ وَقَسَّمَهُ قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) الَّذِي يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَا غَالَبَ مَنَافِعُهُ فِي حَالِ يُبْسِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِرُطَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في باب بيع الآجال وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَصْلُحُ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فقال (اينقص الرطب إذا يبس فقال نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ) فَنَظَرَ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَلَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لانهما إذا تيبسا اختلف نقصيهما فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ فِي الْمُتَعَقَّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْأُمِّ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَازَ في الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبُ نَفْسُهُ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِف ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَ رُطَبًا فِرْسِكٌ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف مِنْهَا بِمَكِيلٍ (قُلْتُ) وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ

(10/433)


وَمَا لَا يُدَّخَرُ وَمَقْصُودُهُ مَنْعُ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَبُيِّنَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُشْتَرَى رَطْبٌ بِرَطْبٍ لِأَنَّ أَحَدَ الرَّطْبَيْنِ أَقَلُّ نَقْصًا مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يُجَفَّفُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ تَجْفِيفُهُ غَالِبًا أَمْ لَا وَلَمْ يَفْصِلْ الْعِرَاقِيُّونَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ فَنُؤَخِّرُ الْكَلَامَ فِيمَا جَفَافُهُ نَادِرٌ وَنَجْعَلُ الْكَلَامَ الْآنَ فِيمَا جَفَافُهُ غَالِبٌ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَهُوَ أَصْلُ مَا يُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالرُّويَانِيِّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ فَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ قال الجعدى إنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَمَحِلُّ الكلام في الزائد على خمسة أوسق (أما) إذَا بَاعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَمَا دُونَهَا رَطْبًا مَقْطُوعًا عَلَى الْأَرْضِ بِمِثْلِهِ فَسَيَأْتِي فِي الْعَرَايَا فِيهِ خِلَافٌ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ وَقَدْ خَالَفَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ وَالْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ جَائِزٌ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ
عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْكَلَامُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ التكليف لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَجْوَزُ (فَأَمَّا) مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَقَدْ مَنَعُوا بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَجَازُوا هَذَا فَالْكَلَامُ مَعَهُمْ (أَمَّا) حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرَةٌ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ حَقِيقَةُ الْمُفَاضَلَةِ فَفِيهِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْحَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْجَفَافِ فَإِنَّ فِي الْأَرْطَابِ مَا يَنْقُصُ كَثِيرًا وَهُوَ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْمَاءِ رَقِيقَ الْقِشْرَةِ فَإِذَا يَبِسَ ذَهَبَ مَاؤُهُ وَلَحْمُهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شئ ومثله الاصحاب بالهلبات وهو (1) والابراهيمي وهو (2) وَغَيْرُهُمَا وَمِنْهُ مَا يَنْقُصُ قَلِيلًا وَهُوَ مَا كَثُرَ لَحْمُهُ وَقَلَّ مَاؤُهُ وَغَلُظَ قِشْرُهُ وَمَثَّلُوهُ بالمعقلى والبرنى والطبرزوى وَهَذَا مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّمَاثُلُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ وَزَادَ الْأَصْحَابُ فَقَالُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَ الْمَنْعُ إذَا وُجِدَ النُّقْصَانُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى البخاري حديث ابن عمر المتقدم
__________
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/434)


فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التمرة بالتمرة فَيَشْمَلُ الرُّطَبَ وَسَائِرَ أَحْوَالِهِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصْرَحُ مِنْ رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَتَكُونُ مُوَافِقَةً لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إحْدَاهُمَا التَّمْرُ بِالْمُثَنَّاةِ وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأُولَى بِالْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمُثَنَّاةِ يَعْنِي بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذِهِ فَصَرِيحَةٌ فَإِنَّهَا بِزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا وَلَمَّا لَمْ يَتَمَسَّكْ الْأَصْحَابُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ النُّقْصَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُوجِبٌ لِلتَّفَاوُتِ وَالنُّقْصَانَ فِي الطَّرَفَيْنِ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفَاوُتِ النَّقْصِ فِي الْأَرْطَابِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرَاعِ التَّفَاوُتَ فِي الثَّانِي وَإِنَّمَا رَاعَى النُّقْصَانَ إذَا يَبِسَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الرَّطْبَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي جُمُودٌ عَلَى
الْوَصْفِ وَظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّقْصَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بحصول التفاضل فِي الرِّبَوِيِّ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ نَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ مَا إذَا بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَمَا إذَا بِيعَ خَرْصًا كَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ تمر بصاعين رطبا فظن أنه يجئ مِنْهَا صَاعٌ وَالْأَوَّلُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ بَيْنَ الرطبين لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَالِ الْأَرْطَابِ صَارَ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا وَاحْتِمَالُ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْجَفَافِ كَاحْتِمَالِ كَوْنِ الصُّبْرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَيْضًا فَكُلُّ جِنْسٍ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ جُزَافًا وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لِحَالَةِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ تَحْقِيقٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا
* وَاعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ مَعَ الحرص لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَلْ هِيَ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ فِي الْعَرَايَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسَاوَاةُ بِالْخَرْصِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فَوْقَ الشَّكِّ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ في هذه النخلة رطب يجئ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا التَّمْرِ الْمَكِيلِ عَلَى الْأَرْضِ جَوَّزْنَاهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْخَرْصِ أو تكون العلة منقوصة كَمَا هِيَ فَيُحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ الشَّارِعَ اكْتَفَى بِالظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ الْخَرْصِ رُخْصَةً فِي الْعَرَايَا

(10/435)


وَغَيْرُهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا فَلَا يَحْسُنُ إيرَادُهَا نَقْضًا وَمَقْصُودُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ دَفْعُ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ بِالْفَرْقِ لَا أَنَّ وَصْفَ عِلِّيَّةِ الظَّنِّ مُصَحِّحٌ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ إذَا بِيعَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمَا إذَا بَقِيَا يَبِسَا جَمِيعًا وَنَقَصَا نُقْصَانًا وَاحِدًا وَمَا يَحْصُلُ بينهما من التفاوت في حال اليبس يسير مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي التَّمْرِ الْحَدِيثِ إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَرُبَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ النَّقْضِ عَلَى عِلَّتِنَا فَقَالُوا النُّقْصَانُ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مَوْجُودٌ فِي التَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْحَدِيثِ وَمَعَ هَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ فَانْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى اللَّبَنِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا لِأَنَّ التَّمْرَ يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الرُّطَبُ وَزِيَادَةُ الِادِّخَارِ وَلَا يَصْلُحُ الرُّطَبُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ التَّمْرُ وَاللَّبَنُ
يَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَإِذَا جُبِّنَ أَوْ جُعِلَ لَبَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْ لِكُلِّ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ لِلَّبَنِ حَالَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي إلَيْهَا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الرُّطَبِ وَعَنْ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ فِي أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي النُّقْصَانِ إذَا يَبِسَا بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْطَابَ تَتَفَاوَتُ فِي الْيُبْسِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي حَالِ كَمَالِهَا وَالتَّفَاضُلُ الْمُحْتَمَلُ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ الْحَاصِلِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ يَتَنَاهَى فِي الْجَفَافِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَالَةٍ يَظْهَرُ فِيهَا التَّفَاوُتُ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ وَمَعَ هَذَا لَا يَرِدُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَإِنَّهُ أَجَابَ عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّتَانِ مُسْتَنْبَطَةٌ وَمَنْصُوصَةٌ فَالْمُسْتَنْبَطَة لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَخْصُوصَةِ فَقِيلَ كَالْمُسْتَنْبَطَةِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا لِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ عِلَّةً لِاطِّرَادِهَا وَالْمَنْصُوصَةُ عِلَّةٌ بِالنَّصِّ فَجَرَتْ مَجْرَى الاسماء إذا قام دليل على خصوصها تخصصت والنقص مندفع على كِلَا الطَّرِيقَيْنِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ مُجَرَّدَ النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ قَبْلَ حَالَةِ الِادِّخَارِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا نُقْصَانٌ يَحْدُثُ بَعْدَ بُلُوغِ حَالَةِ الِادِّخَارِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي تَجْفِيفُهُ غَالِبٌ إذَا جُفِّفَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ إذَا كَانَ لَهُ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ هَلْ يجوز بيع بعضه ببعض أولا وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ كُلَّ مَا

(10/436)


يُجَفَّفُ غَالِبًا فَهُوَ مُقَدَّرٌ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُجَفَّفُ غَالِبًا وَهُوَ غير مقدر حتى يتردد في بيعه في حَالَةَ جَفَافِهِ فَإِنْ فُرِضَ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا مَا لَا يَغْلِبُ تَجْفِيفُهُ بَلْ تَجْفِيفُهُ فِي حُكْمِ النَّادِرِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ رُطَبٍ الجنس وَأَكْثَرُ الْغَرَضِ فِي رُطَبِهِ فَقَدْ ذَكَر الْإِمَامُ فيه ثلاث أَوْجُهٍ وَمَثَّلَهُ بِالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ رَطْبًا وَيَابِسًا
(وَالثَّانِي)
الْمَنْعُ رَطْبًا وَيَابِسًا فَإِنَّهُ لَمْ تَتَقَرَّرْ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا (وَالثَّالِثُ) الْمَنْعُ رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ إلَى الْجَوَازِ رَطْبًا وَالْمَنْعِ جَافًّا ثُمَّ الرَّطْبُ الَّذِي لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ
يَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى القاضى حسين في حالة الخوف وَجْهَيْنِ فِي الْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْبِطِّيخِ الَّذِي يَتَفَلَّقُ وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَفَافُ الْبِطِّيخِ حَيْثُ يُعْتَادُ مِنْ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ جَفَافِ الْمِشْمِشِ قَالَ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
* (فَرْعٌ)
الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي الْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ امْتِنَاعُهُ رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ جَافًّا كَامِلًا ذَا مِعْيَارٍ جَازَ بَيْعُهُ قَطْعًا وَإِنْ فُقِدَ الْمِعْيَارُ كَمَا مُثِّلَ أَوْ الْكَمَالُ كَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ والرطب الذى لا يحنى مِنْهُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ وَإِنْ فُقِدَ الْكَمَالُ وَالْجَفَافُ امْتَنَعَ قَطْعًا كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ غَالِبًا
* (فرع)
قول الشيخ رحمه الله رُطَبَةٌ بِرُطَبَةٍ يَشْمَلُ الْيُبْسَ وَالرَّطْبَ وَالطَّلْعَ وَالْخِلَالَ وَغَيْرَ ذَلِكَ إذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ أو بالآخر وإذا امتنع بيع الشئ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ بِالْآخَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرُ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمِ (تَبَايَعَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُسْرٍ وَرُطَبٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذا) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِالسَّنَدِ الْمَشْهُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْبُسْرِ تَصْحِيفًا فَهُوَ حُجَّةٌ فِي هَذِهِ المسألة
*

(10/437)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ لِذَلِكَ فُرُوعًا (مِنْهَا) لَوْ كَانَتْ ثَمَرَةٌ عَلَى أُصُولِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا خَرْصًا (وَقُلْنَا) الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّهُ الْأَشْهَرُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ (وَإِنْ قُلْنَا) إفْرَازٌ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يصح لان خرصه لا يجوز وان كان مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَقَوْلَانِ (نَقَلُوا) عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ خَرْصُهَا لِمَعْرِفَةِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَتَضْمِينِهِ
جَازَ لِتَمْيِيزِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ الْآخَرِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَغَيْرُ الْمَحَامِلِيِّ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلِهِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لِأَنَّ الْخَرْصَ ظَنٌّ لَا يُعْلَمُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَفِي الزَّكَاةِ جَوَّزْنَا الخرص لان الخرص للمساكين فيه حقيقة شركة بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ حَقِّهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْإِبَانَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا يَصِحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا بَيْعٌ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (قُلْتُ) فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا ثَلَاثُ طُرُقٍ فَكُلُّ رِبَوِيٍّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْإِفْرَازِ وَهَلْ تَجُوزُ قِسْمَةُ أَمْوَالِ الرِّبَا الْمَكِيلِ وَزْنًا وَالْمَوْزُونُ كَيْلًا (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ جَازَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ قسمة الرطب ونحوه وزنا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الطَّعَامِ وَلَا غَيْرِهِ جُزَافًا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فِي خَرْصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِمَارَ الْمَدِينَةِ هَلْ كَانَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لِإِفْرَازِ حُقُوقِ أَهْلِ السَّهْمَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْعًا وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ وَتَكُونُ إفْرَازَ حَقٍّ وَتَمْيِيزَ نَصِيبٍ
* (فَرْعٌ)
فَإِذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَتَقَاسَمَا مَالًا رِبَوِيًّا مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِهَذِهِ الْقِسْمَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ فَإِذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَرَادَ قِسْمَتَهَا أَخَذَ هذا قفيزا وهذا قفيزا وان كان أَثْلَاثًا أَخَذَ هَذَا قَفِيزًا وَهَذَا قَفِيزَيْنِ وَلَا يجوز لاحدهما

(10/438)


أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ ثُمَّ يكتاله لِلْآخَرِ مَا بَقِيَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتْلَفَ الْبَاقِي قبل أن يكال الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْقَبْضِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِأَخْذِ الْقَفِيزِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فِي أَخْذِهِ وَيَكُونُ اسْتِقْرَارُ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا أَخَذَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ مِلْكَهُ فَلَوْ أَخَذَ الْأَوَّلُ قَفِيزًا فَهَلَكَتْ الصُّبْرَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِي مِثْلَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَفِيزِ وَكَانَ الثَّانِي شَرِيكًا لَهُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَبْضِ حُقُوقِهِمَا مِنْ
غَيْرِ تَفَاضُلٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَخَذَ هَذَا الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا الثُّلُثَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ شَيْئًا أَوْ يَنْقُصُ شَيْئًا (الشَّرْطُ الثَّالِث) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ وَكِيلُهُ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ مُقْبِضًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَصِحُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا وَلَا أَنْ يَأْذَنَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ يَتَوَلَّى الْقَبْضَ وَالْإِقْبَاضَ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَابُضُهُمَا بِالْكَيْلِ وَحْدَهُ دُونَ النَّقْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ كَانَ النَّقْلُ فِيهِ مُعْتَبَرًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى بَائِعِهِ بِالْيَدِ فَاعْتُبِرَ فِي قَبْضِهِ النَّقْلُ لِتَرْتَفِعَ الْيَدُ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ وَلَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ ضمان يسقط بالقبض وانما هي موضوعة للاجارة وَبِالْكَيْلِ تَحْصُلُ فَلَوْ تَقَابَضَا بَعْضَ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يتقابضا الباقي صح فيما تقابضا قولا واحد وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا بَقِيَ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) وُقُوعُ الْقِسْمَةِ نَاجِزَةً مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَا بِالشَّرْطِ وَلَا بِالْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا لِانْتِفَاءِ الْمُحَابَاةِ وَالْغَبْنِ عَنْهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يُخَيَّرُ عَلَيْهِ دُونَ مَا لَا يُخَيَّرُ عَلَيْهِ وَلَا جَرَمَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِثُبُوتِهِمَا يَعْنِي الْخِيَارَيْنِ إذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَالْغَزَالِيُّ حَكَى فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَيْنِ قَالَ وَدَعْوَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَدَ مُضَمَّنَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدِ الْقَاسِمِ وَالْبَائِعِ فِيمَا نَظُنُّهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يَتَرَجَّحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الثِّمَارِ وَقَدْ قُلْنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْوَجْهُ فِي ارْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا ذَلِكَ حِصَّتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِدِينَارٍ وَيَبْتَاعُ مِنْهُ حَقَّهُ مِنْ الْحِصَّةِ الْأُخْرَى بِدِينَارٍ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَيَكُونُ هَذَا بَيْعًا يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُيُوعِ
* (فَرْعٌ)
مِنْ الْحَاوِي أَيْضًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِأَخْذِ حِصَّتِهِ عَنْ إذْنِ شَرِيكِهِ بِخِلَافِ مَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَجُزْ

(10/439)


لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ وَإِنْ أَذِنَ الشَّرِيكُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَلَوْ انْفَرَدَ بِأَخْذِ نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِلْإِشَاعَةِ فَعَلَى هَذَا مَا أَخَذَهُ مُشْتَرَكٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ قَالَ
الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي الْأَصَحُّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحَالٍ لَا بِالْإِذْنِ وَلَا بِغَيْرِ الْإِذْنِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَذَكَرَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ الماوردى
* (فرع)
جميع ما تقدم من الكلام وَخِلَافِ الْعُلَمَاءِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ بِالْبُسْرِ يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا وَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْبُسْرُ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرُّطَبُ بِالْبُسْرِ عَلَى حَالٍ نقل ذلك ابن عبد البر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان مما لا يدخر يابسه كسائر الفواكه ففيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه جنس فيه ربا فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب
(والثانى)
إنه يجوز لان معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع رطبه برطبه كاللبن)
* (الشَّرْحُ) الَّذِي لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ فِي الْعَادَةِ كَالْأُتْرُجِّ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالتُّوتِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمَوْزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالرُّمَّانِ الْحُلْوِ وَالْقَرْعِ وَالزَّيْتُونِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ وَجَمِيعِ الْبُقُولِ وَكُلُّ مَا غَالَبَ مَنَافِعُهُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَكُلُّ رَطْبٍ لَا يَنْفَعُ إذَا يَبِسَ إمَّا مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِيهَا الرِّبَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الجديد ومن ذلك أيضا السفرجل وقال الجوزى إنَّهُ يُيَبَّسُ وَيُدَّخَرُ وَهُوَ غَرِيبٌ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ رَأَيْتُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ لَا يُيَبَّسُ إذَا كَانَ مِمَّا يُيَبَّسُ فَلَا خَيْرَ فِي رَطْبٍ مِنْهُ بِرَطْبٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا عَدَدًا بِعَدَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي أُتْرُجَّةٍ بِأُتْرُجَّةٍ وَلَا بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُيَبَّسُ احتراز عَمَّا يَكُونُ رُطَبًا أَبَدًا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ هُنَا مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ مِنْ الرطب شئ لَا يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ أَبَدًا

(10/440)


مِثْلَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلًا مِثْلًا بمثل ينبغى أن تضبط الْأُولَى يُيَبَّسُ - بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُشَدَّدَةٍ -
وَالثَّانِيَةَ - بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ هُوَ يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَبِسًا غَيْرَ آيل إلى صلاح ولكنه لَا يُيَبِّسُهُ النَّاسُ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي بَابِ الرطب بالتمر فيه هكذا مَا كَانَ رُطَبًا فِرْسِكٌ (1) وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ واجاص وكمثري وفاكهة لا يباع شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف مِنْهَا بِمَكِيلٍ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لَوْ تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رُطَبٍ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بحال مثل الخريز وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ منه شئ بشئ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى مَا فِي الرُّطُوبَةِ مِنْ تَغَيُّرِهِ عِنْدَ الْيُبْسِ وَكَثْرَةِ مَا يَحْمِلُ بَعْضُهَا مِنْ الْمَاءِ فَيَثْقُلُ بِهِ وَيَعْظُمُ وَقِلَّةِ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فَيُضْمَرُ بِهِ وَيَخِفُّ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ (وَقَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ) كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ مِنْ صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَجَرَيَانُ الرِّبَا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (قَالَ) وَلَا يَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَلَا سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلَا بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يباع منه جنس بمثله الا وزنا بوزن يَدًا بِيَدٍ وَظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ بَيْعِ السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْوَزْنُ دُونَ الْكَيْلِ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَشْمَلُ مَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ حَكَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْمُتَوَلِّي والبغوى والرافعي وآخرون وبعضهم من المراوذة يَجْعَلُهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبًا بِيَابِسٍ وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ يَجْعَلُ مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَيُخَرِّجُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَازُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَعْلِيقًا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَا يَجُوزُ بيع البقل المأكول من
*
__________
* (1) الفرسك كزبرج الخوخ أو ضرب منه اه مصححه)
*)

(10/441)


صِنْفٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ رَطْبًا لَا يَجُوزُ بِجِنْسِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ وَلَا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَةٍ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رُمَّانَةٍ برمانة متماثلتين وَزْنًا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَقَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَجَعَلَ الْجَوَازَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ وَجَعَلَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبُقُولِ خَاصَّةً تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَجَعَلَ الْمَنْعَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعَلَّلَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى اللَّبَنِ وَهَذَا أَبْلَغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَوَّلُ إلَى صَلَاحٍ بِحَالٍ بخلاف اللبن ويمكن الذاهبين إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ أَنْ يُؤَوِّلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُهَا حَالَةَ الْجَفَافِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَإِنَّ نُصُوصَهُ عَلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ مِنْ خِرَاصَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ وَابْنِ دَاوُد شَارِحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وجزم به أبو الحسن بن حزان في اللطيف والاصح عند جماعة الثاني أنه يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِيَابِسِهِ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ فَأَمَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بيابسه فقولا واحد لَا يَجُوزُ رَطْبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا أَقْيَسُ قَالَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَابِسِ بِالرَّطْبِ قَصْدًا لِأَظْهَرِ الْحَالَتَيْنِ وَأَوْضَحِ الْمَسْأَلَتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الزَّيْتُونِ الرَّطْبِ بِالزَّيْتُونِ الرَّطْبِ نَقَلَ الْإِمَامُ الْجَوَازَ فِيهِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ جَزَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِي عِدَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يُجَفَّفُ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ إجْرَاءَ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهَا فِيهِ وَتَابَعْتُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُصَنِّفِينَ وَلَا يَحْضُرنِي فِي هَذَا الْوَقْتِ اسْمُهُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ ثَبَتَ خِلَافٌ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
*

(10/442)


(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الرَّطْبِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالرَّطْبِ أَمَّا لَوْ بَاعَ رَطْبًا بِيَابِسٍ كَحَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْآخَرَ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ فَشَابَهَ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ لَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِي الرَّطْبَيْنِ فَقَطْ (قُلْتُ) وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبًا بِيَابِسٍ وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ فِي الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ فَقَطْ لَا فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ لَمْ يَحْكِهِ عَنْهُ إلَّا فِي الرطبين والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْبِطِّيخُ مَعَ الْقِثَّاءِ جِنْسَانِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ وَفِي الْقَثَدِ (1) مَعَ الْقِثَّاءِ وَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ فُرِضَ فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّجْفِيفُ عَلَى نُدُورٍ فَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا عَلَى الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ مقدارا فَإِنَّ أَكْمَلَ أَحْوَالِهِ الرُّطُوبَةُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَتَتْبَعُ هَذِهِ الْحَالَةُ تِلْكَ فِي سُقُوطِ الرِّبَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ (فَإِذَا قُلْنَا) إنَّهُ رِبَوِيٌّ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ قَالَ إنَّهُمَا مَشْهُورَانِ وَرَتَّبَهُمَا فِي الْوَسِيطِ عَلَى حَالَةِ الرُّطُوبَةِ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا التَّرْتِيبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (جَوَازُ) بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي الْحَالَتَيْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا (وَالْمَنْعُ) فِي الْحَالَتَيْنِ (وَالْمَنْعُ) رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا وَهِيَ كَالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيمَا يُجَفَّفُ نَادِرًا مِمَّا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ (قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) وَيَجِبُ طَرْدُ الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْمَذْكُورِ فِي الرَّطْبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُبَاعُ رَطْبًا وَلَا يُبَاعُ يَابِسًا يَعْنِي لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّجْفِيفِ فِيهِ فَإِنَّ الْكَمَالَ فِيهِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَلِلَّهِ دُرُّهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ تَجْرِي فِيهِ بِمَثَابَةِ الرَّطْبِ الَّذِي لَا يجفف اعتيادا وكأن ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جِنْسًا مِنْهَا بِجِنْسٍ آخَرَ كَالْهِنْدَبَا بِالنَّعْنَعِ صَحَّ نَقْدًا كَيْفَ شَاءَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ (فَائِدَةٌ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حَالَةَ الِادِّخَارِ هِيَ الْكَمَالُ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ كُلُّ فَاكِهَةٍ كَمَالُهَا فِي جَفَافِهَا وَهِيَ حَالَةُ الِادِّخَارِ وقال الرافعى لما شرح ذلك
*
__________
(1) القثد نوع من القثاء اه مصححه)
*)

(10/443)


إنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا لَفْظَ الِادِّخَارِ وَآخَرُونَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِحَالَةِ التَّمَاثُلِ فِي جَمِيعِ الرِّبَوِيَّاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُدَّخَرُ وَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَذَاكَ وَمَنْ أَطْلَقَهُ أَرَادَ اعْتِيَادَهُ فِي الْحُبُوبِ وَالْفَوَاكِهِ لَا فِي جَمِيعِ الرِّبَوِيَّاتِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا أَجْرَى لَفْظَ الِادِّخَارِ فِي إدْرَاجِ الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُبَاعُ بِبَعْضٍ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ جَوَازِ بَيْعِ الرَّطْبِ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَالْغَزَالِيُّ مُحْتَاجٌ إلَى ذِكْرِهِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عما لا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَهُوَ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي فَرَغْنَا مِنْ شَرْحِهِ فَإِنَّهُ لَا كَمَالَ لَهُ وَإِنْ جَفَّ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْفَاكِهَةِ فَلَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الرِّبَوِيَّاتِ أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فلا يستقيم أن يجعل ذلك ضَابِطًا وَضَبْطُ حَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَسِيرٌ وَقَدْ نَبَّهَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عُسْرِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا شَرَحَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَالَ فَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا فِي هَذَا الطَّرَفِ عَرَفْتَ أَنَّ النَّظَرَ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ رَاجِعٌ إلَى أَمْرَيْنِ في الاكثر
(أحدهما)
كون الشئ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ
(وَالثَّانِي)
كَوْنُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ لَكِنَّهُمَا لَا يُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ بِمُدَّخَرٍ وَالسَّمْنَ لَيْسَ بمتهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ اللَّبَنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ مُكْتَفًى بِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الثِّمَارَ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ تَتَهَيَّأُ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وَالدَّقِيقُ مُدَّخَرٌ وَلَيْسَا عَلَى حَالَةِ الْكَمَالِ وَلَا تُسَاعِدُنِي عِبَارَةٌ ضَابِطَةٌ كَمَا أُحِبُّ فِي تَفْسِيرِ الْكَمَالِ فَإِنْ ظَفَرْت بِهَا أَلْحَقْتهَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا إذا جعلنا المعتبر التهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ لَا يَرِدُ السَّمْنُ وقول الرافعى انه ليس بمتهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ اللَّبَنِ صَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّ السَّمْنَ عَيْنٌ أُخْرَى غَيْرُ اللَّبَنِ كَانَ اللَّبَنُ مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا فَهُوَ كَالشَّيْرَجِ مِنْ السِّمْسِمِ وَلَيْسَ كَالدَّقِيقِ مَعَ الْقَمْحِ وَلَا كَالرُّطَبِ مَعَ التَّمْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هُوَ الْآخَرُ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ فَالرُّطَبُ صَارَ إلَى يُبْسٍ وَهُوَ حَالَةُ تَهَيُّئِهِ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَالْقَمْحُ صَارَ إلَى تَفَرُّقٍ فَخَرَجَ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ وَلَيْسَ السَّمْنُ هُوَ اللَّبَنُ حَتَّى تُعْتَبَرَ فِيهِ مَنَافِعُ اللَّبَنِ بَلْ تُعْتَبَرُ فيه الانتفاعات المقصودة

(10/444)


منه نفسه وهو متهئ لَهَا (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ فَقَدْ فَهِمْتُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَرِّجُهَا وَهُوَ مَا حَكَيْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) إنَّهَا خُلِقَتْ مُسْتَحْشَفَةٌ وَالرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا رُطُوبَةُ طَرَاءَةٍ فَإِذَا زَايَلَ مَوْضِعَ اغْتِذَائِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ يَعْنِي أن الرطوبة فيه ليست طليقة لازمة له بل مفارقة بنفسها فلذلك تخليت أَنَا ضَابِطًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَمَالِ عَدَمُ الرُّطُوبَةِ الْمُفَارِقَةِ أَوْ التَّغَيُّرِ الْمَانِعَيْنِ مِنْ التَّمَاثُلِ عَنْ النَّدَاوَةِ الْيَسِيرَةِ وَالتَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي ضَابِطِ حَالَةِ الْكَمَالِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا يُقْصَدُ جَفَافُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْقُوتِ أَوْ الْأُدْمِ مِنْهُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ فَكَمَالُهُ فِي حَالَةِ ادِّخَارِهِ وَجَفَافِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّحْمُ عَلَى النَّصِّ وَمَا لَا يُجَفَّفُ بِحَالٍ كَالزَّيْتُونِ أَوْ لَا يمكن تجفيفه كاللبن فحالة كماله حالة رُطُوبَتِهِ وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ وَإِذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَلَيْسَ يُوصَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةِ جَفَافٍ وَلَيْسَ يَصِيرُ اللَّبَنُ زُبْدًا أَوْ سَمْنًا وَلَا الزَّيْتُونُ زَيْتًا كَذَلِكَ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْمَقْصُودُ فِيمَا نَظُنُّهُ وَلَا تُرَدُّ الثِّمَارُ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ تَفَكُّهًا فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ اعْتِبَارٌ لِأَنَّهُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَلَا يُرَدُّ الدَّقِيقُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُدَّخَرِ بِمَا يُقْصَدُ غَالِبًا فِيهِ طَالَتْ مُدَّتُهُ أو قصرت وادخار كل شئ بحسبه والغالب في الحب ادخاره حبا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وفى الرطب الذى لا يجئ منه التمر والعنب الذى لا يجئ منه الزبيب طريقان
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لان الغالب منه أنه يدخر يابسه وما لا يدخر منه نادر فألحق بالغالب (والثاني) وهو قول أبى العباس أنه على قولين لان معظم منفعته في حال رطوبته فكان على قولين كسائر الفواكه)
* (الشرح) الرطب والعنب على قسمين (منه) ماله جَفَافٌ وَكَمَالٌ فِي حَالَةِ جَفَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ وَلَا بِيَابِسِهِ جَزْمًا وَيَجُوزُ بَيْعُ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ اتِّفَاقًا (وَمِنْهُ) مَا لَا يُجَفَّفُ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ جُفِّفَ لَاسْتَحْشَفَ وَفَسَدَ لِكَثْرَةِ رُطُوبَتِهِ وَرِقَّةِ قشره كالرقل وهو أردأ التمر والعمري وهو (1) والابراهيمي والهليات وكذلك العنب الذى لا يجئ مِنْهُ زَبِيبٌ كَالْعِنَبِ الْبَحْرِيِّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَهَذَا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر)
*)

(10/445)


الْقِسْمُ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْفَوَاكِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا جَفَافٌ لِأَنَّ غَالِبَ مَنَافِعِهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا قَوْلَانِ وَيُفَارِقُهَا فِي أَنَّ الْغَالِبَ فِي جِنْسِهِ التَّجْفِيفُ وَالِادِّخَارُ بِخِلَافِهَا وَنَادِرُ كُلِّ نَوْعٍ مُلْحَقٌ بِغَالِبِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُغَايِرًا لَهَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي إلْحَاقِهِ بِهَا عَلَى طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهذا هو المنصوص في الام صريحا أن الرُّطَبَ الَّذِي لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ لَا يباع منه شئ بشئ مِنْ صِنْفِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ ذَلِكَ وَنَسَبَ الْعِمْرَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَنَسَبَهَا صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَقُول إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُجَرَّدِ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَرْوَزِيِّ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي سَائِرِ الْفَوَاكِهِ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَقَالَ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ صَرَّحُوا بِحِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْمَنْعَ هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وأعاد والمسألة هُنَا فَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ إلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى حِكَايَةِ الاصحاب ونسب الجوزى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ وَفِي الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْفَاكِهَةِ الَّتِي لَا تَصِيرُ إلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَالْبُقُولِ إلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصٍ فَأَفَادَ زِيَادَةَ ابْنِ سَلَمَةَ وأبى حفص ابن الْوَكِيلِ وَأَبْعَدَ فِي جَعْلِ الْقَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مَنْصُوصَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَنْعِ هُنَا وَالْمَاوَرْدِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَيُخَرِّجُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ مَسْأَلَةَ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا بِخُصُوصِهَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَجَعَلَ الْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبْطَلَهُ وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ النُّقُولُ يَصِحُّ نِسْبَةُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سَلَمَةَ وَابْنِ الْوَكِيلِ وَلَعَلَّ ابْنَ سُرَيْجٍ خَرَّجَ ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ فيصح

(10/446)


نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَيْهِ وَإِلَى تَخْرِيجِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ
مالا يدخر يابسه ومسالة الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بَلْ أَطْلَقُوا الْكَلَامَ إطْلَاقًا يَشْمَلُهَا وَأَغْرَبَ ابْنُ دَاوُد فَحَكَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ اختار أنه لا يجوز بحالة وَحَكَى وَجْهَ الْجَوَازِ وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى أَحَدٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ فِي ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ هَذَا مَا فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِ وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَجُمْهُورُهُمْ أَيْضًا مُطَبِّقُونَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ وَعَبَّرُوا عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ مِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَالْغَزَالِيُّ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ دَاوُد شَارِحُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالرَّافِعِيُّ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي حِكَايَتِهِمَا قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ الطَّرِيقَةَ الْقَاطِعَةَ وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى ذَلِكَ اسْتَبْعَدْت نِسْبَةَ الْعِمْرَانِيِّ الطَّرِيقَةَ الْقَاطِعَةَ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَظَهَرَ لَك أَنَّ طَرِيقَةَ الْخِلَافِ أَشْهَرُ وَهِيَ أَيْضًا أَظْهَرُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِي لِإِلْحَاقِ ذَلِكَ بِالْفَوَاكِهِ أَقْوَى مِنْ الْفَارِقِ الَّذِي ذَكَرَ لِلَّتِي قَدْ ذَكَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَوَاكِهِ عَلَى الْجَوَازِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَنُصُوصُهُ عَلَى الْمَنْعِ هُنَاكَ وَهُنَا صَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ فَلَا جَرَمَ كَانَ الصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَنْعَ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى إيرَادِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْجَوَازَ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ صَحَّحَ قَوْلَ الْمَنْعِ هُنَاكَ فهو مصحح له ههنا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَذِكْرُ مَنْ جَزَمَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ هَؤُلَاءِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ كَمَا عَلِمْتَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ أَيْضًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ ابن عمر ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا التمرة بالتمرة

(10/447)


وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَضْبُوطٌ هَكَذَا بِالْهَاءِ فِي كُلٍّ منهما والثمرة اسم عام يشمل ماله جفاف ومالا جَفَافَ لَهُ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَبَيْعِ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ (قَوْلُهُ) (إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَيَبْقَى فِيمَا عدا ذلك على مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَأَيْضًا الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً وَهُوَ قَوْلُهُ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَلَا شك أن النقصان موجود فيما
يجئ منه تمر وفيما لا يجئ مِنْهُ وَذَلِكَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَأَمَّا) كَوْنُنَا نتحيذ إلى التعليل بذلك نظرا إلَى أَشْرَفِ حَالَاتِهِ وَأَكْمَلِهَا وَهُوَ حَالَةُ الْجَفَافِ وذلك مفقود فيما لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لكنه لا يقوى عَلَى مُعَارَضَةِ الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعُمُومِ وَمِنْ الوصف الذى جعل علة والله أَعْلَمُ (التَّفْرِيعُ) لَوْ جُفِّفَ هَذَا النَّوْعُ عَلَى نُدُورٍ (إنْ قُلْنَا) بِالْجَوَازِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أَيْضًا فِي حَالِ الْجَفَافِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَجْهُ) الْمَنْعِ أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي هَذَا النَّوْعِ هِيَ الْكَمَالُ وَالْجَفَافُ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَصْلًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَفِي حَالِ الْجَفَافِ أَيْضًا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَنْعُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ وَالْبَيْعُ الَّذِي نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ نَعْتَمِدُ حَالَةَ الكمال فامكان الجفاف وَجَرَيَانِهِ أَخْرَجَ حَالَةَ الرُّطُوبَةِ عَنْ الْكَمَالِ وَعَدَمُ عُمُومِ ذَلِكَ أَخْرَجَ حَالَةَ الْيُبُوسَةِ عَنْ الْكَمَالِ وَكُلٌّ مِنْ الْخِلَافَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ يَعْنِي (الْمَنْعَ) رَطْبًا وَيَابِسًا وَالْجَوَازَ رَطْبًا وَيَابِسًا قَالَ فِي الْغَايَةِ مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ

(10/448)


وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمَنْعُ رَطْبًا فَقَطْ وَعَكْسُهُ لَكِنَّهُ فَرَضَهَا فِي الرَّطْبِ الَّذِي لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ انْتِفَاعٌ يُحْتَفَلُ بِهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ والله أعلم بصورة المسألة أن نقل مَنْفَعَتُهُ وَلِهَذَا قَالَ لَا يُحْتَفَلُ بِهَا (أَمَّا) لَوْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ إلَّا الْقَوْلَانِ الْأَصْلِيَّانِ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْ لَا يُبَاعُ أَصْلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَوَاكِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ إلَى الرَّابِعِ الْمَذْكُورِ ههنا وَالْفَارِقُ مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّ الرُّطَبَ لَمْ يُعْتَدْ فِيهِ الْجَفَافُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَكَتَبَ هُنَاكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالْجَوَازِ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ (وَأَمَّا) هُنَا في الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْفَرْعِ غير الامام وعذرهم بالسكوت عَنْهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي رُطَبٍ لَا يَصِيرُ تَمْرًا فَإِنْ فُرِضَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ الرُّطَبَ يَيْبَسُ وَصَارَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ لِانْتِفَاءِ النُّقْصَانِ الَّذِي
أَشَارَ الْحَدِيثُ إلَى أَنَّهُ عِلَّةُ الْمَنْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/449)


(فرع)
بيع الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بِالرُّطَبِ الَّذِي يَصِيرُ تَمْرًا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرُّمَّانِ الْحُلْوِ بِالْحَامِضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ بِمِثْلِهِ (إنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يجوز فههنا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أن لاحدهما حالة الكمال ههنا وَلَيْسَ لِلْآخَرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَوِيَا فِي أَكْمَلِ حَالَتَيْهِمَا بِخِلَافِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ إذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ بِالرُّطَبِ ثلاثة أوجه (ثلثها) يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا يَتَتَمَّرُ
* وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ رَأْيِ الْمُزَنِيِّ الَّذِي اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الرُّطَبَ بِالرُّطَبِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فرع)
بيع الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بِالتَّمْرِ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ أولا قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْفَوَاكِهِ وَأَنَّ بَيْعَ حَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ غَيْرُ جَائِزٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ الْمَذْكُورِ بِالتَّمْرِ قَوْلًا وَاحِدًا أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَئِمَّتُنَا فِي مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يُجَفَّفُ بِالتَّمْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ كَلَامِهِمْ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ فِيهِ نَصًّا وَرَأْيِي أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَجْوِيزَهُ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ إذَا كَانَ لَا يُجَفَّفُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُنْقَدِحًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّطْبَيْنِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ حَاصِلَةٌ وَلَا كمال له غيرهما فَجَازَ بَيْعُهُ (وَأَمَّا) الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِي الرُّطَبِ مَائِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي التَّمْرِ فَيَحْصُلُ التَّفَاوُتُ قَطْعًا مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ سَمِعْتُ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِالتَّمْرِ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَتَتَمَّرُ وَكَانَ كَمَالُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ صَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْرِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهَا جَازَ بَيْعُ هَذَا الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهَا وَذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمِ يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ (قُلْتُ) أَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْجِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَلَا يَنْهَضُ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَصَّصُ نَهْيُهُ عَنْ
بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ والله أعلم
*

(10/450)


(فَرْعٌ)
جَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْبِطِّيخَ الَّذِي لَا يُفْلَقُ وَالْقِثَّاءَ وَالْقَثَدَ فِي التَّمْثِيلِ مَعَ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ زَبِيبًا وَقَالَ فِي الْكُلِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بعضه ببعض عددا وجزافا وهل يجوز هنا فِيهِ وَجْهَانِ وَعَلَّلَ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مِعْيَارٌ فِي الشَّرْعِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتُونِ جَائِزٌ فَإِنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَالَةٌ وَلَكِنْ يُعْصَرُ الزَّيْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ انْتِظَارِ كَمَالٍ فِي الزَّيْتُونِ فَإِنَّهُ تَفْرِيقُ أَجْزَائِهِ ويعيره كَمَا يُسْتَخْرَجُ السَّمْنُ مِنْ اللَّبَنِ قَالَ الْإِمَامُ والامر على ما ذكره (فائدة) تُعْرَفُ بِهَا مَرَاتِبُ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يُجَفَّفُ وَيُدَّخَرُ عَادَةً كُلُّهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَيَلِيهِ فِي الْمَرْتَبَةِ مَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَيَلِيهِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ اللَّذَانِ لَا يُجَفَّفَانِ لِمَا ذُكِرَ بَيْنَهُمَا من الفرق (وأما) الخراسانيون فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ مَا يُجَفَّفُ وَيُدَّخَرُ عَادَةً غَالِبُهُ قِسْمٌ وَيَلِيهِ مَا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الرُّطَبُ وَيَلِيهِ مَا لَا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ أَصْلًا وَيَضْطَرِبُونَ فِي التَّمْثِيلِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمِشْمِشَ وَالْخَوْخَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَأَدْخَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَعَهُ في التمثيل الكمثرى والبطيخ الحلبي الذى يَنْفَلِقُ وَالرُّمَّانَ الْحَامِضَ وَجَزَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَتَرَدُّدِ حَالَةِ الْجَفَافِ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَقَالَ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْإِجَّاصِ الْقُبْرُصِيِّ وَالْخَوْخِ وَالْقَرَاصْيَا والتين * قال المصنف رحمه الله
* (وفى بيع اللحم الطرى باللحم الطرى ايضا طريقان
(أحدهما)
وهو المنصوص أنه لا يجوز لانه يدخر يابسه فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب
(والثانى)
وهو قول أبى العباس أنه على قولين لان معظم منفعته في حال رطوبته فصار كالفواكه)
* (الشَّرْحُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا إنَّهَا أَجْنَاسٌ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا رَطْبَيْنِ وَيَابِسَيْنِ وَرَطْبًا وَيَابِسًا وَزْنًا وَجُزَافًا لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ
* إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَيْعِ الْآجَالِ وَلَا خَيْرَ فِي اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْمَالِحِ وَالْمَطْبُوخِ وَلَا بِالْيَابِسِ

(10/451)


عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَجُوزُ الطَّرِيُّ بِالطَّرِيِّ وَلَا الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ حَتَّى يَكُونَا يَابِسَيْنِ أَوْ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَجْنَاسُهُمَا وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ فَإِذَا كان منهما شئ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ لَمْ يَجُزْ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَجَازَ إذَا يَبِسَ فَانْتَهَى يُبْسُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ لَحْمُ ضَائِنٍ بِلَحْمِ ضَائِنٍ رَطْلٌ بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلَا كِلَاهُمَا رَطْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ الَّتِي يَغْتَذِي مِنْهَا لَحْمُهُ فَيَكُونُ مِنْهَا الرَّخْصُ الَّذِي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الَّذِي يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَرَخْصُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لحم أبدا الا يابسا قد بلغ اباه بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ قَوْلَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ ذَلِكَ مما ليس بمشهور ليس بِصَحِيحٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ ذَلِكَ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ نَقْلٍ وَلَا تَخْرِيجٍ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْفَوَاكِهِ لِأَنَّهَا إذَا يَبِسَتْ لَا تَكُونُ فِيهَا الْمَنَافِعُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا حَالَ رُطُوبَتِهَا وَاللَّحْمُ كُلُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَهُوَ رَطْبٌ يَكُون مِنْهُ وَهُوَ يَابِسٌ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ فَأَشْبَهَ الرَّطْبَ بِالرَّطْبِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّبَنِ حَالَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي إلَيْهَا وَاللَّحْمُ لَهُ حَالَةُ ادِّخَارٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّ سَائِرَ أَصْحَابِنَا يَعْنِي غَيْرَ ابْنِ سُرَيْجٍ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ رَطْبًا بِحَالٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثِّمَارِ بِمَا تَقَدَّمَ وَنَسَبَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْجَوَازَ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُمَا قَالَا عَنْ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وانا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ وَصَاحِبِ
الْعُدَّةِ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَحَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْجَوَازِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ خَرَّجَهُ وَلَا حَكَاهُ

(10/452)


وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْمَنْعِ وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَسُلَيْمٌ فِي الكفاية والماوردي في فِي الْإِقْنَاعِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَوَازِ بِإِلْحَاقِهِ بِمَا جَفَافُهُ نَادِرٌ وَفِي المجرد قال عن قول الجواز وليس بشئ وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ مُتَمَاثِلَيْنِ جَائِزٌ وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ وَالْجِنْسَيْنِ (فَأَمَّا) فِي الْجِنْسَيْنِ فَصَحِيحٌ (وَأَمَّا) فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَجَوَّزَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ طَرِيًّا عَلَى مَا حكاه الفورانى في العمد وكذلك جوز اللحم النيئ بالمشوى قال صاحب العدة وَالْمَسْأَلَةُ تُبْنَى عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَبَيْعِ الشَّحْمِ بِالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ بِالْأَلْيَةِ كَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْيَابِسِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الطَّرِيِّ بِالطَّرِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ والقاضى أبو الطيب في التعليق والجرجاني وغيرهم والروياني وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ خِلَافَ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَطْبًا وَالْآخَرُ يَابِسًا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمُ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ جَرَيَانُ خِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي نَظِيرِهِ وَمُؤَيِّدٌ إنْ صَحَّ للاحتمال الذى أبداه الامام وينبغى أن يقول عَلَى خِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَالثَّانِي ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الشَّحْمِ بِالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ بِالْأَلْيَةِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ قَالَهُ المتولي والرويانى
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(فان باع منه ما فيه نداوة يسيرة بمثله كالتمر الحديث بعضه ببعض جاز بلا خلاف لان ذلك لا يظهر في الكيل وإن كان مما يوزن كاللحم لم يجز لانه يظهر في الوزن)
*

(10/453)


(الشَّرْحُ) مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ الْكَلَامُ عَلَى مَا يُمْنَعُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرُطَبِهِ أَوْ بِيَابِسِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا وَصَلَ إلَى حَالَةِ الْيُبْسِ هَلْ يُشْتَرَطُ تَنَاهِي الْيُبْسِ أَوْ يُكْتَفَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا الضَّابِطُ فِيهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَلَا خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ يَنْتَهِي يُبْسُهُ وَإِنْ انْتَهَى يُبْسُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ انْتِفَاخًا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَالَ فَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ الْيُبْسِ وَقَالَ في باب ما جاء في الكيل للحم (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ (قِيلَ) التَّمْرُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيُبْسِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنَاهُ يُبْسَهُ فَبِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ لَمْ يَنْقُصْ فِي الْكَيْلِ شَيْئًا وَإِذَا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ فِي الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فِيهِ كَانَ أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حَتَّى يَتَنَاهَى قَالَ وَمَا بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْتُ فِي اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ أَوْ مَجْهُولًا وَإِنْ كَانَ بِبِلَادٍ نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حَتَّى يَثْقُلَ لم يبلع وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا مِنْ نَدًى حَتَّى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ فِي وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ في الابتداء اه وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَفَرْقًا آخَرَ لِلْأَصْحَابِ أَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رُطُوبَةٌ فَهُوَ إذَا تُرِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَادُّخِرَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَاللَّحْمُ إذَا كَانَ فِيهِ نَدَاوَةٌ فَادُّخِرَ عَلَى حَالَتِهِ عَفِنَ وَفَسَدَ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ انْتِهَاءَ جَفَافِ اللَّحْمِ بِأَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جَفَافِهِ وَلَا يَحْصُلُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَمَالُ الْمَقْصُودِ فِي الْبَيَانِ وَاَلَّذِي نَحْكِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَصْرَحُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى

(10/454)


الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ بَاعَ التَّمْرَ الْحَدِيثَ بِالتَّمْرِ الْعَتِيقِ قَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيُعْفَى كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْمَكِيلِ قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ إذَا جَفَّ تَامًّا يَنْقُصُ وَزْنُهُ وَلَا يَتَقَلَّصُ حَبُّهُ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْكَيْلِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَتَقَلَّصُ حَبُّهُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ فَلَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ولذلك شَبَّهُوهُ بِالتُّرَابِ وَالتُّرَابُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْبَيْعِ مُنِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وممن صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا طُرِحَ في الشمس تنقص جثته لا يصح وان كان لا تنقص جثته وَإِنَّمَا يَنْقُصُ وَزْنُهُ فَيَصِحُّ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَنَاهِي جَفَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْقَاضِي فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ صَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ النِّهَايَةَ فِي الضُّمُورَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَتِيقِ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ كُلُّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ فِي بَيْعِهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تناهى جفافها وان التي لم يتم جَفَافِهَا وَإِنْ فُرِكَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنْ السَّنَابِلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْبَلَلِ مَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْكَيْلِ إذَا جُفِّفَتْ أَمَّا إذَا فُرِضَ نَدَاوَةٌ يَسِيرَةٌ لَا يَظْهَرُ بِسَبَبِهَا أَثَرٌ فِي الْكَيْلِ فَيَجُوزُ كَالتَّمْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبِمُقْتَضَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْجَفَافِ إنْ أَثَّرَتْ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي خِفَّةِ الوزن لا في تصغير الجثة فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ نَدَاوَةٌ لَوْ زَالَتْ لَظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ لَمْ يَجُزْ فَلَا يَعْتَقِدُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ بل المفصلون والمطلقون كلامهم منزل على شئ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَدَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَنَّ النَّدَاوَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ جَفَافِهِ أَوْ طَارِئَةً عَلَيْهِ بَعْدَ جَفَافِهِ لِعَارِضٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَابِسًا

(10/455)


فَحُمِلَ إلَى مَكَان نَدِيٍّ فَتَنَدَّى صَارَ كَالطَّعَامِ الْمَبْلُولِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ طَرَأَ الْبَلَلُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ رَطْبَةً مِنْ الْأَصْلِ وَهِيَ الْفَرِيكُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ محمد رحمه الله وقد تقدم تفصيلها عِنْدَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ثُمَّ إذَا جَفَّتْ بعد البلل قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِتَفَاوُتِ قَمْحِهَا حَالَةَ الْجَفَافِ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حَتَّى تَجِفَّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْبَلَلِ الرُّطُوبَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ البيع مغيابا لجفاف وَأَمَّا الْبَلَلُ الطَّارِئُ فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِالْمَنْعِ وَإِنْ جَفَّتْ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ بُلَّتْ الْحِنْطَةُ فَنُحِّيَ مِنْهَا قِشْرُهَا بِالدَّقِّ وَالتَّهْرِيشِ وَهِيَ الْكِشْكُ قَالَ الْأَئِمَّةُ هِيَ الدَّقِيقُ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ عَلَى الْقُرْبِ وَلَوْ بُلَّتْ ثُمَّ جَفَّتْ ولم تهرش فانها تسح فِي جَفَافِهَا عَلَى تَفَاوُتٍ يُفْضِي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ قِيلَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ الْمَنْعُ في الحاورش إذَا نُحِتَتْ مِنْهُ الْقِشْرَةُ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْتَهَى يُبْسُ التَّمْرِ وَكَانَ بَعْضُهُ أَشَدَّ انْتِفَاخًا مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَضُرَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ (فَائِدَةٌ) الْحَدِيثُ هُوَ الْجَدِيدُ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا منع بمجرد البلل بَيْعُ بَعْضِ الْحِنْطَةِ بِبَعْضٍ فَاَلَّتِي نُحِتَتْ قِشْرَتُهَا بعد البلل بِالتَّهْرِيشِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُبَاعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قال الامام وفى الحاورش عِنْدِي احْتِمَالٌ إذَا نُحِتَتْ قِشْرَتُهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى حُكْمِ بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ مَا فِيهِ نَدَاوَةٌ وَأَمَّا إذَا تَنَاهَى جَفَافُهُ فَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ قَبْلَ آخِرِ الْبَابِ بِفَصْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(10/456)