المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

المجموع شرح المهذب

للامام ابي زكريا محي الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
و..

الجزء الحادي عشر

دار الفكر

(11/1)


بسم الله الرحمن الرحيم

(باب بيع العرايا)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(واما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الارض خرصا فانه يجوز للفقراء فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجئ منه من التمر إذا جف ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه قبل التفرق والدليل عليه ما روى محمود بن لبيد قال (قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الانصار شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان الرطب يأتي ولا نقد بايديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يبتاعو العرايا بخرصها من التمر الذي في ايديهم يأكلونها رطبا) .
الوكيل في القبول أو النجاشي وظاهر ما في أبى داود والنسائي أن

(11/2)


* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَرَايَا ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا وَأَلْفَاظٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا فِيمَا ذَكَرَ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ (سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عن عراهم هَذِهِ الَّتِي يُحِلُّونَهَا فَقَالَ فُلَانٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا وَعِنْدَهُمْ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ قِيلَ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَذَكَرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ معلقا لم يَذْكُرْ لَهُ إسْنَادًا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَشَارَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى تَضْعِيفِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه

(11/3)


ولامبدأه وَلَا طَرِيقَهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ يَعْنِي فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَهَذَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ رِوَايَةً قَالَ لَمَّا ذُكِرَ حَدِيثُ الْعَرَايَا فِي جَامِعِهِ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد التوسعة عليهم في هذا لانهم شكو إليه وقالوا لانجد مَا نَشْتَرِي مِنْ التَّمْرِ إلَّا بِالتَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ يَشْتَرُوهَا فَيَأْكُلُوهَا رُطَبًا.
لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ السِّيَرِ وَجَعَلْتُ أَوْلَادَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعْدُودٌ أيضا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ بِسُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهَا لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَلَامًا لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ لَكُنْتُ أَزَلْتُهُ غَيْرَةً قَالَ سَمِعْتُ فَقِيهًا يَقُولُ إنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ سَاعَتَئِذٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُمْحَى هَذَا مِنْ الْكِتَابِ لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ فلا حول ولاقوة إلا بالله نعوذ بالله أن نقول

(11/4)


مالانعلم ولولا خشيت أَنْ يُطَالِعَهُ بَعْضُ الضَّعَفَةِ فَيَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ وَيَنْقُلَهُ مَا تَعَرَّضْتُ لَهُ وَلَا نَقَلْتُهُ لَكِنْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُغْتَرَّ بِهِ فَيُوقَعُ بِسَبَبِهِ فِي نِسْبَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ إلَى مِثْلِ هَذَا فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ الزَّلَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ وَهِيَ تَفَرُّدُ صَاحِبِهَا لِلْأَكْلِ وَوَزْنُ الْعَرِيَّةِ فَعِيلَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ فَارِسٍ وَيَكُونُ مِنْ عَرِيَ يَعْرَى كَأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّخِيلِ فَعَرِيَتْ أَيْ خَلَتْ وَخَرَجَتْ كَمَا يُقَالُ عَرِيَ الرَّجُلُ إذَا تَجَرَّدَ
مِنْ ثِيَابِهِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ لَامُ الْكَلِمَةِ يَاءً كَهَدِيَّةٍ وَجَمْعُهُ فعائل كصحيفة وصحائف كذلك عرية وعراءي - بهمزة بعد المدة مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا يَاءٌ - ثُمَّ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ العارضة في الجمع فصار عرائي تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فصار عراء ثُمَّ إنَّهُمْ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَأَنَّهَا أَلِفٌ فَكَأَنَّهُ اجْتَمَعَ ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الْهَمْزَةِ يَاءً فَقَالُوا عَرَايَا فَلَيْسَ وَزْنُهَا فَعَالَى لِأَنَّ هَذِهِ الْيَاءَ ليست أصلية وانما وزنه فعايل وهذه الْإِبْدَالُ وَالْعَمَلُ وَاجِبٌ وَكُلُّ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مُحْكَمَةٌ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَمِثْلُ هَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ أَيْضًا هَدَاوَا فَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ جَعَلُوا ذَلِكَ شَاذًّا وَالْأَخْفَشُ قَاسَ عَلَيْهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي هَدَاوَا فَلَمْ يَأْتِ مِثْلَ عَدَاوَى وَشِبْهِهِ وَإِنَّمَا كُتِبَ بِالْيَاءِ كَحَنِيَّةٍ وَحَنَايَا وَمَنِيَّةٍ وَمَنَايَا قَالَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْدَلُسِيُّ فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ وَزْنَ هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ فَعَالَى لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا بَعِيدًا مِنْ التَّكَلُّفِ وَإِنَّمَا دَعَا النَّحْوِيِّينَ إلى ذلك التَّقْدِيرَاتِ حَمْلُهُمْ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى صَحِيفَةٍ وَقَدْ تَكُونُ أَحْكَامٌ لِلْمُعْتَلِّ لَا لِلصَّحِيحِ وَأَحْكَامٌ لِلصَّحِيحِ لَا لِلْمُعْتَلِّ وَيُقَالُ هُوَ عِرْوٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ خِلْوٌ مِنْهُ وَيُقَالُ لِسَاحِلِ الْبَحْرِ الْعَرَاءُ لِأَنَّهُ خِلْوٌ من النبات

(11/5)


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) وَقِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولِهِ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها بعروها قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَمَا يُقَالُ طَلَبَ إلَيَّ فَأَطْلَبْتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ وَجَوَّزَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَاعِلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَكُونُ لَامُهَا وَاوًا أَصْلُهَا عَرِيُّوهُ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ثُمَّ فَعَلَ بِجَمْعِهِ كَمَا فَعَلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يكون كمطية لاكهديه وَهَذَا الْوَزْنُ مَتَى كَانَتْ لَامُهُ وَاوًا اعْتَلَتْ في المفرد كان حكمه حكم مَا لَامُهُ يَاءٌ بِخِلَافِ الَّذِي لَامُهُ وَاوٌ صَحَّتْ فِي الْمُفْرَدِ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُرَادُ بِهَا هُنَا فَعِنْدَنَا هُوَ بيع الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعَرَايَا نَوْعٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ رُخِّصَ فِيهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ رَخْصٌ مِنْ جُمْلَةِ
الْمُزَابَنَةِ فِيمَا دون خمسة أوسق وهو أن يجئ الرَّجُلُ إلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْنِي مِنْ حَائِطِكَ ثَلَاثَ نَخْلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَبِيعُهُ إيَّاهَا وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ النَّخَلَاتِ يَأْكُلُهَا وَيُتْمِرُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعَرَايَا بِالتَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ وَالْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ هَذَا الذى وصفنا أحدهما وجماع العرايا كلما أُفْرِدَ لِيَأْكُلَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ الْبَيْعِ مِنْ ثَمَرِ الْحَائِطِ إذَا بِيعَتْ جُمْلَةٌ مِنْ وَاحِدٍ.
وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَنْ يَخُصَّ رَبُّ الْحَائِطِ الْقَوْمَ فَيُعْطِي الرَّجُلَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَثَمَرَ النَّخْلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ هَدِيَّةً يَأْكُلُهَا وَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمِنْحَةِ مِنْ الْغَنَمِ يَمْنَحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الشَّاةَ أَوْ الشَّاتَيْنِ وَأَكْثَرَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا وَيُتْمِرَهُ وَيَصْنَعَ فِيهِ مايصنع فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلِكَهُ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ أَنْ يُعْرِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ حَائِطِهِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَيُهْدِيَهُ وَيُتْمِرَهُ وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا أَحَبَّ وَيَبِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِ حائطه فتكون هذه

(11/6)


مفرد من المبيع مِنْهُ جُمْلَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصَدِّقَ الْحَائِطِ يَأْمُرُ الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ وَلَا يُخْرِجُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَقِيلَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ مَا أَعْرَى الْمَسَاكِينَ مِنْهَا فَلَا يَخْرُصُهُ وَهَذَا بِتَعْبِيرِهِ فِي كِتَابِ الْخَرْصِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ كَوْنِهِ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ نَخْلَةً أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الزكاة قولا وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ هُنَاكَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبُيُوعِ وَالْقَدِيمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامِهَا فَرُخِّصَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ الْمُعْرَى بِتَمْرٍ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ النَّخْلَةُ فِي وَسَطِ نَخْلٍ كَثِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ فَيَدْخُلُ رَبُّ النَّخْلَةِ إلَى نَخْلَتِهِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ صَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَهْلُهُ فِي النَّخْلِ فَيُؤْذِيهِ بِدُخُولِهِ فَرُخِّصَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ صَاحِبِهَا قَبْلَ أن يجذه

(11/7)


بِتَمْرٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ اعراء إنما هي نحلة يَمْلِكُهَا رَبُّهَا فَكَيْفَ تُسَمَّى عَرِيَّةً وَمِمَّا يُعَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ يَصِفُ النَّخْلَ
لَيْسَتْ بسنهاء ولا دجية
* وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَقُولُ إنَّا نعيرها الناس والسنهاء الخفيفة الحمل والدجية الثَّقِيلَةُ الْحَمْلِ الَّتِي قَدْ انْحَنَتْ مِنْ ثِقَلِ حَمْلِهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ خَفِّفُوا الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ (قُلْتُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تَمْرًا لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَخْصِيصٌ أَنَّ الذى يبتاعهما هُوَ الْوَاهِبُ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ فَهَذَا أَوْلَى مَا يُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْعَرَايَا ثَلَاثَةٌ (مُوَاسَاةٌ) وَهِيَ مَا يُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ (وَمُحَابَاةٌ) وَهِيَ مَا يَتْرُكُهَا الْخَارِصُ لِمَنْ يُخْرَصُ نَخْلُهُ

(11/8)


ليأكلها علما أنه سيتصدق منه بِأَكْثَرَ مِنْ عُشْرِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا لَهُمْ الثلث فدعوا الربع) (المراضات) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه بيع الرطب خرصا على النخيل بِمَكِيلِهِ تَمْرًا عَلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ مَعَ تَعْجِيلِ الْقَبْضِ وَذَكَرَ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ انشاء اللَّهُ تَعَالَى.
وَالرُّخْصَةُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي حَدِّهَا عِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةً أَحْسَنُهَا الْإِطْلَاقُ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ لِغَرَضِ التوسيع فقولنا الا طلاق نُرِيدُ بِهِ إبَاحَةَ الْأَقْدَامِ الَّتِي تَشْتَمِلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ وَقَوْلُنَا مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ احتراز من قتل قاطع الطريق وشبه فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ شُرِّعَ مَعَ الْإِسْلَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى رُخْصَةً وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ احْتِرَازٌ من القصاص فانهه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلام وَالْإِجَارَةُ وَمَا أَشْبَهُهُمَا.
ثُمَّ الرُّخْصَةُ قَدْ يَكُونُ سببها الضرورة

(11/9)


كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ الْمَيْتَةَ وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهَا الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا فَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ قَائِمًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَوَرَدَتْ الْعَرَايَا عَلَى خِلَافِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ رُخْصَةً وَالْخِرْصُ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَخْرُوصُ وَأَمَّا الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحذر يُقَالُ خَرَصَ الْعَبْدَ يَخْرِصُهُ وَيَخْرُصُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ
وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ خَرْصًا وَخِرْصًا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ حذره قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْخَرْصُ المصدر والخرص الاسم والخراص الحذار (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشام وأحمد واسحق وأبو عبيد وَدَاوُد وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلُّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجَعَلُوهُ مُسْتَثْنًى من وجهة نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الجزء السادس عشر من الام مخالفونا

(11/10)


معا في العرايا لا نجيز بيعها وقالوا نرد بَيْعِهَا بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُمْ فَإِنْ أَجَازَ إنْسَانٌ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بِالْعَرَايَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا هل الحجة عليه الالهى عَلَيْكُمْ فِي أَنْ يُطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحِلُّ مَا أَحَلَّ وَيُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ وَبَحَثَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ فَكَيْفَ نقول قُلْتُ أُحِلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ بَيْعِ الْعَرَايَا وَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الرطب بالتمر عن العرايا وان علم أَنْ لَمْ يُرِدْ بِمَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ وَلَا بِمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ فَأُطِيعُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَمَا عَلِمْتُك إلَّا عَطَّلْت نَصَّ قَوْلِهِ فِي الْعَرَايَا وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا فَلَمْ يَكُنْ لِلتَّوَهُّمِ ههنا مَوْضِعٌ فَنَقُولُ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا مَوْضِعَ لِلتَّوَهُّمِ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ الْآخَرِ فَيُقَالُ أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ يَعْنِي لِأَنَّ رُوَاةَ أَحَدِهِمَا هُمْ رُوَاةُ الْآخَرِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ

(11/11)


مَا مُلَخَّصُهُ إنَّ الْعَرَايَا دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَخَارِجَةٌ مِنْهُ مُنْفَرِدَةً بِخِلَافِ حُكْمِهِ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ قَصْدَهَا وَإِمَّا بِأَنْ أَرْخَصَ فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَهَى عَنْهُ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي كَلَامِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ هَلْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ
عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْفَرْقُ بينهما أن الذى أريد به الخصوص يكون الْمُرَادُ فِيهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى اللَّفْظِ وَيَكُونُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ مُتَأَخِّرًا وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عن اللفظ أو مقارنا ويكون المراد بالفظ أَكْثَرَ مِمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَطْلَقَ عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ عُمُومُهُ كَانَ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ نَسْخًا لِأَنَّ الْمُرَادَ إرَادَةُ الْعُمُومِ بِاللَّفْظِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً فأن العشرة مراده وليس هو كقوله سبعة على المشهور والله أعلم.
أاشار الجوزي إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُقْصَدْ بِالنَّهْيِ قَصْدُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْمُزَابَنَةِ يَعْنِي ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ماقاله الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا

(11/12)


دَاخِلَةٌ وَقَالَ فِي بَابٍ آخَرَ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا إنَّهَا يَعْنِي الْمُزَابَنَةَ جُمْلَةُ عَامَّةِ الْمَخْرَجِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرَدُّدُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ هَلْ وَرَدَتْ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَوَرَدَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَصْحَابِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ كَلَامُهُ في الرسالة فأنه قال إن أولى الوجيهن عنده أن يكون أراد بها مَا سِوَى الْعَرَايَا وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَخَّصَ فِيمَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ زَيْدٍ الثَّابِتُ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَا نَهَى عَنْهُ جُمْلَةً أَرَادَ بِهِ مَا سِوَى الْعَرَايَا وَحَدِيثُ زَيْدٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى بَلْ الْمُتَعَيِّنَ وَعَلَى مَا حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ لَا يَدْفَعُهُ حَدِيثُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ تَكُونُ الرُّخْصَةُ بَعْدَ ذَلِكَ

(11/13)


مُبَيِّنَةً لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ أَعَادَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ مِنْ الطَّعَامِ بِالْيَابِسِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَرَايَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَهْيهِ يَعْنِي لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ وَجَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّ الزَّائِدَ مَنَعَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَالتَّوْقِيتِ فِيهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ هُوَ دَاخِلٌ في المزابنة لكان مذهبنا يَصِحُّ عِنْدَنَا.
وَاعْتَلَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِأُمُورٍ (مِنْهَا) حَمْلُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا هُوَ التَّفْسِيرُ
الثَّانِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ شِعْرُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ قَالُوا فَكَأَنَّهُ رَخَّصَ لِمَنْ وَهَبَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَلَمْ يَقْبِضْ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضَ ذَلِكَ تَمْرًا وَيَرْجِعُ فِيهَا وَسَمَّاهُ بَيْعًا لِأَنَّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِوَضِ عَمَّا وَهَبَ بِهِ فتحمل

(11/14)


الْعَرِيَّةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْمَجَازِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الرُّخْصَةِ فَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرِي لِأَنَّهُ وَعَدَ فَأَخْلَفَ قَالَ الدَّيْنِينِيُّ (1) الْحَنَفِيُّ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرَى لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ قَالُوا وَأَنْتُمْ تَحْمِلُونَ الْبَيْعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَرِيَّةَ عَلَى الْمَجَازِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعَرِيَّةِ تَفْسِيرَيْنِ فَلَا مَجَازَ وَلَوْ سَلَّمَ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ لِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْبَيْعُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا بَيْعًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الرُّخْصَةَ لا تكون إلا عن خطر والخطر فِي الْبَيْعِ لَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (والثالث) أنه قدر
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/15)


بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا قَالُوهُ لَا يَخْتَصُّ (وَالرَّابِعُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِالْخَرْصِ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ فَعَلَى النَّخْلِ أَوْلَى لانه أقرب إلى الغرور (وأجاب) المصنف في النكت بأنه هنا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَفِي الْأَرْضِ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ الرُّطَبَ مَعَ النَّاسِ.
وَقَدْ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ قلة الغرر لعدم الحاجة كما قالوا فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَلَا يَجُوزُ الْحَالُّ مَعَ قِلَّةِ الْغَرَرِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِأَنَّ فِي الْأَرْضِ لَمْ يُجْعَلْ الْخَرْصُ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ وَفِي الشَّجَرِ جُعِلَ الْخَرْصُ طريقة لمعرفة المقدار ويعرف بها التَّسَاوِي فِي حَالِ الِادِّخَارِ وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ المنصف يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي الْأَرْضِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَيُبْطِلُهُ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الخرص واعتلو أيضا بأمور أخر لامتعلق لَهُمْ بِهَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ وَإِنْ وَافَقَ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ الْعَرَايَا بِتَفْسِيرٍ أَخَصَّ مِمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ

(11/16)


أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ تَمْرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَاتٍ ثُمَّ يَتَضَرَّرُ بِمُدَاخَلَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَشْتَرِيهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذِهِ الصُّورَةُ عِنْدَنَا مِنْ جُمْلَةِ الْعَرَايَا لَكِنَّ الْخِلَافَ مَعَهُ فِي قَصْرِهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ إلَّا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يَجُوزُ وَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ نَسِيئَةً وَزَادَ حَتَّى قَالَ لَا يَجُوزُ نَقْدًا على ما يحكى عَنْهُ وَعَلَى هَذَا لَا تَبْقَى صُورَةٌ فِي الْعَرَايَا يَحْصُلُ فِيهَا اتِّفَاقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لِأَنَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نُجِيزُهُ نَحْنُ نَقْدًا ولا نجيزه نسيئا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَجَوَّزَ شِرَاءَهَا لِمُعْرِيهَا وَلِوَرَثَتِهِ وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نحلة أَصْلُهَا لِغَيْرِهِ فِي حَائِطِهِ قَالَ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّهُ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ جَبْرًا وَيُجْرِيهِ مَجْرَى الشُّفْعَةِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي عِلَّةِ الْجَوَابِ فِي مَنْعِهَا مِنْ الْمُعْرَى فَقِيلَ لِوَجْهَيْنِ أم لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْ لِمِرْفَقٍ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ إذَا أَعْرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ عَرِيَّتِهِ لِأَنَّ الضرر الذى أرخص به قائم قاله قَالَهُ فِي تَهْذِيبِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَوَافَقْنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِنَا في بيع العرايا ثم عاد فقال لاتباع إلَّا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي أَعْرَاهَا إذَا تَأَذَّى بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ إلَى الْجَذَاذِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا عَلَيْهِ أَجَلُهَا فَتَحِلُّ لِكُلِّ مُشْتَرٍ وَلَا أُحَرِّمُهَا فَنَقُولُ قَوْلَ مَنْ حَرَّمَهَا وَزَادَ فَقَالَ تُبَاعُ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ فِي الطَّعَامِ حَرَامٌ وَزَادَ أَنَّ أَجَلَهَا إلَى الْجَذَاذِ فَجَعَلَ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْجَذَاذَ مَجْهُولٌ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْعَرِيَّةِ بِذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(11/17)


تعليقا عن محمد بن اسحق وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ وَبِشِعْرِ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ الْمُتَقَدِّمِ (قُلْتُ) وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ وهو الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعانها بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ أَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَبْتَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ
وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَشْهَدُ لِتَأْوِيلِ مَالِكٍ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ نَقَلَهَا مَالِكٌ هَكَذَا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَهِيَ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ (قُلْتُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ مَالِكٍ وَهُوَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ عَالِمٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ تَمْرَ النَّخَلَاتِ بِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ الْهِبَةَ هِيَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مُخْتَصَّةٌ بِمُشْتَرِي الْعَرِيَّةِ لَا بِبَائِعِهَا فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أن يشتريها والحديث إنما قال أن بيعها وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثابت الذى ذكرته لهم فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَنَا وَنَحْنُ

(11/18)


نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَرِيَّةَ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ حَاصِلٌ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُهَا مُفْرَدَةً وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقَعُ الْإِفْرَادُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ لِأَصْحَابِ الْعَرَايَا عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ مُعْرِيهَا بَلْ أَطْلَقَ فَيَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ وَلِهَذَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا فَقَوْلُهُ أَهْلُ الْبَيْتِ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِبَيْعِهَا مِنْ الْمُعْرِي فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّنَا أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الذين وهبت له النخلات وردت الرُّخْصَةُ لَهُمْ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الرُّخْصَةُ لِلْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي لانقد بِيَدِهِ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرُّطَبَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِالتَّمْرِ (قُلْتُ) الرُّخْصَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَخَّصَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ كَذَلِكَ وَرَخَّصَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَسَبَبُ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
حَاجَةُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لارطب عِنْدَهُ أَعْنِي الَّذِي تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنَّهُ يَطْلُبُ شِرَاءَ الرُّطَبِ وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)
(وَالثَّانِي)
أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ وُهِبَتْ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْحَاجَةُ وَقَدْ لَا تَصْبِرُ النَّفْسُ عَلَى أَكْلِ الرُّطَبِ دَائِمًا وَتَطْلُبُ التَّمْرَ الَّذِي هُوَ الْقُوتُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ وَلَا كَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّخِيلِ الَّذِينَ
لَيْسُوا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ جُمْلَةً وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْغِنَى عَنْ شِرَاءِ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مَعًا فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْعَرَايَا لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْبَيْعِ لَا لِأَنَّ فِيهِمْ

(11/19)


مَعْنًى مُصَحِّحًا لِلْبَيْعِ لَيْسَ فِي غَيْرِهِمْ فَأَصْحَابُ الْعَرَايَا هُمْ الْبَائِعُونَ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَرِدْ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِيهِ تَقْيِيدٌ إلَّا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَاوِيجِ وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِمَقْصُودِينَ بِأَصْحَابِ الْعَرَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَبْعُدُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُدَاخَلَةِ لَمْ تَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا فَوْقَهَا وَقَدْ سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ اخْتِصَاصَهَا بِالْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
واشترط الحرقى مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ كَوْنَ الْعَرِيَّةِ مَوْهُوبَةً مِنْ بَائِعِهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ جَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ مُرَجِّحَاتِ الْمَذْهَبِ فِي خَمْسَةِ أَوْجُهٍ اسْتِثْنَاؤُهَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَإِثْبَاتُهَا بِلَفْظِ الرخصة المشعر بتقدم الخطر وَبِلَفْظِ الْبَيْعِ الْمُقْتَضِي عِوَضَهَا وَاعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ بِالْخَرْصِ وَتَقْدِيرُهَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَبَسْطُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا قِيَاسَ فِيهَا يُتَعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْوِيرِ شُرُوطًا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَحَدُهَا) أَنْ يَخْرُصَ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الرُّطَبِ أَيْ رطبا ويخر ص ما يجئ مِنْهُ إذَا جَفَّ فَيَأْتِي الْمُتَبَايِعَانِ إلَى النَّخْلِ ويحررانها ويقولا فِيهَا الْآنَ وَهِيَ رُطَبُ سِتَّةِ أَوْسُقٍ مَثَلًا وَإِذَا يَبِسَتْ وَجَفَّتْ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ فَتُبَاعُ بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا فَإِنْ زَادَهُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مدا أو نقصه مدالم يَجُزْ لِظُهُورِ التَّفَاضُلِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَمَّا خَرْصُهُ رطبا فلابد منه وان يخرص ما يجئ منه جافا فسيأتي فيه شئ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِمَّا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كيفية الخرص مستوفى في بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الذى يباع به معلوما بالكبل لقوله ثم يبيع ذلك بقدره وهذا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ

(11/20)


بِإِبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَمُسْتَنَدُهُ حَدِيثُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ إدْرِيسَ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لَا يَكُونُ بِالْجُزَافِ وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْأَوْسُقِ الْمُوسَقَةِ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسُقَ لَا تَكُونُ إلَّا كَيْلًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا لِلتَّعَذُّرِ فَيَجِبُ فِي الْآخَرِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ تُرِكَ الْكَيْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَفِي تَرْكِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا تَقْلِيلُ الْغَرَرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ جُزَافًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ إدْرِيسَ الَّذِي نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ وَعَلَى ذِهْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَوْضِعُهُ الْآنَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بقدر ما يجئ مِنْهُ تَمْرًا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ بِخَرْصِهَا رُطَبًا وَيُعْطَى تَمْرًا خِرْصَهُ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْهُمْ وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِتَمْرٍ مِثْلِ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ اُشْتُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ الْبَيْعِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَلِأَنَّ الاصل اعتبار المماثلة في حال وَأَنْ لَا يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ خُولِفَ الْأَصْلُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى قِصَّةِ الدَّلِيلِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَخْفَى وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَكُونُ خَرْصُهَا تَمْرًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الْعَشْرِ وَالصَّحِيحُ ثَمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا (الرَّابِعُ) أَنْ يَتَقَابَضَا فَمَتَى تفرقا قبل

(11/21)


التَّقَابُضِ فَسَدَ الْعَقْدُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ وَالتَّقَابُضُ فِي التَّمْرِ ظَاهِرٌ بِالْكَيْلِ وَالنَّقْلِ (وَأَمَّا) في الرطب الذى على النخيل فَبِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَبَيْنَ النَّخْلَةِ هَكَذَا نَصَّ الشافعي والاصحاب وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلِيُسَلِّمَ إلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ ولايجوز الْبَيْعُ فِيهَا حَتَّى تُقْبَضَ النَّخْلَةُ بِثَمَرِهَا وَيَقْبِضَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ التَّمْرَ بِكَيْلِهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ إلَى الْجَذَاذِ وَبَحْثُهُ فِي ذَلِكَ كَافٍ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أن التمرة تكون من ضمان البائع إلى أن (1) الْقَطْعُ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ التَّمْرِ عِنْدَ تَمْرِ النخيل بل لو تبايعا بعد رؤية
التمرة وَالثَّمَرَةِ ثُمَّ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ ثُمَّ مَشْيًا إلَى التَّمْرِ فَسَلَّمَهُ جَازَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرافعى ويشترط في هذه المدة أن لايفترقا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا افْتَرَقَا لَزِمَتْ الْعَرِيَّةُ وَلَا خِيَارَ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِيَ ثَمَرَةَ النَّخْلَةِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عِنْدَ إدْرَاكِهَا (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الْأَرْضِ بِالتَّمْرِ هل يجرى حكم العرايا فيه فيصبح فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونِهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لا خلاف على المذهب أنه يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَرَايَا لَا يُوجَدُ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَقَدْ حُكِيَ فِي طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا وَقَدْ تقدم التنبيه على ذلك.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/22)


(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا اشْتَرَى الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ يَعْنِي فِي الْعَرَايَا فَإِنْ أَكَلَ الرُّطَبَ وَلَمْ يُجَفِّفْهُ فَالْعَقْدُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ جَفَّفَهُ فَكَانَ بِقَدْرِ التَّمْرِ أَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بقدر مابين الْكَيْلَيْنِ فَالْعَقْدُ نَافِذٌ وَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ظاهر يحكم ببطلان العقد مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمُتَوَلِّي وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَهُ بعد السؤال في الدرس وفيه أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَثِيرِ بِقَدْرِ الْقَلِيلِ وَلِمُشْتَرِي الكثير الخيار حكاه البغوي والرافعي.
(فرع)
يجوزأن يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخْلَةِ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ التَّمْرِ وَيَصِفُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكِيلُ مِنْ التَّمْرِ بِقَدْرِ خَرْصِهَا ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا فَإِنْ بَاعَهُ بِمُعَيَّنٍ فَقَبَضَهُ بِنَقْلِهِ وَإِنْ باعه بموصوف فقبضه باكتياله ولا يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى والحائجة في العرايا والبيع غيرهما سَوَاءٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَا تَجُوزُ العرية الافيما بَدَا صَلَاحُهُ بُسْرًا كَانَ أَوْ رُطَبًا فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ الْبُسْرِ حُكْمُ الرُّطَبِ وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْبُسْرِ كَالرُّطَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ
تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ هناك ومتى جاز فيها بطريق أولى.

(11/23)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وهل يجوز للاغنياء فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز وهو اختيار المزني لان الرخصة وردت في حق الفقراء والا غنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقى في حقهم على الحظر
(والثانى)
أنه يجوز لما روى سهل بن أبى حثمة قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرايا أن تبتاع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولم يفرق ولان كل بيع جاز للفقراء جاز للاغنياء كسائر البيوع) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَرِيبٌ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ زِيَادَةٌ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تمر بخرصه بعد قَوْلِهِ الْعَرَايَا.
وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَفْظُ رواية الشافعي كذلك عَنْهُ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فِي السُّنَنِ الْعَرَايَا وَفِي الْمُسْنَدِ الْعَرِيَّةُ وَفِيهِمَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَالْأَهْلُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا هُمْ الْمُشْتَرُونَ بِلَا شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْأُخْرَى يَبِيعُهَا أَهْلُهَا فَجَعَلَ الْأَهْلَ بَائِعِينَ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ لَكِنَّ قَوْلَهُ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا لَا يصلح أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَهْلِ الْبَائِعِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا بَلْ يَأْخُذُونَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَائِدٌ على معلوم في النفس وان لم يجرى لَهُ ذِكْرٌ أَيْ يَأْكُلُهَا الَّذِينَ يَبْتَاعُونَهَا رُطَبًا وَقَدْ يَتَعَسَّفُ مُتَعَسِّفٌ فَيَجْعَلُ الْأَهْلَ فِي قَوْلِهِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا مَنْصُوبًا وَيَكُونُوا مُشْتَرِينَ لَا بَائِعِينَ أَيْ يَبِيعُهَا مِنْ أَهْلِهَا وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَاعَ لَا يتعدى إلى مفعولين لنفسه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْخِرْصُ بِالْكَسْرِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (وأما) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِعُمُومِ الرُّخْصَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنَسَبَهَا الْمَاوَرْدِيُّ إلى جمهور الاصحاب وهى الظاهرة مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ وَهِيَ التى

(11/24)


أَوْرَدَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نظر إلى حديث محمود قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنِّي وَجَدْتُ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا الدِّمْيَاطِيِّ مِنْ المهذب إشارة بخط غيره تقتضي نسبة ذلك إلى مسند أحمد فعلى هذا لاغنياء لا يُشَارِكُونَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الثَّابِتُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّ الْمُزَنِيَّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ اخْتَلَفَ مَا وَصَفَ الشافعي في العرايا قال لم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أو أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَإِنَّمَا الشَّافِعِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْوَاهِبِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالتَّمْرِ فَقَالَ لَا يُمْكِنُكَ عَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا (لِأَنَّ من يشترى الرطب على هذ الْوَجْهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَإِنَّ جَمِيعَ بُسْتَانِهِ الرُّطَبُ وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمَضَرَّةَ بِدُخُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَقَصَدَ هَذَا دُونَ تَخْصِيصِ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَمَنْعِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَحِيحٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَالْإِمْلَاءِ وَاَلَّذِي فِيهِمَا مَا ذُكِرَ دُونَ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِقَوْلِ الْجَوَازِ وَلَا يُعْزَى لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَيُجْعَلُ قَوْلُ الْمَنْعِ مَذْهَبًا لِلْمُزَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْأَغْنِيَاءُ لَا يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْحَاجَةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ في العلة لا لاجل ذَلِكَ وَارِدًا عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ إذَا حَصَلَ

(11/25)


الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ كَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَقَدْ تَلَقَّنَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ فَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَنَظَرَ فِيهِ لى حدوث محمود ابن لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مَعَ أَصْلٍ سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ وَجَوَابُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ لَهُ أَنْ لَا بَأْسَ
أَنْ يَبْتَاعَ الرُّطَبَ لِلْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً جَزَمُوا بِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَإِنَّهُ لم يفرق بين الفقراء والاغنياء لارحامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الرُّطَبَ شَهْوَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الضَّرُورَةُ لَرَخَّصَ فِي صَاعٍ وَنَحْوِهِ بِمَا يُزِيلُهَا وَقَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ مُطْلَقَةً فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مُقَيَّدَةً فِي بَعْضِهَا فَهَلَّا حَمَلْتُمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ ولفظ مقيد بقيد لفضى فَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ ذِكْرُ قَيْدِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِأَقْوَامٍ وَقَرِينَةُ الْحَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَسُؤَالُهُمْ يَقْتَضِي

(11/26)


أَنَّ عِلَّةَ الرُّخْصَةِ لَهُمْ الْحَاجَةُ فَإِذَا وَرَدَ التَّرْخِيصُ مُطْلَقًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَجِبْ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَنَّاهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ لَيْسَ مُعْتَبَرًا بَلْ كَانَتْ الرُّخْصَةُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْوَاقِعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُمْ اقْتَضَتْ مَشْرُوعِيَّةَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ عَامًّا لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وَالْمُرَادُ إمَّا الصَّحَابَةُ وَالْعَرَبُ وَإِمَّا النُّفُوسُ الْكَرِيمَةُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ فَمَا تَنْفِرُ عَنْهُ طِبَاعُهُمْ فَهُوَ الْخَبَائِثُ وَمَا تَمِيلُ إلَيْهِ فَهُوَ الطَّيِّبَاتُ وَغَيْرُهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ تُوجَدُ فِي الْكَثِيرِ قَطْعًا وَتُعْدَمُ فِي الْقَلِيلِ قَطْعًا كَالْإِسْكَارِ وَقَدْ يَكُونُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ زَالَتْ كَالرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (1) وَبَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ لِسَبَبٍ يَخْلُفُ ذَلِكَ السَّبَبَ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّا نَتَذَكَّرُ فِي زَمَانِنَا سَبَبَ هَذَا الْفِعْلِ لِأَنَّ النَّفْسَ طَالِبَةٌ لِلتَّعْلِيلِ فَنَطَّلِعُ عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ فَنَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَثَّرَنَا بَعْدَ الْقِلَّةِ وَأَعَزَّنَا بَعْدَ الذِّلَّةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَنَتَذَكَّرُ أَحْوَالَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَاءَتْ اسْتِطْرَادًا (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَرِدْ أَيْضًا لَفْظٌ مُطْلَقٌ فِي الرُّخْصَةِ مِنْ الشَّارِعِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا مِنْ الرُّوَاةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ
فِي العرايا وهذه حكاية حال لاعموم فِيهَا وَلَا إطْلَاقَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بتلك الرخصة التى صدرت
__________
(1) بياض بالاصل

(11/27)


منه صلى الله عليه وسلم للمحلويج وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا لِغَيْرِهِمْ (قلت) الجواب من وجهين
(أحدهما)
أن المتعمد فِي الْأُصُولِ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا حَكَى وَاقِعَةً حَكَى وَاقِعَةً بِلَفْظٍ عَامٍّ كَقَوْلِهِ نَهَى عَنْ الْغَرَرِ وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْمَحْكِيِّ وَالْحِكَايَةِ مَعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قِصَّةَ الْمَحَاوِيجِ لَمْ يَجُزْ حِكَايَتُهَا بِلَفْظِ الْعُمُومِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فِي عَرَايَا خَاصَّةٍ لَا فِي كُلِّ الْعَرَايَا فَلَمَّا أَتَى الرَّاوِي بِلَفْظٍ عَامٍّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَجَبَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْمَحْكِيَّ مُطَابِقٌ لَهُ فِي العموم
(والثانى)
أن معنا ههنا قَرِينَةً تُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَنْقُولَةَ غَيْرُ قِصَّةِ الْمَحَاوِيجِ وَهُوَ قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَتِلْكَ الرُّخْصَةُ لَمْ تَكُنْ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ بَلْ لِلْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفَرَائِضِ قَدْ نَزَلَتْ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ فكان لهم وللناس عامة إلا مابين اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أُحِلَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ خَاصَّةٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ ابْتِيَاعُهُ لِلْفَقِيرِ جَازَ لِلْغَنِيِّ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ الْقَوْلَ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الْمِقْدَارِ ولم يعتبر التقييد المذكورة من السبب في الحديث

(11/28)


محمود فلابد من التسوية أو الفرق ويعني ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي دَعْوَى التَّقْيِيدِ بِالْفُقَرَاءِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ التَّقْيِيدُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمَحَاوِيجِ فَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) قد قَرَّرْت أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ رُخِّصَ فِي الْعَرَايَا وَأَمْثَالَهُ عَامٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا (قُلْتُ) هَذَا غَيْرُ سُؤَالِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أحدهما)
أن التخصيص ليس
بذكرا بعض الْأَفْرَادِ بَلْ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوسق أو خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْمَفْهُومُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ (وَالثَّانِي) أَنَّا لو أبحنا العرايا في القليل والكثير لزل تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ وَجَمِيعُ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ تَقْتَضِي وُرُودَهَا في شئ وَلَفْظُ الْعَرِيَّةِ يَنْزِلُ عَلَى انْفِرَادِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْقِلَّةِ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ الرطب بالتمر فلابد مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مِقْدَارٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْمِيمِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ فَلَمْ يَصُدَّنَا عَنْهُ صَادٌّ وَلَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَقُولُ فِي الْأُصُولِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ

(11/29)


لا يحمله ههنا وَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (قلت) يصدعن ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ الْآنَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَنَى الْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ أَوَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَتَّبِعُ مَوْرِدَ النَّصِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ نلحق الاغنياء بهم وعلى الثاني تتردد وَهَذَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِمَامِ فِي إلْحَاقِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ بِالرُّطَبِ وَالْبِنَاءُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَاكَ مُتَّجَهٌ وَأَمَّا هُنَا فَبَعِيدٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَنَاهُ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي سَيَحْكِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعَرَايَا هَلْ أُحِلَّتْ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ أَمْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّحْرِيمِ أَصْلًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَمَا ضَابِطُ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَكْثَرُهُمْ لِذَلِكَ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ يختص ذلك بمن لانقد بِيَدِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ صَاحِبِ

(11/30)


التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْعَرَايَا صَحِيحٌ مِنْ الفقراء الذين لانقد لَهُمْ يَشْتَرُونَ بِهِ الرُّطَبَ فَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَخِلَافٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُعْرَى الْمُضْطَرِّ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَمْنَعُوا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لِإِطْلَاقِ
الرُّخْصَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ مَتَى كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا وَمَعَهُ مِنْ التَّمْرِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْعَرِيَّةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاؤُهَا بِالتَّمْرِ.
(فَرْعٌ)
لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ جَزْمًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَاشْتَرَطَتْ الْحَنَابِلَةُ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ أَنْ يَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَصِيرَ تَمْرًا بَطَلَ الْعَقْدُ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ الْخِرَقِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ كَوْنَهَا موهوبة من بائعها كما تقدم عن المالك وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تمرا لافرق بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا أَوْ تَرْكِهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَخَذُوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا) وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ ذِكْرُ الْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ لَا الِاشْتِرَاطُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَأْكُلْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَقَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ الْأَخْذِ وَلَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الاكل بعد الاخذ فلو أخذها رطبا بتركها عِنْدَهُ أَوْ شَمَّسَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ عِنْدَهُمْ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ مَا اشْتَرَطُوهُ.
(فَرْعٌ)
تَلَخَّصَ مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ جَزْمًا وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ

(11/31)


وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْبَائِعِ وَحْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الشَّرْطُ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَالْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ الْأَرْبَعَةُ كُلٌّ مِنْهَا قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَمَجْمُوعُ الشُّرُوطِ الَّتِي وُجِدَتْ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ القائلين بالعرايا حاجه الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَوْنِهَا مَوْهُوبَةً مِنْ الْبَائِعِ وَكَوْنِهَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنْ يَأْخُذَهَا الْمُشْتَرِي رُطَبًا وان لا يَظْهَرُ نُقْصَانٌ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ السِّتَّةُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالشَّرْطَانِ الْأَخِيرَانِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا فقد ابعد ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
هَلْ يَجُوزُ فِي الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعَ جزءا مشاعا أو مبهما مما النَّخْلَةِ بِالتَّمْرِ بِأَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ أَنَّ كُلَّ وَسْقٍ مِمَّا عَلَيْهَا يَأْتِي إذَا جَفَّ نِصْفَ وَسْقٍ فَيَقُولُ وَسْقًا مِمَّا عَلَى النَّخْلَةِ بِنِصْفِ
وسق تمرا ويخرص جَمِيعَ مَا عَلَيْهَا فَيَقُولُ إنَّهُ يَأْتِي جَافًّا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ فَيَبِيعُ نِصْفَهُ شَائِعًا بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تمرا لم أر في ذلك نقلا.
قال المنصف رحمه الله تعالى (وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب فيه ثلاثه أوجه
(أحدهما)
يجوز وهو قول أبى على بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال رخص رسول صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك
(والثانى)
لا يجوز وهو قول أبى سعيد الاصطخرى لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال

(11/32)


لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل ولان الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين فلو جوزنا في الرطب بالرطب لجوزنا في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثه أيام (والثالث) وهو قول أبى اسحق أنه ان كان نوعا واحدا لم يجز لانه لا حاجه به إليه لان مثل ما يبتاعه عنده وان كان نوعين جاز لانه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذى عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولا رطب عنده) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ فِيهِ بَحْثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا فِيهِ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَلَا يكون للتخيير والرواية هكذا بأوفى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ لَكِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ بالرطب وبالتمر هَكَذَا بِالْوَاوِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُقَيْلٌ أَحْفَظُ مِنْهُ فَرِوَايَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحٍ ثُمَّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ نَافِعٍ مُتَّفِقَةً عَلَى التَّمْرِ كَأَحَدِ رِوَايَتَيْ سَالِمٍ فَرَجَّحْنَا ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ثُمَّ رَأَيْنَا الطَّبَرَانِيَّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ رَوَى رِوَايَةَ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كَمَا رَوَاهَا النَّسَائِيُّ وَزَادَ فَرَوَاهَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِيهِ بالتمر والرطب كما قال المنصف وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتْقِنٍ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَإِتْقَانِ عُقَيْلٍ وَقَدْ تَابَعَ عُقَيْلًا عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ أَيْضًا وهو من جملة أصحاب

(11/33)


الزهري فقال رخص بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ رَوَاهُ الطبري وهذا نص وتابعها مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِيهِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُ سَمِعَهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ قَوِيَّةٌ مُقَاوِمَةٌ لِطَرِيقِ عُقَيْلٍ فَإِنَّ يُونُسَ فِي الزُّهْرِيِّ عَظِيمٌ ثُمَّ أَمْعَنْتُ الطَّلَبَ وَنَظَرْتُ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ ابن وهب الذى هو الاصل فان أباه دَاوُد رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَجَدْتُهُ فِيهِ بِالتَّمْرِ أو الرطب بألف ملحقة يخط كَاتِبِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ ذَكَرُوا رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ مُسْتَدِلِّينَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن خارجة بن زيد وففيه لا أدرى أذكره أَبَاهُ أَمْ لَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي اتِّصَالِهِ لَكِنَّ طَرِيقَهُ لَا تُقَاوِمُ طَرِيقَ أَبِي دَاوُد فَالرَّاجِحُ حِينَئِذٍ عَنْ خَارِجَةَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ خارجة عن زيد كمالايخفى مِنْ صُحْبَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَلَالَتِهِ وَكِبَرِهِ حِينَ سَمَاعِهِ وَخَارِجَةُ كَانَ عُمْرُهُ فِي زَمَنِ أَبِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ خَارِجَةَ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ زَيْدٍ وَيُحْمَلُ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ وَيَكُونُ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ

(11/34)


عَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِأَوْ وَتَارَةً بِالْوَاوِ وَهَذِهِ أولى من أن يحكم على بعض الرواية بِالْوَهْمِ مَعَ ثِقَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ ابْنِ خَيْرَانَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّعَارُضِ لِقُوَّةِ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَالشَّكُّ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ رُخْصَةٍ فَمَتَى شَكَّ فِي شَرْطِهَا بَطَلَتْ وَأَمَّا تَرْجِيحُ رِوَايَةِ خَارِجَةَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْأَقْرَبُ الْحُكْمُ بِالتَّعَارُضِ أو ترجيح رواية ابن عمر من الطريق الْكَثِيرَةِ لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِضَادِهَا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ وَأَمَّا حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَيُبْعِدُهُ رِوَايَةُ
الزُّبَيْدِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ التى فيها تقييد التمر باليابس وذل يَقْتَضِي أَنَّ الرُّطَبَ بِخِلَافِهِ وَسَنَدُهَا فِي الطَّبَرَانِيِّ جيد ومن جملة المرجحات لحيديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَوْنُهُ ثَابِتًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةُ خَارِجَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهَا صَحِيحًا فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فِي التَّرْجِيحِ يَسْلُكُهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ هَذَا مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ لَا تَتَبَايَعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ تَمْرَ النَّخْلِ بتمر النخل واسناده فيه محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ لَمْ أَعْرِفْهُمَا وَقَالَ فِي مَعْرِفَةِ السنن والآثار هكذا روى مقيدا يعنى تمر النخل بتمر اللنخل فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى اللَّفْظِ الْأَخِيرِ وهو البذل وترك المبدل منه وهو قوله التمر بالثمر وَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى.
(وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّوَقُّفِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا فَهُوَ عَلَى الْحَدِيثِ بدون الزيادة التى فيه مبنية بِالنَّخْلِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرطب بالرطب أي سواء كان على رؤوس النَّخْلِ فَبِيعَا خَرْصًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ فَبِيعَ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ خَرْصًا بِاَلَّذِي عَلَى الْأَرْضِ كَيْلًا فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قاله القاضى

(11/35)


أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الرُّطَبُ على رؤوس النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ قَالَ هل يجوز ذلك واشارة إلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَصُورَتُهَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فَرْعَ جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى وَالْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ مَشْهُورَةٌ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وابن الصباغ وآخرون وليس الشافعي نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ سُرَيْجٍ الْآتِي ذِكْرُهُ وَلَكِنَّهَا أَوْجُهُ للاصحاب (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بالرطب خرصا فيهما سواء كانا نَوْعًا وَاحِدًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ بِأَوْ وَكَأَنَّهُ اعْتَقَدَهَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُ جَوَابًا مُتْقَنًا مُحَرَّرًا
(وَالثَّانِي)
وهو الصحيح أنه لا يجوز مطلقا ولايجوز الا بالتمر وعراه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وابن
الصباع والمصنف إلى الاصطخرى وقال المارودى إنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ

(11/36)


إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِالتَّمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الاصل وهو التحريم والحديث الذى ذكرهه المصنف ان ثببت نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالتَّمْثِيلُ بِالْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لم لاسلك هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي سَلَكَهَا شَيْخُهُ وَهِيَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّام فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِإِدْرَاجِهَا تَحْتَ نَصٍّ خَاصٍّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسٍ مُسْتَنَدٍ إلَى نَصٍّ عَامٍّ (قُلْتُ) مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ بِبَيْعِ الرُّطَبِ فِي رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ غَرَرًا وَأَحَقَّ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ يُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْمُزَابَنَةِ نَصًّا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهَا إمَّا بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَيَكُونُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مَنْ يُقَارِنُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَالْقِيَاسِ شَرْطُهُ بَقَاءُ أَصْلِهِ فَمَتَى بَطَلَتْ دَلَالَةُ الاصل بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قد بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قَدْ بَطَلَتْ دَلَالَةُ الْأَصْلِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَيَتْبَعُهَا دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ العقد وان بقى في الزائد أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ

(11/37)


ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُبَرَّزُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ فَعَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَيَجْعَلُ الرُّخْصَةَ الْوَارِدَةَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ وَلَا يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ نَوْعٌ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ النَّوْعِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْجِنْسِ وَالْوَصْفُ المقتضى لا لحاقه بما زاد على الثلاثة مُرَكَّبٌ مِنْ شَيْئَيْنِ الْغَرَرِ وَكَوْنِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ وَأَحَدُهُمَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كَافِيًا فِي التَّعْلِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيمَا حَكَى الشَّاشِيُّ عَنْهُ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
وَيَقْتَضِيه إيرَادُ الجرجاني (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ يَجُوزُ كَالرُّطَبِ الْمَعْقِلِيِّ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالرُّطَبِ الْبَرْنِيِّ بِالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَطْلَقُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ فِيمَا حَكَى عَنْهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ يجوز إذا كان الرطبان على رؤوس النَّخْلِ وَكَانَا نَوْعَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا على الارض لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا حَكَاهَا المحاملى من غير تعيين أبى اسحق قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْخَبَرُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ رُطَبًا عَلَى الشجر يأكله على مر الزمن

(11/38)


والرطب عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ أَنْ يَفْسُدَ وَبَيْنَ أَنْ يَجِفَّ وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْمَحَامِلِيِّ زِيَادَةً سَأَتَعَرَّضُ لَهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا إنْ شَاءَ الله تعالى.
وقد احتج أبو إسحق لِقَوْلِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ طَعْمَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ يُقَارِبُ طَعْمَ الآخر فلا تدعو الحاجة إلى إجازة وَرَوَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ بِالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ نَفْعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا نَوْعًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَيَجُوزُ مَا عَلَى النَّخْلِ بِمَا عَلَى النَّخْلِ إذَا كَانَا من نوعين ولايجوز إذَا كَانَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لِفَقْدِ الْفَائِدَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النخل بالرطب على الارض ولم يذكر إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَجُمْلَةُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهَا كَذَلِكَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَمَا نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ وَلَكِنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ يُنَافِيهِ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ جَمَعْنَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ جَاءَتْ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ

(11/39)


الشخص المنقول عنه واحد وهو أبو إسحق فَكَيْفَ يَحْكِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي
وَقْتَيْنِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِلَّةٍ مِنْ النَّاقِلِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَيَبْقَى تَجْوِيزُ النَّقْلِ أَنْ يَقُولَ قِيلَ كَذَا وَلَا يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ وَقَدْ نُقِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ قِيلَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعِبَارَةٍ لَا تُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْضُوعًا جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَلَا وَهَذَا وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ وَكَأَنَّهُ مَلَّ الْقَلَمَ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا عَلَى الشَّجَرِ جَازَ كَمَا هُوَ في النهاية فانقلب عليه هذا مالا أشك فيه وقال الجوزى إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ نَوْعٌ مِنْ الرُّطَبِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الرُّطَبِ لَيْسَ عِنْدَهُ خَرْصًا كَالْعَرَايَا هَذَا جَوَابُ ابْنِ خَيْرَانَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِهَذَا وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ جَازَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كيسان وهذا من ابن سريج والجوزي موافقة بن خيران أو اسحق.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الخرص

(11/40)


أَوْ الْكَيْلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَيْلُ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالْخَرْصِ بِالرُّطَبِ الموضوع بالارض بالخرص إذا نقص عن خمسة أوسق (فرع)
عَرَفْتَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ شَذَّ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ قول أبى اسحق أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا صَحَّ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ كِلَاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يجز جزم بذلك صاحب الشامل وصاحب البحر وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ أَوْ الْفَسَادُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَكْلُ الرُّطَبِ على الام وحكي القفل في شرح التخليص فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ فِيهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حِكَايَةِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (الثَّالِثُ) الْفَصْلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَيَمْتَنِعَ أَوْ يَكُونَا عَلَى الشَّجَرِ فَيَجُوزَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَ الْأَوْجُهِ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ أَجِدْ فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ مَنْ
نَصَّ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي

(11/41)


طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ صاحب التتمة وإذا جوزنا ذلك يُبَاعُ خَرْصًا أَوْ كَيْلًا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ القفال رضى الله عنه وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا وَهُمَا مَوْضُوعَانِ عَلَى الْأَرْضِ أو بيع الرطب على رؤس الشَّجَرِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِيهِ وَجْهَانِ خَرْصُهُ رُطَبًا ثُمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا جَهَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ خَرْصُهَا تَمْرًا كَذَا وَيُعْلَمُ مِقْدَارُهَا فِي الْحَالِ فَهَذَا بِالْجَوَازِ أَوْلَى هَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أن القفال ذكر في شرح التخليص أنه على الخلاف لانه إذا جاز اللبيع وأحدهما أو كلاهما على رؤس النَّخْلِ خَرْصًا وَاحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ تَحَقُّقِ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ كَانَ أَوْلَى فَأَوْهَمَ هَذَا النَّقْلُ أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْقَفَّالَ جَعَلَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إلَّا ذِكْرُ وَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَكُونُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كَيْلًا وَالْقَفَّالُ إنَّمَا قَالَ خَرْصًا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ نَعَمْ رطبا بل يخرص ما يجئ مِنْهُمَا تَمْرًا فَحَسْبُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ كَيْلَ هَذَا الرُّطَبِ الْآنَ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ وَكَيْلَ الرُّطَبِ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وخر ص ما يجئ منهما تمرا

(11/42)


فَكَانَا سَوَاءً أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ الْآنَ فَحِينَئِذٍ تَحْقِيقُ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا تَخْفِيفُ غَرَرِ خَرْصِهِ تَمْرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَقَلَّ خطأ فننبه لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقَفَّالِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صَاعَ رُطَبٍ بِصَاعِ رُطَبٍ مَقْطُوعَيْنِ صَحَّ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْخَرْصِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَفَّالِ ذلك والله أعلم.
وقد تابع الرفعى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ إنَّ مِعْيَارَهُ الْكَيْلُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالْمُنَاقَشَةُ في هذا الفرع نقرب مِنْ الْمُنَاقَشَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الارض وقال القاضى حسين في تعلقيه لَا خِلَافَ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَآلِ لَا يَجُوزُ وَهِيَ الْمُزَابَنَةُ فَهَذَا نَصُّ الْقَاضِي أَكْبَرِ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ وَأَعْلَمَ بِكَلَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ أَوْ رُخْصَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ بِالرُّطَبِ عَلَى الارض إذا كانا رُطَبَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ.

(11/43)


(فَرْعٌ)
بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي اتفاقهم على منع البيع الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الْمَرَاوِزَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ عَنْهُمْ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَا جَرَمَ ذَكَرُوا أَيْضًا خِلَافًا فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جُوِّزَتْ لَهُ الْعَرِيَّةُ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى مُرُورِ الايام لا يتحقق لانها لاتجف فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَلَى النَّخْلَةِ مَعَ الْخَرْصِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ يُبْسِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِ أَوْلَى وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ بَنَيْنَا الْبَابَ عَلَى الْإِتْبَاعِ امْتَنَعَ وَإِنْ جَعَلْنَا الْخَرْصَ أَصْلًا سَوَّغْنَا وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْإِمَامِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ مَعَ تَلَوُّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ العرايا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(ولايجوز في العرايا فيما زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الارض بالثلث والربع) .

(11/44)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هَكَذَا رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَالتَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّ فِي مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ عَطَاءٌ فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ التَّمْرِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا
وَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ كَيْلًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي مُسْلِمٍ الْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبْعُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا التَّفْسِيرَ جُمْلَةً ثُمَّ قَالَ الرَّاوِي قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نَعَمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ لِأَنَّ الرَّاوِيَ الْأَوَّلَ عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي مَيَّزَ التَّفْسِيرَ مِنْ الْحَدِيثِ أَجَلُّ مِنْ رَاوِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُحْتَمَلَةِ وَقَوْلُهُ بِمِائَةِ فَرَقٍ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ.
وَالْإِمَامُ

(11/45)


الشافعي رضى الله عنه روى الْأُمِّ سُؤَالَ ابْنِ جُرَيْجٍ لِعَطَاءٍ وَأَنَّ جَابِرًا فَسَّرَهَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون عَلَى رِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ سَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا أَتَبَيَّنُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ فَقَالُوا الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ وَهُوَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَقْلِ وَالْحَقْلُ هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَدَّاحَ يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُعَدَّةَ لِلزِّرَاعَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَاطِيشَ وهو في مصل يقال لا تنبت البقلة إلى الْحَقْلَةُ وَالْمُحْقِلُ السُّنْبُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ فِي مَحْقِلِهِ) يَعْنِي فِي سنبله قالوا والمزابنة بيع التمر في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُخَابَرَةِ هِيَ الْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَأَقَلَّ مِنْ ذلك وأكثر وهو الخير أَيْضًا وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بِهَذَا سُمِّيَ الْأَكَّارُ الْخَبِيرُ لِأَنَّهُ يُخَابِرُ الْأَرْضَ وَالْمُخَابَرَةُ الْمُذَاكَرَةُ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَهَا مُشْتَقٌّ من خبير لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَيْهَا لَمَّا فَتَحَهَا عَلَى أَنَّ لَهُمْ النِّصْفَ مِنْ ثِمَارِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْعَمَلُ فَقِيلَ قَدْ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ بِخَيْبَرَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُطَابِقٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

(11/46)


وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مايخرج مِنْهَا وَهُوَ الْمُخَابَرَةُ وَقَدْ يُقَالُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى يَعْنِي بَعْدَ تَعَارُضِ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ
اللُّغَةَ تَشْهَدُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ وَيُقَالُ الْحَقْلُ الْقِدَاحُ الْمَزْرُوعَةُ وَالْحَوَاقِلُ الْمَزَارِعُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ الْحَقْلَ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي مُرْسَلَاتِهِ تَفْسِيرَ الْمُحَاقَلَةِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَثَبَتَ التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَعْنِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مرسلا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلٌ مِنْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الْحَبِّ أُجْرَةً لِمَنَافِعِ الْأَرْضِ مَعْنًى يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْمُرْسَلَ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَنَتَكَلَّمُ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ وَمَحِلُّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُزَابَنَةُ فِي اللُّغَةِ الْمُدَافَعَةُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الزَّبَانِيَةُ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ إلَى النَّارِ وَقَالُوا زبنت الناقلة بِرِجْلِهَا إذَا دَفَعَتْ قَالَ الشَّاعِرُ وَمُسْتَعْجِبٌ مِمَّا يرى من آياتنا
* ولو زبنت الحرب لم يتعجب

(11/47)


يملا فَسُمِّيَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُزَابَنَةً لِأَنَّهُ دَفْعُ التَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ بِالرُّطَبِ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ قال الازهرى وانما خصوا بيع التمر فرؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَخُصُّ الْمَبِيعُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَخَرْصُهُ حَدْسٌ وَظَنٌّ مَعْنَى لَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنْ الرِّبَا المحرم وهذا يقتضى أن المزابنة تختص ببيع التمر على رؤوس النَّخْلِ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الحديث عن جابر كذلك قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا يُسَمَّى مُزَابَنَةً وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي ذَكَرْته الْآنَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بن بكر فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمُزَابَنَةُ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ وَتَبَيَّنَ إنْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْرِ الرُّطَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَتَهُ بِكَيْلٍ إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْسِيرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرْفُوعًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَنُسَلِّمُ لَهُ فَكَيْفَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ
كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُزَافِ بِالْكَيْلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمَطْعُومِ أَوْ الرُّطَبِ الْيَابِسِ مِنْ جِنْسِهِ

(11/48)


وَالْفَرَقُ مِكْيَالٌ مِنْ الْمَكَايِيلِ يَسَعُ سِتَّةَ عَشْرَ رَطْلًا وَالْمَشْهُورُ فِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى بِإِسْكَانِهَا حَكَاهَا ابْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ سِيدَهْ وأنكرها ثعلب فعلى المشهور مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَمْعُ الْفَرَقِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ فُرْقَانٌ كَبَطْنٍ وَبُطْنَانٍ وَحِمْلٍ وَحُمْلَانٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشافعي والوسق - بفتح الواو وكسرها والفتح أفصح - يجمع على أوسق وأوساق ووسوق وقال المروزى قال شمر كل شئ حملته وسقطه وقال غيره الوسق ضمك الشئ إلى الشئ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْوَسْقُ حمل بغير وَقِيلَ هُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ هُوَ الْعِدْلُ وَقِيلَ الْعِدْلَانِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّهُ يَمْضِي إذَا وَقَعَ قَالَ وَلَوْ جُوِّزَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكَانَ أَقْيَسَ يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهَا بِخَرْصِهَا نَقْدًا لِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ الْخَمْسَةُ الْأَوْسُقِ فَمَا دُونَهَا تُبَاعُ بِالسِّتَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي اقْتِضَاءِ جَوَازِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَجَوَابُهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ دَلِيلٌ عليه والمضرفية أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِجِنْسِهِ مَجْهُولِ التَّسَاوِي وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ رُخْصَةٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ

(11/49)


الْمُحَاقَلَةُ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَمَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ وَتِبْنٍ بِطَعَامٍ وَذَلِكَ لَا يجوز وأيضا لان من دونه حائل قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ هَذَا مَحِلَّ الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ (فَائِدَةٌ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحَاقَلَةِ وَالْعَرَايَا حَيْثُ جُوِّزَ فِي الْعَرَايَا فِي الْقَلِيلِ ولم يجوز فِي الْمُحَاقَلَةِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ حَالَ كَوْنِهِ رُطَبًا بِخِلَافِ السُّنْبُلِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أنه إذا زاد على خمسة أوسق عقد واحد لا يصح قال الماوردى (فان قبل) فَهَذَا أَبْطَلْتُمُوهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَجَوَّزْتُمُوهُ فِي الْخَمْسَةِ (قِيلَ) لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي فَإِنَّ الْخَمْسَةَ إذَا كَانَتْ جائزة فضمت
مع غيرها فالقياس تخريجه ععلى تفريق الصَّفْقَةِ وَالْمُزَابَنَةُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا مِقْدَارُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَعَلَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ صَارَ الْعَقْدُ رِبًا وَالرِّبَا حَرَامٌ بِخِلَافِ عَقْدٍ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَرَدَّ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا بِالْحِلِّ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَجُوزُ حَلَالٌ وَإِلَى غَيْرِهِ حَرَامٌ وَأَمَّا عُقُودُ الرِّبَا فَحَرَامٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ إلَى نَفْسِ تِلْكَ المقابلة والله أعلم.
وقد وفى الجوزى بِمُقْتَضَى التَّخْرِيجِ وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا عَقَدَ على

(11/50)


أكثر من خمسة أوسق
(أحدهما)
لاكمن نَكَحَ أُخْتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ وَيَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (1) وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةَ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة ثم ان سائر الثمار فِي شَجَرِهَا بِجِنْسِهَا لَا يَجُوزُ وَسَائِرَ الزَّرْعِ فِي سُنْبُلِهِ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي اسْمِ المزابنة أو قياسا عليها (فأخذ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ لِدُخُولِ سَائِرِ الثِّمَارِ فِي اسْمِ الْمُزَابَنَةِ وَسَائِرِ الزَّرْعِ فِي اسْمِ الْمُحَاقَلَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ نَصًّا لَا قِيَاسًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّصَّ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ يَخْتَصُّ بِالْحِنْطَةِ وَالنَّخْلِ وَسَائِرُ الزُّرُوعِ مَقِيسَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَسَائِرُ الثِّمَارِ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّخْلِ فِي الْمُزَابَنَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ قياسا لانصا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَا يَعْقِدُ الْحَبُّ بِالْحِنْطَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمُنَقَّاةِ بِالْحِنْطَةِ فِي السَّنَابِلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَقْلِ وَذَلِكَ اسْمُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَشْجَارِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَصْلِ قَبْلَ أَنْ يَتَسَنْبَلَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَشْتَدَّ فِيهِ الْحَبَّاتُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحَشِيشِ وَكَذَا لَوْ باع الحنطة على وجه الارض بالشعير ففى سُنْبُلِهِ جَازَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ الشَّعِيرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كما بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ صُورَةُ المحاقلة
__________
(1) بياض بالاصل

(11/51)


وَالْمُزَابَنَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اضْمَنْ لِي صبرتك بعشرين صاعا فما زاد فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ إتْمَامُهَا
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُحَاقَلَةِ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة هكذا أطلقهه جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالطَّعَامِ الْمُصَفَّى وَقَيَّدَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَيَّدَهُ الصَّيْمَرِيُّ في شرح الكفاية فقالل بَيْعُ السُّنْبُلِ مِنْ الْبُرِّ قَائِمًا بِالْحِنْطَةِ فَتَقْيِيدُهُ بالبر لابد مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْعُ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِمِثْلِهِ نَقِيًّا وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّعِيرُ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَوْ بِيعَ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ الْمُحَاقَلَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ قَالَ إذا حذر الزَّرْعَ أَنَّهُ يُحْصَدُ مِنْهُ مِائَةُ فَرَقٍ فَبِيعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه هذه الْخَرْصُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ يجوز أن يبيع الرجل تمر بُسْتَانِهِ كُلَّهُ لِجَمَاعَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَيْضًا لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي عقود كل

(11/52)


عَقْدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةٌ إنْ جوزناها نص عليه الاصحاب القاضى أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَفَى الْخِلَافَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أن يبيع أكثر من عربة وَاحِدَةٍ وَلَا يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَذْهَبُهُ مَعْرُوفٌ فِي سَدِّ بَابِ الْحِيَلِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ سُؤَالًا وَجَوَابَهُ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطيب عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ الْمُزَابَنَةَ وَجَعَلْتُمْ لِلنَّاسِ أَنْ يَبِيعُوا جميع ثمارهم على رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُزَابَنَةَ حُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ إذا قلنا باختصاصها بالفقراء أن لا يصح لانه بالخمسة الاولى غنى شرعى وَاعْتِبَارُهُ هُنَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْغِنَى الْعُرْفِيِّ (قُلْت) وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى قَدْ يكون أكلها أو أزالها عن ملكه أولا تَسُدُّ كِفَايَتَهُ وَاعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مَالِكًا لِنِصَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنْ أن المعتبر أن لانقد بأيدهم وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنْ رجلين صفقة واحدة جاز لاه بِمَنْزِلَةِ الصَّفْقَتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ سِتَّةَ عَشْرَ وَسْقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ جَازَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ حَقَّهُ وَهُوَ

(11/53)


ثَمَانِيَةُ أَوْسُقٍ مِنْ رَجُلَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ وَبِذَلِكَ كُلِّهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ وَفَرَضَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّمْثِيلِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ خِلَافَ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَكْثَرَ مِنْ عَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْجَوَازُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ جَزْمًا وَفِي تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَجْهٌ وَقَدْ جَزَمْنَا بِأَنَّهُ هُنَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَ تَعَدُّد الْمُشْتَرِي وَاتِّحَادِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَاتِّحَادِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى بِالْجَوَازِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ يُخَالِفُ مَقْصُودَ الْخَبَرِ وَفَرَّقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يُلَاحَظُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَالِاتِّحَادُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَفْعَةً فَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَكَانَ خَارِجًا بِعَيْبٍ عَائِدًا بِعَيْبَيْنِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي تمام ملك أحدهما عليه لم يتضمن تنقيصنا

(11/54)


عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ وَالْمَقْصُودُ فِي الْعَرَايَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الرَّجُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْعِمْرَانِيُّ.
(فَرْعٌ)
فَلَوْ بَاعَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إنْ جوزنا العرايا في خمسة صح وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ الْعُقُودُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرَّجُلُ أَلْفَ وَسْقٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِصَفَقَاتٍ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الْحَبِّ فِيهِ بِالْحِنْطَةِ جَازَ فَإِنَّ الزَّرْعَ حَشِيشٌ بَعْدُ غَيْرُ مَعْدُودٍ
مِنْ الْمَطْعُومَاتِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَفَرَضَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَالَ سَوَاءٌ تَسَنْبَلَ أَمْ لَمْ يَتَسَنْبَلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إطْلَاقُ تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ بِالزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَإِلَّا حَرُمَ قَالَ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ إنَّ مَعْنَاهَا الْحَبُّ فِي السُّنْبُلِ بِالْحِنْطَةِ لَكِنْ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَجُوزُ إذَا تَسَنْبَلَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بَيْعُ قَمْحٍ رَطْبٍ مُسْتَتِرٍ مَعَ تِبْنِهِ بِقَمْحٍ وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْفَسَادِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ قَبْلَ ظهور الحب فلا يرد عليه شئ.
(فَرْعٌ)
حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ بِأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ صُبْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ فِي صُبْرَتِك سِتُّونَ وَسْقًا فَيَقُولُ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ لَيْسَ فِيهَا ستون وسقا فيقول له

(11/55)


الجاذر نكليها فَإِنْ نَقَصَتْ تَمَّمْتهَا وَإِنْ زَادَتْ أَخَذْتُ الزِّيَادَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ قِمَارٌ مُخَاطَرَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ عُدَّ قِثَّاءَك أَوْ بِطِّيخَك أَوْ اطْحَنْ حِنْطَتَك فَمَا زاد على كذا فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ وَكَذَلِكَ فِيمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَخَذَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَقَالَ أَنَا أَقْطَعُهُ لَك قَمِيصًا فَإِنْ نَقَصَ غَرِمْته وَإِنْ زَادَ أخذ ت الزِّيَادَةَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُزَابَنَةِ أولا فَإِنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ مَوْضُوعُهُ أَنْ يَدْفَعَ عِنْدَ النقصان مالا يأخذ عوضه ويأخذ عند الزيادة مالا يُعْطِي بَدَلَهُ فَصَارَ بِالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْمُزَابَنَةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ العربي أن المزابنة بيع التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وبينهم قال ابن العرابى ثُمَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ المزابنة كل شئ مِنْ الْجُزَافِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ ولا عدده اتبيع بشئ مِنْ الْمُسَمَّى مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَاخْتِصَارُهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الشافعي فان قَالَ فِي الْمُزَابَنَةِ كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطَّعَامِ عرف كيله اشترى بجنس مثل مَجْهُولِ الْكَيْلِ أَيْ الْمُزَابَنَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَلَيْسَ مَقْصُودٌ تَفْسِيرَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالْخِلَافُ أَنْ يَثْبُتَ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْعُقُودَ الْمَذْكُورَةَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ ذَلِكَ وَشَذَّ الصَّيْمَرِيُّ فَجَعَلَ الْمُزَابَنَةَ شراء الرطب في رؤس النخل بتمر فِي الْأَرْضِ جُزَافًا وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا
وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَهُ وَرَخَّصَ في العرايا.

(11/56)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ الْمُحَاقَلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَتِهِ
(وَالثَّانِي)
بَيْعُ الْحِنْطَةِ مَعَ التِّبْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَاقَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْأَحْكَامِ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَأَمَّا جَزْمُهُ فِي الْأَوَّلِ بِالْبُطْلَانِ وَحِكَايَتُهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إلَى باب الاصول والثمار.
(فرع)
اعتبار الخمسة ههنا هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَمْسَةً إلَّا مُدًّا أَوْ إلَّا رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ إذَا نَقَصَتْ رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ جَزْمًا وَهَذَا يُشْعِرُ بِالتَّحْدِيدِ لِأَنَّ رُبْعَ مُدٍّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ فِي أَلْفٍ وَسِتّمِائَةِ رَطْلٍ قَلِيلٌ جِدًّا وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا الْخَمْسَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَحْدِيدٍ وَلَا تَقْرِيبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَوْسُقَ فِي الزَّكَاةِ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِنُقْصَانِ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ (قُلْت) وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سبيل التحديد في مجموع لطيف اسماه رؤس الْمَسَائِلِ وَتُحْفَةُ طُلَّابِ الْفَضَائِلِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةً فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَذَكَرَ مِمَّا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ عَدَدَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمُدَّةَ مَسْحِ الْخُفِّ وَأَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ وَلَوْ بَاعَ الْكَلْبَ وَنَصِيبَ الزَّكَاةِ وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهَا وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي

(11/57)


الْكَفَّارَاتِ وَتُعْتَبَرُ سِنُّ الْبُلُوغِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ وَتَقْدِيرَ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمِنْهُ الْآجَالُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْعِدَّةِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ وَنَفْيِ الزانى وانتظار العنين والمولى وحول الرضا وَجَلْدِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ وَتَخْصِيصِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ بِثَمَانِينَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ بِرُبْعٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ سِنُّ الرَّقِيقِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُوَكَّلِ فِي شِرَائِهِ وَمِنْ
التَّقْدِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ تَقْدِيرُ الْعِلَّتَيْنِ وَسِنُّ الْحَيْضِ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ وَنِصَابُ الْمُعْشِرَاتِ وَفِي كُلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) التَّقْرِيبُ لِأَنَّهُ يُجْتَهَدُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ وَمَا قَارَبَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْدِيدِهِ وَفِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الَّذِي حَكَيْته تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فَنَقَصَ عَنْهَا نَقْصًا يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِأَنَّا جَعَلْنَا ذَلِكَ تَحْدِيدًا وَقَدْ حَصَلَ النَّقْصُ عَلَيْهَا فَيَمْتَنِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بالشعير على وجه الارض فان فيه القولان فِي بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْحِنْطَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ الرُّطَبَ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا بَأْسَ لَكِنْ يَتَقَاصَّانِ بِالتَّسْلِيمِ فِيمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ قَالَهُ الرافعى.

(11/58)


(فرع)
هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَقْدُ الْعَرِيَّةِ عَلَى جزء مشاع مما على النحلل من الرطب إذا خرص الجميع الذى لاشك فِيهِ الْجَوَازُ وَذَلِكَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذا باع من رجلين سبعة أو سق جَازَ فَاَلَّذِي حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُشَاعٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ التَّسْلِيمُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى قول الاقرار على الاصح (فائدة) الحقل قداح طين يُزْرَعُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْحَقْلَةَ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ لَا ينبت الحقلة اللا البقلة وليست الحقلة بمعروفة واراهم انثوار الْحَقْلَةَ فِي هَذَا الْمَثَلِ انْتَهَى فَالْمُحَاقَلَةُ سُمِّيَتْ بذلك لتعلقها بزرع في حقل المزابنة ماخوذة من الزين وَهُوَ الدَّفْعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْمِينِ وَالْغَبْنِ فِيهَا مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ يَدِ المغبون دفعه والغابن امضاءه فَيَتَدَافَعَانِ وَلَا يُمَكِّنُ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ الْكَيْلُ فِي السَّنَابِلِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ وَالْخَرْصُ فِيهَا لَا يَكْفِي قَالَ الْأَئِمَّةُ وَفِي الْمُحَاقَلَةِ شَيْئَانِ آخَرَانِ.
(فَرْعٌ)
إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ الظَّاهِرَةِ فَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا بِمِثْلِهَا أَوْلَى وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ ولم اجدهم يعنى اهل العلم يخيرون ان يتبايعوا بيع الحنطة بالحنطة فس سُنْبُلِهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا لِاخْتِلَافِ الْأَكْمَامِ وَالْحَبِّ فِيهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ.

(11/59)


(فَرْعٌ)
وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُمْ اجاز وابيع الحنطة في التبن محصودة..

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(ويجوز ذلك فيما دون خمسة اوسق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بيع العرايا فيما دون خمسة اوسق) .
(الشرح) الثابت في الصحيحين في حيدث أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ مِنْ رواية داود كما سيأتي قريبا ان شاة اللَّهُ تَعَالَى وَفِي التِّرْمِذِيِّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ كَذَا وَأَمَّا رِوَايَتُهُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ أَرَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي نُسْخَةٍ مِنْ سَمَاعِنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَرَاجَعْت نُسْخَةً أَصَحَّ مِنْهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى الصَّوَابِ مُكَمِّلًا كَالرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ ومن عادة الشافعي ان روياته فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَوْ رَوَاهَا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ لِشِدَّةِ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ وَتَثَبُّتِهِ فتبين أن رواياته فَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّقُوطَ فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ غَلَطٌ من ناسخ فان كان وقع للمنصف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتجريه أَنَّهُ لَا يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ حُكْمٍ لِأَنَّ مَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقٌ وَمَنْ أَرْخَصَ فِي الْخَمْسَةِ فَقَدْ أَرْخَصَ فِيمَا دُونَهَا فَالرُّخْصَةُ فِيمَا دُونَهَا مُحَقَّقَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ خَلَلًا في اللفظ والمعني اما اللفظ فانه لاتتحق مطابقته للفظ ابى هريره فلائه عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا بالمعني فلانه يصير موها أو مفها

(11/60)


بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ قَادِحٌ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَالشَّيْخُ أَجَلُّ عِنْدَنَا مِنْ أَنْ يُسْتَدْرَكَ عَلَى رِوَايَتِهِ خَلَاهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ وَجَدَهُ هَكَذَا واعتقده حديثا تاما وكلامه بعد هذا بسطر يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ رِوَايَةً فِي ذَلِكَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا دُونِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ الا ذلك مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ مِنْ الْقِصَّةِ الَّتِي نَقَلَهَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَلَا تَعْيِينٍ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ حَدِيثٌ كَامِلٌ فهو تص
فيما ادعاه والا فان الحكم النذكور ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مَا دُونَ الخمسه داخل في الخمسه واباحه الشئ إبَاحَتُهُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ فَالْإِبَاحَةُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقَةٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ كذا قال القاضى أبو الطيب والمحاملى.
(فرع)
لاضابط لِلنَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ بَلْ مَتَى كَانَ أَقَلَّ من الخمسه بشئ مَا كَانَ جَائِزًا كَذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ تَحْدِيدٌ وَسَنُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا أَطْلَقْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إنَّمَا نُرِيدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ أَيْ قَبْلَ مَا يُخْرَصُ فَنَعْرِفُ أَنَّهُ إذَا جَفَّ كَانَ خَمْسَةَ اوسق ولا نريد خمسه اوسق نت الرطب والله اعلم.
وقدم التنبيه على ذلك..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وفى خمسه اوسق قولان (احدهما) لا يجوز وهو قول المزني لان الاصل هو الحظر وقد ثبت جوار ذلك فيما دون خمسه اوسق لحديث ابى هريره رضى الله عنه وفى خمسه اوسق شك لانه روى في

(11/61)


حديث ابى هريره فيما دون خمسه لوسق أو في خمسه اوسق شك فيه داود بن الحصين فبقى على الاصل ولان خمسه اوسق في حكم ما زاد بدليل انه تجب الزكاة في الجميع فإذا لم تجز فيما زاد على خمسه اوسق لم تجز في خمسه اوسق والقول الثاني انه يجوز لعموم حديث سهل بن ابى حثمه) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابى سفيان مولى بن أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا دون خمسه اوسق أو في خمسه فَشَكَّ دَاوُد وَقَالَ خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ والقولان نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَلْزَمَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ قَالَ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق بشئ مَا كَانَ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ اوسق جاز البيع وكذلك قال في محتصر الْبُوَيْطِيِّ أَيْضًا الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ
الرَّجُلُ الرُّطَبَ بِتَمْرٍ نَقْدًا مَا كَانَ خَرْصُهُ أَقَلَّ مِنْ خمسه اوسق ياكله رطبا ولكن أَلْزَمَهُ بِحَسَبِ مَا نَقَلَهُ

(11/62)


عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِيهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق ولا أفسخه في الخمسه اوسق لِأَنَّهَا شَكٌّ وَهَذَا النَّصُّ مَنْقُولٌ مِنْ الْأُمِّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ جَزَمُوا بِهَذَا الْقَوْلِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ طُرُقَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّهَا عَلَى الشَّكِّ فَالْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إنْ كَانَ الثَّابِتُ خَمْسَةً أَوْ دُونَ الْخَمْسَةِ فَدُونَ الْخَمْسَةِ جَائِزٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا ضِمْنًا وَالْخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَعَنْ الْغَرَرِ وَعَنْ الرِّبَا وَوَجْهُ الْقِيَاسِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخَمْسَةَ تَرَدَّدَ إلْحَاقُهَا بَيْنَ النَّاقِصِ عَنْهَا وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَقَدْ عُهِدَ مِنْ الشَّرْعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَهَا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تلحق به ههنا ويكون اولى إلْحَاقِهَا بِالنَّاقِصِ الَّذِي لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَظِيرٌ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطيب عن ابى اسحق وَهُوَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ كَافِيًا فِي التَّحْرِيمِ فَكَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِهَا وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن المحاقله والمزابنه واذن لاصحابه الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا ثُمَّ قَالَ الْوَسْقُ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا صدقه في العريه

(11/63)


والخمسة أوسق ثبت فيها الصدفة وهذا الحديث لاأعرفه وَسَأَذْكُرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مُقَابَلَةِ هذا القول أنشاء اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْبَغَوِيُّ والشاشى وابن عصرون والغزاليفى الْبَسِيطِ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الْمَنْعِ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ المنع والظاهر ان الرافعى نفسه إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُزَنِيِّ فِي مقالة مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أنه مختار الرافعى نفسه وكلامه واستقاء عَادَتِهِ
يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا ما بَعْدُ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ قَالَ إنه الاضهر عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِي الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْضُ تَرْجِيحٍ وَعِنْدَ التحقيق لا ترجيح فيها ايضا والقول جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مالك رحمه الله وروراية عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ كِتَابِ البيوع من الام قال ولايجوز ان يبيع صحاب الْعَرِيَّةِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا وَأُحِبُّ ان يكون دونها لا لَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ أُمْعِنْ الْكَشْفَ وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي القول بالجواز بل كانه متوقفف فِي ذَلِكَ لِلشَّكِّ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ لَا يَقُولُ بِفَسْخِهِ لِأَجْلِ الشَّكِّ

(11/64)


فهذا هو التوفية بمقضتى الشَّكِّ أَنْ لَا يَجْزِمَ فِيهِ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تحريم وتكون اوفى كَلَامِهِ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَالَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ يَعْنِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمُحْتَمَلِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ جَعَلُوا ذَلِكَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا إلَى الْقِيَاسِ أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا قَدْ وقع الشك في مقدارها يكون ذَلِكَ كَتَخْصِيصِ الْعَامِ بِمُجْمَلٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ كَذَلِكَ هُنَا يَمْتَنِعُ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي الْخَمْسَةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَالشَّكُّ الَّذِي فِي مِقْدَارِ الرخصة يقتضى الشك في مقدار المنهى عَنْهُ وَيَعْدِلُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ نَبَّهَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ لما اعتقد أن ذلك مترددين عَوْدِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْكُلِّ أَوْ إلَى الْأَخِيرِ وحكم مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الاولاد لاجل التردد ومثل ذلك بحيث جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ شَيْخِنَا أَيْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ الا شرط أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) وَرَامَ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَكَّ فِي شَرْطٍ وَجَبَ إدْرَاجُهُ فِي الْعُمُومِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ذكرته من المرجح عند الاصولين نعم لو كان النهى عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي مَجْلِسٍ وَالتَّرْخِيصُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يُقْدَحْ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ الرَّاوِي

(11/65)


قَالَ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالرَّاوِي الْآخَرُ شَكَّ فِي مِقْدَارِهَا وَلَعَلَّهُمَا حَكَيَا قِصَّةً وَاحِدَةً فَتَطَرَّقَ الشَّكُّ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ فَيُعْدَلُ عن ذلك إلى عموم حديث شهل إلَّا فِيمَا قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَاقْتَضَاهُ النَّهْيُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الغرر لانه اخص مِنْهُ مَعَ تَفَاقُمِ أَكْثَرِ الْأَغْرَارِ أُبِيحَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ التَّحْرِيمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اخص واما القياس المذكور فليس باقوى وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَهْدُ اعْتِبَارِ الشرع لها محللا لوجوب الزكاة فلنكن مَحِلًّا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَأَمَّا دُونَ الْخَمْسَةِ فَلَمْ يعهد اعتباره والحاق الجواز مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَوَازٌ مُتَأَكَّدٌ بِالطَّلَبِ وَوَجْهُ الْعُمُومِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ قَوْلُهُ رَخَّصَ في بيع العرايا وهو شاملل لِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَكْثَرُ بِدَلِيلٍ يَقِينًا فِيمَا عَدَاه عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ رواية محمد بن اسحق وَفِيهِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَارَنَ ذلك

(11/66)


أن منبه (1) لَيْسَ صَرِيحًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَالْخَصْمُ لَا يَقُولُ بِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَمَحُّلٌ وَالْإِنْصَافُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ فِي كُلِّهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَيَبْقَى الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَرِدَ مُبِيحٌ وكثرتها تقتضي اللجزم فانها احاديث لاحديث وَاحِدٌ وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعَهُ وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي يَأْتِي عَقِيبَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الرُّخْصَةِ عَنْ النَّهْيِ قَالَ فِيهِ رَخَّصَ بَعْدَ لذك في بيع العرية بالرطب أو التر يعنى بعد النهى عن بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْخَمْسَةَ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَصِلَ إلَيْنَا مُثْبَتًا وَحَكَى الْقَفَّالُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ هَهُنَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَدَ أَوَّلًا ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَوْ لَمْ يَرِدْ النَّهْيُ إلَّا وَالرُّخْصَةُ مَعَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ حَكَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قالته مِنْ الْبَحْثِ وَهُوَ أَحْسَنُ فِي الْعِبَارَةِ كَمَا حكاه صاحب العدة عن الشيخ
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/67)


أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ إنَّ الْخَبَرَ يَعْنِي خَبَرَ الْمُزَابَنَةِ هَلْ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْعَرِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الثَّانِي وَمُرَادُهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَسْخًا بَلْ قَدْ تَكُونُ تَخْصِيصًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّ الذى رأيته في شرح التخليص أَنَّ الْقَفَّالَ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عن عَلِيٍّ وَزَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ التَّصْحِيحُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَنَّ تَوْجِيهَهُ عَسِيرٌ جِدًّا وَأَخَذَ يتحيل بِأَنْ يُحِيلَ الْمُزَابَنَةَ عَلَى مُعَامَلَةٍ صَادِرَةٍ عَنْ التحرى من غير تثبت في خرص وَأَنْ يَتَخَيَّلَ الْخَرْصَ مُتَفَاضِلًا فِي دَرْكِ الْمَقَادِيرِ معتبر فِي الزَّكَاةِ سِيَّمَا إذَا جَعَلْنَاهُ تَضْمِينًا وَالْمَاهِرُ يَقِلُّ خَطَؤُهُ وَالْأَخْرَقُ يَتَفَاوَتُ كَيْلُهُ وَالْكَيْلُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ كَالْخَرْصِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكَيْلِ وَفِي كُلِّ حَالَةٍ تَقْدِيرٌ مُعْتَادٌ لَائِقٌ بِهَا فَلْيَقُمْ الْخَرْصُ فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ مَقَامَ الْكَيْلِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ الْكَيْلُ لِيُسْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَلْيُحْتَمَلْ الْخَرْصُ حَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الْكَيْلُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْنَعُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا يَتَخَيَّلُهُ مِنْ التَّفَاوُتِ عِنْدَ الْجَفَافِ متمسكا

(11/68)


بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَآلِ وَمَا وَرَاءَ الْخَمْسَةِ مَرْدُودٌ بِذِكْرِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ نَصٌّ فِي اقْتِضَاءِ الْمَفْهُومِ قَالَ فَهَذَا اقْتَضَى الْإِمْكَانَ فِي تَوْجِيهِ النَّصِّ وَهُوَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ خِلَافُهُ وَعَلَى مَسَاقِ بَحْثِ الْإِمَامِ وَتَخَيُّلِهِ لَهُ يَكُونُ الْأَصْلُ الْجَوَازَ بِالْخَرْصِ وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ مِنْ الْجَوَازِ وَلَيْسَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرِّهَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِهَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي النَّقْصِ قَالَ الْأَصْلُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخَرْصَ لِحَاجَةٍ فِي قَضِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ قَالَ وَلَكِنْ يَنْقَدِحُ فِي هَذَا الْمَجَالِ أَنَّ الْوَزْنَ أَضْبَطُ مِنْ الْكَيْلِ ثُمَّ الْكَيْلُ مُتَعَيَّنٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَالْخَرْصُ فِي مَحِلِّ الْحَاجَةِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ فَلَا يَتَّضِحُ خُرُوجُ الْخَرْصِ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْقَانُون حَسَبَ إيضَاحِ خُرُوجِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ اسمعيل بْنِ حَسَنٍ الصَّنْهَاجِيُّ ثُمَّ الْأَنْبَارِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي

(11/69)


شَرْحِهِ كَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَرْصِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَسْمُوعِ هَلْ هُوَ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ رُخْصَةٍ أَوْ هُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الرُّخَصِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَكِيلٍ وَجُزَافٍ أَوْ يُمْنَعَ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ عَلَى رَأْيِ مَنْ منع ذلك والمشهور عندهم على ماقاله الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى الرُّخْصَةِ فِيمَا تَشُقُّ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ هُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَمَّا مَا لَا تَشُقُّ فَلَا يَجُوزُ الْخَرْصُ فِيهِ كَالْمَعْدُودِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مَثَلًا أَوْ مُتَفَاوِتَ الْأَجْرَامِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الْخَرْصِ إلَّا فِي مَوْضِعِ تَحَقُّقِ الْمَنْعِ أَوْ الْأَصْلَ الْمَنْعُ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِبَاحَةِ قَالَ (وَالْأَوَّلُ) هُوَ الْمَذْهَبُ
(والثانى)
قول لبعهم أَيْ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعْنًى عِنْدَهُمْ (قُلْت) وَإِذَا أَخَذَ الْخَرْصَ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَيَظْهَرُ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ وانه ليس من الغرر المجنب لجواز ايراد العقد على الثمرة على رؤوس النَّخْلِ بِالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(11/70)


(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا يَجِبُ النَّقْصُ عَنْ الْخَمْسَةِ فَهَلْ يَكْفِي أَيُّ قَدْرٍ كَانَ أَمْ لَهُ ضَابِطٌ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أقل من خمسة أوسق بشئ مَا كَانَ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ فِي الْأَرْبَعَةِ ولايجوز في ستة وفى الخمسة قولان وهذا وعلى جِهَةِ ضَرْبِ الْمِثَالِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ المنذر أنه قال وقد رواه جَابِرٌ مَا يَنْتَهِي بِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ فَهُوَ الْمُبَاحُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَحْظُورٌ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْأَشْرَافِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ فِيهِ الْإِبَاحَةَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ وَلَعَلَّهُ فِي الْأَوْسَطِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وما جاز في الرطب بالتمر جاز في العنب بالزبيب لانه يدخر يابسه ويمكن خرصه فاشبه الرطب وفيما سوى ذلك من الثمار قولان
(أحدهما)
يجوز لانه ثمرة فجاز بيع رطبها بيابسها خرصا كالرطب
(والثانى)
لا يجوز لما روى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك ولان سائر الثمار لا يدخر يابسها ولا يمكن خرصها لتفرقها في الاغصان واستتارها في الاوراق فلم يجز بيعها خرصا) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَايَا مِنْ الْعِنَبِ كَهِيَ مِنْ التَّمْرِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ عَلَى أُصُولِهِ

(11/71)


خَرْصًا بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّى بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فِي إيجَابِ الْعُشْرِ وَفِي سَنِّ الْخَرْصِ فِيهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَلْغَيْنَا قَيْدَ ظَاهِرَةٍ بَادِيَةٍ كَالْأَعْذَاقِ فَيُمْكِنُ خَرْصُهَا وَالْإِحَاطَةُ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ادِّخَارَ اليابس منه وامكان الخرص لانهما معنيين مناسبين لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي تَصْوِيرِ المسألة ووفقنا عَلَى إلْحَاقِ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ جَازَتْ فِي الْكَرْمِ نَصًّا وَرَوَيْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا جَازَتْ فِي الْكَرْمِ قِيَاسًا (قُلْتُ) وَالْمَحَامِلِيُّ وبن الصَّبَّاغِ مِمَّنْ جَعَلَا ذَلِكَ نَصًّا وَلَمْ أَقِفْ على النص الذى ذكروه في شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ بَلْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِي النَّخِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَرْمِ بَلْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا الاصحاب الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ

(11/72)


وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِنَبَ لَا يُعْطَى حُكْمَ التَّمْرِ لِأَنَّهُ فَصَلَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وجعله مع بقية التمر فَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ المزابنة تمر النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ خَرْصُهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنْ أُمُورٍ مِنْهَا الْمُزَابَنَةُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ إلَّا الْعَرَايَا وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَاضِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُثْبِتَةٌ لِمَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَامٌّ فِي الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ إلْحَاقُ الْعِنَبِ بالرطب تخصيصا للعموم بالقياس فمن يمنع منه يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِلْحَاقِ هَهُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي تُجَفَّفُ مِثْلَ الْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتِّينِ والجوز واللوز

(11/73)


وَالْمِشْمِشِ فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى شَجَرِهِ بِخَرْصِهِ جَافًّا فيه طريقان (احدهما) أن المسالة على قولين وَهِيَ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباخ وَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّهَا الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ لِشَبَهِ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ تَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وفى غيرها من الثمار حكي قَوْلَيْنِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ تَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَدْعُو إلَى أَكْلِهَا في رُطُوبَتِهَا وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُنَاسَبَةٌ لِشَبَهِ الْحَاجَةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ فَتَعْلِيلٌ لِمُجَرَّدِ الِاسْمِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ فَلَوْ عَلَّلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كَانَ أَوْلَى وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهَا سَأَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ من

(11/74)


الْأُمِّ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّرْفِ قَالَ وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَا يضبط خرص شئ غيره واقتصره فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَلْوِيحًا إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَيَكُونَ قِيَاسُهُ عَلَى الرُّطَبِ حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَتَّفِقْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ ظَهَرَ له بقرينة الحال أن الرخصة مقصودة عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبْنَا الْأَخْذَ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمَّا رَأَوْا إلْحَاقَ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ ظَاهِرًا قَوِيًّا لَمْ يَتْرُكُوهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَلَمَّا كَانَ إلْحَاقُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ لَيْسَ بِجَلِيٍّ

(11/75)


قَدَّمُوا ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ بَنَوْا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْخَرْصَ هَلْ يَجْرِي فِي ثِمَارِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجْرِي امْتَنَعَ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجْرِي فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّا هَلْ نَقْتَصِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِتْبَاعِ أَوْ نَتْبَعُ طَرِيقَ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَمَنْ سَلَكَ الْإِتْبَاعَ مَنَعَ وَمَنْ جَوَّزَ الرَّأْيَ سَوَّغَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْخِلَافَ فِي الْخَرْصِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وكذلك الغزالي رحمه الله قال قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي الزَّكَاةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الزكاة ولا الامام وَلَا رَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ مَا وَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا (قُلْت) وَالْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ مَسْبُوقَانِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَكِنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَابِهِ إنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّيْتُونِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِمَّا سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ

(11/76)


لِأَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ أَنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ فَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَذَلِكَ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَافِّ بِالرُّطَبِ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بالجاف ما هو على هيئة الادخار ولابد مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَايَا بَيْعُ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَالْيَابِسُ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ لَا يُرْغَبُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا إنْ أَرَادَ عَدَمَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْخَرْصُ فَصَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ان شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته يخرص وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ رُطَبًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ كَمَا يُدْرَكُ عِلْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْإِمْكَانِ الْحِسِّيِّ فَقَدْ يمنع (نعم) هو عسر لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعِلَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْخَرْصُ فِيهِ شَرْعًا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الِاسْتِتَارُ فِي الْأَوْرَاقِ وَعَدَمِ الظُّهُورِ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الْعُشْرَ

(11/77)


لَا يَجِبُ فِيهَا وَلَا يُسَنُّ الْخَرْصُ فِيهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إلْحَاقِ الْعِنَبِ وَقَطْعِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ عَنْ الْإِلْحَاقِ إلَى كَوْنِ الْعِنَبِ يُخْرَصُ وَهِيَ لَا تُخْرَصُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ لانه لا يضبط خرص شئ غَيْرُهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَمِنْ الْجَازِمِينَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَفَرَّقَ الْمَحَامِلِيُّ بينه وبين المساقات بأن المعنى الذى لاجله جوزت المساقات فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى ثَمَرَتِهِ وَيَسْقِيهَا ويتعهدها فدعت الحاجة إلى جواز المساقات عَلَيْهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْخَرْصِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الثِّمَارِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالظَّاهِرُ الطريقة

(11/78)


الْأُولَى لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ الْأُمِّ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ مِثْلُ الْفِرْسِكِ وَالْمِشْمِشِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْإِجَّاصِ وغير ذلك مُخَالَفَةٌ لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهَا لَا تُخْرَصُ لِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا وَالْحَائِلِ مِنْ الْوَرِقِ دُونَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَا وُصِفَتْ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كَانَ مَذْهَبًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْهُ تَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلٍ آخَرَ بِالْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ الْمَنْعُ وَمُقْتَضَى تَجْوِيزِ الْعَرَايَا فِيهَا جَوَازُ الْخَرْصِ فِيهَا وَإِلَّا فَكَيْفَ تُبَاعُ الْعَرَايَا وكيف ما قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرَّمَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْ مَا يُبَاعُ بِالتَّحَرِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَنُسْخَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْهَا أَيْضًا وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَخَّصَ مِنْهَا في شئ حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْجَوَازِ وَذَلِكَ مَعْنًى لَا يَنْسَاغُ ولافرق بيها وبين وغيرها فِي أَنَّ بَيْعَهَا بِجِنْسِهَا بِالتَّحَرِّي غَيْرُ جَائِزٍ وَبِغَيْرِ جِنْسِهَا جَائِزٌ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بن

(11/79)


بِشْرِي الْمِصْرِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُخْتَصَرِ الْمُنَبَّهِ مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ نَقَلَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةٍ سَالِمَةٍ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كان مذهبنا فَأَسْقَطَ لَفْظَةً مِنْهَا وَاسْتَقَامَ الْمَعْنَى وَصَارَ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ كَمَا رَخَّصَ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ
يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي جَازَ فِيهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِوَجْهِ الْإِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فيما نقله الماوردى في الحاوى ولو قائل يجوز التحرى فيها كان مذهبنا وهذا لااشكال فِي فَهْمِهِ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ قُلْتَ إنَّهُ يَجِبُ إذَا مَنَعْنَا الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَقَوْلٌ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَاسَ الْعِنَبُ عَلَى الرُّطَبِ وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ فِي مَذْهَبِنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ السُّؤَالَ صَحِيحٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ فِي الْقَدِيمِ وَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَرَى أَنَّ اسْمَ الْعَرِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالرُّطَبِ (قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَتَرْجِيحُ كَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَأَمَّا كَوْنُ الشَّافِعِيِّ له قول

(11/80)


يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ ما لورده فَلَمْ أَعْلَمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا بِذَلِكَ وَلَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ مُعْتَمَدٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَابٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى قِيَاسَ الْعَرَايَا مِنْ قِسْمِ مَا اسْتَثْنَى عَنْ قَاعِدَةٍ سَابِقَةٍ ويتطرق إلى استثنائه معنى فقياس عَلَيْهِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ دَارَتْ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّ وَمُشَارِكِ الْمُسْتَثْنَى فِي عِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَثَّلَ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَاسِخًا لِقَاعِدَةِ الرِّبَا لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ لِلْحَاجَةِ فَنَقِيسُ الْعِنَبَ لِأَنَّا نَرَاهُ فِي مَعْنَاهُ نَعَمْ لَنَا رُخَصٌ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا رُخَصٌ بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شُرُوطُ الْقِيَاسِ كَرُخَصِ السَّفَرِ وَالْمَسْحِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْغُرَّةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقَسَامَةِ وَنَظَائِرِهَا وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْ قِسْمٍ تَرْجَمَ الغزالي عنه بالقواعد المبتدأة العديمة النظر فهذا إنَّمَا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ فِيهَا لِعَدَمِ نَظِيرِهَا وَلَيْسَ كُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقِيسُ فِي الرُّخَصِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى هَذَا النَّقْلِ إلَّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَا تَجُوزُ الْعَرِيَّةُ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ لِأَنَّ أَعْذَاقَهَا وَعَنَاقِيدَهَا مُجْتَمَعَةٌ بَارِزَةٌ.

(11/81)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ وَعَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَرْصٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَتَقَابَضَانِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ بِيعَتْ الْعَرَايَا بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مَوْصُوفٍ مِنْ كُلِّ مَا عَدَا الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَرِيَّةَ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَقُّ الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَغْفُلَ فِي تَفَاصِيلِ الْمَسَائِلِ عَمَّا مَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَفِيهَا حَقُّ الْمَسَاكِينِ أو لاحق فِيهَا وَالتَّنْبِيهُ كَافٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ من في ملكه خمسة أوسق فصاعدا يحيث تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْعِ الْمَالِ وَفِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ مَذْكُورٌ بِأَحْكَامِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَذَلِكَ بعينه جار هنا لانه لافرق في ذلك بين أن يكون المبيع بتمر أو بنقد فيجئ إذَا أَطْلَقْنَا هُنَا الْمُرَادَ مِنْ حَيْثُ مَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ وَأَمَّا تِلْكَ التَّفَاصِيلُ وَالْأَحْكَامُ فَمَعْلُومَةٌ فِي بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إنَّمَا يَجُوزُ

(11/82)


إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَقُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ أو أراد إذا لم يبلغ مافى حائط قدرا تجب فيه الزكاة أو أراد الاقدر الزَّكَاةِ إذَا قُلْنَا الْخَرْصُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَهَذَا يوافق ما أشار إليه الامام واصل هذه التنبيه عن القفل كذلك حَكَاهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَرَأَيْتُهُ في كلام في شرح التخليص وَأَصْلُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّمْرِ من الام ولا حقله هُنَاكَ تَفْرِيقَ الصَّدَقَةِ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَسَكَتَ عَنْ الصَّدَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشافعي وروايته أن مصدق الحائط أمران يأمر الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَخْرُصُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَتَكُونُ تِلْكَ الْعَرِيَّةُ إذَا فُرِضَتْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بها كما ذكر والله أعلم.
لكن قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ أَمَّا إذَا فُرِضَ الْبَيْعُ فِيمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّكَاةِ بِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ مَا نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الفرع الذى نبه على الشافعي

(11/83)


مِنْ أَنَّهُ يَدَعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ مُسْتَفَادٌ غَرِيبٌ ثُمَّ فِيهِ مُبَاحَثَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ قبل الخرص هل تعلق الجميع أولا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَكَيْفَ يَنْقَطِعُ بِأَفْرَادِ الْخَارِصِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِدَ حَقَّهُمْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُثُوقِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِهِ كَمَا
تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَكُونُ حَقُّهُمْ فِي نَخَلَاتٍ مُبْهَمَةٍ وَحِينَئِذٍ فهل ولاية اليقين لِلْمَالِكِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ فإذا باع تكوين كَمَا لَوْ بَاعَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الشِّيَاهِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ وَأَمَّا اقْتِضَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِتَرْجِيحِ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ فَبَعِيدٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ هَلْ يُجْبَرُ بِالْقِسْطِ أَوْ بِالْكُلِّ قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَخْرُجَانِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ إنَّ الزكاة تجب في الذمة لافى الْعَيْنِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إذَا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ صَحِيحًا فِي جَمِيعِ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ ذَلِكَ عيبا.

(11/84)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي الْمَوْضِعِ مَنْ له حائط أي بستان بذلك الموضع لموافقة ثمرتها وفصلها أو قرنها لان الحلال عام لاخاص الا أن يخص بجزء لازم وَإِنْ حَلَّ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ شِرَاؤُهَا حَلَّ لَهُ هِبَتُهَا وَإِطْعَامُهَا وَبَيْعُهَا إذَا حَازَهَا وَمَا يَحِلُّ له من المثال في ماله انتهى وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِمُوَافَقَةِ ثَمَرَتِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْرَاضَ فِي الْبِيَاعَاتِ تَخْتَلِفُ فَلَا يُحْصَرُ الْغَرَضُ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لمالك الثمرة أو مِثْلُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ قَدْ يَكُونُ مِثْلُهَا عِنْدَهُ وَيُرِيدُ ضَمَّهَا إلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْخَارِصَ هُنَا يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى رَأْيٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْكَيْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَيَكْفِي فِي الْكَيْلِ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كَيْفِيَّةِ الْخَرْصِ أن ينظر المتبايعان إلى النخلة ويحذر انها وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِمَا وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمَا لَوْ عَلِمَا الْمُمَاثَلَةَ لَا يشترط اخبار

(11/85)


غَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَهُنَا لَوْ خَرَصَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَخْرُصْ الْآخَرُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احتمال يتخرج على مالو أَذِنَ مَنْ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالْكَيْلِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ فِي كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَالَ وَفِي ظَنِّي أَنَّهُ مَرَّ فِيهِ كَلَامٌ يَلْتَفُّ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقَبْضِ صَارَ بِكَيْلِهِ مُقْبِضًا
وَقَابِضًا وَأَمَّا الْخَرْصُ هَهُنَا فَهُوَ إخْبَارٌ مَحْضٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمُسَاوَاةِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ لِصُبْرَتِهِ أَوْ الدِّينَارِ لِدِينَارِهِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَلَامٌ وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَهَهُنَا لَا يَتَأَتَّى قَبْضُ الرُّطَبِ هُنَا إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَارِصَ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ والله أعلم.

(11/86)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ولا يباع منه ما ينزع نواه بما لم ينزع نواه لان أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة الادخار ويتفاضلان حال الادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر وهل يجوز بيع ما نزع نواه بعضه ببعض فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا التمر بالتمر الاسواء بسواء)
(والثانى)
لا يجوز لانه يتجافى في المكيال فلا يتحقق فيه التساوى ولانه يجهل تساويها في حال الكمال والادخار فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَمَالِهِ قِطْعَةً مِنْهُ بَلْ لَفْظُهُ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) فَاخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَذَلِكَ

(11/87)


جائز عند من يجوز الرواية بالمعنى لاسيما فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِدْلَال دُونَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ.
(أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَوَّى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَبَاعَ مَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى بِمَا لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ أَمْ بِمِثْلِهِ كَذَلِكَ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي المسألة الاولى وسكت عن الثانية ويعلم جريانها فيها بطريق وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْمَنْعِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جَزَمَ بِالْمَنْعِ ثُمَّ حَكَى أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْمَنْزُوعِ بِالْمَنْزُوعِ فَاسْتَبْعَدَهُ جِدًّا قَالَ ثُمَّ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَذَكَرُوا خِلَافًا
فِي بَيْعِ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِتَمْرٍ غَيْرِ مَنْزُوعِ النَّوَى وَهَذَا سَاقِطٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ يَتَفَاضَلَانِ حَالَ الِادِّخَارِ أَنَّهُمَا قَبْلَ نَزْعِ النَّوَى إذَا كُيِّلَا مُتَسَاوِيَيْنِ ثُمَّ نُزِعَ النَّوَى مِنْ أَحَدِهِمَا وَكُيِّلَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّهُ تَنْتَفِشُ أَجْزَاؤُهُ بِالنَّزْعِ وَتَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.

(11/88)


(فرع)
المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كما لها نَزْعُ النَّوَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا نَزْعُ النَّوَى قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ قَرِيبٌ إنْ جَوَّزْنَا فِي التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى فهذا أولى والا فوجهان وكذلك أورده يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِيمَا جَمَعَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلِلْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَهُ الرافعى وفرق في الابانة بأن الثمر

(11/89)


* إذَا نُزِعَ نَوَاهُ تَسَارَعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ شَيْخَهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بَعِيدًا فِي اشْتِرَاطِ نَزْعِ النَّوَى كَمَا يُشْتَرَطُ نَزْعُ الْعَظْمِ عَنْ اللَّحْمِ فِي ظَاهِرِ المذهب وقال إنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْخِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ التَّمْرُ نُزِعَ نَوَاهُ يُمْنَعُ بَيْعُهُ وَاللَّحْمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَتَعَيَّنُ نَزْعُ عَظْمِهِ إذَا حَاوَلْنَا بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وبينهما المشمش وما في معناه فيجوز بيع بعضهه بِبَعْضٍ مَعَ النَّوَى وَفِيهِ مَعَ النَّزْعِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ (قُلْت) فَتَحَصَّلْنَا فِي الْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِ عَلَى ثلاثة أوجه
(أحدهما)
أنه يشترط نزع النوى
(والثانى)
أَنَّهُ يَفْسُدُ بِنَزْعِ النَّوَى (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي الْحَالَتَيْنِ مَعَ النَّوَى وَمَنْ غَيْرِ نَوَى قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الرافعي أنه الاصح.
ويجوز بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ وَفِيهِ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّبِّ بِاللُّبِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَبِهَذَا أجاب في التتمة قاله الرافعي وهو رِبَوِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا قَدِيمًا وَجَدِيدًا لِلتَّقْدِيرِ وَالطَّعْمِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ مَعَ قِشْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ اللوز.
قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيع نيئه بمطبوخه لان النار تعقد أجزاءه وتسخنه فان بيع كيلا لم يجز لانهما لا
يتساويان في الكيل في حال الادخال وان بيع وزنا لم يجز لان أصله الكيل فلا يجوز بيعه وزنا ولايجوز بيع مطبوخه بمطبوخه لان النار قد تعقد من أجزاء أحدهما أكثر من الآخر فيجهل التساوى) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ) (إحْدَاهُمَا) أَنَّ مَا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نيه بمطبوخه

(11/90)


قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ لَا يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَطْبُوخًا بنئ مِنْهُ بِحَالٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْتَ مِنْهُ شيئا بمطبوخ فالنئ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِي النئ وَمَنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ أَوْ الْعَصِيرَ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْقَاضِي حسين واتفق الاصحاب على أن النئ أَوْ الْقَدِيدَ بِالْمَطْبُوخِ أَوْ بِالْمَشْوِيِّ لَا يَجُوزُ ولافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْبُوخُ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ ما لَا يُدَّخَرُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ بَلْ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ قَبْلَ عِبَارَةِ الشافعي ولايجوز من الجنس الواحد مطبوخا منه بنئ بِحَالٍ وَلَا مَطْبُوخٌ طُبِخَ لِيُدَّخَرَ مَطْبُوخًا فَنَقَلَ المزني هذا وقدم بعض كلام وَأَخَّرَ بَعْضَهُ وَعَطَفَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مَعْنَى مَا نَقَلَ الْمُزَنِيّ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دَاوُد وَقَصَدَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ (قُلْت) وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مَوْجُودٌ مِثْلُهُ فِي الْأُمِّ فِي تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ فَالْوَجْهُ تأويل ذلك

(11/91)


وَعَدَمُ حَمْلِهِ عَلَى الْخَطَأِ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَتَأْوِيلُهُ عُسْرٌ بَلْ هُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا يُدَّخَرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نِيئًا وَفِي حال كونه مطبوخا يجوز بيع النئ مِنْهُ بِالْمَطْبُوخِ وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ أقرب ما يتمحل مع تكلف وقال أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَاسَهُ على الحنصة بدقيقها والجامع أنهما على صفة يتفاضلا حَالَةَ الِادِّخَارِ وَمَنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وجه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدِّبْسِ بِالْخَلِّ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالطَّبْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ مُوَافِقٌ
لِلْوَجْهِ الَّذِي سَيَأْتِي عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ وخله جنسان ومال إلَيْهِ الْإِمَامُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ مَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ تِلْوَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مَطْبُوخًا مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ لِأَنَّ النَّارَ تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَالَ مَعْنَى

(11/92)


ذلك في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ التَّمْرِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَتْ الشمس قد أخذت من أحدهما ومنهما فَرُبَّمَا يَكُونُ أَخْذُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَخْذِهَا مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّ لَهُ غَايَةً فِي الْيُبْسِ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَالْمَطْبُوخُ بِخِلَافِهِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ الْعَصِيرِ الْمَطْبُوخِ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا لَا يجوز بيع بعضه ببعض والرب أَوْ الدِّبْسُ مَثَلًا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي كَوْنِهِ عَصِيرًا فَجَرَتْ حَالَةُ الْعَصِيرِ بَعْدَ الطَّبْخِ لِحَالَةِ التَّمْرِ وَهُوَ رُطَبٌ فَلَا يَجُوزُ الدِّبْسُ بِالدِّبْسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَفِي مَعْنَى الدِّبْسِ عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ إذَا عُقِدَ وَصَارَ عَسَلًا وَكَذَلِكَ مَاءُ الرُّطَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَيْعُ الطِّلَى بِالدِّبْسِ لَا يَجُوزُ وَالطِّلَاءُ أَرَقُّ مِنْ الدِّبْسِ وَبَيْعُ الطِّلَى

(11/93)


بِمِثْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَبَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ فِيهِ وجهان وبيع العصير بالخل ولاماء فيهما فيه وجهان قال الماوردى ولايجوز بيع الزيت المطبوخ بالنئ ولا بالمطبوخ ويجوز بيعه بالمشوى والنئ وَالْمَطْبُوخِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَشْوِيِّ بِالْمَشْوِيِّ ولا المطبوخ بِالْمَشْوِيِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (1) والرافعي وجزموا به ولايجوز بَيْعُ النَّاطِفِ بِالنَّاطِفِ وَلَا الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ هَيْئَتِهَا وَاخْتِلَافِ الْحَبَّاتِ فِي الْيَابِسِ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ لَا يجوز الْحِنْطَةِ الْمَطْبُوخَةِ بِالْمَطْبُوخَةِ وَالْمَشْوِيَّةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَالْمَقْلِيَّةِ بِالْمَبْلُولَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمَبْلُولَةِ بِالْمَبْلُولَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ صَرَّحَ بِجَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ لَا خِلَافَ فِيهَا عَلَى
مَا يقتضيه اطلاق أكثر الاصحاب الا الدبس فيه ثلاثة أوجه (أحدها) هو الْمَشْهُورُ الَّذِي ادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ طُبِخَا فِي قَدْرٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ إنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ جَازَ وَأَبْطَلَهُ الْقَاضِي بان مافى أَسْفَلِ الْقِدْرِ أَسْخَنُ مِمَّا فِي أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ
__________
(1) بيياض بالاصل

(11/94)


مُمَاسَّةِ النَّارِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ الْجَوَازُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا أَنَّ الْعَصِيرَ كَامِلٌ وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدِّبْسِ مُقَابَلَةَ مِثْلِهِ فَلَا يُدْرَى كَمْ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْعَصِيرِ وَكَمْ فِي الدِّبْسِ مِنْهُ فَكَانَ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ نَظَرًا إلَى تَوَقُّعِ تفاوت في كمال سبق للحب قَالَ وَلَوْ قِيلَ قَدْ يُخَالِفُ مِكْيَالٌ مِنْ الدِّبْسِ مَكِيلًا فِي الْوَزْنِ لِتَفَاوُتٍ فِي التَّعْقِيدِ لَكَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَقَّدَ يُبَاعُ وَزْنًا بِالتَّعْوِيلِ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ من ملاحظة كما الْعَصِيرِ لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَلِتَأْثِيرِ مَأْخَذِ بَعْضِ الْعَصِيرِ لِيَصِيرَ دِبْسًا وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ يَخْتَلِفُ وَمَنْ فُرُوعِ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ الْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ بِمِثْلِهَا وَبِالنِّيئَةِ والزيت المغلى بمثله وبالنى كل ذلك لَا يَجُوزُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(واختلف أصحابنا في بيع العسل الصفى بالنار بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار تعقد أجزاءه فلا يعلم تساويهما ومنهم من قال يجوز وهو المذهب لان نار التصفية نار لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ

(11/95)


وانما تميزه من الشمع فصار كالعسل المصفى بالشمس) .
(الشَّرْحُ) الْعَسَلُ إذَا أَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ لَا غَيْرُ فَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ حَبٍّ جِنْسٌ آخَرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْعَسَلُ لُعَابُ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ الْوَاحِدَةُ عَسَلَةٌ وَجَمْعُهُ أَعْسَالٌ وَعَسَلٌ وَعُسُولٌ وَعُسْلَانٌ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ تِلْوَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَلَا يُبَاعُ عسل نحل بعسل نحل الا مصفين مِنْ الشَّمْعِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ بِالْعَسَلِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا وَكَذَلِكَ
ذَكَرَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدُ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ وَقَالَ فَلَا بأس بالعسل بعصير السكر لانه لا يسمى عسلا الاعلى ما وصفت يعنى من جهة حُلْوًا كَالْعَسَلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في عسل الطبر زد وقال وهو ما يبقى من السكر ثخيبا كَالْعَكِرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أبو الطيب

(11/96)


عَسَلُ الطبرزد أَنْ يُطْبَخَ السُّكَّرُ ثُمَّ يُطْرَحَ فِي إجَّانَةٍ فَإِذَا جَمَدَ أُمِيلَتْ الْإِجَّانَةُ عَلَى جَانِبِهَا فَخَرَجَ مِنْهَا الْعَسَلُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النحل متفاضلا ولايجوز بَيْعُ عَسَلِ الطَّبَرْزَدِ بِعَسَلِ الْقَصَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهَلْ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَجْلِ الطَّبْخِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ ناره خفيفة وحمل القول في بيع العسل النَّحْلِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بشمعه أولا فَإِنْ بِيعَ بِشَمْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالصافي وقد تقدم ذلك في قاعدة مدعجوة وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ وَفِيهِ الْعَظْمُ وَبَيْنَ التَّمْرِ وَفِيهِ النَّوَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ بقاء ذلك من مصلحته بخلاف الشمع
(والثانى)
أَنَّ الشَّمْعَ لَهُ قِيمَةٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِمِثْلِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّصْفِيَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ فَإِنْ صُفِّيَ بِالشَّمْسِ فَإِنْ تُرِكَ فِيهَا حَتَّى ذَابَ وَتَمَيَّزَ الشَّمْعُ مِنْ الْعَسَلِ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ النَّارُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ تَأْخُذُ مِنْهُ وَيَنْعَقِدُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً بِحَيْثُ يَحْمِيهِ بِهَا وَيُصَفِّيهِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ تُرِكَ حَتَّى انْعَقَدَتْ

(11/97)


أَجْزَاؤُهُ وَثَخُنَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّبْسِ وَالزَّيْتِ وَشِبْهِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِحَيْثُ أُذِيبَ وَأُخِذَ أَوَّلَ مَا ذَابَ قَبْلَ أَنْ تَنْعَقِدَ أَجْزَاؤُهُ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالْجَوَازِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَرَدَّ الْقَاضِي ذَلِكَ بِأَنَّ السَّلَمَ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ وَالسَّلَمُ فِي الْمَعِيبِ لَا يَجُوزُ
وَكَذَلِكَ الْفُورَانِيُّ رَدَّ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَظْهَرُ) الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْجَوَازُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَصْرِهِ تَمَيُّزُ الشَّمْعِ عَنْهُ وَنَارُ التَّمْيِيزِ لَيِّنَةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْقِيدِ فَأَشْبَهَ الْمُصَفَّى بالشمس وممن صحح الجواز ابن عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ ثُمَّ ذَكَرَ

(11/98)


عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمُصَفَّى بالشمس والمصفى بالنار ومنع في المصفى بالنار قال وهذا ليس بشئ كما رجحه الفورانى وما حكاهما الوجهان اللذان في الكتاب ويشبه أن يكونا هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنَزَّلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ التَّفْصِيلِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَحْقِيقُ مناط هل حصل نقص أولا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَ الْعَسَلِ وَالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِأَنَّ النَّارَ دَخَلَتْ فِي الْعَسَلِ بِالصَّلَاحِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ شَمْعِهِ فَلَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَسَلِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَإِنَّمَا تَأْخُذُ النَّارُ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الِانْعِقَادُ وَاجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ قَالَ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ النار اذن لم تميزه من غيره (اعلم) أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النار عرض عقد واطبخ كَاللَّحْمِ وَالدِّبْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النَّارِ لِلتَّمْيِيزِ وَالتَّصْفِيَةِ وَذَكَرَ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا هو مختلف فيه وهو العسل الذى عتاب سرحه والسكر وَسَيَأْتِي وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لَهُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُعْرَضَانِ عَلَى النَّارِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا دَخَلَا النَّارَ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ في جرمهما نَعَمْ لَوْ خَالَطَهُمَا غِشٌّ فَأُدْخِلَا النَّارَ لِتُخَلِّصَهُ فَقَدْ يُقَالُ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَثِّرُ فِي إخْرَاجِهِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِمَّا تُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يجوز

(11/99)


لِأَنَّ لِأَهْلِ الصِّنَاعَةِ فِي ذَلِكَ خِبْرَةً لَا تُحْرِقُهُ وَلَا تَغْلِبُهُمْ النَّارُ عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا فِي السُّكَّرِ وَنَحْوِهِ (قُلْت) وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بَلْ فِي تصريحهم بالعرض لتمييز الْغِشِّ مَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ مِنْ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ إذَا صُفِّيَ الْعَسَلُ بِشَمْسِ الْحِجَازِ فَقَدْ يَكُونُ أَثَرُ الشَّمْسِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَالِغًا مَبْلَغَ النَّارِ فَإِنَّا نَرَى شَرَائِحَ اللَّحْمِ تُعْرَضُ عَلَى رَمْضَاءِ الْحِجَارَةِ فَتَنِشُّ نَشِيشًا عَلَى الْجَمْرِ قُلْنَا هَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ (وَالْأَظْهَرُ) جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ أَثَرَ الشَّمْسِ فِيمَا أَظُنُّ لَا يَتَفَاوَتُ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ أَثَرُ النَّارِ لِاضْطِرَامِهَا وَقُوَّتِهَا وَبُعْدِهَا مِنْ الْمِرْجَلِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَثَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَى مَا عَلَى النَّارِ أَوْ خَلَّ ثَقِيفٍ لَمْ يَمْتَنِعَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِتَعْقِيدٍ حَتَّى يَعْرِضَ فِيهَا التَّفَاوُتُ فَيُزِيلَ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى اسْتِوَاءٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفالة ذهب بعض أصحابنا إلى أنه ان صففى بِهَا يَعْنِي الشَّمْسَ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الْحَرِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا صُفِّيَ بِهَا فِي البلاد الشديدة الحر قال محكى وليس بشئ.
(فَرْعٌ)
إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَسَلِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ النَّارَ إذَا عَقَدَتْ أَجْزَاءَ أَحَدِهِمَا أَدَّى إلَى التَّفَاضُلِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ

(11/100)


بَيْعِ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ يَتَقَارَبُ تَفَاوُتُهَا وَيَتَبَاعَدُ في الشمس تباعد مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ (قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ لِأَنَّا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّارَ لَطِيفَةٌ تُمَيِّزُ وَلَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّمَاثُلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ.
(التَّفْرِيعُ) حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُصَفًّى بِالشَّمْسِ وَإِمَّا بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْعَسَلُ بِالْعَسَلِ كَيْلًا بِكَيْلٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالسُّكَّرُ الْوَزْنُ فِيهِمَا أَحْوَطُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَعَدَّهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالسُّكَّرِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا إلَى آخره وقال أبو إسحق لَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التعرض لشئ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ كَالسَّمْنِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَهُمَا جَمِيعًا مَوْزُونَانِ خِلَافًا لِأَبِي اسحق كَمَا
تَقَدَّمَ وَقَدْ حَمَلَ الرُّويَانِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ فِي الصَّرْفِ عَلَى التَّوَقُّفِ فِيهِ قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ أَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وزنا إذا انعقدا بِبَرْدِ الْهَوَاءِ وَغَلُظَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ وَزْنًا فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ

(11/101)


فَلَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا قَالَ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبى اسحق (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ مَا تَقَدَّمَ وَاعْتَرَضَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْمُزَنِيِّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ تَارَةً غَيْرَ مَعْلُومٍ قَالُوا لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَعْلُومُ الْمُفَاضَلَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ لِأَنَّهُمَا بِمَا فِيهِمَا مِنْ الشَّمْعِ غَيْرُ مَعْلُومَيْ الْمُمَاثَلَةِ قَالُوا وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ هُنَاكَ فَاشْتَبَهَتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ أَحَدِ الْوُجُوهِ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ يَعْنِي الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالتَّخَيُّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا تَارَةً وَوَزْنًا أخرى قال وهذا غريب قل ما يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ (قُلْت) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ بَلْ الْمُرَادُ التَّوَقُّفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَسَلُ الرُّطَبِ وَهُوَ رُبٌّ يَسِيلُ مِنْهُ يَجُوزُ بيع بعضه ببعض متساوين فِي الْكَيْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يجوز بيع العسل بالدبس.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(واختلفوا في بيع السكر بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار قد عقدت أجزاءه ومنهم من قال يجوز لان ناره لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ) .

(11/102)


* (الشَّرْحُ) الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ كَالدِّبْسِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ الْمَنْعُ فِي السُّكَّرِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابن الرفعة عن الارغانى أَنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوَى النِّهَايَةِ بِالْبُطْلَانِ فِي السكر والفانيد وَالْعَسَلِ الْمُمَيَّزِ بِالنَّارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ قِيَاسُ جَزْمِ الْعِرَاقِيِّينَ بِمَنْعِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَ الرِّبَا أَحْوَطُ مِنْ بَابِ السَّلَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَجْلِ طَلَبِ الْمُمَاثَلَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ فِي السُّكَّرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الصَّحِيحُ
وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الْجُرْجَانِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَنْ سُلَيْمٍ أَنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ فِي التَّعْلِيقِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْمَنْعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ لِلتَّصْفِيَةِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِعَقْدِ الْأَجْزَاءِ لَمْ يَجُزْ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ إنَّ نَارَ السُّكَّرِ لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ وَالسُّكَّرُ إنَّمَا يَتَمَيَّزُ مِنْ الْقَصَبِ بِالْعُودِ الَّذِي يُعْصَرُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ أَحَدُ الْعُودَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَانْعَصَرَ الْقَصَبُ تَمَيَّزَ وَفِي بَعْضِ ما تكلم به على المذهب تأويل ذلك بانه لابد أن يبقى في السكر شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى اسْتِخْرَاجِهِ فَإِذَا أُغْلِيَ بِالنَّارِ سَهُلَ إخْرَاجُهُ فَإِنَّ مَا يَبْقَى مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ يَعْلُو عَلَى السُّكَّرِ عِنْدَ الْغَلَيَانِ وَيَسْهُلُ اسْتِخْرَاجُهُ فَهَذَا معنى التمييز الذى

(11/103)


قصده وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْجَوَازَ بِأَنَّ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ حَدًّا وَنِهَايَةً وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ مِنْ طِبَاعِ السُّكَّرِ كَمَا حَكَيْنَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فقال في السكر والفانيدان أُلْقِيَ فِيهِمَا مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِلَّا فَيُنْظَرُ فَإِنْ دَخَلَتْ النَّارُ فِيهِمَا لِتَصْفِيَتِهِمَا وَتَمْيِيزِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ وَانْعِقَادِهَا فَلَا (قُلْت) أَمَّا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ مُنَزَّلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بيع السكر وغيره بملثه قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لان السكر لامن إذَابَةِ أَصْلِهِ بِالْمَاءِ لِيَحِلَّ ثُمَّ يُطْبَخَ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ بَعْدَ غَلَيَانِهِ اللَّبَنَ لِيُبَيِّضَهُ وَيُزِيلَ وَسَخَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى طَرِيقِهِ (قُلْت) وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَحَدَّدْ عِنْدَهُ حَالُ السُّكَّرِ وَلَا حَالُ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِالْمَنْعِ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ ذلك لابد مِنْهُ فَهُوَ يَقْتَضِي قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ فِيهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْخَلِيطَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَاللَّبَنِ مَانِعٌ مِنْ التَّمَاثُلِ أَمَّا الْمَاءُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ بَعْدَ الْجَفَافِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مَا ذَكَرَ فِي السُّكَّرِ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ الْخِلَافِ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَنْعَقِدُ كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْقَنْدِ الْفُورَانِيُّ وَأَجْرَاهُ الْإِمَامُ الغزالي في الفانيد وأجراه الغزالي رحمه الله أيضا القند وفى اللباء.

(11/104)


(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ السُّكَّرُ فَالْمِعْيَارُ فِيهِ الْوَزْنُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وقد تقدم قول الجوزى وَتَنْبِيهُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وقال ابن أبى الدم ان أبا اسحق قَالَ يُبَاعُ كَيْلًا وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وعلل وجه أبى اسحق على ما زعم بأن أصله الكيل وكأن يعني العصير فانه مكيل وبيع الفانيد كبيع السكر بالسكر قاله المارودى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَزْنًا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْيُبْسِ وَالصِّفَةِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ الْيُبْسَ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ بِالتَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ نَصْرٍ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ بِقَصَبِ السُّكَّرِ وَلَا بِالسُّكَّرِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي السكر والفانيد مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا جِنْسٌ وَهَذَا بَعِيدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جِنْسَانِ فَإِنَّ قَصَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ وليس للفانيد عَكَرُ السُّكَّرِ وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُسَمَّى الْقَوَالِبَ فَهُوَ عَكَرُ السُّكَّرِ الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَرَدُّدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يخالف صِفَةَ الْأَبْيَضِ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَقَدْ يَشْتَمِلُ أَصْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مُخْتَلِفَاتٍ

(11/105)


كَاللَّبَنِ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَقَالَ القاضى حسين ان بيع قصب الفانيد بقصب الفانيد جائز وبالفانيد لَا يَجُوزُ وَبِقَصَبِ السُّكَّرِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا إنْ كَانَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَصْلَيْنِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلَيْنِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَصَبَ كُلَّهُ الَّذِي يعمل منه السكر والفانيد جِنْسٌ وَاحِدٌ.
(فَرْعٌ)
لَمَّا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكْمَ السكر والفانيد قَالَ وَكَذَلِكَ دِبْسُ التَّمْرِ وَرَبُّ الْفَوَاكِهِ.
(فَرْعٌ)
بيع الفانيد بِالسُّكَّرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُمَا واحد فهو كبيع الفانيد بالفانيد وان كان أصلهما مختلفا فيجوز كيف ما كَانَ (قُلْتُ) وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَصْلَ السكر والفانيد قَصَبٌ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصَبَ فِي بِلَادِهِمْ (فَائِدَةٌ)
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ النَّارَ في القتد فوق النار في السكر والفانيد لِأَنَّ عَصِيرَ الْقَصَبِ يُوضَعُ فِي قِدْرٍ كَبِيرٍ كَالْخَابِيَةِ وَيُغْلَى عَلَيْهِ غَلَيَانًا شَدِيدًا إلَى أَنْ تَزُولَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ كَثِيرَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ صَلْقًا ثُمَّ يُطْبَخُ فِي قِدْرٍ أَلْطَفَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَتُقَوَّى نَارُهُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ مَائِيَّتُهُ فَيُوضَعُ فِي أَوْعِيَةٍ لِطَافٍ فَوْقَ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا السُّكَّرُ وَالنَّارُ فِيهِ فَوْقَ النَّارِ فِي الَّذِي يُطْبَخُ عَسَلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَصْلُوقِ فِي الْخَابِيَةِ وَكَثِيرًا مَا تَقْوَى نَارُ الَّذِي يُطَبَّخُ عَسَلًا فَتَصِيرُ أَجْزَاؤُهُ إذَا بَرَدَ قريبا من عقد أجزاء في القتد وعند ذَلِكَ يُسَمَّى بِالْجَالِسِ

(11/106)


ويطبخ منه السكر كما يطبخ من القتد لكن طعمهما متابين وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمِنْ عَصِيرِ قَصَبِ السكر يتخذ العسل المرسل ويتخذ القتد وعن القتد يَنْفَصِلُ الْعَسَلُ الْمُسَمَّى بِالْقَصَبِ وَهُوَ مَا يَقْطُرُ من أسفل أنالينح القتد بعد أخذه في الجفاف والقتد يَخْتَلِفُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِحَسَبِ تَبْرِيدِ الْقَصَبِ وجودة الطبخ ومن الطيب من القتد يُتَّخَذُ السُّكَّرُ وَإِذَا جَمَدَ اُسْتُقْطِرَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ ثُقْبٍ فِي أَسْفَلِ الْإِجَّانَةِ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا بَعْدَ طَبْخِهِ وَهَذَا الْعَسَلُ يُسَمَّى كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِعَسَلِ الطبرزد وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ بِالْقَطَّارَةِ وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ تَنَوُّعِ السُّكَّرِ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْهُ وَأَنْوَاعُ السُّكَّرِ ثَلَاثَةٌ الْوَسَطُ وَهُوَ أَدْوَنُهُ وَمِنْ أَعْلَا إنَاءٍ يتجه يكون الآخر لان القطارة تنجس فيه والعال وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ فِي الْجَوْدَةِ وَالْمُكَرَّرُ هُوَ أَعْلَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ يُطْبَخُ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ وَالسُّكَّرُ النَّبَاتُ يُطْبَخُ مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ أَيْضًا لَكِنَّهُ يُجْعَلُ فِي قِدْرٍ مِنْ الْفَخَّارِ قَدْ صُلِبَ فِيهِ عِيدَانٌ مِنْ الْجَرِيدِ رِقَاقٌ لِيَثْبُتَ فِيهَا السُّكَّرُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ عَسَلٍ عِنْدَ كَمَالِ نَبَاتِهِ يُسَمَّى بِقَطْرِ النبات والفانيد تَارَةً مِنْ السُّكَّرِ غَيْرِ النَّبَاتِ وَتَارَةً مِنْ الْعَسَلِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ الْمَطْبُوخِ مِنْ مَاءِ الْقَصَبِ في أول أمره وطبعه مخلف طبع السكر ولونه يخالف لونه الاسم مُخْتَلِفٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا وَاحِدٌ الْقَصَبُ وَعِنْدَ ذلك يتقرر الخلاف في الفانيد وَالسُّكَّرِ هَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِمَا كما في عسل القتد وَعَسَلِ السُّكَّرِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّبَرْزَدِ أَوْ جِنْسَانِ باعتبار

(11/107)


اخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ فَهَذَا فَصْلٌ مُفِيدٌ مِنْ كلام ابن الرفعة فانه كان عرافا بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا الْحَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بِلَادِهِمْ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ خِبْرَةٌ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالنَّبَاتُ فَجِنْسٌ وَاحِدٌ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقُرْبِ الطِّبَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا فِيهِ الْخِلَافُ السابق والفانيد قد يجعل فيه شئ مِنْ الدَّقِيقِ وَعِنْدَ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُوَ وَالسُّكَّرُ جِنْسَانِ لَمْ يَضُرَّ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ واحد فلا يجوز بيعه بالسكران لم ينظر إلى التأثير النَّارِ وَلِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَالَ ومع تفاوت النار في القتد والسكر والفانيد لم يذكر المصنف يعنى الغرالى فَرْقًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ ذلك في السكر بل جوزوه في الجميعع عَلَى رَأْيٍ مُرَجَّحٍ فِي الْحَاوِي وَمَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهٍ جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فَوَجْهُ التَّسْوِيَةِ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ لِلنَّارِ فِي ذَلِكَ حَدًّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَأُحِيلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُقَالُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي النَّارِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الدِّبْسِ وَقَدْ قَطَعَ فَرِيقٌ فِيهِ بِالْمَنْعِ وان حكى الخلاف في السكر وَنَحْوِهِ تُصْلِحُهُ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهَا فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا قَالَ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنِّي رَأَيْتُ حِكَايَةً عن الامالى أن تأثير النار في الشئ إنْ لَمْ يَكُنْ

(11/108)


لَهُ نِهَايَةٌ كَالدِّبْسِ فَكُلَّمَا كَثُرَ النَّارُ كَانَ أَجْوَدَ وَلَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ إلَى أَنْ يَتَلَابَسَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ فِي تَنْقِيصِ رُطُوبَتِهِ تَتَفَاوَتُ وَإِنْ كَانَ له نهاية كالسكر والفانيد فيه وَجْهَانِ (قُلْتُ) هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الْأَمَالِي وَذِكْرُ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا لَمْ أَفْهَمْهُ وَلَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فليتأمل ذلك إلا أن يكون المراد أمال السرخسى..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ولايجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا لان الدقيق هو الحب بعينه وانما فرقت أجزاؤه فهو كالدنانير الصحاح بالقراضة فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسى قال أبو عبد الله يجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسى أراد أبا عبد الله مالكا أو أحمد فان عندهما يجوز ذلك والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع

(11/109)


منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار فلم يصح كبيع الرطب بالتمر) .
(الشَّرْحُ) الْكَرَابِيسِيُّ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ على البغدادي صاحب الشافعي في العراق كان عَالِمًا فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَلِّسِينَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ أبى جعفر توفى الكرابيسى سنة خمسة وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدٌ بْنِ الْمُفَضَّلِ بِمِيمٍ فِي أَوَّلِهِ ابْنُ سَلَمَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا دَرَسَ الْفِقْهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَانَ مَخْصُوصًا بِفَرْطِ الذَّكَاءِ وَالشَّهَامَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقْبِلُ عَلَيْهِ غَايَةَ الْإِقْبَالِ وَيَمِيلُ إلَى تَعْلِيمِهِ كُلَّ الْمَيْلِ صَنَّفَ كُتُبًا عِدَّةً مَاتَ شَابًّا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صلاة المسافر

(11/110)


وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَجَلُّ من أن ينبه على شئ مِنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِيمَا أَظُنُّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ اسد بن ادريس ابن عبد الله بن حبان بحاء مهملة وياء آخر الحرو ف ابْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفِ بن قاسط بن مازن ابن ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بن أقصى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مُضَرَ بْنِ مَعْدِ بن عدنان مولده سنة (1) وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ عِلْمًا وَزُهْدًا وَوَرَعًا أَكْثَرُ مِنْ أن تحصى وأشهر ممن تُذْكَرَ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنهم بالعراق وقول الْمُصَنِّفُ الْحَبُّ بِدَقِيقِهِ يَشْمَلُ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَغَيْرَهُمَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِهِ بِدَقِيقِ غَيْرِهِ كَبَيْعِ الحنطة بدقيق الشعير والشعير
__________
(1) بياض الاصل

(11/111)


بِدَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ قَاطِعُونَ أَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْمَقْصُودُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ أَوْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مسألتان (إحدهما) أَنْ يُبَاعَ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ جَوَازَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَنَقَضَ
الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ الضَّابِطِ الَّذِي مَهَدُوهُ فِي اخْتِلَافِ الجنس واتحاد ومذهب أَبِي ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ دَاوُد وَإِنَّهُ ذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَعَمَّمَ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وخبزه وبيع الدقيق بالدقيق والسويق بالخبز وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ وَبِالْخُبْزِ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلًا فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ

(11/112)


الْإِمَامُ عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَعَ نَقْلِهِ فِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ المذهب وبه قال الحسن البصري ومكحول وأبو هشام وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَرَبِيعَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَاللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إثْبَاتِ مَا حَكَاهُ الْكَرَابِيسِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والعبد رى قال العبدري والصحيح أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا الْمَنْعُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يُحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُ مَنْ سَمَّيْنَا يَقُولُ ذَلِكَ قال

(11/113)


هَؤُلَاءِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكًا وَأَحْمَدَ لِمَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ سَكَتُوا عَنْهُ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ولم يوجد في شئ مِنْ كُتُبِهِ جَوَازُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى إثْبَاتِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ابن سَلَمَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَابْنُ الْوَكِيلِ فِيمَا حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح التلخيص بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَإِنْ كَانَا مَطْحُونَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَالَ الْقَفَّالُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَفَّالَ مِنْ الْمُعْتَرِفِينَ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ
يَنْسِبْهُ لِلْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيّ مِنْ رُوَاةِ الْقَدِيمِ وَوَجَّهُوهُ بما سنذكره من حجة الملكية قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا فَالْمِعْيَارُ الْكَيْلُ وَقَدْ اخْتَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْإِشْرَافِ مَنْعَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَجَوَازُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً تَمْنَعُ من بيعه مثلا بمثل وجعل الامام منقول الكرابيسى

(11/114)


شيأ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْحِنْطَةَ جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي الْإِمَامَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَا بَلْ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي كَذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ فَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّ الرُّطَبَ لَمْ يَبْلُغْ حَالَةَ الِادِّخَارِ وَالدَّقِيقُ زَالَ عَنْهَا وَلَوْ قُدِّرَ عَوْدُ الدَّقِيقِ إلَى حَالِ كَوْنِهِ حِنْطَةً لَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ الرُّطَبُ تَمْرًا تَفُوتُ الْمُمَاثَلَةُ قَالَ الْأَصْحَابُ حَالَةُ كَمَالِ الْحَبِّ كَوْنُهُ حَبًّا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالِادِّخَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الدَّقِيقَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا زَالَ عَنْ حَالِ كَمَالِ الْبَقَاءِ كَاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَالشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ وَاحْتَرَزُوا بِصَنْعَةٍ أَدْنَى عَنْ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الطَّحْنَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَزْنُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْكَيْلُ فَإِذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَزْنًا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وأجاب الاصحاب عن حجة الملكية بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَبًّا

(11/115)


كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُنْضَمَّةً مُجْتَمَعَةً فَلَا يَأْخُذُ مِنْ الميكال الْمَوْضِعَ الَّذِي يَأْخُذُهُ إذَا طُحِنَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَمَتَى بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ وَعَنْ حُجَّةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَيْلًا فَإِذَا قُدِّرَ عَوْدُهُمَا إلَى حَالَةِ كَوْنِهِمَا طَعَامًا أَفْضَى إلَى التَّفَاضُلِ كَيْلًا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ تَعَرَّضَ لَهَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فإذا كان شئ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَكَانَ الْآدَمِيُّونَ يَصْنَعُونَ فِيهِ صَنْعَةً يَسْتَخْرِجُونَ بِهَا مِنْ الْأَصْلِ شَيْئًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمٌ دونه اسم فلا خير في ذلك الشئ لشئ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ كَمَا لو أن رجلا عمدا إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أَوْ حُلِيًّا مَا كَانَ لَمْ يَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَكَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ فِي شَنٍّ أَوْ
جَرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ

(11/116)


وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ أَوْ بِخُبْزٍ أَوْ بِفَالُوذَجٍ إذَا كَانَ نَشَاهُ مُشْتَقَّةً مِنْ حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ لِأَنَّ أَصْلَ التمر الكيل اه ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذلك بكثير وكذلك لاخير في تمر قد عصر وأخرج صفره بتمر لم يخرج صفره كَيْلًا بِكَيْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ منه شئ من نفسه وإذا تم بغيره عَنْ خِلْقَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ فِي مَنْعِهِمْ الْقَمْحَ بِالدَّقِيقِ الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جَعَلْنَا امْتِنَاعَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُعَلَّلًا أَمَّا إذا جعلنا طريق ذلك الاتباع والتعبد فيمتنع الالحاق.
قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيع دقيقة بدقيقه وروى المزني عنه في المنثور أنه يجوز واليه أومأ في البويطي لانهما يتساويان في الحال ولا يتفاضلان في الثاني فجاز بيع أحدهما بالآخر كالحنطة بالحنطة والصحيح هو الاول لانه جهل التساوى بينهما في حال الكمال والادخار فاشبه بيع الصبرة بالصبرة جزافا) .

(11/117)


(الشَّرْحُ) الْمُرَادُ هَهُنَا أَيْضًا إذَا كَانَ الدَّقِيقَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ فَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَاعِمًا وَالْآخَرُ خَشِنًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ مُقَابِلَهُ خَطَأٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الصغيرة الحبات بالحنطة الكبيرة والحبات بِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ ثَمَّ مُجْتَمَعَةٌ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَشْهُورَةٌ نَقَلَهَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ وَعَنْ نَقْلِ حَرْمَلَةَ أَيْضًا وَأَمَّا مَا أَوْمَأَ إلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ (فَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ
قال في البويطى وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يؤخذ شئ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ بِأَصْلِهِ مُتَفَاضِلًا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا وَيُفْهَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَمَاثِلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا النَّصَّ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ يُومِئُ إلَى بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَكِنْ يُومِئُ أَيْضًا إلَى بَيْعِهِ بِالْقَمْحِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ حَكَاهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ إيمَاءٌ فَلَعَلَّهُ فِي مَكَان آخَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَعْدُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ كُلُّهُمْ نَقَلُوهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالدُّهْنِ يَجُوزُ وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالسِّمْسِمِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ وان امتنع بيعه بالحنطة وهذا ينهك عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ

(11/118)


فِي هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرَابِيسِيِّ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قَوْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَا مَحَالَةَ وَقَدْ أَجَازَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وقال إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَقَلَهُ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُثْبِتُوا اشْتِرَاطَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَسَيَأْتِي مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي أَحَدِهِمَا وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ عن أبى حنيفة وبعض أصحابنا واختاره فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاسْتِوَاءَ فِي هَذَا أَوْ فِي هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَنْزِلُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا خَشِنًا وَالْآخَرُ نَاعِمًا لَمْ تَحْصُلْ الْمُمَاثَلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ خَشِنَيْنِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَوَافَقَ عَلَى امْتِنَاعِ النَّاعِمِ بِالْخَشِنِ قَالُوا نَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنْتُمْ تَعْتَبِرُونَهَا تَارَةً فِيمَا كَانَ كَمَسْأَلَةِ الدَّقِيقِ وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الرُّطَبِ وَاعْتِبَارُ حَالِ الْعَقْدِ أَوْلَى فَالْجَهَالَةُ تُؤَثِّرُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ وَقَدْ وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَاكَ مَعَ كَوْنِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَوَافَقَنَا عَلَى امتناع الناعم بالخشى وَلَا مُتَعَلَّقَ فِي أَنَّ بَيْنَهُمَا مُفَاضَلَةً
فَإِنَّ ذلك متنقض بالحنطة إذا كان إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الِادِّخَارِ فَحَسْبُ ثُمَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً فِيمَا مَضَى وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ سَلَامَتِهِ عَلَى الِانْتِقَاصِ بِخِلَافِ مَا اعْتَبَرُوهُ قاله فيقان وَإِنْ تَسَاوَيَا الْآنَ فَقَدْ يَكُونَانِ مُتَفَاوِتَيْنِ حَالَةَ كونها حَبًّا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِنْطَةٍ رَزِينَةٍ وَالْآخَرُ مِنْ حِنْطَةٍ خَفِيفَةٍ.

(11/119)


(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ (قُلْتُ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اللُّبِّ الْمَدْقُوقِ وهو الذى يشبه الدقيق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(ولايجوز بيع حبه بسويقه ولا سويقه بسويقه لما ذكرناه في الدقيق ولان النار قد دخلت فيه وعقدت أجزاءه فمنع التماثل) .
(الشَّرْحُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ السَّوِيقُ ضَرْبَانِ نَقِيعٌ وَمَطْبُوخٌ فَالنَّقِيعُ يُنْقَعُ الطَّعَامُ فِي الْمَاءِ لِيَبْرُدَ ثُمَّ يُجَفَّفَ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشَ وَالْمَطْبُوخُ يُطْبَخُ ثُمَّ يُجَفَّفُ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ إذَا قُلِيَ يَكُونُ أَصْغَرَ جُرْمًا مما كان قبل ذلك وهذا الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِلَّةُ الْأُولَى ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّقِيقِ وَإِنْ لَمْ نُلَاحِظْ دُخُولَ النَّارِ فِيهِ فَهُمَا دَلِيلَانِ جَيِّدَانِ وَقِيَاسُ قول أبى ثور أن يأتي ههنا فَإِنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ مَوْجُودٌ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ صَرِيحًا وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ فِي مَنْقُولِ الْكَرَابِيسِيِّ إنْ ثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَلَا تَتَأَتَّى هُنَا الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ دُخُولُ النَّارِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ فِي تَفْسِيرِ السَّوِيقِ مُخَالِفٌ لِلْمَعْرُوفِ فِي بلادنا اليوم وممن نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ كَمَا ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ من

(11/120)


الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الْحِنْطَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي
الصَّرْفِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ابْنَ مِقْلَاصٍ حَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ السَّوِيقَ مُخَالِفًا لِجِنْسِ الحنطة فانه يخلفها في المعنى والدقيق مجانس للحنطة فَإِنَّهُ حِنْطَةٌ مُفَرَّقَةُ الْأَجْزَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّوِيقَ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ (1) وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفاية لما حكى ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَجَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يجوز واحتج من جوزه بأن السَّوِيقَ صَارَ بِالصَّنْعَةِ جِنْسًا آخَرَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ بيع جنس بجنس آخر ونقص أَصْحَابُنَا ذَلِكَ بِالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَتَمَسَّكُوا بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الِادِّخَارِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قُوتٌ زَالَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْشَنَ مِنْ الْآخَرِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَقِيقًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ منتقض بانواع التمر كالمعقلي والبرنى.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/121)


قال المصنف رحمه الله.
(ولايجوز بيعه بخبزه لانه دخله النار وخالطه الملح والماء وذلك يمنع التماثل ولان الخبز موزون والحنطة مكيل فلا يمكن معرفة التساوى بيهما) .
(الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَجَزَمَ بِهِ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم للعلتين ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّحِدَتَانِ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ الْمَاءِ وَدُخُولَ النَّارِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْبُطْلَانِ وَحْدَهُ.
قَالُوا وَرُبَّمَا خُلِطَ الْخُبْزُ أَيْضًا بِوَرَقٍ وَلَمَّا نَقَلَ الْإِمَامُ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ وَجَعَلَهَا فِي أَنَّ السَّوِيقَ مُخَالِفٌ لِلْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقَ مُجَانِسٌ لَهَا قَالَ
وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَيَجِبُ أَنْ يُخَالِفَ الدَّقِيقَ وَالسَّوِيقَ أَيْضًا فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي بَيْعِ الْخُبْزِ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ.
(فَرْعٌ)
وَهَكَذَا الدَّقِيقُ بِالْخُبْزِ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ بِخُصُوصِهِ الْفُورَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ والليث بن سعد وأبى ثور واسحق وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ جَوَازَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي.

(11/122)


(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِالنُّخَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَ مَالَ رِبًا وَقَبِلَ الرُّويَانِيُّ بِأَنْ تَكُونَ النُّخَالَةَ صَافِيَةً عَنْ الدَّقِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَكَذَا بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ بِالْمُسَوَّسَةِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا لُبٍّ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ نُخَالَةٌ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ التى لالب فِيهَا بِغَيْرِ الْمُسَوَّسَةِ قَالَهُ فِي (1) وَالْبَحْرِ أَيْضًا وَمَنْ الْوَاضِحِ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَلْمُسَوَّسَةِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْحِنْطَةَ الْمُسَوَّسَةَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الْمَفْقُودَةِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا رَاعُوا فِي هَذِهِ طَرْدَ النَّظَرِ إلَى طَرْدِ الْقَوْلِ فِي الْجِنْسِ لِعُسْرِ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِ الْحِنْطَةِ الَّتِي تَمَادَى زَمَانُ احْتِكَارِهَا وَلَعَلَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَآكَلَ فَأَمَّا إذَا تَآكَلَتْ وَخَلَتْ أَجْوَافُهَا فَفِيهَا نَظَرٌ عِنْدَنَا فَإِنَّ الائمة أطلقوا بيع المسوسة بالمسوسة هِيَ الَّتِي بَدَأَ التَّآكُلُ فِيهَا وَالْقِيَاسُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ إذْ الْحِنْطَةُ الْمَقْلِيَّةُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّجَافِي الْحَاصِلِ بِالْقَلْيِ انْتَهَى وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَدْته لَمْ يُلَاحِظْ أَنَّ الْمُسَوَّسَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الرِّبَا البتة بخلاف ماقاله الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ فرضت المسوسة لا شئ فِي جَوْفِهَا أَلْبَتَّةَ فَهَذِهِ مُخَالِفَةٌ وَلَا رِبَا فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ السُّوسَ كَثِيرٌ فِيهَا بحيث قربت

(11/123)


مِنْ الْعَفَنِ فَهَذِهِ الِاخْتِلَافُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الدَّقِيقِ فَيُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ كَمَا بَدَأَ التَّأَكُّلُ فِيهَا الَّذِي لَا يَحْصُلُ مَعَهُ تَفَاوُتٌ غَالِبًا فَيَصِحُّ وَتَكُونُ كَالْحِنْطَةِ الَّتِي قَدْ طَالَ احْتِكَارُهَا
وَيَنْزِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع خبزه بخبزه لان ما فيه من الماء والملح يمنع من العلم بالتماثل فمنع جواز العقد) .
(الشَّرْحُ) الْمُرَادُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ إذَا كَانَا لَيِّنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِيهِ.
وَافَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ.
وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قُرْصًا بِقُرْصَيْنِ وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَيِّنًا وَالْآخَرُ يَابِسًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ في البلعة وَالشَّافِي وَلَكَ أَنْ تُدْرِجَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْجَافَّيْنِ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي فَكَانَ مَا سوى ذلك

(11/124)


مُنْدَرِجًا فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَمَاثِلَيْنِ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِمَا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِمَا فَصَارَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِالتَّفَاوُتِ فِي حَالِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخُبْزِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَلَوْ كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَلَمْ يُلَاحِظَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِاسْتِهْلَاكِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صُورَةِ مدعجوة الْمُمْتَنِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا بيع الشئ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ لَا تُقْصَدُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي التَّمَاثُلِ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ ولا مبالات بِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ مستهلك فيما قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كلام القاضى لاوجه لَهُ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ كَمَا فِي الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ إذا كان في كل منهما شى لا يقصد من الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ جفف الخبز وجعل فتينا وبيع بعضه ببعض كيلا ففيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه
لا يعلم تساويهما في حال الكمال فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالرطب
(والثانى)
أنه يجوز لانه مكيل مدخر فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر) .

(11/125)


(الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ قَوْلُ الْمَنْعِ إلَى نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَعَزَاهُ الْمَحَامِلِيُّ إلَى الْأُمِّ وَعَزَاهُ الرُّويَانِيُّ إلَى عَامَّةِ كُتُبِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْجَوَازِ فَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ (قُلْتُ) وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَدِيمِ وَفَرَضَهُ فِي الْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ بِالْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ وَقَالَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ قُوتِهِمْ وَزَادِهِمْ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ هَذِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِحَرْمَلَةَ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهَا فِي الْحَبِّ كَمَا قَالَ القاضى ولافى غَيْرِ الشَّعِيرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ وَنَقْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ لَهَا عَنْ ابْنِ مِقْلَاصٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُ مِقْلَاصٍ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مِقْلَاصٍ فَلَا تَنَافِيَ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ الشَّافِعِيَّ فَلَعَلَّهُ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ حَرْمَلَةَ هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِابْنِ مِقْلَاصٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ وَنَسَبَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الْمُرَادَ وَهُوَ الْأَقْرَبَ فَإِنَّهُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ فَلَعَلَّهُ وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا رَوَيَاهُ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ

(11/126)


بِالسَّوِيقِ وَجَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَعَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْفُورَانِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ طَعَامٌ وَمِلْحٌ بِطَعَامٍ وَمِلْحٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ فِي الْكَيْلِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْقَمْحِ وَفِيهِمَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَسِيرَةٌ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّ لَكِنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ لِخُرُوجِهِ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي عِلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أينقض الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ المحاملى
في المجموع والماوردي ولولا أَنَّ الْوَجْهَ الْآخَرَ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لَكَانَ إغْفَالُهُ أَوْلَى لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ وَمُنَافَاةِ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَوْلٌ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى إثْبَاتِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ قَوْلٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ جِوَازُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا دُقَّ الْخُبْزُ أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا غَيْرَ مَدْقُوقٍ فَلَا يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَأَغْرَبَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي فَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ وَهَذَا مَعَ غَرَابَتِهِ وَبُعْدِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَدْقُوقًا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَكُونَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ وَالْغَرَابَةُ فِي تَصْحِيحِهِ الْجَوَازُ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مِلْحٌ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ

(11/127)


وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى التَّمْرِ فَالْفَارِقُ خُرُوجُهُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ التَّمْرِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِنَّهُ يجوز لانه قد تقدم الجواز في البنين الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَفِي الْيَابِسِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مقصود بالمقابلة ومنعه من التماثل ان فَرْضٌ غَيْرُ ضَارٍ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا عَلَى مَا تقدم من ملة الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي حَكَاهَا الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَابْنُ مِقْلَاصٍ وَالْكَرَابِيسِيّ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ على أنها لاتعد مِنْ مَتْنِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا هِيَ تَرَدُّدَاتٌ جَرَتْ فِي الْقَدِيمِ وَهِيَ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَالْمَذْهَبُ مَا مَهَّدْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْجَرِيشِ أَوْ الْعَجِينِ أَوْ الْهَرِيسَةِ أَوْ الزلابية أو النشا أو الفتيت أو بشئ مما يتخذ منها ولا بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَجِينِ بِالْعَجِينِ وَالنَّشَا بِالنَّشَا وَلَا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ كَالدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ كُلٌّ مِنْهُمْ بِبَعْضِهَا وَلَا الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَجِينُ بِالْعَجِينِ لَا مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لَا خِلَافَ بيهم فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ إذَا طُبِخَ الْعَجِينُ وَصَارَ خُبْزًا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ قَدْ كَمُلَتْ فيه وأخرجته

(11/128)


فِيمَا زَعَمَ أَصْحَابُهُ عَنْ جِنْسِهِ وَقَوْلُ أَبِي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْخُبْزِ كَقَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ جواز بيع العجين بالخبز وكذا اللحم النئ بِالْمَطْبُوخِ.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إنَّ الْفَالُوذَجِ نَشَا وَعَسَلٌ وَدُهْنٌ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ بِطَعَامٍ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذَا الْمِثَالِ بَلْ كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمَأْكُولِ نقله أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُ فِي الصَّرْفِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالزَّلَابِيَةِ وَالْهَرِيسَةِ.
(فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشِّبْرِقِ بِالشِّبْرِقِ.
(فَرْعٌ)
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَجَائِزٌ يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ أَحَدِهِمَا بِسَوِيقِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ الْأُدْمَ أَجْنَاسٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكَذَلِكَ خُبْزُ الْبُرِّ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُلَاحِظُوا مَا فِي الْخُبْزِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَيُخْرِجُوهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِي تَعْلِيقُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أن ذلك هو الصحيح وان فيه وجهان أنه لا يجوز.

(11/129)


قال الصنف رحمه الله تعالى (ولايجوز بيع أصله بعصيره كالسمسم بالشيرج والعنب بالعصير لانه إذا عصر الاصل نقص عن العصير الذى بيع به) .
(الشَّرْحُ) امْتِنَاعُ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ دُهْنٍ بِأَصْلِهِ وَالْعِنَبُ بعصيره سواء كان العصير مثل مافى الْأَصْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَذَلِكَ الْمَأْخَذُ ظَاهِرٌ فِي السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفِي السِّمْسِمِ بِشَيْرَجٍ وَكُسْبٍ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَأَمَّا الْعِنَبُ فَالتُّفْلُ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الْعَصِيرِ فَإِنَّ السِّمْسِمَ فِيهِ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ وهما مقودان فيكون بيعه

(11/130)


بالشيرج من قاعد مُدِّ عَجْوَةٍ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ فِيهِ مَائِيَّةٌ وَغَيْرُهَا مَقْصُودَانِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصِيرِ لَا يَبْقَى التُّفْلُ مَقْصُودًا وَالْمُصَنِّفُ عَلَّلَ بِمَعْنًى يَشْمَلُ مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُنْحَصِرًا فِي دُهْنِهِ وَعَصِيرِهِ وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى كُلَّ الظُّهُورِ فِيمَا جزآه مَقْصُودَانِ بَلْ الْمَانِعُ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْجَوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الدُّهْنِ وَاللُّبِّ وَالْكُسْبِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وهكذا دهن للوز بِلُبِّهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطِ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عن ابن أبى هريرة وغيره والحاوى وعله بِأَنَّ فِيهِ مَائِيَّةً فَالتَّمَاثُلُ مَعْدُومٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةِ وَغَيْرُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الزَّيْتُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّيْتِ قال وهذا

(11/131)


خَطَأٌ وَإِلَّا لَجَازَ بَيْعُ تَمْرٍ غَلِيظِ النَّوَى بِتَمْرٍ رَقِيقِ النَّوَى مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ بطحين السمسم وفيهما الشيرج لا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَبَيْعُ الْكُسْبِ إذَا كَانَ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ مِثْلَ كُسْبِ الْقُرْطُمِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُهُ النَّاسُ جَازَ وكيل فأما موازنة وَفَصَّلَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ يَجُوزُ جَافًّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا قَبْلَ الْجَفَافِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ النَّقْلَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ حُكِيَ عَنْهُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَأَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالْكُسْبِ وَزْنًا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأُمُورٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَيَخْتَلِفُ عَصْرُهُ فَرُبَّمَا بَقِيَ مِنْ دُهْنِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ وَأَنَّ الْكُسْبَ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةُ وَأَلْزَمَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ مِنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ طَحِينِ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة ما حكيته أولا فحينئذ لايرد عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُهُ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَاءَ يَزُولُ بِالْجَفَافِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ لَا يَضُرُّ كَالْخُبْزِ

(11/132)


الْجَافِّ فَقَدْ اخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَ الصِّحَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالرَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ الْجَافِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فَكَذَلِكَ بِالْخَلِّ
مِنْ الرُّطَبِ (قُلْتُ) وَعَلَى قِيَاسَ ذَلِكَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَا يَجُوزُ قَالَ نصر وكذلك السمسم بالطحينة والطحينة بالشريج لَا يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السمسم بالسمسم قاله الرافعى ولابيع دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الرافعي وذكر الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ إشْكَالًا وَطَرِيقَ حَلِّهِ أَمَّا الْإِشْكَالُ فَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أنه دهن وكسب اللبن جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ سَمْنٌ وَمُخِيضٌ ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ وَالْكُسْبِ بِالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِالدُّهْنِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَمَّا الْحَلُّ فَإِنَّهُ إذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالسِّمْسِمِ وَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فالعوضان

(11/133)


مُتَجَانِسَانِ فِي صِفَتِهِمَا النَّاجِزَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَتَصْوِيرِ مَا يَكُونُ حِينَئِذٍ وَإِذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالدُّهْنِ فَلَا يُمْكِنُنَا جَعْلَ السِّمْسِمِ مُخَالِفًا لِلدُّهْنِ مَعَ اشْتِمَالِ السِّمْسِمِ عَلَى الدُّهْنِ وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ جَاءَتْ الْمُجَانَسَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَانَسَتَهُمَا فِي الدُّهْنِيَّةِ فَنَضْطَرُّ إلَى اعْتِبَارِهَا وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا كَانَ كُلُّ بَيْعِ دُهْنٍ وَكُسْبٍ بِدُهْنٍ هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَلَمَّ الْمَاوَرْدِيُّ بشئ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَفِي النَّفْسِ وَقْفَةٌ مِنْ قَبُولِ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالْمَجْزُومِ بِهَا فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هُرَيْرَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَالَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِالزَّيْتُونِ وَحَكَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَائِزٌ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْقُولَ الْكَرَابِيسِيِّ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَلَقَّوْا حِكَايَةَ الكرابيسى في

(11/134)


الدَّقِيقِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ فَهُوَ جَارٍ فِي الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ وكل دهن مع أصله ووافقنا في الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَالزَّيْتُ وَالزَّيْتُونُ مَالِكَ وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ يقينا مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِمَّا أُعْطِيَ مِنْ الزَّيْتِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعِنَبُ بِالْعَصِيرِ وَلَا بِالْخَلِّ وَالدِّبْسِ أَوْ النَّاطِفِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ هُوَ الرُّطَبُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ يَابِسٌ
وَكَذَلِكَ العنب والزبيب بخلاف الزيت فانه شئ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ خُرُوجَ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ جَائِزٌ بِلَا خلاف.

(11/135)


(فرع)
حب البان بالسيخة وهى (1) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيِّبِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالدُّهْنِ بِالسِّمْسِمِ وَالْعَصِيرِ بِالْعِنَبِ وَاللَّبَنِ بِالسَّمْنِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَمَّا دُهْنُ الْجَوْزِ بِدُهْنِ اللَّوْزِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ أَوْ بِدُهْنِ اللَّوْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ مَا جَزَمَ أَوَّلًا بِالْجَوَازِ كَمَا تَقَدَّمَ السَّاعَةَ وَالْخِلَافُ الَّذِي أشار إليه لاوجه لَهُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَالْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ مَعَهُ فيه ولايجوز بَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ حُكْمُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ وَخَلِّهِ وَدِبْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يتخذ منه.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/136)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع العصير بالعصير إذا لم تنعقد أجزاؤه لانه يدخر على صفته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب) .
(الشرح) عصير الشئ وعصارته ما انحلت منه ويقال لعصير الْعِنَبِ الْمَعْصُورُ تَقُولُ عَصَرْتُ الْعِنَبَ أَعْصِرُهُ فَهُوَ مَعْصُورٌ وَعَصِيرٌ وَاعْتَصَرْتُهُ اسْتَخْرَجْتُ مَا فِيهِ وَقِيلَ عَصَرْتَهُ إذَا وَلِيتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ وَاعْتَصَرْتُهُ إذَا عُصِرَ لَكَ خَاصَّةً حَكَى ذَلِكَ ابْنُ سِيدَهْ قَالَ الْأَصْحَابُ الْعَصِيرُ يَكُونُ مِنْ الْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْقَصَبِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَكَيْفَ كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ رَبُّ التَّمْرِ بِرَبِّ
الْعِنَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرُ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَصِيرَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَلِمَا حَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَ الْبَعِيدَ فِي أَنَّ الْخُلُولَ وَالْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ عَصِيرِ الرُّطَبِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ هَذَا الْوَجْهُ إنْ ثَبَتَ فَهُوَ بَعِيدٌ مَرْدُودٌ وَهَذَا إنَّمَا نَذْكُرُهُ تَجْدِيدًا لِلْعَهْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قد يغفل عنه ومقصد المصنف رحمه الله تعالى في هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا لَيْسَ إلَّا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فَإِذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ الرُّمَّانِ وَعَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَعَصِيرِ سَائِرِ الثمار بجنسه (قلت) هذا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَصِيرَ الرُّطَبِ وَظَنِّي أن الرطب لاعصير لَهُ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ فُرِضَ وَسَيَأْتِي تَنْبِيهٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ

(11/137)


الْأَصْحَابِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ مِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَطْبُوخًا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَا نِيئَيْنِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ جَازَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ كَمَالَ مَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهُ مِنْ الدِّبْسِ وَالرَّبِّ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْعَصِيرَ ليس بحالة كمال والاصح عند الرافعى و (1) الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ يَعْنِي عَصِيرَ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ كُنْتُ أَقُولُ قَبْلَ هَذَا إنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْآنَ عندي أنه لا لانهما ما اتفقنا في حال الكمال وكلام والقاضى هذا يجرى في جميع العصير لافرق بَيْنَ عَصِيرٍ وَعَصِيرٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي عَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَلَا مَاءَ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَهَكَذَا عَصِيرُ الثِّمَارِ مِنْ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَغَيْرِهِمَا وَمُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ عَصِيرَ الْعِنَبِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَوْ مَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ المزابنة الذى قبل كتاب الصلح ولايجوز بَيْعُ الْجُلْجُلَانِ بِالشِّبْرِقِ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَدًا بيد وفسر الاصحاب وأهل اللغة الجلجان بِالسِّمْسِمِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ
أَنَّهُ ثَمَرَةُ الْكُزْبَرَةِ وَقَالَ أَبُو الْغَوْثِ هُوَ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ وَأَمَّا الشِّبْرِقِ فَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ إنَّهُ نَبْتٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ رَطْبُ الضَّرِيعِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مِعْيَارِهِ الْكَيْلُ جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَجْزَاؤُهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا حُمِيَ بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ بِحَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ أجزاؤه يجوز بيع بعضه ببعض.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/138)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع الشيرج بالشيرج ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه يخالطه الماء والملح وذلك يمنع التماثل فمنع العقد والمذهب الاول لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالعصير وأما الماء والملح فانه يحصل في الكسب ولا ينعصر لانه لو انعصر في الشيرج لبان عليه) .
(الشَّرْحُ) الشَّيْرَجُ بِكَسْرِ الشِّينِ.
(1) وَالْكُسْبُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَائِلُ مِنْ أصحابنا بأنه لا يجوز أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ المقدسي عن الاول المحاملى عَنْ الثَّانِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عليه بما ذكره المصنف وينوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا فِيهِ لَرَسَبَ إلَى قَرَارِ الظَّرْفِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الدُّهْنُ وَلَا يَصِحُّ بَقَاءُ الْمِلْحِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرُهُ خَصَّصَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْرَجِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ لَيْسَ فِي بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ تَخْصِيصُ هَذَا بِالشَّيْرَجِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَلَا يَجُوزُ إلانئ بنئ فان كان منه شئ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ صِنْفُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا يدري ماحظ المشوب من حظ الشئ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ لو اعتصر من اللحم مؤه وتبقى من اللحم مالا يَنْعَصِرُ بِفِعْلِنَا فَالْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِي السِّمْسِمِ دُهْنًا وَتُفْلًا فِي الْخِلْقَةِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ فِي الْخِلْقَةِ شئ واحد.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/139)


(فَرْعٌ)
جَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ دُهْنَ السِّمْسِمِ مَكِيلًا لانه يستخرج من أصله مَكِيلٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ السمن وما تعرض لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ السَّمْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فيهما خلاف ماقاله.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مُتَفَاضِلًا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسً قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنِّي أردت أُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدُّهْنَ اخْتَصَّ بِاسْمِ الشَّيْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ فِي ذَلِكَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ.
(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِهِ مُتَفَاضِلَيْنِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالْكُسْبِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنَّ كُسْبَ السِّمْسِمِ يُخَالِفُ جِنْسَ دُهْنِهِ وِفَاقًا كَمَا يُخَالِفُ الْمَخِيضُ السَّمْنَ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ مَعَ تعرضه للخلاف فقال يجوز بيع الدهن بالكسب لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لانهما لَا تَنْفَرِدُ عَنْ الدُّهْنِ وَإِنْ قَلَّ فَإِنْ كان فيها دهن فلا يجوز وان يَبْقَ فِيهَا الدُّهْنُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَجُوزُ وَابْنُ الرِّفْعَةِ حَكَى عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهًا فِي مَنْعِ بَيْعِ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَإِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ مَعَ كُسْبِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْكُسْبِ وَلَا بِالدُّهْنِ وبيع الدهن بالكسب جائز.

(11/140)


(فرع)
شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْلِيًّا فَلَوْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بيعه بمثله ولابالنئ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ الْمَغْلِيُّ بِمِثْلِهِ ولا بالنئ ويباع الزيت النئ بِالشَّيْرَجِ الْمَطْبُوخِ يَدًا بِيَدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلَوَفَرِ كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَإِذَا قُلْنَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهَا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا ببعض إذا ربى السمسم فيها استخراج دُهْنُهُ وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ الدُّهْنُ ثُمَّ طُرِحَتْ أَوْرَاقُهَا فيه لم يجز.
(فرع)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَدْهَانُ بِطَحِينِهَا وَعَبَّرَ الْفُورَانِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أَبْيَنَ فَقَالَ السِّمْسِمُ الْمَدْقُوقُ بِالسِّمْسِمِ الْمَدْقُوقِ لَا يَجُوزُ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُرَادُهُمْ بِطَحِينِ السِّمْسِمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّحِينَةَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ كَوْنِهَا حُبُوبًا كَالْأَقْوَاتِ.
(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِ السِّمْسِمِ وَزْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْطٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَلْطٌ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (قُلْتُ) أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا فَظَاهِرٌ وأما إذا كان رطبا فان كان فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ مَانِعًا مِنْ التَّمَاثُلِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّمَاثُلِ يَجُوزُ وَأَمَّا كَوْنُ الْمِعْيَارِ فِيهِ الْوَزْنَ فَيُعَكِّرُهُ عَلَى مَا أَصَّلُوهُ مِنْ أَنَّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَكِيلٍ فَهُوَ مَكِيلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَإِنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.
(فَرْعٌ)
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِخَلِّ الخمر لانهما يتساويا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الْحُمُوضَةُ وَالْحَلَاوَةُ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ كَالتَّمْرِ الطَّيِّبِ بِالتَّمْرِ غَيْرِ الطَّيِّبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَكْثَرِهَا وَكَتَبَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَنَّهَا زيادة (فائدة) الملح مؤنثة تصغيرها ملحية قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلْتُهُ منه.

(11/141)


قال المصنف رحمه الله تعالى
(ويجوز بيع خل الخمر بخل الخمر لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب ولايجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب لان في خل الزبيب ماء وذلك يمنع من تماثل الخلين ولا
يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب ولا بيع التمر بخل التمر لانا ان قلنا أن الماء فيه ربا لم يجز الجهل تماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين وان قلنا لا ربا في الماء لم يجز للجهل بتماثل الخلين وان باع خل الزبيب بخل التمر فان قلنا ان في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماء فيهما وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ لانهما جنسان فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب والله أعلم) .
(الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي الْخُلُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسَ مَسَائِلَ وَنُقَدِّمُ عَلَيْهَا أُمُورًا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُخَرِّجُ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ مِنْ تَخْرِيجِ هَذَا الْقَوْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ غَلَّطَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَالتَّفْرِيعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا وَأَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ بَلْ كُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أحدهما بالآخر وان لم يكن في شئ منهما ماء جاز متماثلا ولايجوز مُتَفَاضِلًا وَالْمُصَنَّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا فَرَّعُوا عَلَى الْمَشْهُورِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْخَلَّ يُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا أَخَذْتَ كُلَّ صِنْفٍ مَعَ مِثْلِهِ وَمَعَ قَسِيمِهِ كَانَتْ الصُّوَرُ سِتًّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسًا وَتَرَكَ خَلَّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَزَادَ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُلُولِ خَلَّ الرُّطَبِ فَصَارَتْ الْخُلُولُ أربعة والصور الحاصلة

(11/142)


من تركيها عَشْرَةٌ السِّتُّ الْمَذْكُورَةُ وَأَرْبَعٌ مِنْ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَبِخَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَلَيْسَتْ الْخُلُولُ مُنْحَصِرَةً بَلْ يُتَّخَذُ الْخَلُّ أَيْضًا مِنْ الْقَصَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْجُمَّيْزِ وَمِنْ الْبُسْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَتَأْتِي الصُّوَرُ أَضْعَافَ هذه وطريقك في عدها وَتَرْتِيبِهَا أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ وَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي خَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَنِسْبَةُ الرُّطَبِ إلَى التَّمْرِ كَنِسْبَةِ الزَّبِيبِ إلَى الْعِنَبِ لَكِنَّ الرُّطَبَ قَدْ يُتَّخَذُ خَلًّا بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنِسْبَةُ الْجُمَّيْزِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَنِسْبَةِ الْعِنَبِ إلَى التَّمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِ الصُّوَرِ وَنَشْرَحُ مَا ذَكَرُوهُ خَاصَّةً وَالْخَلُّ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا حُمِّضَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ (الْأَمْرُ
الثَّالِثُ) أَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِنَبُ وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ خَلِّ الخمر بخل الْخَمْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ والرافعي وغيرهم لانه لاماء فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةُ يُبْسٍ يَقَعُ فِيهَا التفاوت وقد الفوارنى وابن داود وغيرهما ذلك بان لا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ لابد مِنْهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ لِأَنَّ الغالب في خل العنب أنه لاماء فِيهِ وَقَدْ يُعْمَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِيُسْرِعَ تَخَلُّلُهُ فَلِذَلِكَ التَّقْيِيدُ حَسَنٌ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلِلْعِنَبِ حَالَتَانِ لِلِادِّخَارِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَصِيرَ زَبِيبًا (وَالْأُخْرَى) أَنْ يَصِيرَ خَلًّا (المسألة الثانية) بيع خل الخمر بخل الزبيب لا يجوز كذلك قال المصنف والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملى والماوردي وذلك

(11/143)


واضح لان الزبيب من جنس العنب والزبيب ماء فكأنه باع عنبا بعنب وماء وذلك لا يجوز لانتفاء التماثل ومع ذلك لا يحتاج إلى التعليل بقاعدة مد عجوة (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ بَيْعِ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لِأَنَّ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَجَلِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْقَصَبِ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ فَإِنَّ خل العنب لاماء فيه وخل التمز وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ خَلَّ الْعِنَبِ وَخَلَّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَالْقَوْلِ الْغَرِيبِ عِنْدَنَا فَكَأَنَّهُ بَاعَ عِنَبًا بِتَمْرٍ وَمَاءٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَسَيَأْتِي فِي خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ طَرِيقَةٌ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْجَمْعِ بين مختلفى الحكم وقياسه أن يأتي ههنا وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ) بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ وَهَذَا تنبيه على العلة الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَاءُ رِبَوِيٌّ أولا لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالْمُمَاثَلَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الا بالماء وليس كخل العنب بخل الْعِنَبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السادسة لكن

(11/144)


الشيخ أبا محمد في السلسة جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ كَانَ خَلُّ الرُّطَبِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَإِنْ أَمْكَنَ كَمَا قَالَ أبو محمد وصار كخل العنب وان كان فِيهِ مَاءٌ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ) خَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِجَوَازِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَبِنَاءً وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَّلَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَاءٍ وشئ بماء وشئ (فَإِنْ قُلْتَ) تَعْلِيلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجَهْلِ بِتَمَاثُلِ الْمَاءَيْنِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَاءَيْنِ لَوْ كَانَا مَعْلُومِي التَّسَاوِي صَحَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الماء ربوي فلا يجوز لقاعدة مدعجوة فَلَوْ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَهَذَا السُّؤَالُ الْمُلَقَّبُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً (قُلْتُ) بَلْ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لان الجهل بالممائلة هي العلة لمعتبرة في البطلان المجمع عليها وقاعدة مدعجوة إنَّمَا بَطَلَتْ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا لَا (1) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (فَإِمَّا) أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ (وَإِمَّا) أَنْ يَعْتَرِفَ بِوُرُودِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ أَمَّا فِي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ فَلَا كَمَا ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّظَرِ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ الَّذِي لَا يُدَّعَى فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِنَّمَا يُدَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ دَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا ظَاهِرٌ فِي الْقَلِيلِ فَالْأَوْلَى دَفْعُ السُّؤَالِ بِمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ سُؤَالُ الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ مِثْلِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ
__________
(1) بياض
بالاصل فحرر

(11/145)


أُخْرَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ وَيَمْنَعُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبِنَاءِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ قيل شئ عن هذا وليس بشئ قال يعنى ذلك القائل وقول الشافعي ههنا فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا رِبَا فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ وَإِلَّا فَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْخَلَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّوَابُ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ اقْتَصَرُوا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وهو أنه يجزو جَمْعُ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَفِيهِ الْمَاءُ وَهُوَ يُعَضِّدُ جَزْمَ الْجُمْهُورِ بِالْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّهُ لافرق بين أن يكون الماء في الطرفين فِي أَحَدِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخِلَافَ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِمَا مَاءً يَمْنَعُ التَّمَاثُلَ هَكَذَا علله الماوردى ولا خفاء بِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَسْأَلَةَ خَلِّ الْعِنَبِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَعَلَّلَ بِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا مَاءً وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَأَهْمَلَ تَعْلِيلَ الثَّانِيَةِ فَرُبَّمَا يُطَالِعُهُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَيْهِمَا وَأَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ لِأَنَّهُ لو كان كذلك لجاز خل الرطب بخلل الرُّطَبِ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ

(11/146)


إنَّمَا تَتِمُّ إذَا فُرِضَ خَلُّ الرُّطَبِ فِيهِ مَاءٌ وَاَلَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مَاءٌ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا وَهَلْ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَوْ لَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْجَمْعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّفَاضُلِ خِلَافُ النَّصِّ فِي خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ أَيْضًا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِيهِمَا مَاءٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ فِي الْمَاءِ رِبًا أَمْ لَا (ان قلنا) فيه ربا لا يصح (قُلْتُ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ وَلَمْ يُلَاحَظْ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَ الْفُورَانِيِّ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرْمُوزًا إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي الْخُلُولِ وَفِي الْمَاءِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ اشكال سنشررحه فِي بَابِ الْأَلْبَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ خَلَّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ الرُّويَانِيُّ لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ يَجُوزُ (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ والبغوى قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنْ تَأْتِيَ تِلْكَ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَمَّا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُلَاحِظُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِي خَلِّ الرُّطَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يتجه عنده (1) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ السَّابِقُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ إذَا جمع بين
__________
(1) بياض بالاصل

(11/147)


عينين مستقلتين حتى يكون ذلك كالعقد فَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْأَصْحَابُ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ إنَّمَا الْخَلُّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ كَعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ أَفْرَدْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ بِحُكْمٍ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَلِّ بِحُكْمٍ لَزِمَهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَفِي سَائِرِ صورر الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ يُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا ويعطى كل واحد حكمه وههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَحْدَهُ وَبَعْضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَلِّ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَجْمُوعِ الْخَلِّ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَاءِ وغيره ويوؤل ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى رِبَوِيًّا رَأَى بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَا
بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى قَوْلَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ لَا يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فَحُكْمُ مَا رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ (1) الْخِيَارَ فِيهِ ثَابِتٌ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ فَسْخَ الْمَبِيعِ فيما لم يرد اجازته فيما رَأْيٌ فَيُحْتَاجُ إلَى قَطْعِ الثَّوْبِ وَفِي ذَلِكَ اتلاف لما ليس من ماله والله أعلم.
وقد تقم بَحْثٌ فِي خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ العنب عند الكلام في بيع المشور بالمشوب فليطالع هناك وكذلك فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ قولين في ذلك (أصحهما) الجواز ولكنهما ليس الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ بَلْ هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَالْغَرِيبُ فِي أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَالْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الْمَاءُ أَوْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا أَوْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا الْمَاءُ فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا كَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزبيب وان كانا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/148)


جِنْسَيْنِ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وان كانا جنسين جاز متفاضلين قطعا يد بِيَدٍ كَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَا فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِطَرِيقَةِ الْبَغَوِيِّ وَكُلُّ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مَجْزُومٌ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَفِيهِمَا الْمَاءُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ والله أعلم.
وليس في المسائل العشرة مَسْأَلَةٌ جَائِزَةٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَلَا فِي الْجِنْسَيْنِ إلَّا خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ إمَّا مُمْتَنِعٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَإِمَّا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ماء وان شئب لَخَّصْتُهُ فَقُلْتُ كُلُّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مُتَمَاثِلًا فِي الْجِنْسِ
وَمُتَفَاضِلًا فِي الْجِنْسَيْنِ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَطْعًا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ اخْتَلَفَ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَطْعًا وَيَجُوزُ إنْ اخْتَلَفَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكُلُّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمِعْيَارُ فِي الْخَلِّ الْكَيْلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلٍ مَكِيلٍ (تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلُولِ الَّتِي فِيهَا مَا تَفَرَّعَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزُ فِي الْإِنَاءِ مملوك وهذا الذى قطع به المارودى وَلَنَا وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَإِنْ أُخِذَ فِي إنَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ فَعَلَى

(11/149)


هَذَا كَيْفَ يَرِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْخَلِّ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَمْلُوكٍ وَغَيْرِ مَمْلُوكٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ امْتِنَاعُ بَيْعِ الْخَلِّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ الْعَقْدُ عَلَى الْجَمِيعِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ مُبَاحًا لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الوحه ضَعِيفًا فِي النَّقْلِ لَمْ يُفَرِّعُوا عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ الْخُلُولِ وَبَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالنَّبِيذُ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ.
(فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ إذا صار خلا فهما متساويان فِي حَالِ الِادِّخَارِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَجْهًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى (1) الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا عَلَى حَالِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُ وَقَدْ عَلَّلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ وَخَلِّهِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ جِنْسٌ وَلَكِنْ حَالَتْ صِفَةُ الْعَصِيرِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ مَعَ الْعَارِضِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي لِإِفْرَاطِ التَّفَاوُتِ فِي الاسم والصفة والمقصود والنئ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا فَلَا يَكُونُ رِبَوِيًّا فَإِذَا كَانَ تَحَوُّلُ الصِّفَاتِ يُؤَثِّرُ هَذَا التَّأْثِيرَ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَقَدْ بَحَثْتُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
وَبَيَّنْتُ أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الذَّخَائِرِ وَيُوَافِقُهُ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ المطبوخ بالنئ.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/150)


(فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَلَا خَلُّ عِنَبٍ بِعِنَبٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وقال ولا كل شئ بشئ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّهِ وَلَا بِعَصِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ وَالدِّبْسِ وَالشَّيْرَجِ وَالنَّاطِفِ وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ أَوْ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ أَوْ بِدِبْسِ الرُّطَبِ قَالَ القاضى حسين الصحيح أَنَّهُ يَجُوزُ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ذَاكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ وَالرُّطَبُ وَخَلُّ الْعِنَبِ لااشتراك بَيْنَهُمَا وَلَا أَحَدُهُمَا مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَكَذَلِكَ فِي الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ الا أن يكون فيه ماء..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع شاة في ضرعها لبن بلبن شاة لان اللبن يدخل في البيع ويقابله قسط من الثمن والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ولان اللبن في الضرع كاللبن في الاناء وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحلبن أحدكم شاة غيره بغير اذنه أيحب احدكم أن تؤتى خزانته فينتثل ما فيها فجعل اللبن كالمال في الخزانة فصار كما لو باع لبنا وشاة بلبن) .
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الَّذِي فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ أَجِدْهُ بهذا اللفظ صريحا ولكنه يشير به الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ

(11/151)


تَعَالَى فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عليه وله الفاظ ورد بها أقر بها إلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وان سخطها ففي حلبتها صاع من التمر (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَلْبَتِهَا ظَاهِرٌ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فيكسر خِزَانَتُهُ فَيُنْتَثَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا يَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ لِطَعَامِهِمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَقَوْلُهُ يُنْتَثَلُ أَيْ يُسْتَخْرَجُ وَهُوَ - بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ ثُمَّ ثاء مثلثة مفتوحتين يقال نثل مافى كنانته إذا صبها ونثرها وقد نثلت الْبِئْرَ نَثْلًا وَانْتَثَلْتُهَا إذَا اسْتَخْرَجْتُ تُرَابَهَا وَرُوِيَ ينقل بالقاف بدل الثاء الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَذْهَبُ وَيَنْقُلُ عَنْ الضَّرْعِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَكْثَرُ وَأَشْهُرُ وَهِيَ الَّتِي فَسَّرَهَا أَهْلُ الغريب والمشربة نضم الرَّاءِ وَفَتْحِهَا الْغَرْفَةُ وَجَمْعُهَا مَشَارِبُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ شاة أحدكم أن لفظ الشاة في شئ من الروايات.
وحكم الْمَسْأَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ يُقْدَرُ عَلَى حَلْبِهِ بِلَبَنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لَا ادرى كم حصنه مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ بَدَلًا وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْمَبِيعِ فِي قِشْرِهِ يَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ هَذَا لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ شَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي

(11/152)


الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ بِجَوَازِ ذلك نقدا ونسئا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ اخْتَرْتَ لبن الشاة بالشاة وقدمها اللبن فيقال إن الشاة نفسها لاربا فِيهَا إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ أَوْ السَّلْخِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ التَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا حَيَوَانٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ بَاطِلٌ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الضَّرْعِ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ في الحمل قولان بدليل خبر المصراة ولولا أَنَّ اللَّبَنَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَمَا أَلْزَمَهُ رَدُّ بَدَلِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى
نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِهِ أَوْ شَاةً فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ ردها ولان مافى الضرع مثل مافى الْخِزَانَةِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب ههنا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ ذِكْرُ وَجْهٍ فِيهِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَمَعَ هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْأَصْحَابُ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ أَصْلًا لِأَنَّ اللَّبَنَ مَجْهُولٌ كَمَا لَوْ ضَمَّ إلَى الشَّاةِ لَبَنًا مُغَطًّى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ هُنَاكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَاللَّبَنِ الْمَضْمُومِ إلَيْهَا مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ تَابِعٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ دُخُولِهِ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْعُ فِي الشَّاةِ ويغتفر في التابع مالا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ كَأَسَاسِ الحائط ورؤس الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْبِئْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا كَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا تَابِعَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ

(11/153)


جَازَ وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً مُثْمِرَةً بِتَمْرٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَانَ رِبًا فَتَبِعَتْ فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ وَلَمْ تَتْبَعْ فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ وَلَا يُشْبِهُ الْحَمْلَ لان الحمل لا يمكن استخراجه متى شاءوالفرق بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْحَمْلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْقَائِلِ بانه ليس له قسط من التمن أَنَّ اللَّبَنَ مَقْدُورٌ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَأَشْبَهَ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فِي قِشْرِهِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعَ الشَّاةِ ذَاتِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ ثُمَّ بِيعَتْ بِلَبَنٍ وَهُوَ أَفْسَدُ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ وَلَبَنٍ بِلَبَنٍ وَلَوْ بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ إبِلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ لَبَنِ الْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْأَلْبَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ جَازَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا أجناس ولم يذكر الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ غَيْرَهُ وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ بِلَبَنِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَقُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا رِبَوِيًّا بِشَعِيرٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَهُوَ فِي ذلك تابع للقاضى
حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ اللَّبَنَ من اللبن يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ (قُلْتُ) وَفِي التَّحْرِيمِ نَظَرٌ (1) فِي بَيْعِ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَفِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ إذْ اللَّبَنُ الَّذِي فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَحْدَهُ فَلَوْ نَزَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَنْزِلَةَ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ لاقتضى البطلان
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/154)


وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ صَحَّ الْعَقْدُ (وَالْحُكْمُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ شَاةً غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنْ لَا تَكُونَ وَلَدَتْ قَطُّ جَازَ الْبَيْعُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَرْمَلَةَ فِي الَّتِي لَهَا لَبَنٌ قَدْ حُلِبَ وَلَمْ يُسْتَخْلَفْ بعد شئ مِنْهُ فَبَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ يَجُوزُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَبَنٌ يَجْتَمِعُ وَالْقَلِيلُ الَّذِي يَنِزُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِالصِّحَّةِ فِي اللَّبُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وقت البيع أو كان نذرا لَا يُقْصَدُ حَلْبُ مِثْلِهِ لِقِلَّتِهِ قَالَ فَإِنَّ مِثْلَهُ لَيْسَ مَقْصُودًا وَالْحَيَوَانُ مُخَالِفٌ لِجِنْسِ اللَّبَنِ فَلْيَلْتَحِقْ بِبَيْعِ الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ مَعَ النَّظَرِ إلَى الرغوة وشبهه بعضهم بالدار الذى ذُهِّبَتْ وَاسْتُهْلِكَ الذَّهَبُ إذَا بِيعَتْ بِدَارٍ مِثْلِهَا أَوْ بِالذَّهَبِ يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فَإِنْ ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ وَسُلِخَتْ وَبِيعَتْ بِاللَّبَنِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ لا شئ مَعَهُ بِلَبَنٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَغْرَبَ الْجِيلِيُّ فَحَكَى فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا شَاذٌّ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ مَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ.
(فَرْعٌ)
كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا
بِالْمَصْلِ وَلَا بِالْأَقِطِ كَمَا لَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بشئ مِنْ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(11/155)


(فَرْعٌ)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيُّ في كتاب الاكمال كما وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْإِجْمَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ بِخِلَافِ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ فِي الشَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فلهذا لا يجوز عقد الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ العين بل هو كالمنفعة ولهذا جوزنا عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَالتَّعْلِيلُ حَسَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْأَلْبَانِ (إذَا قُلْنَا) بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَعْيَانِ وَهُنَا الْأَلْبَانُ فِي الثَّدْيِ هُوَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ بَلْ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُمَّ إلَى الْجَارِيَةِ عَيْنًا أُخْرَى وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْفَرْعَ إلَّا في هذا الْكِتَابِ فَلَا أَدْرِي هَلْ الْفَرْقُ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيُعَضِّدُهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ في أن الجارية المصراة لايرد مَعَهَا بَدَلُ اللَّبَنِ وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ يَرِدُ فَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْوَجْهِ قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالُ هُنَا بِامْتِنَاعِهَا بِلَبَنِ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْنِ وَإِنْ بَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَمَا نَقَلَهُ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ النَّصِّ يَكُونُ الْجَوَازُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي التَّصْرِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ أجناس أولا (فَإِنْ جَعَلْنَاهَا) أَجْنَاسًا جَازَ (وَإِنْ جَعَلْنَاهَا) جِنْسًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مِنْ جُمْلَتِهَا أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) لاجاز (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهَا فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَنْعُ (وَأَمَّا) التَّمَسُّكُ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي كونه يسللك بِهِ مَسْلَكُ الْمَنَافِعِ فَفِيهِ وَفِي تَسْوِيغِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحُكْمِ الثَّابِتِ في التصرية أولى والله أعلم.

(11/156)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(فان باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ففيهه وجهان قال أبو الطيب بن سلمة يجوز كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وان كان في كل واحد منهما شيرج وكما يجوز بيع دار بدار وان كان
في كل واحدة منهما بئر ماء وقال أكثر أصحابنا لا يجوز لانه جنس فيه ربا بيع بعضه ببعض ومع كل واحد منهما شئ مقصود فلم يجز كما لو باع نخلة مثمرة بنخلة مثمرة ويخالف السمسم لان الشيرج في السمسم كالمعدوم لانه لا يحصل إلا بطحن وعصر واللبن موجود في الضرع من غير فعل ويمكن أخذه من غير مشقة وأما الدار فان قلنا ان الماء يملك ويحرم فيه الربا فلا يجوز بيع احدى الدارين بالاخرى) .
(الشرح) والوجهان مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الثَّانِيَ إلَى عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو العباس وأبو إسحق وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَسَبَهُ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَالَ نَصْرٌ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ شَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ بِشَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ وَوَافَقَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ فَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي خَالَفَ فيها بالسمسم بِالسِّمْسِمِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ

(11/157)


الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ إذَا بِيعَ بِالسِّمْسِمِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ فَأَمَّا التُّفْلُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ التفل كالتمر إذَا كَانَ فِيهِمَا نَوًى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الشَّاةِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّ الشَّاةَ مَقْصُودَةٌ وَاللَّبَنُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ لَبُونًا بِشَاةٍ لَبُونٍ وَهُمَا مُسْتَفْرَغَتَا الضَّرْعِ جَازَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ احْتِرَازًا عَنْ هَذَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكْ أَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَيَسْقُطُ التَّمَسُّكُ بِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ مَنَعْنَا الْحُكْمَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ صَحَّ بَيْعُ الدَّارِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعُ الْمَاءَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِذَا تَخَطَّى رَجُلٌ إلَى الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْهَا مَلَكَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ مَعَ عِصْيَانِهِ فِي دُخُولِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَإِنْ قُلْنَا) يُمْلَكُ وَهُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَنَاوَلَهُ (وَإِنْ
قُلْنَا) رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ فَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرِ احْتِجَاجُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ بِذَلِكَ سَاقِطٌ وَمَنْعُ بيع احدى الدارين المذكورتين بالاخرى على القول بِأَنَّ الْمَاءَ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ بباب الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَفِي الْأُخْرَى بِمَاءٍ ظَاهِرٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بالشرط كَالطَّلْعِ الْمُؤَبَّرِ (قُلْتُ) وَمَتَى بَاعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَبِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ فِي أَحَدِهِمَا وَفِي الْآخَرِ يَكُونُ مَجْهُولًا فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ

(11/158)


لِأَنَّهُ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ وَمَتَى بَاعَ وَاشْتَرَطَ دُخُولَهُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لان الاختلاط ههنا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ صَرَّحَ بِحِكَايَةِ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَقَالَ القاضى حسين ان كان في موضع لاقيمة لِلْمَاءِ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَمْ يُسَمِّيَا فِي الْعَقْدِ أَيْضًا يَجُوزُ وَإِنْ سَمَّيَا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لا يجوز ويصير كمسألة مدعجوة وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ قَدَّمَهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ مُطْلَقًا فَصَلَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَاءِ قِيمَةٌ في ذلك المكان أولا فقال إن كان مما لاقيمة له يدخل في العقد وقيل لايدخل إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْدَرِجُ كَالثِّمَارِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ (وَإِذَا قُلْنَا) بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اُخْتُصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية بان الماء الظاهر عند البيع لايدخل يَعْنِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَا الْمَعْدِنَ الظَّاهِرَ كَالنَّفْطِ وَنَحْوِهِ وَمَا يَنْبُعُ بَعْدَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ تَبَعًا وَعَلَى هَذَا يَشْكُلُ الْفَرْقُ فَإِنَّ تَبَعِيَّةَ الْمَاءِ لِلدَّارِ كَتَبَعِيَّةِ اللَّبَنِ لِلشَّاةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا الصِّحَّةُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَاءَ الْكَائِنَ فِي الْبِئْرِ ليس مقصوداولا يَرْتَبِطُ بِهِ قَصْدٌ (وَقَوْلُهُ) الْكَائِنُ فِي الْبِئْرِ احْتِرَازٌ جَيِّدٌ فَإِنَّ مَاءَ الْبِئْرِ مِنْ حَيْثُ الجملة مقصود في الدار ولكن لاغرض فِي ذَلِكَ لِلْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَمَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الثاني هو القياس وانه لا ينقدح للجواز وجه في القياس لكن عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمُعْتَمَدُهُ سُقُوطُ الْقَصْدِ إلَى الْمَاءِ الحاصل ثم أورد الامام سؤال وَانْفَصَلَ عَنْهُ أَمَّا السُّؤَالُ فَإِنَّ خَلَّ التَّمْرِ إذَا بِيعَ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَقُلْنَا إنَّ الْمَاءَ
رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ وَالْمَاءُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْخَلِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ بِأَنَّ

(11/159)


الْمَاءَ يُسْتَعْمَلُ عَلَى صِفَةِ الْخَلِّ حَتَّى كَأَنَّهُ انْقَلَبَ خَلًّا فَلَمْ يَخْرُجْ مِقْدَارُ الْمَاءِ عَنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَإِنْ كَانَ لَا يُقْصَدُ مَاءٌ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبِئْرِ وَمَائِهَا.
وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا مَقْصُودٌ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْحَاصِلِ وَقْتَ الْعَقْدِ فِي الْبِئْرِ فَإِنَّهُ غير مقصود وقد تقدم في مسألة مدعجوة الكلام في شئ من ذلك وقال الماوردى إن قلنا لاربا فِي الْمَاءِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ ربا فان كان الماء محرزا في الاحباب فَهُوَ مَمْلُوكٌ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ خَوْفَ التَّفَاضُلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْآبَارِ فَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْحًا فَيَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ غَيْرُ مَشْرُوبٍ وَلَا رِبَا فِيهِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْأَخْذِ والاجازة وَكَذَلِكَ مَاءُ الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَالِكِ الْبِئْرِ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بِئْرِهِ أَوْ نَهْرِهِ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا ذَاتَ بِئْرٍ فَاسْتَعْمَلَ مَاءَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمَاءِ غُرْمٌ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا يُغَرَّمُ لَبَنَ الضَّرْعِ وَلِأَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَاءَ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا بِدَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي صَحَّحُوهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ وَاَللَّهُ أعلم.
وقال ابن الرافعة بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ الْقَاضِي فِي بَيْعِ الدَّارِ التى فيها البئر هذا لاشك فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَاءَ لايدخل فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ فَهُوَ تَابِعٌ وَهَلْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمَقْصُودِ أَمْ لَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ لِلْإِمَامِ فِيمَا نَظَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ لَكَ أَنْ تَقُولَ الْجَزْمُ بصحة العقد مع عدم دخول مافى الْبِئْرِ مِنْ الْمَاءِ نَظَرٌ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ الا

(11/160)


مُخْتَلَطًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْجَمَّةِ بِمُفْرَدِهَا حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إذَا بِيعَتْ الْجَمَّةُ لِلْبَائِعِ حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَمْ يَمْنَعْ من تسليم عين المبيع وهو ههنا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (قُلْنَا) ذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِ الْأَصْلِ وَغَلَّةُ ثَمَرَةٍ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهَا إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِهَا بِالثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِ
الْمُشْتَرِي وَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الثِّمَارَ مَقْصُودُ الْأَشْجَارِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ ثَمَّ وَلَا كَذَلِكَ مَاءُ الْبِئْرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْبِئْرِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ فِي حَالِ كَوْنِ الْمَاءِ لَهُ قِيمَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ.
وَمَنْعُ بَيْعِ النَّخْلَةِ الْمُثْمِرَةِ مِنْ جِنْسِهَا بَاطِلٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ فلو كان على احداهما ثمرة ولا شئ عَلَى الْأُخْرَى جَازَ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لبن بالشاة التى لالبن فِيهَا صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَذْبُوحَةً فَذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ بَيْعُ حَيَوَانٍ بِلَحْمٍ (فَائِدَةٌ) عَرَفْتُ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ بْنَ سَلَمَةَ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وَالدَّارِ بِالدَّارِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ وَفِي ضَرْعِهِمَا لَبَنٌ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الدَّارَيْنِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا وَلَمْ يَنْسُبْ فِيهَا إلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ شَيْئًا وَفِي الْوَسِيطِ ذَكَرَ لَفْظًا مُشْكِلًا فَقَالَ بَعْدَ

(11/161)


أَنْ جَزَمَ بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّبُونِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ وَسَوَّى بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَاسْتَشْكَلَهُ الْفُضَلَاءُ وَتَأْوِيلُ كَلَامِهِ فِي الْوَسِيطِ وَغَايَةُ مظهر لِي فِي تَأْوِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ مَنْعَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى وَهُوَ الْبُطْلَانُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ اللَّبُونِ لَكِنْ لَا يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ الْبُطْلَانِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ نَاسِخٍ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ إنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِبَقَرَةٍ فِيهَا لَبَنٌ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ مَأْخَذُهُمَا أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبِالصِّحَّةِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ في الكفاية كما تباع النخلة بالكرم وههنا بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ (إنْ قُلْنَا) الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَبْنِيهِ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مَعَهَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ وَفِيهِ وَجْهَانِ تقدما.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(ويجوز بيع اللبن الحليب بعضه ببعض لان عامة منافعه في هذه الحال فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر بالتمر ويجوز بيع اللبن الحليب بالرائب وهو الذى فيه حموضة لانه لبن خالص وانما تغير فهو كتمر طيب بتمر غير طيب ويجوز بيع الرائب بالرائب كما يجوز بيع تمر متغير بتمر متغير)

(11/162)


(الشَّرْحُ) الْحَلِيبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ مِنْ الْأُمِّ هُوَ مَا يحلب مِنْ سَاغِيَةٍ وَكَانَ مُنْتَهَى خَاصِّيَّةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلَاوَتُهُ وَذَلِكَ حِينَ يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ اسْمِ الْحَلِيبِ وَالرَّائِبُ فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حُمُوضَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ وَالرَّائِبُ الَّذِي خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ وَلَا القيت فيه انفخة وَنَحْوُهَا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَمَقْصُودُهُ فِي جَمِيعِهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَمَاثِلًا أَوْ مُتَفَاضِلًا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِ الْأَلْبَانِ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا وَوُجُوبُ التَّمَاثُلِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الرُّطَبِ الَّذِي يُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى جَفَافٍ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ حَالَ كَوْنِهِ لَبَنًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ وَأَفْرَدَ لَهُ بَابًا وَذَكَرَ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رطبا بما تقدم بيانه منه قَالَ الشَّافِعِيُّ هُنَاكَ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا لِذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لامنتقلا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حليب حامض وكيف ما كان بلبن كيف ماكان حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ حَامِضًا وَلَا حَامِضًا بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبًا بِرَائِبٍ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ مَاءٌ فَإِذَا خَالَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وذكر

(11/163)


الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَسْأَلَةَ الْحَامِضِ هُنَا وَهُوَ الْمَخِيضُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُفْرَدًا بِالذِّكْرِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مُفْرَدَةٍ بِعِلَّةٍ فَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِيبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَالَةُ الْكَمَالِ لِوُجُودِ غَايَةِ مَنَافِعِهِ كَالتَّمْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ عَامَّةَ المنافع الرُّطَبِ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَمْرًا وَتَنَاوُلُهُ فِي حالة الرطوبة يعد عجلة وَتَفَكُّهًا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الرُّطَبَ يَشْرَبُ مِنْ أُصُولِهِ وَيَجِفُّ بِنَفْسِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ اللَّبَنَ فِي حَالِ كَمَالِهِ وَالرُّطَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا (وَالثَّالِثُ) فرق أبو اسحق أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي اللَّبَنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَهِيَ الْحَافِظَةُ لِمَنْفَعَتِهِ بِخِلَافِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَفَافِ كذلك وجاز بيع اللبن باللبن وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مِنْهُمَا زُبْدٌ لِأَنَّ بَقَاءَ الزُّبْدِ فِيهِ مِنْ كَمَالِ مَنْفَعَتِهِ وَهُوَ أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ مَأْكُولٌ مَعَهُ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ.
قَالَ
الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) اللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى السَّمْنِ وَالْمَخِيضِ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ (قُلْنَا) اللَّبَنُ يُعَدُّ جِنْسًا وَاحِدًا كَالسِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَفِيهِمَا الدُّهْنُ وَالتُّفْلُ وَكَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا الطَّعْمُ وَالنَّوَى قَالَ الْإِمَامُ وَأَوْقَعُ عِبَارَةٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهْدِ وَاللَّبَنِ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ مُخَامِرٍ لِلْعَسَلِ في أصله فإن النحل ينسج البيوت من الشَّمْعِ الْمَحْضِ ثُمَّ يُلْقِي فِي خَلَلِهِ الْعَسَلَ الْمَحْضَ فَالْعَسَلُ مُتَمَيِّزٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ مُشْتَارُ العسل يخلطه بالشمع

(11/164)


بعض الخلظ بالتعاطي والضغط وليس اللبن كذلك وهو الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ ذَكَرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بما حصل فيه الغيير كَمَا أَنَّ التَّمْرَ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشَبِّهْهُ بِالرَّائِبِ وَإِنَّمَا قَالَ لَبَنًا حَلِيبًا بِلَبَنٍ قَدْ حَمُضَ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ يَجُوزُ وَجَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ جَوَازَ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ إذَا لَمْ يَكُنْ زُبْدُهُمَا مَمْخُوضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ لَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَ مَا الْمُرَادُ بِالرَّائِبِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَزَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِالزُّبْدِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالرَّائِبِ هُنَا مَا خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ.
(فَرْعٌ)
وَالْمِعْيَارُ فِي اللَّبَنِ الْكَيْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ جَمِيعًا (قُلْتُ) وَإِنَّمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَكَذَا وَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَكَذَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُمْ مِعْيَارُهُ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِتَجْوِيزِ الْأَمْرَيْنِ هَكَذَا أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُبَاعُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ كَيْلًا سَوَاءٌ كَانَا حَلِيبَيْنِ أَوْ رَائِبَيْنِ أَوْ حَامِضَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الرَّائِبَ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ ففيه نظر لان الشافعي قال ففى اللبا ما يقتضى أن الْمِعْيَارَ فِيهِ الْوَزْنُ لَا الْكَيْلُ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللِّبَأِ إلَّا مِكْيَالًا مِنْ قَبْلِ تَكْبِيسِهِ وَتَجَافِيهِ

(11/165)


فِي الْمِكْيَالِ اللَّبَنُ الرَّائِبُ فِيهِ شِبْهٌ مِنْ اللِّبَأِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ عُقَدَ اللِّبَأِ أَكْثَرُ فَلِذَلِكَ يَتَجَافَى بِخِلَافِ الرَّائِبِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ لِهَذَا الْإِشْكَالِ فَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا خثر الشئ كَانَ أَثْقَلَ وَاَلَّذِي يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ
الْخَاثِرِ يَزِيدُ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ جِنْسِهِ بِالْوَزْنِ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْوَزْنِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمِكْيَالِ فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَجَوَّزْنَا بَيْعَ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ إذَا كَانَ يُوزَنُ وَلَكِنَّا اعْتَمَدْنَا خُرُوجَ الدِّبْسِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِاللَّبَنِ وَجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَيَتَّجِهُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِالْبَعْضِ أَنْ يُقَالَ الِانْعِقَادُ جَرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى تَسَاوٍ وَلَا يَرْبُو في الاناء إذا انْعَقَدَ رَائِبًا وَلَا يَنْقُصُ فَإِنَّهُ طَبِيعَةٌ فِي نَفْسِ اللَّبَنِ عِقَادَهُ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ ذَهَابِ جُزْءٍ وَبَقَاءِ جُزْءٍ فَأَمَّا بَيْعُ الْخَاثِرِ بِاللَّبَنِ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَيَظْهَرُ تَجْوِيزُهُ فَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَبَيْعُ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ الْخَاثِرِ كَيْلًا فِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ وَوَجْهُ التَّجْوِيزِ تَشْبِيهُ الْخَاثِرِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ الْمُغَلَّلَةِ تُبَاعُ بِالرِّخْوَةِ فَالْخَاثِرُ بِالْحَلِيبِ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَنْتَ قَدْ سَمِعْتَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ انه تردد ركانه لم يتحر عنه هل هو مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَكِيلٌ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَيْلًا جَائِزٌ جَزْمًا وَبَيْعَ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا جَائِزٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ وَفِي الرائب

(11/166)


بِالْحَلِيبِ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي اللِّبَأِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ من انعقااد أَجْزَائِهِ عَلَى تَسَاوِيهِ وَمِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ وَالرَّخْوَةِ مَمْنُوعٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اللَّبَنُ الْخَاثِرُ يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ كَالسَّمْنِ الرَّائِبِ قَالَ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَكَأَنَّهُ تَبَعَ الرَّافِعِيَّ فِيمَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ.
(فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ أَنْ يَكِيلَهُ وَلَا رَغْوَةَ فِيهِ فَلَوْ كَانَ فِيهِ رَغْوَةٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَسْكُنَ لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَحَقِيقَةِ التَّفَاضُلِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَفَ فِيهِ مَكِيلٌ فليس له أن يكيله برغوته لا تزيد فليست بلبن يبقى بقاء اللبن مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْحَلِيبِ وَعَلَيْهِ الرَّغْوَةُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كَيْلًا نَصَّ عَلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ فَأَمَّا وَزْنًا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.

(11/167)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْهَرِيدُ بالهريد لا يجوز لتأثر لنار فِيهِ (قُلْتُ) وَالْهَرِيدُ (1) .
(فَرْعٌ)
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخَاثِرِ بِالْحَلِيبِ وَالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الخاثر وغيره في الوزن والوزن لااعتبار بِهِ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِ الْكَيْلُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
(فرع)
قال الرافعى رضى الله عنه في الام لاخير فِي لَبَنٍ مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يُنْقِصُ اللَّبَنَ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ كَانَ مُسَخَّنًا مِنْ غَيْرِ غَلَيَانٍ صَحَّ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
(فَرْعٌ)
شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ هَذَا اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالخالص بلا خلاف.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/168)


(فَرْعٌ)
إذَا حُمِيَ اللَّبَنُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا تَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ ببعض قاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الغنم بلبن البقر متفاضلا على الصحيح.
والمشهور أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الصِّنْفِ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَلَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ صرح بذلك هنا صاحب التهذيب.

(11/169)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن لان ذلك مستخرج منه فلا يجوز بيعه به كالشيرج بالسمسم ولايجوز بيعه بالمخيض لان المخيض لبن نزع منه الزبد والحليب لم ينزع منه
الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبان ولايجوز بيعه بالشيراز واللبأ والجبن لان أجزاءها قد انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا لانهما يتفاضلان ولايجوز بيعها وزنا لان اللبن مكيل فلا يباع بجنسه وزنا) .

(11/170)


(الشَّرْحُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا كَذَا فِي النسخة وصوابه اثنى عَشَرَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَاللِّبَأُ وَالْأَقِطُ وَالْمَصْلُ والجبن والسيرار وَالدَّجْنَيْنِ وَالْكَشْكُ وَالطَّيْنَحُ وَالْكَوَامِيخُ قَالَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ والكبح قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي التَّفْصِيلِ مَسَائِلُ فَنُورِدُهَا كَمَا أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي زُبْدِ غَنَمٍ بلبن غنم لان

(11/171)


الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ مَعْنَى ذَلِكَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كلام الشافعي ان الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَإِذَا بَاعَهُ بِاللَّبَنِ وَاللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الزُّبْدِ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ زُبْدًا بزبد متفاضلا وقال أبو اسحق لِأَنَّ فِي الزُّبْدِ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَيَكُونُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ مُتَفَاضِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ولم يذكر أبو اسحق ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِبَيْعِ اللَّبَنِ باللبن

(11/172)


(فَإِنْ قِيلَ) فَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ فَهَلَّا امْتَنَعَ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ كَمَا قِيلَ فِي بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ فَإِنَّ الْجَوَابَ مَذْكُورٌ عَنْهُمَا مَعًا كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الاصحاب منهم (1) والرافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملى وههنا يبطل تعليل ابى اسحق لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لَجَازَ ههنا وهذا الالتزام نزل على ان ابا اسحق غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَكَانَ يجب
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/173)


ان يقول اسحق ههنا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ اللَّبَنَ فِي حُكْمِ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَاطَ فِيهِ فَجَوَّزُوا بَيْعَ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ جِنْسٌ وَاحِدٌ (قُلْنَا) هَذَا فِيهِ بعض الغموض من التَّعْلِيلِ وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ مَعَ تَجْوِيزِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَقْصَى الْمُمْكِنِ فِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ إذَا قُوبِلَ بِالسَّمْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخَالِفًا لِلسَّمْنِ فَإِنَّمَا يُجَانِسُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ السَّمْنِ لَا بِصُورَتِهِ وَطَعْمِهِ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا

(11/174)


السَّمْنَ اُنْتُظِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَبِيعُ سَمْنًا بِسَمْنٍ وَمَخِيضٍ فَأَمَّا اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فَيُعْتَمَدُ تَجَانُسُ اللَّبَنِ فِي صِفَتِهِ النَّاجِزَةِ وَلَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَيْعِ السَّمْنِ بِالشَّيْرَجِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ لاحوج إلى جواب غير هذا (المسالة الثانية) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْمَخِيضِ وَهُوَ الرَّدْغِ الَّذِي اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ الزُّبْدُ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بالعلة التى ذكرها لانه مستعبد

(11/175)


أَنْ يُقَالُ إنَّ الْمَخِيضَ مُتَّخَذٌ مِنْ اللَّبَنِ بل ههو نفس اللن نزع منه الزبد لاسيما عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ أَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ اللَّبَنِ وَجَمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يصح ان يقاالل فِي الْمَخِيضِ فَلِهَذَا أَفْرَدَهُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالسِّمْسِمِ وَإِنْ كان أبو اسحق فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ لَا يَجْعَلُ لِلزُّبْدِ الْكَامِنِ فِي اللَّبَنِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجَوِّزَ اللَّبَنَ بِالْمَخِيضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي اللبن بلزبد فيرد عليه

(11/176)


هُنَا كَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ (المسالة الرابعة) بيعه بالشيزارى وَهُوَ (1) وَاللِّبَأُ وَالْجُبْنُ وَالْعِلَّةُ فِي الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ عَلَّلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وزاد هو وابو حامد ان الجبن انفحة وملح فيكون بيع لبن وشئ بِلَبَنٍ وَزَادَ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْهُ وَفِي مَعْنَاهَا بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْأَقِطِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ ولاخير في لبن غنم باقط مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فَإِذَا بعت اللبن بالاقط اجزت اللبن باللبن مجولا وَمُتَفَاضِلًا أَوْ جَمَعْتُهُمَا مَعًا فَإِذَا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَذَلِكَ وكذلك الطينخ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ مَفْقُودَةٌ ومخالطة غيره فلا يجوز يبعها بِحَلِيبٍ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فقال ان لم تنعقد اجزاءه وانماا سُخِّنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالسَّمْنِ أَوْ النَّارِ الْخَفِيفَةِ وَإِنْ طُبِخَ حتى انعقدت اجزاءه أَوْ اخْتَلَطَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَرَأَيْتُ في شرح الكفاية للصميرى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِاللِّبَأِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ وَكَذَلِكَ الْأَقِطِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَّلَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ امْتِنَاعَ بَيْعِ اللبن باللبأ بان اصله الكيل واللبأ المعول للآكل لا يكال لان النار عقدت
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/177)


أَجْزَاءَهُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ وَعَلَّلَ فِي ذَلِكَ بالباقي بالجبن والمصل وشبهما وَكَذَلِكَ الْمَصْلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ المذكورة وفيه اصح ملح ايضا قاله أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَصْلُ مَاءُ الْأَقِطِ عَلَى الْمَشْهُورِ عُصَارَةُ الْأَقِطِ حِينَ يُطْبَخَ ويعصر وقيل ماء اللبن النئ وَقِيلَ الْمَخِيضُ وَكَذَلِكَ الْكَشْكُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَشَائِشِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْكَشْكِ الَّذِي يُعْمَلُ فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُ يُدَشُّ الْقَمْحُ وَيُعْجَنُ بِاللَّبَنِ الْحَامِضِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إطْلَاقُ الْكَشْكُ يعنى آخر شرهه ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالْقَمْحِ الْمَهْرُوشِ الْمُزَالِ عَنْهُ الْقِشْرُ فَقَطْ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ طَعَامُ الْقَمْحِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَدَمُ جَوَازِ الْجُبْنِ بِاللَّبَنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في باب بيع لآجال من الام ولاصحاب وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) قال الاصمعي أو اللبنين اللِّبَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ.
(فَرْعٌ)
جَزَمَ ابْنُ أَبِي هريرة في التعليق بان الرائب بالزب جَائِزٌ قَالَ لِأَنَّ مَا فِيهِ تَابِعٌ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ منهما ماء

(11/178)


قال أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي الْحَلِيبِ بِالْمَضْرُوبِ لِأَنَّ فِي الْمَضْرُوبِ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ بِالضَّرْبِ فَهَذَا مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّوغِ بالحليب لا انه يؤدى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَفَاضُلِ اللَّبَنَيْنِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَخِيضِ الَّذِي طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ للضرب.
(تنبيه) بيع الشئ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ يَمْتَنِعُ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِاللَّبَنِ جَائِزٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْمَدَاخِلِ وَالصَّوَابِيِّ الْمَصْبُوغَةِ نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا الْأَصْلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ مَصُوغٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُتَّخَذَ لَا يَسْتَحِيلُ بِالصِّيَاغَةِ بَلْ هُوَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وما يتخذ من المطعومات يستحيل عن صفنه فإذا بيع باصله كيلا بكيلا حصل التفاضل بالنسبة إلى حالة الادخار..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(واما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فانه ان باع السمن بالسمن جاز لانه لا يخالطه غيره قال الشافعي رحمه الله والوزن فيه احوط وقال أبو اسحق يباع كيلا لان أصله الكيل) .

(11/179)


(الشَّرْحُ) يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالسَّمْنِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والقاضى حسين والرافعي لما ذكره المصنف ولانه لَا يُدَّخَرُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهَا خِلَافًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْجَامِدَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي السَّمْنِ بِالسَّمْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَسَمْنِ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْغَنَمِ أَمَّا سَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ فَقَدْ حَكَيْنَا خِلَافًا في كون الاسمان جنسا أو اجناس فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ مُتَفَاضِلًا وَإِذَا بِيعَ السَّمْنُ بِالسَّمْنِ يُبَاعُ وَزْنًا عَلَى الصَّحِيحِ وَنَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَنَّ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ وَالسُّكَّرَ مَوْزُونَاتٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ
الْحَدِيثِ إنَّ السَّمْنَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْوَزْنِ وَاسْتَدَلَّ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَثَرٍ نَقَلَاهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(11/180)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الْوَزْنِ لا بأس أن يسلف في شئ وزنا وان كان يُبَاعُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِي الْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يسلف فيه كيلا وان يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ وَزْنًا وَمِثْلُ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْآدَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا الله أعلم.
أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فاما ماقل مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَبِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا آكُلُ سَمْنًا مَادَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي قَوْلِهِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ فِي أَنَّ السمن مكيل فانه قال ولايجوز اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَتَكَلَّمَ فِي أَجْنَاسِ الْأَلْبَانِ وَأَحْكَامِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ومن جملتها

(11/181)


الْكَيْلُ لَكِنَّ تَصْرِيحَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَمُبَيِّنٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَائِبًا أَوْ جَامِدًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا يُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا يُبَاعُ كَيْلًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ فَحَكَوْا عَنْ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يُوزَنُ وَعَنْ أبى اسحق أَنَّهُ يُكَالُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ فِي الذَّائِبِ بِالْكَيْلِ وَحَكَى فِي الْجَامِدِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لان أصله الكيل
(والثانى)
يجوزه وَزْنًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَخْصَرُ وَالْكَيْلُ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ في سمن غنم بزبد غنم بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ مِنْ الزُّبْدِ
يَقَعُ مُتَفَاضِلًا أَوْ مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أَوْ مَوْزُونَانِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) الْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ نَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي تَفْرِيعِ الزَّيْتِ مِنْ الْعَسَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْنَقِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ وَسَمْنَ الْبَقَرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْأَلْبَانِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا الالبان من جِنْسٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْمَانُ كَذَلِكَ

(11/182)


لِلِاتِّحَادِ فِي الِاسْمِ وَالْأَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخَائِرِ أَنَّ السَّمْنَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَدْهَانِ فَلَا خِلَافَ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا الْأَدْهَانُ جِنْسٌ أَوْ اجناس والله أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(فان باع الزبد ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز بيع السمن بالسمن واللبن باللبن
(والثانى)
لا يجوز لان الزبد فيه لبن فيكون بيع لبن وزبد بلبن وزبد) .
(الشَّرْحُ) جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَجَزَمَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجَوَازِ وَأَبُو الطَّيِّبِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالصَّيْمَرِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ حِكَايَةً عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْجَوَازُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ كما تقدم عن تعليقه لان مافى الزُّبْدِ مِنْ بَقَايَا اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَكَانَ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ حَكَاهُ الْقَاضِي أبو حامد المروزى عن

(11/183)


الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرُونَ إنَّمَا حَكَوْا ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَخِيضِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَشَبَّهَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ فَإِنَّ صِفَاتِ السَّمْنِ لَائِحَةٌ مِنْ الزُّبْدِ كَمَا الْعَسَلُ فِي الشَّهْدِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّهُ فِي مُدْرِكِ الْجِنْسِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ (فَإِنْ قُلْتَ) الرَّغْوَةُ الَّتِي فِي الزُّبْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ (قُلْتُ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي التَّمَاثُلِ وَالْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَيَصِيرُ كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَبَّاتٍ مِنْ الشَّعِيرِ تُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَبَّاتُ مِنْ الشَّعِيرِ مَقْصُودَةً لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَالْمُرَادُ بِالزُّبْدِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزُبْدِ
الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْغَنَمِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا فِي كُلِّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّبَنِ وَالرَّغْوَةِ غَيْرُ مقصود والمماثلة غير واجبة.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ المخيض بالمخيض نظرت فان لم يطرح فيه الماء جاز لانه بيع لبن بلبن وان طرح فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل المائين وتفاضل اللبنين) .

(11/184)


(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَخِيضَ لَبَنٌ نُزِعَ مِنْهُ الزُّبْدُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَإِذَا كَانَ زُبْدُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا سَمْنٍ.
أَمَّا الْمَنْزُوعُ الزُّبْدِ وَهُوَ الدُّوغُ فَيُبَاعُ بِالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.
وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ جَازَ الْمُمَاثَلَةُ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَالَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ وَلَا عَلَى حَالِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ فَلْيَكُنْ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُ مَجْهُولُ التَّسَاوِي حَالَةَ الْكَمَالِ وَإِنْ طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ لِلضَّرْبِ وَهُوَ (1) لَمْ يَجُزْ جَزَمَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا فِيهِ مَاءٌ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْخَالِصِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الْمَخِيضِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ انْتَهَى.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَخِيضِ مَا يُتَصَوَّرُ نَزْعُ الزُّبْدِ مِنْهُ بِغَيْرِ مَاءٍ صَحَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَزِمَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ لِأَجْلِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا أَنَّ طَرِيقَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَيُنَزَّلُ كلام المصنف على ذلك.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/185)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْبَانِ الْمَعْقُودَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِكَوْنِ بَعْضِهِ أَشَدَّ انْعِقَادًا مِنْ بَعْضٍ وَلِمُخَالَطَةِ بَعْضِهِ لِلْمِلْحِ وَالْإِنْفَحَةِ (قُلْتُ) وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ عَنْ قُرْبٍ.
(فَرْعٌ)
دُخُولُ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ مَانِعٌ لِبَيْعِهِ مُطْلَقًا بجنسه وبغيره للجهل والمقصود فَإِنَّ الْمَاءَ فِي اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمِقْدَارُهُ مَجْهُولٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْخَلِيطِ أَمَّا لَوْ شَاهَدَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي اللبن والماء وعلما مقدارهما ثم خلطاهما وَتَبَايَعَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ البيع بنقد أو أشبهه أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِلَبَنٍ مِثْلِهِ أَوْ خَالِصٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ جَازَ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْحِنْطَةِ الْمَشُوبَةِ بِحَبَّاتٍ يَسِيرَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْمُخَالَطَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ بِكَوْنِهِ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنَانِ جِنْسًا وَاحِدًا امْتَنَعَ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَإِنْ كَانَا جنسين فسأفرد لهما فرعا هنا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا اخْتِصَاصِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِالْمَخِيضِ بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْحَلِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّبَنِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ إلَى الْمَخِيضِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطُهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْمَخِيضَ بَعْدَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ مِنْهُ بِالزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَا بَأْسَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ.

(11/186)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِلَبَنِ بَقَرٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَشُوبًا بِالْمَاءِ وَكَانَ الْمَاءُ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا كَمَا فَرَضْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا غَيْرَ مَقْصُودٍ صَحَّ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأَثَرِهَا فِي الْكَيْلِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقْصَدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) مَمْلُوكٌ غَيْرُ رِبَوِيٍّ تَأْتِي فِيهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ في الحلول من التحريج على القولين
في الجمع بين مختلفي الحكم لِأَنَّ اللَّبَنَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ فَلْيُطَالَعْ التَّنْبِيهُ الَّذِي هُنَاكَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْبَقَرِ وَزُبْدُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ وَسَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ يَدًا بِيَدٍ قاله الصميرى وقد تقدم ذلك معرفا في مواضعه.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ الجبن أو الاقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز لان أجزائها منعقدة ويختلف انعقادها ولان فيها ما يخالطه الملح والانفحة وذلك يمنع التماثل) .
(الشَّرْحُ) الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ جَزَمَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حامد رأس العراقين وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ رَأْسُ الْمَرَاوِزَةِ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى جَزَمَ بِهَا الْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وعلة انعقاد أجزائه

(11/187)


بالنار شاملة لجميعها اللبأ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ مُخَالَطَتِهَا لِغَيْرِهَا فَفِي الْجُبْنِ الْإِنْفَحَةُ وَفِي الْأَقِطِ الْمِلْحُ وَفِي الْمَصْلِ الدَّقِيقُ وأما اللبأ فليس فيه إلَّا التَّأَثُّرُ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أَثَرَ النَّارِ قَرِيبٌ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالسُّكَّرِ فِي الْمَعْقُودَاتِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي بَيْعِ اللِّبَأِ بِاللِّبَأِ وَجْهَيْنِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ اللِّبَأِ يَحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْلُوبًا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِحَسَبِ مَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْحَلْبَةِ مِنْ الدَّرَّةِ الْأُولَى وَنَقَلَ الْعِجْلِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ دَقَّ الْمَصْلُ حَتَّى أَمْكَنَ كَيْلُهُ يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبالبن ولعل مراده بالمصل مالا دَقِيقَ فِيهِ أَمَّا إذَا فُرِضَ فِيهِ الدَّقِيقُ فيتمتع وَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ بَيْعَ الْمَصْلِ بِالْمَصْلِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا فَإِنْ دَقَّا جَمِيعًا حَتَّى أَمْكَنَ الْكَيْلُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ بيع بعضه ببعض وبيعه بالبن أَيْضًا قَالَ وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ مِلْحٌ فَإِنْ خَالَطَهُ مِلْحٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَادَّعَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْجُبْنَ بِالْجُبْنِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لِأَنَّ أصله الكيل وهو معتذر وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِنْفَحَةَ يَجْمُدُ بِهَا تمنع مِنْ التَّمَاثُلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ دَقَّ الْجُبْنُ حتى صار فتيا وَصَارَ نَاعِمًا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ
سُرَيْجٍ لِإِمْكَانِ كَيْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ على قوله غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْإِنْفَحَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ

(11/188)


عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمِلْحٍ كَثِيرٍ يَظْهَرُ لَهُ مِقْدَارٌ الْتَحَقَ بِبَيْعِ الْمُخْتَلَطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ فَهُوَ مَعْرُوضٌ عَلَى النَّارِ وَلِلنَّارِ فِيهِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فَيَلْتَحِقُ الْكَلَامُ فِيهِ بِالْمُنْعَقِدِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ بِالنَّارِ أَوْ الشَّمْسِ الْحَامِيَةِ (قُلْتُ) إذَا كَانَ عَقْدُهُ بِالشَّمْسِ الْحَامِيَةِ وَلَا مِلْحَ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْعَسَلِ إذَا شُمِّسَ كَذَلِكَ بِشَمْسِ الْحِجَازِ وَبَحَثَ وَقَالَ إنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا مُسْتَوِيًا فَهَلَّا قَالَ ذَلِكَ هُنَا وَجَوَّزَ عَلَى مَسَاقِهِ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمُنْعَقِدِ وَلَا فَرْقَ فِي سَبَبِهِ بَيْنَ النَّارِ وَالشَّمْسِ إذَا وُجِدَ الِانْعِقَادُ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي التَّصْفِيَةِ بدون الانعقاد.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وأما بيع نوع منه بنوع آخر فانه ينظر فيه فان باع الزبد بالسمن لم يجز لان السمن مستخرج من الزبد فلا يجوز بيعه بما استخرج منه كالشيرج بالسمسم وان باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز لانه ليس في احدهما شئ من الآخر قال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هما كالجنسين فيجوز بيع احدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف وان باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز وقال أبو إسحق لا يجوز لان في الزبد شيئا من المخيض فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصلح لان الذى فيه من المخيض لا يظهر الا بالتصفية والنار فلم يكن له حكم وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر لانه يؤدى إلى التفاضل) .

(11/189)


(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذلك الصميرى والشيخ أبو الحامد وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم لما ذكره المصنف ولتحقق المفاضلة سبب مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّمْنَ قَلِيلٌ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ الْمُخْتَلَطُ بِالزُّبْدِ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ أَشْبَهَ التُّرَابَ الْمُخْتَلَطَ بِالْحِنْطَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ (وَأَمَّا) الْعِلَّةُ الْأُولَى
الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ السَّمْنَ حَاصِلٌ فِي الزُّبْدِ بِالْقَصْدِ حُصُولَ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ (وَأَمَّا) الشَّيْرَجُ فَكَامِنٌ فِي السِّمْسِمِ لَا ظَاهِرٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّمْنَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الزُّبْدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى (1) بِمَا هُوَ كَامِنٌ فيه فلا يَمْتَنِعَ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ أَوْلَى وَهُوَ صَحِيحٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّمْنُ بِالْمَخِيضِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْجَوَازِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْإِمْلَاءِ وَعَنْ الْمُزَنِيِّ هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الصَّرْفِ فِي بَيْعِ الضَّمَانِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَمَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ لَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْحُكْمِ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَاعَى شَرْطُ التَّمَاثُلِ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/190)


ابْنُ الصَّبَّاغِ (فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ قُلْتُمْ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسَيْنِ (قُلْنَا) الكسب لا ينفرد عن الشيرج ولابد أن يبقى معه شئ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّ الْمَخِيضَ لَا يَبْقَى فِيهِ سَمْنٌ ذَكَرَهُ مَعَ السَّمْنِ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثالثة) الزبد بالمخيض المنصوص للشافعي أنه يجوز وقال أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف فأما أبو إسحق فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ وافقه على هذا الحكم هنا وفى الحر أَنَّ أَبَا حَامِدٍ قَالَ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا ظنا منه لَا لَبَنَ فِي الزُّبْدِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ الزُّبْدَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ اللَّبَنِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يكن فيه اللبن ظاهرا وذلك القدر يَسِيرٍ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالنَّارِ وَالتَّصْفِيَةِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزُّبْدِ السَّمْنُ وَالْمَخِيضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّمْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ
الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ الْمَخِيضُ الَّذِي فِي الزُّبْدِ قَلِيلٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ كَمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً لاشعير فِيهَا بِحِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ قَلِيلَةٌ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ الْقَفَّالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وحكى أبو الطيب عن أبى اسحق الموافقة في بيع السمن بالمخيض لانه لالبن فِيهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الزبد أسضا لانه لاحكم لذلك إليه إذَا كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ بِالنَّارِ.

(11/191)


(فَرْعٌ)
إذَا بِيعَ الزُّبْدُ بِالْمَخِيضِ فَهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ ردهم على أبى اسحق وَلَوْ كَانَ الزُّبْدُ وَالْمَخِيضُ جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى أَنْ يَغْتَفِرُوهُ لِقِلَّتِهِ وَلَمْ يَتَّجِهْ لابي اسحق مَا قَالَهُ وَلَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ مُخَالَفَةً لِلنَّصِّ وَلَا لِلْأَصْحَابِ بَلْ زِيَادَةَ بَيَانٍ عَلَى مَا أَجْمَلُوهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ المخيض بالزبد كبالسمن وَإِنْ كَانَ فِي الزُّبْدِ قَلِيلُ مَخِيضٍ وَفِي الْمَخِيضِ قَلِيلُ زُبْدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَيْنِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحَدِهِمَا قَلِيلُ قَصْلٍ أَوْ زَوَانٍ (قُلْتُ) يَعْنِي أَنَّ التَّمَاثُلَ لَيْسَ شَرْطًا فَالْخَلْطُ وَإِنْ مَنَعَ التَّمَاثُلَ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَضُرُّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَخِيضَ وَالسَّمْنَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَبَايُنِ الصِّفَاتِ وَاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْغَرَضِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أن ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ قال شيخنا لا خلاف فيه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ مُتَفَاضِلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هَذَا إخْبَارًا عن ذلك لا انه مذهب له مخالف فِيهِ غَيْرَهُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ كَذَلِكَ هُوَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَّا بَيْعُ السَّمْنِ بالمخيض والزبد بالمخيض خلافا لابي اسحق وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ صَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حسين (1) وهو أنه لا يجوز بيع شئ من تلاقط وَالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ وَاللِّبَأِ بِالْآخَرِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا بالزبد وبالسمن وَلَا بِالْمَخِيضِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ لَمَّا جوزوا بيع
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/192)


الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِذَا كَثُرَ الزُّبْدُ فَالرَّغْوَةُ قَدْ تَبْلُغُ مَبْلَغًا يُطْلَبُ مِثْلُهُ فِي جِنْسِ الْمَخِيضِ وَلَكِنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْبَابِ أَنَّ مَا يُمَيَّزُ مِنْ الزُّبْدِ فِي الْغَالِبِ تَبَدَّدَ وَلَا يُعْنَى بِجَمْعِهِ وَإِنْ كَثُرَ الزُّبْدُ فَهَذَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ الرَّغْوَةُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالْمَصْلِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْمَخِيضِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الصِّفَاتِ تَفَاوُتًا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ بِهِ وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْأَقِطِ وَالْمَصْلِ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِالدِّبْسِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الاقط والمخيض والمصل والجبن حنس واحد (أما) المخيض والاقط والمصل فَكَمَا ذَكَرُوهُ (وَأَمَّا) الْجُبْنُ فَفِيهِ مَا يُجَانِسُ المخيض وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّبَنِ جِنْسُ الْأَقِطِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ بِالْمُشَاحَّةِ فِي الْعِبَارَةِ وَمَقْصُودُهُمْ مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ جُبْنِ الْغَنَمِ بِجُبْنِ الْبَقَرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِثْلَ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ خُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ (إذَا قُلْنَا) الْأَدِقَّةُ أَجْنَاسٌ.

(11/193)


(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَبَاعَ سَمْنَ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ وَلَيْسَ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنٌ يَتَمَيَّزُ بِالْمَخْضِ وَالْعِلَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نَجْعَلُ لَبَنَ الابل مشتملا على سمن تقديرا حتى يخالف هو بمثابة سمن الْبَقَرِ ثُمَّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَرَاءَهُ احْتِمَالٌ فِي أَنَّ سَمْنَ الْبَقَرِ هَلْ يُخَالِفُ جِنْسَ لَبَنِ الْإِبِلِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى تَجَانُسِ الْأَلْبَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَالسَّبَبُ فيه انا حكمنا بتجانس الالبان لاجتماعهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يُقَدَّرْ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ الْإِنْفَحَةُ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَةِ الْجُبْنِ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِنْفَحَةِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ إشَارَةُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِنْفَحَةَ جِنْسٌ عَلَى حِيَالِهَا مُخَالِفٌ لِلَّبَنِ وَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَلَسْتُ أَدْرِي أَنَّهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَحْدَهَا كَالْمِلْحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةُ فِي بَيْعِ بعضها
ببعض أم ليست من المطعومات.

(11/194)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه لما روى سعيد بن المسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا يباع حى بميت وروى ابن عباس رضى الله عنه أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أعطوني بها لحما فقال أبو بكر لا يصلح هذا ولانه جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مثله فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ أَبُو داود من طريق الزهيري عَنْ سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وأبو داود أيضا من طريق زيد ابن أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بالحيوان هذا لفظ الشافعي عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ وَرَأَيْتُ فِي مُوَطَّأِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ باللحم والمعنى واحد وكلا الحدثين أَعْنِي رِوَايَتَيْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ

(11/195)


وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَاحِدٌ عَنْ سَعِيدٍ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ (مِنْهَا) عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن أن أتباع الشاة باللحم رواه الحاكم بالمستدرك وقال رواية عَنْ آخِرِهِمْ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ في الموطأ هذا كلام الحاكم ورواه البهيقى فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ومن أثبت سماع الحسن بن سَمُرَةَ عَدَّهُ مَوْصُولًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ انْضَمَّ إلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمَنْ سَيُذْكَرُ.
(وَمِنْهَا) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عن ابن المسيب مرسلا وذكره البهيقى أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الصَّغِيرِ وَحَكَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَلَطِ يَزِيدَ بْنِ مَرْوَانَ وَيَزِيدُ الْمَذْكُورُ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلَيْسَ هَذَا بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ (وَمِنْهَا) عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ

(11/196)


عَنْ نَافِعٍ وَثَابِتٌ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُسْتَقَلُّ بِهِ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ (قُلْتُ) وَفِي الْأَوَّلَيْنِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَأَمَّا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ صَحِيحٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ عِنْدَ حَدِيثِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إنَّمَا تَحَدَّثَ عَنْ صحيفة سمرة وقال الخطابى والحسن عن صحيفة مُخْتَلَفٌ فِي اتِّصَالِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عن صحيفة سمرة وَقَالَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ وَقَالَ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ العقبة حسب وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ أَكْثَرَ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ العقبة وقال ابن عبد البر لاأعلم حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ يَتَّصِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَخْذُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ لَا يَثْبُتُ

(11/197)


(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً ولم يقل به الشافعي فان كان صحيح سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِمَا (قُلْتُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً عَارَضَهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرِ إلَى أَجَلٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ بَلْ عَضَّدَهُ مَرَاسِيلُ وَآثَارٌ وَعَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ سَمُرَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِ التَّمَسُّكِ بِالْمُرْسَلِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ تَوَجَّهَ اعْتِرَاضٌ مِنْ الْخَصْمِ بِسَبَبِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لا يحتج بالمرسل فلذلك يكلم الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ محتج به في الجملة وابن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا في المختصر وقال الامام أَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ نَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ بِخَطِّ كَاتِبِ

(11/198)


الْوَزِيرِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ عَنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ عن ابن جريج عن القاسم ابن أبى برة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد حذرت أَجْزَاءً كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْءًا فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأُخْبِرْتُ عَنْهُ خَيْرًا.
السَّائِلُ عَنْ الرَّجُلِ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي برة فِيمَا أَظُنُّ أَمَّا (حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِجِنْسِهِ كَالْبَقَرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي مَنْعِهِ نَقْدًا ونسأ لِلْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ أَيْضًا وَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بشار وَخَارِجَةُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ صح ذلك فالسبعة قائلون به كذلك نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ فَيَكُونُ

(11/199)


فَاضِلُ اللَّحْمِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَإِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَالَ الْمُزَنِيّ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نِسْبَةَ الْخِلَافِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرويانى في الحلية ونقل عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَفِي اخْتِيَارِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ عَنْهُ وَقَالَ إنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْإِرْشَادِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ تَيْسِيرِ الْجَاهِلِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) إمَّا أَنْ يَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَوْ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فان تمسكتم بحديث سمرة فقد رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وان تمسكتم بالمرسل بِالْمُرْسَلِ فَكَذَلِكَ الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (قُلْتُ) أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَلَهُ مُعَارِضٌ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ وَكَوْنُ جَمَاعَةٍ رَوَوْهُ مَوْقُوفًا فَلِذَلِكَ لَمْ نقل بِهِ الشَّافِعِيُّ وَحَمْلُهُ إنْ صَحَّ عَلَى النَّسِيئَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ هُنَا
فَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ بَلْ لَهُ مَا يُعَضِّدُهُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ وَالْآثَارِ وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ

(11/200)


وَكَانَ الْقَاسِمُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللحم عَاجِلًا وَآجِلًا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ قَالَ وَبِهَذَا نَأْخُذُ كَانَ اللَّحْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَحْتَجُّ بِهَا فَأَمَّا فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ ونقل بعض النا س عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ تَتَّبَعْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مُسْنَدَةً قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّ التَّابِعِينَ بِأَسْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إنْكَارُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْسِ المائتين فانه تعرض بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْمَرَاسِيلِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَبَبِ كِتَابَةِ السُّنَنِ وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَقَدْ كَانَ يَحْتَجُّ بِهَا الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِيُّ فَتَكَلَّمَ فِيهِ وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُذْكَرَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمُ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِ الْأَثَرِ عَلَى مَا قاله الخطيب البغدادي بل كلهم ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وابو زرعة الدارى وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَوَفَاتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاةِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَ في ذلك ابا بكر قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالظَّاهِرُ إذَا نُحِرَتْ جَزُورٌ وَحَضَرَهَا إمَامُ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أُنَاسٌ كثرون وَقَدْ قَالَ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فقد اعتضد هذا لمرسل

(11/201)


بحديث اسد مِنْ وَجْهٍ وَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُتْيَا أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانِ بن عثمان وهشام بن اسمعيل يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ مَيْسِرُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ليس المنقطع بشئ مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهَا وَلَا تَكُونُ حُجَّةً وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي مَعْرِفَةِ أُصُولِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ اختلف الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ تُتُبِّعَتْ فَوُجِدَتْ كُلُّهَا مَسَانِيدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمُرْسَلِ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ والتراجيح بالمراسل صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَتَلْخِيصُ مَا قَالَهُ فِيهَا أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التابعين

(11/202)


فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ أَنْ يُسْنِدَهُ غيره من الحفاظ المأمورين بمثل معنى ماروى أَوْ مُوَافَقَةُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى أَوْ مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ من أهل العلم يفتون بمثل معنى ماروى فَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ لِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وَصَفْتُ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ مُرْسَلُهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ فَأَمَّا مَنْ يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ كَثُرَتْ مُشَاهَدَتُهُمْ لِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يُقْبَلُ مُرْسَلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بَلْ إمَّا أَنْ
يظهر موجبها فيجب أولا فَيَحْرُمُ فَإِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ شئ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً حَرُمَ الْعَمَلُ بِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ أَيْ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْمُتَّصِلِ وَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ بِهِ ثَابِتَةً وَتَظْهَرُ فائدة ذلك فيما إذا عارضه فَيُقَدَّمُ الْمُتَّصِلُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِمُجَرَّدِ اقْتِرَانِهِ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ فُتْيَا أكثر أهل العلم ولا يرد معها أو يطلب دليل آخر مجرد كما لَمْ يَرِدْ أَصْلًا بَلْ يَجِبُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُوَافِقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَدِلَّةِ كَالْقِيَاسِ وَشِبْهِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ مِنْ الظن والله أعلم
* وقال المارودي إنَّهُ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخَذَ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ فِي الْقَدِيمِ وَجَعَلَهَا بِانْفِرَادِهَا حُجَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ حَدِيثًا إلَّا وُجِدَ مُسْنَدًا وَلَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ رَوَاهُ مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ أَوْ وَافَقَهُ فعل أهل العصر كونه إنما أخذ عن أكابر الصحابة ومراسليه سبرت

(11/203)


فَكَانَتْ مَأْخُوذَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ كَوْنِ سَعِيدٍ لَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَوُجِدَتْ مَرَاسِيلُهُ كُلُّهَا مَسَانِيدَ فَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ مُعْتَضِدًا أَوْ مُنْتَشِرًا أَوْ مُوَافِقًا فِعْلَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَكَوْنُ مَرَاسِيلِهِ كُلِّهَا عُرِفَ أَنَّهَا عَنْ أبى هريرة رضى الله عنه لادليل على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هِيَ أُمُورٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يثبت شئ مِنْهَا فَلَا يُعْرَفُ بَلْ قَدْ رَوَى سَعِيدٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيِّبِ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْخَطِيبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ المارودى إلَى الْجَدِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ لِلْمُرْسَلِ الَّتِي إذَا اُعْتُضِدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا صار هو مع (1) اُعْتُضِدَ بِهِ حُجَّةً عَلَى الْجَدِيدِ أَحَدُ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ قِيَاسٌ أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلُ صحابي أو قول للاكثرين أو ينتشر فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ لَهُ أَوْ يعمل به أهل العصر أولا تُوجَدُ دَلَالَةٌ سِوَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الشافعي المنقول من الرسالة أربع مرجحات (منها) مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمَا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) اعْتِضَادُهُ بمسند أو مرسل آخر وليسا في الكلام الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا جَمَعْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ كَانَتْ الْمُرَجِّحَاتُ تِسْعَةً ثُمَّ فِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا مُشَاحَّةٌ (مِنْهَا) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ سِوَاهُ
كَأَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نفسه دليلا ولم يوجد دليل سواه كان المسألة لادليل فيها أصلا ولايجوز اثبات حكم بشئ لَا يَعْتَقِدُهُ دَلِيلًا لِأَنَّا لَمْ نَجْدِ غَيْرَهُ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَلِيلٌ وَفِي غَيْرِهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ فَيَقُولُ إنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ غَيْرُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/204)


إنْ كَانَ مُوَافِقًا فَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِلَا إشْكَالٍ ولاغرض فِي إسْنَادِهِ إلَى الْمُرْسَلِ مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَحْدَهُ أَوْ إلَيْهِ مَعَ الْمُرْسَلِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَيْهِ أَوْ مَرْجُوحًا فَإِنْ كَانَ رَاجِحًا قُدِّمَ عَلَى الْمُرْسَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي لِمَنْ يَعْمَلُ به عند الدليل مطلقا أن يعمل به ههنا لِرُجْحَانِهِ وَهُوَ يَصِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا يَنْفَعُ التَّعَلُّلُ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فِي أَنْ يُدْفَعَ بِأَدْنَى مُعَارِضٍ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لِأَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ جَدَلِيٌّ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُسْنَدٍ فَإِذَا كَانَ الْمُسْنَدُ صَحِيحًا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِالْمُرْسَلِ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُرْسَلٍ آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْسَلُ حُجَّةً لَمْ يُفِدْ اقْتِرَانُهُ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُهُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالِانْتِشَارُ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَإِنْ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْمُرْسَلِ وَلَا يَصِيرُ الْمُرْسَلُ بِهِ حُجَّةً كَمَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ فَقَدْ انْضَمَّ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَغَايَةُ مَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُلَاحِظْ فِي ذَلِكَ إلَّا قُوَّةَ الظَّنِّ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ يُثِيرُ ظَنًّا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَمَا لَا يُثِيرُ ظَنًّا أَصْلًا فَإِذَا اقْتَرَنَ الْمُرْسَلُ الْمُثِيرُ لِلظَّنِّ بِأَمْرٍ مُقَوِّمٍ لِلظَّنِّ جَازَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ يَتَمَسَّكُ بِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْحَدُّ لَيْسَ مِمَّا يُضْبَطُ بِعِبَارَةٍ شَامِلَةٍ بل هو موكول إلى نظر المجتهد وههنا تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْعُلَمَاءِ وَتُفَارِقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْجَامِدِينَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ يَطْرُدُونَهَا فِي كُلِّ وَرْدٍ وَصَدْرٍ وَإِنَّمَا جَمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ التَّكَيُّفِ بِفَهْمِ نَفَسِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَرَاتِبِ الظُّنُونِ وَمَا يَقْتَضِي نَفَسُ الشَّارِعِ فِي اعْتِبَارِهِ وَالْغَايَةُ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ عَزِيزَةٌ سَبَقَ إلَيْهَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَوْ حَاوَلَ مُحَاوِلٌ ضَبْطَ مَا يَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الْأُمُورِ

(11/205)


بالموزانة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ واخد مِنْ أَوَّلِ دَرَجَاتِ الْقِيَاسِ أَوْ خَبَرٍ لِذَلِكَ قياسا واه اعتبر وما نقص عنه الغى لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا لَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَالَ الْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ بَلْ هُوَ غَايَةُ مَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ لِمَنْ يَبْغِي ضَبْطَ ذَلِكَ بِقَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ وَيُؤْتِي اللَّهُ تَعَالَى وَرَاءَ ذَلِكَ لِبَعْضِ عِبَادِهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ الْوَهْمُ وَمَنْ جَدَّ وَجَدَ وَمَنْ ذَاقَ اعْتَقَدَ (وَمَنْ لم يجعل الله له نورا فماله من نور) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بِيعَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَكَانَ الشَّيْرَجُ الْمُفْرَدُ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي فِي السِّمْسِمِ أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ سَلَّمُوا امْتِنَاعَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الِاحْتِجَاجُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ كَمَالِ الِادِّخَارِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ أَصْلُهُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ لِكَوْنِ الدَّقِيقِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الْحِنْطَةِ مَجْهُولَ الْقَدْرِ بِدَلِيلِ أن الحنطة بالحنطة واحدهما أَجْوَدُ وَأَكْثَرُ دَقِيقًا مِنْ الْأُخْرَى جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي فِي الثَّانِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمُرْسَلَ يُعْتَبَرُ بِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً بِمُجَرَّدِهِ وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَقَدْ نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا لكن فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً قَوِيَّةً وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِتَعَسُّفٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لا يعلف الزبير مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَيْفَ قبلتم عن

(11/206)


ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ فَقَالَ قُلْنَا لَا يُحْفَظُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ على تشديده وَلَا أَثَرَهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يُسَمِّي الْمَجْهُولَ وَيُسَمِّي مَنْ يَرْغَبْ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَيُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَلْقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الَّذِي لا يوجد له شئ يسدده ففرقنا بينهم لافتراق احاديثم وَلَمْ نُحَابِ أَحَدًا وَلَكِنَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ صِحَّةِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ
الشَّافِعِيُّ رِوَايَةً مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ إلَى سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ ذلك فالسنة ثابة عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ مَعَ السُّنَّةِ حُجَّةٌ وَلَا فِيهَا إلَّا اتِّبَاعًا مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ مُبْتَدَأً وَمَخْرَجًا فَهَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِذَلِكَ وَتَأْوِيلُهُ ممكن على بعد وليس كما توهمه بَعْضُ الضُّعَفَاءِ مِنْ أَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مُسْنَدَةً فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَوَهُّمُ أَنَّ الْإِسْنَادَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا مُسْنَدًا عَنْ ثِقَةٍ حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ فَيُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ وَأَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الصَّغِيرَ مِنْ الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرَهُ قَالُوا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي آجَالِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ قَالَ وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا قَبُولَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى الْقَدِيمِ.
قَالَ الْمُزَنِيّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَصِيلًا بِجَزُورٍ قَائِمِينَ جَازَ ولايجوز مذبوحين لانهما طعامان لا يحلان الامثلا بمثل وهذا اللحم وهذا حيوان

(11/207)


فهما مختلهان فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِمَّنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَأْخُذُ بِهِ وندع القياس.
وقد قال الْمُزَنِيّ فِي هَذَا الْكَلَامَ إلَى الْجَوَازِ بِشَرْطَيْنِ أحدهما أن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ يَعْنِي مُخَالِفٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَقَدْ احْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا الرِّبَا لِعَسُرَ كَالدَّرَاهِمِ مَعَ الطَّعَامِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُنَا وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ رِبًا أَجْوَزَ وَيُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ اللحم بالثوب وبالجلد وبانه لاعتبار بِاللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَمَا جَازَ وَلَكَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالدَّرَاهِمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكَّى فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَيْتَةِ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى جواز بيعه دل على اعْتِبَارِهِ.
وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ بِمَنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ قَالَ ابْنُ دَاوُد يَكُونُ مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُعَدُّ خِلَافُهُ خِلَافًا حَتَّى يَثْبُتَ الِاخْتِلَافُ بِقَوْلِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ اعْتِمَادًا عَلَى تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّ الثَّوْبَ وَالْجِلْدَ كُلٌّ
مِنْهُمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَلَا فِيهِ رِبَوِيٌّ وَالْحَيَوَانُ فِيهِ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْمِلْحُ وَالْجِلْدُ فَيُشْبِهُ قِشْرَ الْفُسْتُقِ يَجُوزُ بيعه بلب الفستق ولا يحوز بَيْعُ الْفُسْتُقِ فِي قِشْرِهِ بِلُبِّهِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّ ذلك إذَا بِيعَ بِغَيْرِ اللَّحْمِ أَمَّا إذَا بِيعَ بِاللَّحْمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَسْئِلَةً يُمْكِنُ أَنْ نُورِدَهَا مِنْ جِهَةِ الْخَصْمِ وَأَجْوِبَتَهَا (مِنْهَا) حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ لِلتَّحْرِيمِ (وَمِنْهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي ذُبِحَ وَلَمْ يُسْلَخْ جِلْدُهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا ينطلق عليه اسم حيوان (وَمِنْهَا) عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمْلُ الْعَنَاقِ

(11/208)


عَلَى الْمَذْبُوحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ (وَمِنْهَا) حَمْلُهُ على أن الحزور كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ فَنُحِرَتْ لِتُفَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ بيعها وأجابو عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ لَمْ يَخْفَ أَمْرُهَا عَلَى النَّاسِ وَأَنَّهُ لَا يحوز بَيْعُهَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى الْخَصْمِ بأن المرسل عنده حجة وهندنا هل المرسل حُجَّةٌ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى قَبُولِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَحْمٍ ظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِلَحْمٍ مِثْلِهِ فَالْمُمَاثَلَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ المماثلة في الوصف الذى ذكره وهو كون يُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَمْ يذكره بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَيْعَهُ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ يُؤْكَلُ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَلَحْمِ الْجَزُورِ بِجَزُورٍ وَلَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُهُ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ مِثْلَ لَحْمِ الْجَزُورِ بِالشَّاةِ (إنْ قُلْنَا) اللُّحْمَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَطَرِيقَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فِيمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وهى

(11/209)


الصَّوَابُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ السُّنَّةِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا فِيهِ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ
مَذْهَبُ مَالِكٍ وأحمد وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَيَوَانَ أَجْنَاسٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ إذَا صَارَ لَحْمًا لِشُمُولِ اسْمِ اللَّحْمِ لِلْجَمِيعِ وَإِذَا كَانَ لَحْمٌ وَحَيَوَانٌ يَخْتَلِفُ أَصْلُ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْجَمِيعُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ جَزَمَ بِالْجَوَازِ قَالَ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ سُلَيْمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الذى ذكرناه هُوَ فِي هَذَا يَعْنِي أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
* وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ

(11/210)


صِنْفِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا عُمِلَ بِهِ لِاعْتِضَادِهِ بِأَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا اُعْتُضِدَ بِهِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْمَأْكُولِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّا نُعَدِّيهِ إلَى مَنْعِهِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَخْرُجَ مَوْرِدُ الْأَثَرِ الَّذِي يُقَوِّيهِ الِاعْتِضَادُ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ اللَّحْمِ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (قُلْتُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ (قُلْتُ) فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في حكم اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لم يجز والاجاز وَالرُّويَانِيُّ جَعَلَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ السَّمَكُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهِ (1) (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا وَقَالَ المارودي في جواز بيع الحيوان بالسمك وجهين مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ لَا.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالسَّمَكِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ من اللحم أولا قال الرويانى اختيار الماسرخسى (ان قلنا) السمك (2) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ قُلْنَا مِنْ سَائِرِ اللُّحُومِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ آخر فقولان (قلت)
__________
(1) بياض
بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر

(11/211)


وَمُرَادُهُمَا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ السَّمَكُ الْمَيِّتُ فَلَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِسَمَكٍ حَيٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ رَاعَيْنَا أَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيْتِهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِلَحْمِ سَمَكٍ فَيُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ جَعَلْنَا السَّمَكَ الْحَيَّ كَالْحَيَوَانِ صَارَ ذَلِكَ كَبَيْعِ حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَصَوَّرَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي لَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّفُ اللَّحْمُ عَلَى السَّمَكَةِ الْكَامِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَالْأَقْرَبُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي ذَلِكَ (إنْ قُلْنَا) إنَّ السَّمَكَ يُسَمَّى لَحْمًا فَإِنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ راعينا المعنى يخرج على الوجهين يَعْنِي فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا جَازَ سَوَاءٌ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ أَوْ الْمَعْنَى وَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ أَعْنِي مَا سَلَكَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ قول ابن أبى هريرة فال لانه لا يطلق عليه لحم أي لايدخل السَّمَكُ فِي اسْمِ اللَّحْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ والمراد بذلك والله أعلم ما قال أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ بَاعَ لَحْمًا بِسَمَكَةٍ حَيَّةٍ أَوْ لَحْمَ السَّمَكِ بِحَيَوَانٍ حَيٍّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ اللُّحُومِ كَانَ كَلَحْمِ غَنَمٍ بِبَقَرٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ عَلَيْهِ.

(11/212)


(فَرْعٌ)
بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْعَظْمِ جَائِزٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ بِالْحَيَوَانِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ وَأَوْرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى لَحْمًا روى أن نبيا شكى إلَى اللَّهِ تَعَالَى الضَّعْفَ فَأَوْحَى إلَيْهِ أَنْ كُلْ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ يَعْنِي اللَّحْمَ بِاللَّبَنِ وَقَالَ الشَّاعِرُ يُطْعِمُهَا اللَّحْمَ إذَا عَزَّ الشَّجَرْ
* وَالْخَيْلُ فِي إطْعَامِهَا اللَّحْمَ ضَرَرْ يَعْنِي أَنَّهُ يُطْعِمُهَا اللَّبَنَ عِنْدَ عِزَّةِ الْمَرْعَى وَأَجَابَ بِأَنَّ تَسْمِيَةَ العرب اللبن لحما استعارة ومجاز لاحقيقة أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّبَنِ متفاضلا ولا يحنث باللبن إذا حاف على اللحم..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وفى بيع اللحم بحيوان لا يؤكل قولان
(أحدهما)
لا يجوز للخبر
(والثانى)
يجوز لانه ليس فيه مثله فجاز بيعه كاللحم بالثوب) .
(الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْقِيَاسُ الْجَوَازُ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ قَوْلَ الْجَوَازِ قَالَهُ الرَّبِيعُ وَإِنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الصَّحِيحُ وكذلك قال البغوي في التعذيب ان الاصح

(11/213)


المنصوص في أكثر الكتب لا يجوز الخبر الظاهر (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ يَعْنِي كُتُبَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي الْأُمِّ (1) مِنْ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَفَّالِ الْمَنْعُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْمَنْعَ إشَارَةً إلَى تَرْجِيحِ الْقَفَّالِ وهو الذي جزم به الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الصحة وجزم له فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَلَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يُبَاعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ بِاللَّحْمِ الْمَوْضُوعِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ قِيلَ وَلَا يُبَاعُ لَحْمٌ بِحَيَوَانٍ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ دَلِيلُ تَرْجِيحِهِ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْخَبَرُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ خَبَرُ سَعِيدٍ الْمُرْسَلُ عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِذَلِكَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَثَرِ وَاَلَّذِي عَضَّدَهُ الْأَثَرُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْعَنَاقِ بِلَحْمِ الْجَزُورِ وَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا فَتَبْقَى دَلَالَةُ الْمُرْسَلِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُجَرَّدَةً عَمَّا يُعَضِّدُهَا وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُتَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ تَعَاضُدٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ وَشِرَائِهِ الشَّاتَيْنِ بِدِينَارٍ وَبَيْعِهِ إحداهما بدينار وعمل فِي الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ دُونَ الْمُخَالِفِ لَهُ لِمَا كَانَ مُرْسَلًا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي
__________
(1) بياض
بالاصل فحرر

(11/214)


مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ إنَّ الِاعْتِضَادَ وَإِنْ امْتَنَعَ بِالْأَثَرِ فَهُوَ حَاصِلٌ بِأُمُورٍ أُخْرَى (مِنْهَا) قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَانْتِشَارُهُ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ وَالْقِيَاسُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْخَبَرِ عَلَى مَا تَمَهَّدَ أَوَّلًا وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذكرته هناك فهو وارد عن الاعتضاد بالاكثر وَلَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَلَوْ ثَبَتَ اتِّصَالُهُ وَصِحَّتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ في بيع الشاة باللحم مَأْكُولَةٌ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ عُمُومٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْمَأْكُولِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ عَضَّدَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ بِالْمَأْكُولِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي قَدْ يُتَخَيَّلُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا مُنْدَفِعٌ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَعْنًى آخَرُ يُعَلَّلُ بِهِ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْوَصْفِ مَعْنًى مُخَيَّلٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي إن الْأَقْيَسَ الْجَوَازُ وَبِالْمَنْعِ جَزَمَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي الْعِلَّتَيْنِ وَبِمَا يَتْبَعُ حَمْلُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ
(وَالثَّانِي)
قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دليل المسألة (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ فَعَلَيْهِ تُبْتَنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَغَيْرُهَا وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِنَا الْأَصْلُ فِيهَا اتباع القياس أن لادليل فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ الْقِيَاسِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْخَبَرُ

(11/215)


فيه على قياس أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ يُسْتَنَدُ فِيهِ إلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ تَعَبُّدًا امْتَنَعَ قياس غيره عليه والا اجاز ولابد هنا من ملاحضة أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ هَلْ يَجُوزُ فَإِنَّ الخبر هام فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطُ وَهُوَ مُلَاحَظَةُ الربا يقضتى تَخْصِيصُهُ بِالْمَأْكُولِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَهُ نَظَائِرُ (مِنْهَا) لَمْسُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي إخْرَاجُهُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
لَا يُبَاعُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ وَالطَّيْرِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ مُطْلَقًا قَبْلَ السَّلْخِ وَلَا الْجِلْدِ أَيْضًا وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ الْجِلْدِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَبَيْعُ الْأَكَارِعِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ معلومة وبيع رأسها ان كان متدليا بجلدة رَقِيقَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَحْمٌ كَثِيرٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ السَّمَكِ الْحَيِّ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) يَحِلُّ ابْتِلَاعُ السَّمَكِ حَيًّا فِي حَالِ صِغَرِهِ فَلَا يَجُوزُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحِلُّ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَمِ بِالْغَنَمِ قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي عَصْرُونٍ فِي مَجْمُوعِهِ.
(فَرْعٌ)
عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِبَغْلٍ وَلَا بحمار ولا بعبد لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ قَالَهُ أَبُو حامد وأبو الطيب والصميرى وغيرهم.

(11/216)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ شَحْمَ الْغَنَمِ بِحُوتٍ حَيٍّ لم يجز قالة الصميرى وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحُوتِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الشَّحْمَ كَاللَّحْمِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(فَرْعٌ)
فِي بَيْعِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ بِالْحَيَوَانِ وَبَيْعِ السَّنَامِ بِالْإِبِلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِالْمَنْعِ فِي السَّنَامِ وَالْأَلْيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَفِي الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّحْمَ وَجَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَيَوَانِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ جَوَازَ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْحَيَوَانِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ مَنْعَ بَيْعِ اللحم غَيْرِ الْمَأْكُولِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَضَادٌّ (قُلْتُ) تَصْحِيحُ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى
كَوْنِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمُدْرَكَيْنِ التَّعَبُّدَ بَلْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ بَعْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قِيَاسٌ مَحْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ وُجُودُ شَرَائِطِ القياس لاغير (وَأَمَّا الثَّانِي) فَهُوَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ تَجِدُ مَعْنًى مُخَيَّلًا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ بِهِ لَا يَنْهَضُ فِي الْقُوَّةِ إلَى حيث يخص الْعُمُومُ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ عَلَى أَفْرَادِهِ

(11/217)


ظاهرة قوية بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لَا مُعَارِضَ لِلْمَعْنَى فيه فيتبع اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ تَعَارَضَ فِيهِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ والمعنى المستنبط فتمسكنا بظاهر.
وبيع الشحم ونحوخ بِالْحَيَوَانِ وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى بِدُونِ مُعَارِضٍ فَلِذَلِكَ اعمل المعنى فيه وليس تنصيص السارع عَلَى اللَّحْمِ نَافِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَقَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا وَإِنْ كَانَ مَدْبُوغًا فلامنع وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْجِلْدِ وَأَطْلَقَ وحكاه الرويانى عنه لانه لاربا فِي الْجِلْدِ ثُمَّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَجْهَانِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَاوِي إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَظْمِ أَيْضًا وَجْهًا وَاحِدًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ بَاعَ جِلْدَ الْمَذْبُوحِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ الْوَبَرِ مِنْهُ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَالُ رِبًا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ (قُلْتُ) هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ (وَقَوْلُهُ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ أَعْجَبُ (وَقَوْلُهُ) فِي الْوَبَرِ أَعْجَبُ فَإِنَّ الْجِلْدَ إنْ أَمْكَنَ تَمْشِيَةُ كَوْنِهِ رِبَوِيًّا فَفَرْضُهُ فِي جِلْدٍ يُؤْكَلُ وَالْوَبَرُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَمْشِيَةُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِرَاضُ النَّوَوِيِّ على الرافعي اعتذاري عنه وذلك العذر لا يأتي ههنا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا بَاعَ جِلْدَ الْمُذَكَّاةِ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وأن راعينا المعنى فوحهان أولى بأن

(11/218)


لَا يَجُوزَ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي قُلْتُهُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى (فَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ يُسَمَّى لَحْمًا وَإِنَّهُ مَعَ لُحُومِ الْبَرِّيَّةِ صِنْفٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْحَيَوَانَ بِالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الرَّأْسُ وَالْكُرَاعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ اللَّحْمِ كَانَ بَيْعُهَا بِالْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الشَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
وَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ حَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَجْهَيْنِ فَمَا وَجْهُ الْجَزْمِ فِي الرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ فِيهَا لَحْمًا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ.
وَلَوْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْمَعْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ الصحيح أنه يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَهُوَ مِثْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَجُوزُ (إذَا قُلْنَا) الْأَلْيَةُ مَعَ اللَّحْمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالضَّأْنِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْأَلْيَةِ وَاللَّحْمِ فَيَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (قَاعِدَةٌ) وَهِيَ الَّتِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهَا فِي آخِرِ الكلام قال الامام الذى يجب التنبه لَهُ فِي مَضْمُونِ هَذَا الْبَابِ وَأَمْثَالِهِ أَنَّ مِنْ الْأُصُولِ مَا يَسْتَنِدُ إلَى الْخَبَرِ أَوْ إلى ظاهر القرآن ولكن ليس القياس يتطرق إليه من طريقة الشَّرِيعَةِ فَلَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ إذَا كَانَ التَّنْزِيلُ مُتَّسِعًا لاينبو

(11/219)


نَظَرُ الْمُنْصِفِ عَنْهُ وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ الْأَصْلِ الَّذِي فيه وأورد الظَّاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَتَّجِهْ قِيَاسٌ مِنْ غَيْرِ مَوْرِدِ الظَّاهِرِ لَمْ يَجُزْ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِمَعْنًى يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ يَضْمَنُ تَخْصِيصَهُ وَقَصْرَهُ عَلَى بَعْضِ المسميات فأما مالا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَعْنًى مُسْتَمِرٌّ صَائِرٌ إلَى السَّيْرِ فَالْأَصْلُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصْفِ وَلَكِنْ قَدْ يَلُوحُ مَعَ هَذَا مَقْصُودُ الشَّارِعِ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهَذَا لَهُ أَمْثِلَةٌ (مِنْهَا) آيَةُ الْمُلَامَسَةِ تَرِدُ وَنَصُّ الشافعي في لمس المحارم من جهة التعليل لاجريان لَهُ فِي الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ وَمَا لَا يَجْرِي القياس فيه إثباته فلا يكاد يجرى في نفيه الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى اتِّبَاعِ اسْمِ النساء وأصح قولية أن الطهارة لاتنتقض لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُلَامَسَةِ الْمُضَافَةِ إلَى النِّسَاءِ مَعَ سِيَاقِ الْأَحْدَاثِ يُشْعِرُ بِلَمْسِ اللَّوَاتِي يُقْصَدْنَ بِاللَّمْسِ فان لم يتحه مَعْنًى صَحِيحٌ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليس للقاتل من الميراث شئ) فالحرمان لاسبيل فيه للتعليل كما ذكرنا في الخلاف وإذا نسند مسلك التعليل اقتضى الحال المتعلق بِاللَّفْظِ فَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ نَصَّهُ فِي الْقَتْلِ قِصَاصًا فَوَجْهُ الْحِرْمَانِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ مَعَ حَسْمِ التَّعْلِيلِ وَوَجْهُ التَّوْرِيثِ التَّطَلُّعُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ وَلَيْسَ يَخْفَى أَنَّ مَقْصُودَهُ مُضَادَّةُ غَرَضِ الْمُسْتَعْجِلِ وَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْقَانُونَ فَمَنْ عَمَّمَ

(11/220)


تَعَلَّقَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ وَمَنْ فَصَّلَ تَشَوَّفَ إلَى دَرْكِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ لَحْمًا وَمَنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ نَقَلَ تَرَتُّبَ كَلَامِهِ فَيُقَرِّبُ بَعْضَ الْمَرَاتِبِ وَيُبْعِدُ بَعْضَهَا فَالْقَتْلُ قِصَاصًا أَقْرَبُ قَلِيلًا وَالْقَتْلُ حَدًّا سِيَّمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعِيدٌ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَنْعُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَى الْعِلْمَ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادَ الشَّارِعِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ (فائدة) قوله في بعض ألفاظ الْحَدِيثُ لَا يُبَاعُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ الْمَيِّتُ فِي اللُّغَةِ مَنْ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ فَيَشْمَلُ الْمَذْبُوحَ وَفِي الشَّرْعِ مَنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا قُوبِلَ بِالْحَيِّ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يُبَاعُ بِحَيٍّ ولا بغيره وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
.
(ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهى جفافه ونزع منه العظم لانه يدخر على هذه الصفة فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخري يجوزكما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ويخالف النوى في التمر فان فيه مصلحة له وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له)

(11/221)


(الشرح) تقدم الكلام في أنه يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالطَّرِيِّ وَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ الْآنَ يَذْكُرُ حُكْمَهُ إذَا جَفَّ وَجَوَازُ بَيْعِهِ جافا وأشترط التَّنَاهِي فِي الْجَفَافِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ انْتِهَاءَ جَفَافِهِ بِأَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ قَالَ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فَإِذَا انْتَهَى بِيعَ رِطْلٌ بِرِطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ صِنْفٍ وقد تقدم شئ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَجَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ نَفَى الْخِلَافَ فِيهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ التَّمْرَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ التَّمَاثُلِ فِيهِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ يَكُونُ أمكن وبأن بقاء النوى في التمر مَصْلَحَتِهِ وَبَقَاءَ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِمَا فِي الْعَظْمِ مِنْ الْمُخِّ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمِلْحُ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الاصحاب أطلقو الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ
وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّحْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمِلْحِ مَا يَظْهَرُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَا مُمَلَّحَيْنِ بِالْمِلْحِ بِأَنْ ينثر عليهما الملح أو شئ مِنْ الْكُزْبَرَةِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْمِلْحِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ.
أَمَّا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ غَيْرُ مَنْزُوعِ الْعَظْمِ فَالْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ

(11/222)


وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَعَزَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَنْعَ إلى أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مَعَ نَقْلِهِ الْجَوَازَ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ وَزَعَمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ الطَّبَرِيَّ نَسَبَ الْجَوَازَ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِهِ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوَهْمِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالتَّوْجِيهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَلْ بَقَاءُ الْعَظْمِ يَزِيدُهُ فَسَادًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صرح بتصحيحه المارودي فِي الْحَاوِي وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالُوا إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وقال الامام ان إلَيْهِ مِثْلَ الْأَكْثَرِينَ وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى خِلَافِ مَا قال أبو إسحق وَلَا يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَزْمٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِخُرُوجِهِ بِالنَّزْعِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَاللَّحْمُ الْمُقَدَّدُ كَامِلٌ سَوَاءٌ نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ أَمْ لَمْ يُنْزَعْ وَمِمَّنْ وَافَقَ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ عَلَى تَصْحِيحِ الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشافيى وَقَاسَهُ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ مَعَ النَّوَى وَقَدْ فَرَّقَ بِأَنَّ بَقَاءَ النَّوَى مِنْ مَصْلَحَةِ التَّمْرِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْعَظْمِ مِنْ مَصْلَحَةِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا جَرَّهُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْجَافِّ بِالطَّرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

(11/223)


(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْزُوعَ الْعَظْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَخِذِ بِالْجَنْبِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَفَاوُتِ أَقْدَارِ الْعِظَامِ كَتَفَاوُتِ النَّوَى وَقَالَ الْإِمَامُ يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ بيع العضو الذى يجئ مِنْهُ مِقْدَارٌ صَالِحٌ مِنْ اللَّحْمِ بِعُضْوٍ لَمْ يقطع من لحمه شئ فَإِنَّ الْعَظْمَ الْبَاقِي فِي الْعُضْوِ لَا يَحْتَمِلُ فَإِنْ قَلَّ الْمِقْدَارُ الْمَقْطُوعُ بِحَيْثُ لَا يُبَالَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُخْرِجَ الْعَظْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بِيعَ بِمَا فِيهِ الْعَظْمُ لَا يَجُوزُ.
(فَرْعٌ)
مَا ذَكَرَهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ جِلْدٌ أَمَّا لَوْ كَانَ عليه جلد قال المارودي إنْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَيْعِ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مَعَ جَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ كان رقيقا يؤكل كجلود الحدأ وَالدَّجَاجِ فَوَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَلُحُومِ الْحِيتَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مَمْلُوحًا لِأَنَّ الْمِلْحَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَلَكِنْ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوحٍ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا فَيَجُوزُ طَرِيًّا وَيَابِسًا وَمَمْلُوحًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُوتِ بَعْضُهُ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مُمَلَّحًا وَلَكِنْ يَجُوزُ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مُمَلَّحٍ.
(فَرْعٌ)
لَوْ ضَمَّ عَظْمًا مِنْ عُضْوٍ آخَرَ إلَى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم اولا عَظْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ كَمَا لَوْ ضَمَّ النَّوَى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز.

(11/224)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَلَا يَجُوزُ بيع بيض الدجاج بدجاجة في جوفها بيض لانه جنس فيه ربا بيع بما فيه مثله فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان) .
(الشرح) الحكم المذكور جزم فيه القاضى وأبو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ وأن الربا يجري في البيض.
قال المارودي إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْحَمْلِ هَلْ يَكُونُ تَبَعًا أَوْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْضَ كَالْحَمْلِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ جَازَ بَيْعُ الدَّجَاجَةِ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ بِالْبَيْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالتَّبَعِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ عَلَّلَ وَالِدِي رحمه الله القول الاول بأنه كالمستهلك مادام فِي جَوْفِهَا وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا وَجْهَيْنِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِيهِ قَالَ وَيُخَالِفُ اللَّبَنُ لِأَنَّ اللبن

(11/225)


يُمْكِنُ حَلْبُهُ فِي الْحَالِ وَالْبَيْضُ لَا يُمْكِنُ فَلَا يُقَابِلُهُ بِالْعِوَضِ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَوَافَقَ
الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي تَعْبِيرِهِ عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ وَسَوَّى الرَّافِعِيُّ بَيْنَ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ وَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ وَبَيْعُ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ الْخَالِي عَنْ الْبَيْضِ جَائِزٌ وَبَيَاضُ الْبَيْضِ وَصَفَارِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بيض الدجاج تنبيه على أن البيض جائو وهو الذى قاله الصميرى وَجَعَلَهُ كَالْأَلْبَانِ لِأَنَّهُ يُفَارِقُ بَائِضَهُ حَيًّا وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَيْضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ إنْ جَعَلْنَا اللحوم أجناسا وان جعلناها واحدا فهى أجناس أَيْضًا الْخِلَافَ كَذَلِكَ وَجَزَمَ بِأَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ لَيْسَ صِنْفًا مِنْ لَحْمِهِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ بَيْضَ السَّمَكِ هَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ لحم السمك لانه لا يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ.
وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ وَهُوَ

(11/226)


كقولك ببيع الشاه التى لالبن فيها وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجَةِ كَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ فَيُفْهَمُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ التَّفَاصِيلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى إعَادَةِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضَةِ بِالدَّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ بَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ لَمْ تَكُنْ حَيَّةً فَارَقَهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّحْمِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بالحيوان.
(فروع) نختم بها باب الربا الهيلج والبليج والاملج والقمونها وَسَائِرُ الْأَدْوِيَةِ رِبَوِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مَطْعُومٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَطَعْمُهَا لِرَدِّ الصِّحَّةِ كَمَا أَنَّ طَعْمَ غَيْرِهَا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي السَّقَمُونْيَا وَكُلِّ مَا يُهْلَكُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ وَالطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَالْخُرَاسَانِيِّ لَيْسَ رِبَوِيًّا خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَمَ السِّيرَافِيُّ حُكْمَ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالطَّفْلُ الْمِصْرِيُّ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ قَالَهُ نَصْرٌ وغيره.

(11/227)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْجَوَابِ عن اعتراض المالكية وقولهم إن كل شئ له طعم قال انا لا نعتبر حاله وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا يُطْعَمُ غَالِبًا.
وَالِاعْتِبَارُ فِي الطعم بما يعد له في حال الاعتدال والرفاهية دون سني الازم وَالْمَجَاعَةِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ.
(فَرْعٌ)
الرِّبَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ جَرَيَانَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فَأَمَّا بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَبَيْنَ مُسْلِمِينَ لم يهاجرا أو أحداهما فَلَا رِبَا وَقَالَ إنَّ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا تَعَاقَدَا عَقْدَ الرِّبَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فُسِخَ عَلَيْهِمَا فَالِاعْتِبَارُ عِنْدَهُ بِالدَّارِ وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِدِ فَإِذَا أَرْبَى الَّذِي فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَعَ الذِّمِّيِّ لَمْ يُفْسَخْ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ وَهَكَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ مَكْحُولٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاربا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَبِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ أَوْلَى وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَدِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلرِّبَا فَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الشِّرْكِ كَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ

(11/228)


عَقْدٌ فَاسِدٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُقُودُ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَال إنْ كَانَ أَبُو حنيفة يوافق على فساده وأما حديث (1) فَمُرْسَلٌ إنْ صَحَّ الْإِسْنَادُ إلَى مَكْحُولٍ ثُمَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ نَهْيًا فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ وَاعْتُضِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْعُمُومَاتِ وَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَمَمْنُوعَةٌ فَكَذَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ دار السلام يُسْتَبَاحُ مَالُهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ثُمَّ لَيْسَ كُلُّ مَا اُسْتُبِيحَ بِغَيْرِ عَقْدٍ اُسْتُبِيحَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْفُرُوجِ تُسْتَبَاحُ بِالسَّبْيِ وَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ على أنه لاربا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ غِلَاطٍ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاجْتَمَعَ بِهِ فِي الْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ الْمَشْهُورَةِ دَلَّ كَلَامُ الْعَبَّاسِ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ حِينَئِذٍ ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي مِنْ بَعْدِ إسْلَامِهِ إلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَلَوْ كَانَ الرِّبَا الَّذِي بَيْنَ المسلم والحربي موضوعا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/229)


لكان ربا العباس موضعا يَوْمَ أَسْلَمَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ إسْلَامِهِ فَيَكْفِي حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّبَا وَلَوْ اسلم اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْشَاءَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرَهَا مِنْ يَوْمئِذٍ.
(فَرْعٌ)
جَرَيَانُ الرِّبَا فِيمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ ثَبَتَ الرِّبَا بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَوْ بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ فَمِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى فَجَعَلَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الرِّبَا بَعْدَ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا وَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَقِيَاسُهُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ ويكال أولى من قياسه على مالا يُكَالُ وَلَا يُؤْكَلُ فَجَعَلَهُ مُلْتَحِقًا بِالْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الشَّبَهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ تَرْجِيحًا لِلْعِلَّةِ (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْآخَرُونَ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ

(11/230)


ان شاء الله وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمَأْكُولَ الْمَوْزُونَ لَا يُقَاسُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ بَلْ يُقَاسُ عَلَى الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ فَيَكُونُ الْوَزْنُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ مِنْ نَصِّهِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ فِي مَعْنَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَانِ القولان حكاهما الماوردى وقال الرويانى قال الماسرخسى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عِلَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا أَلْحَقَ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ بِهَا مِنْ طَرِيقِ عليه الشبه المسألة عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَأَفَادَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ أَنَّ الْأَوَّلِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ رُجُوعِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عِلَّتِهِ في القديم بل ألحق بها شئ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَعْتَضِدُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَقِيبَ مَذْهَبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقَدِيمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يُشْتَرَطُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَقَالَ ابن داود في الشرح الْمُخْتَصَرِ مُجِيبًا عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ

(11/231)


اللَّهُ عَنْهُ مَا دَامَ يَجِدُ زِيَادَةَ تَقْرِيبٍ وَاجْتِمَاعٍ فِي الْمَعَانِي بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ بذلك وحيث عَدَمِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ الْعَامِّ ان وجده فِي مِثْلِ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ بِالطَّعْمِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ الْمَوْزُونَةَ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةِ وَالْمَوْزُونَاتِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ النَّادِرَةِ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْزُونَةٍ وَلَا مَكِيلَةٍ وانما رتبنا هذا الترتيب لان الشئ انما يقاس بالشئ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ مُشَابَهَةٌ باخص أوصافه إذا الْقِيَاسُ تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ فَنَقِيسُ الْمَكِيلَاتِ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ عليها لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ثُمَّ نَقِيسُ عليها الموازنات لانها تشبهها في أن كلا منها مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (فَإِنْ قُلْتَ) وهذا الكلام الذى نقلتموه عن الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ مِنْهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَيُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي قِيسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِثْلَ قِيَاسِ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ

(11/232)


ثُمَّ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأُرْزِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَيُقَاسَ عَلَيْهِ النَّيْلُوفَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ يَجُوزُ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ بَصُرْتُ فِي التَّبْصِرَةِ جَوَازَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخَطِيبِ الْمَنْعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْأَصْلُ الْقَرِيبُ بِالْأَصْلِ الْبَعِيدِ إنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْفَرْعُ بِالْأَصْلِ الْقَرِيبِ أَمْكَنَ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ الْبَعِيدِ فَيَصِيرُ الْقَرِيبُ لَغْوًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا لَزِمَ تعليل الاصل القريب بعلتين (احدهما) عَدِيمَةُ الْأَثَرِ وَهِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَصْلِ الْبَعِيدِ وَيَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بعلتين مستنبطين أولا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّيًا لِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِثَالُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ إنَّ ذِكْرَ الْقَرِيبِ يَكُونُ لَغْوًا مَمْنُوعٌ
بَلْ ذَلِكَ لِقُوَّةِ التَّقَارُبِ بَيْنَهُمَا الَّذِي هو المقصود في القياس فان مابين الْمَطْعُومِ النَّادِرِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وبين المطعوم غالبا لمكيل أَوْ الْمَوْزُونُ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْعُومِ الْعَامِّ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى نَعَمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ يُقَرَّرُ فِي حَقِّ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ دَفْعَ خَصْمِهِ بِأَقْرَبِ الطُّرُقِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ الطرق إلَى طَرِيقَةِ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ تَحْقِيقَ الْأَشْيَاءِ وَتَقْرِيبَ الْمَأْخَذِ مِمَّا أَمْكَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ثُمَّ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ

(11/233)


وَابْنِ دَاوُد الشَّارِحِ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُرُودَ هَذَا السُّؤَالِ عَلَيْهِ بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْقَرِيبَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ أَلْحَقَ الْبَعِيدَ بِهِمَا لَا بِالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَلَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً وَلَكِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ وَالْمُسْتَنْبَطُ لَا يَدَّعِي الْعُبُورَ عَلَى الْعِلَّةِ قَطْعًا فَإِلْحَاقُ المطعوم المكيل بالمنصوص عليه لاشك أَنَّهُ أَقْوَى وَأَشَدُّ شَبَهًا فَيَكُونُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ أَتَمَّ وَالْمَطْعُومُ غَيْرُ الْمَكِيلِ قَارٌّ فِيهِ وَصْفٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَجَّحَ خِلَافُهُ فَكَذَلِكَ بَعْدُ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّرْتِيبِ مَعْنًى بَلْ حَيْثُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ أُلْحِقَ بِالْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ فِيهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ حَدُّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا كُلُّ مَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى هَيْئَةِ مَا يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ تَغَذِّيًا أَوْ ائْتِدَامًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ لِنَفْعِ الْبَدَنِ.
(فَرْعٌ)
مَا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ وَالْبَهَائِمُ جَمِيعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ أَغْلَبُ حَالَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْآدَمِيِّينَ فَفِيهِ الرِّبَا كَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْبَهَائِمِ فَلَا قَالَ الرُّويَانِيُّ كَالرَّطْبَةِ وَإِنْ اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى وجهين (الصحيح) أن فيه الربا ولاربما فيما تأكله البهائم كالقرط والنوى والحشيش.

(11/234)


(فرع)
لاربا فِي الرَّيْحَانِ وَالنَّيْلُوفَرِ وَالنِّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ إلَّا أن يذيب شئ مِنْهَا بِالسُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَلَا فِي الْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَلَا الْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ ولافى القرطم عند الصيمري ولافى آس واذخر والخضروات الَّتِي تُؤْكَلُ فِي الرَّبِيعِ وَيَثْبُتُ الرِّبَا فِي الْأُتْرُجِّ وَاللَّيْمُونِ وَالنَّارِنْجِ وَاللِّبَانِ وَالْعِلْكِ وَالْمَصْطَكَى وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْمَجْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَاللَّوْزُ وَالْمُرُّ وَالْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَالْبَلُّوطُ وَالْقِثَّاءُ وَحَبُّ
الْحَنْظَلِ والهيلج والبيلج والشراملج قاله الصيمري والدخن الجاروس والخردل والشونيز والشهرابح وَالْبُطَمُ وَالزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى وَالسَّقَمُونْيَا وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَالطَّرِبُونَ وَالْجَزَرُ وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ والدآه والهنسل وفى السقمويا وَنَحْوِهِ وَفِي مَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ وَالصَّمْغِ وَبِزْرِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسَّلْجَمِ والماء والادهان المطببة وَالْبُرْدِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَصِغَارِ السَّمَكِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا وَهُوَ الْأَرْمَنِيُّ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ بَعْضُ مَيْلٍ إلَى أَنَّ دهن السَّمَكِ مَطْعُومٌ فِيهِ وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْعَادَةِ فِي انْصِرَافِهِ عَنْ الطَّعْمِ قَالَ وَهَذَا غَامِضٌ عَلَيْهِمْ قَالَ والوجه عندنا تخريج من هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمَأْكُولِ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ عَنْ الْأَصْلِ لِغَرَضِ الْعَادَةِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ مَنَعْنَا بَلْعَ السَّمَكَةِ حَيَّةً فَلَيْسَ السَّمَكُ مَالَ رِبًا وَإِنْ جَوَّزْنَا بلعها فقد

(11/235)


تَرَدَّدَ شَيْخِي فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بأنه لا ربا فيها لانها لاتعد لِهَذَا وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَإِنَّ الصِّغَارَ هِيَ الَّتِي تُبْتَلَعُ فَلِذَلِكَ قَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ الْخِلَافَ عَلَيْهَا وَجَزَمَ فِي الْكِبَارِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي السَّمَكِ الصَّغِيرِ إذَا جَوَّزْنَا ابْتِلَاعَهُ وَفِي الْجَرَادِ الْحَيِّ بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ جَرَادَةٌ بِجَرَادَةٍ يَعْنِي فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِي الْحَاوِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي السَّمَكِ الْكِبَارِ أَيْضًا لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَا رَأَيْتُهُ فِي الْحَاوِي فِي الْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَكَذَلِكَ فِي الْبُذُورِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي ماء الزنجيل وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الحاوى أن الاصح لاربا فِي الْقُرْطُمِ وَحَبَّ الْكَتَّانِ وَفِي الزَّنْجَبِيلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعِنْدِي الْأَصَحُّ فِي حَبِّ الْكَتَّانِ جريان الربا لانه يؤكل عادة وليست (1) وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّمْغَ رِبَوِيٌّ قال الصيمري لاربا في دهن القرطم والقرع والبان والمحلب ولآس لان أصولها لاربا فِيهَا (قُلْتُ) أَمَّا الْقُرْطُمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ المارودي أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُهُ رِبَوِيًّا (وَأَمَّا) الْقَرْعُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدُّهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ مَا لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَرِيحًا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي الطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ
تَفَكُّهًا تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ

(11/236)


قَالَ الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَعَلَّهُ لِأَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُتْرَكُ ضِنَةً بِخِلَافِ دُهْنِ الْوَرْدِ لَا يُتْرَكُ لِلضِّنَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَهُ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ الْمَعْلُوفُ الَّذِي يُطْبَقُ بِالسِّمْسِمِ وَيُعْصَرُ وَبِدُهْنِ الْوَرْدِ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الْوَرْدُ وَيَمْتَزِجُ بِهِ وَالْحَقُّ التَّسْوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ لَا يَتَّجِهُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَعَلَّ الْعَادَةَ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَعُرْفِ النَّاسِ فِيهِ أَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُؤْكَلُ أَوْ يَسْتَصْلِحُونَهُ لِلْأَكْلِ ثُمَّ يَتْرُكُونَ أَكْلَهُ ضِنَةً بِهِ فَلِهَذَا كَانَ رِبَوِيًّا عِنْدَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْعَادَةُ فِي دُهْنِ الْوَرْدِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ لَيْسَ مَأْكُولًا عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ فَلِهَذَا تَرَدَّدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا يَحْرُمُ على المحرم اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فَإِنَّا ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَ الْخِلَافَ وفرق بعادة الناس.
قال الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ فِي اللِّبَانِ وَدُهْنِهِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ دُهْنَ اللِّبَانِ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالُوهُ.
(فَرْعٌ)
الْوَزْنُ عِنْدَنَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلرِّبَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا بَيْعُ رِطْلِ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْنِ وَثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَرِطْلِ نُحَاسٍ بِرِطْلَيْنِ وَحَيَوَانٍ بِحَيَوَانَيْنِ نقدا ونسئا ولا يشترط أن يكون بين الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّلَمِ تَفَاوُتٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبٍ مِثْلِهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ.

(11/237)


(فَرْعٌ)
هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ الطِّينِ قَالَ الرُّويَانِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ الطِّينُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الزُّجَاجِيِّ وَالْإِمَامَيْنِ جَدِّي وَوَالِدِي رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحْرُمُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَضُرُّ فَهُوَ حَرَامٌ وَبِهِ أُفْتِي وَسَمِعْتُ الشَّيْخَ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ لَمْ يَصِحَّ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ.
وَذَكَرَ الْأَوَّلُونَ حَدِيثًا لَمْ أَسْتَحْسِنْ نَقْلَهُ لِنَكَارَتِهِ ثُمَّ بَدَا لِي
أَنْ أَقُولَهُ وَأُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أَكْلُ الطِّينِ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي) وَرُوِيَ (إذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا أَلْهَمَهُ أَكْلَ الطِّينِ وَنَتْفَ اللِّحْيَةِ) (فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ خِلَافِيَّةٍ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعُ كَفِّ حِنْطَةٍ بِكَفَّيْ حِنْطَةٍ وَسَفَرْجَلَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَالْجِصِّ بِالْجِصِّ مُتَفَاضِلًا وَالْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ متفاضلا والمسألتان الاولتان مُمْتَنِعَتَانِ عِنْدَنَا جَائِزَتَانِ عِنْدَهُ وَالْأُخْرَيَانِ بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي النَّقْدَيْنِ قِيَمُ الْوَزْنِ وَفِي الْأَرْبَعِ الْكَيْلُ فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ وَعِنْدَنَا الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا وَفِي الاربعة (1) فَتَعَدَّتْ إلَى الْمَطْعُومِ دُونَ الْمَكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الشَّعِيرُ فِي سُنْبُلِهِ لَا يُقَدَّرُ فَإِذَا فرعنا على القديم الْوَجْهُ عِنْدِي مَنْعُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَدَّرُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى حاله هذه وليس كالجوز مادام صحيحا وهذا تفريعا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/238)


* على القديم وأما الجديد فكل مطعوم وان كان لايقر يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَهَلْ يَجُوزُ وزنا فيه وجها
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ (الْأَصَحُّ) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَوْ خِيفَ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ

(11/239)


(فَوَائِدُ) قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى مَذَاهِبَ وَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَالْأَرْبَعَةُ مُجْتَمِعَةٌ فِي مَقْصُودِ الطَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ عِنْدَنَا وَالنَّقْدَانِ مجتمعان في جوهر النقدية لان التبرليس نقدافى عَيْنِهِ وَكَذَلِكَ الْحُلِيَّ وَالْأَوَانِي فَإِنَّ الرِّبَا جَارٍ فِيهَا لِنَصِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ يَعُمُّ الْمَطْبُوعَ وَغَيْرَ الْمَطْبُوعِ.
وَعِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ قَالَ لخصت منها عبارة جامعة للكل وهوأن الْعِلَّةَ فِي النَّقْدَيْنِ جَوْهَرٌ
يُطْبَعُ مِنْهُ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ.
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِي إنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَيْسَا بِمُعَلَّلَيْنِ وَالرِّبَا فِيهِمَا لِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ فِيهِمَا وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثَّمَنِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّبَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَزَادَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ رِبًا رَابِعًا وَهُوَ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا (فَائِدَةٌ) تَعَلَّقَ مَنْ قَالَ إنَّ الْعِلَّةَ الْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَالْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيث فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ

(11/240)


وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ وكذلك التمر ان قالول أَرَادَ الْمَوْزُونَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِوَاءُ الْوَزْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَيَّنَ الرِّبَا فِيهَا فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَذَلِكَ كل مايمال أَوْ يُوزَنُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ اه.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عن الربيع هكذا وهو ابن صبح هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ.
وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ وَعَنْ الْقَلَعِيِّ أَنَّهُ يُفْتَحُ وَيُمَدُّ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ أَخْذُ مَالٍ مَخْصُوصٍ بِغَيْرِ مَالٍ بِإِزَائِهِ وَلَا تَقَرُّبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا إلَى الْخَلْقِ قَالَ فَأَخْرَجْنَا بِخُصُوصِ مَا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا بِلَا تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الصَّدَقَةَ وَإِلَى الْخَلْقِ الْهَدِيَّةَ وَالْهِبَةَ (قُلْتُ) وَهَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِمَارُ بَلْ هَذَا هو حد القمار فانهم ذكرو الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِمَارِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْقِمَارَ (1) وَإِنَّمَا الْحَدُّ الصَّحِيحُ لِلرِّبَا فِي الشَّرْعِ مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي غير هذا.
والجاروس - بِالْجِيمِ - وَالسِّينِ - الْمُهْمَلَةِ الْحَبُّ الَّذِي يُعْصَرُ مِثْلُ الدَّخَنِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الدَّخَنِ فِي جَمِيعِ أحواله وهو ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَهُوَ مُعْرَبٌ كَاوَرْسَ حَكَى ذَلِكَ عن مجمع البحرين الفرغالى (فَائِدَةٌ) اُشْتُهِرَ عَنْ مَذْهَبِنَا التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ إنْ كان كلام الشارع
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/241)


نَصًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلَا يُرَى لِلْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَقْعًا وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْحُكْمِ بِفَسَادِهَا وانما تفيد إذَا كَانَ قَوْلُ الشَّارِعِ ظَاهِرًا يَتَأَتَّى تَأْوِيلُهُ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ حَمْلِهِ عَلَى الْكَثِيرِ مَثَلًا دُونَ الْقَلِيلِ فَإِذَا سُحِبَتْ عَلَيْهِ تَوَافَقَ الظَّاهِرُ عِصْمَتَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى لَا تَنْزِلُ مَرْتَبَتُهَا عَنْ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ فِيهِ رَيْبٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِلتَّأْوِيلِ وَلَوْ أُوِّلَ لخرح بَعْضُ الْمُسَمَّيَاتِ وَلَأُزِيلَ الظَّاهِرُ إلَى مَا هُوَ نص فيه العلة فِي مَحَلِّ الظَّاهِرِ كَأَنَّهَا ثَابِتُهُ فِي مُقْتَضَى النَّصِّ مِنْهُ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى مَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ عَاصِمَةٌ لَهُ عَنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ فَكَانَ ذَلِكَ إفَادَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا حَقِيقِيًّا وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) الْحَدِيثُ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَصٌّ بَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالنَّقْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ظاهرا وان كان ظاهرا فالامة مجتمعة عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقَدْ صَارَ بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ نَصًّا (قُلْتُ) أَمَّا الْحَظُّ الْأُصُولِيُّ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِهِ وَالْأُصُولُ لَا تَصِحُّ عَلَى الْفُرُوعِ فَإِنْ تَخَلَّفَتْ مَسْأَلَةٌ فَلْيُمْتَحَنْ بِحَقِيقَةِ الْأُصُولِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلْيُطْرَحْ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَنْبَارِيُّ الشَّارِحُ وَقَالَ إنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مِنْ نَصٍّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَلْزَمُ

(11/242)


مِنْهُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّخْصِيصِ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْقَاصِرَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَرَقِّيَةً فِي الرجحان عن رتبتها وهذا غير ما يهيؤا لَأَنْ تَكُونَ مُعَارَضَةً لِلْمُتَعَدِّيَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ قَوَاعِدِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْوُقُوفَ عَلَى حِكْمَةِ النَّصِّ وَكَوْنَ حكمها متعد إلَى غَيْرِهَا وَأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْنَى فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ فوائذ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي مَنْعِهَا التَّخْصِيصَ فِي الظَّاهِرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى جَلِيلَةٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَا تَنْحَصِرُ الْفَائِدَةُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَصَارَ كَالنَّصِّ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَلِيلَ إذَا انْتَهَى فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُوزَنُ لَا تُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ فِيهِ كَمُخَالَفَتِهِ فِي بَيْعِ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ دُرَّةٍ بِدُرَّةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا قَالَ الْفَرْغَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ فَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْعِلَّةِ وَهِيَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ فِي ذَلِكَ وَمُنِعَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ فِيهِ وَتَحْصِيلُ الفائدة التى حاولها
الامام والا فآخر كلامه الْمَذْكُورِ فِي الْبُرْهَانِ يُشِيرُ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ الْجَرَيَانِ عَلَى الْقَانُونِ الَّذِي مَهَّدَهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَى أَنْ يُضِيفَ الْحُكْمَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَهِيَ الْوَزْنُ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَزْنِ بَاطِلٌ بِوُجُوهٍ تَخُصُّهُ (مِنْهَا) أَنَّهُ طَرْدٌ لَا مُنَاسَبَةَ

(11/243)


فِيهِ (وَمِنْهَا) جَوَازُ إسْلَامِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الموزونات فَلَيْسَ بُطْلَانُ الْمُتَعَدِّيَةِ هُنَا بِمُعَارَضَةِ الْقَاصِرَةِ لَهَا (وَأَمَّا) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُرَجِّحُ الْقَاصِرَةَ عَلَى الْمُتَعَدِّيَةِ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ لها وَالْجُمْهُورُ يُرَجِّحُونَ الْمُتَعَدِّيَةَ وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ جِهَةِ التَّعَدِّي وَالْقُصُورِ قَالَ الْأَنْبَارِيُّ وَهُوَ الصيحيح وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ الْعِلَلُ بِقُوَّتِهَا فِي نَفْسِهَا وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَتَارَةً يَمِيلُ إلَى التَّعَبُّدِ وَإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ وَأَخْذِ الرِّبَا فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تبيعوا الطعام بالطعام) وَتَارَةً يَمِيلُ إلَى الْقِيَاسِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَكَأَنَّهُ شَوَّشَ عَلَيْهِ عَدَمُ ظُهُورِ فَائِدَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ أَبْدَيْنَاهُ في محل الاخلاف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَابَعَ ابْنَ سِيرِينَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَوْدَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ انْتَهَى مَا قَالَاهُ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الجنسية والطعم شرطها وجعل ذلك مقابلا لم قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطعم والجنس محلها

(11/244)


والشرط عدم التساوى والمعلول فَسَادُ الْعَقْدِ وَلِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي وَالْمَعْلُولُ الْفَضْلُ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ اقْتَصَرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ عِلَّةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ تَوَهَّمَ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ وَأَنَّهُ موافق لابن سيرين والله تعالى أعلم.