المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

(باب بيع الاصول والثمار) الاصول ههنا الْمُرَادُ بِهَا الْأَشْجَارُ وَكُلُّ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْأَصْلِ يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ مَعًا وَالثِّمَارُ.
وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْبَابِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بَيَانُ حُكْمِ الْأُصُولِ إذَا بِيعَتْ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لَهَا وَفِيمَا لَا يَكُونُ وَفِي حُكْمِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ النَّظَرُ وَقَدْ بَوَّبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ بَابَ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ حَلَّهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْأُصُولِ
(وَالثَّانِي)
الْكَلَامُ فِي الثِّمَارِ إذَا بِيعَتْ وَمَا يختص بها من الشروط التى لا تشترط في غيرها من الْمَبِيعَاتِ فَإِنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ (مِنْهَا) مَا هُوَ عام وهى الخمسة التى ذكرها فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَمِنْهَا) مَا يختص بالربوبات وَأَفْرَدَ لَهُ بَابَ الرِّبَا

(11/245)


وَقَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْبَابِ لِعُمُومِهِ لِإِمْكَانِهِ فِي كل وقت وشدة خطره لقيام الاجماع على (وَمِنْهَا) مَا يَخْتَصُّ بِالثِّمَارِ فَأَفْرَدَهُ فِي هَذَا الباب وبدت علة الشافعي بأن الْوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَجَعَلَهُ عَقِيبَ بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأُصُولِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ لِتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَقَدَّمَ الْأُصُولَ عَلَى الثِّمَارِ تَأَسِّيًا بِالشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ طَبْعًا وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَابِ بَيْعُ الثِّمَارِ لِبَيَانِ شَرْطِهِ فَلَعَلَّهُ قَدَّمَ بَيْعَ الْأُصُولِ فِي مُخْتَصَرِ التَّفْرِيعِ بَعْدَهُ بِمَقْصُودِ الْبَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ الْكَلَامُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ مُخْتَصَرًا بَلْ طَالَ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ بَلْ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَبْوِيبِ الشَّافِعِيِّ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَاسْتَلْزَمَ الْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ إلَى آخِرِهِ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الثِّمَارِ لِلْأُصُولِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إفْرَادُ الْأُصُولِ بِالْعَقْدِ بَلْ يَشْمَلُ صُورَةَ إفْرَادِهَا وَصُورَةَ مَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْأَرْضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً فَيَدُلُّ عَلَى الصُّورَةِ الْأُخْرَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاسْتُطْرِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ إلَى مَا يَتْبَعُ لَفْظَ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا من

(11/246)


غَيْرِ الثِّمَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي هِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الثِّمَارِ كالزروع والخوابى وَالْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ فِي بَيْعِ الارض لانه مستلزم لبيع الاصول المستلزم لبيع الثِّمَارَ وَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَذْكُورٌ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ وَلَا يُسْتَنْكَرُ كَوْنُ الدَّاخِلِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يُسَمَّى مَبِيعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى
وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِي الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصَرِ الْمُنَبِّهِ مِنْ عِلْمِ الشافعي.
قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس نظرت فان اقل بعتك هذه الارض بحقوقها دخل فيها البناء والغراس لانه من حقوقها وان لم يقل بحقوقها فقد قال في البيع يدخل وقال في الرهن لا يدخل واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق (فمنهم) من قال لا يدخل في البيع لان الارض ليست بعبارة عن الغراس والبناء وتأول قوله في البيع عليه إذا قال بحقوقها (ومنهم) من نقل جوابه في الرهن إلى لبيع وجوابه في البيع إلى الرهن وجعلهما على قولين
(أحدهما)
لا يدخل في الجميع لان الارض اسم للعرصة

(11/247)


دون ما فيها من الغراس والبناء
(والثانى)
يدخل لانه متصل بها فدخل في العقد عليها كسائر أجزاء الارض (ومنهم) من قال في البيع يدخل وفى الرهن لا يدخل لان البيع عقد قوى يزيل الملك فدخل فيه الغراس والبناء والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك فلم يدخل فيه الغراس والبناء) .
(الشَّرْحُ) الْأَرْضُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ لَمْ يَأْتِ وَاحِدُهُ بِالْهَاءِ وَالْغِرَاسُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّجَرِ يُقَالُ غَرَسْتُ الشَّجَرَ أَغْرِسُهُ وَيُقَالُ لِلنَّخْلَةِ أَوَّلَ ما تنبت غريسة اله الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْعَرْصَةَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَكَانَ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غِرَاسٌ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِمَا فِيهَا أَوْ مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ حُدُودُهَا أَوْ حَوَتْهُ أَقْطَارُهَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَنَّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مَنْ قَالَ لَا يَدْخُلُ مُحْتَجًّا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِشْكَالِ أَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ وَمَجَارِي الْمَاءِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا أَقْيَسُ وَهُوَ كَمَا رأى الا أن يثبت عرف عا بِاسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ أَوْ

(11/248)


بِدُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الْحُقُوقِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى
عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ قائم أو شجر ثابت وهذه دعوى مُنْكَرَةٌ وَهِيَ بِإِطْلَاقِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَلَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الثَّانِي وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شئ عن العلماء المتقدمين بل مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ صَنَعُوا كَصُنْعِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَعَلَّهُمْ تَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ كَمَا ادَّعَاهُ ابن حزم فلاشك أن للنظر فيها مجالا والا فيلغو مَا أَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّخْرِيجِ وَلَا تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ بِذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ كَمَا نَقُولُهُ فِيمَا بَعْدُ وَقَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا فَقَدْ اختلف الاصحاب على طرق (احداهما) أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ على تبعيتها لهامن عُرْفٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِلدُّخُولِ وَهَذَا هو القياس وهى طريقة أبى العباس

(11/249)


ابن سُرَيْجٍ لَكِنَّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ فَاحْتَاجَ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا (وَقَوْلَهُ) فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ لَكِنْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْإِشْكَالِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ينبغى أن لايدخل وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الاطلاق ينبغى أن لايدخل ولو قال بحقوقهما لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يَشْمَلُهُ وَإِنَّمَا يَشْمَلُ الممر ومسيل الماء ومطروح الْقُمَامَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُخَالِفَةً لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا نقلناه عن مذهبي أبى حيفة وَمَالِكٍ وَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إنْ ثَبَتَتْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَعَلَ الْإِمَامُ الغزالي فِي الْوَسِيطِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ الْأَصَحَّ وَشَذَّا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ وَلَعَمْرِي إن لم يَثْبُتَ إجْمَاعٌ أَوْ نَصٌّ فَالْحَقُّ مَا قَالَاهُ وقد جهدت

(11/250)


فِي تَطَلُّبِ نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ أَجِدْ إلَّا نَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُثْمِرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَالْأَصْحَابُ يُفَرِّقُونَ بِأَنَّ البناء والغراس يراد للتأييد بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ يَحْتَجُّونَ بِهِ لِأَنَّهُ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ دُخُولَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَشْمَلُهَا اسْمُ النَّخْلَةِ وَلَكِنْ لِاتِّصَالِهَا بِهَا
وَالْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ كَذَلِكَ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ نَقْلُ جَوَابِهِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى الرَّهْنِ وَمِنْ الرَّهْنِ إلَى الْبَيْعِ وَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ بِمَنْزِلَةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَأَجْزَاءُ الارض تدخل عند الاطلاق فكدلك هَذِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْضَ مَبِيعَةٌ وَمَرْهُونَةٌ دُونَ مَا فِيهَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِيرَادُ الْحَنَابِلَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُوَافِقُ

(11/251)


هذه الطريقة الثانية فانهم طروا وَجْهَيْنِ وَالْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ مَعَ الْمُخَرَّجِ وَقَدْ يُسَمَّيَانِ وَجْهَيْنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَادَّعَى الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وان أصح القولين منها أنها تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ إنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا إذَا أَطْلَقَ بَيْعَ الْأَرْضِ تَبِعَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَإِذَا أَطْلَقَ رَهْنَهَا لَمْ يَتْبَعْهَا وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَجَازَ أَنْ يُسْتَتْبَعَ وَالرَّهْنُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَاسْتِيثَاقٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَمَّا كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي كَذَلِكَ الْمَوْجُودُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَا تَدْخُلُ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ

(11/252)


منقولة عن أبى أسحق الْمَرْوَزِيِّ وَنَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهَا الصَّحِيحَةُ وَقَدْ تُعْزَى لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْفَرْقِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ الِاسْمُ يَعْنِي فَلَا مَعْنَى لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَ هَذَا الْفَرْقَ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ قَالَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَظْهَرُ قُوَّتُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ ورد عليه أما مالا يتناوله فلا يؤثر فيه ولهذا إذ شرط أن لايدخل الْغِرَاسُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِذَا قَالَ فِي الرَّهْنِ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ الثَّانِي لَاغٍ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ تَبِعَتْهَا لِكَوْنِهَا حَادِثَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَا كَذَلِكَ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّمَرَةَ الْحَاصِلَةَ الْمُؤَبَّرَةَ
عِنْدَ الْبَيْعِ لَا تَدْخُلُ قَوْلًا واحدا واعترض أبو العباس الغزارى عَلَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا قَوِيَ

(11/253)


وَأَزَالَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ تَقْلِيلًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ بِتَفْوِيتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُقْتَضَى الْفَرْقِ عَكْسَ الْمُدَّعَى وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فَرْقًا وَاغْتَبَطَ بِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ حَذَرًا مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ قَبْلَ الْوُصُولِ فِي الشَّرْحِ إلَيْهِ ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ هُنَا ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْضِ يَشْمَلُ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ فَلَوْ بَقِيَ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لِلْبَائِعِ لَخَلَا الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُمَا مُسْتَثْنَاةً لَا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَلَا تَبْقِيَتُهُ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَهُ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا كَانَ الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا بِاتِّفَاقٍ فَوَجَبَ إذَا ضُمَّ إلَى مَبِيعٍ خَلَا عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ بِالثَّمَنِ فَلَمَّا أَفْضَى مَحْذُورُ الْإِخْرَاجِ إلَى هَذَا حُكِمَ بِالِانْدِرَاجِ حِرْصًا عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ كَمَا أدرج

(11/254)


الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ اسْمُ الشاة والجارية طلب لِلتَّصْحِيحِ وَحَذَرًا مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ لِلْحَمْلِ غَايَةٌ تنتظر ومع ذلك أدرج ولا غاية ههنا تُنْتَظَرُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاءَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مُخْرِجًا لِلْعَقْدِ عَنْ وَضْعِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ هَذَا الْمَحْذُورَ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَيُحْمَلُ الْبَيْعُ عَلَى مَا سِوَاهُمَا طَلَبًا لِلتَّصْحِيحِ وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَجْمُوعَ وَهَذَا يَضْعُفُ عَنْهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ بِهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْبِنَاءِ والشجر يحتمل أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ خَلَا الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ أَنَّ الْمَغْرِسَ وَالْأُسَّ هَلْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي بيع البناء والغراس وذكرهما القاضى حسين ورتبتهما على بيع

(11/255)


الْغِرَاسِ (إنْ قُلْنَا) يَسْتَتْبِعُ الْمَغْرِسَ فَهَهُنَا أَوْلَى والا فوجهان (والفرق) أن اللفظ ههنا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَقَوِيَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِهِ فِيمَا يُتْلَفُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فَقَدْ ظَهَرَ
مِمَّا قَالَهُ أَنَّ لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لُزُومَ الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُهُ مِنْ السَّوْقِ إلَى تَصْحِيحِ العقود ادراج شئ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ لَا لَفْظًا ولا عرفا والحمل انما دخل لا قتضاء الْعُرْفِ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَإِنْ أَدْخَلْنَا الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَدْخَلْنَا مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَاقِدِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنْ أَخْرَجْنَاهُ وَأَدْخَلْنَا الْمَغْرِسَ لَزِمَ الْمَحْذُورُ الَّذِي أَبْدَاهُ عَلَى رَأْيِهِ وَإِنْ أَخْرَجْنَا الْمَغْرِسَ خَالَفْنَا لَفْظَ الْعَقْدِ وَشُمُولَهُ له فلم سبق إلَّا إفْسَادُ الْعَقْدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إفْسَادَ الْعَقْدِ أَيْضًا مَحْذُورٌ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ صَائِرٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا

(11/256)


النَّظَرُ فِي أَخَفِّ الْمَحْذُورَاتِ الثَّلَاثَةِ يُلْتَزَمُ وَالْحُكْمُ بادخال البناء والغراس حكم باثبات أمر زَائِدٍ عَلَى مَدْلُولِ لَفْظِ الْعَاقِدِ لَمْ يَتَعَرَّضْ له باثبات ولا نفى فليس فيه مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ نَفْيُ مَا يَقْتَضِيهِ أَوْ إثْبَاتُ ما ينفيه أما اثبات شئ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اللَّفْظُ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَلَا يُقَالُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ أَمَّا الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ فَهُوَ إخْرَاجٌ لِبَعْضِ ما تناوله فكان مخالفا له فكان الاولى أَوْلَى وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُ الْأُسِّ وَالْمَغْرِسِ مَعَ إخْرَاجِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِمَا أَبْدَاهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا قابل للانتفاع به في الجملة بحف سَرَبٍ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ وَأَخْذِ تُرَابِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَضْعِ بَدَلِهِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَمْ تُعْدَمْ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ أَلَا ترى أن القاضي حسين قال في فتاويه انه إذا باع عشرة أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ عُمْقًا فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ صَحَّ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ مَا جَاوَزَ عَشْرَ أَذْرُعٍ عُمْقًا بِأَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ عَشْرِ أَذْرُعٍ بِئْرًا أَوْ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ إذَا كَانَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بيعه باتفاق بناه عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مَسْأَلَةً وَقَدْ عَرَفْتُ الْمَنْعَ الْمُتَّجِهَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي إذَا تَمَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَرْئِيًّا قَبْلَ ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ

(11/257)


(قُلْتُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ صِحَّةُ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِيهَا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ لِشَبَهِهَا بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ
وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لَا يَأْتِي فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَأَشْبَهَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْأَمْتِعَةَ الَّتِي يُمْكِنُ نَقْلُهَا بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ إذَا كَانَ الْغِرَاسُ بَاقِيًا لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى الْأَشْجَارَ بَقِيَتْ الْأَشْجَارُ عَلَى ماهي عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْقَطْعَ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلدَّوَامِ وصرح الغزلى أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الارض المبيعة عن الشجر عندما تَكَلَّمَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شَجَرٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّفْرِيغُ فَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ عَلَى حَالِهَا فَصَحَّ الْبَيْعُ إذَا وُجِدَتْ الْمَنْفَعَةُ وَالرُّؤْيَةُ وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ مُسَاعِدٌ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَلْعُ الشجر لو بقيناه عَلَى مِلْكِهِ عَلَى أَنِّي وَجَدْتُ النُّسَخَ مِنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ بِإِسْقَاطِ لَا فَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِإِثْبَاتِ لَا وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الفتاوي إذَا بَاعَ الدَّارَ دُونَ النَّخْلَةِ الَّتِي فِيهَا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاجْتِيَازِ إلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع وهذا صريح في مخالفة ماقاله ابن الرفعة من الحكم بعدم الصحة

(11/258)


على تقدير دُخُولِ الشَّجَرِ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دُونَ النَّخْلَةِ وَشَرَطَ دُخُولَ مَنْبَتِهَا فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَيَسْتَحِقُّ تَبْقِيَةَ الشَّجَرَةِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الدَّارِ تَمَلُّكَ الشَّجَرَةِ بِقِيمَتِهَا أَوْ قَلْعِهَا بِالْتِزَامِ النُّقْصَانِ كَانَ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا تَلْزَمُهُ الاجرة بتبقيته فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى بِأُجْرَةٍ لَكَانَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأُجْرَةِ يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ اسْتَلْزَمَ عَدَمَ الْأُجْرَةِ نَعَمْ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الرَّطْبَةَ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ قلنا انه لايدخل الْمَغْرِسُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الشَّجَرَةِ مَجَّانًا وَهَلْ يجب عليه بقاؤها مَا أَرَادَ الْمُشْتَرِيَ أَمْ لَهُ قَلْعُهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ كَالْعَارِيَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهِ الْآخَرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ وَيُقَالَ أَنَّا فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ قَصَرْنَا الْحُكْمَ على مادل عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبِيعِ فَفِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ لَا يُسْتَتْبَعُ حَقُّ الْإِبْقَاءِ فَكَانَ لَهُ الْقَلْعُ عَلَى وجه وفى بيع الْأَرْضِ كَانَ حَقُّ الْإِبْقَاءِ ثَابِتًا فَلَا يُزَالُ بِالْبَيْعِ فَهَذَا فَرْقٌ جُمِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أُلْغِيَتْ هَذِهِ الْفُرُوقُ
كُلُّهَا فَمَا وَجْهُ الْمَذْهَبِ (قُلْتُ) الرَّاجِحُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إجْمَاعٌ عَلَى الدُّخُولِ فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ مَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ يُعْتَضَدُ الدُّخُولُ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ بِالْوَاضِحَةِ (مِنْهَا) الثِّمَارُ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ

(11/259)


بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْمَفْهُومُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ الشَّجَرَةِ لِلثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَيْسَتْ بَاقِيَةً عَلَى الشَّجَرَةِ دَائِمًا فَاسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ وَهُوَ بَاقٍ فِيهَا دَائِمًا أَوْلَى وَفِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ مولى بن عمر (ايما نخل بيعت لم يذكر الثمر فالثمر لِلَّذِي أَبَّرَهَا) وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ فَالْحَرْثُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ (1) (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَرْضَ تُطْلَقُ كَثِيرًا وَيُرَادُ بِهَا الْأَرْضُ مَعَ مَا فِيهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أثبت أرضا بخيبر لم أصب مالاقط أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْأَرْضَ وَحْدَهَا بَلْ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةِ) فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ كَثِيرًا فَإِنْ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ سُكُوتِ الْبَائِعِ عَنْ اسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ إخْرَاجَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعَ كُرْهِ اسْتِعْمَالِ الْأَرْضِ مَعَ دُخُولِهِمَا لَنَصَّ عَلَى الْإِخْرَاجِ فَلَمَّا لم ينص على ذلك دل أَنَّ مُرَادَهُ الشُّمُولُ مَعَ كَوْنِ الْبَائِعِ مُعْرِضًا عَنْ الْبَيْعِ وَقَاطِعًا أَطْمَاعَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ شَبِيهَةٌ بِالْجُزْءِ الْحَقِيقِيِّ فَهِيَ كَالْحَمْلِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ يُحَاوِلُونَ تَشْبِيهَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِمَا مُرَادَيْنِ لِلْبَقَاءِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَعَ الْمُفَارَقَةِ فِي أُمُورٍ أُخْرَى نَظَرٌ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَإِنَّ الْكَثْرَةَ مَمْنُوعَةٌ (وَأَمَّا) الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَلَا يَمْتَنِعُ وَمَعَ مَيْلِي في البحث كما
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/260)


رأيت إلى موافقة الامام الغزالي لاأقدم عَلَى الْجَزْمِ بِهِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ
ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ دُخُولُهَا وَأَبْهَمَ وَأَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَهَذَا آخِرُ كَلَامِنَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِهِمَا فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن الجوزى مَعَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَشْهَدُ لَهَا أَنَّ الْحَمْلَ وَالثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ تَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي انْدِرَاجِ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) مِنْهُمَا فِي الْأُمِّ كما قال البندنيجى في الثمرة عدم التبعية (وفى القديم) نص على التبعية ثم أغرب الجوزى فَجَعَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ جميعا معللا على أخد الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الرَّهْنَ وَالْبَيْعَ سَوَاءٌ وَفِيهِمَا قولان ومقتضى كلام الجوزى هَذَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَرَهْنِهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَرْضِ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْأَرْضِ فَبَيَاضُ الْأَرْضِ الَّذِي بَيْنَ الْبِنَاءِ والشجر لايدخل فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ فَرْعٌ وَالْأَصْلُ يَسْتَتْبِعُ الْفَرْعَ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مابين الْمَغَارِسِ لَا يَتَأَتَّى إفْرَادُهَا بِالِانْتِفَاعِ إلَّا عَلَى

(11/261)


سبيل التبعية للاشجار فوجهان (وأما) ماكان من الارض قرار لِلشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فَفِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فِي قَرَارِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعًا وَسَيَأْتِي حِكَايَتُهُمَا فِي الشَّجَرِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
مِنْ الشَّجَرِ مَا يُغْرَسُ بَذْرُهُ فِي مَحَلٍّ فَإِذَا أَطْلَعَ يُنْقَلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَيُغْرَسُ فِيهِ وَيُسَمَّى شَتْلًا وَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَرُبَّمَا لَوْ بَقِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَفِعْ كَمَا لَوْ نُقِلَ فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يُوضَعْ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ لِلدَّوَامِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الشَّجَرِ الْمَوْضُوعِ لِلدَّوَامِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْأَرْضِ أَوْ يَكُونُ كَالزَّرْعِ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُنْقَلُ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَرْضِ إلَى بَعْضٍ فَيَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي تِلْكَ
الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ فَلَا يَدْخُلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
حُكْمُ الْهِبَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْمِلْكَ فَفِيهَا وَفِي الرَّهْنِ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ.

(11/262)


(فرع)
إذا باع الارض وفيها شئ يَابِسٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَغَيْرِهِ أَوْ لايدخل لانه لايراد لِلدَّوَامِ وَلِهَذَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا لَمْ أَرَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْجَزْمُ بِالثَّانِي ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِجَارَةِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِهَا فِي وُجُوبِ التَّفْرِيغِ وَالتَّسْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْحِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَثْنَى الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ من مطلق قولهم انه إذ باع أرضا ودخل الشجر كما في العبارة كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِ الْغِرَاسِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْغِرَاسَ لَا يَشْمَلُ عُرْفًا إلَّا الرَّطْبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
جَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِدُخُولِ الْمُسَنَّاةِ وَالسَّوَاقِي وَمَا بنى طوقها ومسار بها مِنْ آجُرٍّ وَحَجَرٍ وَمَا صَغُرَ مِنْ الْآكَامِ والتلال الجارية مَجْرَى الْأَرْضِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَجَعَلَ مَحَلَّ الطُّرُقِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ قَصْرٍ وَغَيْرِهِ وَالْغِرَاسُ مِنْ نَخْلٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ثَبَتَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ فكذلك كل ماكان فِي الْأَرْضِ مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ مُسَنَّاتِهَا سَوَاءٌ كَانَ آجُرًّا أَوْ حِجَارَةً أَوْ تُرَابًا وَكَذَا تِلَالُ التُّرَابِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ جِبَالًا وَخَوْخَاتُهَا وبيدرها والحائط الذى يحظرها وَسَوَاقِيهَا الَّتِي تُشْرِبُ الْأَرْضَ

(11/263)


وَأَنْهَارُهَا الَّتِي فِيهَا وَعَيْنُ الْمَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا تَدْخُلُ مَسَائِلُ الماء في بيع الارض ولا يدخل فيه سَرَبِهَا مِنْ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ هَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَايِلِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَكَذَلِكَ الْقَنَاةُ وَالنَّهْرُ (أَمَّا) الدَّاخِلَةُ فِيهَا فَإِنَّهُ لاشك فِي دُخُولِ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْمَسِيلِ (وَأَمَّا) بِنَاؤُهَا فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجِبُ أَيْضًا تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّ أَرْضَهُمَا دَاخِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجْرِي
الْخِلَافُ فِيهِمَا إلَّا فِي الْبِنَاءِ إنْ كَانَ ثُمَّ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لايدخل النَّخْلُ الْمَقْطُوعُ وَالشَّجَرُ الْمَقْطُوعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا مِنْ عَلَفٍ مَخْزُونٍ وَتَمْرٍ مَلْقُوطٍ وَتُرَابٍ مَنْقُولٍ وَسَمَادٍ مَحْمُولٍ فكل ذلك للبائع لايدخل إلَّا بِالشَّرْطِ أَوْ يَكُونُ التُّرَابُ وَالسَّمَادُ قَدْ بُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَاسْتُعْمِلَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ دُولَابٌ لِلْمَاءِ فَفِيهِ ثلاثة أوجه (احدهما) لايدخل فِي الْبَيْعِ كَبَكْرَةِ الدُّولَابِ وَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ وَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(وَالثَّانِي)
يَدْخُلُ لِاتِّصَالِهِ بِهَا (وَالثَّالِثُ) ان كان دولابا

(11/264)


صَغِيرًا يُمْكِنُ نَقْلُهُ صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَّا بِتَفْصِيلِ بَعْضِهِ عَنْ بعض ومشقة كبيرة دخل فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ فَأَشْبَهَ الشجر والبناء حكى ذلك المارودي وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَحَا الْمَاءِ وَقُلْنَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ دَخَلَ فِيهِ بَيْتُ الرَّحَا وَبِنَاؤُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الرَّحَا فِي الْبَيْعِ فيه ثلاثة أوجه (قيل) لايدخل شئ منه في البيع لاعلوا وَلَا سُفْلًا كَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ عُلْوًا وَسُفْلًا لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْمَنَافِعِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ السُّفْلِيُّ وَلَا يَدْخُلُ الْعُلْوِيُّ حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثلاثة المارودي وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا أَوْ فِي حُكْمِ الْبِنَاءِ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ أربعة أوجه قال المارودي وأما دولاب الرحا الذى يديره الماء فهو تابع لِلرَّحَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُخُولِهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالسُّفْلِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْعُلْوِ هذا كلام المارودي وان قال بعتك هذا البستان أو المحرف أَوْ هَذِهِ الْجَنَّةَ دَخَلَ فِيهِ الْأَشْجَارُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يدخل في البيع
(والثانى)
لايدخل..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(فَإِنْ قَالَ بعتك هذه القرية بحقوقها لم تدخل فيها المزارع لان القرية اسم للابنية دون المزارع) .
(الشرح) القرية (1) أما الاحكام (2) قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ
وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَبْنِيَةُ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالدَّكَاكِينُ وَالْحَمَّامَاتُ وَالسَّاحَاتُ وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا السُّورُ وَالْحِصْنُ الَّذِي عَلَيْهَا وَهُوَ السور والسور المحيط بها وَالدُّرُوبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ فَيَدْخُلُ مِنْ
__________
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر

(11/265)


الْأَرْضِ مَا اخْتَلَطَ بِبُنْيَانِهَا وَمَسَاكِنِهَا وَمَا كَانَ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمَسَاكِنِ وَحُقُوقِهَا وَفِي الْأَشْجَارِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ هُنَا اخْتِيَارَهَا فَاخْتَارَا فِي هَذِهِ دُخُولَ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ اخْتَارَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَفْهَمُونَ مِنْ اسْمِ الْقَرْيَةِ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وكذلك جزم المارودي بدخول مافى خِلَالِ الْمَسَاكِنِ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ تَرَدُّدَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ وَرَأْيِي أَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَشْجَارِ الدَّارِ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مَأْلُوفَةٌ فِي الْقُرَى وَلَا تَسْتَجِدُّ الْقَرْيَةُ بِالْأَشْجَارِ اسْمًا وَالدَّارُ تَسْتَجِدُّ اسم البستان والاعدل ماقاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ لِلْمَسَاكِنِ (وَأَمَّا) الْبَسَاتِينُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ دُخُولُهَا فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِاسْتِتْبَاعِهَا الْأَشْجَارَ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْأَشْجَارِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَغَيْرُهُ يُفِيدُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْقَرْيَةِ وصلاحيتها للتبعية وجزم المارودي بعدم دخولها وهذا الذى قاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ دُونَ الْخَارِجَةِ تَوَسُّطٌ وَهُوَ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ فِي الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) الْمَزَارِعُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لايدخل الْقَرْيَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الْمَزَارِعِ وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ يَنْبَغِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْقَصْرِ وَلَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مُنْدَفِعٌ فَإِنَّ الْمُدْرَكَ فِي الرُّخْصَةِ خُرُوجُهُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ فَمَا دَامَ فِي حُقُوقِ الْبَلَدِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَإِنْ كان خارجا عن البلد والمبيع ههنا الِاسْمُ وَالْقَرْيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ وَالْمَزَارِعُ لَيْسَ بِدَاخِلَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْنِيَةِ وَمَا أَحَاطَتْ بِهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَزَارِعَ تَدْخُلُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ ضِيَاعُهَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هَذَا إذَا أَطْلَقَ (أَمَّا) إذَا قَالَ

(11/266)


بِحُقُوقِهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ أيضا بل لابد مِنْ النَّصِّ عَلَى الْمَزَارِعِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ حُقُوقَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْبُيُوتِ وَالطُّرُقِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ دُخُولَ الْمَزَارِعِ فِيمَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَقَالَ عَنْهُ وَعَمَّا قَالَهُ في النهاية إنهما غريبان وقال ابن الرافعة إنَّهُ يُمْكِنُ تَنْزِيلُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِدُخُولِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ (أَمَّا) لَوْ سَمَّى الْمَزَارِعَ دَخَلَتْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْقَرْيَةَ بِأَرْضِهَا أَيْضًا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْمَزَارِعِ الْأَرْضُونَ الَّتِي تُزْرَعُ فِيهَا الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ (أَمَّا) الزَّرْعُ نَفْسُهُ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَقَاءٌ فَالْحُكْمُ فِي تَبَعِيَّةِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي تَبَعِيَّتِهِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَهُوَ فِيهَا وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمُوا يَعْنِي الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ الشَّجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَقَدْ عَرَفْتُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافًا فِي هَذَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا فِي الْأَرْضِ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالْخِلَافُ فِي الْأَرْضِ نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَمَالَ إلَيْهِ وَسَبَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى ذَلِكَ وَالْإِمَامُ هُنَا قَدْ اخْتَارَ دُخُولَ الْأَشْجَارِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْخِلَافُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْرَفَ هَلْ هُوَ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الْقَرْيَةِ أولا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى كَلَامٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْيَةِ حَتَّى أَعْرِفَ هَلْ هُوَ من الجازمين بذلك كالامام أولا لكن مانبه عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَيِّدٌ فِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ خِلَافٍ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ المخالف هناك

(11/267)


جَازِمًا هُنَا كَالْإِمَامِ فَمَتَى لَمْ نَتَحَقَّقْ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْخِلَافِ مَعَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ جَارٍ فِي اسْمِ الدَّسْكَرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ والدسكرة بناء كالقصر حوله بيوت.
قال المصنف رحمه الله.
(وان قال بعتك هذه الدار دخل فيها ما اتصل من الرفوف المسمرة والخوابى والاجاجين المدفونة فيها للانتفاع بها وان كان فيها رحا مبينة دخل الحجر السفلانى في بيعها لانه متصب بها وفى الفوقاني وجهان أحدهما أنه يدخل وهو الصحيح لانه ينصب هكذا فدخل فيه كالباب والثانى لايدخل لانه منفصل عن المبيع ويدخل الفلق المسمر في الباب وفى المفتاح وجهان أحدهما يدخل فيه لانه من مصلحته فلا ينفرد عنه والثانى لايدخل لانه منفصل فلم يدخل فيه كالدواء والبكرة وان كان في الدار شجرة فعلى الطرق الثلاثة التى ذكرناها في الارض.
(الشَّرْحُ) الْخَوَابِي وَالْأَجَاجِينُ بِجِيمَيْنِ وَهِيَ الْأَوَانِي الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ وَتُسَمَّى الْمَرَاحِضُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا كُلُّ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ لِلصَّبْغِ أَوْ الدَّبْغِ أَوْ الْعَجْنِ أَوْ لاخراج الشيرج من كسب السمسم ونحو ذلك والفلق (1) وَالْبَكَرَةُ (2) أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَبْنِيَةُ عَلَى تَنَوُّعِهَا سُفْلَهَا وَعُلْوَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْحَمَّامُ الْمَعْدُودُ مِنْ مَرَافِقِهَا وَحُكِيَ عَنْ نَصِّهِ أن الحمام لايدخل وَحَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ وَهِيَ بُيُوتٌ من خشب تنقل في الاسفار فما الْحَمَّامَاتُ الْمَبْنِيَّةُ مِنْ الطِّينِ وَالْآجُرِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ وَحَكَوْا أَنَّ الرَّبِيعَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْحَمَّامِ فَقَالَ إنْ كَانَ لا يستقل دون الدار
__________
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر

(11/268)


انْدَرَجَ وَإِنْ اسْتَقَلَّ فَهُوَ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الْبُسْتَانِ يَعْنِي فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أن الحمام الخشب الذى لا ينقل لايدخل لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ مِنْ الْبُنْيَانِ مِثْلُ الْبِنَاءِ بِالْخَشَبِ فَإِنَّ هَذَا مُتَمَيِّزٌ كَالنَّبَاتِ وَالْحَدِيدِ فَهُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الْمُشْتَرِي فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ تعرض له وانه فقه ظاهر لان ماكان مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا أُثْبِتَ فِيهَا وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَاللَّبِنِ يُجْعَلُ أَجْزَاءً أَوْ لَمْ يتعير كَالْأَحْجَارِ وَاللَّبِنُ يَقْرُبُ أَنْ يَتْبَعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ الاخضر يتبع في بيع
الارض لكنه لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَإِنَّمَا تَبِعَهَا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا وَلِهَذَا يَنْمُو بِهَا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الام في باب تمرالحائط يُبَاعُ أَصْلُهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَا مَعْنَى قوله بحب مِنْ الْبُنْيَانِ وَلَا ضَبْطَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَيْضًا عني بحب غير أنه ءذا كَانَتْ الْحَمَّامُ كُلُّهَا مِنْ خَشَبٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ كَانَتْ كالسور الخشب المسمرة التى لاتحول وَفِي دُخُولِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الدُّخُولُ كَمَا سَيَأْتِي وإذا كان كذلك فيكون ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ مِمَّا انفرد به عن الاصحاب كما ظن لكن مَأْخَذَ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ غَيْرُ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ مُتَّصِلٍ مُثَبَّتٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ طَرَدُوهُ فِي صندوق رأس البئر وهى الحرزة الَّتِي عَلَى فُوَّهَتِهَا وَالْغَالِبُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ حجر أو رخام وكذلك طردوه في معدن الْجَيَّارِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ فَخَّارٍ فَهُوَ كَالْآجُرِّ الَّذِي جَعَلَهُ هُوَ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَشَبِ وَكَذَلِكَ حَجَرُ الرَّحَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا

(11/269)


سَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا حَمَّامًا مِنْ حَجَرٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُنْقَلَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا اقتصى أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا ذَكَرَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَرْضِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ اعْتِبَارُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إنَّمَا يَتِمُّ فِيهَا وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّارَ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالسَّرِيرِ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمَّامِ (وَأَمَّا) الْآلَاتُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا أُثْبِتَ تَتِمَّةً لِلدَّارِ لِيَدُومَ فِيهَا وَيَبْقَى كَالسُّقُوفِ وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَمَا عَلَيْهَا مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ الْأَغَالِيقِ وَالْحِلَقِ وَالسَّلَاسِلِ وَالضِّبَابِ وَالْجَنَاحِ وَالدَّرَجِ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودِ مِنْ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ وغيره (والآخر) الْمَغْرُوسُ فِي الدَّارِ وَالْبَلَاطُ وَالطَّوَابِيقُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ (الثَّانِي) مَا هُوَ مُثَبَّتٌ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِهَا وَلَكِنْ لاعلى هَذَا الْوَجْهِ كَالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ وَهِيَ الْمُسَمَّرَةُ أَوْ التي اطرافها في البناء والخوابى وأحدثها خَابِيَةٌ وَهِيَ الزِّيرُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ وَالْأَجَاجِينُ
وَالدِّنَانُ الْمَبْنِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي تَرْكِ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالْأَوْتَادُ الْمُثَبَّتَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْأَرْضِ وَالْجُدْرَانُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرِ الرَّحَا الْمُثَبَّتَةِ وَخَشَبُ الْقَصَّارِ وَمِعْجَنُ الْخَبَّازِ وَالسُّرُرُ الْمُسَمَّرَةُ وَالدَّرَابْزِينُ وَصُنْدُوقُ رَأْسِ الْبِئْرِ وَصُنْدُوقُ الطَّحَّانِ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَدْخُلُ لِثَبَاتِهَا وَاتِّصَالِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تَتَزَعْزَعَ وَتَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ وَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ المعلاق مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ به بعد

(11/270)


الانفصال والاكثرون عدوا الاعاليق مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِجَارَةِ رَحَا الْمَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَمَحَلُّهَا هُنَاكَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحِبَابِ الْمَدْفُونَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ دَفْنُهَا اسْتِيدَاعًا لَهَا فِي الْأَرْضِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ دَفْنُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَحِبَابِ الزَّيَّاتِينَ وَالْبَزَّارِينَ وَالدَّهَّانِينَ دَخَلَتْ وَهَذَا جزم منه بأحد الوجهين المتقدمين كيلا يَتَزَعْزَعَ وَيَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمَنْقُولَاتُ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَا وَالْمَجَارِفِ وَالسُّرُرِ وَالرُّفُوفِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَوْتَادِ وَالسَّلَالِيمِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ وَلَمْ تُطَيَّنْ وَالْأَقْفَالُ وَالْكُنُوزُ وَالدَّفَائِنُ وَالصَّنَادِيقُ وَالْمَتَاعُ وَرَحَا الْيَدِ الَّتِي تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَالْخَزَائِنُ الْمُنْفَصِلَةُ وَأَقْفَالُهَا وَمَفَاتِيحُهَا وَالْأَبْوَابُ الْمَقْلُوعَةُ وَالْحِجَارَةُ الْمَدْفُونَةُ وَالْآجُرُّ الَّذِي دُفِنَ لِيُخْرَجَ وَيُسْتَعْمَلَ وَكَذَا كُلُّ مَا فُصِلَ مِنْ آلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ آجُرٍّ وَخَشَبٍ فَلَمْ تُسْتَعْمَلْ أَوْ كَانَ أَبْوَابًا وَلَمْ تُنْصَبْ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْبَكَرَةَ كَالدَّلْوِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْبَكَرَةِ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ الْبَكَرَةَ كالمتصل وليست كالدلو فلا يدخل شئ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ جَزْمًا وَفِي حَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ إذَا كَانَ الرَّحَا مَبْنِيًّا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الدُّخُولَ وَمُقَابَلَةَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ التَّحْتَانِيَّ يَدْخُلُ (أَمَّا إنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ فَفِي الْفَوْقَانِيِّ أَوْلَى وَالْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ أن لايدخل واحد منهما وفى مفتاح المعلاق المثبت وجهان
(أحدهما)
أنه لايدخل كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُحْكَى عَنْ صَاحِبِ التلخيص وأبى اسحق المروزى أنه يدخل لانه من توابع المعلاق الْمُثَبِّتِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَكَذَا كُلُّ مَا كان متفصلا

(11/271)


لا يمكن الانتفاع بِهِ إلَّا مَعَ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ فِيهِ وَجْهَانِ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَّصِلِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَفِي أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَبْوَابٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ وَتُرَدُّ وَقِيلَ تَدْخُلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنْهَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ الدُّخُولَ وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَجَزَمَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ بِعَدَمِ دُخُولِ شَرِيحَةِ الدُّكَّانِ وَدَرَابَاتِهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الدَّرَابَاتِ مُسَمَّرًا وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ الدُّخُولَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ جَعَلَ فِي الدَّارِ مَدْبَغَةً وَفِيهَا أَجَاجِينُ مَبْنِيَّةٌ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَفِي دُخُولِ الْأَجَاجِينِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا حَيْثُ لَا تَكُونُ الدَّارُ مدبغة فالدخول ههنا أَوْلَى وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْمَدْبَغَةَ دَخَلَتْ الْأَجَاجِينُ قَطْعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمَدْبَغَةِ وَالْمَصْبَغَةِ مُتَضَمِّنَيْنِ لِلْأَجَاجِينِ الْمَبْنِيَّةِ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَمَرَاقِي الْخَشَبِ إذَا أُثْبِتَتْ إثْبَاتُ تَخْلِيدٍ فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَرْقَى الْآجُرِّ وَالْجِصِّ بِخِلَافِ السَّلَالِيمِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافَ فِي تَجْوِيزِ الصَّلَاةِ إلَى الْعَصَا الْمَغْرُوزَةِ فِي سَطْحِ الْكَعْبَةِ إنْ جَوَّزْنَا فَقَدْ عَدَدْنَاهَا مِنْ الْبِنَاءِ فَتَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اسْمِ الدَّارِ وَالْمَدْبَغَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ الدُّخُولِ عَلَى هذا ما يشير إليه اللفظ فتزل ذَلِكَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ وَالدُّخُولِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ التَّنُّورُ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ مَا يَكُونُ فِي الدَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَّصِلِ وَمُنْفَصِلٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَّصِلِ فالاول يدخل والثانى لايدخل وَالثَّالِثُ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَا وَالْمِفْتَاحِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِدُخُولِ الْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَبْوَابِ مَعَ أَنَّ الْأَبْوَابَ قَائِمَةٌ فِي الدَّوْرَاتِ غَيْرِ مَغْرُوزَةٍ فِيهَا وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْأَبْوَابَ الْبَقَاءُ مُحِيطٌ بِهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ مُنْفَصِلَةً لِيُمْكِنَ رَدُّهَا وَفَتْحُهَا.

(11/272)


(فرع)
ذكر الامام أن هذا الخوف الْمَذْكُورَ فِي الْأَجَاجِينِ الْمُثَبَّتَةِ وَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَا وَالسَّلَالِيمِ الْمُسَمَّرَةِ يَجْرِي فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الرَّحَا مُرَتَّبًا وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى النَّصِّ فِي أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْ الْحَجَرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا كَلَامُنَا وَحِكَايَةُ الْأَصْحَابِ لاوجه فِي ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ الْخِلَافُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ تَنْدَرِجُ فِي بَيْعِ الدَّارِ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ الجوزى وَذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمِيزَابُ عَدَّهُ صَاحِبُ الْحَاوِي مِمَّا يَدْخُلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالْأَبْوَابِ وَالضِّبَابِ فَيَدْخُلُ جَزْمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ وَيَكُونُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ فِي دُخُولِهَا وَيَدْخُلُ الِاخْتِصَاصُ الَّتِي عَلَى السطح قاله صاحب التتمة.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الدَّارِ بِئْرٌ دَخَلَتْ لَبِنُهَا وَآجُرُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي الْبِئْرِ وَسَيَأْتِي الكلام في الماء أو صهريج دخل الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ بِنَائِهَا فَهُوَ كَالْخَزَائِنِ وَالسُّقُوفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَوْ كَانَ وَرَاءَ الدَّارِ بُسْتَانٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّارِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُسْتَانِ الْمُتَّصِلِ بِالدَّارِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ

(11/273)


(فَرْعٌ)
وَأَمَّا حَرِيمُ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ دَخَلَ وَلَوْ كَانَ فِي الْحَرِيمِ أَشْجَارٌ فَفِي دُخُولِهَا الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ أَوْ فِي طَرِيقِ الشَّارِعِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ بل لاحريم لمثل هذه الدارعلى مَا سَنَذْكُرُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْأَشْجَارَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ إنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ لَمْ تَدْخُلْ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ لِأَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَرِيمَ في السكة غير النافذ لايدخل إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ إنَّ بِئْرَ الْمَطَرِ
إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَمْ تَدْخُلْ في البيع ولا شرط وَهَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قُلْتُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرفعة صحيح وليس اعتراض عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُمْ أَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَرِيمُ هَلْ يَدْخُلُ هُوَ وَأَشْجَارُهُ فِي بيع الدار أم لا ولاشك أن الحريم ثابت في السكة المسندة إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا تِلْكَ الدَّارُ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ يَدْخُلُ حَرِيمُ الدَّارِ فِي بَيْعِ الدَّارِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ حَرِيمُ الْقَرْيَةِ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ حُجْرَةٌ أَوْ سَاحَةٌ أَوْ رَحْبَةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِخُرُوجِ ذَلِكَ عَنْ حُدُودِ الدار التى لا تمتاز عَنْ غَيْرِهَا إلَّا بِهَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ حُدُودٍ فِي الْغَالِبِ فَإِنْ اسْتَوْفَى ذِكْرَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ ذَكَرَ حَدًّا أَوْ حَدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ

(11/274)


ذَكَرَ ثَلَاثَةً فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَمَيَّزُ بالثلاثة بطل وان تميزت فالصحيح وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ (قُلْتُ) وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْحُدُودِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَعْلُومَةً نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ إذَا ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْتِبَاسِهَا بِغَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَتْبَعَهَا الْحُجْرَةُ وَالسَّاحَةُ وَالرَّحْبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَخَرَجَتْ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الْحُدُودِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ إذَا أُطْلِقَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُدُودِ وَتَمَيَّزَتْ وَحُكِيَ مَعَ ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(فَرْعٌ)
حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ سَابَاطٌ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حُدُودِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يدخل كالجناح
(والثانى)
لايدخل الا بشرط كالحجرة والساحة (والثالث) وهو تخريج أبى الفياض إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ السَّابَاطِ مطروحا على حائط لغيره هذه الدار لم يدخل قال ابن عصرون وهو أصحهما وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ عَدَمَ دُخُولِ الساباط وذا بَاعَ دَارًا عَلَى بَابِهَا ظُلَّةٌ مُثَبَّتَةٌ عَلَى جِدَارِهَا دَخَلَ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ
الْعُدَّةِ وَقَالَ لَنَا إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الدَّارِ وَإِذَا دَخَلَ الْمِيزَابُ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَغَالِيقَ تَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَفْهُومُ مَا كَانَ مُسَمَّرًا كَالنُّصُبِ الْمَعْهُودَةِ وَالدُّوَّارِ الْمُسَمَّى بِالْكَيْلُونِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَقْفَالَ الْخَزَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ وَمَفَاتِيحَهَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَزَائِنَ

(11/275)


الْمُنْفَصِلَةَ لَا تَدْخُلُ فَهِيَ أَوْلَى أَمَّا الْأَقْفَالُ الْحَدِيدُ الْمَعْهُودَةُ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُثَبَّتَةِ فَلَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا عَلَى الِاطِّرَادِ (تَنْبِيهٌ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمُخْتَصَرَاتِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِفْتَاحَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مِفْتَاحِ الغلق المثبت كالضبة والدوار كا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ (أَمَّا) مِفْتَاحُ الْغَلْقِ الْمَنْقُولُ كَالْأَقْفَالِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُنْقَلُ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْقُفْلِ فَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ في ذلك.
(فرع)
تقدم عن أبي الحسين الجوزى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ أَرْضًا أَوْ دَارًا فَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ قَوْلَانِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ عَلَى غَرَابَتِهِ وَأَنَّهُ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْتَضِي جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ زَالَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ أكثر ما ذكرناه لانه اذالم يَدْخُلْ الْبِنَاءُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لَا يَشْهَدُ له عرف وأما اللغة (1) .
(فرع)
وأما الشَّجَرُ فَفِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الدَّارِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ الَّتِي مَرَّتْ فِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ دُخُولُ الشَّجَرِ هُنَا أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا حَوَاهُ بِنَاؤُهُ مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ وَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ إنْ بَلَغَتْ الْأَشْجَارُ مَبْلَغَهَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الدَّارِ بُسْتَانًا لَهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي اسْمِ الدَّارِ والا دخلت مالا وهذا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/276)


أعدل الوجوه وهذا منهما بناء على ماختاراه أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَمَتَى قِيلَ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي الْأَرْضِ فَفِي الدَّارِ أَوْلَى وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لايدخل فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا قَالَهُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ جَارِيَةً فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ فَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِتْبَاعِ يَدْخُلُ الشجر ههنا وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِتْبَاعِ مِنْ طَرِيقَةِ طَرْدِ الْخِلَافِ (وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ تَقَدُّمِ الِاسْتِتْبَاعِ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُوَافِقِ لَهَا مِنْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فَتُجْرَى الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي استتباع الدار الشجر ومنشأها التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَشْمَلُهَا لَا أَنَّهَا تَدْخُلُ تَابِعَةً فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا زِيَادَةٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ وَتَفْصِيلٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الدُّخُولُ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ تَفَاوُتٌ لَطِيفٌ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مَا قَدَّمْتُهَا وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يمكن تسمية ذلك دون الدار بستانا لم يَنْدَرِجُ وَإِلَّا فَيَنْدَرِجُ وَأَوَّلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يُسَمَّى دُونَ الدَّارِ بُسْتَانًا وَتَكُونُ السدار دَاخِلَةً تَحْتَ اسْمِهِ وَحِينَئِذٍ يُوَافِقُ عِبَارَةَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْبَابُ إذَا كَانَ مَغْلُوقًا لايدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْآجُرِّ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا.

(11/277)


(فَرْعٌ)
بَاعَ سَفِينَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ مُتَّصِلًا وَفِي دخول مالا يستغنى عنه من آلتها المنفصلة وجهان يعني المتقدمين عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حجري الرحا ودخولهما تحت اسم الدار (وأما) لو قال بعتك هَذِهِ الطَّاحُونَةَ قَالَ الْإِمَامُ فَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ يَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ وَفِي دُخُولِ الْحَجَرِ الْأَعْلَى خِلَافٌ (وَالْأَظْهَرُ) دُخُولُهُ لِأَنَّ تَعَرُّضَهُ بِاسْمِهَا لِلطَّحْنِ وَالطَّحْنُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحَجَرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنَّهُ لَا خلاف في اندارجها تَحْتَ اسْمِ الطَّاحُونَةِ أَيْ لَا خِلَافَ
بِهِ احْتِفَالٌ وَفِي الْبَسِيطِ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ.
(فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْحَانُوتَ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ دَخَلَ فِي بيعها الدر وندو العلج ولا يدخل في بيعها الدرايات لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا فَهِيَ كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ قَالَ يَعْنِي الصَّيْمَرِيَّ (وَأَمَّا) الشَّرَائِحُ فَقَدْ قِيلَ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَدْخُلُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَالْمَبْنَى دَخَلَتْ وَإِلَّا لَمْ تَدْخُلْ قَالَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوبٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُ كَالْبَابِ الْمَنْصُوبِ وَقِيلَ لايدخل كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ حكاية الوجهين في الدراديب (وَأَمَّا) الْمُتَّصِلُ بِالْحَائِطِ مِنْ الْخَشَبَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِاتِّصَالِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فروع) جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ بِذِكْرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ.
لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ وَفِي أُذُنِهِ حَلَقٌ أَوْ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي رِجْلِهِ حِذَاءٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَبْدِ وَهَلْ تَدْخُلُ

(11/278)


ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جميع الفقهاء لا لانه لايدخل شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْعَفْوِ عَنْهَا فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ ذَلِكَ في مطلق البيع (وَالثَّالِثُ) يَدْخُلُ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لِلضَّرُورَةِ كَنَعْلِ الدَّابَّةِ وَإِنْ بَاعَ دَابَّةً وَعَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ قَدْرَ مَا تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ النِّعَالُ الْمُسَمَّرَةُ فِي أَرْجُلِهَا لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِخِلَافِ الْقُرْطِ فِي الْأُذُنِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ النَّعْلَ يُسْتَدَامُ وَالْقُرْطَ لَا يُسْتَدَامُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ بَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا لُؤْلُؤَةً أَوْ جَوْهَرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ اللُّؤْلُؤَةُ أَوْ الْجَوْهَرَةُ فِيهَا أَثَرُ مِلْكٍ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ صَنْعَةٍ فَهِيَ لُقَطَةٌ والا فهى ملك الصياد كما يملك من ما يأخذه من المعدة فَإِنَّ السَّمَكَةَ قَدْ تَمُرُّ بِمَعَادِنِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَرُبَّمَا ابْتَلَعَتْ شَيْئًا مِنْهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا فَوَجَدَ فِي جَوْفِهِ جَرَادًا أَوْ سَمَكًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْذِيَتِهِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَهُوَ كَالْحَبِّ فِي بَطْنِ الشَّاةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ وَجَدَ
فِي جَوْفِهَا حَمَامًا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ابْتَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا سَمَكَةً جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ السَّمَكَ قَدْ يَتَغَذَّى بِالسَّمَكِ وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هذا
(والثانى)
لايدخل بَلْ هُوَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ صَغِيرًا دَخَلَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ يَدْخُلْ قَالَ فِي

(11/279)


الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ (وَالصَّحِيحُ) أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ هَذَا الْحُوتُ مِمَّا يَأْكُلُ الْحِيتَانَ دَخَلَ فِي بَيْعِهِ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الطَّيْرِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحِيتَانَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لا يأكل لم يدخل الْحِيتَانَ لَمْ يَدْخُلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُؤْكَلُ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ الْمَوْجُودُ فِي جَوْفِ الطَّائِرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ بَعْدَ الْغَسْلِ لِتَنَجُّسِهَا بِمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ فَلَوْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لِأَنَّ مَا فِي جَوْفِ الْحُوتِ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ نَجَسٌ (قُلْتُ) وَمَا فِي جَوْفِ السَّمَكِ وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ النَّجَاسَةُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا وَإِنْ بَاعَ دَجَاجَةً وَفِي جَوْفِهَا بَيْضٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حُقُوقُ الدَّارِ الْخَارِجَةُ مِنْهَا لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بها وبهذا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا خَارِجٌ مِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ آلَةٌ وَقُمَاشٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَمِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَدَّ صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى زُفَرَ بِأَنَّهُ لَوْ دخل ذلك لدخل مافى الدَّارِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَطَعَامٍ وَمَا أَحَدٌ قَالَ هَذَا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِي يده.

(11/280)


قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وأما الماء الذى في البئر فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق الماء غير مملوك لانه لو كان مملوكا لصاحب الدار لما جاز للمستأجر شربه لانه اتلاف عين فلا يستحق بالاجارة كثمرة النخل
والواجب أن لا يجوز للمشتري رد الدار بالعيب بعد شربه كما لا يجوز رد النخل بعد أكل ثمرته فعلى هذا لايدخل في بيع الدار غير أن المشتري أحق به لثبوت يده على الدار وقال أبو علي ابن أبى هريرة هو مملوك لمالك الدار وهو المنصوص في القديم وفى كتاب حرملة لانه من ماء الارض فكان لمالك الارض كالحشيش فإذا باع الدار فان الماء الظاهر للبائع لايدخل في بيع الدار من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشتري فعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الظاهر من الماء للمشتري لانه إذا لم يشترط اختلط ماء البائع بماء المشتري فينفسخ البيع.

(11/281)


(الشَّرْحُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِنَاءَ الْبِئْرِ وَالصِّهْرِيجِ يدخلان في بيع الدار فاما الَّذِي فِي الْبِئْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْبِئْرِ هَلْ يُمْلَكُ أَوْ لَا عَلَى وجهين
(أحدهما)
وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مملوك لانه يجري تحت الارض ويجئ إلَى مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِي النَّهْرِ إلَى مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِمَا ذكره المصنف أيضا وقياسه على تمر النَّخْلِ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ يَعْنِي فَلَمَّا جاز للمستأجر شربه وجاز ردها بالعين بَعْدَ شُرْبِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ أَنَّ دَاخِلًا دَخَلَ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ اخْتِيَارُ أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَنْبُعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتِ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي

(11/282)


الْقَدِيمِ وَعَنْ كِتَابِ حَرْمَلَةَ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي غُرْمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى التوسعة ومحل الوجهين فيهما إذا كان الْبِئْرُ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا قَصَدَ بِحَفْرِهَا الِاسْتِقَاءَ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّمَلُّكَ فَالْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ فِيهَا لَا يَكُونُ مِلْكًا بِالِاتِّفَاقِ لِلْأَصْحَابِ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَكُلُّ مَنْ اسْتَقَاهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَمْلُوكٌ لَمْ يَدْخُلْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي
الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ كَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَا ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ للمشترى لانه لو لم يشترط كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا حِمْلُ ثَمَرَةٍ مُؤَبَّرَةٍ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْدُثُ حَمْلٌ آخَرُ وَيَتَلَاحَقُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ إمْكَانِ قَطْعِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَتْبَعَ الْمَاءَ الْبِئْرَ وَجَعَلَهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ مِنْهُ كَمَا يَدْخُلُ الْحِمْلُ تَبَعًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فَالْفَرْقُ يَقْتَضِيهِ فَلْيُلَخَّصْ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا أُطْلِقَ فِي الْبِئْرِ وَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا لَا يَسْتَتْبِعُ الْمَاءَ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ

(11/283)


وَالْبَاطِلُ لَا يَسْتَتْبِعُ وَصَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي البيع فإذا شرط دخوله على قول أبى هريرة كان ذلك بالشرط لا بِالتَّبَعِيَّةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَطَعُوا بِهِ قال الامام ولست أرى قياسا ولا توفيقا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ عَامَّةٌ فِي الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ تَنَاقَلَتْ (1) نَاظَرَ عَنْ هَذَا فَكَذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي الْحُكْمِ كَمَا تَرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمَاءُ الْجَارِي أَوْلَى بِالْفَسَادِ (فَإِنْ قُلْتُ) كَيْفَ صَحَّ اشْتِرَاطُهُ وَهُوَ لَوْ بَاعَ مَاءَ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ أما على قول أبى اسحق فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ لَا يمكن تسليمه كما في مسألة الثمار ولايجوز أَنْ يَبِيعَهُ جُمْلَةَ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيَحْدُثُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ (قُلْتُ) صَحِيحٌ أَنَّ بَيْعَ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مَعَ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ لِأَنَّ الْحَادِثَ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَمِنَّا مِنْ الْفَسَادِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّارِ وَقَدْ اعْتَرَضَ زَيْنُ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ شَيْخُ صَاحِبِ الْوَافِي عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ اخْتِلَاطُ
مَاءِ الْبَائِعِ بِمَاءِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِأَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لَيْسَ يمنع فاختلاطه بماء المشتري لا يوجب
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(11/284)


الْفَسْخَ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْوَافِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُجْتَمِعَ حَالَةَ الْعَقْدِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَبِيعًا فَإِذَا اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَكَانَ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ الْمَبِيعَيْنِ هَلْ يَكُونُ كَالتَّعَذُّرِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي كتاب البيوع اه مَا أَجَابَ بِهِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ اخْتِلَاطَ الْمَاءَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْمَوْجُودَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الِانْفِسَاخُ وَإِذَا ثَبَتَ هُنَاكَ أَنَّ اخْتِلَاطَ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ نَفْسُهَا مَبِيعَةً وَالثَّمَرَةُ هُنَاكَ إذَا عُلِمَ تَلَاحُقُهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَحَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يُعْلَمُ تَلَاحُقُهَا بِغَيْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالِانْفِسَاخِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ ثُمَّ يَنْفَسِخُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَاطِ وَلَكِنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ انْعَقَدَ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَفْسَخُهُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَهَذَا التَّصْوِيرُ صَحِيحٌ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ وعند الاصحاب

(11/285)


فِيمَا إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الثِّمَارِ مَعْلُومًا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ نَادِرًا ثُمَّ وَقَعَ وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي فَلَا يَتَّجِهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ فِي الْبَاقِي وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الَّذِي جَزَمَ فِيهِ بِالِانْفِسَاخِ هَذَا فِيمَا هُوَ جُزْءٌ كَأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْمَاءُ الْمَوْجُودُ
الْكَائِنُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الجزء بل هو وصف متعذرة أَوْ يَبْلُغُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ وَلَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ جَزْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا الْعُيُونُ الْمُسْتَنْبَعَةُ وَالْأَوْدِيَةُ وَالْعَيْنُ فَفِي تَمَلُّكِ مَائِهَا أَيْضًا وَجْهَانِ وقرارها مملوك ولا يجوز بيع مائها لم تَقَدَّمَ بِلَا خِلَافٍ لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ ويجوز بيع قَرَارُ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمٌ مِنْهَا وَيَكُونُ لِمُشْتَرِي ذَلِكَ حَقٌّ فِي الْمَاءِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ سَهْمًا مِنْ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَوْ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءَ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَيَكُونُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ عَلَى قول أبى اسحق قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا

(11/286)


وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوا فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا بِئْرٌ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا (إذَا قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ الْعَيْنِ الْمَاءَ الظَّاهِرَ وَقْتَ الْبَيْعِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاءُ الْمُشْتَرِي بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِأَنَّهَا رُؤْيَةٌ لِلْمَاءِ الْحَادِثِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ لَا لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ وَالْمَاءَ الَّذِي فِيهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ وَمَجْهُولٌ هَكَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمَاءَ الْحَاصِلَ فِيهَا فَهُوَ كَبَيْعِ الْبِئْرِ وَمَائِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَلْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْجُودٌ وَمَعْدُومٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْحَادِثُ تَابِعًا وَإِنْ أَرَادَ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ وَأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ فَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَاءِ الْبِئْرِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْبَابَيْنِ الْعِلْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ منا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ وَقُلْنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ فِي النهاية على ما إذا رأى المودجا مِنْ لَبَنِ الضَّرْعِ (1) لِأَنَّ بَعْضَهُ مَرْئِيٌّ وَبَعْضَهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الْمَبِيعُ من ماء البئر يعتقد بالتزايد فِيهِ كَمَا فِي لَبَنِ الضَّرْعِ وَلَوْ بَاعَ مائة منا مِنْ مَاءِ نَهْرٍ كَانَ مَمْنُوعًا وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ بَاعَ مِنْ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمَاءِ صَحَّ وَالْقَوْلُ فِي الْمَاءِ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ بَاعَ النَّهْرَ مَعَ مَائِهِ الجاري فيه وقلنا الماء غير مملوك وغير مملوك مَجْهُولٍ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ وَالْأَصَحُّ فِي مِثْلِهِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ في الجميع.
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(11/287)


(فَرْعٌ)
عَنْ الْإِمَامِ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ نَهْرٌ فَالْكَلَامُ فِي مَائِهِ كَالْكَلَامِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذا كان واقفا فيه دون مَا إذَا كَانَ جَارِيًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جَزْمًا.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيُجْعَلُ فِي صِهْرِيجٍ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله فعندي أنه يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَا فِي الْإِجَارَةِ إلَّا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مِنْ الزَّيْتِ وَغَيْرِهِ إذَا خُلِطَ فِيهِ.
(فَرْعٌ)
الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي الْأَنْهَارِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَنْبُعُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً كَالْجِبَالِ وَالشِّعَابِ وَمَنْ اسْتَقَى شَيْئًا مِنْهَا وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَإِذَا جَرَى مَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ كَمَاءِ الْمَدِّ يَدْخُلُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَإِذَا حَفَرُوا أَنْهَارًا فَأَجْرَوْا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مَاءً فَلَيْسَ أَيْضًا بِمَمْلُوكٍ وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْعَطْشَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ النَّهْرِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ باع مقدارا من ماء نهر جَارٍ أَرْضُهُ مَمْلُوكَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُ الْعَقْدِ عَلَى مُعَيَّنٍ فِيهِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا مَا يَقَعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ أَرْضِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِنَمَاءِ أَرْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ كَمَا لَوْ يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ صَيْدٌ (قُلْتُ) وهذا ما لم تحصل حيازته (أَمَّا) إذَا أَخَذَهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ احْتَازَ مَاءً مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَيْهِ أنه

(11/288)


لا يختص بشركة في هذا النهر قال وَإِنْ أَتْلَفَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ مَاءً فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ أَوْ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ غَرِمَهُ فِي الْبَلَدِ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَالْبِئْرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بِأَنْ قَصَدَ حَافِرَهُ فِي الْمَوَاتِ الِاسْتِقَاءَ مِنْهُ وَعَدَمَ تَمَلُّكِهِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يُمْلَكُ قَوْلًا وَاحِدًا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ فِي أَنْهَارِ الْأَرْضِ وَعُيُونِهَا مِنْ السَّمَكِ فَلَا يُمْلَكُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وجه أبى إسحق وَوَجْهُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا بِالْحِيَازَةِ كَمَا لَا يُمْلَكُ مَا فَرَّخَ مِنْ الصَّيْدِ فِي أَرْضِهِ إلَّا بِأَخْذِهِ وَإِنَّمَا لَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ أَرْضِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذُوهُ مَلَكُوهُ دُونَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ ذَاكَ التَّعَلُّقُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ حَقِّي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا وَكَانَ حَقُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ (قُلْتُ) وَقَدْ يَتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ فَخَرَجَتْ أَكْثَرَ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا فَإِنَّ الصُّبْرَةَ الْمُشَاهَدَةَ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِعَيْنِهَا كُلِّهَا وَفِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مِقْدَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أبى إسحق هَلْ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ أَنْ لَا يَمْلِكَ قَطُّ لَا بِالْإِجَارَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هُوَ غَيْرُهُ ومذهب أبى اسحق فِي مَاءِ الْبِئْرِ خَاصَّةً قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا

(11/289)


فِي مِلْكِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا مَاءٌ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ كَيْنُونَتِهِ فِي الْبِئْرِ أَمْ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَحْتَازَهُ بِإِنَاءٍ أَوْ ظَرْفٍ وجهان مشهوران (قال) أبو إسحق لا (قال) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا أنه يملك بالاجازة (وَأَمَّا) ذَلِكَ الْوَجْهُ الْبَعِيدُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ قَطُّ بِالْإِجَارَةِ وَلَا غيرها فهو مهجور غير مشهور قال لَمْ أَرَ أَحَدًا حَكَاهُ سِوَاهُ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُونَ فِي
الطَّرِيقَتَيْنِ وفرعوا عليهما.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ كَانَ في الارض معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لانه من أجزاء الارض وان كان معدنا ظاهرا كالنفط والقار فهو كالماء مملوك في قول ابن أبى هريرة وغير مملوك في قول أبى اسحق والحكم في دخوله في البيع على ما بيناه في الماء وان باع أرضا وفيها ركاز أو حجارة مدفونة لم تدخل في البيع لانها ليست من أجزاء الارض ولا هي متصلة بها فلم تدخل في بيعها) .
(الشرح) النفط (1) وَالْقَارُ (2) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَعْدِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَامِدٌ وَذَائِبٌ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْبَاطِنُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَيْ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ عَنْ الْأَرْضِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَسَمَّاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَادِنَ الْجَامِدَاتِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ جَزْمًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ولا فرق بين
__________
(1 و 2) بياض بالصل فحرر

(11/290)


الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ بعض الاجزاء أفخر من بَعْضٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَلَا مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ أَيْ الْمُتَمَيِّزُ عَنْ الْأَرْضِ وَهِيَ أَعْيُنٌ لِلْمَائِعِ كَالنِّفْطِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ وَالزِّئْبَقِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا مَعْدِنٌ فَمَا يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَمَا كَانَ مُجْتَمِعًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يُمْلَكُ (قُلْت) فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ أَصْلًا وَلَا بِالْحِيَازَةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ حَكَاهُ هُوَ فصحيح ان ذلك
الوجه لاجريان لَهُ فِي الْمَعْدِنِ لَكِنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ في مسألتنا لان الكلام مادام فِي مَقَرِّهِ قَبْلَ الْحَوْزِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ لا يملك مادام في البئر فالمعدن كذلك عند أبى اسحق الْقَائِلِ بِذَلِكَ فِي الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ وَفِي الدَّارِ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَسِيطِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا رِكَازٌ أَيْ كَنْزٌ مَدْفُونٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حِجَارَةٍ مَدْفُونَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ

(11/291)


مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ مِنْ دَفِينِ الْإِسْلَامِ لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ إذَا وَجَدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا مِنْ نَمَائِهَا وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ كَمَتَاعِ الْبَيْتِ وَالطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ (وَالظَّاهِرُ) أَنَّهُ لِمَنْ مُلِكَتْ مِنْهُ الدَّارُ فَإِذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِمَنْ مَلَكَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا.
هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الاصحاب (المسألة الثانية) الْأَحْجَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مخلوقا فِي الْأَرْضِ فَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ قَرَارُ الْأَرْضِ وَطِينُهَا ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَضُرَّ بِالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جميعا فهى عَيْبٌ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْصَدُ لِذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِي كَوْنِ ذَلِكَ عَيْبًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً بِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَلَوْ اشْتَرَاهَا لِلْبِنَاءِ فَهِيَ أَصْلَحُ لَهُ فَلَا خِيَارَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ الزَّرْعَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لَا يُعَيَّنُ جِهَةُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ دُونَ الزَّرْعِ لِوُصُولِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ إلَيْهَا دُونَ الزَّرْعِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَيْبٌ
(وَالثَّانِي)
وَيُحْكَى عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا خِيَارَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعِ دُونَ الْغَرْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا لِكَمَالِ الْمَنْفَعَةِ بِأَحَدِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فِي أَرْضِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلزَّرْعِ أَوْ بَعْضُهَا لِلْغَرْسِ وَبَعْضُهَا لِلزَّرْعِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلْغَرْسِ فَهَذَا عَيْبٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُعْتَادَ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ قَالَ وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْوَجْهَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فلا يكون

(11/292)


فِي الْجَوَابِ اخْتِلَافٌ لَكِنْ ذَكَرْتُ مَا عَلَيَّ وَبَيَّنْتُ مَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَالَةُ عِنْدِي (قُلْتُ) وَهَذَا حَسَنٌ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعَدٍّ لِلزَّرْعِ وَلَا لِلْغَرْسِ كَالْأَرَاضِيِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جَمِيعًا فِيهَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلِذَلِكَ شَرَطْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاسْتَثْنَى هُوَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً لِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَكُونَ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ وَلَا بِالزَّرْعِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَجْهِ الارض فليس هذا بعيب ولاخيار لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَحْوَالِ الْحِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً فِي الْأَرْضِ كَاَلَّتِي تَكُونُ فِي أثاثات الْجِدَارَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِدَامَةِ وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ يَسْتَتْبِعُ الْبِنَاءَ وَالطُّرُقُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي ذَلِكَ جَارِيَةٌ فِيهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مُنْهَدِمًا أَوْ كَانَتْ فِي طَيِّ بِئْرٍ خَرَابٍ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الدُّخُولِ (وَأَمَّا) كَوْنُهَا عَيْبًا فَقَدْ جعلها الرافعى (1) فِي كَوْنِهَا عَيْبًا إذَا كَانَتْ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ والزرع كالمخلوقة (وَأَمَّا) الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْغَالِبَ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بِزَرْعٍ وَلَا غَرْسٍ لِأَنَّ الْعُرُوقَ جَارِيَةٌ فِي مُسْنَاةِ الْأَرْضِ وَمَشَارِبِهَا قَالَ فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِخِلَافِ الْعُرْفِ فِي مَوْضِعٍ مُضِرٍّ بِالزَّرْعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عَلَى مَا مَضَى إلَّا أَنْ يَسْهُلَ قَلْعُهَا لقصر المدة وقلة المؤنة فلا خيار (2) أثبتنا
__________
(1 و 2) بياض بالاصل فحرر

(11/293)


الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْسِكُ الْأَرْضَ وَالْحِجَارَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مَدْفُونَةً فِيهَا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ يَنْحِتُونَ الْأَحْجَارَ وَيَدْفِنُونَهَا إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا خِلَافَ انها لا تدخل في بيع كَالْكُنُوزِ وَالْأَقْمِشَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْدِنِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ثُمَّ لَا يَخْلُو الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ
فِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِقَلْعِ التَّابِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً عَنْ غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ أَوْ غَيْرَ خَالِيَةٍ وَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ إمَّا تَبَعًا أَوْ مَعَ التَّصْرِيحِ وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَوْ الْغِرَاسِ أَوْ الزَّرْعِ الدَّاخِلِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ وَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ تَبْقِيَتُهَا تَضُرُّ أولا.
وفى الوسيط حكاية وجهه أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى البقل وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَإِنْ طَالَتْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لاأجرة لَهُ فِي مُدَّةِ النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا نَقَلَ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ فَلِلْحِجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرَرِ فِي قَلْعِهَا وَتَرْكِهَا أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِبُعْدِهَا عَنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِأَنَّهُ

(11/294)


لم يحصل في الارض غراس ولازرع فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَالْخِيَرَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الْأَصْحَابُ فَلَوْ سَمَحَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مَحْضَةٌ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِي نَفْيِ الضَّرَرِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أراد بالضرر ضرر الزَّرْعَ وَالْغِرَاسَ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا نَذْكُرهُ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ لان علمه بها يجعل قلعها مستثنى كتقبية ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى نَخْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْقَلْعِ يَسِيرًا لَا يَكُونُ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَيَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ ولا خيار وان للمسترى كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ الْأَرْشُ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَفِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَمَا بَعْدَ
الْقَبْضِ
(وَالثَّانِي)
وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُفَوَّتَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِيَدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَرْضِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (فَأَمَّا) تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ

(11/295)


وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا لَكِنْ يَجِبُ بِذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مُضِرًّا لِقُرْبِهَا مِنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ غِرَاسٍ وَزَرْعٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْقَلْعِ وَإِنْ كان جاهلا اما بالحجارة واما بضررها اما فِي الْقَلْعِ وَإِمَّا فِي التَّرْكِ فَلَهُ الْخِيَارُ هَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ سَوَاءٌ جَهِلَ أَصْلَ الْأَحْجَارِ أَوْ كَوْنَ قَلْعِهَا مُضِرًّا فَأَغْفَلَ قِسْمًا آخَرَ لَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ وبكون قَلْعُهَا مُضِرًّا وَلَكِنْ جَهِلَ كَوْنَ تَرْكِهَا مُضِرًّا فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وليس كذلك لانه لافرق بَيْنَ ضَرَرِ التَّرْكِ وَضَرَرِ الْقَلْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ يَتْرُكُهَا فَلَا يَحْصُلُ ضَرَرٌ.
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ لِمَا فِي بَقَائِهَا مِنْ الضرر وهل يسقط الخيار بأن يقول للمشترك لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ فيه فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ (أَصَحُّهُمَا) عند الامام والرافعي لاكما لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ الارش ثم ان فسخ رجع بالثمن والافعلى الْبَائِعِ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ قبل القبض لا تجب التسوية وجها واحد بَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ ههنا هو

(11/296)


وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ (أَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ وَفِي أُجْرَةِ النَّقْلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهُوَ قَوْلُ أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجِبُ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ والذى قبله

(11/297)


وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهِ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ هَكَذَا وَمَنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ مَا فَرَضَهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ جَاهِلًا بِضَرَرِهَا مَعَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ أَوَّلًا أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا أُجْرَةَ وَقَدْ يَقَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ الْتِبَاسٌ فَالصَّوَابُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَتَحْرِيرِ حَمْلِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا قَالَهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَعَلَا مَحَلَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا

(11/298)


فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِضَرَرِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالضَّرَرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ أَقَامَ لِعِلْمِهِ بِالْحِجَارَةِ وَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا يَجْعَلُ زَمَانَ قَلْعِهَا مُسْتَثْنًى وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ يُمْنَعُ إيجَابُ الْأُجْرَةِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَزَمَانِ تَفْرِيغِ الدَّارِ مِنْ الْقُمَاشِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ لَوْ

(11/299)


بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ نُقْصَانٌ وَعَيْبٌ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَسَلَكَا بِالْأَرْشِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَسْلُكَا وَلَا مَنْ وَافَقَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِالتَّسْوِيَةِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ بَلْ أَوْجَبُوهَا مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجِبْ الْأُجْرَةَ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إن المنافع

(11/300)


والاوصاف لا يقابلها شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَقَطْ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَمْ يَضْمَنْ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ جناية البائع كالآفة السماية (وَأَمَّا) الْحَفْرُ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ أَذْهَبَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ التُّرَابَ بَعْضُ الْأَرْضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خَيَالٌ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ كَانَ قَدْ بَانَ وَسَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْأَجْزَاءِ فَيَنْبَغِي انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(11/301)


وان كان باقيا قد زاله عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ مِنْ بَابِ إزالة المعيب وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِيجَابُ عَيْنٍ أُخْرَى
يُسَوَّى بِهَا الْحَفْرُ أَبْعَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْشَ كَالْأُجْرَةِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ حَكَى فِي الْأَرْشِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي الْأُجْرَةِ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَبْنِيًّا عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ

(11/302)


وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْقَدْرِ الْمُتَّصِلِ بِمِلْكِهِ لَمْ يَتِمَّ كَمَا يَقُولُهُ فوضع الْجَوَائِحِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَالْإِجْبَارِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النص وقول الجمهور ولانظر إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِلَا خِلَافٍ وَعَقِبَ الطَّلَبِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمُطْلِقِينَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَمْ يُبَيِّنُوا

(11/303)


مَا إذَا كَانَتْ مَوَاضِعُ الْأَحْجَارِ تَحْتَاجُ فِي تَسْوِيَتِهَا إلَى تُرَابٍ آخَرَ هَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ مِنْ خَارِجٍ أَوْ تَسْوِيَتُهَا بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ أَوْ يُعِيدُ إلَى تِلْكَ الْحُفَرِ التُّرَابَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهَا بِالْقَلْعِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ سَدَّهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ التَّسْوِيَةِ هذا القسم الآخر فانه لاتسوية فيه لاسيما إذَا كَانَ مَوَاضِعُ الْحِجَارَةِ حُفَرًا كِبَارًا وَالتُّرَابُ الَّذِي فَوْقَ الْحِجَارَةِ يَسِيرٌ فَإِذَا قُلِعَتْ الْحِجَارَةُ بَقِيَ مَوْضِعُهَا حُفَرًا لَا يَسُدُّهُ ذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي فَوْقَهَا وَلَا تَتَسَاوَى بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَحَمْلُ التَّسْوِيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ بُعْدٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهِ يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَفَاءً بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَتَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَقْلِ التُّرَابِ عَنْ مَحَلِّهِ بِالْقَلْعِ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ أو حصل

(11/304)


وَلَكِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهَا وَعَلَى هَذَا لَوْ عُدِمَ ذَلِكَ التُّرَابُ الْمَنْقُولُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ المراد القسم الثاني وهو أن تَسْوِيَتُهُ بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إعَادَةُ الْمَبِيعِ إلَى مَا كَانَ
بَلْ يَتَغَيَّرُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ بِالتُّرَابِ المقلوع قان لَمْ يَكْفِ فَبِتُرَابٍ جَدِيدٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ إلْزَامَ الْبَائِعِ بِتُرَابٍ جَدِيدٍ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بَعِيدٌ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ التَّسْلِيمِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَإِزَالَةُ التُّرَابِ اللَّازِمِ ثُمَّ إعَادَتُهُ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ عَيْبٍ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ حَصَلَ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ بَعْدَ اطلاعه على الاحجار وعلمه بالحال فلا شئ لَهُ غَيْرَ رَدِّ التُّرَابِ لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَى الْقَلْعِ رِضًا بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنْ الْعَيْبِ وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ وَجَبَ التُّرَابُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ وَجَهْلُ الْمُشْتَرِي أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فَإِذَا أَسْقَطَهُ بِالْإِجَازَةِ لَمْ يبق له شئ آخَرُ ثُمَّ التَّعَيُّبُ الْحَاصِلُ مِنْ الْقَلْعِ إنْ فُرِضَ غَايَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَعَيْبٍ حَاصِلٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ به لما ألزمه الْبَائِعَ بِالْقَلْعِ الَّذِي ذَلِكَ التَّعَيُّبُ مِنْ لَوَازِمِهِ فلا شئ له سواء

(11/305)


كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَأْخَذُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا قَبْلَ القبض وبعده لكنه خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ اخْتَارَ طَرِيقَةً مُفَصَّلَةً وَهِيَ أَنَّ إعَادَةَ التُّرَابِ الزائل بالقلع واجبة والزائد عَلَى ذَلِكَ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ بِهِ عَيْبٌ خَرَجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى القطع في يد المشترى بالسرقة السابقة فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ إنْ وَقَعَ بِغَيْرِ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ وَقَعَ بِمُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْشِ وَلُزُومِ التَّسْوِيَةِ مَزِيدُ كَلَامٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِذَلِكَ الزَّمَانِ أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَى جميع الاحوال ليس البائع اقدار الْحِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى البيع (الحالة الثالثة) أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ وَيَكُونَ فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَلَحِقَ سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فقال أنا أصلحه وأنقيها لاخيار للمشتري (قلت) وههنا أولى بعد الخيار لان
البائع مأخود بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَهُنَاكَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ الْإِصْلَاحُ وَإِزَالَةُ الْخَلَلِ ثُمَّ إنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى عادته

(11/306)


لَمَّا فَسَّرَ الضَّرَرَ بِضَرَرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَالَ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى مَا مَضَى فَإِنْ أَطْلَقْتُ الْكَلَامَ كَمَا صَنَعَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالَةُ الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولايكون فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا كَانَ جاهلا فان أجاز نفى الاجرة ولارش مَا مَرَّ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ أَقْلَعُ وَأَغْرَمُ الْأُجْرَةَ أَوْ أَرْشَ النَّقْصِ قَالَ صاحب التهذيب ويجئ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي إبْقَاءً لِلْعَقْدِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكْتُهَا فَهَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ مُجَرَّدُ إعْرَاضٍ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فِيهِ وجهان حكاهما الرافعي وهما كالوجيهن فِي تَرْكِ النَّعْلِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ حاصل (وأظهرهما) أنه قطع للخصومة لاغير وبالاول أجاب الماوردى وينبني على الوجهين مالو قلعها يوما ما أو بدى لِلْبَائِعِ فِي تَرْكِهَا هَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَعُودُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ لَا رُجُوعَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالتَّرْكِ إلَّا إذَا جَرَتْ حَالَةٌ يزول فيها المعنى المتقضى للترك قال الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْرَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبُولُ وداعي الامام

(11/307)


أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ وُهِبْتُهَا مِنْكَ فَإِنْ رَآهَا قَبْلُ وَوُجِدَتْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ فَفِي صِحَّتِهَا لِلضَّرُورَةِ (وَجْهَانِ) إنْ صَحَّحْنَاهَا فَفِي إفَادَةِ الْمِلْكِ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّرْكِ قَالَ أَكْثَرَ هَذَا الْكَلَامِ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْبَائِعُ إذَا قَالَ وَهَبْتُ الْحِجَارَةَ فَفِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا وجها مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً فحدث ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْأُولَى فَوَهَبَهَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَلِأَنَّهَا هِبَةٌ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ وَأَيْضًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ مِلْكِ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُجْبَرُ لِأَنَّ بِقَبُولِهَا يَزُولُ
الضَّرَرُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْقَطْعُ نَظَرَ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ أَوْ مَغْرُوسَةً بِغَرْسٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ مُتَأَخِّرٍ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً بِزَرْعِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى الْبَائِعِ تَرْكُ الاحجار إلى انقضاء مدة الرزع لِأَنَّهُ زَرْعٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ قَلَّمَا يُقْلَعُ قَبْلَ حَصَادِهِ فَإِذَا حَصَدَ الْمُشْتَرِي زَرْعَهُ قَلَعَ الْبَائِعُ حِينَئِذٍ حِجَارَتَهُ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْحِجَارَةِ بَعْدَ القبض

(11/308)


وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إذَا كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فانه يترك إلى أو ان الْحَصَادِ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ يَسِيرٌ يمكن تداركه عن قرب أنه لاخيار للمشترى ومحل ذلك على ما يتقضيه كَلَامُهُ إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَيْهِ فَلَوْ تَقَاعَدَ عَنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ يَعْنِي فِي وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى إتْمَامِ الْعَقْدِ.
(فَرْعٌ)
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَّا الْغِرَاسُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَكَانَ فِيهَا غِرَاسٌ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ قَلْعَ حِجَارَتِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَرْسُ مُتَقَدِّمًا عَلَى البيع قد دخل وما أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَجَدَّهُ فَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا فان قلعها بعد القبض فعيله الْأُجْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَرْشُ النَّقْصِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَعَيُّبُ الْأَشْجَارِ بِالْأَحْجَارِ

(11/309)


كَتَعَيُّبِ الْأَرْضِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ وَلَا أَرْشُ النَّقْصِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَرَّ فِي مِثْلِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وفي الاجرة وجهان (اصحهما) لا ولو سمع الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ وَكَانَ الْقَلْعُ وَالتَّرْكُ يَضُرَّانِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الثُّبُوتُ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا غِرَاسًا فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ لَحِقَهُ نَقْصٌ
وَضَرَرٌ هَكَذَا قَالَ وَفِي نَظِيرِهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَنَا خِلَافٌ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ دُونَ التَّرْكِ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالتَّرْكِ حَتَّى لايتعيب الْغِرَاسُ بِالْقَلْعِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بعد الشراء

(11/310)


فان احدثه عالما بالاحجار فللبائع قلع الْأَحْجَارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَلْعِ الْغِرَاسِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَحْدَثَهُ جَاهِلًا فَفِي ثُبُوتِ الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضَّرَرَ نَاشِئٌ مِنْ إيدَاعِهِ الْأَحْجَارَ فِي الْأَرْضِ (والاصح) ان لَا يَثْبُتُ لِرُجُوعِ الضَّرَرِ إلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْمَبِيعَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالْحِجَارَةِ لِلْمُشْتَرِي أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ولاخيار لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْحِجَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يُورِثْ الْغَرْسُ وَقَلْعُ الْمَغْرُوسِ نُقْصَانًا فِي الْأَرْضِ فَلَهُ الْقَلْعُ وَالْفَسْخُ وَإِنْ أَوْرَثَ الْقَلْعُ أَوْ الْغَرْسُ نُقْصَانًا فَلَا خِيَارَ فِي الفسخ ذلا يَجُوزُ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ نَاقِصًا وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَإِذَا قَلَعَ الْبَائِعُ

(11/311)


الْأَحْجَارَ فَانْتَقَصَ الْغِرَاسُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ بِلَا خلاف هذا ماقاله الرافعي وقال المحاملى لافرق بَيْنَ أَنْ يَغْرِسَ الْبَائِعُ وَيَبِيعَ أَوْ يَبِيعَ بلاغراس ثُمَّ يَغْرِسُ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ اسْتَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَهَذَا لَا يكون الابعد القبض فليزمه يَعْنِي الْبَائِعَ الْأُجْرَةُ وَنَقْصُ الْغَرْسِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ والتفصيل الذي قاله الرافعي أولى ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الزَّرْعِ فكان ذلك محمول على الغالب والا فيكن أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا غَرْسٌ أَوْ زَرْعٌ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَجَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَلِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا أَرْشُ نَقْصِ الْغِرَاسِ هُنَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّ الْغِرَاسَ

(11/312)


لَيْسَ بِمَبِيعٍ حَتَّى يَخْرُجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرابعة والرافعي ذكرها ذكر مالا اختصاص له بها ولاشك أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي
فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُجْبِرْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْقَلْعَ يَكُونُ جَائِزًا لِلْبَائِعِ وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هَهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
تكلم الامام وقبله القاضي حسين في أنه لم أَوْجَبُوا تَسْوِيَةَ الْحَفْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْغَاصِبِ إذَا حَفَرَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى مَنْ هَدَمَ الْجِدَارَ أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْأَرْشَ وَأَجَابَا عَنْهُ بِأَنَّ طَمَّ الْحَفْرِ لَا يَكَادُ يَتَفَاوَتُ وَبُنْيَانُ الْأَبْنِيَةِ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ فشبه ذلك بذوات الامثال

(11/313)


وهذا بذوات الفيم حَتَّى لَوْ رَفَعَ لَبِنَةً أَوْ لَبِنَتَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْجِدَارِ وَأَمْكَنَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْهَيْئَةِ كَانَ ذَلِكَ كَطَمِّ الْحَفْرِ.
(فَرْعٌ)
ذكره المحاملى هنا قال أبو إسحق إذَا بَاعَ عَبْدًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ آبِقٌ وَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُحْضِرُهُ السَّاعَةَ وَأَحْضَرَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ (قُلْتُ) وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْإِبَاقَ ثُمَّ أَبِقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا أَمْكَنَهُ رَدُّهُ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ.
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ كَالضَّابِطِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا فُرِضَ ضَرَرٌ لَا يَنْدَفِعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَلَا أَرْشَ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ وَأَرَادَ إلْزَامَ الْبَائِعِ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ وَكَانَ الضَّرَرُ فِي تَرْكِهِ وَنَقْلِهِ فَفِي الْأَرْشِ الْأَوْجَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِدُ خَلَاصَهَا بالفسخ فهو كالطلاعه حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنَّ النَّقْصَ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِفِعْلٍ مَنْشَؤُهُ الْبَائِعُ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بعده مستند إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَتْلِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ

(11/314)


تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّرْكُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَظَهَرَ الضَّرَرُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي تَغْرِيمِ الْبَائِعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِتَغْرِيمِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ يَنْتَظِمُ عَلَى هَذَا تَعَطُّلُ الْمَنَافِعِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي رقبة المبيع وقد ذكر والخلاف في الاجرة فما لوجه تَرَتُّبِهَا وَالْفَرْقُ لَائِحٌ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَلَوْ قِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي يُفْرِغُ الْبَائِعُ فِيهِ الْمَبِيعَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَالْمَبِيعُ كُلُّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي با جزائه وَصِفَاتِهِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأُجْرَةِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجِبُ بَعْدَهُ وان ذلك قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَ أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي البحر قال الماسرخسى قال اسحق فِي بَغْدَادَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى مِصْرَ لَهُ الْأُجْرَةُ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعَ الْأَرْشِ فَإِذَا نَصَّ فِي الْأَرْشِ فَالْأُجْرَةُ مِثْلُهُ وَبَنَى الْقَفَّالُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ.

(11/315)


(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ يُفْصَلُ فِيهِمَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ تقدم عن الماوردى فما قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ان كان بعد انقبض فَيَثْبُتُ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَبْضِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَجَرٍ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ قَلْعُ الْحِجَارَةِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا يَضُرُّ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي أَرْشِ النَّقْصِ طُرُقٌ حَكَاهَا الروياني (أحدها) لاارش لانه رضى بالنقص وقال أبو إسحق هُوَ كَالْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بَعْدَ الْقَبْضِ يَلْزَمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِيهِ وَجْهَانِ قبل القبض وبعد وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ.

(11/316)


(فَرْعُ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ كَانَ قَلْعُ الْأَشْجَارِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَلْ تُمْلَكُ بِالتَّرْكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَحْجَارَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَجْهَانِ مبنيان على مالو أَتْلَفَ حِنْطَةً فَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا فَغَرِمَ الْمِثْلَ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ هَلْ لَهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَمُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَجْهَانِ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أن يقول له البائع أن أُعْطِيكَ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَيْسَ كَمَا إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ فَإِنَّهُ لَا نَقَصَ فِي التَّرْكِ فَإِنْ
اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ عَلَى مَا مَضَى.
(فَرْعٌ)
إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ سَقَطَ رَدُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنْ كان قلع الاحجار وتركها مضران فَلِلْبَائِعِ الْقَلْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِهِ ثُمَّ إذَا قَلَعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حَوَّلَ مِلْكَهُ عَنْ الْأَرْضِ بِإِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الرُّويَانِيِّ نَقْصَ الْأَرْضِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَقْصَ الْغِرَاسِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ وَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْغَرْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ فَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَّا الْغِرَاسَ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ وَكَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ أَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي هَذَا الشَّجَرُ وَلَا نَقْصَ فَيُقَالُ مِائَةٌ فَيُقَالُ وَكَمْ يُسَاوِي وَبِهِ هَذَا النَّقْصُ

(11/317)


فَيُقَالُ تِسْعُونَ فَيَقُولُ نَقَصَ الْعُشْرُ فَتَلْزَمُ حِصَّتُهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ زَرَعَ فِيهَا زرعا وباعها مع الزرى وتحتها أشجار يَعْنِي وَالْمُشْتَرِي جَاهِلٌ بِهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ الْأَحْجَارَ مَا لَمْ يُحْصَدْ الزَّرْعُ إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالزَّرْعِ وَإِنَّ الزَّرْعَ يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ فَالضَّرَرُ يَخْتَصُّ بِهِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّهُ يجب على الغاصب أرش نقصان الحفر يريد بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ تَسْوِيَةِ الْحَفْرِ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ أَرْشِ النَّقْصِ ومنهم من فرق بعد وان الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ.
(فَرْعٌ)
زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ تَحْتَهَا حِجَارَةً وَفِي قَلْعِهَا هَلَاكُ الزَّرْعِ لَمْ يُمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ قَلْعِهَا لِأَنَّ لِلزَّرْعِ غَايَةً فَيُؤْمَرُ بِالتَّوَقُّفِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحِجَارَةِ وَتَرَكَ الْبَائِعُ الْقَلْعَ ثُمَّ أَرَادَهُ بَعْدَ زَرْعِ

(11/318)


الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْصُدَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا حَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يُسَوِّي فِي الْحَالَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ.
(فَرْعٌ)
شَبَّهَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا اشْتَرَى الارض وغرسها بعد الشراء ثم ظهر فيما أحجار بما إذا باع الشجرة وبقى لنفسه الثمرة فحدثت ثمرة أخرى واختلطت بِهَا فَمَنْ قَالَ هُنَاكَ يَجْعَلُ الْحَادِثَةَ كَالْمَبِيعَةِ فِي حُكْمِ الِاخْتِلَاطِ قَالَ هَهُنَا إنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْغِرَاسِ الْحَادِثِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْأَشْجَارِ الْمُشْتَرَاةِ يَعْنِي لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا فَجَعَلْنَا الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ قَالَ وَأَصْلُ المسألتين إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فَغَرِمَ الْمَهْرَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْبَائِعِ أَمْ لَا فَعَلَى قَوْلٍ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له سلامة الوطئ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَكَذَا هُنَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ غِرَاسِهِ وَالثِّمَارِ الْحَادِثَةِ فَجَعَلْنَا الْخَلَلَ الْحَاصِلَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْخَلَلِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَفَرَضَ الْمُتَوَلِّي الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي المسلسل لَمَّا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي مَضَتْ فِي نَقْلِ الْحِجَارَةِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وكجناية الاجنبي

(11/319)


قَالَ فَإِنْ قِيلَ الْقَبْضُ هُنَا حَاصِلٌ وَالْمَذْهَبُ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْنَا) الْبَائِعُ إذَا سَلَّمَ الْأَرْضَ وَفِيهَا حِجَارَةٌ مُسْتَوْدَعَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَاهَا بِالْحَالَةِ الْأُولَى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ولكني أجبت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ.
(فَرْعٌ)
مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ دَاخِلًا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَنَقْلُ الْحِجَارَةِ مُضِرٌّ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ وَإِضْرَارِ الْغِرَاسِ وَنَحْوِهِ إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَفَاءً بِمُوجَبِ الْبَيْعِ وَقِيَامًا بِتَسْلِيمِ الْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ لَهُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ دَخَلَ حَرِيمُهَا فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْخِلَافُ الَّذِي سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ وَالْأَشْجَارُ فِي الْبَيْعِ بَلْ لَا حَرِيمَ لِمِثْلِ هَذِهِ الدَّارِ كذا ذكرها الرافعى (1) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ أَوْ الْبَاحَةَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ وَالْغِرَاسُ وَكُلُّ ماله مِنْ النَّبَاتِ أَصْلٌ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ وَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ جَرْيًا عَلَى قاعدته (وأما) على المذهب فانه يدخل ولو قِيلَ بِالْجَزْمِ بِالدُّخُولِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ الْبُسْتَانَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْلُو عَنْ الْبِنَاءِ ولكنه
__________
(1) بياض بالاصل

(11/320)


إذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ تَنَاوَلَ اسْمُهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالِاحْتِمَالِ الَّذِي فِي دُخُولِ الشَّجَرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَهُوَ هَهُنَا أَقْوَى لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْبَسَاتِينِ عَلَى الْبِنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ اشْتِمَالِ الدُّورِ عَلَى الْأَشْجَارِ غَالِبًا وَيَنْدُرُ أَنْ يَكُونَ بستان لابناء فيه وجزم الرفعي بدخول الحائط ولاوجه لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَبْنِيَةِ فَالْجَزْمُ فِيهَا مَعَ طَرْدِ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ وَلَا مُسَاعِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَذَا وَالْمَاوَرْدِيُّ أَطْلَقَ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْجِدَارَ الْمُحِيطَ عَلَى الطُّرُقِ وَأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ يَدْخُلُ الْجِدَارُ الْمُحِيطُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدِي وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي دُخُولِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَذَلِكَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْتُهُ الْآنَ مِنْ الْفَرْقِ وَتَقْوِيَةِ الْجَزْمِ بِالدُّخُولِ فِي الْبُسْتَانِ وَهُوَ الذي يقتضيه العرف لاسيما فِي بِلَادِنَا هَذِهِ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَى بَسَاتِينِهَا أَنْ تُتَّخَذَ عَلَيْهَا الْحَوَائِطُ وَالْإِغْلَاقُ لِشِبْهِ الْمَسَاكِنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْبِنَاءُ عِنْدِي بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبُسْتَانِ كَالشَّجَرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدَّارِ فَقَدْ تَلَخَّصَ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ فِي الْبُسْتَانِ طُرُقٌ (إحْدَاهَا) أَنَّ الْجِدَارَ الْمُحِيطَ يَدْخُلُ جَزْمًا وَفِيمَا عَدَاهُ الطُّرُقُ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّالِثَةُ) الْجَزْمُ بِدُخُولِ الْجَمِيعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهِيَ الَّتِي اقْتَضَى كَلَامِي أَوَّلًا الْمِيلَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقَةٌ جازمة

(11/321)


بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ هُنَا مَعَ التَّرَدُّدِ فِي دخولها تحت اسم الارض هذا مالا يُمْكِنُ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ تَحْتَ اسْمِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَالْكَرْمِ (ثَالِثُهَا) يَدْخُلُ الْمُحِيطُ دُونَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ الْجِدَارِ الْمَوْضُوعِ لِلْحِفْظِ وَالْإِحَاطَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرُوا أَنَّ لَفْظَ الْكَرْمِ كَلَفْظِ الْبُسْتَانِ لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي نَوَاحِينَا إخْرَاجُ الْحَائِطِ عَنْ مُسَمَّى الْكَرْمِ وَإِدْخَالُهُ فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى مَا اسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا (1) كَالْعَامِّ وَأَنَّهُ إنْ صَحَّ يَكُونُ وجها رابعا يعني (2) الكرم والبستان (3) وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ حَادِثَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي وَفِي الْعَرِيشِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا بالكرم (4) اللُّزُومِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ دُخُولَهُ وَجَعَلَ فِي الْوَسِيطِ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْكَرْمِ وَالْإِمَامُ نَقَلَهُ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِهِ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُنْقَلُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدَنَا الْقَطْعُ بِدُخُولِهَا تَنْزِيلًا عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ اسْمِ (5) أَوْ الْبُسْتَانِ فِي مُطْلَقِ الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُنَظِّمُ مع الكرم عريشه وان كان مجلد قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَرِيشُ يُنْقَلُ (أما) إذا كانت تراد للدوام (6) فِي بِلَادِنَا فَلَا يَأْتِي فِيهَا التَّرَدُّدُ قَالَ الرافعي ولو قال هذه الدار
__________
(من 1 إلى 6) بياض بالاصل

(11/322)


بُسْتَانٌ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ هذا الحائط بستان أو هذا الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَفِي الْبِنَاءِ الَّذِي فِي وَسَطِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ حَائِطٌ بُسْتَانٌ وَفِي لَفْظِهِمَا قَلَقٌ وَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الحائط البستان هذه الْعِبَارَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَتَّضِحُ فِي لفظه الْمَحُوطَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ فَلْيَدْخُلَا أَوْ لِيَكُونَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ إنْ كَانَتْ الْحَوْطَةُ بِغَيْرِ مِيمٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي كَلَامِهِمْ بِالْمِيمِ فَالْإِشَارَةُ تَكُونُ لِلْمِيمِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ فَكَأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ وَعِنْدَ نُطْقِهِ تَدْخُلُ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ
وَالْبِنَاءُ الْمُحِيطُ وَفِي دُخُولِ مَا فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ الْخِلَافُ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ أَلْحَقَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِالْبُسْتَانِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ بِالْمِيمِ وَإِخْرَاجُ الْبِنَاءِ عَنْهَا بَعِيدٌ وَإِنْ أُخْرِجَ فِيمَا إذَا نُطِقَ بِاسْمِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْجَمِيعِ وَتَخْصِيصُهَا بِالْمِيمِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَقْتَضِهِ دَلِيلٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْبُسْتَانِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا خَارِجَةً مِنْهُ لِأَنَّ اسم البستان

(11/323)


صَادِقٌ بِدُونِهَا نَعَمْ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَلْيَدْخُلَا أَوْ ليكونا على الخلاف لاوجه لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِدُخُولِهَا (وَأَمَّا) لَفْظُ الْحَوْطَةِ بِغَيْرِ مِيمٍ فَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابٍ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْبُسْتَانِ فَيَتَّجِهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْحَائِطِ الدَّائِرِ عَلَى الْبُسْتَانِ فيتجه أن لايدخل الْبِنَاءُ وَلَا الشَّجَرُ جَمِيعًا (وَالْأَقْرَبُ) أَنَّ حَذْفَ الْمِيمِ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ بِالْمِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْكُتُبِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْحَائِطُ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ فَرْقٌ فِيهَا بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَدَّدَ بَلْ يَنْبَغِي دُخُولُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الْجَمِيعِ وَعَدَمِ مَا يتقضى اخراج شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْمَحُوطَ دَخَلَ فِيهِ الْحِيطَانُ وَالْأَرْضُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غِرَاسٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَكْسُ مَا قاله صاحب التهذيب وخلافت مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا وَبَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لَا وَجْهَ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلم.

(11/324)


(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ يَعْنِي بِهِ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ فِي الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ (وَأَصَحُّ) الطُّرُقِ عِنْدَهُ فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا الْأَظْهَرُ مِنْ الطُّرُقِ وَالْعِجْلِيُّ قَالَ إنَّ مَعْنَاهُ الْأَظْهَرُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْبِنَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالشَّجَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّارِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيهَا أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَيْ إنْ قُلْنَا الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْضِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قلنا)
لايدخل فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ الْأَظْهَرَ أي من هذه الاوجه ولاشك ان ما قاله الامام نفيه.
لكن الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونَ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبُسْتَانِ كَمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ مُتَّجِهَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ الْأَشْجَارَ بَحْثٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ مِثْلُهُ هُنَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَتَكُونُ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُنَاكَ وان

(11/325)


لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا لَكِنَّ تَسْوِيَتَهُ بَيْنَ المسألتين يقتضيه ولو ككان فِي الْبُسْتَانِ مَاءٌ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فيه وجهان حكاهما القاضى حسين.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ نخلا وعليها طلع غير مؤبر دخل في بيع النخل وان كان مؤبرا لم يدخل لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فجعلها للبائع بشرط أن تكون مؤبرة فدل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهى للمبتاع ولان ثمرة النخل كالحمل لانه نماء كامن لظهوره غاية كالحمل.
ثم الحمل الكامن يتتع الاصل في البيع والحمل الظاهر لايتيع فكذلك الثمرة.
قال الشافعي رحمه الله وما شقق فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر) .

(11/326)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُ (أَيُّمَا نَخْلٍ اُشْتُرِيَ أُصُولُهَا وَقَدْ أُبِّرَتْ فَإِنَّ ثَمَرَتَهَا لِلَّذِي أَبَّرَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِي اشْتَرَاهَا (وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا (أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المبتاع) ورواه الشافعي رضى الله عنه عن ابن عيينية عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَأَحْسَنِهَا كُلُّهُ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ قَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ بِغَيْرِ هَاءٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَجَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ يَقُولُونَ هَكَذَا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ سَائِرَ ذَلِكَ فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اشْتِرَاطِ نِصْفِ الثمرة أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَسَأَتَعَرَّضُ لِهَذَا فِي فَرْعٍ آخِرَ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى إسْقَاطِ الْهَاءِ مِنْ لَفْظِ الحديث ولم أقف عليها في شئ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَمَاءٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْكَنْزِ وَالْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ وَالْبُذُورِ (وَقَوْلُهُ) كَامِنٌ

(11/327)


احْتِرَازٌ مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ المؤبر كذلك وان التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) لِظُهُورِهِ غَايَةٌ احْتِرَازٌ من الجوز واللوز والرمان والموز والرانج لانه لاغاية لِخُرُوجِهِ مِنْ قِشْرِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِكَسْرِهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فَالثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ دُونِ الْأَشْيَاءِ لَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ فَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِنَا لَيْسَ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَنْ بَاعَ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ اشْتَرَى وَكُلُّهَا صَحِيحٌ سَنَدًا وَمَعْنًى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ ثَابِتٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) أُبِّرَتْ يَجُوزُ تَشْدِيدُهُ وَتَخْفِيفُهُ يُقَالُ أَبَرَ النَّخْلَ مُخَفَّفًا يَأْبُرُهَا أَبْرًا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّخْلَةَ حَتَّى إذَا انْشَقَّ طَلْعُهَا وَظَهَرَ ما في بطنه وضع فيه شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ تشقق تؤخذ شئ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُدْخَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِي طَلْعِ الْإِنَاثِ فَيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاحًا لها وهذه الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ وَقَدْ يُؤْخَذُ سَعَفُ

(11/328)


الْفُحَّالِ فَيُضْرَبُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبُسْتَانِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ فَيَحْمِلُ الرِّيحُ أَجْزَاءَ الْفُحَّالِ إلى سائر النخيل فَيَمْنَعُهُ التَّسَاقُطَ وَفِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مَا يُوهِمُ أَنَّ التَّشَقُّقَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّأْبِيرِ وَسَنُبَيِّنُ لَكَ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَبَيْعُ الشَّجَرِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ مُطْلَقًا رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَيْضًا وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَ كَالْفُجْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَسْفَلَهُ غَائِبٌ وَإِنْ كَانَ كَشَجَرِ الْعُصْفُرِ وَمَا حُفِرَ مِنْ التُّرَابِ جَازَ لِأَنَّ الْغَائِبَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَأَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَغَيْرُهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ شَرْطِ الْقَلْعِ وَيُجْعَلُ الْمَجْهُولُ تَبَعًا وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
الْقَطْعُ مِنْ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَنْدَرِجُ فِي

(11/329)


مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ أَغْصَانُهَا لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ يَابِسًا وَالشَّجَرَةُ رطبة فالمشهور لايدخل لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَمَا فِي الثِّمَارِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ كَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ إذَا بِيعَتْ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْجَزُّ وَيَدْخُلُ الْعِرْقُ أيضا في مطلق بيع الشجرة وكدا الْأَوْرَاقُ وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَنَحْوِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي أَغْصَانِ الْخِلَافِ التي تقطع أغصانه ويثرك ياقه فإذا باع شجرته فالاغسان لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ (أَمَّا) الْخِلَافُ الَّذِي يُقْطَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَالْقَصَبِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَفِي أُصُولِهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي أُصُولِ الْبَقْلِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ هنا انها تدخل أغصاها في البيغ بِلَا خِلَافٍ وَفِي كِتَابِ الرَّهْنِ حَكَى فِيهَا خِلَافًا وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ قَالَ إنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ (نَوْعٌ) يُقْطَعُ كل سنة من وجه الأرض فهو كالقصب (وَنَوْعٌ) يَبْقَى وَتُقْطَعُ أَغْصَانُهُ فَفِي دُخُولِ أَغْصَانِهِ في بيعه

(11/330)


خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) الدُّخُولُ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْكَرْمُ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ يَابِسَةً ثَابِتَةً فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَفْرِيغُ الْأَرْضِ عَنْهَا لِلْعَادَةِ وَلَا يَدْخُلُ مُغْرَسُهَا فِي الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ سائر المنقولات ولا يشترط فيه القطع قال الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَلَوْ شَرَطَ إبْقَاءَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَشَرَطَ عَدَمَ الْقَطْعِ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَلَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً تَبَعًا كَذَا قَالَهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّخْلَةِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ لِأَنَّ أَسْفَلَهَا غَائِبٌ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً فَبَاعَهَا بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ اُتُّبِعَ الشَّرْطُ وَفِيهِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَلْعِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَلَا يَجِبُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقَلْعَ قَالَهُ في الفتوى وَلَوْ أَطْلَقَ جَازَ الْإِبْقَاءُ أَيْضًا لِلْعَادَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَاءً اسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ وَلَيْسَ

(11/331)


كالزرع حيث يشترط القلع لان الشجرة تراد للبقاء ولايجوز لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَغْرَمَ ما ينقصه القلع قال الامام وهو مما لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بِنَاءً مُطْلَقًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْمُغْرَسُ فِي الْبَيْعِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ لا إلى غاية وذلك لا يكون الاعلى سَبِيلِ الْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ لِتَمَلُّكِهِ إلَّا دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَالِكِ الْمَنْفَعَةَ لَا إلَى غَايَةٍ كَمَا لَوْ أَعَارَ جِدَارَهُ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي دُخُولِ الْأُسِّ فِي بَيْعِ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْخِلَافِ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ أَشْجَارَهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يستتبع الاصل ولكنه من جهة استحقاق لامحمل لَهُ إلَّا الْمِلْكُ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إجَارَةً لِلتَّأْبِيدِ وَلَا عَارِيَّةً لِعَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ وَإِنْ بَذَلَ أَرْشَ النَّقْصِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَعْلُهُ مَبِيعًا تَبَعًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ انْقَلَعَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ قَلَعَهَا الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا

(11/332)


وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُغْرَسَ وَعَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ مِلْكُهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَخْرُجُ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إجَارَةٌ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي الصُّلْحِ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لِأَنَّ هَذَا يَقَعُ ضِمْنًا مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْجَمْعِ وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ وَغَرَامَةِ الْأَرْشِ عَلَى مَا يَفْرَغُ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِيمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنَّ لَهُ الْقَلْعَ وَغَرَامَةَ مَا يُنْقِصُهُ الْقَلْعُ كَمَا يَغْرَمُ الْمُسْتَعِيرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَعَلَى الْمُعِيرِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقٌ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وبه يتم ما أبتديته تَخْرِيجًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ أَوْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَارِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ (إنْ قُلْنَا) الْإِبْقَاءُ يُسْتَحَقُّ كَالْعَارِيَّةِ فَكَالْعَارِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْمُغْرَسِ وَالْأُسِّ فِي الْبَيْعِ مثل مَذْكُورٌ فِي الْإِقْرَارِ بِهِمَا وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِبَائِعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِلْكُ الْأَرْضِ فَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ وَقُلْنَا بِدُخُولِهَا فِي الْبَيْعِ لَوْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ
الْخِيَارُ كَمَا إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ يُقَابَلُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا حَمْلَ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ تَبَعًا لَا

(11/333)


مَقْصُودًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِبْقَاءُ مُسْتَحَقًّا لَهُ لطريق بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الا (1) الْإِبْقَاءَ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذلك تفريع على أن لَا يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ وجريان مثله ذلك على قول المالك قابل ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ أَنْ يَبِيعَ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مُسْتَأْجِرٌ مَعَهُ وَلَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ إجَارَتِهِ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَحِقُّ الابقاء في بقية مُدَّةِ إجَارَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهَا فِي الْعَقْدِ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّهَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ قَالَ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ فِيهَا ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ فَيُشْبِهُ أَنْ تُلْحَقَ هَذِهِ بِمَا إذَا كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ حَتَّى لَا تستحق عليه أجرة لافي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ (إذَا قُلْنَا) لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَنْتَهِي بِمَوْتِهِ حَتَّى لَا تَنْتَقِلَ الْمَنْفَعَةُ لِوَارِثِهِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ فِي الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أعلم.
وهذه الاحكام
__________
(1) بياض بالاصل

(11/334)


كلها جارية في جميع الشجر لافرق بَيْنَ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ دُخُولَ الْمُغْرَسِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَرَأَى الْقَوْلَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ كَثِيرَةَ الشَّجَرِ فَتَشْتَبِكُ عُرُوقُهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يَبْقَى لِلْأَرْضِ بَيَاضٌ عَلَى ظَاهِرِهَا لِتَقَارُبِ الْأَشْجَارِ وَلَا فِي بَطْنِهَا لِاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ وَإِثْبَاتُهَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَمْلِكَ مُشْتَرِي الْغِرَاسِ بِشِرَائِهِ جَمِيعَ الْأَرْضِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يَمْلِكَهُ نَازِلًا فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَفِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يَسْتُرُ الْعُرُوقَ وَالْبَحْثُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِإِفْضَائِهِ إلَى مِلْكِ الْأَرْضِ بِانْتِشَارِ الْعُرُوقِ (وَالثَّانِي) بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَنْعِ مَالِكٍ مِنْ بَيْعِ أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ
الْغِرَاسِ لِأَنَّ مَالِكَ الْغِرَاسِ قَدْ مَلَكَ جُمْلَةً مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فقد أدى إلى فساده تفريعه على فساد وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَلَكَ مُغْرَسَهَا فَلَا شَكَّ فِي صِغَرِ الْمُغْرَسِ الْآنَ لِصِغَرِ الشَّجَرَةِ وَقِلَّةِ عُرُوقِهَا فَإِذَا ابتلت الشجرة رسقيت انتشرت عُرُوقُهَا وَامْتَدَّتْ إلَى مَوَاضِعَ لَمْ تَكُنْ مُمْتَدَّةً إليها وقت الشراء ولابعده بِأَشْهُرٍ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَوَاضِعَ مِنْ الْأَرْضِ وَكُلَّمَا امْتَدَّ عِرْقٌ شِبْرًا أَوْ فِتْرًا فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَلَكَهُ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا وَهَذَا بِدْعٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِجَعْلٍ انْتَهَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهُوَ بَحْثٌ جَيِّدٌ.
إذَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَإِذَا بَاعَ نَخْلًا دَخَلَ جَرِيدُهَا وسعفها

(11/335)


وَخُوصُهَا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا) الطَّلْعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا لَمْ يَدْخُلْ لِلْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي بِمَنْطُوقِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ فَهِمَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ ويحتمل أن يكون من مَفْهُومَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ صِفَةً لِلنَّخْلِ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ لَنَا مِنْ الحديث أدلة ثلاثة (أحدها) دليل الخطاب هو دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْعَ لَهُ وَصْفَانِ مُؤَبَّرٌ وَغَيْرُ مُؤَبَّرٍ فَلَمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ مُؤَبَّرًا لِلْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا نَقُولُهُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ (وَالثَّانِي) إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) فَجَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً فَعُلِمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَلَيْسَتْ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لِلْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ إذَا أُبِّرَتْ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا هُوَ لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ (الثَّانِي) أَنَّهُ أَعْنِي الْمُخَالِفَ جَعَلَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ (وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما أن يكون ذكر التأبير بينها عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ للبائع

(11/336)


وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْيِينِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لا يكون للبائع لاسبيل إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَ بَائِنٌ ظَاهِرٌ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرِ كَامِنٌ مُسْتَتِرٌ وَمَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْحَمْلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ أَنْ
لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْبِيرِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو حامد عن الشافعي من الاستدلال مَوْجُودٌ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَدَّ قَالَ (إذَا أُبِّرَ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ) فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا أُبِّرَ وَلَا يَكُونُ مَا فِيهِ إلَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَيْرِهِمَا وَلَا مَوْقُوفًا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَرْطٍ اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا بِالسُّنَّةِ وَقَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِبَارَ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِالْوَجْهِ الثَّانِي جَعْلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَهَذَا الَّذِي أَرَادُوهُ والله أعلم وَهُوَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ صَحِيحٌ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ فِي كُلِّ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَكِنْ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ اقْتَضَى هَذَا قِيَامَ قَوْلٍ آخَرَ لَهُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الحكم عما عداه انتقاء ظَاهِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَفْهُومَ مُسْتَنِدًا إلَى الْبَحْثِ عَنْ طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَاشٍ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَلِذَلِكَ نَسَبَ الدَّلَالَةَ إلَى اللَّفْظِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْأَنْبَارِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ نَقَلَ عن الشافعي أن اختياره الثَّانِي مُسْتَمِرٌّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مُرَادِ الْأَصْحَابِ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ من

(11/337)


مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يُتَّجَهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَفْهُومَ حُجَّةً وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ فَقَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى مَالِكٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ هُنَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ (وَأَمَّا) الْخَصْمُ الْمُنْكِرُ لِكُلٍّ مِنْ
الْمَفْهُومَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ عليه بدفع مخالفيه في الاصل وكذلك بعد أَصْحَابِنَا مِمَّنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَيْنِ مَعًا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ التَّمَسُّكُ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِهِ لَكِنَّ الْخَصْمَ فِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْمُؤَبَّرَةِ يَحْتَاجُ إلَى قِيَاسٍ وَلَنْ يَجِدَهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَجَبَ كَوْنُهَا لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بِذَلِكَ مَنْ يُنْكِرُ الْمَفْهُومَ وَالْقِيَاسَ كَدَاوُد (فَإِنْ قُلْتُ) بَلْ يَجِبُ كَوْنُهَا لِلْبَائِعِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وبقائها على ملكه (قلت) لابد فِي إدْرَاجِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ عُرْفٍ عِنْدَ مَنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ وَاعْتَضَدَ الْأَصْحَابُ بما رواه الشافعي رضى الله عنه عن سعيد بن سالم عن ابان جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع التمر وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فَلَمَّا ثَبَتَ البيع اختلفا في التمر وَاحْتَكَمَا فِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقضى بالتمر لِلَّذِي لَقَّحَ النَّخْلَ الْبَائِعِ وَهَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ عَطَاءٍ فَفِيهِ اعْتِضَادٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَصَرْحَ مِنْ الْأَوَّلِ بِكَثِيرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْبَائِعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي لَقَّحَ الْمَعْهُودَ لَا الْعُمُومَ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الصِّفَةِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ هَذَا بِحَسَبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهَا فِيهِ عُمُومٌ بِحَيْثُ أَثِقُ بِصِحَّتِهِ وَرَوَى ابْنُ ماجه وعبد الله بن أحمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر النخل لمن أبرها إلار أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ لِمَنْ باعه إلا أن يشتطر الْبَائِعُ) فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ فَفِي سَنَدِهَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ ابْنُ معين ليس بثقة فالحديث نسبه ضَعِيفٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ (فَجَعَلَ الثَّمَرَ لِمَنْ

(11/338)


أبرها) وقال ذكر هذا الحديث أبو إسحق في الشرح وأبو علي الطبري في المحر وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ السَّاجِيّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ وَلَيْسَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ اشْتِرَاطٌ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِيهَا بالوصف ودلالته على أن ذلك (1) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ حَرَّمَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُلُوكِ الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ لَهُ جَذَذْت جَنَى نَخْلَتِي ظَالِمًا
* وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قد أبرا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قَدْ أَبَّرَ) وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إثْبَاتًا لِهَذَا الْحُكْمِ كَمَا أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْشَى.
وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لِمَنْ غَلَبَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لمن غلب.
تثبيتا لهذا القول وهذه الوجود ذكرناها على جهة الاستئاس والاعتضاد لاأنه يَقُومُ بِهَا بِمُفْرَدِهَا حُجَّةٌ وَالْحُجَّةُ مَا تَقَدَّمَ وَلَهُ تَتِمَّةٌ تَأْتِي فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ.
وَافَقَنَا عَلَى دُخُولِ الطَّلْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَالطَّبَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ بِكُلِّ حال وقال أبو حنيفة رضى الله عنه والكوفيون والاوزاعي لايدخل بِكُلِّ حَالٍ مُؤَبَّرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ الا بالشرط فاخذ أبو حنيفة رضى الله عنه بِالْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَفْهُومِ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ مَعًا وَلَمْ يَأْخُذْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِالْمَنْطُوقِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَأَشْبَهَ السَّقْفَ وَالْأَغْصَانَ وَالصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ وَلَيْسَتْ بِنَمَاءٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الحيوان يولد وعليه الصوف والنماء مالا يَكُونُ أَصْلًا (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا نَمَاءٌ (وَرَدُّوا) هَذَا الْقَوْلَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ (واحتحت) الحنفية ومن وافقهم بأنها ثمرة
__________
(1) بياض بالاصل

(11/339)


* بَرَزَتْ عَنْ شَجَرِهَا وَبِأَنَّهَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلْعِ الْفُحَّالِ وَبِأَنَّهَا نَمَاءٌ لَهَا حَالٌ إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ أُخِذَتْ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالزَّرْعِ فِي الارض وبان الزرع لايتبع الْأَرْضَ فِي حَالَةِ ظُهُورِهِ وَلَا فِي حَالَةِ كُمُونِهِ فَكَذَلِكَ الطَّلْعُ وَبِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ مَنْ شَرَطَ التَّأْبِيرَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ حَتَّى انْتَهَتْ وَصَارَتْ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا ثُمَّ بِيعَ النَّخْلُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ قَالُوا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذِكْرِ التَّأْبِيرِ ظهور الثمرة وبان الطلع لايتبع فِي الرَّهْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ كَالْمُؤَبَّرَةِ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِهَا بَرَزَتْ عَنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا فِي غِلَافِهَا (وَعَنْ) الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ إفْرَادِهَا بالعقد على رأى أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُغَيَّبٌ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ
فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوْزِ فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَجَوَازُ الْإِفْرَادِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دَخَلَتْ النَّخْلَةُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَيَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ (وَعَنْ) الثَّالِثِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَوْ سَلِمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا فِي جَوْفِهِ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ هُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى وَجْهِهِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ نماء بَرَزَ عَنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ (وَعَنْ الْخَامِسِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ فِي الشَّجَرَةِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ السَّادِسِ أَنَّهَا قَبْلَ التَّشَقُّقِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ المقصودة مستترة في الكلام فَحَيْثُ ظَهَرَتْ عَنْ الْكِمَامِ إمَّا بِالتَّأْبِيرِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَتْ لِلْبَائِعِ فَمَنْ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ وَلَا ظُهُورٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْمُؤَبَّرَةِ أَنَّهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ وَشَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَامِنَةُ (تَتِمَّةٌ) اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ كَالْحَمْلِ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كلام القاضى

(11/340)


أَبِي الطَّيِّبِ وَلِذَلِكَ الْأَصْحَابُ قَاسُوهُ عَلَى الْحَمْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَتْ الِاحْتِرَازَاتُ الَّتِي فِيهِ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ وَتُخَالِفُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ الْجَنِينَ فِي أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَلَيْسَتْ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ غير ظاهر ولولا مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لَمَا كَانَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُقْدَرُ عَلَى قَطْعِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَجَرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا مِنْهُ وَالْجَنِينُ لَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَتَّى يُقَدِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ وَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا فِي بَعْضِ حُكْمِهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ بِمَعْنَى الْجَنِينِ فِي الاجماع فجمعنا بينهما خيرا لاقياسا إذا وَجَدْنَا حُكْمَ السُّنَّةِ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ كحكم الاجماع في جنيين الْأَمَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا فِيهِ تَمْثِيلًا لِيَفْقَهَهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَاجُ إلى ان يقاس على شئ بل الاشياء تكون له تبعا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَالِاعْتِمَادُ
فِي ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ وَحْدَهُ وَكَمَا دَلَّ الْإِجْمَاعُ في الحمل على الفرق بين قَبْلَ ظُهُورِهِ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ فِي الثَّمَرَةِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَمَا بَعْدَهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الموضع صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ من الثمن على غير الاصح عن الْأَصْحَابِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ هَلْ يُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَيْنِ (إحْدَاهُمَا) الْقَطْعُ بِالْمُقَابَلَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا النَّصَّ وَرَجَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَصَدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ تَشْبِيهَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ بِالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى فَصْلِ الثَّمَرَةِ عَنْ الشَّجَرَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَالْأَصْحَابُ قَاسُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى هَذَا الْفَرْقِ وَذَكَرُوا اعْتِرَاضَاتٍ على

(11/341)


الْقِيَاسِ وَانْفَصَلُوا عَنْهَا (أَمَّا) الِاعْتِرَاضَاتُ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلِذَلِكَ كَانَ تَبَعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَرَةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ طَائِفَةٍ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ إيَّاهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلْعُ كَالْحَمْلِ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ظَهَرَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ لِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الطَّلْعِ لِنَفْسِهِ وَانْفَصَلُوا عَنْ الْأَوَّلِ بِأَبْوَابِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ تَتْبَعُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى الْحَمْلِ وَجَازَ عَلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّ الْحَمْلَ جَارٍ مَجْرَى أَبْعَاضِ الْأُمِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى أَبْعَاضِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى حَمْلِهَا وَالثَّمَرَةُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ تَجْرِي مَجْرَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى أَغْصَانِهَا جَازَ عَلَى ثَمَرِهَا (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَامِنَةً فِي الطَّلْعِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الحمل لاأصل لَهَا غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْ الطَّلْعِ فَقَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ كَالْوَلَدِ وَأَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ كَاتِّصَالِ الْجَنِينِ بِالْأُمِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا كَانَتْ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ السَّقْفِ وَالْأَغْصَانِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ (فَائِدَةٌ) كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمُ كَالصَّرِيحِ فِي إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى دُخُولِ الْحَمْلِ في بيع

(11/342)


الْأُمِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْأَمَةِ وَاسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَيْسَ مُجَرَّدُ
ذَلِكَ مُصَادِمًا لِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُغَلِّسِ الظَّاهِرِيَّ قَالَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ إنَّ تَبَعِيَّةَ الْحَمْلِ لِلْأُمِّ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّ النَّظَرَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ كَعُضْوٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ فَنِسْبَةُ ابْنِ الْمُغَلِّسِ ذَلِكَ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يُشْعِرُ بِخِلَافٍ إذْ إنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ الْجَزْمِ فِي دُخُولِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِرَبِّ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ قد وجد باختياره قال بان الرِّفْعَةِ وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ تَمْلِيكٍ جَرَى بِالِاخْتِيَارِ مِنْ الْمَالِكِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ وَفِي معنى ذلك وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ فلس وهل الاستتباع في هذا لاجل رضاه بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ عَنْهُ الْقَائِمُ فِيهِ مقامه وكيله أو وليله وَكَذَا عِنْدَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ قَهْرًا أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا عَنْهُ إلَّا بِعِوَضٍ فِيهِ مَعْنَيَانِ تُخَرَّجُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي بَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ (مِنْهَا) لَوْ وهبها حيث لاثواب وَهِيَ حَامِلٌ لَا يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ الْجَدِيدُ كَمَا قَالَ لَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا كَمَا فِي البيع ومثلها جار فيما لورهن الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاضٍ بِخُرُوجِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَبِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَا بِعِوَضٍ أُجْرِيَا أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَهْنَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ (وَمِنْهَا) لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ملكه

(11/343)


بِعِوَضٍ لَكِنْ لَا بِرِضَاهُ كَمَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ عِوَضَهَا بِعَيْبٍ وَكَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ أَوْ رَجَعَ فِيهَا بَائِعُهَا عِنْدَ فَلَسِهِ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا هَلْ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَضِيَّةُ الْمَأْخَذَيْنِ أَنَّ الْأَبَ لَوْ رَجَعَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ حَمَلَتْ أن لا يتبعها الحمل قولا واحد لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ وَلَا رِضَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي التَّبَعِيَّةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُقُودَ الْإِجْبَارِ بِالْعِوَضِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْمَبِيعِ عَنْ الْغَيْرِ وَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْجَارِيَةِ دُونَ الْحَمْلِ لَجَرَّ ذَلِكَ عُسْرًا وَمَا يَجْرِي مِنْ الِارْتِدَادِ فَهَذَا لَيْسَ فِي حُكْمِ الْعُقُودِ فَجَرَى الْأَمْرُ فِي التَّبَعِيَّةِ عَلَى التَّرَدُّدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ الحمل لايتبع الْأُمَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أن الرد صحيح لايمنع مِنْهُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إفْضَاؤُهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ عَلَى رَأْيٍ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْبَيْعِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْدَرِجُ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ (إنْ قلنا) يصح فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ قَالَ إذَا كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ عَلَى وَجْهٍ

(11/344)


يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ جَدًّا قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْوَجْهِ فِي بَيْعِهَا مِنْهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا مَذْكُورٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مِنْ مَالِكِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ الَّتِي يُمْلَكُ بِهَا النَّخْلُ وَالثَّمَرُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِجَارَةِ كَمَا إذَا أَجَرَ دَارِهِ مُدَّةً بِنَخْلَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهَذِهِ الْعُقُودُ تَتْبَعُهَا الثَّمَرَةُ غَيْرُ المؤبرة ولا تتبعها المؤبرة (الضرب الثَّانِي) مَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فِي يد المشترى ثم أفلس فَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَهَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَكَمَا إذَا رَهَنَ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فَحَلَّ الدَّيْنُ وَالطَّلْعُ لَمْ يؤبر فيبع الْمَرْهُونُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ هَلْ يدخل الطلع في البيع أم لافيه وَجْهَانِ وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَذَا الْبَيْعِ عِنْدَ الرَّهْنِ وَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْفَلَسِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَمَنْ عَدَّ ذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الَّذِي يُرَتَّبُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي بَيْعِ نَخِيلِ الْمُفْلِسِ فِي دَيْنِهِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) عَقْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاضَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ هَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ومثل أن يهب نخلا لوله فَيُطْلِعَ فَيَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ هَلْ يَتْبَعُ الطَّلْعُ النَّخْلَ عَلَى وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَرْجِعُ الثَّمَرَةَ وَعُدَّ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعُدَّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الضَّرْبَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَصْلُهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ إذَا رَهَنَهُ نَخْلًا عَلَيْهَا طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمْ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لايدخل لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَكَانَ يَقُولُ في القديم يدخل على الطريق الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا اسْتَرْجَعَ بِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وكان قد أصدقها نخلا لاطلع عَلَيْهَا ثُمَّ أَطْلَعَتْ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ
التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ الدخول فههنا لاتتبع الثَّمَرَةُ الشَّجَرَةَ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ لَنَا موضع لايتبع الطَّلْعُ قَبْلَ الْإِبَارِ الْأَصْلَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَتَعْلِيلُهُ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ زَائِدًا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالصَّنْعَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ أَصْدَقَهَا فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ فَلَأَنْ لَا يرجع

(11/345)


بِالطَّلْعِ أَوْلَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ النَّخْلَةِ دُونَ الطَّلْعِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الطَّلْعَ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هذا لقسم الوالد إذا رجع فيما وهبه لولده لم يَكُنْ لِلْوَالِدِ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَرَةِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفَهِمَ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَفِي الْحَاوِي وَعَلَى هَذَا الْوَالِدُ لَا يَسْتَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْوَلَدِ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا مُعَاوَضَةَ وَلَا تَرَاضٍ.
(فرع)
قال صاحب التلخيص في ما شَذَّ عَنْ أُصُولِ الْكُوفِيِّينَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إنَّهُ إنْ رَهَنَ أَرْضًا أَوْ أَقَرَّ بِهَا دَخَلَتْ الثِّمَارُ يَعْنِي عِنْدَهُمْ وَهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي كونهم يقولون لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(فَرْعٌ)
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا تَشَقَّقَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَإِنْ لَمْ يكن بلفظه والقياس الجلى خاهر فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَظْهَرَ بِعِلَاجٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلَاجٍ أَوْ تُشَقَّقَ بِالرِّيَاحِ اللَّوَاقِحِ وَهُوَ أَنْ يكون فحول النَّخْلِ فِي نَاحِيَةِ الصَّبَا فَتَهُبَّ فِي وَقْتِ الابار فان الابار تتأثر براوئح طَلْعِ الْفُحُولِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَلْ ظُهُورُهَا بِنَفْسِهَا أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِبَارُ فِي النَّخْلِ إذَا انْشَقَّ الْخُفُّ وَبَدَتْ الثَّمَرَةُ فَهُوَ وَقْتُ الْإِبَارِ أبر أو ام يُؤَبَّرْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّخْلِ مَا يَكُونُ تَرْكُ تَلْقِيحِهِ أَصَحَّ لِلثَّمَرَةِ وَمَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ الْمَذْكُورِ يُسْتَفَادُ أَنَّ التَّأْبِيرَ اسْمٌ لِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِي الْإِنَاثِ بعد تشققها لا لنفس التَّشَقُّقِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ قَائِمٌ مَقَامَ التَّأْبِيرِ وَإِنَّ وَضْعَ الْكُشِّ بَعْدَ تَشَقُّقِ الثَّمَرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سَلَامَةِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمُهَا مَنُوطَةٌ بِالتَّشَقُّقِ لَا بِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِيهَا فَيَكُونُ ذِكْرُ التَّأْبِيرِ غَالِبًا وَالنَّخْلُ تَارَةً
يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ فَيُلَقَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَارَةً يَبْلُغُ أَوَانَ التَّشَقُّقِ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ بَعْدُ وَيُشَقَّقُ وَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا مَعْنَاهُ إنَّا إنَّمَا اتَّبَعْنَا الْمَعْنَى هُنَا وَلَمْ نَتَّبِعْ اللَّفْظَ وَلَا أَجْرَيْنَا فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْمَعْنَى قَوِيَ بِأَصْلِ بَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِأَنَّ تركه التأبير عند إمكانه كالاعراض فنجعل تَابِعَةً لِمُقْتَضَى مَفْهُومِ الْحَدِيثِ لِضَعْفِ عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْحَائِطَ إذَا تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ فَأُخِّرَ إبَارُهُ وَقَدْ أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْإِبَارِ وَظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ تَغَيُّبِهَا فِي الْخُفِّ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ النخل بغير ابار لم يحل اشترطها أَصْلًا وَجَمَدَ جُمُودًا عَجِيبًا فَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ

(11/346)


إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ فَلَا حَتَّى يَصِيرَ زَهْوًا فَإِذَا هُوَ صَارَ زَهْوًا جَازَ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ وَالْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا فِي النَّخْلِ الْمَأْبُورِ خَاصَّةً وَلَمْ يُطْرِدْهُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ وَلَا فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَهَذَا جُمُودٌ عَجِيبٌ يُنْكِرُهُ الْفَهْمُ وَعَدَمُ طَرْدِهِ إيَّاهُ فِي النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّخْلَ اسْمُ جَمْعٍ وَلِمُخَالِفِيهِ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ اسْمُ جنس فان العرب لم تلزمه تاء التائنيث قال الله تعالى (اعجاز نخل من منقعر) وَإِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ شَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَتَمْرٍ وَسَائِرُ مَا مُؤَنَّثُهُ بِالتَّاءِ مِمَّا لَمْ تلزمه العرب كالتخم البهم بخلاف الرطب فانهم قالوا هُوَ الرُّطَبُ كَمَا لَمْ تَلْتَزِمْ فِيهِ الْعَرَبُ التأنيث يصح أن يكون اسم جنس النخل مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ أَيْ كُلُّ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كُلَّهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مَعْلُومًا فلا تكون كلها للبائع بل على جسب الشَّرْطِ وَالْعُمُومُ فِي الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِضَافَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَثَمَرَتُهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنْ عَدَمِ الْهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ القاسم لا يجوز ان يشرط بَعْضُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَفِي مَالِ العبد لا يجوز الان يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أَوْ يَدَعَهُ كُلَّهُ.
(فَرْعٌ)
هَذَا الاشتراط هل حكمه حكم البيع أولا قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ
فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ عِنْدَهُ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا اشْتَرَطَهَا مُشْتَرِي الْأَصْلِ أَوْ اشْتَرَاهَا بعد أنها لاحصة لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ أُجِيحَتْ كُلُّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَنَّ هذا الاشتراط ليس يبيع بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَحَمَلَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ بَيْعٌ يَحْتَاجُونَ إلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى بَيْعِهَا وَحْدِهَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ تَسْلِيمُ الشَّجَرَةِ مَعَ كَوْنِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو حنيفة رضى الله عيه لا يحصل الا بعد قطع الفثمار وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْعِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِالزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ مَنْفَعَةَ الشَّجَرَةِ تَافِهَةٌ.
(فَرْعٌ)
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا فِي الْبَيْعِ فان ذلك بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَهَذَا اسْتَجَدَّ فَيَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ نَزَّلَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةَ الثَّمَرَةِ فِي نَخْلِهِ

(11/347)


حِينَ بَاعَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ اسْتَثْنَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فلا خير الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً إلَى وَقْتٍ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهَا الْآفَةُ قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَاسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَطْعُ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (قُلْتُ) قَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُجْعَلُ كَالزَّائِلِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِالْبَيْعِ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى زَوَالِهَا عَنْ الْبَائِعِ وَبِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ الدَّاخِلَةَ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً فَلِذَلِكَ شُرِطَ شَرْطُ قَلْعِهَا وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا هَذِهِ قَاعِدَةً أَنَّ مَا أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُعْطَى حُكْمُ الزَّائِلِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ سَنَةً هَلْ يَصِحُّ كَمَا لَوْ باعها ثم استأجرها اولا يَصِحُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ يَصِحُّ فَهَهُنَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فَهَهُنَا يَصِحُّ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَمِنْهَا) إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قيمته ثم مات الشيد وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ فَفَدَاهُ الْوَرَثَةُ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْرِفُ
كَالزَّائِلِ الْعَائِدِ فَالْوَلَاءُ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلِلْمُتَوَفَّى وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَوِّلُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ مُطْلَقًا ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي الطَّلْعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِظَاهِرِ النَّصِّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْهُ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعِرَاقِيِّينَ جَازِمُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَأَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فَلَا خَيْرَ فِي الْبَيْعِ فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِي النَّقْلِ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَى إلَى قَوْلِهِ اسْتَثْنَى وَوَافَقَهُمْ الْقَفَّالُ عَلَى هَذَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا صحيح خِلَافَ ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَمَلَهُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا بَاعَ النَّخْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَكَانَتْ الْأُصُولُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ مِنْهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنَّا نَعُودُ إلَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ بَيْعِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي إذَا شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ لَا يَصِحُّ كَالْحَمْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ لَا يَصِحُّ هَهُنَا فَمَا وَجْهُ جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِصِحَّتِهِ وَنَظَرِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْحَمْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ اسْتِثْنَائِهَا وَإِنْ قلنا بقول ابي اسحق المروزي وهو ان لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ فَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مُغَيَّبٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَثْنَى مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

(11/348)


(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ فَأُطْلِقَ قَالَ الْإِمَامُ دَلَّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ وَالثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَأَنَّ صَرْفَ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَائِهِ مُحَالٌ عِنْدِي فَالْوَجْهُ عَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُطْلَقِ شَرْطًا فَاسِدًا مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ وَيَكُونُ كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَقِيَتْ الثِّمَارُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الامام فان لم نشترط التَّقْيِيدُ يَعْنِي بِشَرْطِ
الْقَطْعِ رَأَيْنَا الْإِبْقَاءَ وَإِنْ شرطنا أو جبنا الْوَفَاءَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الثِّمَارَ الْمُؤَبَّرَةَ إذَا بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِيهَا لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَطْعُهَا وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا إذَا أُفْرِدَتْ شَرْطُ قَطْعِهَا (قُلْتُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الزَّوَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا بِخِلَافِ مَا قبل التأبير وكيف ما قدر فظاهر المذهب ان لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ بِهِ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وُجُوبُ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ (وَالْأَصَحُّ) خِلَافُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (وَالثَّانِي) أَنَّ امْتِنَاعَ الْقَطْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ شَائِعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْمُؤَبَّرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ فِي الْأُصُولِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ إنْ أَجَازَ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى الْأَطْرَافِ وَيَتَقَسَّطُ عَلَى الثَّمَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً وَاشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ وَعَنْ الْبُوَيْطِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ تَلَفَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خِلَافِهِ

(11/349)


(فَرْعٌ)
بَاعَ نَخْلَةً مُطْلِعَةً وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُشْتَرِي إنَّهَا مُؤَبَّرَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِتَأْبِيرِهَا ثُمَّ عَلِمَ كَانَ الْخِيَارُ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وعللوه بأن له بَقَاءَ الثَّمَرَةِ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالشَّجَرَةِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا يَحْمِلُ سَنَةً وَلَا يَحْمِلُ سَنَةً أَوْ يُقِلُّ فِي سَنَةٍ وَيُكْثِرُ فِي سَنَةٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ وَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ
وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ قَدَحَ فِي الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ تَافِهَةٌ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ.
(فَرْعٌ)
بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ مُفْرَدًا مَقْطُوعًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ القطع فيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّلْعِ مَا فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ وَالْمَأْكُولُ إذَا اسْتَتَرَ بَعْضُهُ ببعض جَازَ بَيْعُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَالثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ معظم الاصحاب ذهبوا إليه وان صاحب التفريب حَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي حامد أنه اختار قول أبي اسحق ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ لِذَلِكَ إنَّمَا يُجَوِّزُونَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَشَرَحَهَا النَّوَوِيُّ هُنَاكَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ لَا يَكُونُ لِوُجُودِ التَّأْبِيرِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ لَا بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ تَأْوِيلَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا شُقِّقَ الطَّلْعُ قَبْلَ أَوَانِ تَشَقُّقِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ شُقِّقَ فِي أَوَانِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ بنفسه ولا شقق في أو انه فَهَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إقَامَةٌ لِوَقْتِ التَّشَقُّقِ مَقَامَ التشقق أولا فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَاطِلٌ والحكم كما مر مع الظهور وجودا وعدما.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا أُبِّرَ الطلع وحكمنا ببقائه للبائع فجزم الْكِمَامُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَسِيطِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الشَّجَرَةِ.

(11/350)


(فَرْعٌ)
بَاعَ نَخْلَةً لَمْ يَخْرُجْ طَلْعُهَا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ طَلْعُهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي.
(فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَصِيرُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ إذَا صَرَّحَ بِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَالُوا فِيهَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ فِيهَا وَهُوَ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمُفْرَدِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لَنَا فِي بَيْعِهَا مُفْرَدَةً خِلَافٌ فَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ يُوجِبُ إلْحَاقَهَا بِالْحَمْلِ فَإِذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهَا كَانَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ (والاصح) عند الرافعي بطلانه والله أعلم.
(فرع)
ذَكَرَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ (أَحَدُهُمَا) اشْتَرَى نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ولايكون شئ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابِلًا لَهَا وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَلَّمَهَا اسْتَقَرَّ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَخَرَجَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ أَمَانَتِهِ وَإِنْ تَلِفَتَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَعَلَيْهِ رَدُّ ثَمَنِهَا ولا شئ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ سَلَّمَ النَّخْلَةَ وَأَخَذَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ سَلِمَتْ الثَّمَرَةُ وَتَلِفَتْ النَّخْلَةُ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وأخذ الثمرة ولا شئ لِلْبَائِعِ (الثَّانِي) اشْتَرَى أَرْضًا عَلَيْهَا نَخِيلٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاشْتُرِطَ كُلُّ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْجَمِيعِ مُتَسَاوِيَةً فَحَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا فَالثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَتَيْنِ جَمِيعًا كَانَ عَاصِيًا فِيهِمَا وَعَلَيْهِ بَدَلُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ إنْ كَانَ أَكَلَهَا رُطَبًا فَثَمَنُهُ وَإِنْ كَانَ أَكَلَهَا تَمْرًا فَمِثْلُهُ وَأَمَّا الْخَارِجَةُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِأَجْلِهَا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَجَازَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَجَازَ فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ أَعْطَاهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ ثُمَّ غَرَّمَهُ بَدَلَ الثَّمَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْمُنْكَرِينَ لِهَذَا الْمَفْهُومِ وَلَكِنَّهُ فِي كُتُبِهِ الْخِلَافِيَّةِ كَالتَّحْضِيرِ بَالَغَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ وَأَنَّ عُرْفَ الْعَرَبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَفْهَمَ أُمُورًا تَكَادُ تَزِيدُ فَوَائِدُهَا عَلَى مُوجَبِ الْأَوْضَاعِ وَأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَالْبَقَاءُ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ أَمَّا بَعْدَ التَّخْصِيصِ ارْتَفَعَ

(11/351)


الْإِشْكَالُ وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِدَلِيلٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَبَيْنَ مَفْهُومِ
اللَّقَبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَعْمَلُ عُرْفًا لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْإِيجَازِ وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ إيقَاعُ الْخُصُوصِ بِقَطْعِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَالْجُمْلَةُ إمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الذِّكْرِ بِقَوْلِهِ من باع نخلة فانها تتناول المؤبر وغير المؤبر فَإِذَا اسْتَدْرَكَ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا وَقَطْعًا عَنْ جُمْلَةٍ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الْوَهْمِ بِأَنْ يَكُونَ ذِكْرُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مُذَكِّرًا لِلْآخَرِ الْمَقْطُوعِ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ الثيب أحق فانه قطع عن البكر إذا الثِّيَابَةُ وَالْبَكَارَةُ صِفَتَانِ يَتَقَاطَعَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ وُضِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِفَصْلِ قِسْمٍ عَنْ قِسْمٍ وَالْعَلْفُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الثِّيَابَةِ بِذِكْرِ الثيابة والسوم بالضرورة واليوم في قوله (وأتموا الصيام إلى الليل) والتأثير نَفْيُ الْبَكَارَةِ وَالْعَلْفِ وَاللَّيْلِ وَالِاسْتِتَارِ وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِ الْبُرِّ نَفْيُ الزَّعْفَرَانِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِهَا أولا اتِّصَالَ بَيْنَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُهُ قَطْعًا لِذَلِكَ الِاتِّصَالِ نَعَمْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِقَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَى الذِّكْرِ الْقَاصِرِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ الذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ وَالتَّخْصِيصُ دَلِيلٌ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَلْيُدْرَكْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ نَفِيسِ الْكَلَامِ لِمَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ وَفَهِمَ بِذَوْقِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ فَيَعْلَمُ بِهَذَا الْكَلَامِ السَّبَبَ فِي ذلك (أما) مَنْ لَمْ يَشْهَدْ ذَوْقُهُ لِلتَّفْرِقَةِ قَالَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ لَا يُكَلَّمَ وَمُرَادُهُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ المحاورة في كلام العرب لاعرف طَارِئٌ بَعْدَهُمْ وَهَذَا السِّرُّ هُوَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِنَا لم نقل بمفهوم قوله (فان خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به) وَمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امرأة نكحت نفسها بغير إذنها فنكاحها باطل) (أما) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَتَّفِقُ إلَّا فِي حَالَةِ الشِّقَاقِ وَيَسْتَحِيلُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وُقُوعُهُ فِي حَالَةِ الْمُصَافَاةِ وَمَا لَا يَقَعُ عُرْفًا فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الشَّرْعِ بَيَانُهُ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ الشَّارِعُ كُلَّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ وَذِكْرُهُ اللُّحُوقَ ذِكْرُهُ لِمَحَلِّ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَهُوَ كُلُّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تُفَوِّضَ أَمَرَهَا لِلْوَلِيِّ لِحَيَائِهَا أَوْ تَسْتَقِلَّ لِزَوَالِ حَيَائِهَا (أَمَّا) الْمُبَاشَرَةُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا تَقَعُ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلِّ الْبَيَانِ فِي غَرَضِهِ وَاَللَّهُ أعلم

(11/352)


(فائدة أخرى) في التأثير عن جابر عن عبد الله رضى الله عنه قَالَ (أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ مَا لِلنَّاسِ قَالُوا يلقحون فقال لالقاح أولا أَدْرِي اللِّقَاحَ شَيْئًا فَقَالَ فَتَرَكُوا اللِّقَاحَ
فَخَرَجَ تمر النَّاسِ شِيصًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ قَالُوا كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ فَقَالَ مَا أَنَا بِزَارِعٍ وَلَا صَاحِبِ نَخْلٍ لَقِّحُوا) أَوْرَدَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِتَضَمُّنِهِ النَّهْيَ عَنْ اللِّقَاحِ ثُمَّ الْإِذْنَ فيه ونقل عن بعضهم أن قوله لالقاح صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ وَأَنَّ لِلشَّارِعِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَيْفَ أَرَادَ وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَمَالَ الْحَازِمِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (إنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنَّنِي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ) ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ وَلِذَلِكَ أَبْقَيْنَا يعني في الناسخ والمنسوخ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ فحالا وعليه طلع يتشقق ففيه وجهان أحدهما أنه لايدخل في بيع الاصل لان جميع الطلع مقصود مأكول وهو ظاهر فلم يتبع الاصل كالتين والثاني أنه يدخل في بيع الاصل وهو الصحيح لانه طلع لم يتشقق فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث وما قاله الاول لا يصح لان المقصود ما فيه وهو الكش الذي يلقح به الاناث وهو غير ظاهر فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث) (الشَّرْحُ) الْفُحَّالُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَآخِرُهُ لَامٌ ذَكَرُ النَّخْلِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْفُحَّالُ فُحَّالُ النَّخْلِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ ذُكُورِهِ فَحْلًا لِإِنَاثِهِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَهُوَ فحال النخل ولايقال فَحْلٌ (1) وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَالَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ إنَّ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي النَّخْلِ فَحْلٌ وَلَا فِي جَمْعِهِ فُحُولٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فُحَّالٌ وَجَمْعُهُ فَحَاحِيلُ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشعر.
قال الشاعر تأبدي ياخيرة العسل
* بابدى من جيد فسلي
* إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بِالْفُحُولِ وَالْكُشُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا فِي بُطُونِ طَلْعِ الْفُحَّالِ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهَا طَلْعُ الْإِنَاثِ
__________
(1) بياض بالاصل

(11/353)


(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ فُحُولٌ فَإِمَّا أَنْ تُفْرَدَ الْفُحُولُ بِالْبَيْعِ وَإِمَّا
أَنْ يَبِيعَهُمَا مَعًا فَإِنْ أَفْرَدَ الْفُحُولَ بِالْبَيْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تشقق شئ من طلعها أولا فان تشقق شئ من طلعها فالمثرة لِلْبَائِعِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ شئ ثمن طلعها (فأحد) الوجهين أنه للمشترى هو الصَّحِيحُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ظُهُورَ طَلْعِ الْفُحَّالِ بِمَنْزِلَةِ تَشَقُّقِ طَلْعِ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ غَيْرَهُ بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي جَوْفِهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ بِالتَّشَقُّقِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ لَيْسَ هُوَ الْأَكْلَ بَلْ الْكُشُّ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَهُوَ كَالْإِنَاثِ فِي التَّشَقُّقِ سَوَاءٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخْرِجَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ هَلْ يُقَاسُ عَلَى الْحَمْلِ قِيَاسَ تَحْقِيقٍ أَوْ قِيَاسَ تَقْرِيبٍ قَالَ بَعْضُهُمْ قِيَاسُ تَحْقِيقٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ طَلْعُ الْفُحَّالِ مُؤَبَّرًا إلَّا بِالتَّشَقُّقِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ طلع الفحال مؤبرا اعتبارا بالعرف اه ولو كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَأُفْرِدَ الذُّكُورُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِيمَا إذَا أُفْرِدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَمَّا إذَا جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الفحول والاناث فان كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَطَلْعُ الْكُلِّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اتِّفَاقًا (أَمَّا) عَلَى الصَّحِيحِ فَلِأَنَّ الْكُلَّ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ تَشَقَّقَ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ جَزَمُوا عَلَى الصَّحِيحِ هَهُنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا وَجْهٌ بِأَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ لِلْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ لَا يستتبع لآخر كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ فِي القسم الآخر لغير المشتقق فِيهِ فَهُوَ كَجِنْسٍ آخَرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ كالصريح بجريان الخلاف وقال الجوزى إذَا كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ إنَّمَا جُعِلَتْ الْفُحُولُ تَابِعَةً لانها للاقل فالنادر يدخل في الغاصب وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ أَكْلُهُ غَالِبًا فاستوى المؤبر منه وغيره إذا تشقق شئ مِنْ الْإِنَاثِ فَبَاقِي الْحَائِطِ وَذُكُورِهِ وَإِنَاثِهِ

(11/354)


تبع له وإذا تشقق شئ مِنْ الذُّكُورِ فَسَائِرُ مَا بَقِيَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ تَابِعٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ الْوَكِيلِ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ طلع الفحال للبائع بكل حال وانه عل تَبَعِيَّتَهَا لِلْإِنَاثِ عِنْدَ
الِاجْتِمَاعِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَبِعِلَّةٍ أخرى وهى النذرة غير أن التعليل بالنذور إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ غَالِبًا فَلَوْ فُرِضَ كَثْرَةُ الْفُحُولِ زَالَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ وان لم يتشقق شئ منها أصلا لامن طَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَا مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَالْفُحَّالُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ على هذه الْوَجْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ وَتَشَقَّقَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جعل ثبعية الْإِنَاثِ لِلذُّكُورِ كَاسْتِتْبَاعِ النَّوْعِ النَّوْعَ وَكَذَلِكَ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ لايتبع طَلْعَ الْفُحُولِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْفُحُولُ وَالْإِنَاثُ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ الْإِنَاثُ تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَقَّقَ شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَقَطْ فَعَلَى الصَّحِيحِ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ وَحَكَى فِي الْحَاوِي وَجْهًا وَصَحَّحَهُ ان طلع الاناث لايتبع طَلْعَ الذُّكُورِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الذُّكُورِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الثِّمَارِ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَطَلْعُ الذُّكُورِ يُقْصَدُ لِتَلْقِيحِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَهَذَا الوجه وهو الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْفُحُولِ لِلْبَائِعِ بِالظُّهُورِ وَطَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ أَيْضًا لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ عَلَى قِيَاسِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ الذُّكُورَ مَعَ الْإِنَاثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجِنْسَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إذَا بَاعَ الْفُحُولَ وَالْإِنَاثَ جَمِيعًا وَقَدْ أُبِّرَتْ الْإِنَاثُ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَيْنَا الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ وَأَبَدَيْنَا فِيهَا احْتِمَالَ وَجْهٍ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ فَحْلِ نَخْلٍ أَوْ فُحُولٍ بَعْدَ أن تؤبر أناث النخل فتمرها لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا يُشْبِهُ عبارة

(11/355)


الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ عِبَارَةِ الْأُمِّ تَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَحْدَهُ بَعْدَ تَأْبِيرِ الْإِنَاثِ وَهَذَا لَا يَسْتَمِرُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يؤبر يجوز إذا كان تأبر شئ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْفَحْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ يَكُونُ طَلْعُهُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا ادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ
الْمَنْصُوصُ وَفِي ظَاهِرِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يشمل ما إذا تأبر هو قبل تتأبر أن الْإِنَاثُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ أَبْيَنُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا النَّصُّ يقتضي أن ثمرة الاناث لاتتبع ثَمَرَةَ الْفُحُولِ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الاصحاب أنه إذا تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ يَكُونُ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي أَبْدَيْته فِيهِ هذان كان قول الشافعي نخلا بالنون والحاء الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَأَشَذَّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْفُحَّالَ إذَا أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ وَقَدْ أُبِّرَ وَلَمْ تُؤَبَّرْ الْإِنَاثُ أَنَّ طَلْعَهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ نَعْلَمُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ بَاعَ فَحْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَقَسِيمُهُ مَنْ بَاعَ فَحْلًا قَبْلَ أَنْ يُؤَبَّرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلم يؤيد مَا قُلْتُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ أَيْضًا فِي المختصر ولو تشقق طلع أناثه أو شئ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ نَخْلُهُ فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِتَشَقُّقِ طَلْعِ الذُّكُورِ (فَائِدَةٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يَنْسِبْ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَى النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي التَّنْبِيهِ قَالَ وَقِيلَ إنَّ ثَمَرَةَ الْفُحَّالِ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّنْبِيهَ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُهَذَّبَ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ فَسَيَأْتِي فِي تَقْسِيمِ الشجر تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَمْ يَتْبَعْ أَبَا الطيب لكن ذلك في صنعة النصنيف لافي النَّقْلِ وَفِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَأْتِي كَلَامٌ فِي مُخَالَفَتِهِ أَبَا حَامِدٍ أَوْ مُوَافَقَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أنه لم يلتزم متعابة طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابٍ مِنْهُمَا نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ فَرُبَّمَا وَيَتْرُكُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُحَّالِ إلَّا

(11/356)


مَا حَكَيْتُهُ عَنْ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَقَفَا عَلَى نَصٍّ آخَرَ أَصْرَحَ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَخَذَ طَلْعَ الْفُحَّالِ جَازَ بَيْعُهُ فِي قشره لانه من مصلحته وكان أبو إسحق يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَصِيرَ بَارِزًا قَالَ وليس هذا بصحيح ونسب الامام والاول إلَى مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا
وَذُكِرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ بَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مَقْدَحٌ حَسَنٌ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الْفُحَّالِ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْإِبَارَ حَدٌّ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْإِبَارَ عِبَارَةٌ عَنْ إصْلَاحِ طَلْعِ الْإِنَاثِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ أو شققه بِالْكُشِّ الَّذِي فِي طَلْعِ الْفُحَّالِ فَلَا إبَارَ فِي الْفُحَّالِ فَلَا دُخُولَ لَهُ فِي هَذَا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْبِيرِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ عَلَى مَا سَبَقَ وَجَعْلُ التَّشَقُّقِ فِي مَعْنَاهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إلْحَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهُوَ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ أولى (فرع)
باع فحالا لاطلع عَلَيْهِ ثُمَّ أَطْلَعَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَقُلْنَا إنَّهُ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَهُوَ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَدَثَ والبيع على ملكه..قال المصنف رحمه الله.
(وان بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الجميع كالمؤبر فيكون الجميع للبائع لانا لو قلنا ان ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى أدى إلى سوء المشاركة واختلاف الايدى فجعل ما لم يؤبر تبعا للمؤبر لان الباطن يتبع الظاهر ولم يجعل ما أبر تابعا لما لم يؤبر لان الظاهر لايتبع الباطن ولهذا جعلنا أساس الدار تابعا لظاهرها في تصحيح البيع ولم نجعل ظاهرها تابعا للباطن في إفساد البيع) .

(11/357)


(الشَّرْحُ) الْحَائِطُ وَهُوَ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخِيلِ (1) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسْأَلَتَانِ (الْأُولَى) إذَا بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الْجَمِيعُ كَالْمُؤَبَّرِ وَجُعِلَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعًا لِمَا أُبِّرَ (أَمَّا) إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَدَلُّوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَأْبِيرَ الْبَعْضِ يُحَصِّلُ لِلنَّخْلِ اسْمَ التَّأْبِيرِ فَيَشْمَلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَصْلُ الابار أن يكون في شئ مِنْهُ الْإِبَارُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَنَّهُ قَدْ أبر كما لو بدا صلاح شئ مِنْهُ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَأْبِيرِ بَعْضِهَا تَوَقُّفٌ لَا يَخْفَى لاسيما على ما يوقله أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَكْفِي تَأْبِيرُ
نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْبُسْتَانِ بَلْ طَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَصِيرُ الْبَاقِي تَبَعًا فَدَعْوَى إطْلَاقِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ حَقِيقَةً فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ كَانَ صَرِيحًا في المطلوب لكني لم أجده في شئ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا جُعِلَ التَّأْبِيرُ صِفَةً لِلنَّخْلِ الْمَبِيعَةِ وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ بِإِسْنَادٍ بَلْ أَتَى بِهِ فِي ضِمْنِ اسْتِدْلَالٍ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَثَبَّتْ فِيهِ نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَ التَّأْبِيرُ فِي كُلِّ طَلْعِ النَّخْلَةِ بَلْ متى وجد في شئ مِنْهَا صَحَّ أَنَّهَا أُبِّرَتْ فَيَكُونُ جَمِيعُ ثَمَرَتِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَيُعَضِّدُ الْأَصْحَابَ وَغَيْرَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَأْبِيرِ جَمِيعِ النَّخْلِ بَلْ يَكْتَفُونَ بِتَأْبِيرِ بعضها واستدل أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَزَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وأجابوا عنه وهو أنه هل لاجعل مَا أُبِّرَ تَابِعًا لِمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْبَاطِنَ تَبَعٌ لِلظَّاهِرِ وَلَيْسَ الظَّاهِرُ تَبَعًا لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ مَا بَطَنَ مِنْ أَسَاسِ الحائط ورؤس الْأَجْذَاعِ تَبَعٌ لِمَا ظَهَرَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ بِتَبَعِيَّةِ الْأَسَاسِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ الثِّمَارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مؤبرة
__________
(1) بياض بالاصل

(11/358)


وَشَرَطَ بَعْضَهَا اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَسُوءُ الْمُشَارَكَةِ مَوْجُودٌ فَكَأَنَّهُمَا رَضِيَا بِهِ وَأَوْرَدَاهُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَكُلُّ عَقْدٍ فِيهِ مُشَارَكَةٌ فَهُوَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ كَثِيرٌ مِنْ الْعُقُودِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُشَارَكَةِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي جَمِيعِهَا فَكَذَلِكَ التَّأْبِيرُ وَلَكَ أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَتَى تُرِكَتْ حَتَّى يُوجَدَ الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِهَا أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهَا بِحَالٍ فَإِنَّهُ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ فِيهَا يَتَسَاقَطُ الْأَوَّلُ فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الثَّمَرَةِ وَتَأَذِّي مَالِكِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْحَائِطُ أَنْوَاعًا
فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ إذَا بِيعَتْ رَقَبَةُ الْحَائِطِ وَقَدْ أبر شئ من نخلة فثمرة تلك النخل فِي عَامِهِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ لِأَنَّ حُكْمَ ثَمَرَةِ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكُونُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُخَالِفُ الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ بِوَلَدَيْنِ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ لَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْمَوْلُودِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأُمِّ فَيُفْرَدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ وَالطَّلْعُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ مُتَّصِلٌ بِالشَّجَرَةِ هَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ يَكُونُ بَعْضُ طَلْعِهَا مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ النَّخِيلِ مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَغْنَامِ يَبِيعُهَا وَقَدْ نَتَجَ بَعْضُهَا يَبْقَى نَتَاجُهَا لِلْبَائِعِ وَاَلَّتِي لَمْ تُنْتَجْ يَدْخُلُ حُكْمُهَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ نِتَاجَ الْأَغْنَامِ لَا يَتَّفِقُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّخِيلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ لَا يَكُونُ تَأْبِيرًا إلَّا فِي نَوْعِهِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا وَتَتَفَاوَتُ وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْأَصْحَابَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَ حَتَّى يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ (أَمَّا) مَا ظَهَرَ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِي مِلْكِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ بِالنَّصِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ آنِفًا وَحُكْمُهُ بِأَنَّ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلًا وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ ثَمَرَةَ جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ (وَالثَّانِي) قَوْلُ ابن خيران ليس للبائع

(11/359)


* الا المؤبرو (الثالث) قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْمُؤَبَّرَ وَالْمُطْلِعَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَا أَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِإِفْرَادِ الْمُؤَبَّرِ بِحُكْمِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا أُبِّرَ أَكْثَرُ الْحَائِطِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَلَّهُ فَكُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَاضْطَرَبُوا إذَا أُبِّرَ نِصْفُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ مُفْرَدًا فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ.
(فَرْعٌ)
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ أَمَّا إذَا أَفْرَدَ غير المؤبر بالبيع فيسأتي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كان له حائطان فابر أحدهما دون الاخرى وَبَاعَهُمَا فَإِنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ به القاضي أبو الطيب والماوردي الروياني كَمَا فَرَّقْنَا فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ مَا قُسِّمَ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُقَسَّمْ وَقَاسَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ وفيه وجه آخر ان البستان يَتْبَعُ الْآخَرَ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ مرتب عَلَى الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ فَحَيْثُ قُلْنَا فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرِ يُفْرَدُ بِحُكْمِهِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ يَتْبَعُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إن كان بستان يفرد حكمه الفرق أَنَّ لِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ تَأْثِيرًا فِي وَقْتِ التَّأْبِيرِ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْبُسْتَانَيْنِ فِي صُوَرٍ (إحْدَاهَا) عِنْدَ اتِّحَادِ النوع

(11/360)


وَالصَّفْقَةِ (وَالثَّانِيَةُ) عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالثَّالِثَةُ) عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ وَلَنَا فِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يتبع فعلى الوجه الآخر مقتضى كلام الرافعي أَنْ يَأْتِيَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ خِلَافٌ إذَا أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي عَلَى الصورتين الاولتين مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ جَرَيَانِ خِلَافٍ عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَالصَّفْقَةِ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ القاضي حسين حَكَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فَغَرِيبٌ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فيه بعدم التبعية وجعل محل الوجهين فيما إذا كان الصنف واحد فَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَأَغْرَبُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ أَمْنُهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ صَفْقَةٌ وَالْمَطْلُوبُ تَأْثِيرُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بَارِزًا وَهُوَ مَفْقُودٌ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ولافرق بين أن يكون البستانان مثلا صفين أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا فِي إقْلِيمٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي مَكَان طَبْعُهُ وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِطَيْنِ مَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُثْمِرًا
غَيْرَ الْآخَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحُوطًا فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ حَائِطَانِ فِيهِمَا نَخِيلٌ أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِمَا نَخِيلٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِضَابِطٍ فَإِنَّ قِطْعَتَيْ الْأَرْضِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ كَالْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَهَا جَانِبَانِ وَجَعَلَ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ فَإِنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِذَا كان الارضان غير متجاورتين كانا لذلك فَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ حَتَّى يُعَدَّا فِي الْعُرْفِ مَكَانَيْنِ وَلَا يُعَدَّانِ مَكَانًا وَاحِدًا وَأَسْبَابُ ذَلِكَ إمَّا حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا هِيَ قِطْعَةٌ مُتَجَاوِرَةٌ وَيَحْكُمُ أَهْلُ الْعُرْفِ بأنها أراضي لاأرض وَاحِدَةٌ لِنَوْعٍ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا (وَأَمَّا) الْقِطْعَةُ الواحدة إذا أبر جانب مِنْهَا دُونَ جَانِبٍ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ حَصَلَتْ التَّبَعِيَّةُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي قَالَ (1) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْحَاجِزُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الِانْفِرَادِ وَهُوَ إشارة إلى ما قلناه.
__________
(1) بياض بالاصل

(11/361)


(فَرْعٌ)
هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلى هنا أن المؤبر لايتبع النخلة المبيعة وغير المؤبر يتبع لافرق فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ النَّخِيلَ دُونَ الْبُسْتَانِ أَوْ مَعَهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ صَرَّحَ بِهِ فَذَكَرْتُهُ تَبَعًا لَهُ وَرَغْبَةً فِي الْإِيضَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(وان كان له حائط أطلع بعضه دون بعض فابر المطلع ثم باع الحائط ثم أطلع الباقي ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ما أطلع في ملك المشترى لايتبع المؤبر بل يكون للمشترى لانه حادث في ملكه فلا يصير للبائع والثاني أنه يتبع المؤبر فيكون للبائع لانه من ثمرة عامه فجعل تابعا له كالطلع الظاهر في حال العقد فان أبر بعض الحائط دون بعض ثم أفرد الذي لم يؤبر بالبيع ففي طلعه وجهان أحدهما أنه للبائع لانا جعلناه في الحكم كالمؤبر بدليل أنه لو باع الجميع كان للبائع فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ والثاني أنه للمشتري لانه إنما جعل كالمؤبر إذا بيع معه فيصير تابعا له فاما إذا أفرده فليس بتابع للمؤبر فتبع أصله) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا بَاعَ جَمِيعَ نَخْلِ الْبُسْتَانِ وَقَدْ أَبَّرَ بَعْضَهَا وَبَعْضُهَا لَمْ يُطْلِعْ بَعْدُ فَأَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي ذلك الْمُشْتَرِي فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَأَنَّ مَا كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ مُطْلِعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ تَابِعٌ لَهُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا (أَمَّا) مَا أَطْلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ ذَلِكَ العلم فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ مَا أَطْلَعَ فِي مِلْكِ المشترى لايتبع الْمُؤَبَّرَ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا هَذَا الْوَجْهَ عند الكلام في اختلاط ثمرة النخلة الْمَبِيعَةِ بِثَمَرَةِ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفراييني وقال أَنَّهُ يَتْبَعُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ المشاركة كمانا جَعَلْنَا مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَوَافَقَ أَبَا حَامِدٍ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْوَجْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ مُنْتَصِرًا لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ فِيهِ بِالشَّرْطِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ تَبَعًا لِمَا قَدْ اسْتَثْنَاهُ

(11/362)


الْعَقْدُ قَالَ وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا كان بيع عالم يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وَهَاءِ قَوْلِهِ وَفَسَادِ تَعْلِيلِهِ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي انْتَصَرَ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ وَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ لِلنَّصِّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ وَثَمَرَتُهَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مُطْلِعًا حِينَ الْعَقْدِ وَمَا لَمْ يَكُنْ خَرَجْنَا عَنْهُ فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلٍ فَيَنْبَغِي فِيمَا عَدَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فَثَمَرَتُهَا لَا يَشْمَلُ إلَّا الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَهِيَ الْمُطْلِعَةُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لَكِنَّ سُوءَ الْمُشَارَكَةِ حَاصِلٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعٌ لِمَا خُلِقَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ كلما يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَرَّعَهُ عَلَى رَأْيِهِ وَرَأْيِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عن أبي إسحاق أن لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ ذِكْرُ نَظِيرٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اُسْتُنْبِطَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْهَا وَهِيَ جَارِيَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا أتت بولد من أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بَعْدَهَا قَالَ نَصَّ أَنَّ الْوَلَدَيْنِ لِلسَّيِّدِ فَاسْتُنْبِطَ مِنْهَا هَذَا الْوَجْهُ وَوَجْهٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا
كَانَتْ حُبْلَى بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا فَالْوَلَدُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ يَبْقَى لِلْبَائِعِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَرَأَى أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لِلْمُشْتَرِي وَعَنْ الْخُضَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا نُسِبَ إلَى النَّصِّ (وَالثَّانِي) مَا رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ بَعْضَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ كُلُّهُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ فَسَتَعْرِفُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما لم ينفصل منه شئ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَصِلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمُقَابَلَتِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ وُجُودُهُ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثُمَّ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لان هذا شبيه ببيع الجارية الحامل يجوز مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ اسْتَثْنَاهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ فِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهِ الصِّحَّةُ أَوْ الْبُطْلَانُ (قُلْتُ) وَتَخْرِيجُهُ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ حَسَنٌ مُتَعَيَّنٌ وَحُكْمُهُ وَالتَّصْحِيحُ فِيهِ مَعْلُومٌ

(11/363)


فِي مَوْضِعِهِ وَلَقَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَا أَطْلَعَ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَيْرَهُ وَالْمَوْجُودُ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَبَّرَ بَعْضَ الْحَائِطِ دُونَ بَعْضٍ فَأَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَفْرَدَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَقَوْلُهُ) فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ بِهَذَا الْبَيْعِ حُكْمُ التَّأْبِيرِ صَارَ كَالْمُؤَبَّرِ فَإِذَا أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ صَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الْحَائِطِ فَأَفْرَدَ بِالْعَقْدِ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فِيهَا فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّ الطَّلْعَ لِلْمُشْتَرِي وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ هُنَا يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ يَقُولُ دُخُولُ وَقْتِ التَّأْبِيرِ كَالتَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ إنَّ وَقْتَ التأبير كالتأبير نفسه كذلك كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ أن هذا القائل يكتفي بحضور الوقت أَنْ يَحْصُلُ تَأْبِيرٌ أَصْلًا وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْإِمَامِ وَمَنْ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ إذَا حَصَلَ تَأْبِيرٌ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ ولم يحصل في المبيع
وقد تقدم فيى ذلك كلام وجزم الفورانى بأنه إذ أَفْرَدَ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مِنْ نَوْعٍ واحد ويمكن أن يكونا مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ تَأْبِيرٌ فِي الْآخَرِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ الصِّنْفَ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤَبَّرٍ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى تَبَعِيَّةَ النَّوْعِ لِلنَّوْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَيَصِحُّ إبْقَاءُ الوجهين في كلام المصنف على اطلاقهما..قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ والكرسف إذا بيع أصله كالنخل وأراد به كرسف الحجاز فانه شجر يحمل في كل سنة وتجرج ثمرته في كمام وتتشقق عنه كالنخل فان باع وقد تشقق جوزه فهو للبائع وان لم يتشقق فهو للمعترى وان تشقق بعضه دون بعض جعل الجميع للبائع كالنخل وأما ما لا يحمل الاسنة وهو قطن العراق وخراسان فهو كالرزع ويجئ حكمه ان شاء الله تعالى) .

(11/364)


(الشَّرْحُ) الْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ الْقُطْنُ وَيُقَالُ لَهُ الكرسف البرسف وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْهُ مَا يَبْقَى فِي الارض سنين ويحمل كان سَنَةٍ مِثْلَ كُرْسُفِ الْحِجَازِ وَأَبْيَنَ وَتِهَامَةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَهُوَ شَجَرٌ شَبِيهٌ بِالنَّخْلِ وَيَتَشَقَّقُ الْجَوْزُ فَيُؤْخَذُ الْقُطْنُ مِنْهُ وَيُتْرَكُ الْقِشْرُ عَلَى الشَّجَرِ كَمَا يَتْرُكُ كِمَامُ الطَّلْعِ عَلَى الشَّجَرِ وَقِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ شَاهَدَهُ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُعْضَدُ عَلَيْهِ كما بعضد عَلَى الشَّجَرِ وَقَدْ عَدَّهُ الْأَصْحَابُ مَعَ النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ فيما وجها كما سيأتي بالحاقهما بالذرع وَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْمَذْكُورُ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إلْحَاقِهِ بِالنَّخْلِ عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ مع النرجس والبنفسج مالا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْكُرْسُفَ كَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالشَّجَرِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ قَالَ وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكُرْسُفِ إنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ كَانَ تَابِعًا لَهَا وَإِنْ أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ جَازَ مُطْلَقًا وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ وَإِذَا بَاعَهُ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ فَدَخَلَ فِي بَيْعِهَا وَكَانَ فِيهِ جَوْزٌ فان كان
قد تشتقق منه شئ كَانَ الْكُلُّ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي وان لم يتشقق منه شئ فالكل المبتاع إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ سَوَاءٌ فَالتَّشَقُّقُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فِي النَّخْلِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ وَالْأَصْحَابُ مُسَاعِدُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَافَقَ فِي أَنَّ الْكُرْسُفَ فِي ذَلِكَ كَالنَّخْلِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ

(11/365)


(النوع الثاني) مالا يحمل الاسنة وَاحِدَةً وَهُوَ قُطْنُ بَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ إنْ بَاعَ الْأَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ كَالزَّرْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ شَرْطُهُ مَا لَمْ يَكُنْ جَوْزًا مُنْعَقِدًا غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتَدَّ فَإِنْ اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصْلًا مُفْرَدًا ولامع الْأَرْضِ سَوَاءٌ ظَهَرَ بَعْضُهُ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ شئ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُغَيَّبٌ فَهُوَ مَجْهُولٌ كَالسُّنْبُلِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بَطَلَ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ بَاعَهُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَشِيشًا لَمْ يَنْعَقِدْ جَوْزُهُ أَوْ انْعَقَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ قُطْنٌ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُقِدَ جَوْزُهُ وَاسْتَحْكَمَ قُطْنُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْقُطْنُ وَهُوَ مُغَيَّبٌ كَالسُّنْبُلِ فَعَلَى هَذَا إنْ بَاعَهُ مُفْرَدًا بَطَلَ وَإِنْ بَاعَهُ مع الأرض بطل فيه وفي الأرض قولا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ نَقْلًا وَفِيمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مُوَافَقَةٌ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَظَهَرَ الْقُطْنُ صَحَّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْأَرْضِ وَجَازَ لِمُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَدْخُلُ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بيع الشجرة لان الشجرة مقصود كَثِمَارِ سَائِرِ الْأَعْوَامِ وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَشَبَّهَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْخِلَافَ بِالْخِلَافِ فِيمَا إذَا رَهَنَ خريطة لاقمة لها وكان فيها شئ لَهُ قِيمَةٌ هَلْ يَتْبَعُ اللَّفْظَ دُونَ مَا فِيهَا أَوْ يَجْعَلُ الْمَرْهُونَ مَا فِيهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ عَادَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ قُلْتُ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَصِحُّ فِي الْأَصْلِ وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَنَى عَلَى أَصْلِهِ قَالَ
ابْنُ دَاوُد فَعَلَى قَوْلِ اشْتِرَاطِ التَّشَقُّقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّهِ فَلَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ لَمْ يَصِحَّ الافيه بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَكُرْسُفِ الْحِجَازِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه (1) وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ تَشَقَّقَ جَوْزُهُ كَالطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطٍ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِي وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي ذَكَرْتهَا هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ انه إذا تناهى
__________
(1) بياض بالاصل

(11/366)


نهايته ولايكون لَهُ نَمَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي آخِرِ الْخَرِيفِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ عَنْهُ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَمْلِ لَا يَتْبَعُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَشَقِّقًا أَمْ غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الثَّمَرَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبَائِعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيهِ تَنْبِيهٌ وعليه استدراك أما التنبيه فأن اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَنَاهَى وَلَا يُتَوَقَّعُ لَهُ نَمَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا فِي شَجَرِ الْبِطِّيخِ إذَا خَافَ اخْتِلَاطَهُ أَمَّا بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) الاستدراك فأن أصول هذا الوع مِنْ الْكُرْسُفِ لَا تُقْصَدُ وَحْدَهَا بِدُونِ حَمْلِهَا وَلَا يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ إلَّا وَالْمَقْصُودُ حَمْلُهَا فَقَوْلُهُ ان حملها لايتبع لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ تَعْلِيلُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بنبغي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا عَنَى أَنَّهُ يَشْتَرِي الْأُصُولَ فَقَطْ أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْقُطْنَ وَهَذَا الزَّرْعَ دَخَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ دُخُولُهُ تَبَعًا وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ فَأَمَّا بَيْعُ ثَمَرِهِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَبَاعَ مَا تَشَقَّقَ مِنْهُ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالِالْتِقَاطِ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَ الِالْتِقَاطُ حَتَّى تَشَقَّقَ غَيْرُهَا وَاخْتَلَطَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقُّقٌ وَلَا انْعَقَدَ الْقُطْنُ فَبَاعَهُ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَأَمَّا إنْ انْعَقَدَ الْقُطْنُ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَالَ فَلَوْ بَاعَ الْجَوْزَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ التشقق بشرط القطن فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَالشَّجَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ فَلَا يُجْعَل لَهَا حُكْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَوْزِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا أَبْطَلْنَا فَفِي الشَّجَرَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ قُطْنَ
الْعِرَاقِ كَقُطْنِ الْحِجَازِ يَبْقَى سِنِينَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ إلى المشاهدة والفقة قد تبين..قال المصنف رحمه الله.
(وان باع شجرا غير النخل والكرسف لم يخل اما أن يقصد منه الورد أو الورق أو الثمرة فان كان يقصد منه الورد فان كان ورده يخرج في كمام ثم ينفتح منه كالور فهو كالنخيل فان كان في الكمام تبع الاصل في البيع كالطلع الذي لم يؤبر وان كان خارجا من الكمام لم يتبع الاصل كالطلع المؤبر

(11/367)


وان كان لاكمام له كالياسمين كان مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ للمشترى وان كان مما يقصد منه الورق كالتوت ففيه وجهان أحدهما انه ان لم ينفتح فهو للمشترى وان تفتح فهو للبائع لان الورق من هذا كالثمر من سائر الاشجار والثاني انه للمشترى تفتح أولم يتفتح لانه بمنزلة الاغصان من سائر الاشجار وليس كالثمر لان ثمرة التوت ما يؤكل منه) .
(الشَّرْحُ) الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا يُلْحَقُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِالنَّخْلِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ النَّخْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَأَتْبَعَهُ بِالْكُرْسُفِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِهِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُخَالِفُ الثِّمَارَ مِنْ الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلُ وَانْدَفَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَسَّمُوا الشَّجَرَ النَّابِتَ الَّذِي لَهُ حَمْلٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَقْسَامٍ وَأَحْسَنُ تَقْسِيمٍ فِيهَا مَا سَلَكَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشَّجَرَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْخَامِسُ مَا يَظْهَرُ فِي كِمَامٍ ثُمَّ تَتَشَقَّقُ عَنْهُ الْكِمَامُ فَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فَتَقْوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَتَشْتَدُّ وهى ثمرة النخل والمصنف لم يذكر هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَقْسِيمَهُ فِيمَا سِوَى النخل والكرسف فلا تأتى الاربعة كما ذكل وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا خَمْسَةً فَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْسِيمِهِ مِنْ الْحُسْنِ وَالْبَيَانِ مَا فِي تَقْسِيمِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هَهُنَا ضَرْبَيْنِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَخْرُجُ فِي وَرَقٍ أَخْضَرَ لَا يشاهد منه شئ ثم بعد ذلك ينفتح فَيُشَاهَدُ مَا تَحْتَهُ كَأَنْوَاعِ الْوَرْدِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَخْضَرِ وَالنِّرْجِسِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَفَتَّحَ مِنْهُ شئ عِنْدَ الْبَيْعِ فَجَمِيعُهُ
لِلْبَائِعِ مَا تَفَتَّحَ وَمَا لم ينفتح هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَا تَفَتَّحَ يكون للبائع وما لم ينفتح يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَفَتَّحْ مِنْهُ شئ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالطَّلْعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي كِمَامِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ

(11/368)


ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهَا وَهْمٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي تَعْلِيقِهِ الْجَزْمُ بِالتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ الْتَبَسَ عَلَى الْحَاكِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا نَوْرٌ وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ لما رَأَيْتُهَا وَلَا الْأَئِمَّةُ نَقَلُوا ذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ.
وَيَدْخُلُ شَجَرُ هَذَا النَّوْعِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي إنَّ الْوَرْدَ إذَا تَفَتَّحَ بَعْضُهُ فَاَلَّذِي تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي بخلاف مالو بَاعَ نَخْلَةً تَشَقَّقَ بَعْضُ ثَمَرِهَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَا تَفَتَّحَ مِنْ الْوَرْدِ يُجْتَنَى وَلَا يُتْرَكُ فان يَتَنَاثَرُ وَيُقْتَلُ فَلَا يَتَلَاحَقُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فانها لاتجتني حَتَّى تَتَلَاحَقَ وَكَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُصَنِّفِ في التنبيه وابن سراقة في بيان مالا يَسَعُ جَهْلُهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَبْرُزُ بِنَفْسِهِ لَا يَحُولُ دُونَهُ حَائِلٌ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى جِهَتِهِ ثُمَّ يَتَفَتَّحُ كَالْيَاسِمِينِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ منه شئ فالجميع للبائع وان لم يظهر منه شئ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَالظُّهُورُ فِي هَذَا النَّوْعِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَتُّحِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَسَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا فِي الْيَاسَمِينِ خَاصَّةٌ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ يُوَافِقَانِ بِظَاهِرِهِمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْيَاسَمِينَ كَالْوَرْدِ وَأَنَّ ظُهُورَ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عِبَارَتُهُ فِي المهذب على ذلك لا على ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي النَّوْعَيْنِ أَنَّهُ إنْ تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ لَكِنْ بِلَفْظِ الظُّهُورِ لَمَّا قَالَ أو بورا تفتح كالورد والياسمين فان كان ظهر ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ أَرَادَ
بِالظُّهُورِ التَّفَتُّحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ أَرَادَ الْبُرُوزَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكِمَامِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَتَعَسَّفَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الظُّهُورُ وَذَلِكَ فِي الْوَرْدِ وَمَا يَخْرُجُ فِي كِمَامٍ بِالتَّفَتُّحِ وَبِالْيَاسِمِينِ وَمَا يَخْرُجُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ بِنَفْسِ الْخُرُوجِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَلِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّفَتُّحَ فِيمَا لَا كِمَامَ لَهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَقَالَ الروياني

(11/369)


إن البنفسج كالورد وعد جماعة البنفسج والنشرين مِنْ جِنْسِ الْيَاسَمِينِ وَأَلْحَقَ سُلَيْمٌ فِيمَا نُقِلَ عنه النشرين بالورد قال الفرارى وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خُرُوجُهُ فِي كِمَامٍ يَتَفَتَّحُ عَنْهُ كَالْوَرْدِ يَعْنِي الْيَاسَمِينَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ كِمَامَ الْوَرْدِ قَبْلَ حُصُولِ الْوَرْدِ فِيهَا وَكَذَا الْجَوْزُ قَبْلَ الْقُطْنِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْقُطْنَ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنِ مِنْهُمَا فَصَارَا مَقْصُودَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لِعَلَفِ الدَّوَابِّ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ كَالتُّوتِ وَشَجَرِهِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْفِرْصَادِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ قد ظهر من الورق شئ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي هَكَذَا عِبَارَةُ الشَّيْخِ أبي حامد والشيخ في عبارته بالتفتح وعده تَابِعٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ كَذَلِكَ وَزَادَ فَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلَ التُّوتِ وَقَدْ خَرَجَ وَرَقُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِمَا فِي اعْتِبَارِ التَّفَتُّحِ فِي الْيَاسَمِينِ وَإِنْ اسْتَبْعَدْت حُصُولَ التَّفَتُّحِ فِي ورق التوت فيسأتي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ مَا يُثْبِتُهُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ يَخْبُرُ ذَلِكَ وَأَنَّ وَرَقَ التُّوتِ يَخْرُجُ مُنْعَقِدًا لَمْ يَتَفَتَّحْ (فَائِدَةٌ) الْيَاسَمِينُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالْأَشْهَرُ جَعْلُ النُّونِ حَرْفَ إعْرَابِهِ وَفِيهِ لُغَةٌ أَنَّهُ يُعْرَبُ إعْرَابَ قَائِمِينَ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالنُّونِ بِيَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ لُغَةٌ إنَّ الْأُولَى مُثَنَّاةٌ وَالثَّانِيَةَ مُثَلَّثَةٌ وَأَنْكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَنَسَبَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ إلَى الْفُرْسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى الْجَمَاهِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ وَرَقٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَوْرَاقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنَعَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَكُونَ ثَمَرَةُ التُّوتِ مُنْحَصِرَةً فِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَرِ بَلْ ثَمَرَتُهُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الْحُلْوَةِ وَالْمُرَّةِ وَجَعَلَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ
فِي أَوَانِ الرَّبِيعِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَسَائِرِ الْأَوْرَاقِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ جزم به المارودى وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَامِيًّا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ دُونَ وَرَقِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِظُهُورِ وَرَقِهِ وان كان يقصد وقفانه يبدو في عقده ثم يفتح عَنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي عُقَدِهِ تَبِعَ الْأَصْلَ وَإِنْ انْشَقَّتْ الْعُقْدَةُ وَظَهَرَ وَرَقُهَا لَمْ يَتْبَعْ الْأَصْلَ وَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبي اسحق وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ مُنَزَّلٌ عَلَى هَذَا التفصيل وأن لَا مَعْنَى لِذَلِكَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ قد

(11/370)


حَكَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّجَهًا فَإِنَّ النَّوْعَ الَّذِي يُقْصَدُ ثَمَرُهُ وَلَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ كَالْأَحْمَرِ فِيمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُطْعَمُ وَرَقُهُ لِلَّدُودِ الْمَقْصُودِ ثَمَرُهُ فَهَذَا وَرَقُهُ كَوَرَقِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ أَمَّا التُّوتُ الابيض الذي يقصد منه الورق لطعمه الذود فَيَتَّجِهُ فِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَلْتَحِقُ بِالْأَوَّلِ وَرَقُ الذَّكَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الذي يقطع أغصانه ويترك ساقه وطوله تقطع الْأَغْصَانُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَحَسْبُ إذَا بَاعَ شَجَرَتَهُ قال القاضي الحسين وَالْأَغْصَانُ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الثِّمَارِ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الماوردى والروياني الحناء وَرَقُهُ أَيْضًا وَيَبْدُو وَرَقُهُ بَعْدَ تَقْدِيحِ أَغْصَانِهِ من غير أن يكون في عقدة تنفتح عَنْهُ فَإِذَا بَدَا وَرَقُهُ بَعْدَ التَّقْدِيحِ ثُمَّ بَاعَ شَجَرَهُ كَانَ فِي حُكْمِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ شَجَرُ الْحِنَّاءِ والجوز والهرنس لانص فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالتُّوتِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِالْوَرَقِ إذَا ظهرت وجها واحدا لانه لاثمره لِهَذِهِ الْأَشْجَارِ غَيْرُ الْوَرَقِ.
(فَرْعٌ)
شَجَرُ النَّبْقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ يَتْبَعُهَا وَرَقُهَا وَقِيلَ إنَّهَا كَالتُّوتِ لِأَنَّ فِي وَرَقِهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ يُغْسَلُ بِهَا الرَّأْسُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصَحَّ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالثَّمَرَةِ وَلَهُ طَوَاحِينُ مُعَدَّةٌ لِطَحْنِهِ وَمَوْضِعٌ يُبَاعُ فِيهِ بِأَبْلَغِ ثَمَنٍ لِكَثْرَتِهِ وَفَرَّقَ عَلَى
الْقَوْلِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَقِ التُّوتِ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ غَسْلِ الرَّأْسِ تَافِهَةٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَعْنَى يُشَارِكُهَا فَإِنَّهَا تُغْسَلُ بِالْخِطْمِيِّ وَالطِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فَإِنَّهُ كل مقصوده..قال المصنف رحمه الله.
(وان كان مما يقصد منه الثمرة فهو على أربعة أضرب أحدها متا تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام كالتين والعنب فما ظهر منه فهو للبائع لايدخل في البيع من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشترى لان الظاهر منه كالطلع المؤبر والباطن منه كالطلع الذي لم يؤبر) .

(11/371)


(الشَّرْحُ) بَدَأَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ وَجَعَلَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مِنْهَا ضَرْبًا خَامِسًا لَمْ يَدْخُلْ فِي تَقْسِيمِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ النَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ لِإِفْرَادِهِ إيَّاهُمَا بِالذِّكْرِ وَجَعْلِهِ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ فِيمَا سِوَاهُمَا.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ مِمَّا سِوَى النَّخْلِ وَالْكُرْسُفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا تَخْرُجُ ثمرته ظاهرة من غير كما لاورق دُونَهَا وَلَا حَائِلَ مِثْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَكُونُ خُرُوجُ هَذِهِ الثَّمَرَةِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ الطَّلْعِ وَظُهُورُ الْقُطْنِ مِنْ الْجَوْزِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ التُّوتَ الشَّامِيَّ مِثْلَهُ أَيْ مِثْلَ التِّينِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ ثَمَرَةَ التُّوتِ تَخْرُجُ بَارِزَةً مِنْ غَيْرِ كِمَامٍ وَأَظُنَّ مراده بالشامي التوت الاحمر المرفأن المقصود منه ثمرته لاورقه بخلاف التوت الذي قصد وَرَقُهُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الثَّمَرَةِ وَاحِدًا وَقَدْ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَبِ عِنْدِي أَنَّ لَهُ وَرْدًا ثُمَّ يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ مِنْ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ تَخْرُجُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَيْهَا وَرْدٌ وَهُوَ يُشَاهَدُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ الْوَرْدِ ويرى ويتساقط عنها النور ويبقى الثمر فتكبر ولا كذلك لانخل فَإِنَّهَا لَا تُرَى مِنْ دَاخِلِ الْكِمَامِ وَهَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ كِمَامَ ثَمَرَةِ النَّخْلِ شَامِلٌ لِحَبَّاتٍ مِنْهُ وَكِمَامُ الْعِنَبِ شَامِلٌ لِكُلِّ حَبَّةٍ وَكَذَا كِمَامُ غَيْرِهِ مِنْ الثِّمَارِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَثَرٌ يَظْهَرُ لَكَ فِي بَيْعِ ماله قشران كالجوز وللوز وَقَدْ عَلَّلَ جَعْلَ الْعِنَبِ لِلْبَائِعِ بِأَنَّ اشْتِمَالَ
كُلِّ حَبَّةٍ عَلَى كِمَامٍ يُزَايِلُهَا كَاشْتِمَالِ كُلِّ حَبَّةٍ مِنْ حَبَّاتِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ فَكَذَا الْعِنَبُ يَكُونُ لَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِنَبَ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يُورِدُ ثُمَّ يَنْعَقِدُ وَمِنْهُ مَا يَبْدُو مُنْعَقِدًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ نَوْرًا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الضَّرْبِ وَالضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِمَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظُهُورُ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ كَالنَّخْلِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْهُ فِي الْوَرْدِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَقَالَ إنَّ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ يَعْنِي التِّينَ وَالْعِنَبَ مَحَلُّ التَّوَقُّفِ قَالَ صَاحِبُ الوافي ولو أُجْرِيَ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ مَا تَأَبَّرَ مِنْهُ الْبَعْضُ

(11/372)


يَكُونُ لِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ فَيَكُونُ أَيْضًا مَا يَحْدُثُ مِنْ التِّينِ لِلْبَائِعِ تَابِعًا لِمَا ظَهَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ مِنْ ثَمَرَةِ النَّخْلِ كَانَ له اتجاه ظاهر ولم أجد للاصحاب نصافيه غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَإِنْ يَكُنْ فَرْقٌ فمن حيث ان ظهور الشئ بعد الشئ فِي التِّينِ مُعْتَادٌ ثُمَّ حِينَ بُلُوغِ التِّينِ يُؤْخَذُ فَاَلَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِهِ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ إلَى الْجُذَاذِ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْبُلُوغِ فَيَخْتَلِطُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَاحْتَجْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ تَابِعًا وَفِي هَذِهِ المسألة لا حاجة إلى ذلك (قلت) وهذا اعْتِرَاضٌ وَجَوَابٌ جَيِّدَانِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم ينفرد بذلك الفرق الْمَذْكُورُ يُعَضِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسِمِينَ يُسْرِعُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُفْضِي إلَى الْمَحْذُورِ بِخِلَافِ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا بين والله أعلم..قال المصنف رحمه الله.
(والثاني) يخرج في كمام لا يزال عنه الاعند الاكل كالرمان والموز فهو للبائع لان كمامه من مصلحته فهو كاجزاء الثمرة) .
(الشَّرْحُ) هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ الَّذِي يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِيهِ الثَّمَرَةَ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ
حُكْمًا وَتَعْلِيلًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاعَ لاجل أرضا فيها شجر رمان ولوز وجوز الارنج وَغَيْرِهَا مِمَّا دُونَهُ قِشْرٌ يُوَارِيهِ أَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وذلك ان قشر هذا لا تشقق عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ كِمَامَهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) تُقَشَّرُ نَفْسُ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالتِّينِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الشَّجَرِ عَلَى شَجَرِ الْمَوْزِ وَسَيَأْتِي تَعَرُّضٌ لِحُكْمِهِ فِي فَصْلِ النَّبَاتِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِأَجْلِهِ قِيلَ إنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عليه وأما الجوز واللوز والرانج ففه نِزَاعٌ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثالث..قال المصنف رحمه الله.
(والثالث ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج فالمنصوص أنه كالرمان لايدخل في بيع الاصل لان قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ومن أصحابنا من قال هو كثمرة النخل الذي لم يؤبر لانه لا يترك في القشر الاعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع) .

(11/373)


(الشَّرْحُ) الرَّانِجُ بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مكسورة وجيم وهو الجوز الهندي وهو النار جيل إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ مَعَ الرُّمَّانِ وَحَكَمَ فِي الْجَمِيعِ بِأَنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَبِذَلِكَ قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ قُشُورَهُ لاتزول في الغالب إلا عِنْدَ الْقِطْفِ وَبَعْدَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْكِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الشَّجَرَةِ وَيُتْرَكُ الْكِمَامُ عِنْدَ الْقَطْعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَنُزُلُ السَّعَفِ وَالْكَرَانِيفِ وَقُشُورُ الْجَوْزِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد (أما) الذي لاإشكال فِيهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَتَشَقَّقْ الْقِشْرَةُ الْأُولَى فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّمَّانِ إذَا ظَهَرَتْ الْقِشْرَةُ الَّتِي تَلِي اللُّبَّ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ هُوَ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أبو حامد فقال الجوز يتشقق فشره الْفَوْقَانِيُّ عَنْهُ وَيَسْقُطُ
وَيَظْهَرُ السُّفْلَانِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَشَقُّقُ الْقِشْرَةِ مِنْ هَذَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ إذَا كان على رؤس الشَّجَرِ لِأَنَّهُ كَتَشَقُّقِ الرُّمَّانِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ صَلَاحُهُ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلَ لِلْمُصَنَّفِ عَلَى نِسْبَةِ الْخِلَافِ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي بِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ قِشْرَةٌ عُلْيَا وَسُفْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحِجَازِ شَجَرُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَحَمَلَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ قِشْرَةً وَاحِدَةً وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ إذَا زَالَتْ عَنْهُ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا وَبَقِيَتْ السُّفْلَى وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ هذا أنه قال دونه حائل لا يزل عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ وَهَذَا صِفَةُ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى دُونَ الْعُلْيَا (قُلْتُ) أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَهُوَ بَعْدَ الموضع بشئ يسير أن على الجوز قشرتان وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا النَّاسُ عَلَيْهِ ولايجوز بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُدْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَالَ الْجَوْزِ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَهُوَ قريب ولاياباه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ قِشْرَ هَذَا لَا يَنْشَقُّ عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَصَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ

(11/374)


الْمُرَادُ الْقِشْرَةَ الْعُلْيَا دُونَ السُّفْلَى بَلْ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ صَلَاحَهُ فِي بَقَائِهِ يُفْهِمُ أَنَّ مَا لَيْسَ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا زَالَ عَنْهُ وَقِشْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْعُلْيَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنْ كَانَتْ تُشَقَّقُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَغْلِيطُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لَكِنِّي أَقُولُ إنَّ تَشَقُّقَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ عَلَى الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَنِهَايَتِهِ وَكَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ مِنْ على الشجر مَعَ قِشْرَتِهِ كَاللَّوْزِ الْعَاقِدِ وَالرَّانِج أَيْضًا كَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ فِي قِشْرَتِهِ بَعْدَ نِهَايَتِهِ بَلْ العادة مطردة في كل ماله قِشْرَانِ فَلَيْسَ هُوَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهِ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّوْزَ إذَا كَانَ أَخْضَرَ صَغِيرًا يُؤْكَلُ فِي قِشْرَتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ تِلْكَ الْقِشْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ كَاللُّبِّ سَوَاءٌ مَعَ ذَلِكَ الْمَنْصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالطَّلْعِ فِي اللَّوْزِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّهُ وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ اللَّوْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ نقل إما الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ خِلَافَهُ وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ عَرَفْتُ كَلَامَهُمْ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي حامد أنه يقول بأن ماله نَوْرٌ يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِخُرُوجِ نَوْرِهِ وَهَذَا مِنْهُ فَإِذَا انْعَقَدَ كَانَ لِلْبَائِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّ ذَلِكَ قَالَهُ فِي ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي جَوْفِ نَوْرٍ والجوز ليس كذلك فان البند نيجى قَالَ إنَّهُ يُورِدُ أَوَّلًا وَرْدًا لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ مِنْ جَوْفِهِ بَلْ يَذْهَبُ الْوَرْدُ وَيَنْعَقِدُ بَعْدَ ذَهَابِهِ ثَمَرَةٌ كَهَيْئَةِ التِّينِ أَوَّلَ مَا يُطْلِعُ وَسَيَأْتِي فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ كَلَامٌ عَنْ البند نيجى يتعلق بهذا الضرب في اللوز..
قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(والرابع ما يكون في نور يتناثر عنه النور كالتفاح والكمثرى فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق والقاضي أبو حامد هو كثمرة النخل إن تناثر عنه النور فهو للبائع وان لم يتناثر عنه فهو للمشترى وهو ظاهر قوله في البويطي واختيار شَيْخِنَا الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ استتارها بالنور كاستتار الثمر في الطلع وتناثر النور عنها كتشقق الطلع عن الثمرة فكان في الحكم مثلها وقال الشيخ أبو حامد الاسفراييني هو للبائع وان لم يتناثر النور عنها لان الثمرة قد ظهرت بالخروج من الشجر واستتارها بالنور

(11/375)


كاستتار ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ القشر الابيض ثم ثمرة النخل بعد خروجها من الطلع للبائع مع استتارها بالقشر الابيض فكذلك هذه الثمرة للبائع مع استتارها بالنور) .
(الشَّرْحُ) النَّوْرُ الزَّهْرُ عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ وَقِيلَ النَّوْرُ مَا كَانَ أَبْيَضَ وَالزَّهْرُ مَا كان أصفر والكمثرى (1) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى والسفر جل وَالْإِجَّاصِ وَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَقَدْ خَرَجَ
وَرْدُهَا وَتَنَاثَرَ وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاثَرْ وَرْدُهَا ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشترى لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُغَيَّبَةٌ فِي الْوَرْدِ وَتَظْهَرُ بَعْدَ ثناثره فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي التَّأْبِيرِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَفِ قَبْلَ بَابِ الْوَدِيعَةِ وَحُكْمُ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَاللَّوْزِ وَالْفِرْسِكِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ وَتَحَبَّبَ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ ظُهُورُ الْوَرْدِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حُكْمُ كُلِّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِ مَا تَخْرُجُ كَمَا تُرَى فِي آخِرِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَارِزًا مِنْ الطَّلْعِ وَغَلِطَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا أراد به مالا وَرْدَ لَهُ مِثْلَ الْعِنَبِ وَالتِّينِ لِأَنَّ هَذَا هو الذي يخرج بارزا وأماما يَخْرُجُ فِي الْوَرْدِ فَلَيْسَ بِبَارِزٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَوْفِ الْوَرْدِ وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَذَكَرْتُ لَفْظَهُ فَسَقَطَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ قَالَ مَا كَانَ مِنْ الثمر يطلع كما هو لام كِمَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَطْلُعُ عَلَيْهِ كِمَامٌ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مالا كِمَامَ عَلَيْهِ كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ أَوْ عَلَيْهِ كِمَامٌ لَا تَسْقُطُ كَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ فَالطُّلُوعُ فِي الْقِسْمَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ أَمَّا كَوْنُ الطُّلُوعِ فِي غَيْرِهِمَا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَدُلُّ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لاطلاقه أن مالا كِمَامَ عَلَيْهِ يَكُونُ طُلُوعُهُ كَالتَّأْبِيرِ وَاَلَّذِي يَخْرُجُ في نور لاكمام عله وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِالنَّوْرِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا يبعده قوله كما هو فانه يشعر لانه لا شئ عَلَيْهِ مِنْ كِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي تَعْلِيقِهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَقَالَ إنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شيوخ أصحابنا أبو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا لِلْمُبْتَاعِ وَلَوْلَا أَنَّى لَا أُحِبُّ مُخَالَفَةً كَانَ ظاهر
__________
(1) بياض بالاصل

(11/376)


الْمَذْهَبِ وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الْأَنْوَارَ إذَا ظَهَرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كَالطَّلْعِ إذَا تَشَقَّقَ أَوْ أُبِّرَ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَعْنَى السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
(مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) لَمَّا جَعَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الطَّلْعِ وَذَلِكَ الظَّاهِرُ نَوْرٌ يَتَفَتَّحُ فَإِذَا تَنَاثَرَ انْعَقَدَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَهُ كَانَتْ الْأَنْوَارُ كَالطَّلْعِ لِأَنَّ النَّوْرَ يَتَنَاثَرُ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الثَّمَرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كلامه والحق ان لاحجة لَهُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي تَخْرُجُ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِهَا كَمَا تُرَى فِي آخِرِهَا وَمَا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ لَيْسَ يُرَى فِي أَوَّلِهِ كَمَا يُرَى فِي آخِرِهِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِيهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَهُ مِنْ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ يَقُولُ إنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ بِالتَّأْبِيرِ لَا تَظْهَرُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مَا يَجْرِي مَجْرَى وَرْدِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ إذَا تَشَقَّقَ الطَّلْعُ ظَهَرَ مَا فِيهِ مِثْلُ اللِّيفِ وَفِيهِ حَبٌّ صِغَارٌ مِثْل الذُّرَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا الثَّمَرَةُ فِي جَوْفِ ذَلِكَ الْحَبِّ تُرَى مِثْلَ الشَّعْرَةِ كَمَا تُرَى ثَمَرَةُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ ثَمَرَةَ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي تحن فِيهِ تُرَى مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ وَأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ مِثْلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ وَإِلَّا فَالْحَقُّ مَعَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَهَذَا لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي فِقْهٍ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَمِثْلُهُ يَقْطَعُ بِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُشَاهَدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاسْتِتَارِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ وَبِالنَّوْرِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ كُلُّهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إلْحَاقِهَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالْحَمْلِ لِاسْتِتَارِهَا وَبَعْدَ التَّأْبِيرِ بِالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ لِظُهُورِهَا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ويشعر به كلامه في الشرح قال ان الآخر أرحج عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَجَعَلَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ تَنَاثُرَ النَّوْرِ كاتقدم وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ إنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ أَوَّلًا نَوْرًا ثُمَّ يَتَشَقَّقُ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الْحَبَّاتُ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا قَالَ فَمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْحَبَّاتُ فِيهِ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ وَإِذَا انْعَقَدَتْ حَبَّاتُهُ لايتبع الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بالشرط وكان القاضي أخذ ذلك عن الفقال فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ إذَا تَحَبَّبَتْ ثِمَارُهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ النَّوْرُ بَاقِيًا عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَبَّبْ فَالنَّوْرُ كَالْوَرَقِ.
هذه عبارته

(11/377)


ويجئ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّهَا لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّحَبُّبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِتَنَاثُرِ النَّوْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ النَّوْرِ وَتَحَبَّبَ وَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّحَبُّبَ يَكُونُ قَبْلَ التَّنَاثُرِ فَذِكْرُ التَّنَاثُرِ يُغْنِي عَنْهُ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بتناثر النور على الاصبح وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي التَّعْلِيقِ الْأَخِيرِ عَنْهُ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ فَإِنَّ شَيْخَهُ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهَا عَنْهُ فَكَانَ ذِكْرُهَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى وَهِيَ فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي التَّعْلِيقَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا يَدُلُّ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا الْمِشْمِشَ وَالتُّفَّاحَ وَالْخَوْخَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى فَجَزَمَ بِأَنَّ الْخَوْخَ وَالْمِشْمِشَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا الْأَزْهَارُ مُحْتَوِيَةٌ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالتُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا تَحْتَوِي أَزْهَارُهُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَكِنَّهَا تَطْلُعُ وَالثَّمَرَةُ دونها قال فمما كَانَ كَذَلِكَ مَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ شَيْئًا وَاحِدًا وَالْفِرْسِكُ هُوَ الْخَوْخُ وَالْإِمَامُ قَدْ جَعَلَ حُكْمَهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ التُّفَّاحِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ نَقَلَ مِثْلَ الْعِرَاقِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَالْعِرَاقِيُّونَ كَمَا رَأَيْتُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ رَأَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَوْزِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْكَرْمَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهُ يَبْدُو مِنْهُ أنوار ثم ينعقد ومعه بما يَبْدُو حَبًّا مُنْعَقِدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذلك وعد الماوردى الرمان واللوز مع ذي النَّوْرِ قَالَ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خِلَافُ ذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ فَإِنَّ نَوْرَهُ لَا يَكُونُ سَابِقًا لَهُ فِي أَوَّلِ الظُّهُورِ وَأَمَّا اللَّوْزُ فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الرُّمَّانَ وَاللَّوْزَ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ
مِنْ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا بِيعَ الْأَصْلُ بَعْدَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ عَنْهُ فَإِنْ بِيعَ قَبْلَهُ عَادَ الْكَلَامُ السَّابِقُ فِيهِ يَعْنِي إمَّا أَنْ

(11/378)


يُبَاعَ بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْ بَعْدَ التَّنَاثُرِ فَكَلَامُ الرافعى موافق للمارودى فِي أَنَّ الرُّمَّانَ لَهُ نَوْرٌ وَلَعَلَّهُ نَوْعَانِ كَالْكَرْمِ وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعِنَبَ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخِيلِ قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَى حَبِّهِ قشر لطيف يتفتق عنها وَيَخْرُجُ مِنْهَا نَوْرٌ لَطِيفٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَائِعِ وَهَذَا مُلَاحَظَةٌ مِنْهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا مَضَى وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَالَ إلَى مُوَافَقَتِهِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ثَمَرَةَ هَذِهِ الْأَشْجَارِ تَكُونُ تَحْتَ غِطَاءٍ وَيُفَارِقُهَا وَيَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهَا النَّوْرُ وَالثَّمَرَةُ وَالنَّوْرُ عَلَى رَأْسِ الثَّمَرَةِ لَكِنَّهُ قَسَمَهُ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ لَهُ نَوْرٌ بِغَيْرِ كِمَامٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلِ وَهُوَ الَّذِي حَكَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَمَالَ إلى موافقته وقسم على ثمرها نور بغير وتكون الثمرة بين كمام كالنجوز وَاللَّوْزِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ قَالَ فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكِمَامِ وَيَتَنَاثَرَ نَوْرُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلْعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَرِيبٌ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ.
(فَرْعٌ)
تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ المحكي عن البويطى عن اللَّوْزِ مَعَ التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ فَاعْتَرَضَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ اللَّوْزَ كَالْجَوْزِ قَالَ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُمْ فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتُ) هَلْ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَابٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَقُولُ اللَّوْزُ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يَنْشَقُّ عَنْهُ قِشْرُهُ الْأَعْلَى عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأُمِّ ومنه مالا يَنْشَقُّ قِشْرُهُ عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّا نَجِدُ الْفُولَ وَغَيْرَهُ كَالْفَرْكِ لَا يُمْكِنُ إزَالَةُ قِشْرِهِ عَنْهُ دُونَ الْأَسْفَلِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْفَرْكِ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ أَصْلًا عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَظَهَرَ مَا فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَفِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي التَّأْبِيرِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يُشِيرُ إلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابن أبى هريرة وغيره وأنه لافرق في ذلك بين النخل وغيره
* قال المصنف رحمه الله.
(وان باع أرضا وفيها نبات غير الشجر فان كان مما له أصل يحمل مرة بعد أخرى كالرطبة والبنفسج النرجس والنعنع والهندبا والبطيخ والقثاء دخل الاصل في البيع وما ظهر منه للبائع وما لم يظهر
فهو للمشترى كالاشجار وان كان مما لا يحمل إلا مرة كالحنطة والشعير لم يدخل في بيع الاصل لانه نماء ظاهر لايراد للبقاء فلم يدخل في بيع الاصل كالطلع المؤبر) .

(11/379)


(الشَّرْحُ) الرَّطْبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْبُرْدِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْغَنَائِمِ بِضَمِّ الرَّاءِ وهو غلط وهو القضب وهو القتب.
(أما) الاحكام فقال أصحابنا الزرع النبات اسْمٌ لِكُلِّ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ فَالْأَصْلُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَغَيْرُ الْأَصْلِ هُوَ الزَّرْعُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى النَّبَاتُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَالشَّجَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ أَوْ الْوَرَقُ أَوْ الثَّمَرُ وَقَدْ مَضَى حُكْمُهَا وَأَقْسَامُهَا وَالنَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ دَاخِلَانِ فِي التَّقْسِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ أَوَّلًا وَغَيْرُ الشَّجَرِ ضَرْبَانِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ وَلِهَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ عَقَدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَصْلَ فَالضَّرْبُ (الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى
(وَالثَّانِي)
هُوَ الزَّرْعُ هَكَذَا قَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الزَّرْعِ مَخْصُوصٌ بِمَا لَا يَحْمِلُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جَمَاعَةٍ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الزرع ضربين فجعل ماله ثَمَرَةٌ يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ضَرْبًا مِنْ الزَّرْعِ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالنُّعْنُعَ وَالْهُنْدَبَا خَارِجًا عَنْ الزَّرْعِ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَأُصُولُ الْبُقُولِ كَالْأَشْجَارِ وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ اسْمَ الزَّرْعِ صَادِقًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الاضرب ما يثمر مرارا كالنرجس وما تيجذ مرارا كالنعنع وما لايجذ مِرَارًا وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْحِنْطَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلِينَ فَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إطْلَاقِهِ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ صَادِقٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَبِحَسَبِ الْعُرْفِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصْدُقُ عِنْدَ الاطلاق الاعلى الْأَخِيرِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ أَوْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ (وَأَمَّا) الْمَعْنَى وَالْأَحْكَامُ فَالْأَضْرُبُ الثَّلَاثَةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمُصَنَّف لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الزَّرْعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ النَّبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ لَكِنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْحُكْمِ قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالْبَنَفْسَجَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ حُكْمَهَا مُتَّحِدٌ فَأَمَّا فِي دُخُولِ الْأَصْلِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَأَمَّا فِي كَوْنِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وما يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فَالْبَنَفْسَجُ مَا ظَهَرَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ثَمَرَتِهِ
لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا أَصْلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا ثَمَرَةٌ فَمَا ظَهَرَ مِنْهَا نَفْسِهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَسَّمَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَى قِسْمَيْنِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَقْسَامِ ثَلَاثَةً كَمَا ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَمْ نُطْلِقْ اسْمَ الزَّرْعِ عَلَى جَمِيعِهَا (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ الَّذِي لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَعَدَّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ

(11/380)


مِنْ ذَلِكَ الْمَوْزَ وَالْكُرْسُفَ الْحِجَازِيَّ فَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْحِجَازِيُّ فَقَدْ أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا الْمَوْزُ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ شَجَرٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي النَّبَاتِ الَّذِي لَا يُسَمَّى شَجَرًا فَلَا يَحْسُنُ عَدُّ الْمَوْزِ فِيهِ.
إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ ثَمَرَتَهُ الظَّاهِرَةَ حَالَ الْبَيْعِ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَالْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مَا لَا تَخْرُجُ ثَمَرَتُهُ إلَّا ظَاهِرَةً كَالْبَنَفْسَجِ فَإِنَّ وَرْدَهُ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِالْيَاسَمِينِ لَيْسَ فِي كِمَامٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ وَرْدِهِ شئ فَوَرْدُ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبَاذِنْجَانُ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَأَمَّا النِّرْجِسُ فَإِنَّهُ كَالْوَرْدِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ يَخْرُجُ عَنْهُ أَوْرَاقٌ خُضْرٌ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ شئ ثم ينفتح فان كان قد تفتح منه شئ فان ثمرة هذا العالم لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَأَمَّا أُصُولُهُ فَفِيهَا الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِي الْأَشْجَارِ حَرْفًا بِحَرْفٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَمَا بَطَنَ فَحِينَئِذٍ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأُصُولِ لِلْأَرْضِ وَفِي حُكْمِ الثِّمَارِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ضَعَّفَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي النِّرْجِسِ وَقَالَ هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ النِّرْجِسَ فَإِنَّ النِّرْجِسَ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى عِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا يُحَوَّل مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فِي كُلِّ سَبْعِ سِنِينَ لِمَصْلَحَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَبَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ زَرْعًا يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ بَعْضُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْأَصْلُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أخرى كالسداب وَالْكُرَّاثِ وَالنُّعْنُعِ وَالْهُنْدَبَا وَالطَّرْخُونِ وَالْكَرَفْسِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وأشحار الْخِلَافِ الَّتِي تُقْطَعُ مِنْ الْأَرْضِ كُلَّ مَرَّةٍ وَالرَّطْبِ وَهِيَ الْقَضْبُ
وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الشَّامِ الْغُصَّةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَتِّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْقُرْطُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْقَتُّ الَّذِي تُسَمِّيهِ أَهْلُ العودى (1) وقد عطف المصنف القضب على الفت فَيَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى أن الغصب والقت والقرط والرطبة شئ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَكِنَّهُ بِلُغَةِ الْعِرَاقِ الرَّطْبَةُ وَبِلُغَةِ أَهْلِ بِلَادِنَا الْقُرْطُ وَبِلُغَةِ الشَّامِ الْغُصَّةُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْقَتَّ والرطبة شئ واحد وان القرط الذي ببلادنا شئ آخَرُ وَالرَّطْبَةُ تُوجَدُ أَيْضًا فِي صَعِيدِ بِلَادِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَفِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَاعَ الارض وفيها شئ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى الْأَرْضِ فَالْجُذَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لانها ظاهرة في الحال
__________
(1) كذا بالاصل

(11/381)


لاتراد لِلْبَقَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ كالثمرة المؤبرة وفي دخول أصولها الكامتة فِي الْأَرْضِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْخِلَافُ الَّذِي في الاشجار هكذا ذكره العراقيون والصيد لانى وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ هُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ أَنَّ هَذِهِ كَامِنَةٌ فِي الْأَرْضِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ فَإِنَّهَا بَادِيَةٌ ظَاهِرَةٌ مُفَارِقَةٌ لِلْأَرْضِ فِي صِفَتِهَا هَكَذَا حُكِيَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالشَّرْحِ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّ الشَّيْخَ أبا محمد قطع بانه كالدرع يَعْنِي فَلَا يَدْخُلُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ إنَّ مُدَّةَ إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ قَدْ تُعْلَمُ فَلَا يَكُونُ مراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبِطَرِيقَةٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبِطِّيخِ وَمَا يُوجَدُ مرة بعد أخرى لكن في علم وَاحِدٍ أَنَّهُ كَالزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ قَالَ فَقَدْ يَحْصُلُ لِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (قُلْتُ) يَعْنِي ثَلَاثَ طُرُقٍ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنَّ شَرْطَ إثْبَاتِ هَذِهِ الطُّرُقِ أَنْ تَتَحَقَّقَ نِسْبَةُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فِي الْوَسِيطِ إلَى قَائِلٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَهْمُ نَاسِخٍ لِمُخَالَفَتِهَا مَا فِي الْبَسِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَقَدْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقَةُ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ وَخَالَفَ مَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ قال اذلا يَلُوحُ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغِرَاسِ وَالْأَبْنِيَةِ وَقَوْلُ ابن الرفعة بأن مدت بَقَاءِ أُصُولِهَا قَدْ تُعْلَمُ إنْ سَلِمَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْجَارِ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ تَارَةً تَطُولُ مُدَّتُهُ
وَتَارَةً تَقْصُرُ نَعَمْ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُ يُثْبِتُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا عِنْدِي إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَنْ جَعَلَهَا كَالزَّرْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْخَيْرَاتُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِهِ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْحَادِثَةُ وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ تَبْقِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَشْجَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْأُصُولَ دَاخِلَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْسِهِ قَطْعَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي والقاضي حسين أن البائع يطالب في جذها الْحَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَبْلُغَ أو ان الْجُذَاذِ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَاطِ وَسَكَتُوا عَنْ وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي الْعَقْدِ بَلْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْتَظِرُ بِهِ تَنَاهِيَ جُذَاذِهِ
(أَحَدُهُمَا)
يُنْظَرُ فَإِذَا بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي جَرَتْ

(11/382)


الْعَادَةُ بِجُذَاذِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُ الْبَائِعِ مَا بَعْدَ تِلْكَ الْجَذَّةِ بِكَمَالِهَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وَأُبِّرَ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ بِهِ كَمَالَ جُذَاذِهِ بَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحاق المروزى ويؤمر بِجُذَاذِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ وَيَكُونُ الْأَصْلُ الْبَاقِي وَمَا يُسْتَخْلَفُ طُلُوعُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ تَابِعًا لِلْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وأبرو هذا الْبِنَاءُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنْ يكون الصحيح على طريقة أبي حامد الاسفرايني وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَلْعَ لَا يَجِبُ عَقِيبَ الْعَقْدِ حَتَّى تَتَكَامَلَ تِلْكَ الْجَذَّةُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أن ما طلع بَعْدَ الْبَيْعِ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا أَنْ يَسْلَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا وَهُوَ نِهَايَةُ ذَلِكَ الْحَمْلِ الَّذِي أَطْلَعَ بَعْضُهُ وَأُبِّرَ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّلَاحُقِ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَالْحَمْلِ الْوَاحِدِ وَقَدْ نَصَّ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ لَكِنْ فِي التَّبَعِيَّةِ فَقَالَ إنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلرَّطْبَةِ حَدٌّ هَذَا فَرْقُ الْأَصْحَابِ وَفَرَّقَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِفَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُشْتَرِي في قطع الثمرة والبائع مَنْفَعَةٌ فِي قَطْعِهَا وَالرَّطْبَةُ فِي قَطْعِهَا فَائِدَةٌ
وللمشترى وَفِي تَرْكِهَا فَائِدَةٌ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يُلَاحِظُوا فِيهِ الْوَجْهَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ تَنَاهِي جُذَاذِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ أَصْلًا هُوَ بِتَعْلِيلِهِ مُصَادِمٌ لِقَوْلِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ للرطبة جد تُوجَدُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الا ماكان ظَاهِرًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَأَمَّا كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ شَرْطُهُ فِي الْعَقْدِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا بمقتضى العقد فلا حاجة إلى شرطه فأنا انما يشترط الفطع فِي الثِّمَارِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ فِيهَا الْإِبْقَاءُ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مُطْلَقًا وَهُنَاكَ بَيْتٌ ظاهر فهو للبائع بالاطلاق الْعَقْدِ وَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهُ فِي الْحَالِ وَهَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لابد من شرط القطع كما أنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا تَتَلَاحَقُ وَتَخْتَلِطُ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَبَيْنَ اخْتِلَاطِ ثَمَرَةِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِيمَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّمَرَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ كُلُّ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا أَصْلُ الرَّطْبَةِ الْمَوْجُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ هُوَ كُلَّ الْمَقْصُودِ من

(11/383)


الْأَرْضِ وَلَا مُعْظَمَهُ وَسَأَجْمَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ جُمْلَةً فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَقَدْ انْتَظَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي العقد وهو ماقاله الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَلَا يُكَلَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَتَكَامَلَ الْجَذَّةُ فَتَكُونُ كُلُّهَا لِلْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ يُكَلَّفُ الْقَطْعَ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا نَقُولُ إنَّ شَرْطَ ذَلِكَ وَاجِبٌ في العقد وهو متقضى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ فَإِنْ لَمْ يَجُذَّ الْبَائِعُ حَتَّى زَادَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَنَى الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ قَالَ فَمَنْ انْتَظَرَ بِهَا تَنَاهِي الْجُذَاذِ جَعَلَ مَا يَنْبُتُ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ أَوَّلَ جَذَّةٍ لِلْبَائِعِ وَمَنْ لَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ التَّنَاهِي وَجَعَلَ حَقَّ الْبَائِعِ مَقْصُورًا عَلَى مَا ظَهَرَ جَعَلَ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ نَبَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الْمُوجِبُ لِانْتِظَارِ تَنَاهِي الْجُذَاذِ كَوْنُهُ مَلَكَ الظَّاهِرَ وَتَبَعِيَّةُ الْبَاطِنِ مِنْ تِلْكَ الْجَذَّةِ لِلظَّاهِرِ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى
مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ مِنْهَا فَيَنْبَنِي الْجَزْمُ بِأَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ لَكِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَعَ بُعْدِهِ وَغَرَابَتِهِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشافعي في الام إذ قال وان الْبَائِعُ قَدْ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ لَهُ فِي الارض التي ابتاعها بذرا سماه لايدخل فِي بَيْعِهِ فَاشْتَرَى عَلَى ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ للمشترى وعليه أن يدعه حتى بصرم فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْبُتُ مِنْ الزَّرْعِ تَرَكَهُ حَتَّى تَصَرُّمِهِ ثُمَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَصْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَفَعَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ له أن يدعه يستخلف وهود لِمَنْ وَجَدَ ثَمَرَةً غَضَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ أُخْرَى حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيُعَجِّلُهَا وَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ فِي غَيْرِهَا بِحَالٍ وَلِذَلِكَ إطْلَاقُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالْجَذَّةُ الْأُولَى لِلْبَائِعِ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ مَا إذَا كَانَ منها شئ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَظَنُّ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ على الخلاف الذى حكاه الماوردى فإذا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الذي حكاه المارودى وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَحْمِلَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ وَاسْتَثْنَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْأُصُولُ وَكُلُّ جَذَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ صرح الشافعي بعدم ذلك وانه ليس إلَّا الْجَذَّةُ الْأُولَى فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّفٌ وَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّ الْجَذَّةَ الْأُولَى لَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ

(11/384)


يحتمل أن يقال بالصحة كلو اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَيَّزُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرِ فانها مُتَمَيِّزَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمُشْتَرَى وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا نتكرر ثَمَرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا الْبُقُولُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ جَذِّهَا فَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ منها شئ ظَاهِرٌ يُقَالُ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْعُرُوقِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَالطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِيهِ وفي أصول البقول إذا كان منها شئ ظَاهِرٌ جَارِيَةٌ هُنَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبَذْرِ وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا آنِفًا فَالْقِيَاسُ إجْرَاؤُهُمَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ ثم شئ ظَاهِرٌ يَسْتَتْبِعُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ.
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارُ خِلَافٍ يُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ كُلَّ مُدَّةٍ قَالَ صَاحِبُ
التَّهْذِيبِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي فَرَغْنَا مِنْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهَا جُذُوعُ خِلَافٍ عَلَيْهَا قَوَائِمُ فهى منزلة أَغْصَانِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ الْبُقُولِ (أَمَّا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ (أَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ الرافعي عنه أنه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْ بَلَغَ أو ان الْجَذِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَطْلَقَا ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الْوَجْهَ الثاني الذي ذكره الماوردي واستثنا مِنْ ذَلِكَ الْقَصَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْرًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ إلَى وَقْتِ قَطْعِهِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ زَمَانُ الشِّتَاءِ فَإِنَّهُ إنْ قُطِعَ قَبْلَ ذَلِكَ الوقت تلف ولا يصلح لشئ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَالَا إنَّ الْبَائِعَ يُمَكَّنُ حَتَّى يَقْطَعَهُ إذَا جَاءَ وَقْتُهُ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إشْكَالًا عَلَى الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عاما فيما ينتفع به ومالا يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا ينتفع به فلا وجه لاستثناء الغصب وحده بل كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعِيدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ بيعها بشرط

(11/385)


الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَاكَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَرْطٌ فِي المبيع وَالْمَقْطُوعُ هُنَا غَيْرُ مَبِيعٍ (قُلْتُ) لَكِنَّهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ فَيَمْتَنِعُ شَرْطُهُ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يَجِبُ قَطْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَطْعِهِ وَفَوَاتُ مَالِيَّتِهِ مُقَابِلٌ لِمَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي اغْتِفَارِ ذَلِكَ بِإِزَائِهِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ (الثَّانِي) بِعَيْنِهِ لَازِمٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالشَّيْخِ أبي حامد لكن الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَبِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ في كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُطِعَ بِخِلَافِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حامد المتقدم جواب عن ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لِلْقَصَبِ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهَهُ بِالزَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ إبْقَاؤُهُ لِمَا قَدَّمَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْفَرْقِ مِنْ الْمَعْنَى
أَنَّ لَهُ وَقْتَ نِهَايَةٍ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ نِهَايَةٍ لَكِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لَهُ وَقْتٌ يُؤْخَذُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ وَيَزِيدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الزُّرُوعِ الَّتِي بَعْدَ وَقْتِ أَخْذِهَا لَا تَزِيدُ شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ الْبُقُولِ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ وَهُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سنة واحدة يجئ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ فِي السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمُ هَذَا عِنْدِي حُكْمُ الزَّرْعِ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَكِنْ فِي عَامٍّ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ ذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ وَمَا يَظْهَرُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَصْلُهُ وَثَمَرُهُ لِأَنَّهُ زَرْعُ عَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ لِقَاطُ ثَمَرِهِ وَالشَّجَرُ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا وَأُلْحِقَ بِهِ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا كَالْعَلَفِ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ مَا بَقِيَ عَامًا وَاحِدًا وَالرُّويَانِيُّ جَزَمَ الْقَوْلَ فِيمَا يُجَذُّ دَفْعَةً بَعْدَ أُخْرَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى مُدَّةً يَسِيرَةً كَالْهِنْدَبَا وَالْجِرْجِيرِ وَمَا يَبْقَى سِنِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
ظَهَرَ لَكَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِيمَا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وأصله يبقى سنين في الارض (الثاني) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ يَبْقَى عَامًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) أَصْلٌ

(11/386)


لَهُ ثَمَرَةٌ لَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ (الرَّابِعُ) أَصْلٌ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخِلَافِ يَأْتِي فِيهِ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ مَرَاتِبُ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالنُّعْنُعُ وَالْهُنْدَبَا وَالرَّطْبَةُ مِنْهُ مَا يَبْقَى سِنِينَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سَنَةً وَاحِدَةً كَقُرْطِ بِلَادِنَا وَكَثِيرٍ مِنْ بُقُولِهَا فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ
وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْمَوْزُ أَصْلُهُ لَا يَحْمِلُ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ فَرْخًا يَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا شَجَرُ مَوْزٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يَكُونُ الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ هَهُنَا فِي أن أصل الموزنفسه هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ الشجر أولا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْأُصُولَ تُدْرَجُ عَلَى أَصَحِّ الطُّرُقِ كَالشَّجَرِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اسْمَ الشَّجَرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَوْجُودَ وَقْتَ العقد لايدخل فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ سَنَةٍ وَالْفَرْخُ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ كَالشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْفَرْخَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَلْ ذَلِكَ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَكُونُ حَاصِلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ يقال ينبغي على قوله أن لايدخل لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ كَالزَّرْعِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْقَصَبُ إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَوْزٌ قَدْ خَرَجَ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي تَحْتَ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا يَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَيُقْطَعُ وَيَخْرُجُ فِي الَّذِي حَوْلَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ثَمَرَ الْمَوْزِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ حُكْمِ الشَّجَرَةِ نَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ

(11/387)


يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا نَبَتَ مِنْ فِرَاخِهَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي هَذَا الِاحْتِمَالُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي لِقَوْلِهِ إنَّ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْفَرْخَ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَمَرَتَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لَهُ وهذا لاشك فِيهِ فِي أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ
أَصْلَ شَجَرِ الْمَوْزِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لِأَنَّ الْفَرْخَ الَّذِي حكمنا بكونه للمشترى يثبت مِنْهُ (وَأَمَّا) الْفَرْخُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّمَرَةَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَفِرَاخَهَا وكلام الجوزي يَشْهَدُ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَعْرِضِ نَقْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا وَفِيهَا موز للبائع ما خرج من الموز وليس له مايخرج بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا مَا لَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ الَّتِي إلَى جَنْبِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا مَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّمَرَةِ فان الحقنا ذلك بالرطبة اقتضى أن لايدخل شئ بما ظَهَرَ فِي الْبَيْعِ لَا الْأُمُّ وَلَا فِرَاخُهَا كَمَا ذَلِكَ مُقْتَضَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالشَّجَرِ اقْتَضَى دُخُولَهُمَا وَقَدْ يُقَالُ تَلْحَقُ الْأُمُّ بِالرَّطْبَةِ لِقُرْبِ قَطْعِهَا وَأَمَّا الْفَرْخُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بَقَاؤُهُ حَتَّى تُقْطَعَ الْأُمُّ وَيَكْبُرَ وَتَحْدُثَ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ ذلك فكذلك يقول ان الفرخ يدخل لشبه بِالشَّجَرِ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودَ الْبَقَاءِ وَالْأُمُّ لَا تَدْخُلُ كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فَنَظَرْتُ في هذه الاحتمالات الثلاث أيها أرجح فوجنت أَرْجَحَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْأُمُّ وَالْفِرَاخُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَالِ الْمَوْزِ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ مَعْرِفَةٌ يُخَالِفُ حَالَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ يَنْبُتُ إلَى جَانِبِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِرَاخٌ فَإِذَا تَكَامَلَ حَمْلُ الشَّجَرَةِ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ عُرْجُونُ الْمَوْزِ مع شئ مِنْ رَأْسِ الشَّجَرَةِ وَيَبْقَى بَقِيَّتُهَا لِأَجْلِ تَرْبِيَةِ الْفَرْخِ وَإِنَّهُ مَتَى قُطِعَتْ كُلُّهَا يَمُوتُ الْفَرْخُ فَتُبْقَى لِأَجَلِهِ حَتَّى يَتَكَامَلَ الْفَرْخُ وَتَجِفَّ هِيَ وَتَتَسَاقَطَ بِنَفْسِهَا إلَى الْأَرْضِ فَيَخْلُفَهَا ذَلِكَ الْفَرْخُ ويطرح الموز وهكذا على الترتيب لابد من بقاء الام لتربية أولادها ولا يبقون من أولادها الا واحدا وَيُقْطَعُ الْبَاقِي لِئَلَّا يَضُرَّ بِأُمِّهِ وَيَشْرَبَ مَاءَهَا.
فإذا علمت

(11/388)


أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا مِنْ أَصْلِهَا لِإِفْسَادِ فَرْخِهَا وَأَنَّ فَرْخَهَا لَا يُنْتِجُ بِدُونِهَا ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْطَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَوْزِ وَيُبْقِي الْجَذْرَ فِي الْأَرْضِ وحده لم ينبت بعد ذلك منه شئ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بعدم دخولها في البيع لذلك لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْأُمِّ وَدُخُولِ الْفَرْخِ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ قَطْعُ الام فيتلف الفرخ فلا بدمن
إبْقَائِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْفَرْخِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَارَةِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَرْخَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ سَنَةً بَلْ تَارَةً تَكُونُ إقَامَتُهُ شَهْرَيْنِ وَتَارَةً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالسَّنَةِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا كَمَا يُقَالُ سنة الزرع وان كان لايراد حود كَامِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَوْزَ نَوْعٌ غَرِيبٌ لَمْ يَشْمَلْهُ التَّقْسِيمُ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا ولا يحمل الامرة ويستمر جذره في الارض سنين ولايجذ كَالرَّطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ جَزَرٌ أَوْ سِلْقٌ أَوْ ثُومٌ أَوْ فجل أو بصل قال صاحب التهذيب لايدخل شئ مِنْهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ يَعْنِي وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّقْسِيمِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ الزَّرْعُ الذي لا يحمل الامرة وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَصَلَ وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا جَزَرٌ أَوْ فُجْلٌ بِجَزَرِهَا وَفُجْلِهَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
لَا يَجُوزُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ أَمَّا لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَحْصُدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَلِلْمُشْتَرِي الْفُرُوعُ وَالْعُرُوقُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ يَقُولُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لايدخل مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بِأَنَّ هَذِهِ لاتراد لِلدَّوَامِ وَهِيَ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فَصَارَتْ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَالشَّجَرَةُ تُرَادُ لِلدَّوَامِ فَاسْتَوَى فَرْعُهَا وَأَصْلُهَا وَصَارَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا ما لا يحمل الامرة كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَالْكَتَّانَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ مَقِيسًا عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) (1) وَقَوْلُهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الطلع الذي لم يؤبر (وقوله) لايراد لِلْبَقَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِرَاسِ إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ في بيع الارض على ظاهر المذهب
__________
(1) بياض بالاصل

(11/389)


وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) الثَّمَرَةُ قبل التأبير مستبقاة لكامل المنفعة لم تجنى وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ الزَّرْعُ مِثْلَهَا (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ حَادِثَةٌ مِنْ خِلْقَةِ
الْأَصْلِ الْمَبِيعِ وَالزَّرْعُ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْضَ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَعْدِنُ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الرِّكَازُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعٌ فِيهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ تَشْمَلُ الموز لانه نبات لا يحمل الامرة وَاحِدَةً لَكِنْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ جَذْرَهُ الثَّابِتَ في الارض لايدخل بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقِسْمِ مالا يحمل الامرة ولس لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ الْمَوْزُ فَإِنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا مِنْهُ تَنْبُتُ الْفِرَاخُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي القسيم الْحَاضِرِ النَّبَاتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ ثابت في الارض أولا فَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَحْمِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْمَوْزِ أَوْ مَرَّاتٍ فَأَمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ أَوْ فِي أَكْثَرَ كَالرَّطْبَةِ وَسَائِرِ مَا يجذ ويثمر مرات والذي لابقاء لاصله هو الزرع كالحنطة وَالشَّعِيرُ وَشِبْهُهُمَا أَوْ نَقُولُ النَّابِتُ إمَّا أَنْ يُثْمِرَ وَيُجَذَّ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْأَوَّلُ إمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَعْوَامٍ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَبْقَى أَصْلُهُ كَالْمَوْزِ أَوْ لا يبقى كالحنطة والشعير..قال المصنف رحمه الله.
(وفي بيع الارض طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لانها في يد البائع إلى إلى ان يحصد الزرع فكان في بيعها قولان كالارض المستأجرة ومنهم من قال يصح بيع الارض قولا واحدا لان المبيع في يد المشترى وانما يدخل البئع للسقي أو الحصاد فجاز بيعه قولا واحدا كالامة المزوجة) .
(الشَّرْحُ) الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأُولَى مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَاسُوهَا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَعَلَى بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجَرِ حَائِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَاعَهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بِفَرْقَيْنِ آخَرَيْنِ لَا يتصحان لَمْ نَذْكُرْهُمَا وَرَدَّ الْجُمْهُورُ طَرِيقَةَ التَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ مَجْهُولَةٌ أَلَا تَرَى أَنْ بَيْعَ الدَّارِ الَّتِي اسْتَحَقَّتْ الْمُعْتَدَّةُ سُكْنَاهَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مَعْلُومَةً كَالْأَشْهُرِ فِيهَا قَوْلَانِ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً كَالْحَمْلِ وَالْإِقْرَاءِ بَطَلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سُؤَالًا قَدْ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى هَذَا وهو أن لابي إسحق

(11/390)


أَنْ يَقُولَ مُدَّةُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا فَالْعُرْفُ الْغَالِبُ يَضْبِطُهَا فَإِنْ فُرِضَ مُخَالِفٌ فَنَادِرٌ وَزَمَنُهُ يَسِيرٌ مُغْتَفَرٌ وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ وَهَذَا السُّؤَالُ مُنْدَفِعٌ بِمَنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي الْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ فانه لا يصح بيع الدار التي اسحتقت سُكْنَاهَا لِلْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَضْبِطُهَا فَلَمَّا لَمْ يُغْتَفَرْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الزَّرْعِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ إلَى آخِرِهِ لَا يَحْسُنُ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هو في القطع بالفساد ولايجوز أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا لَقَطَعْنَا بِالْفَسَادِ فِي دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فمستند القطع بالفساد في دار المعتدة الاقراء وَالْحَمْلِ وَعَدَمِ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الجهالة (أما) قَوْلُهُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَكُونُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ الْمُعْتَدِّ فِيهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَتْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ إذَا بَاعَهَا كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهَا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ مُطَلِّقًا أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَقِيَتْ مَنَافِعُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَشْهُرِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لَوْ نَزَّلْنَا اسْتِحْقَاقَ الْمُعْتَدَّةِ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ فحينئذ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ هَلْ تَكُونُ مَنْفَعَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إلْحَاقُ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ فَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَّجَهٍ لان الامة المزوجة يمكن تسليما الْآنَ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ التَّامَّةَ مَعَ وُجُوبِ إبْقَاءِ الزَّرْعِ غير حاصلة فوجب اما القطع بالبطلان الحاقا بِدَارِ الْمُعْتَدَّةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِمَّا إجْرَاءُ الْخِلَافِ إلْحَاقًا بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ (قُلْتُ) شَرْطُ إلْحَاقِ مَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَلَا يَكْفِي الِاشْتِرَاكُ فِيمَا لَيْسَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فِي الاصل ولاشك أَنَّ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ حُصُولِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي عَقِيبَ العقد ولما

(11/391)


اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ دَلَّ على أن ذلك غير مقتضى لِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَأَنْ مَأْخَذَ الْبُطْلَانِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الحائلتين بين المشترى وبينها وأما الارض المرزوعة وَالدَّارُ الْمَشْحُونَةُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ فَثَلَاثَتُهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي انه لايد حَائِلَةٌ فَالْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ إذًا أُجْرِيَ فِيهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ لَهَا شَبَهٌ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ تُشْبِهُ الدَّارَ الْمَشْحُونَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالتَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ دُونَ الْأَرْضِ وَتُشْبِهُ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ فِي أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ اسْتِيفَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ إزَالَتُهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ غَايَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا وَقِيَاسُهَا عَلَى الْأَمَةِ أَرْجَحُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فِي مُدَّةِ التَّفْرِيغِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ تَفْرِيغُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَرْضِ المزوعة فان منفعتها غَيْرُ مُسْتَحَقَّتَيْنِ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى فِي صِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا وَذَكَرُوا الطَّرِيقِينَ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ قال الامام ولاشك أن القياس يقتضى التسوية بينهما اذلا فَرْقَ وَيُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ الدَّارَ مَشْحُونَةٌ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ أَمَّا الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ جَزْمًا عِنْدَ الْجَهْلِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ تَسْلِيمَهَا يُمْكِنُ أَمْ لَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَيَكُونُ غَيْرَ ضَارٍّ بِالْأَرْضِ فَلَا خِيَارَ كَمَا سَيَأْتِي الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَأَنَّ الغاصب فِي الْعَادَةِ اشْتِمَالُ الدَّارِ عَلَى أَمْتِعَةٍ ثُمَّ إنَّهَا تُفَرَّغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّفْرِيعُ) بَائِعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَحْكُمُ بِصَيْرُورَتِهَا فِي يَدِهِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ كَالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ نَعَمْ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّقَبَةِ وَهِيَ الْمَبِيعَةُ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَشْحُونَةُ فَالتَّسْلِيمُ فِيهَا مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوَ إلَى التَّخْلِيَةِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْرَدَ فيها وجهان أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ

(11/392)


وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَادَّعَى أَنَّ ظاهر المذهب ثبوت اليد فيهما وَحَكَاهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَيْضًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي البسيط وجهان ان اليد ثثبت فِي الدَّارِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ نَقْلِهِ وَنَقْلِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ التشاغل بالتفريغ ممكن فنزل الممكن الذي لاعسر فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ هُوَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ إلَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذَانِ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تعليل الطريقة الاولى أنه فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي تَعْلِيلِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يَقُولُ الْفَقِيهُ هَذَانِ التَّعْلِيلَانِ مُتَصَادِمَانِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ زِيَادَةٌ كَمَا في هذه السورة فَإِنَّ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ مَا يُنَبِّهُ عَلَى دَفْعِ خَيَالِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْعَيْنُ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَدُخُولُ الْبَائِعِ لِأَجْلِ السَّقْيِ وَالْحَصَادِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بالزرع خاصة لايمنع ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) من قال بصحة تسليمها مزروعة لاشك أَنَّهُ يَقُولُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِتَخْرِيجِهَا عَلَى الْعَيْنِ المستأجرة كما قال أبو إسحق وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْزِمَ بِالصِّحَّةِ وَيُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ عَلَيْهَا يَدٌ حَائِلَةٌ والارض المزورعة فِي يَدِ بَائِعِهَا لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الزَّرْعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ فَيُسَاوِي يَدَ الْإِجَارَةِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ انْقَلَعَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِحَاجَةٍ أَوْ جَذَّهُ الْبَائِعُ قَبْلَ وَقْتِ حَصَادِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ مُدَّةَ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يستحق من الارض ما كان صلاحا لِذَلِكَ الزَّرْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا لَوْ جُذَّ قَبْلَ حَصَادِهِ قَوِيَ أَصْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ وَفَرَّخَ كَالدُّخْنِ

(11/393)


فَجَذَّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ كَانَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَصْلِ الْبَاقِي إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مَا اسْتَخْلَفَ فرخ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَعَلَى الْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَمْلِكُ أَصْلَ الْقَتِّ الَّذِي يُجَذُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْقَتَّ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالزَّرْعَ فَرْعٌ زَائِلٌ وَاسْتِخْلَافُ بَعْضِهِ نَادِرٌ
قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ كل زرع لايدخل في البيع لايدخل وان قال بعث الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ لِمَنْصُورٍ التَّمِيمِيِّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِمَزَارِعِهَا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لَمْ تَدْخُلْ الْمَزَارِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) فِي الْأَرْضِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا.
(فَرْعٌ)
عِنْدَنَا لَا يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بقطع الزرع الذي لَهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعِنْدَهُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ وَعِنْدَنَا هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ فَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْهُ وَأَوْجَبْنَا الْإِبْقَاءَ وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ ويحبر البائع عليه وعليه تسوية الارض وعليه قلع الْعُرُوقِ الَّتِي يَضُرُّ بَقَاؤُهَا بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ المبيعة أمتعة لايستع لَهَا بَابُ الدَّارِ يُنْقَضُ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ هكذا ذَكَرُوهُ وَجَزَمُوا بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا (وَأَمَّا) ضَمَانُ النُّقْصَانِ فِي بَابِ الدَّارِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَوْضِعِ الْحِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ تَقْوِيمُ مَا نقص من قمية مَا انْهَدَمَ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ حَلْقَةِ الْبَابِ وَقَالَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ.
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ رَأَى الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَبِهَا زَرْعٌ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ عَيْبٌ يَمْنَعُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ فَلِلْبَائِعِ تَرْكُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ حَصَادِهِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فلو رضى البائع بتسليم الزرع فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَطْرَأْ مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ الْمُعْتَادِ وَلَوْ طَرَأَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَفِيهِ كَلَامٌ أَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ.

(11/394)


(فَرْعٌ)
فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا
فَلَا أُجْرَةَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُعْظَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَتَقَعُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مُسْتَثْنَاةً كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَقْمِشَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخِلَافُهُ (والاظهر) عند الغزالي والجرجاني والوجوب وجعل الامام محل الخلاف فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّمَا تجب الاجرة إذا زرعها بقعد الْإِجَارَةِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هذا الخلاف هل محله إذا كتفينا بالتخيلة وجعلناها قبضا أراد الم نَكْتَفِ بِهَا أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ قَالَ ولاشبه أَنْ يُقَالَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهَا فَالْخِلَافُ مُتَوَجِّهٌ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ أَوْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ تَجِبْ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ وَجَبَتْ وَلَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ ثَمَّ مُتَعَدٍّ وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ هَهُنَا لِأَنَّ بَابَ الضَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَوْلَا تَعْلِيلُ الْإِمَامِ يَعْنِي تَعْلِيلَهُ وَجْهَ عدم إيجاب الاجرة بقدرة المشترى عل الْفَسْخِ لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيلُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ الوجهان في الرجوع بالاجرة إنما هو قبل التخيلة أَوْ بَعْدَهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تَكْفِي وَيَكُونَانِ مبنبين عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ قُلْنَا كَالْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلْخِلَافِ نَظَائِرُ فِي الْحِجَارَةِ (قُلْتُ) وَالْأَشْبَهَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقٌ فِيمَا إذَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَفِيمَا إذَا لَمْ نَكْتَفِ بِهَا وَمَأْخَذُهُ أَنَّ تَفْوِيتَ الْمَنَافِعِ هَلْ هُوَ كَالْعَيْبِ أَمْ لَا بَلْ الْمَنَافِعُ مُسْتَقِلَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْلِيلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَجْهَ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي ضَمِنَا مطلقا ولا أثر للاجازة فِي إسْقَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أن نقول يكتفي بالتخلية أولا وَهَذَا يُوَافِقُ الْوَجْهُ الَّذِي يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ جعلنا تفويت المنافع بمنزلة التعبيب اكْتَفَتْ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ قُلْنَا) كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَهَا مُطْلَقًا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَجَعَلْنَاهَا قَبْضًا أَوْ إذَا لَمْ نكتف به أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا فَكَذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يُوجِبُ

(11/395)


الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ حَاصِلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ رَضِيَ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له أجرة كما ورضى بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ جَارٍ مُطْلَقًا إمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ فَلَيْسَ تَفْوِيتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ جَعْلَهَا عَيْبًا وَإِلْحَاقُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَأَمَّا) بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبُ أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَمَأْخَذُ الْإِسْقَاطِ جَعْلُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ هُنَا إذَا أَجَازَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ عَلَى جِنَايَتِهِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الاصح في مسألتنا أنه لا يجب الاجرة لافي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا (قُلْتُ) أَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تَصْحِيحُهُ هُنَا الْوُجُوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ (وَأَمَّا) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّهُ هُنَا إذَا رَضِيَ بِالزَّرْعِ يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فَالرِّضَا بِالزَّرْعِ رِضًا بِالْإِبْقَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ (وَأَمَّا) الْحِجَارَةُ فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهَا بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِهَا لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ مُدَّةَ الْقَلْعِ أَيْضًا قَدْ رَضِيَ بِهَا كَمَا أَنْ مُدَّةَ قَلْعِ الزَّرْعِ عِنْدَ أَوَانِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ رِضَاهُ وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاجِبًا فكان ينبغي أن لا تحب لَهَا أُجْرَةٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَخَّرَ الْبَائِعُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) مَا حَكَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ متميزة

(11/396)


عن المعقود عليه كذلك قاله الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كجناية الاجنبي أولا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ طَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرُوهُ هَهُنَا يَقْتَضِي طَرِيقَةً أُخْرَى كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ وَالْكَلَامَ فِيهَا مَحَلُّهُ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ مِنْ جُزْءٍ أَوْ صِفَةٍ (أَمَّا) الْمَنَافِعُ فَلِلتَّرَدُّدِ فِي إلْحَاقِهَا بِجُزْءِ المبيع أو صفته مجال ظَاهِرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي اسْتِعْمَالِ البائع المبيع طريقان
(أحدهما)
وجوب الاجرة (والثانية) تَخْرِيجُهَا عَلَى جِنَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
وَهُوَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا تَجِبُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَطْرَأْ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ حَصَادِهِ الْمُعْتَادِ فَإِنَّ التَّبْقِيَةَ إنَّمَا وَطَنَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَمَّا) إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَكُونُ إذَا أَجَازَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ الْخِلَافُ السَّالِفُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ فَلَا خِيَارَ فَلَوْ زَادَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَاطَلَاقُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي تَرْكَهُ إلَى الْحَصَادِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ أَمْ لَمْ يَتَأَخَّرْ ومراده بالحصاد أول أوقاته لاحقيقة الْحَصَادِ.
(فَرْعٌ)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا فَفِي وُجُوبُ الْبَقَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) وَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ (1) (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّ مَوْضِعَ مَنَابِتِ الزَّرْعِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ حَالَةَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ قِيلَ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَعَلَيْهِ الْحَصْدُ وَالنَّقْلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ
أَرَادَ أَنْ يَدْرُسَ الزَّرْعَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَيُنَقِّيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا وَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان مَشَقَّةٌ والله أعلم.
__________
(1) بياض بالاصل

(11/397)


(فَرْعٌ)
إذَا شُرِطَ دُخُولُ الزَّرْعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْحَصَادِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الزَّرْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَصَارَ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إذَا بِيعَتْ مَعَ مَحَلِّهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الثِّمَارِ وَفِيهَا بَحْثٌ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدَ الْحَبِّ كَالشَّعِيرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فَفِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا قَوْلَانِ فَإِنْ جَوَّزْنَا فَبَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْلَى وَإِنْ مَنَعْنَا فَفِي بَيْعِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ كَأَسَاسِ الْبُنْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَإِذَا بطل ففي بطلانه في الارض قولا واحدا لِلْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أَرْضًا رَآهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْبَيْعِ فَوَجَدَ فِيهَا زَرْعًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (تَنْبِيهٌ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا أَمَّا الْمَزْرُوعَةُ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قولا واحدا قاله صاحب التتمة وهو اظهر لِأَنَّهَا كَالشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ لَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْقِسْمَيْنِ مُقْتَضٍ لِشُمُولِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَوْلُهُ حَتَّى يُحْصِدَ يُقَالُ أَحَصَدَ الزَّرْعُ أَيْ بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يُحْصِدَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَالَ إنَّهُ أَفْصَحُ وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّهُ إذا بلغ أو ان الْحَصَادِ جُذَّ (1) عَلَى حَصْدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا والحكم ببقاء مللك الْبَائِعِ مُسْتَمِرٌّ إلَى وُجُودِ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ أَنْ يقال بضم الياء وفتح الصاد ويصح بفنح الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ حِينَ يَحْصُدَ الْبَائِعُ الزَّرْعَ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يُحْصِدَ
بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ هُنَا أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الحصاد لان يده لاتزول بِذَلِكَ فَالْيَدُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ إلَى إحْصَادِ الزَّرْعِ وَيَدُ الْبَائِعِ ثَابِتَةٌ إلَى الْحَصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
__________
(1) بياض بالاصل

(11/398)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بَاعَ أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع لانه مودع في الارض فلم يدخل في بيعها كالركاز فان باع الارض مع البذر ففيه وجهان أحدهما أنه يصح تبعا للارض والثاني لا يصح وهو المذهب لانه لا يجوز بينه منفردا فلم يجز بيعه مع الارض) .
(الشَّرْحُ) فَصَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَذْرِ مِثْلَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّبَاتِ فَقَالُوا الْبَذْرُ الَّذِي لَا تفاوت لنباته ويوجد دفعة واحدة لايدخل في بيع الارض ويبقى إلى أو ان الحصاد وللمشترى الخياران كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ بِتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ لَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لَهُ سَقَطَ خِيَارَهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفَرِّغُ الْأَرْضَ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْبَذْرِ فلا خيار له وعليه ترك إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ نَبَاتُهُ كَنَوَى النَّخْلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَبَذْرِ الْكُرَّاثِ وَالرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ بَيْعِ الْأَرْضِ حُكْمُ الْأَشْجَارِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رحمه اللَّهُ وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَذْرَ الَّذِي يدوم حكمه حكم الشجر (فان قلنا) الشجر لايدخل صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَذْرِ الزَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا خيار وان كان مصرا أَوْ يَمْضِي فِيهِ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تملك بعد بذلك بيحث يَكُونُ غَرْسُهَا نَقْصًا فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَذْرِ الَّذِي حَكَمْنَا بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ
الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ البذر الذي لايدخل وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
يصح في تبعا كالحمل وَادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فَقَالَ لَوْ بَاعَ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أولم يَخْرُجْ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فِي الْبَذْرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ كَالرِّكَازِ وَيُخَالِفُ الْحَمْلَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الام في المطلق وهولاء أَوَّلُوا نَصَّهُ فِي التَّفْلِيسِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خرج السنبل أولم يَخْرُجْ فَعَلَى هَذَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي البذر ففي بطلانه في الارض طريقان (احدهما) أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ

(11/399)


الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي إيرَادُ الْمَاوَرْدِيُّ تَرْجِيحَهَا وَجَزَمَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يختر بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَرْجِيحَهَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَهِيَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ في أنه يختر بِالْقِسْطِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَجْهَلْ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجْرِي مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعِلَّةُ الْخِلَافِ هُنَا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ أَفَادَ أَنْ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ هَهُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ تَفْرِيعًا عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) عَلَى تَجْوِيزِ بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ فَلَا يَبْعُدُ الْحُكْمُ بصحة البيع (قلت) ولابد فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وَحْدَهُ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَكَذَا بَعْضُ مَنْ أَجَازَهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الْمُسْتَتِرَةِ وَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَنْعَ فيها مفرع عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَحَمَلَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْوَجِيزِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْفَتَاوَى فِي السُّؤَالِ التاسع والعشرين في بيع السلجم والجرز فِي الْأَرْضِ قَالَ إنَّهُ إنْ قَضَى بِبُطْلَانِ بيع الغائب فلا شك الْبُطْلَانِ وَإِنْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ اتَّجَهَ ظَاهِرًا إبْطَالُ هَذَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ الا بتقليب الارض وهو تغير لعين المبيع فيضا هي بَيْعَ الْجِلْدِ قَبْلَ السَّلْخِ لِيُسَلَّمَ بِالسَّلْخِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِصِفَتِهِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ إطْلَاقَ المصنف مراده منه البذر الذي لانبات لِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الامام أَطْلَقَ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُصْرَمُ فَصَرَمَهُ الْبَائِعُ كَانَ للمشترى اصله ولم يكن للبائع قعله وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَحْثٌ فِي الْغِرَاسِ الَّذِي يَشْتَدُّ وَهُوَ يَعُودُ هَهُنَا فِي الْبَذْرِ الَّذِي وُضِعَ لِذَلِكَ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الدَّوَامُ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان
* قال المصنف رحمه الله.
(إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع لم يكلف قطع الثمرة إلى أوان الجذاذ فان كان مما يقطع بسرا كالبسر الحيسواني والقرشي لم يكلف قطعه إلى أن يصيرا بسرا وان كان مما لا يقطع الا رطبا لم

(11/400)


يكلف قعطه إلى أن يصير رطبا لان نقل المبيع على حسب العادة ولهذا إذا اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح وان اشتراه في المطر لم يكلف نقله حتى يسكن المطر والعادة في قطع الثمار ما ذكرناه فلا يكلف القطع قبله.
(الشَّرْحُ) الْأَصْلُ الْمُرَادُ بِهِ الشَّجَرَةُ وَالْجِذَاذُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَأَوَانُ الْجِذَاذِ بِكَسْرِ الْجِيمِ زَمَانُ صَرْمِ النَّخِيلِ إذَا يَبِسَ ثَمَرُهَا وَالْجِذَاذُ الْقَطْعُ يُقَال الْجِذَاذُ وَالصِّرَامُ فِي النخل القطاف فِي الْكَرْمِ وَاللُّقَاطُ فِيمَا يَتَنَاثَرُ كَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَغَيْرِهِ فَيُلْتَقَطُ وَالْجِيسْوَانُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَاءٌ تَحْتَهَا نقطنان وَآخِرُهُ نُونٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَابْنُ التُّودِيِّ جِنْسٌ مِنْ الْبُسْرِ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقُرَشِ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ هُوَ الْأَحْمَرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بُسْرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اشْتَرَى نَخْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ كُرْسُفًا وَعَلَيْهِ قُطْنٌ لِلْبَائِعِ أَوْ شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ أَوْ وَرْدًا أَوْ رَدَّ لِلْبَائِعِ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ وَالْوِرْدِ وَالزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَالْحَصَادِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ تَبْقِيَتُهَا فَإِنْ كَانَ غَيْبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَسْوَدَّ وَتَدُورَ الْحَلَاوَةُ فِيهِ وَيُقْطَعُ فِي الْعَادَةِ (فَأَمَّا) إذَا عَقَدَ وَحَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حَلَاوَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَرْطُبَ وَيَتَكَامَلَ نُضْجُهُ ثُمَّ يُقْطَعَ وَإِنْ كَانَ بُسْرًا فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ بُسْرًا طُولِبَ بِقَطْعِهِ بُسْرًا بَعْدَ نُضْجِهِ وَاسْتِكْمَالِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ
أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ حَتَّى يَتَكَامَلَ ويستحكم لكون ذلك اصلح له فيأخذه شيا فشيا كَمَا إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ هِيَ أحرز لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي السَّقْيُ لِأَجْلِ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَالْبَائِعُ يَسْقِي وَحُكْمُ جَمِيعِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخِيلِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله في الكافي وكذلك الورد يعني بترك إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَوَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الْقَطْعُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّبْقِيَةُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي الْحَالِ.
دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ فَاسْتَحَقَّهَا الشَّفِيعُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الزَّرْعِ وَنَقْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَادَةِ فِي نَقْلِهِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِمَنْ جَذَّ ثَمَرَةً وَتَرَكَهَا فِي الْأَرْضِ تُشَمِّسُهَا ثُمَّ بَاعَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا قَبْلَ جَفَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ العادة نقلها بعد جفافها (قلنا) لاعادة لذلك

(11/401)


فِي أَرْضٍ بِعَيْنِهَا بَلْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الزَّرْعِ لَا يَجِبُ نَقْلُهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ حَصَدَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَ نَقْلُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَبِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِنَّ إبْقَاءَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتِفَاعٌ بِالنَّخْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا مَمْلُوءَةً طَعَامًا إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ نَقْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْآنَ كُلَّ حَمَّالٍ فِي الْبَلَدِ وَيَنْقُلَ الطَّعَامَ عَنْهَا وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ انْتِفَاعًا بِالنَّخْلِ وان يُشْبِهُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ أَمَّا مَا وَقَعَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عُرْفًا فَلَا بِدَلِيلِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ إذا بقيت الثمرة للبائع بالتأبير اما إذ صَارَتْ لَهُ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا شَرَطْنَا الْقَطْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ وَأَيَّدَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْطِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِهِ بِالشَّرْعِ وَهَذَا التَّأْيِيدُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا إنَّمَا اقْتَضَى بَقَاءَ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى الْبِنَاءَ الَّذِي فِيهَا كَانَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِالشَّرْعِ وَلَا نَقُولُ إنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أُصُولٌ لَا تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَأُصُولِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لم يلزمه نقلها لانه لاضرر عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ وَالْقُطْنِ لَزِمَهُ نَقْلُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا نَقَلَهَا فَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِنَقْلِهَا حُفَرٌ لَزِمَهُ تَسْوِيَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ فَنَقَلَهَا وَيُخَالِفُ مَنْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ دَارًا ثُمَّ كَبِرَ الْفَصِيلُ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الْبَابِ لَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ حَبٌّ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِأَنْ يوسع الباب بنقض شئ مِنْ الْحَائِطِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ هَهُنَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا قُمَاشٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِنَقْضِ الْبَابِ

(11/402)


وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ وُجُوبَ إعَادَةِ الْجِدَارِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ مِلْكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَاحْتِيجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى من يتخلص ملكه مثل مسألة الزرع والحب والخابية والصدوق فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى حَبٍّ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ أَوْ عَلَى عِجْلٍ صَغِيرٍ فَكَبِرَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا بِهَدْمِ الْبَابِ فَإِنَّ الْبَابَ يُهْدَمُ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ بِنَاؤُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا هَرَبَتْ دَابَّتُهُ فَدَخَلَتْ دَارَ رَجُلٍ ولا يمكن إخراجها إلا بنقض شئ من الدار يغرم النقص صاحب الدابة قاله الرُّويَانِيُّ وَإِذَا وَقَعَ دِينَارٌ فِي مَحْبَرَةٍ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ وَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى صَاحِبِ الدِّينَارِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَنْمُو فَهَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَبْقِيَتِهَا أَمْ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَى قَطْعِهَا.
قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ شَيْئًا مِنْهُمَا وَقَالَ ابن الرافعة إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ قَوْلُ الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ انْكَشَفَ الْحَالُ عَمَّا لَوْ قَارَنَ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّجَرَ بَعْدَ حُصُولِ الْآفَةِ بِالثِّمَارِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ قَالَ
لَكِنَّ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ على خلافه ولو انقطع الماء فلا شئ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى.
(فرع)
لايمنع الْبَائِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَائِطِ لِلسَّقْيِ فَإِنْ لم يأمنه المشترى يصنب الْحَاكِمُ أَمِينًا يَسْقِيهَا وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْبَائِعِ.
قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَكَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَصِيرُ مُسَلَّمَةً حَتَّى تُفَرَّغَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَالَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ لَا يَجْرِي تَفْرِيغُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الشَّطَّ وَمُرَادُهُ بِهَذَا أَنَّ التَّسْلِيمَ يَكُونُ عَلَى الْعَادَةِ.
(فَرْعٌ)
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فِي مُدَّةِ إقَامَةِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فِي تلك المدة فلا يستحق لما أُجْرَةً.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ النَّخْلَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى فِي بَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً بِشَرْطِ قَطْعِ الزَّرْعِ

(11/403)


تَرَدُّدًا فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجِبُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ طَرْدُ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيصَ مَالِيَّتِهَا لَمْ يَبْعُدْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(فَإِنْ أَصَابَ النخل عطش وخاف أن تشرب الثمرة الماء من أصل النخل فيهلك ففيه قولان
(أحدهما)
لا يكلف البائع قطع الثمرة لان المشترى دخل في العقد على أن يترك الثمار إلى الجذاذ فلزمه تركه (والثاني) أنه يكلف قطعه لان المشترى إنما رضى بذلك إذا لم يضر به فإذا أضر به لم يلزمه تركه فان احتاج أحدهما إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أن يسقيه لان اصلاح لما له من غير اضرار باحد فجاز وان كان على الآخر ضرر في السقي وتشاحا ففيه وجهان.
قال أبو إسحق يفسخ العقد لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر في الاضرار فوجب أن يفسخ.
وقال أبو على بن أبي هريرة يجبر الممتنع منهما لانه حين دخل في العقد رضى بدخول الضرر عليه لانه يعلم أنه لابد من السقى ويجب أجرة السقى على من يسقى لان منفعته تحصل له) .
(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَمِنْ ضَرُورَةِ
ذَلِكَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ سَقْيِهَا فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ وَقَدْ لَا يَسْقِي الْبَائِعُ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي الضَّرَرُ وَقَدْ يَحْصُلُ الضَّرَرُ مِنْ السَّقْيِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا عَطِشَتْ النخل وكان قد باعها وهى مؤبرة وبقينا الثِّمَارَ لِلْبَائِعِ فَعَطِشَتْ النَّخِيلُ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ يتمكن من سقيها وكان تركها عل الْأُصُولِ يَضُرُّ بِالْأُصُولِ وَلَا يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ فَإِنْ كان الضرر ويسيرا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره ونص عليه الشافعي فرضى اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْأُصُولِ الْجَفَافُ أَوْ نُقْصَانُ حَمْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَحَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَفِيهَا قَوْلَانِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِجْبَارِ وَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ إلَى آخِرِهِ تَأَمُّلًا كَثِيرًا فَلَمْ أَفْهَمْ الثَّانِيَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ إمَّا لِوُضُوحِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ (وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْإِجْبَارِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ ضَرَرَ الْأُصُولِ أَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ

(11/404)


مَسْأَلَةَ السَّقْيِ وَقَسَّمَهَا تَقْسِيمًا حَسَنًا وَهِيَ أَنَّ السَّقْيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مُتَعَذِّرًا فَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فَإِمَّا لِإِعْوَازِ الْمَاءِ أَوْ لِفَسَادِ آلَتِهِ فَإِنْ كَانَ لِإِعْوَازِ الْمَاءِ سَقَطَ حُكْمُ السَّقْيِ ثُمَّ نَزَّلَ الثَّمَرَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا فَقَطْعُ الثَّمَرَةِ وَاجِبٌ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ إجْبَارُهُ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَضَرَّةٌ لِلنَّخْلِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لَهُ (الثاني) أَنْ لَا يَضُرَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ تَرْكُ الثَّمَرَةِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَضُرَّ بِالثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ الْمُثْمِرَةِ فَالْخِيَارُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَضُرَّ بِالنَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ فَقَوْلَانِ وَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَإِنْ كَانَ تَعَذُّرُ السَّقْيِ لِفَسَادِ الْآلَةِ أَوْ الْمَجَارِي أَوْ طَمِّ الْآبَارِ فَأَيُّهُمَا لَحِقَهُ بِتَأْخِيرِ السَّقْيِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُ إصْلَاحُ مَا يُوصِلُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِالنَّخْلِ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي النَّخْلِ أَنْ يُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَخْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الثَّمَرَةِ عَلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالثَّمَرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ يَقْطَعُهَا وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهِمَا جَمِيعًا لَزِمَ صَاحِبَ الثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ (وَأَمَّا) إنْ كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لَهُمَا (وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لِأَحَدِهِمَا
دُونَ الْآخَرِ ونذكر ذَلِكَ مُفَصَّلًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا صُورَتَانِ (احدهما) أن يكون المحتاج البائع (الثانية) أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَاجُ الْمُشْتَرِيَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ لَهُ نَفْعٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ ذَكَرَا مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَفْعٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السَّقْيِ عَلَى السَّقْيِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُمَكِّنَهُ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا فِيهِ من صلاح ثمرته وان كان لنخل المتشرى فِيهِ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ السَّقْيِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ لَمْ يُجْبَرْ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَرَدْتَ سَقْيَ نَخْلِكَ فَاسْقِهِ وَلَا نُجْبِرَك عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ واحد لا يختلف وانما يختلف التصوير فيجئ صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثًا أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَائِعُ وَلَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَا جَمِيعًا وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَطْلَقُوهَا أَمَّا إذَا كَانَ السَّقْيُ نَافِعًا لَهُمَا وَكَانَ تَرْكُهُ ضَارًّا بالمشترى

(11/405)


لِامْتِصَاصِ الثِّمَارِ رُطُوبَةَ الْأَشْجَارِ وَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي حَالِ إمْكَانِ السَّقْيِ بِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْقِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ الثِّمَارَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا وَجَعَلَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَ الثَّمَرَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَفَعُ بِالتَّبْقِيَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لَا يترك مجهودا يقدر عليه فإذا انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَحَقُّ التَّبْقِيَةِ قائم له وهذا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ يَجِبُ تَنْزِيلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَاعَى جَانِبُ الْبَائِعِ أَوْ جَانِبُ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِاسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ يَعْنِي كَمَا يقوله أبو إسحق فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ كما سيأتي قال ولابد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ مُوجَبُ اسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ وَهَذَا مُرَادُ الرُّويَانِيِّ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَنْفَعُهُمَا فَأَيَّهُمَا طَلَبَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ
مِنْ الامتناع فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْ أُجْبِرَ عَلَى التمكين منه لاعلى أَنْ يَسْقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّقْيِ وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ ضرر وفيها صورتان (أحداهما) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالنَّخْلِ وَيَنْفَعُ الثَّمَرَةَ فاراد البائع السقى فوجهان قال أبو إسحق يقال للشمترى اسْمَحْ لِلْبَائِعِ بِالسَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِلَّا قُلْنَا لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ السَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ثَالِثًا بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ أُلْزِمَ تَسْلِيمَ الشَّجَرَةِ عَلَى كَمَالِهَا قَالَ وحقيقة الاوجه تؤول إلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْبَائِعِ وَأَبُو إسحق لَا يُقَدِّمُ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَيَنْفَعُ الشجرة فاراد المشترى السقي قال أبو إسحق يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ فِي أَنْ يَسْقِيَ الْمُشْتَرِي فان سمح فذاك والا قلنا لِلْمُشْتَرِي اسْمَحْ فِي تَرْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ بَيِّنًا لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى السَّقْيِ أَوْ تَرْكِهِ جَازَ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخُصُّ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ يَسْقِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مُرَادُهُ بِمَنْ يَسْقِي الْبَائِعُ

(11/406)


فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى مَنْ يَسْقِي كَلَامًا مُبْتَدَأً غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَيْثُ أَوْجَبْنَا السَّقْيَ فهو على من ينتفع له لاكمن بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَسْقِي وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا إذَا سَقَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي يَسْقِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الْمُطَالَبُ الَّذِي أَجْبَرْنَا الْمُمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ إجْبَارُهُ عَلَى تَمْكِينِ الْآخَرِ مِنْ السَّقْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّقْيِ تَحْصُلُ لَهُ تَعْلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ إنَّ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ مَنْعَهُ فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ فَسْخُ الْبَيْعِ فَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ قَالَ وَبِذَلِكَ يَكْمُلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ
(وَرَابِعُهَا) الْأَمْرُ كذلك إلا أن المتولي الفسخ الْبَائِعُ إنْ أَرَادَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الضَّرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ فَهُوَ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ (أَمَّا) النَّخْلُ فَيَنْفَعُهُ السَّقْيُ أَبَدًا فَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرَةِ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كُنْتُ أَسْتَحِقُّهُ لِسَقْيِ ثَمَرَتِي فَأَسْقِيَ بِهِ غَيْرَهَا مِنْ الثِّمَارِ أَوْ الزُّرُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهَكَذَا لَوْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ وَقْتِ جِذَاذِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَقَدْ كَمَلَتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي فِي أَحْوَالِ السَّقْيِ سِتًّا شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَمْسًا وَتَرَكَ وَاحِدَةً وَمَسَائِلُ تَرْكِ السَّقْيِ سَبْعًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاحِدَةً وَتَرَكَ سِتًّا وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَلَّا قُلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّقْيُ عَلَى الْمُشْتَرِي (1) صَاحِبُ الشَّجَرَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً منفردة على الاصل بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ كَامِلَةً وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ النَّخْلِ وَقَدْ سَلَّمَهَا وَلَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ بِخِلَافِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ بِإِجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْ فِي حَالِ انْتِفَاعِ الثمرة بالسقى.

(11/407)


(فَرْعٌ)
حَيْثُ جَعَلْنَا لِلْبَائِعِ السَّقْيَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْقَدْرَ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ النَّخْلِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ يَحْصُلُ بِالرَّيِّ الْمُفْرِطِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ وَقَالَ الْبَائِعُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ فَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ السَّقْيِ بَلْ تُسَلَّمُ الثَّمَرَةُ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ سُقِيَتْ لَظَهَرَتْ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَالشَّجَرُ يَتَضَرَّرُ بِهَا قَالَ الْإِمَامُ فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُمْنَعُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الزِّيَادَاتِ لَا تَنْضَبِطُ فَالْمَرْعِيُّ الِاقْتِصَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يقال له أَنْ يَسْقِيَ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُرَاعِي جَانِبَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ المتقدم عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ أَحَدَهُمَا فِعْلُهُ
وَيَضُرُّ الْآخَرَ تَرْكُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَعَارَضْ ضَرَرَانِ وَإِنَّمَا ضَرَرٌ وَزِيَادَةُ نَفْعٍ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ اجْتِنَابِ الضَّرَرِ وَمَنْعُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالَ الْإِمَامِ مَتَى كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِوَاحِدٍ وَتَرْكُهُ يَمْنَعُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَعَكْسَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِتَقَابُلِ الضَّرَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَجْهَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ على أحد الاحتمالين بأتي الخلاف السابق بين أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ السَّقْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هَلْ مَحِلُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُطْلَقًا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَجَزَمَ فِي حَالَةِ الْإِمْكَانِ بِوُجُوبِ السَّقْيِ أَوْ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّهُ فِي حَالَةِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَامَكَانِ غَيْرِهِ وَرَأَى ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذَلِكَ تَنْزِيلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَةِ إمْكَانِ السَّقْيِ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَتَنْزِيلَ الْجَزْمِ بِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إمْكَانِ السَّقْيِ الْقَطْعُ عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالسَّقْيِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّقْيُ بِحَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ تَعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَطْعِ لانه لامسقط له ولاجرم كَانَ هُوَ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ

(11/408)


فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ نَفْعٌ فِي تَرْكِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الْقَطْعُ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.
(فَرْعٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ السَّقْيُ بِالْمَاءِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْقِي مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ كَانَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ مِنْ بِئْرٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَهَا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اُغْتُفِرَ بخلاف مالو شَرَطَ لِنَفْسِهِ انْتِفَاعًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ السَّقْيِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ وَشَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ شَرْطَهُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِنَفْسِهِ يُصَيِّرُهَا بِمَنْزِلَةِ
الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وجوب السقى بالشرع ووجوب الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ كَوْنِ السَّقْيِ وَاجِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي يُسْتَفَادُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى من يسقي ولم يقل وتجب مُؤْنَةُ السَّقْيِ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْقِي بِهَا الْأُجْرَةُ فِي نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الآلات التى يستقى بها المشترى وانما يلزم بالتمكين مِنْ الْمَاءِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَمَّا الْأَرْجَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ قَوْلَ الفسخ كما هو قول أبى اسحق وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ فَهَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُوَافِقٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَكْسِهَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَقُولُ بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الوجيز.
قال المصنف رحمه الله.
(لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها وروى ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهى والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح والعادة في الثمار تركها

(11/409)


إلى أوان الجذاذ فإذا باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وان باعها بشرط القطع جاز لانه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن الغرر وإن باع الثمرة مع الاصل والزرع مع الارض قبل بدو الصلاح جاز لان حكم الغرر يسقط مع الاصل كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مع الاصل وان باع الثمرة ممن يملك الاصل أو الزرع ممن يملك الارض ففيه وجهان أحدهما يصح لانه يحصل لمالك الاصل فجاز كما لو باعها مع الشجر والارض والثاني لا يصح لانه افرده بالبيع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع فاشبه إذا باعها من غير مالك الاصل) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْأَوَّلُ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ الثَّمَرَةُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) زَادَ مُسْلِمٌ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَلِكَ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ (وَمِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْنَا لانس مازهوها قَالَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ قَالَ أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ الله الثمرة بم يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ كَثُرَ الزَّهْوُ فِي الْحَدِيثِ يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ يَزْهُوَ وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُزْهِي وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ اللُّغَتَيْنِ قَدْ جَاءَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ زَهَا النَّخْلُ إذَا طَالَ واكتهل وهذا القول مخلف لما جاء في الحديث من تقسير أَنَسٍ الْعَارِفِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ) وَالزَّهْوُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَذَكَرَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ الزَّايَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ بِالثَّمَرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ يَبْدُوَ أَيْ يَظْهَرَ يُقَالُ بَدَا يَبْدُو مِثْلَ دَعَا يَدْعُو فَأَمَّا بَدَأَ يَبْدَأُ بِالْهَمْزِ فَمِنْ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى يُشْقَحَ قِيلَ وَمَا يُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ ويؤكل منها) رواه البخاري

(11/410)


مسلم رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ يُشْقَحُ بِضَمِّ الْيَاءِ المثناة من تحت واسكان الشين المعجة وَبَعْدَ الْقَافِ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ يُقَالُ أَشْقَحَ وَشَقِحَ وَرُوِيَ يُشْقَهُ بِإِبْدَالِ الْحَاءِ هَاءً وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَالْإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُطْعَمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَطِيبَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع النخل يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ قَالَ فَقُلْتُ مَا يُوزَنُ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَبُّ الطَّعَامُ وَاشْتِدَادُهُ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَلْفَاظُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا مُتَّفِقَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ مَا سَمِعَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَفْظًا فِي وَقْتٍ وَنَقَلَهُ الرُّوَاةُ بِالْمَعْنَى وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إنَّهُ أَصَابَ الثمر الذمان أصابه مراص أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ (إمَّا لَا فَلَا تبايعوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الذَّمَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ وتخفيف الميم عفن يصيب النخل فيسود فينشق أول ما يبدو فيها مِنْ عَفَنٍ وَسَوَادٍ وَالْمُرَاضُ بِضَمِّ الْمِيمِ دَاءٌ يقع في المثرة فَتَهْلِكُ وَالْقُشَامُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ يُنْتَقَصَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ بَلَحًا (وَقَوْلُهُ) إمَّا لَا أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا فَلْيَكُنْ هَذَا وَأَصْلُهَا إنْ الشَّرْطِيَّةُ زِيدَتْ عليها ما وأدغمت فيها وأذخلت عَلَى لَا النَّافِيَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَدِيثَ زيد هذا يدل على أن النَّهْيَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا لَا وَلِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يدل على أنه ليس بمحتم وَالتَّمَسُّكُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَيْسَ بالقوى فان كل أوامره صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ لِمَصَالِحِهِمْ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَأَمَّا التمسك بقوله اما لا فلانه يقتضى أَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ الَّذِي نقدره محذوفا والذي نقدره محذوفا وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ

(11/411)


إن لا ترجعوا عَنْ الْخُصُومَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ رُجُوعَهُمْ عَنْ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا على ذلك فالمراد والله أعلم أنه أَنْشَأَ النَّهْيَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى إذْ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ حَتْمٌ قَوْلُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ القشيرى أكثر الامة على أن هذا النَّهْيَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ بأخذ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ والدراوردي وَخَالَفَهُمَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ فَجَعَلَاهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ وَإِتْقَانُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضَبْطُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكون أَنَسٌ قَالَهُ مِنْ كَلَامِهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيَثْبُتُ كَوْنُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ شَارِحِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْفَرَدَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَعَ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ كَمَا رَأَيْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَيْعُ الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أقسام وهذ التَّقْسِيمُ أَحْسَنُ وَإِنْ شِئْتَ تَقُولُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِالْقَطْعِ يَزُولُ الْمَحْذُورُ مِنْ الْآفَةِ وَالْعَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ في كتابه المحكى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مَنْعَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ جَوَازَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ

(11/412)


الَّتِي تُقْطَعُ لِآفَةٍ تَأَتِّي عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونَ فِيهَا الْآفَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا هَذِهِ العلة فمنصوصة ولاشك أن استفادة التعليل منه هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى دَرَجَاتِ الْإِيمَاءِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَدِلَّةِ الْعِلَّةِ وَلَعَلَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ
اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ لَكِنْ فِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا يَعْنِي أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ تَأْمَنُ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْجَوَائِحِ غَالِبًا لِكِبَرِهَا وَغِلَظِ نَوَاهَا وَقَبْلَ الصَّلَاحِ تُسْرِعُ إلَيْهَا الْعَاهَاتُ لِضَعْفِهَا فَإِذَا تَلِفَتْ لم يبق شئ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ عُرِفَ أَنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْحِصْرِمُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَقِيلَ مَعْنًى آخَرُ ضَعِيفٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ أَنَّهَا قَبْلَ بدو الصلاح (1) أجزائها كِبَرًا ظَاهِرًا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَوْ سَمَحَ الْبَائِعُ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى المشترى بترك الثمرة إلى بد والصلاح جاز لو طَالَبَهُ بِالْقَطْعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَتَعُودُ الثَّمَرَةُ إلَى الْبَائِعِ وَقَدْ يَقْوَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِأَخْذِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ أَنْ يَتْلَفَ فَمَتَى لَمْ يُؤْخَذْ وَإِنْ كَانَ بِتَرَاضِيهِمَا فَالْغَرَرُ بَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ وَطَرِيقُ الِانْفِصَالِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْمَحْذُورَ آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَأْمُونٌ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا التَّسْلِيمُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهَا وَحَصَلَتْ آفَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ التَّبْقِيَةَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ المستحق بالعقد هو وقت الجذاذ فالآفة الحاصلة قَبْلَهُ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى ابن أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَانِيُّ التَّابِعِيُّ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مكانه فان عفل عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
__________
(1) بياض بالاصل

(11/413)


(فَرْعٌ)
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كالحصرم واللوز والبلح والمشمش فاما مالا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْجَوْزِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ
أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فَرَّعَ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(فَرْعٌ)
التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا هُوَ تَسْلِيمُ الثِّمَارِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى المشترى اولا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَطْعِهَا هَلْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ للاحاديث وبه قال مالك وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ البيع جائز صحيح ويؤخذ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ لِأَنَّ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ التَّسْلِيمَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَالتَّسْلِيمُ لايتم إلَّا بِالْقَطْعِ وَعِنْدَنَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ فَنَحْنُ نُخَالِفُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التبقية لابعد الصَّلَاحِ وَلَا قَبْلَهُ وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِمَا والاطلاق كشرط القذع وَنَحْنُ نَقُولُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ وبشرط التبقية يصح بعده ولا يصح وَالْإِطْلَاقُ كَشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَمْلَ الْعَقْدِ على الصحة اولى فينبغي ان تَنْزِيلُهُ عَلَى الْقَطْعِ لِيَصِحَّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا وَعَلَى مَا شُرِطَ قَطْعُهَا وَعَلَى رَهْنِهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا فلا يكون تنزيلا على شرط التبقية لا طلاقه وَلَا عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَصْمِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَأَيْضًا أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْبَيْعِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ دُونَ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ النَّهْيُ بِالْعُرْفِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُؤْخَذَ وَقْتَ الْجِذَاذِ فَصَارَ الْمُطْلَقُ كَالْمَشْرُوطِ التَّبْقِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ فِي كُلِّ شئ بِحَسَبِهِ وَلَيْسَ التَّسْلِيمُ بِالْقَطْعِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَقْدِ وَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ يُقَيِّدُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَيْدُ إمَّا فِي التَّصْحِيحِ وَإِمَّا فِي الْإِفْسَادِ

(11/414)


وَلَيْسَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي التَّصْحِيحِ وَلَا فِي الْإِفْسَادِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَيْدِ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّصَّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ يُخَامِرُ الْعَاهَةَ وَالْقِيَاسُ
عَلَى الْمَشْرُوطِ الْقَطْعُ مَرْدُودٌ بِتَقْدِيرِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الرَّهْنِ فَجَوَابُهُ أَنَّ لَنَا فِي رَهْنِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَوْلَيْنِ فان جوزنا فلان الرهن والهبة والوصية لاضرر في عقدها قبل بدو الصلاح لانه لاعوض فِي مُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ ضَاعَ الثَّمَنُ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ راوية زيد ابن ثَابِتٍ وَقَوْلِهِ إنَّ النَّهْيَ كَانَ كَالْمَشُورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي مَرْجُوعٌ إلَيْهِ إذَا احْتَمَلَ الْخَبَرُ أَمْرَيْنِ وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كتفسير التفرق في خيار المتبايعين وكقوله إلاها وَهَا تَفْسِيرُ عُمَرَ لَهُ (أَمَّا) فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ فَلَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ ظَاهِرَ راوية زَيْدٍ وَقَوْلِهِ إنَّهُ حَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَلَا يُقَالُ وقت التقاضى بعد مدة إذَا كَانَ مَشْرُوطًا وَهَذَا الظَّاهِرُ مَشْرُوطٌ بِالْإِجْمَاعِ لانه متى شرط التبقية بطل ثم لاوجة لِتَمَسُّكِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ شَرْطَ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا يَمْنَعُونَهُ قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَحَمَلَ الْغَزَالِيُّ فِي التَّحْصِينِ الْمَشُورَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ وَنَجَاتِهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالزَّهْوِ فَلَمَّا عَرَفَ الْعِلَّةَ بِالْمَشُورَةِ أَثْبَتَ حُكْمَ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ لِلسَّائِلِ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَالَةَ الِاحْتِيَاجِ قَالَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْمَالِ مَعَ تَوَقُّعِ الْهَلَاكِ على قُرْبٍ (قُلْتُ) وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يُرَجِّحُ تَأْوِيلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَمْوَالِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الْأَحْمَرَ مِنْ الْأَصْفَرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِأَنَّهَا الْمُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ فِي البلاد الشديدة الْبَرْدِ كَرْمٌ لَا تَنْتَهِي ثِمَارُهَا إلَى الْحَلَاوَةِ وَاعْتَادَ أَهْلُهَا قَطْعَ الْحِصْرِمِ فَفِي بَيْعِهَا وَجْهَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الْخَاصَّةِ مَنْزِلَةَ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ الْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ وَامْتَنَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا تَوَاطُؤَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِمَثَابَةِ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ يجرى فيما

(11/415)


إذَا جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِانْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْقَفَّالُ يَرَى اطِّرَادَ الْعَادَةِ فِيهِ كَشَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ
الرَّهْنُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إلْغَاءُ صَرِيحِ اللُّغَةِ الثَّابِتَةِ فَقَدْ لَا يُحْتَمَلُ وَمِنْ نَظَائِرِ ذلك ما إذا جَرَتْ عَادَةُ شَخْصٍ بِأَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا اسْتَقْرَضَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ إقْرَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَهَذِهِ مَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَأْخَذِ وَالْمُخَالِفُ فِي بَعْضِهَا لعله يخلف فِي الْبَاقِي وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ فِي نَقْلِ مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ على الْقَفَّالِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الْحِصْرِمِ عَنْ الْقَفَّالِ (فَإِمَّا) لِنِسْبَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَيْهِ (وَإِمَّا) لِنَقْلٍ خَاصٍّ عِنْدَهُ وَفِي الْوَسِيطِ نَسَبَهُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْقَفَّالِ ونسبه إلى ابْنُ أَبِي الدَّمِ إلَى الْخَلَلِ وَالتَّهَافُتِ (أَمَّا) الْخَلَلُ فَلِمَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) التَّهَافُتُ فَفِي قَوْلِهِ الْمَنْعُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ مَنْ أَبْطَلَ فِي مسألة الحصرم وخالف من صحيح فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ لِأَنَّ الْقَفَّالَ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَحْدَهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي إلى الحلاوة فقد يحتمل ذلك حالة كما له حَتَّى لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِقَطْعِ الْعِنَبِ الَّذِي يجئ مِنْهُ عِنَبٌ حِصْرِمٌ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّاقِلِينَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَإِنَّمَا فَرَضْنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَادُ قَطْعُهُ حِصْرِمًا (أَمَّا) أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَمَنْعُ الْقَفَّالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَنْعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَنْعِ وُجُوبِ التَّبْقِيَةِ فِي الْحِصْرِمِ وَحَمْلِ الْحِصْرِمِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إنَّ الْحِصْرِمَ أَوَّلُ الْعِنَبِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الثَّمَرَةِ الَّتِي نِهَايَتُهَا عِنَبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا أُمُورًا أَرْبَعَةً يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا (أَحَدُهَا) الْعُرْفُ (وَالثَّانِي) الْعَادَةُ وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ وَالْعُرْفُ غَيْرُ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْفِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ مِنْ لَفْظٍ إلَى مَعْنًى مِنْ اللَّفْظِ كَمَا تَقُولُ الدَّابَّةُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْجَوْهَرُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ مَأْلُوفٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مُتَغَايِرَانِ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ وَقَدْ تُجْعَلُ الْعَادَةُ أَعَمُّ وَتُقْسَمُ إلَى عَادَةٍ قَوْلِيَّةٍ وَهِيَ مَا سَمَّيْنَاهُ بِالْعُرْفِ وَعَادَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَهِيَ مُقَابِلُهُ وَقَدْ يُطْلَقُ الْعُرْفُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ

(11/416)


(أَحَدُهُمَا)
الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُطْلَقُ فِي الْعُقُودِ وَفِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِهَا وَتَفْسِيرِ مُجْمَلِهَا (وَالثَّانِي) مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُجْعَلُ كَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَهَذَانِ أَمْرَانِ مُغَايِرَانِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى تَنْزِيلِ لَفْظٍ مُطْلَقٍ جَرَى فِي الْعَقْدِ عَلَى مَعْنًى كَحَمْلِ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمُتَعَارَفِ فِي الْبَلَدِ وَحَمْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى السَّلِيمِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْمَعِيبِ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى تقدير شرط مضموم إلَى الْعَقْدِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْعَامِّ لاشك فِيهِ فِي تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي دَابَّةً لَمْ يَشْتَرِ إلَّا ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ أَلْفَيْنِ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ (وَأَمَّا) الْعَوَائِدُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَإِنْ عَمَّتْ وَاطَّرَدَتْ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اعْتِمَادِهَا وَذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً (مِنْهَا) تَنْزِيلُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْعُقُودِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَهَذَا إنْ قَدَّمْتُهُ فِي قِسْمِ الْعُرْفِ فان هذه العادة أوجب اطاردها فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَلِكَ النَّقْدَ مِنْ اللَّفْظِ فَالرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْعَادَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّا لَا نُخْرِجُ الْمُتَكَارِسَ إلَى ذِكْرِ الْمَنَازِلِ وَتَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَهَذَا مِثَالٌ صَحِيحٌ وَهِيَ مِنْ قِسْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مَضْمُومٍ إلَى الْعَقْدِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقُودِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَالتَّسْلِيمِ وَالْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ كَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُكْرَاةِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُطْوَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْإِكَافِ وَالثَّفْرُ وَاللِّجَامِ وَجَمِيعِ الادوات عند استئجار الدابة وضابطه لما غَلَبَ عَلَى وَجْهٍ يَسْبِقُ مُقْتَضَاهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْفَهْمِ سَبَقَ الْمَنْطُوقَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ التَّعَرُّضُ لَهُ مُسْتَقْصِيًا مُشْتَغِلًا بِمَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عُرْفًا لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَارَ فِي الْعُرْفِ لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ فَالْتَحَقَ بِالْعَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَكُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْحُكْمُ وَمُضْمَرُهُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَكُلُّ مَا يَتَعَارَضُ لِلظُّنُونِ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ يَعْنِي ما تتعارض الظنون في اطراده واما مالا يَطَّرِدُ جَزْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعَادَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُخَصِّصُ عاما ولا تفيد مُطْلَقًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْكَتَّانِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا الْقَمْحَ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا الْحَرِيرَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَنَاقِلٌ لِلَّفْظِ وَالْفِعْلُ لَا يُنْقَلُ وَلَا ينسخ

(11/417)


وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ فِي ذلك صحيح وَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرُ مُعَارِضٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَشَارَ الْإِمَامُ أَيْضًا إلَى تَخْرِيجِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْعِنَبِ حِصْرِمًا عَلَى خِلَافِ الاصحاب في أن الشئ النَّادِرَ إذَا اطَّرَدَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي بَعْضِ الْأَصْقَاعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْعَامِّ فَيُعْفَى عَنْهُ وَقَطْفُ الْعِنَبِ حِصْرِمًا فِي غَايَةِ النُّدُورِ فَإِنْ فرط اطِّرَادُ عَادَةِ بُقْعَةٍ بِهِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ النُّدُورِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صلاحها على شجرة مقلوعة
* قال الروياني لانص فِيهِ (قَالَ) وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا مِنْ دُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَأْخُذُ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ لَوْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَضْعَفْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْعَاهَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهَا فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا عَلَى الشَّجَرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَلَّلَهُ بان العقد يحمل على العادة فِيهِ الْقَطْعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَشْجَارِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَقَطَعَ مِنْهَا شيئا قال الشافعي فيما نقله أحمد ابن بُشْرَى مِنْ نُصُوصِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ رده ولا أعلم له مِثْلًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيمَتُهُ (قُلْتُ) وَمِنْ هُنَا أُسْنِدَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهُ يضمن بالقيمة واطلاق صاحب التنبيه يقتضيه فهذا النَّصِّ اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَلِلْبَائِعِ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَطْعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لايجاب إلَى ذَلِكَ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِهَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ رَوَاهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ وَهُوَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَلْيَكُنْ الْبُطْلَانُ إنْ قِيلَ بِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ يَجِبُ قَطْعُهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ

(11/418)


وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الثِّمَارِ مَشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا في ذلك من تعيير عَيْنِ الْمَبِيعِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مَعَ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مَعَ الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لَهَا حصة من الثمن ولم يجيزوها عَلَى الِانْفِرَادِ (قِيلَ) بِمَا وَصَفْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالسُّنَّةِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لان أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا ومسيل مأنها وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ولو بيع شئ مِنْ هَذَا عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يُبَاعُ بِجُمْلَةِ جَوَارِحِهِ وَلَوْ أُفْرِدَ بَعْضُهَا لَمْ يَجُزْ فَوَافَقَ فِي هَذَا وَخَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ جَوَارِحِهِ مَعَ الْقَطْعِ أَيْضًا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَعْنِي فِي الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ شَرْطًا لَقَالَ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ الْقَطْعَ وَفِيهِ مَعْنًى وَهُوَ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ فَعُفِيَ عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَأَسَاسَاتِ الدَّارِ وَأُصُولِ الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْآبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ عَنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْحَمْلِ وَكَأَنَّهُ لَحَظَ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَبِيعِ حَقِيقَةً وَالثَّمَرَةُ وَالْحَمْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِجُزْءٍ حَقِيقِيٍّ فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ أَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا بِيعَتْ الْأُمُّ وَدَخَلَ الْحَمْلُ تَبَعًا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَسْأَلَتِنَا هُنَا فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الصِّحَّةُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ أَنَّ قَوْلَ الصِّحَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَمْلِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ

(11/419)


قِسْطٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهَا عَلَى الْأَسَاسِ فَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَسَاسِهَا لَكِنَّهُمْ أَجْرَوْا خِلَافًا فِي بَيْعِ الْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا فَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَطَرِيقَةٌ مُجْرِيَةٌ لِلْخِلَافِ فَهَلَّا جَرَى فِي الثَّمَرَةِ مِثْلُ هَاتَيْنِ الطَّرِيقِينَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَأْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ وَحَمْلِهَا وَالْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَشْوِ يَمْتَنِعُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَالثَّمَرَةُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَمَا تُبَاعُ وَحْدَهَا إيجَابُهُ إذَا بِيعَتْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ في مسألة الحمل الجبة الْقَوْلُ بِهِ هُنَا (قُلْتُ) يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع فَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا يَصِحُّ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ فِيهَا مُطْلَقًا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ صَارَتْ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَقْصُودًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْحَمْلِ وَكَيْفَمَا قَدَرَ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا (وَالْمَشْهُورُ) خِلَافُهُ فَكَيْفَ سَاغَ لِلْمُصَنَّفِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ بَيْعَ الْأُمِّ وَحَمْلَهَا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْمُصَنِّفُ فَلَعَلَّهُ يَرَى الصِّحَّةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ قَالَ إنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَالْجُبَّةِ وَقُطْنِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَشْوَ قُطْنٌ وَقَالَ إنَّ مَسْأَلَةَ الْحَمْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا يَعْنِي إنْ قُلْنَا لَهُ قِسْطٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَيَتَّفِقُ وُجُودُهُ وَاسْتَشْهَدَ لِلصِّحَّةِ فِي بيع الشاة ولبها بِبَيْعِ الدَّارِ وَحُقُوقِهَا وَالْجَوْزِ وَلُبِّهِ وَالرُّمَّانِ وَحَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ يَجُوزُ تَخْرِيجُهُمَا أَعَنَى الْجَوْزَ وَلُبَّهُ وَالرُّمَّانَ وَحَبَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَبِالْجُمْلَةِ الرَّافِعِيُّ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مِمَّنْ يَرَى الصِّحَّةَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ يَعْضُدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ وَيُقَوِّي الْإِشْكَالَ عَلَى الْقِيَاس عَلَيْهِ وَقَدْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ

(11/420)


لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ امْتِصَاصُهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مَعَهَا أَوْ نَقُولُ بِأَنَّهَا إذَا بَاعَهَا مَعَ الشجر حَصَلَ تَسْلِيمُهَا تَامًّا فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ بَيْعِهَا وَحْدَهَا مَعْقُودٌ فِي بَيْعِهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَتَعْلِيلُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الْمَأْخَذِ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا عَرَفْتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَكَيْفَ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى أَمَاكِنَ لَمْ يَرَهَا الْعَاقِدُ (قُلْتُ) يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَالْأَسَاسِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ وَكَانَ جزأ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مَعَهُ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ وَالْأَسَاسِ وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّاهُ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهُ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَسِيلَ وَالطُّرُقَ خَارِجَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْحَمْلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ فِيهِ وَإِنْ صَحَّ في تبلك تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ وَلِهَذَا قال الشافعي في كتاب الصرف ولاخير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقابها هَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِأَنْ قَالَ بعنك النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ النَّخْلَةَ بِشَرْطِ أَنَّ ثَمَرَتَهَا لَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ صحيح لاشك فيه للحديث ما إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ المالكية لكن مذهب مالك أنه لاحصة لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ إذَا اشْتَرَاهَا مُشْتَرِي النَّخْلَةِ بَعْدَ شِرَاءِ النَّخْلَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا فِيهَا إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فَقَطْ أَخْذًا بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهَا بِالشَّرْطِ إلَّا إدْخَالُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمَتَى أَدْخَلَهَا فِي الْبَيْعِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ فَقَدْ صَارَتْ مَبِيعَةً مَعَ الشَّجَرِ نَعَمْ هل تقابل بقسط من الثمن أولا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ هُنَا بِأَنَّهَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ وَقَالَ فِي الْحَمْلِ هُنَا إنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يقابل أيضا.

(11/421)


(فَرْعٌ)
هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع لا خلاف في المذهب فيه أَعْلَمْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ وَسَبَقَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ بَطَلَ (قُلْتُ) يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ فَإِنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ يُعَيِّنُ مَا قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُهُ وَعَلَّلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ يَضُرُّ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ مُقْتَضَاهُ الْإِبْقَاءُ ثُمَّ استشكله بأن ما يحمل على مُطْلَقُ الْعَقْدِ مِنْ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَصِيرُ قَضِيَّةً لَازِمَةً كَالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ وَالنَّقْدِ الْغَالِبِ ثُمَّ لَوْ عَيَّنَ نَقْدًا لَا أَجَلًا صَحَّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكْسُوَهُ إلَّا كَذَا أَنْ يَصِحَّ وَيُلْغَى الشَّرْطُ وَهَهُنَا الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَعًا إذْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ فِي التَّسْلِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يشمل مااذا بَدَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا وَكَانَتْ مَرْئِيَّةً وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كلامهم من الاصحاب أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا كَمَا سَقَطَ شرط القطع ويحتمل أن لاكما لَوْ بَاعَهَا مَعَهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا مِنْ مَالِكِ الْأَشْجَارِ بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ أَصْلَهَا بِبَيْعٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَمَلَكَهَا وَبَقِيَتْ الْأُصُولُ لِلْوَرَثَةِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْجِيحِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ ثِمَارَ نَفْسِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شُرَطَ الْقَطْعُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذكره المصنف بالفرق بانه إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مُتَوَقَّعَةً

(11/422)


مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَأَمَّا) إذَا بَاعَهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَلَفِ الثَّمَرَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْجُمْهُورِ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذا جمعها عقد واحد أن العقد إذا جمعها كَانَتْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةً مُعْفًى عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَالْأَسَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُفْرِدَتْ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مَعَ تَصْحِيحِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ إنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ المذهب وقال في أيجابه ان أَعْنِي أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ (1) هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي هَذَا الكلام أن الخلاف قولان لاوجهان.
(فَرْعٌ)
عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي تَعْلِيلِهِ (2) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنْ عَلَّلَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِتَقْدِيرِ التَّلَفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ اقْتَضَى الْبُطْلَانَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلَ بِأَنَّ توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقق التَّسْلِيمِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّ الاصل في ملك المشترى فلا علقة لِغَيْرِهِ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ إنَّ سَبَبَ التَّصْحِيحِ فِي بَيْعِهِمَا مَعًا أَنَّ الْأَصْلَ الشَّجَرُ وَالثِّمَارُ فِيهَا وَإِنْ ذُكِرَتْ تَابِعَةً لَهَا فَلَا يَضُرُّ تَعَرُّضُ الْعَاهَةِ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَخَيَّرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّسْلِيمَ لَا يحصل بذلك والالم يَصِحَّ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْجِيهِ وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ مَنْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا إذَا ابْتَاعَهَا وَوَفَّرَ الثمن لابد مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ وَفَارَقَ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ شَمِلَهُمَا وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيِّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَقْيَسُ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلْنَرْجِعْ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ شَمِلَ قِسْمَيْنِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ الْمُجْمَعُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ الَّذِي خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فِي ذكر حججنا وحجج
*
__________
(1 و 2) بياض
بالاصل

(11/423)


الْخَصْمِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَادَّعَى جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) لابد يأخذه قبل أن يتلف يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى بَقَائِهِ وقد تقدم ان يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَمْ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْغَرَرِ يُسْقِطُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ شَرْعًا (وَقَوْلُهُ) كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ إلَى آخِرِهِ هُوَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي شَرَحْتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأَطْلَقَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ مُشْتَرِيهَا النَّخْلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ النَّخْلَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَلْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ مِمَّا إذَا زَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيلِ ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَبَيَّنُ بِالْمُسَاقَاةِ بَعْدَهَا صِحَّةُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى بُعْدٍ مِنْ اسْتِبْعَادِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَجْهِ صِحَّةٌ وَثُبُوتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرْدِهِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ إذا تقدمت واستأجر عَنْهُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الزُّرُوعُ فَقَدْ أَدْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ الثمار وأجراهما مجرى واحد وَالْأَقْسَامُ الَّتِي فِي الثِّمَارِ عَائِدَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الزُّرُوعِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً عَنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا بَطَلَ للحديث وهو قوله (وعن السنبل حيت يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ فِي الثِّمَارِ مُطْلَقًا أَنْ يُجَوِّزَهُ فِي الزُّرُوعِ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثِّمَارِ وَخَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَمَا خَالَفَا هُنَاكَ فَقَالَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَسُفْيَانُ وابن أبي ليلى أيضا على أنه لافرق في الزرع في
السنبل والفصيل يمتنع بيع الفصيل مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظاهري فجوزوه تمسكا

(11/424)


بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ السُّنْبُلِ قَالَ ولم يأت في منع بيع الزرع مذ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ نَصٌّ أَصْلًا وَرُوِيَ عن أبي إسحق الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ فَقَالَ لَا بَأْسَ فَقُلْتُ إنَّهُ سُنْبُلٌ فَكَرِهَهُ قَالَ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ حُكْمَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مَعَ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّرْعِ الماوردى والرافعي وغيرهما.
ولو باع الفت أَوْ الْقَصِيلَ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَرْعَى دَوَابَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا كَشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) الْبَقْلُ إنْ بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ وَإِنْ بِيعَ دُونَ الْأُصُولِ يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ قَالَ ابن أبي الدم يريد به أنه لابد من شرط القطع قال الامام لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ يحيى في محيطه إنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْبَسِيطِ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي هَذَا بَلْ مَتَى أطلق نزل العقد على شرط القطع خوف مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ فِي الْوَسِيطِ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذلك لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ أَنْ يَنْتَهِيَ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وعليه ويحمل كَلَامُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا لا يجوز أن يباع لقرط الاجذة وَاحِدَةً عِنْد بُلُوغِ الْجِذَاذِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ فِي جذاذ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّهُ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ فِي أَوَّلٍ مِنْهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ (قُلْتُ) وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ النَّوْعِ حَالَةَ إصْلَاحٍ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي اعْتَضَدَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَهُ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ يَكُونُ هَذَا نَوْعًا مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ التَّبْقِيَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ
الْقَطْعِ وَالْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَكُونُ هَذَا فِيمَا يُعْتَادُ جَذُّهُ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ صَلَاحًا فِيهِ (أَمَّا) الزَّرْعُ الَّذِي يُعْتَادُ إبْقَاؤُهُ فَمَتَى بَاعَهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَسَدَ سَوَاءٌ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ سُنْبُلًا مَا لَمْ يَشْتَدَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

(11/425)


أيضا لا يجوز بيع القصيل الاعلى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ أَوْ لَا يستخلف ولا يزيد وهذا الص يُحْمَلُ عَلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا ينافي ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فيه هنا (وأما) الول الَّذِي يَكُونُ وَصَلَ إلَى حَالَةِ صَلَاحٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُبَاعَ الزَّرْعُ مَعَ الْأَرْضِ فَيَجُوزَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الثِّمَارِ مَعَ الْأَشْجَارِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَبَقِيَّةُ لاصحاب وَالْمَبَاحِثُ الْمُتَقَدِّمَةُ هُنَاكَ عَائِدَةٌ هُنَا (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَتَسَنْبَلْ بَعْدُ أَوْ تَسَنْبَلَ وَلَمْ يَشْتَدَّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْحَبُّ الَّذِي فِي السُّنْبُلِ غَيْرِ الْمُشْتَدِّ مَرْئِيًّا كَالشَّعِيرِ أَوْ غَيْرَ مَرْئِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا فَصَلُوا بَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان كانت التبعية تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ أَيْضًا (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الزَّرْعَ وَحْدَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالْجَوَازِ وَذَكَرَ هَهُنَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّرْعِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَمُقْتَضَى نَصِّهِ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْ الرَّهْنِ أَيْضًا يَدُلُّ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَصِرُونَ عَلَى حُكْمِ الثِّمَارِ وَكَأَنَّهُمْ مُكْتَفُونَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ حُكْمِ الزَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ شَرَطَ فِيهِ الْقَطْعَ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ فَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مُسْتَأْجَرِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ يُفْرَضُ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَبَاعَ الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا هَلْ يَكُونُ
كَالْمَالِكِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً مَثَلًا هَلْ يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمَالِكَ فِي هذا الوقت لايد لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْبَابِ.

(11/426)


(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ بالارض لانه يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ الْقَطْعِ قَالَهُ الْقَاضِي حسين وصاحب التتمة الخوارزمي وَهُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ بِالشَّجَرَةِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي المنع عن بيع الثمار قيل بُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُطْلَقٌ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ وَارِدٌ فِي النَّخْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَأَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَطَابَ أَوَّلُهُ حَلَّ بيعه.
(فرع)
لافرق فِي الثِّمَارِ بَيْنَ مَا يُجَذُّ كَالْبَلَحِ وَالْبُسْرِ أَوْ يُقْطَفُ كَالْحِصْرِمِ وَالْعِنَبِ أَوْ يُجْمَعُ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخُ والجوز واللوز والرانج كلها تجرى فِيهَا الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْآتِيَةُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ وَمُنْفَرِدَةً وَتَابِعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْفُجْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّلْجَمُ وَالْجَزَرُ وَالسَّلْقُ إذَا اشْتَرَى وَرَقَهُ فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ جَازَ أَوْ التَّبْقِيَةَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَى أَصْلَهُ الْمَغْرُوسَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ قُلْنَا بَيْعُ الْغَائِبِ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ الْعَقْدُ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَبَيْعَ الْمَجْهُولِ وَلَوْ بَاعَ الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَمَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُرَّاثِ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ إذا كان الارض ويكن بعضه ظاهر مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصُّبْرَةِ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبُقُولَ الَّتِي تَتَزَايَدُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ كَمَالِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ في المولدات باع نصف ثمرة على رؤس النَّخْلِ قَبْلَ زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَالْبَيْعُ
بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ نِصْفَ زَرْعِهِ بَقْلًا وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ آخِرَ مَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مُشَاعًا إلَّا بِقَطْعِ

(11/427)


الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ مااذا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَعَلَيْهَا سَقْفُ دَارٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهَدْمِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ قَطْعَ النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ بِتَقْدِيرِ دَوَامِ الْإِشَاعَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ فَيُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْكُلِّ بِأَنْ يُقْسَمَ أولا فَلْيَكُنْ مَنْعُ الْقَوْلِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ لَا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ ابن الحداد قال القاضي أبو الطيب وهو الصَّحِيحُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَهِيَ الَّتِي رَجَّحَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بيع ومحل الطرق الثلاث على مانبه عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَمَّا) قبل بدو لاصلاح فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَفُتِيَا ابْنِ الْحَدَّادِ هُنَا وَمَنْ وَافَقَهُ صَحِيحَةٌ فِي غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ جَزْمًا وَفِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إمَّا جَزْمًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَّا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَمَّا الْأَصَحُّ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ تبع فيكون الاصح عنده على متقضي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ حَكَى اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا أَفْهَمَهُ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ آخِرِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ وَأَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَهُ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْلِيلِ وَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ
الصَّحِيحُ مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَالتَّصْحِيحُ حِينَئِذٍ فِي التَّعْلِيلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ بيع الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ إنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ القوم حائط فيه التمر لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فتقع الثمرة مجهوله لابخرص وَلَا تَبَعٍ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَصْلَ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا إنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ

(11/428)


غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُقَوِّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَذَا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يقسم احداهما بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفَاضُلِ الثمرة بالمثرة تُخَالِفُهَا رِبًا فِي يَدٍ بِيَدٍ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ فِي امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَوَّلُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا يَقْتَضِي جَوَازَ قَسْمِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ كَمَا رَأَيْتَ وَغَلَّطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ وَقَالَ لَيْسَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا قِسْمَتُهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ لَا يَصِحُّ فِيهَا لِأَنَّ نِصْفَهَا مُشَاعًا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالتَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ قَالَ فِي الصُّلْحِ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ بين الرجلين وصالح أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ أَخْضَرَ وَلَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا ومتقضى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ عِلَّةَ ابْنِ الْحَدَّادِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ خَالَفَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَعَمَّمَ الْحُكْمَ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الثِّمَارِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِ فَيَبِيعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو نصف الزرع بشرط القطع لم يُطَالِبُهُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْحَالِ فَيُقَاسِمُهُ ثُمَّ يَقْطَعُهُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فَبَاعَ نِصْفَهَا بِشَرْطِ قَطْعِ الْجَمِيعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِ مَا لَمْ يَبِعْ وَالشَّرْطُ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَلَا
يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَبِيعِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ امْتِنَاعُ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا وَكَفَى بِهَذَا النَّصِّ الَّذِي فِي الصُّلْحِ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا غَيْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَمَا أَفْهَمُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ والجزم بامتناع البيع ههنا وكيف ما قَدَرَ فَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا

(11/429)


أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ أَوْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ وَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى ذَلِكَ هو الصحيح وفي ذهنك أن قسمته الْمُمَاثِلَاتِ إفْرَازٌ تَوَهَّمْتَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّرْعُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَا تجوز قمسته خرصا جزما الثمار غَيْرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ يَجْرِي فِيهِمَا الْخَرْصُ وَفِي قِسْمَتِهِمَا خَرْصًا خِلَافٌ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِي ذلك العجب مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَيْفَ صَرَّحَ هُنَا يبيع الزَّرْعِ عَلَى قِسْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ خَرْصًا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ خَرْصًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَنَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَرْصَ يَجْرِي فِي غَيْرِ الرطب والعنب فيجئ عَلَى مُقْتَضَاهُ خِلَافٌ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ خَرْصًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْأَصْحَابُ قَالُوا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ إنَّ بِيعَ بَعْضِ الثِّمَارِ مُشَاعًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ (قُلْتُ) صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّبْقِيَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَبْقِيَةَ الْبَاقِي إذَا لم تجز القمسة بِالْخَرْصِ وَلَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ نِصْفِ النَّخْلِ صَحَّ وَكَانَتْ الثِّمَارُ تَابِعَةٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ جَمِيعِ الشَّجَرَةِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ اُحْتُمِلَ
أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ فِي بَيْعِ كُلِّ الثَّمَرَةِ مَعَ كُلِّ الْأَصْلِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أو الارض لواحد والثمرة أو الرزع لِآخَرَ فَبَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ النَّخْلِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وان الاصح الاشتراط فيجئ عيه أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الثِّمَارُ وَالْأَشْجَارُ أَوْ الزُّرُوعُ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ القطع على أالاصح فَأَشْعَرَ بِخِلَافٍ وَلَعَلَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ

(11/430)


الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ مَشَاعًا عَلَى قَوْلِنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثِّمَارِ أَوْ الزَّرْعِ تَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي وَجُمْلَةَ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ تَصِيرُ لِلْآخَرِ وَعَلَى مُشْتَرِي الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ قَطْعُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَطْعَ النِّصْفِ الْمُشْتَرَى بِالشَّرْطِ وَالْتَزَمَ تَفْرِيغَ الْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ وَبَيْعُ الشَّجَرَةِ أَوْ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يُفَرِّغَهَا لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ لِاثْنَيْنِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنِصْفِ الشَّجَرَةِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْأَرْضِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ إذَا بَاعَ الْكُلَّ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَأَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَهُمَا وَالْأَرْضُ لاحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع البقل مِنْ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ وَالزَّرْعُ لِوَاحِدٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُخَرَّجُ
عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَاعَ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَبَاعَ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الارض بشرط القطع فالقعد صَحِيحٌ وَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ الزَّرْعِ مَبِيعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَلَا يُمْكِنُ إفْرَازُ النِّصْفِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ لان النصف لايعرف إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى جَمِيعَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الزَّرْعِ فِيهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَإِطْلَاقُ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ مَشَاعًا يَشْمَلُهُ وَلَوْ بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ قَالَ فِي التَّتِمَّة لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِيهِ وَالنِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ دُونَ

(11/431)


الارض لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثمرة غير المؤبرة فقد فِي مَوْضِعِهِ.
(فَرْعٌ)
رَأَيْتُ فِي الْمُطَارَحَاتِ لِابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ مَشَاعًا مَعَ جَمِيعِ الْأَرْضِ جَازَ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَرْضِ أَوْ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ.
(فَرْعٌ)
فِي رَهْنِ الثَّمَرَةِ وَهِبَتِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ نَصِّهِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ جُزَافًا قَالَ أَحْمَدُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(فَرْعٌ)
الْبِطِّيخُ لَهُ أَحْوَالٌ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يبيعه مع الارض فيتسغني عَنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَكُونَ الْأَرْضُ كَالشَّجَرَةِ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُفْرِدَ أُصُولَ الْبِطِّيخِ بِالْبَيْعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ يَجُوزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى شرط القطع إذ لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى مَا إذَا أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَانَ بَعْضُ ثَمَرَتِهَا مُؤَبَّرَةً حِينَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ
أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ بُطُونٌ وَإِنْ خِيفَ اخْتِلَاطُ الْحَمْلَيْنِ فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنْ شُرِطَ فَلَمْ يُتَّفَقْ حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكر هما فِي نَظِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ الْقَلْعِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِذَا شَرَطَهُ ثُمَّ اتَّفَقَ بَقَاؤُهُ حَتَّى خَرَجَ الْحَمْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الصحة وقال الامام والغزالي والمتولي لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُتَعَرِّضٌ لِلْعَاهَةِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَهْمِهِ لِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ أَبْدَى ذَلِكَ تَخْرِيجًا فَقَالَ قَضِيَّةُ مَا نَقَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَحْدَهَا إذَا لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ انه لا حاجة لشرط الفطع فَلْيُعْلَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ إمَّا أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) مُقْتَضَى

(11/432)


كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ يَلْزَمُهُ الْفَرْقُ بين بيع الاصول وحدها وبيع الْأُصُولِ وَحْدَهَا وَبَيْعِ الْأُصُولِ مَعَ الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنَعَ فِي الثَّانِي وكيف ما قُدِّرَ فَالصَّحِيحُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ من اطلاق الصحة في المواضعين وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي ذَلِكَ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ وَحْدَهُ دُونَ أُصُولِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ بَدَا الصَّلَاحُ فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ من شرط القطع فان شرط فلم يطقع فَفِي الِانْفِسَاخِ لِلْبَيْعِ قَوْلَانِ يَأْتِي نَظِيرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الِاخْتِلَاطَ إذَا حَصَلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَبْطُلُ فَيَصِحُّ هَهُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَوَقُّعِ التَّلَفِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَاكَ تَذْهَبُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهَا الْخَبَرُ وَلَا كَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُ كَالْبِطِّيخِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ بدا صلاحها جاز بيعها بشرط القطع لحديث ابن عمر رضى الله عنه ولانه إذا جاز بيعه
بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلان يجوز بعد بدو الصلاح أولى ويجوز بيعها مطلقا للخبر ولانه أمن من العاهة فجاز بيعتها مطلقا كسائر الاموال ويجوز بيعها بشرط التبقية إلى الجذاذ للخبر ولان اطلاق البيع يقتضي التبقية إلى أوان الجذاذ فإذا شرط التبقية فقد شرط ما يقتضيه الاطلاق فجاز) .
(الشَّرْحُ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ

(11/433)


بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَسَّمَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَهَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُسْتَنَدُهُ أَمَّا مَفْهُومُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا زَوَالُ الْحَالَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ حِلِّ الْبَيْعِ عِنْدَ مَنْ لَا يقول بالمفهوم وهذا لابد مِنْ الِاعْتِضَادِ بِهِ فَإِنَّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْمَفْهُومِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَحْثًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ المفهوم له عموم أولا قَالَ شَارِحُ الْبُرْهَانُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنْ اسْتَنَدَ الْمَفْهُومُ إلَى طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ لَمْ يَعُمَّ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ عَمَّ وَعَزَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ اُتُّجِهَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْخَبَرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الِاعْتِضَادِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ إذَا شُرِطَ الْقَطْعُ يَجِبُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى التَّرْكِ جَازَ وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَهُنَا بطريق أولى قال الامام ولاشك ان هذه يَعْنِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطَّرِدٌ فِي ابْتِيَاعِ الشَّجَرَةِ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ الْمَغْرِسِ وَابْتِيَاعُ الْبِنَاءِ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا فَيَجُوزَ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عنه

(11/434)


وَالْأَصْحَابُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ عَلَى
الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ وَإِطْلَاقُهُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ بِالْعُرْفِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يُوجِبُ تَبْقِيَتَهَا إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَكُنْ تُعَرَّضُ لِلْجَائِحَةِ والتلف وقال الحنيفة إنَّ هَذَا كَمَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ ولم يتعرض لدراهم ولا لدنانير وكانت قميته فِي الْعُرْفِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَاقِدَ لَا يَشْتَرِيهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ فِي الْعُرْفِ من أطلق الالف اتكالا على العرف يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِبْقَاءِ وَطَمِعَ فِي الْإِبْقَاءِ لَا يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِتَرْكِهِ (الْحَالَةُ الثالة) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَيَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَسُّكًا بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُقْتَضَى هذا العقد الخاص التبقية وَعَنْ الثَّانِي بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلِلْبَائِعِ فِيهَا مَتَاعٌ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ وَتَمَسَّكَ الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَمَفْهُومِ الاغية فيه وقد تقدم ما في ذلك لاسيما وَأَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ مَفْهُومَ الْغَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْكَرِينَ لِلْمَفْهُومِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا جَازَ بَيْعُهَا وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ الذي كان

(11/435)


قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَرْتَفِعُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوَاضِعِهَا فَالشَّعِيرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ فِي سُنْبُلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ بَارِزَةٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى أَوْ زَرْعٍ بَارِزٍ حَبُّهُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا بِقِشْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ فِي بَقَائِهِ فِيهَا كَالرُّمَّانِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ قِشْرَةٌ يَتَحَفَّظُ بِغَيْرِهَا كالقطن والسمسم والعدس أو قشرتان أو كَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ وَإِمَّا كَالْبَاقِلَّاءِ وَاللَّوْزِ وَالرُّطَبِ فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْبَاقِلَاءِ وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ شَرْحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى بِقَوْلِي إنَّ الْمَنْعَ الْأَوَّلَ ارْتَفَعَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ جَوَابٌ عَلَى تَمَسُّكِ الْخَصْمِ بالمفهوم ون قُلْنَا إنَّ لَهُ عُمُومًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
ارْتِفَاعَ ذَلِكَ النَّهْيِ أَمَّا ارْتِفَاعُ النَّهْيِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا كَقَوْلِهِ (أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) فَهِيَ إذَا وَضَعَتْ يَرْتَفِعُ النَّهْيُ الَّذِي لاجل النسب يبقى النَّهْيُ لِأَجْلِ الْأَذَى حَتَّى تَغْتَسِلَ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْعُ الزَّرْعِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بَذْرًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَصِيلًا جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ بَارِزًا كَانَ كالشعير والجاروش وَالدُّخْنِ أَوْ مُتَسَنْبِلًا فِي كِمَامٍ فَقَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ صَحَّ فِيهِمَا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبَّاتِ بَارِزًا فَكَذَلِكَ أَوْ مُسْتَتِرًا فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِيهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بَطَلَ هَهُنَا فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ صَحَّحْنَا فِيهِ مفردا وَلَكِنْ نُثْبِتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَهَهُنَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ.
(فَرْعٌ)
قَصَبُ السُّكْرِ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ فِي قِشْرِهِ كَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ صَرَّحَ

(11/436)


الْمَاوَرْدِيُّ بِجِوَازِ بَيْعِهِ إذَا بَدَتْ فِيهِ الْحَلَاوَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْلَا جَوَازُ بَيْعِهِ فِي قِشْرِهِ لَمَا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ.
(فَرْعٌ)
الْكَتَّانُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ وَالشَّاشُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرَ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
الْبَقْلُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يشترط القطع فان لَا يَتَعَرَّضُ لِعَاهَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَتِّ وَالْبُقُولِ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعِ سَوَاءٌ كان مما يجذ مرار أو لا يجذ الامرة وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُجَذُّ مِرَارًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأَصْلَ وَمَا لَمْ يُجَذَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا الْكُرَّاثُ أَوْ الرَّطْبَةُ فَأُصُولُهَا تَدْخُلُ في العقد كالصول الاشجار وما ظهر لايدخل وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِجَذِّهِ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث وَالْفَرْقُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْبَقْلِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأُصُولِهِ إلَّا بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَبَيْنَ
الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ أُصُولِهِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْبِطِّيخِ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ دُونَ مَا بَطَنَ مِنْ عُرُوقِهِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَ الظَّاهِرُ لَمْ يُخَلِّفْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْآفَةُ مُتَعَرِّضَةٌ لما

(11/437)


* ظَهَرَ مِنْ أُصُولِهِ كَتَعَرُّضِهَا لِنَفْسِ الْبِطِّيخِ وَلِهَذَا يؤثر فيها الحر والصقيع ونحوها كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبِطِّيخِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الحم وَلَا كَذَلِكَ مَا يُخَلِّفُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تُخْشَى عَلَى أُصُولِ الْبِطِّيخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ بِيعَ الْبَقْلُ دُونَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ يَعْنِي لان العرف يقتضيه ولايحتاج إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ الْإِبْقَاءُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ انْتَهَى جَازَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَعَ الْأُصُولِ وَالزَّرْعَ بَعْدَ أَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ مَعَ الْأَرْضِ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ الزَّرْعُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقُطْنِ إذَا ظَهَرَ جَمِيعُهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُشَاهَدٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ فِي قِشْرِهِ وَكَانَ الْحَبُّ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بَيْعُهَا مُفْرَدًا جَازَ مَعَ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَجْهُولٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَرْضِ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُفَرَّقُ أَوْ تُفَرَّقُ ولكن يجوز بالقسط بطل في الجميع (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا التَّفْصِيلُ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(11/438)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ تَرْكِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ
(قُلْنَا) الشَّجَرَةُ لَا تؤجر ولا أجرة لها بخلاف الدار.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا فان كان رطبا بان يحمر أو يصفر وإن كان عنبا أسود بان يتموه وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو وان كان زرعا بان يشتد وان كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج وان كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل والدليل عليه ماروى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى بسود وعن الثمرة حتى تزهي) (وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تطعم)) .
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَرِ النَّخْلِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْجَمِيعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَبِّ وَالْعِنَبِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشْقَحَ فَقِيلَ وَمَا تُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعَمَ) كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فإذا أردت عز وحديث جَابِرٍ الَّذِي فِي الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ يَتَمَوَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي

(11/439)


عَصْرُونٍ يَدُورُ فِيهَا الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَصْفُو لَوْنُهَا وَقَوْلُهُ يَشْتَدُّ أَيْ يَصْلُبُ وَيَقْوَى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ حَتَّى يُطْعِمَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَبَطَهُ ابْنُ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا وَهِيَ خَطَأٌ قَالَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَصِيرَ طُعْمًا وَقِيلَ تَبْلُغُ حِينَ تُطْعَمُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ لِأَنَّ وَقْتَ اشْتِدَادِهِ وَقْتُ مَبَادِي بَيَاضِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ أَنْ يُوجَدَ فِي الثَّمَرَةِ مَا يُؤْكَلُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ بُدُوَّ
الصَّلَاحِ بِقُوَّةِ الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِهَا وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَكَانَ ابْنُ عمر نما أَطْلَقَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا لِأَنَّهُ أَوَانُ طِيبِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَايُنُ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ اخْتِلَافٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَةٍ فِي الثَّمَرَةِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ عَلَى اختلافه راجع إلى شئ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طِيبُ الْأَكْلِ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ اعْتَبَرَ الِاشْتِدَادَ فِي الْحَبِّ وَالِاسْوِدَادَ فِي الْعِنَبِ وَالزَّهْوَ فِي الثَّمَرَةِ وَحَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطَّعْمِ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعِنَبَ وَغَيْرَهُ فَيَكُونُ اعْتِبَارَ الِاسْوِدَادِ وَشَبَهِهِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلطَّعْمِ لَا لِعَيْنِهِ فَلِذَلِكَ

(11/440)


قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى تَطِيبَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا لِأَنَّ مِنْ الْبِلَادِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَلْ الْبَلَدُ الْوَاحِدُ قَدْ يَتَعَجَّلُ فِي عَامٍ لِاشْتِدَادِ الْحَرِّ وَدَوَامِهِ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ لِاشْتِدَادِ الْبَرْدِ وَدَوَامِهِ وَطُلُوعُ الثُّرَيَّا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهَا تَطْلُعُ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ بشنس قالوا وكذلك اعتباره بالا كل لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ تُؤْكَلُ طَلْعًا وبلحا والكرم يؤكل حصر ما وليس ذلك صلا حاله وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا وَإِذَا صَلُحَتْ لَانَتْ وَنَضِجَتْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى اخْتِلَافِ بدو الصلاح في اجناس الثمار بقوله.
وللحرير نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ فِيهِ حل بيع حريره.
وَالْقِثَّاءُ تُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوِّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ (وَاعْتَرَضَ) عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يعلمنا أنه يحب القصاء فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُعْلِمَنَا المحسوسات ولايجوز أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ ضَرُورَةً (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا طَعْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا يَكُونُ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقِثَّاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَصِغَرِهِ طَعْمُهُ كَطَعْمِهِ فِي حَالِ كِبَرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي ابْتِدَائِهَا حَامِضَةً أَوْ مُرَّةً ثم تصير حلو وأكثر الاصحاب ل يذكروا البدو الصَّلَاحِ ضَابِطًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ بَلْ جَعَلُوهُ مُخْتَلِفًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وجلمة الثِّمَارِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِاللَّوْنِ وَذَلِكَ فِي النَّخْلِ بالاحمرار والاصفرار وفي الكرم
بالحمرة أالسواد أو الصفاء وَالْبَيَاضِ (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الْمُتَلَوِّنَةُ (فَمِنْهَا) مَا يَكُونُ صَلَاحُهُ بِالصُّفْرَةِ كَالْمِشْمِشِ (وَمِنْهَا)

(11/441)


مَا يَكُونُ بِالْبَيَاضِ كَالتُّفَّاحِ (قُلْت) وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَلَوَّنُ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ بِلَوْنٍ يُخَالِفُ اللَّوْنَ السَّابِقَ وَجَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَوْعًا مِنْ التُّفَّاحِ يَكُونُ أَخْضَرَ فِي حَالِ كَمَالِهِ كَمَا يَكُونُ فِي صِغَرِهِ قَالَ فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِطِيبِ طَعْمِهِ وَحَلَاوَتِهِ وَكَذَلِكَ جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالطَّعْمِ فَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحَلَاوَةِ كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُمُوضَةِ كَالرُّمَّانِ فَإِذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةُ فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا بدو صلاحه بالنضج كلنين والبطبخ فإذا لانت صلاحبته بَدَا صَلَاحُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ طيب أو الحلاوة العبارات الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي البطيخ الخيار والباذنجان حكمهما حم البطيخ الا في شئ واد وَهُوَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِيهِمَا لَيْسَ أَنْ يكبر ويتناهي لانهما لا يؤكلان في تبلك الْحَالَةِ وَلَكِنْ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةٌ قَدْ بَلَغَتْ الْحَدَّ فَهُوَ وَقْتُ إبَاحَةِ بَيْعِهِ (الرابع) ما بدا صَلَاحِهِ بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِذَا بَدَتْ قوته واشتد بدا صلاحه (الخامس) ما بدا صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول القصب فَإِذَا تَنَاهَى طُولُهُ وَامْتِلَاؤُهُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُجَذُّ عَلَيْهِ بَدَا صَلَاحُهُ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وسنذكر في آخر الكلام في عا عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقُرْطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْبُقُولِ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْبُقُولِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ تابع للصميمرى وقال ابن الرفعة متعذرا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ إنَّ

(11/442)


الْقَصَبَ إذَا انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يَبْقَى عُرْفًا بَلْ الْعُرْفُ قَطْعُهُ فَاكْتَفَى بِهِ كما اكتفى به في التبيقة فِي الثَّمَرَةِ لِعَدَمٍ (1) وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَقْتَضِي أَنَّ القطع واجب وانا يُتْرَكُ شَرْطُهُ اكْتِفَاءً بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى بَعْضُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاسْتَحَقَّ التَّبْقِيَةَ فِي الْبَاقِي إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ (السَّادِسُ) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالْعِظَمِ والكبر كالفثاء وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ (السَّابِعُ) مَا بُدُوُّ
صَلَاحِهِ بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ فَإِذَا تَشَقَّقَ جَوْزُ الْقُطْنِ وَسَقَطَتْ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا عَنْ جَوْزِ الْأَكْلِ بَدَا صَلَاحُهُ وَمَقْصُودُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تشقق بعضه جاز بيع المشقق مِنْهُ وَغَيْرِ الْمُشَقِّقِ إذَا نَظَمَهُمَا الْعَقْدُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِشَارِهِ وَإِنَّمَا سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ (الثاني) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِانْفِتَاحِهِ وَانْتِشَارِهِ كَالْوَرْدِ وَالنَّيْلُوفَرِ فإذا تفتح المنضم منه واتشر فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَوَرَقُ التُّوتِ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَصِيرَ كَأَرْجُلِ الْبَطِّ هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَرَةُ أَوْ بَعْضُهَا إلَى أَدْنَى أَحْوَالِ كما لها هَكَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا مَا فِي ضِمْنِهِ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا نَقَلَهُ فِي وَرَقِ التُّوتِ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ بَيْعَ أَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ قَبْلَ تَنَاهِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ رَأَى الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضْبِطَ حَالَةَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصَيْرُورَتِهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ غَالِبًا لِكَوْنِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلضَّابِطِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَسْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْكَمَالَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرِّبَا لَيْسَ مُرَادًا هَهُنَا وَاعْتِبَارُ الْمَاوَرْدِيُّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ أحسن
__________
(1) بياض بالاصل

(11/443)


مِنْ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ المقصودة منه قالبا نِهَايَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ وَسَطَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا أَوَّلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِيَصِيرَ الضابط أو وضح مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِهَا فَإِنَّ اللَّفْظَ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَامِعِهِ قَدْ قِيلَ وَرَقُ التُّوتِ يُبَاعُ إذَا خَرَجَ مِنْ كِمَامِهِ وَبِهِ يَبْدُو صَلَاحُهُ ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَرَقِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِاعْتِبَارِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْحِنَّاءِ وَالْكُرْسُفِ وَالْقَصَبِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ابْتِدَاءُ أَكْلِهِ الْمُعْتَادِ (فَإِنْ قِيلَ) الْبُسْرُ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُؤْكَلَ فِي أَوَّلِ احْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى تَنَاهِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ أَنْ يَحْمَرَّ وَيَصْفَرَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَأَوَانِ الْقِطَافِ
قَرِيبٌ مِنْ شَهْرَيْنِ يَعْنِي فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الطِّيبِ (فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِثَّاءِ وَالثِّمَارِ وَأَجَابَ بِأَنْ لافرق فَإِنَّ الزَّهْوَ إذَا ابْتَدَأَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ وَقَدْ يَعْقُبُ تَأَخُّرَ الْمَطْعَمِ إلَى تَمَامِ الْإِدْرَاكِ كَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْقِثَّاءِ فَإِنَّ الصِّغَارَ مِنْهُ تُبْتَدَرُ وَلَكِنَّ عُمُومَ الْأَكْلِ يَتَأَخَّرُ وَاَلَّذِي يَتَنَاهَى صِغَرُهُ لَا يُؤْكَلُ قَصْدًا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى شُذُوذٍ فَرَجَعَ الْحَاصِلُ إلَى طِيبِ الْأَكْلِ وَابْتِدَاءِ الِاعْتِيَادِ فِيهِ فَعَلَامَةُ ذَلِكَ فِي الْمُتَلَوِّنَاتِ التَّلَوُّنُ إلَى جِهَةِ الْإِدْرَاكِ وَفِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ الْقُوَّةُ وَجَرَيَانُ الْحَلَاوَةِ فَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَالْقِثَّاءِ فِي حَالِ تَنَاهِي صِغَرِهِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ والذي

(11/444)


يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ بَدَا صَلَاحُهُ وَلِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ مَرَاتِبُ ابْتِدَاءٌ وَوَسَطٌ وَانْتِهَاءٌ وَالْمُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُسْرِ بِالِاحْمِرَارِ دُونَ الْقِثَّاءِ في صغره وداخال الْمُصَنِّفِ الزَّرْعَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرِ يَشْهَدُ لَهُ قوله اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه يوم حصاده) وكل ما ذكره الْمُصَنِّفُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَاَلَّذِي حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِاسْوِدَادِهِ وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْكَرْمِ بِالتَّمَوُّهِ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِثَّاءِ حَيْثُ يُؤْخَذُ وَيُؤْكَلُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْأَكْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ للا كل فِي الْعَادَةِ وَفِي مَعْنَى الْقِثَّاءِ الْخِيَارُ وَالْبَاذِنْجَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَفِي الرُّمَّانِ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةِ وَزَوَالِ الْمَرَارَةِ وَفِي الْوَرْدِ الِانْفِتَاحُ وَالِانْتِشَارُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ أَوْرَاقَ الْفِرْصَادِ مَعَ الْأَغْصَانِ فَإِنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً فذاك والا بان يترك على الشحر سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيُعَلِّمْ عَلَيْهِ عَلَامَةً وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَوْرَاقَ وَحْدَهَا قَبْلَ نِهَايَتِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ لَا تُقْطَعُ الْأَغْصَانُ مَعَهَا قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذا بدا صلاح ما خرج ما الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ وَوَجَبَ إفْرَادُ الْعَقْدِ بِالْمَوْجُودِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ لِأَنَّ

(11/445)


الْحَادِثَ يَخْتَلِطُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ تَبَعًا وَهِيَ دَعْوَى مَمْنُوعَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَطَرِيقُ تَحْصِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرَتِهِ وَبِدُونِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِالْقَطْعِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولا يجوز ان يستثني من الثَّمَرَةَ مُدًّا وَقَسَمَ الْأَصْحَابُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْبَيْعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَعْلُومًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مشاع ومحرز فالمحرز بعنك ثَمَرَةَ هَذِهِ الْحَائِطِ إلَّا ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ الْعَشْرِ بِعَيْنِهَا فَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَشَاعُ بِعْتُكَ ثمرة هذه الحائط الاربعها صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمَبِيعُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا مَشَاعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى شَرْطِ الشَّرِكَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا والمبيع بعده مجهولا وهو ضربان مشاع ومخدود فالمشاع كقوله بعنك هذا الثمرة الاقوت سَنَتِي أَوْ قُوتَ غِلْمَانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَمَا ورد من ذلك على ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَالْمُحَدَّدُ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ قدر ثالث الثَّمَرَةِ فَمَا دُونَ جَازَ وَكَانَ لَهُ عَشْرُ نخلات وسط (والقسم الثالث) ان يكون الاستثاء مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الثَّمَرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا وَالْمَبِيعُ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ وَالْبَاقِي لِي فَإِنْ عَلِمَا أَنَّ فِيهَا مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا صَحَّ إنْ أَمْكَنَ كَيْلُ الثَّمَرَةِ وَبَطَلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كَيْلُهَا وَلَا يَصِحُّ الْخَرْصُ فِيهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَرْصِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ

(11/446)


تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينَ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَرَايَا أَنَّهُ لا يختص بامساكين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِلْجَهْلِ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ فَلَوْ كِيلَتْ مِنْ بَعْدُ فَكَانَتْ مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ فساده قال ذلك المارودى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْفَرْعَ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا هَذِهِ الْأَقْسَامَ مَبْسُوطَةً كَاسْتِيعَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا لِأَنَّ مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا هُوَ رُبُعُ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قَالَ إلَّا مَا يَخُصُّ قِيمَةَ أَلْفٍ مِنْهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ هَكَذَا فَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ غير ظاهر وقال الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِسِعْرِ مَا بَاعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إلَّا مَكُّوكًا جاز لانهما معلومان قاله الرويانى.
(فرع)
قالف بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا النَّخْلِ إلَّا النَّوْعَ الْمَعْقِلِيَّ فان شاهد المعقلى المستثني وعلم قدره صتح البيع وان جهلاه فسد قاله المارودى.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَاهً وَاسْتَثْنَى سَوَاقِطَهَا قَالَ فِي الصرف لا يصح وكذا إذَا قَالَ إلَّا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِمُسَافِرٍ أَوْ لِحَاضِرٍ أَوْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.

(11/447)


(فرع)
باع قطنا واستثنى حبه أوسمسما وَاسْتَثْنَى كُسْبَهُ أَوْ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا كَانَ الْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فرع)
بيع الثمرة وفيها قدر مذكور في (1) وَلَكِنْ يُذْكَرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الثَّمَرَةَ إلَّا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ نَذْكُرَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي الْبَيْعِ أَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِهِ شَرْعًا عَنْ ذِكْرِهِ وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يدفع قدر الزكاة من غير بلك الثَّمَرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ رُطَبًا فَفِيمَا يُطْلَبُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْعُشْرُ تَمْرًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْبُرُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَانًا لِعُشْرِهَا تَمْرًا
(وَالثَّانِي)
يُطَالَبُ بِقِيمَةِ عُشْرِهَا رُطَبًا عَلَى الْوَجْهِ الذى يمنع الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا عَنْ قِيمَةِ عُشْرِهَا تَمْرًا فَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ يُفْصَلُ مَا بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ
فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُرْجَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ يَدِهِ عَنْ عَيْنٍ قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَرْعٌ)
الزَّرْعُ الَّذِي يُخَلِّفُ كَالْقُرْطِ وَمَا فِي معناه من البقول يكون متزايدا أبدا لاوقوف لَهُ فَإِذَا بِيعَ مِنْهُ جَذَّةٌ فَلَا بُدَّ من الْقَطْعِ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إلَى ما يقع في زمن العاهات دون
__________
(1) بياض بالاصل

(11/448)


وَلَا إلَى طِيبِ الْأَكْلِ لِأَجْلِ الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يُخَالِفُهُ وقول الامام انها لا تزال لتزايده يُمْنَعُ فَإِنْ فَرَضَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الَّذِي يُعْلَمُ اخْتِلَاطُهَا.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح وإما قبله شرط القطع وقد ضننث تَبْقِيَتَهُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الزَّرْعِ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ كَنُمُوِّ الثَّمَرَةِ إلَى وَقْتِ اتِّفَاقِ الْقَطْعِ وَلَيْسَتْ كَزِيَادَةِ الزَّرْعِ الْمُخَلِّفِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ لَوْ قُطِعَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ وَعُرُوقَهُ الْمُسْتَتِرَةَ بِالْأَرْضِ قَالَهُ الْإِمَامُ (قُلْتُ) فيجئ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حُصِدَ وَكَانَتْ عُرُوقُهُ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَالذُّرَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُهَا وَتَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ لَمْ يَجِبْ كما تقدم أيضا وسنذكر في مسألتة اخْتِلَاطِ الرَّطْبَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى..
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى
.
(فان وجديد والصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع الجنس كله في ذلك الحائط لانا لو قلنا لا يجوز

(11/449)


الافيما بدا صلاحه فيه أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فيه الصلاح من جنس آخر ولا ما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر لان المنع من ذلك لا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة فان بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح
مفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لانا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز افراده بالبيع (والثاني) لا يجوز لانه انما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح وما أجيز بيعه تبعا لغيره لم بجز افراده بالبيع كالحمل) .
(الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بان الثمار لاتطيب دَفْعَةً وَاحِدَةً رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَإِنَّهَا لَوْ طَابَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَكْمُلْ تَفَكُّهُهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا تَطِيبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي كُلِّ مَا يُبَاعُ طِيبُهُ فِي نَفْسِهِ لَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّ الْعَذْقَ الْوَاحِدَ يَطِيبُ بَعْضُهُ دُونَ بعض وإلى ان الاخير بتساقط الْأَوَّلُ فَكَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُبَاعَ وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ حَبَّةً حَبَّةً وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السمحة) وذكر

(11/450)


الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْحَائِطِ تَكُونُ فِيهِ النَّخْلَةُ فَتُزْهِي والحائط بلخ قال حسبه إذا كل منه فلبيع ولا أعلم؟ ؟ العلماء خلافا في انه لاشتراط الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مقدار ما يضبطونه به ومذهبنا ان يَكْفِي بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي بُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخْلِ.
إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ نُظِرَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ صَلَاحًا فِي الْجِنْسِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ فِيهِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَلَاحًا لِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ.
وان اتجد الْجِنْسُ وَالنَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اختلف شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفِيهِ صُوَرٌ (الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ فَيَبِيعَ النَّوْعَ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالنَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي التَّأْبِيرِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ التَّأْبِيرِ

(11/451)


وَاحِدٌ وَذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَنْ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إذَا كَانَ فِي حَائِطٍ بَرْنِيُّ وَعَجْوَةٌ وصيحاني فبدا صلاح جنس جَازَ بَيْعُ الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الصَّرْفِ فان كان نخلا وعنبا أو غيره وبد اصلاح صِنْفٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالِهِ فَلَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا يُفْرِدَهُ بِالْبَيْعِ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ الْأَصْنَافَ جملة فهذا النَّصُّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمْلَاءِ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ الصَّلَاحَ إذَا بَدَا في الثمرة الصينية فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوًّا لَهُ فِي الثَّمَرَةِ الشَّتْوِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّوْعَيْنِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ (قُلْتُ) ولا حجة في هذان لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَقْتِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا بَعِيدًا وَالنَّوْعَانِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْوَاحِدَةِ متقاربان غالبا نهم إنْ فُرِضَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا شَتْوِيٌّ وَالْآخَرُ صَيْفِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَمْنُهَا من العاهة ولاشك أَنَّ بَيْنَ صَلَاحِ الشِّتْوِيَّةِ وَالصَّيْفِيَّةِ مِنْ الزَّمَانِ مالا

(11/452)


يُوثَقُ بِذَلِكَ فِيهِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَالَهُ قَالَ وَصَلَاحُ الثَّمَرَةِ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فِي الْحَائِطِ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ شِتْوِيًّا وَبَعْضُهُ صَيْفِيًّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حياله وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فَبَعِيدٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ تَابِعٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا لمختلفة نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ يُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّبَعِيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ فِي الْأَنْوَاعِ بَيْنَ مَا يَتَقَارَبُ إدْرَاكُهَا فَيُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَتَأَخَّرُ فَلَا يُحْكَمُ بَلْ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ بَلْ إلَى تَفَاوُتِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مَعْقِلِيٌّ مَثَلًا مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ لَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ فِي الصَّلَاحِ فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ
الْمَذْكُورِ وَالْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْأَمْنَ مِنْ الْعَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَنْوَاعِ لَا أثر له وان اختلف الزمن مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِلْحَاقُهُ بِالتَّأْبِيرِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِاخْتِلَافِ الْمُدْرَكِ فِي التَّأْبِيرِ وَالْقَوْلُ بان اختلاف الانواع مؤبر مُطْلَقًا مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا ثَالِثًا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ النُّصُوصِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُمْكِنُ

(11/453)


أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّيْفِيِّ وَالشِّتْوِيِّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَإِذَا كَانَ في البستان جنسان يتباعد ادراكهما كالصبفي والشتوى وبدا صلاح السبقي لَا يَتْبَعُهُ الشِّتْوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ اخْتَارَ فِيمَا إذَا أُبِّرَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّ غَيْرَ المؤبر لايتبع الْمُؤَبَّرَ وَاخْتَارَ أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يَتْبَعُ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ قَدَّمْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّأْبِيرِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاخْتِلَافِ مَأْخَذَيْهِمَا فَلِذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ إل مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الزَّكَاةِ فَمَتَى وُجِدَ مِنْهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَمِنْ هَذِهِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الشِّتْوِيَّةِ مَعَ الصيفية فانها لاتتبعها فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَتْ تُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقتضي أنه لافرق بين أن يختلف النوع أولا ولا فرق بين أن يختلف الزمان أولا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ خَالَفَ فِيهِ وَرَدُّوا عليه بأنه

(11/454)


يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَسْوَدَّ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ البستان كما إذا بدل الصلاح في جنس في بُسْتَانٌ آخَرُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ فَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ صَلَاحَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْآخَرِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ
سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَبَاعَدْ وليس بينهما الاجدار وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَثْبَتَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ أَخْذًا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ نص الشافعي يشهد لما قاله العرقيون فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وجد وَالسَّقِيفِ فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ إبَانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا مِنْهَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بغيره ولذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وان بد اصلاح غيره وسواء كان نخل المؤجل قليلا أم كثيرا إذا كان في خطار واحدة وبقعة واحدة في غير خطار فبد اصلاح وَاحِدَةٍ مِنْهُ حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَدَا صلاح حائط غيره الذي هوالى جَنْبِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ وَظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبُسْتَانِ وَحْدَهُ وَإِنْ

(11/455)


كَانَ قَدْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ حَائِطُ غَيْرِهِ ففي كلامه المذكور موضع تُرْشِدُ إلَى اطِّرَادِ الْحُكْمِ فِي حَائِطِهِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَبَاعَهَا فَيَجِبُ اشتراعها فَيَجِبُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَفِي الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا إذَا أَفْرَدَ الْبُسْتَانَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي الَّذِي إلَى جَانِبِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ خِلَافٍ فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْجَزْمِ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ رَأَى الطُّرُقَ مُتَّفِقَةً عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي كَمَا إذَا بَدَا الصلاح في نوع فباع مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العرقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ النَّوْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَسْتَتْبِعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ نَظَرًا لِتَفْصِيلِ الثمن

(11/456)


وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ بِالْجَزْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ أَيْضًا فِيمَا إذا قال بعت هذا بدرهم أجرتك هذا بآخر فقال المخاطب قبلتهما نظار إلَى الْجَمْعِ فِي الْقَبُولِ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْبُسْتَانِ قِيلَ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ طِبَاعَهُ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَجْلِ إفْرَادِ ما لم يبد صلاحه بالمبيع والمالك واحد فههنا أولى بعد الصِّحَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ هَهُنَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَا فِي التَّأْبِيرِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اتِّحَادُ الْمِلْكِ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ولم أره لغيره وكيف ما كَانَ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ فَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ وَالنَّوْعِ أَوْلَى (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرَدُ النَّوْعُ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْبُسْتَانِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ

(11/457)


فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ فَلَا يقال الوقت وقت بد الصلاح فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهبة هذا الا قَائِلَ بِهِ وَكَأَنَّهُ أَوْجَبُ لِلرَّافِعِيِّ ذَلِكَ إجْمَالُ الْكَلَامِ وَعَدَمُ إفْرَادِ كُلِّ صُورَةٍ بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَتَتَعَدَّدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي آخِرِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ وَقَبْلَهَا صُورَتَانِ وَإِذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ فتصير تسعا (وأعلم) ان الصورة الممكنة من الاختلاف في ذلك ستة عشر هَذِهِ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ وَسَبْعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (الاولى) ان يتحد الجميع (الثانية) ان يخلف الْجِنْسُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ (السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ (السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَهَذِهِ السَّبْعُ تَقَدَّمَتْ (الثَّامِنَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ نَوْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحْدَهَا عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا خِلَافٌ إذَا جَعَلْنَا النَّوْعَيْنِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُورَانِيَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ

(11/458)


لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التأبير بحث في اثبات الخلاف فلينظر هُنَاكَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا وَعَنْ مُوَكِّلِهِ نَوْعًا فِي بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بَدَا صَلَاحُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُ الْآخَرِ وقلنا ان الصفقة لاتعدد وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَبِيعٌ يَصِحُّ فهل يصح من غغير شَرْطِ الْقَطْعِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ أولا اعْتِمَادًا عَلَى تَعَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الْعَاشِرَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرِدُ الشَّخْصُ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ آخَرَ وَقَدْ نقدم (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ شَخْصٌ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا مِنْ بُسْتَانِهِ وَعَنْ مُوَكِّلِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرَ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تخلف الصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعتمادا على بدو الصلاح في ملك غره مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ النَّوْعُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَيُفْرِدَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ بستان غيره

(11/459)


فَإِنْ صَحَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي إفْرَادِ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْبُسْتَانُ مَعَ اخْتِلَافِ الثالاثة فَيَبِيعَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ البستان ولا يبعد مجئ خِلَافٍ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تَتَّحِدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْمِلْكُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَقَطْ وَفِي التَّصْحِيحِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَّةُ الصور كلها لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا هَلْ هُوَ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ كَلَامُ الجمهور يقتضي الاول ولافرق فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا تَكَلَّمُوا إنَّمَا يَذْكُرُونَ الْبُسْتَانَ وَالثِّمَارَ فَلَيْسَ إلَّا عَلَى جِهَةِ ذِكْرِ
بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَالثِّمَارِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا لَكِنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تسنبل جميع الحب والظاهران ذَلِكَ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى

(11/460)


سبيل الاشتراط فانه لوتسنبل بَعْضُ الْحَبّ وَاشْتَدَّ وَبَعْضُهُ إلَى الْآنَ بَقْلٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَبِيعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَلْ يَبِيعُ الْمُؤَبَّرَ حَالَةَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ بَاعَ الْبِطِّيخَ عَلَى أُصُولِهِ بَعْدَ بُدُوِّ النُّضْجِ وَالْإِدْرَاكِ جَازَ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ كَالثِّمَارِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بِطِّيخَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا الْبِطِّيخَ وَبَاعَ الْجَمِيعَ جَازَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كُلُّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ ثَمَرِهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَلْتَحِقَ الصِّغَارُ بِالْكِبَارِ قاله صاحب التتمة.
ولايجوز بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ وَجَهَالَتِهِ وَيُخَالِفُ الْغَائِبَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَلْعِ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ القبيط فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِيهِ وَإِنْ بلغه فيجوز مطلقا وبشرط التبقية يترك حتى تلتحق الصغار الكبار كَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ عُرُوقُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ.
وَالسَّلْجَمُ إنْ كَانَ المعظم منه ظاهر افكالقبيط وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَكَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا.
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ

(11/461)


الْأَصْلِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي ذَلِكَ الْقَدَّاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حكمها قاله في الاسنقصاء.
(فرع)
ولايجوز في شئ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْوَرْدِ وَمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ في سننه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يجوز.
(فرع)
لا خلاف انه لابد من وجود الصلاح في شئ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَافٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ في اقامة وقت التأبير مقام التأبير ونهت عَلَى ذَلِكَ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَقْتِ انه لا يشترط وجو الصَّلَاحِ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ ان الوقت إذا حضر فلابد أَنْ يُوجَدَ فِي بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(11/462)


(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ بُسْتَانَانِ فِيهِمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا فِي الْآخَرِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ هذا بالبيع دُونَ الْآخَرِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِحُكْمٍ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّخْلَ أَيْضًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الزَّرْعِ بِخُصُوصِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فرق والله أعلم.
(فرع)
قد تَفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ وَقْتِ التَّأْبِيرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ التَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصَّفْقَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ مَعَ حُصُولِ التَّأْبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا اعْتِبَارُ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ أَصْلًا فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لان العادة فيها تركها إلى الحصاد والجذاذ فلم يكلف نقله قبله كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل أنه لا يكلف نقله الا بالنهار فان احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقى يلزم البائع ذلك لانه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ والحصاد وذلك لا يحصل الا بالسقي فلزمه) .

(11/463)


(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ التَّخْلِيَةُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فِي الزُّرُوعِ والجذاذ في الثمر وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ قَرِيبًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبَيَّنَّا أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُعْتَبَرُ من العادة مالا يُعْتَبَرُ مِنْ الْعَادَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِمَّا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ مُوجَبَ الشَّرْعِ تَفْرِيغُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَصْلَ التَّفْرِيغِ مَقُولٌ بِهِ وَكَيْفِيَّتُهُ تُتَلَقَّى مِنْ الْعُرْفِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا بِاللَّيْلِ لَا يُكَلَّفُ نَقْلَهُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَأَمَّا السَّقْيُ فَجُمْهُورُ
جَمَاعَاتِ الْأَصْحَابِ أَوْجَبَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ جَمَاعَاتٌ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ (وَالثَّانِي) على البائع لان مُتَّصِلٌ بِمِلْكِهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وجهان بناء على مالو أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلَ أَصْلَهُمَا الْقَوْلَيْنِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَدِيدَ أَنَّهَا مِنْ ضمان المشترى

(11/464)


والمذهب ان السقى عل الْبَائِعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْقَدِيمِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وُجُوبَ السَّقْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ حَكَوْا طَرِيقَةً قَاطِعَةً عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَالُوا إذْ لَا يجب السقى على الْبَائِعِ هُنَا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا وَعَدَمُ رَدِّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَكِنْ لَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى هُنَاكَ قَاطِعَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى الفولين فيحتمل ان يكون أصحاب هاتين الطريقين يُوجِبُونَ السَّقْيَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ الْإِبْقَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ شَرْطِ الْقَطْعِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ وُجُوبِ السَّقْيِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَطْعِ فَكَيْفَ نُوجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْقَطْعِ إذَا خِيفَ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ طَلَبِهِ بِالتَّسْلِيمِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ نَصْبُ النَّاطُورِ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ.
(فَرْعٌ)
إلَى مَتَى يَنْتَهِي الزَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ فيه السقي يجئ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا على ما سنحكيه في مسألة وضع الحوائح ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَالثَّانِي) يَتَأَخَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا لَا يُنْسَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إلَى تَوَانٍ بِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ (وَالثَّالِثُ) بِنَفْسِ الْجُذَاذِ وَهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي السَّقْيِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا هُنَاكَ.

(11/465)


(فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا ابطلناه أيضا من قبل انه بيع وجارة فِي أَوْلَى قَوْلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ عِلَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَالْجُذَاذُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي نِهَايَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ هَلْ هُوَ بِوَقْتِ الْجُذَاذِ أَوْ بِنَفْسِ الْجُذَاذِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَعَلَى البائع لانها لا تصير مسلم إلَّا بِهِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في السلسة إذا اشترى ثمرة علي رؤس الشجر بعد بدو الصلاح فتركها عليها لى أَوَانِ الْجُذَاذِ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْوَادِي فَإِنْ ضَرَّ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ بِالشَّجَرَةِ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَرَرٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا لِلثِّمَارِ نَفْعٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الثِّمَارِ بِالْقَطْعِ وَلَوْ تُرِكَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ لَمْ تَزِدْ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ قُطِعَتْ لَمْ يُنْقِصْ الْقَطْعُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهَا فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِقَطْعِهَا فهل يجبر على القطع فعلى قولين بنبنيان على ما إذا أسلم في شئ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ وليس في قبضه مزية فهل يجبر عل قَبُولِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثمرة هنا والا فيجبر وهذ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ وَعَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ عَوْدِ الْمَاءِ وَعَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) إذَا تَوَقَّعَ النَّفْعَ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى القطع ومن

(11/466)


هُنَا أَيْضًا نَأْخُذُ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعٍ مِنْ غير حصول عيب ولاضرر لَا يُثْبِتُ خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا سَيَأْتِي من كلا الصيد لاني فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةً لِلْبَائِعِ.
(فَرْعٌ)
قَرِيبُ مِنْ هَذَا فِيمَا إذا أصابت الثمار آفة بحيث لانمو أَوْ لَا فَائِدَةَ فِي تَبْقِيَتِهَا هَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا.
(فَرْعٌ)
بَاعَ الْجَمْدَ فِي الْمُجْمِدِ وَكَانَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ مَعْلُومًا صَحَّ وَيُسَلَّمُ بِحَسْبِ الامكان وفيه
وجه ان يلزمه تسليما عَلَى الْعَادَةِ بِأَخْذِ الْجَمْدِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ وَقْرًا أَوْ وَقْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ عَلَى الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ الْمَشْحُونَتَيْنِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيغُهَا فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى مَرِّ الايام على عادة تفريغ المجامد فعلى ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَدْ يُورِدُ هَذَا الْفَرْعُ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى حِمْلَ حَطَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي موضع البيع ولا يلزمه حمله لاى بَيْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ قَدْ تَقْضِي بِذَلِكَ.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.
(وإذا اشترى ثمرة علي الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واخنلطت ولم تتميز أو اشترى حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخري ففيه قولان (أحدهمام) ينفسخ البيع وهو الصحيح لانه تعذر التسليم المستحق بالعقد فان البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله فان رضى البائع بتسليم ماله لم يلزم المشترى قبوله وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع (والثاني) لا ينفسخ لان المبيع باق وانما انضاف إليه زيادة فصار كما لو باع عبدا فسن أو شجرة فكبرت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فسخ العقد) .

(11/467)


(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِحُكْمِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَرَاتِبَ (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرْتُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ كَلَامِ المصنف ان تكون الثمرة مبيعة فنخلط بغيرها وذلك اما فيما يحمل حملا واحد أو كان قَدْ اشْتَرَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْقُطَ الْمُشْتَرِي ثَمَرَهُ وَاخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَتَمَيَّزُ بِالْكِبَرِ والصغر أو نحو هما فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُتَقَدِّمَةَ وَلِلْبَائِعِ الْحَادِثَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيين.
وان لم تتميز أو اشريت حِنْطَةً فَلَمْ تُقْبَضْ حَتَّى انْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَعْلُومَةِ الْقَدْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم الستحق مَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فِي ضِمْنِ الْجَمِيعِ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ وَعَيَّنَ أُخْرَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبِرُ الْمُبْتَاعَ عَلَى الْقَبْضِ نَقُولُ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَسْمَحُ بِحَقِّي فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ (الثَّانِي) نَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَكَذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فَإِذَا سَمَحَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ كَانَ كَزَوَالِ الْعَيْبِ فَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي قَالَ هَؤُلَاءِ وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ أَكْمَلَ مَا كَانَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ فاعطى أجود مما ذكروه وارادأ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ان الصحيح

(11/468)


الْأَوَّلُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وابن ألي عَصْرُونٍ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حِكَايَةُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ان العقد لا ينفسخ ولاخيار وَيُجْعَلُ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالِاخْتِلَاطِ بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَهُ الامام وحكاه الجوزي عن أبي سلمة والمروزي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ طَرِيقَةً أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهَا دَلِيلَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ قَالَ وَهَذَا أَوَضَحُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الثِّمَارِ بِالتَّخْلِيَةِ لَكِنْ وَإِنْ قُلْنَا قَبْضُهَا بِالتَّخْلِيَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَبْضٍ تَامٍّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالتَّسْلِيمُ التَّامُّ إنَّمَا هُوَ حِينَ الْجُذَاذِ وَشَبَّهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ رِضَى الْبَائِعِ بِتَرْكِ حقه بالاعراض عَنْ النَّعْلِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً وَنَعَلَهَا ثما اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ الْإِمَامُ وَمَسْأَلَةُ النَّعْلِ لَيْسَتْ خَالِيَةً عَنْ خِلَافٍ وَهَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِطَوْقِ مِنَّةِ الْبَائِعِ فِيهِ بُعْدٌ وَفِي هبة المجهول غوائل فالمسألة إذا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَإِنْ أَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى تَخَيُّرِهِ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فيما إذا انسالت حِنْطَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْكُلَّ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهَيْنِ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُسَاعَدَةِ الْإِمَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَالَ انه لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا كَلَامٌ مَتِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْمُشْتَرِيَ
عَلَى الْقَبُولِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وانه لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الامام في باب الخراج بالظمان بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي هِبَةِ الضَّمَانِ وَقَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُ مَعْنَى أُنَبِّهُ عَلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى انْثَالَتْ عليها

(11/469)


حِنْطَةٌ أُخْرَى هُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كانا معلومي القدر اولا لَكِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعٍ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا للبائع إن سمحت بحقك أقرى الْعَقْدُ وَأَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبُولِ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ مَا فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ فُسِخَ الْعَقْدُ أَيْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولايقال لِلْمُشْتَرِي هَهُنَا أَنْكِرْ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَمِيعًا إلَى الْبَائِعِ لِئَلَّا يَفُوزَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وما ذكره المصنف من انفسخ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمَا بِالتَّدَاعِي وَهُوَ يُوَافِقُ ما تقدم عن صاحب التقريب.
(فرع)
لوانثال عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَهُمَا مَالَانِ اخْتَلَطَا فَإِنْ اصْطَلَحَا على شئ كان القول قول من الشئ فِي يَدِهِ فِي قَدْرِ مَا لِصَاحِبِهِ قَالَ أبو إسحق وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَرَكَ الطَّعَامَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَاخْتَلَطَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ فَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ اخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالْخَارِجَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ أَمْ قَبْلَهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِيهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفَرَّقَ هُوَ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُبِضَ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَالثَّمَرَةُ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَإِنَّ كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهَا عَلَى الْبَائِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّقْيَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ عَطِشَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ فَلَمْ يَأْتِ فِي الثَّمَرَةِ بِلَفْظِ الْقَبْضِ بَلْ بِلَفْظِ الْأَخْذِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُهَا مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَمُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ

(11/470)


وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ فِي الْجَرِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَطِشَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يجب على البائع السقى وقد حكمي الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَرِيبٌ فِي النَّقْلِ وَمِثْلُهُ فِي الْغَرَابَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ (فَإِنْ قُلْنَا) تُوضَعُ كان كما قبل القبض والا فيتفاصلان بالخصومة أو الاصطلاح فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى الْجَدِيدِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ العراقيون فقد تلخص في اختلاط الثمار اه إنْ كَانَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَرَى الْقَوْلَانِ بِاتِّفَاقِ الطُّرُقِ وَقِيَاسُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُقَالَ هُنَا إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فالمشهور وهو طريقة العراقيين جريان القولين كما قبل التخلية واختار المزني والامام الغزالي عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَمِمَّنْ اخْتَارَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ أَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لافرق فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَيَلْزَمُهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْجُذَاذِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مِنْهُ مُكَايَلَةً وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جُزَافًا ثُمَّ اخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَائِدَةٌ) إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ ذِي الْيَدِ قَالَ الْإِمَامُ سَبِيلُهُ فِي الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى بَيْعًا في الصاعين فسينكره البائع ثم برجع الكلام إلَى اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ.

(11/471)


(فَرْعٌ)
الْيَدُ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ القطاف للبائع أو للمشترى أولهما ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ نَقَلَهَا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَا الثِّمَارَ فِي يَدِ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا
فِي يَدِهِمَا فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ وَلَا الْغَزَالِيُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْوَجْهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقْسَمَ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا
(أَحَدُهُمَا)
يَحْلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْكُلَّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الدَّعَاوَى.
(فَرْعٌ)
قَدْ تقدم حكاية الخلاف في التصحيح فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَالرَّافِعِيَّ قَالَا إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ التَّلَاحُقُ الطَّارِئُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِطَرَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَنْبَغِي إذَا طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ.
(فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَسْمَحُ فَفِي سقوط خيار المشتر وَجْهَانِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذا لم يسمح البائع فالمشترى يفسح وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ وَأَيْضًا قِيَاسُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ ان ذلك من باب العيون فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا أَنْ

(11/472)


يُسْقِطَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَخَّرَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ سَقَطَ حَقُّهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ اعْتَرَفَا وَالِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالِالْتِبَاسِ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْكَلَامُ إلَى الْوَقْفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَقَوْلُهُ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ التَّامِّ فَلَا خِيَارَ وَلَا يُفْسَخُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ فَعِنْدَهُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بعدم الانفساخ فيحنئذ إذَا رَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الِاصْطِلَاحِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
(فَرْعٌ)
هَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ إذَا بَلَغَ نِهَايَتَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فانه يترك حتى يتلا حق فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَاعَ فِي الْحَالَتَيْنِ ثُمَّ
ظهر شى آخر واختلط بالمبيع جرى القولان وكذلك الخر بر وهو البطيخ وهكذا القثاء والخيار وكل ماله حَمْلٌ بَعْدَ حَمْلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ والاصحاب فلو كان المبيع شجر الباذنجان فيسأتي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.

(11/473)


(فَرْعٌ)
فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
لَوْ اخْتَلَطَ الطَّعَامُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أوجه (اما) ان يكون كلامنهما مَعْلُومَ الْكَيْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ الْمَبِيعِ قَدْرُ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ قَدْرُ الْمَبِيعَ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ صار مختلط العين متميز القدر وتميز والقدر يمنع من الجهل وهو أقى الْمَقْصُودَيْنِ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْعَيْنِ مُغَيِّرٌ لِلصِّفَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ فَصَارَ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ صَارَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ عَلَى قَدْرِ الْحِصَّتَيْنِ.
وَإِنْ كَانَ الطعام مُتَمَاثِلَيْ الْقِيمَةِ تَقَاسَمَاهُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْقِيمَةِ بِيعَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَنِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الطَّعَامَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ ذلك كيلا على الحصص دون القمية فَيَجُوزُ.
ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ بِكَمَالِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا تَكُونُ إلَّا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(11/474)


* (فَرْعٌ)
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ صحيح بحاله وكذلك الثمر إذَا كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطعام أو الثمر مَعْلُومًا بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي مَضَتْ تَقَاسَمَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطَّعَامِ مَجْهُولًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وإن تراضيا على شئ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْمُشْتَرِي قَدْ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قدر ماله مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْبَائِعِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قول المشترى في قدر ماله مِنْ مَالِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَكَانَ أَعْرَفَ بِقَدْرِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحْدَثِ الْيَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خَطَأٌ
لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْيَدِ فِيهِ كَانَتْ الْيَدُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً مِنْ الْيَدِ الْمُرْتَفِعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ التَّصْوِيرِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُزَنِيّ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ تَكُونُ صُبْرَتُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
لَوْ صَدَرَ الْخَلْطُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ قَصْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ.

(11/475)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا يَنْبَنِيَانِ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَنْفَسِخُ فِيهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (وَالثَّانِي) لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ هَهُنَا (وَإِلَّا) فَلَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْكُلِّ قَالَ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دُرَّةً وَوَقَعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ يَنْفَسِخُ العقد لوجود المعنين وان وقعت في وادى إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ عُصْفُورًا ثُمَّ اخْتَلَطَ بِعَصَافِيرِ الْبَائِعِ قبل القبض أو حنطة فانثالت فيها حِنْطَةٌ أُخْرَى لِلْبَائِعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لا ينفسخ وقال أبو يعقوب كل الابيوردى ينفسخ قال القاضي ويكن تَخْرِيجُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَكَذَا لَوْ نَهَبَهُ التُّرْكُمَانُ أَوْ غَارُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَشَبَهِهَا لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَبَيْنَ الْيَأْسِ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ متميزا فهو متعذر ومأيوس مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ تَسْلِيمُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ بمتعذر ولا مأيوس مِنْهُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْعُصْفُورِ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً فَاخْتَلَطَتْ بِقَطِيعٍ لَا تَتَمَيَّزُ

(11/476)


فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَالَ وَتُفَارِقُ الْحِنْطَةَ لا ان هُنَاكَ الْإِشَاعَةَ لَمْ تَمْنَعْ الْبَيْعَ وَهَهُنَا الِاشْتِبَاهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَقْدِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حكم من اختلطت شاته بقطيع الانسان قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي القبض ان يتسلط به على المقبول وَيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ
وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِقَبْضِ الْجُمْلَةِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَرَادَ التَّرْجِيحَ فِي الْجُمْلَةِ فَالْحِنْطَةُ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالثَّمَرَةِ لِمَا لَحَظَهُ مِنْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ وَالِاشْتِبَاهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ لان الخلط ههنا لو اقتضى الا شاعة كَمَا يَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَأَيْضًا فَكَانَ يَفْصِلُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بالمثل والاردأ أو بالوجود كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ هُنَاكَ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هَهُنَا أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِالْأَجْوَدِ أَوْ بِالْمِثْلِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِشَاعَةَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَتَأَثَّرُ بِالْخَلْطِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْإِشَاعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ يُوَافِقُ وَجْهًا فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا خُلِطَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ هُنَاكَ بِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ هُنَا وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كان قول

(11/477)


* الْإِشَاعَةِ مُلَاحَظًا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ وَالْحِنْطَةِ لَكُنَّا نَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ هَهُنَا فِيمَا أَعْلَمُ وَإِنَّمَا القائل بعد الِانْفِسَاخِ يَقُولُ بِالتَّخْيِيرِ نَعَمْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْحِنْطَةِ وَبَعْدَ الْجُذَاذِ فِي الثَّمَرَةِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِشَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُشْتَرَكًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِقْدَارُ مَعْلُومًا وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ بِحُكْمِ الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ اشْتَرَى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشترى واختلطت ولم تتميز ففيه طريقان قال أبو على بن خيران وأبو علي الطبري لا ينفسخ العقد قولا واحدا بل يقال إن سمح أحد كما بترك حقه من الثمرة أقر العقد لان المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره وإنما اختلط ما عليها من الثمرة والثمرة غير مبيعة فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشترى

(11/478)


فاختلط أحد الطعامين بالآخر فان البيع لا ينفسخ في الدار وقال المزني وأكثر أصحابنا أنها على قولين كالمسألة قبلها لان المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع وإن اشترى رطبة بشرط القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وان لم تسمح فسخ العقد لانه لم يختلط المبيع بغيره وانما زاد المبيع في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن الثاني وهو الصحيح أنه على قولين أحدهما لا ينفسخ البيع والثاني ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العقد فان تلك الزيادة لاحكم لها ولهذا يجبر البائع على تسليم العقد مع السمن والكبر لهذه الزيادة حكم ولهذا لا يجبر البائع على تسليمها فدل على الفرق بينهما) .
(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ هُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَاطِ (إحداها) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً أَوْ أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الداخلة في البيع من الثمرة حمل.
إذ اشترى شجر وَعَلَيْهَا حَمْلٌ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ مُؤَبَّرًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْبَائِعُ حَتَّى حَدَثَ حَمْلُ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ أَمَّا مَا يَحْمِلُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ متى كان على النخلة شئ مُؤَبَّرٌ كَانَ جَمِيعُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ الْحَادِثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَالْحَمْلُ الْحَادِثُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى

(11/479)


وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (إحْدَاهُمَا) طَرِيقَةُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَصَّ عليها ولا تجئ عَلَى مَذْهَبِهِ أَيْضًا بَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَقَدْ نَكَّتَ ابْنُ خَيْرَانَ وَمَا قَصَّرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وكذلك الماوردى قال ان ماقاله ابْنُ خَيْرَانَ أَصَحُّ جَوَابًا وَتَعْلِيلًا وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ صَحِيحًا
قَالَ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَوْلَى مِنْ نُصْرَةِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَالطَّبَرِيِّ إنَّهُمَا قَالَا إنَّ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ نَقْلُهُ فِي الْأُمِّ فَوَقَعَ الْغَلَطُ فِي النَّقْلِ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ فِي المبيع فصار كما لو اشترى رجل ثمار أو تجددت ثِمَارٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَتْ الثِّمَارُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِيَارَ بِعَيْبِ الثِّمَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الكافي (والطريقة الثانية) وبها قال المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا نَسَبَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَصَّهُ عليها فان المزني ثقة فما نقله عنه وفي المسألة مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِيهَا يُقَالُ لِلْمُبْتَاعِ أَتَسْمَحُ فَإِنْ سَمَحَ وَإِلَّا قِيلَ للبائع اتسمح فلولا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الشَّجَرِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَتَسْمَحُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْخَارِجَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحَادِثَةُ لِلْمُشْتَرِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الشَّجَرُ ثُمَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّجَرَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّمَرَةُ فَإِذَا اخْتَلَطَتْ

(11/480)


الْخَارِجَةُ بِالْحَادِثَةِ فَقَدْ اخْتَلَطَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا قَرِيبٌ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ أَسْقَطَ الْمَسْأَلَةَ بِالْأَصَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ إنَّ فِيهَا مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (قُلْتُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ وَأَمَّا إسْقَاطُ ابْنِ خَيْرَانَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَقَدْ نَقَلَهَا فَلَمْ يبق لابن خيران متعلق الان أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِيهَا وَجَوَابُهُ بِمَا أَبْدَاهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ ينفي الجزم بخطائها وَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ عَلَى جَلَالَتِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ بَيْنَ مُنْكِرٍ لِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَمُقَلِّدٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِمَا لَا يتحمل التَّأْوِيلَ إلَّا بِتَعَسُّفٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخر باب تمر الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ وَمَا أَثْمَرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْقَضَتْ فَمَا خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِمُشْتَرِي الْأَصْلِ وَصِنْفٌ من الثمرة مكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حَتَّى لَا يَنْفَصِلُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ فِي شَجَرِهِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ مَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَى بِمَا لَمْ يَشْتَرِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونَ قَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أَوْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَيَكُونَ قَدْ تَرَكَ لَهُ حَقَّهُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي)
أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَقَدْ اخْتَلَطَ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ البيع ما لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةَ التِّينِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ نَتَجَتْ الْأَغْصَانُ وَلَمْ تَبْرُزْ الثَّمَرَةُ فَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْأَغْصَانِ فَإِنَّهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ إذَا شَرَطَهَا الْبَائِعُ لنفسه فيشترط فيها القطع على النص فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ قَدْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا تَكَلُّفٌ

(11/481)


بَعِيدٌ وَقَدْ أَحْسَنَ الْمَحَامِلِيُّ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ خَيْرَانَ مَذْهَبًا وَحِجَاجًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَبَيْنَ تَعَيُّبِ الثِّمَارِ الْمُتَّحِدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ سَبَبُهُ بَقَاءُ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْبَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ تَخْلِيَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ حَصَلَ الاختلاط بسبب ما استقاه الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَقَرُبَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْأَحْجَارِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ قَلْعِ بَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِنَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ تَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى مَا إذَا ابْتَاعَ الشَّجَرَةَ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي ثَانِيًا الثَّمَرَةَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْحَادِثَةُ فَاخْتَلَطَتْ بِهَا وَهُنَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَوْلَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ بِأَنَّ هُنَا وَإِنْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا أَعْرِفُ شَجَرَةً تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا التين فانه يحمل النور وذى ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ قَالَ

(11/482)


غَيْرُهُ إنَّ النَّارِنْجَ وَالْأُتْرُجَّ وَالرَّانِجَ أَيْضًا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَوْعٍ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهَا كَالتِّينِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ كَوْنِنَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَادِثَةَ تَابِعَةً لِلْخَارِجَةِ كَمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَيْثُ جَعَلْنَا الطَّلْعَ الْحَادِثَ تَابِعًا عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النَّخْلِ أَنَّهُ يَحْمِلُ حَمْلًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ حَمْلِهِ لِلْبَائِعِ كَانَتْ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ لَهُ وَالتِّينُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَالثَّانِي كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (قُلْتُ) وَالْآخَرُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي شَجَرٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نَقُولُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ مُطْلَقًا إنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَخْلَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ تَحْمِلُ فِي
السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْحَمْلَيْنِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ انْفِصَالًا بَيِّنًا غَيْرَ مُتَلَاحِقٍ لَمْ يَتْبَعْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الَّتِي قَدَّمْتُهَا تَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالٌ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ الْحَمْلُ الثَّانِي تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً فَإِنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ (فَالْجَوَابُ) إنَّ في لطلع وجهين

(11/483)


وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الطَّلْعِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَمْلٌ وَاحِدٌ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُ وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمْلُ الثَّانِي مَعَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا تفريع عليه (وان قلنا) يَنْفَسِخُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَمَنْ سَمَحَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ امْتَنَعَا فَسَخَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ ابْنِ خَيْرَانَ إنْ تَرَاضَيَا وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا ينفسخ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَا حَدَثَ تَأْثِيرًا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَحْسَنُ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ لان الاختلاط في غير

(11/484)


المبيع لاأثر لَهُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ بِعِبَارَةٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمَحْ بِتَرْكِ ثَمَرَتِكَ فَإِنْ سَمَحَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ نُظِرَ فان كان الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ قَالَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَرُبَّمَا يُظَنُّ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُنَافَاةٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَيَّنَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَوْلَ بِالْفَسْخِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَعَنْ
ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ قَوْلَيْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خيران فقط فكلام أبي الطيب لايراد عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ على قول عدم الانقساخ وهو مشترك بين قول ابن خيران وحد قولى طريقة الخلاف وكلام المصنف الا يراد

(11/485)


عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ مَنْ سَمَحَ مِنْكُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ واحد منهما لايقر الْعَقْدُ وَيُفْسَخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَعْدَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وقالها تفريعا على عدم الانقساخ كان يتعذر عَنْهُ بِمَا اُعْتُذِرَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُشِيرٌ إلى انه لامزية فِي غَرَضِ تَرْكِ الْحَقِّ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْبُدَاءَةِ بِالْمُشْتَرِي وَالْأَقْرَبُ التَّسْوِيَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالْقَوْلِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَتِّمٌ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُدَاءَةِ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
أَوْرَدَ عَلَى إلْزَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ قَبُولَ مَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ مَا إذَا سَمَحَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِتَقْدِيمِهِ بِتَمَامِ الثَّمَنِ لِيَسْتَمِرَّ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَفِيهِ

(11/486)


نَظَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُخْرَى.
إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَقْلَعْ فَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى طَالَتْ وَعَلَتْ فَقَدْ عَطَفَ الْمُزَنِيّ هَذِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (1) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هذا أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وجهور أصحابنا والامام الرويانى وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَلَّطَ الشَّيْخُ أبو حامد القائل والاول وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ
الْقَائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وصيرورة البلح بسر أو ما أشبه ذلك ليست بِعَيْنٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي أَطْرَافِهِ وَلَا فِي عَدَدِهِ وَالرَّطْبَةُ إذَا طَالَتْ تَفَرَّعَ لها أغصان وحدثت أعيان لتكن فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ وَحَسَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الجواب بقوله ان تلك الزيادة لاحكم لها فلم يقال إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهَا عَيْنٌ قَطْعًا وَلِهَذَا احْتَاجَ الْأَوَّلُونَ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِعَدَمِ زِيَادَةِ أَطْرَافِهِ وعدده لكنها وان كانت
__________
(1) كذا بالاصل

(11/487)


عَيْنًا فَلَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَعَهَا فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمُ عَنْ الْمُشَاحَحَةِ وَقَدْ يُفْرَضُ طُولُ الرَّطْبَةِ مِنْ غَيْرِ تفرع أغصان وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّطْبَةَ وَطُولُهَا ذِرَاعٌ فَأُجْبِرَ فِي نِصْفِ طُولِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ فَإِنَّهُ لَوْ هَزَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لم يسقط شى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرطبة حَدَثَتْ فِي الْأُصُولِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُوثِ حَمْلٍ آخَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا عَيْنٌ مُتَمَيِّزَةٌ بِخِلَافِ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَيِّزًا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرَّطْبَةِ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَتْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ والشيخ أبو حامد قبلها وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلَيْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الِانْفِسَاخُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسْخٌ أَيْ يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي

(11/488)


اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ وَمَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فُسِخَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ولايقال للمشترى ان سمحت بحق أُقِرَّ الْعَقْدُ وَفِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَاخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ بِالْحَادِثَةِ يُقَال لِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَالْفَرْقُ أَنَّ في المسألتين الا ولتين إذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ فَازَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ.
(فَرْعٌ)
بَاعَ شَجَرَةَ الْبَاذِنْجَانِ إنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْخَرِيفِ لَا يَحْتَاجُ إلى شرط
القطع والا فيشرط القطع فان كان عليه نور فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَوْ ظَهَرَ بَاذِنْجَانٌ آخَرُ وَاخْتَلَطَ بِالْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ إنْ بَاعَ الْأَصْلَ مَعَ الثَّمَرَةِ لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّ شَجَرَ الْخِرْبِزِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ زَرْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ بَاعَ الْأُصُولَ قَبْلَ خُرُوجِ حَمْلِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ خُرُوجِ حَمْلِهَا فَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْحَمْلِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ بَاعَهَا دُونَ الْحَمْلِ أَوْ مُطْلَقًا فَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ والحادث

(11/489)


لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الَّذِي حَكَيْتُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ أفقه منه يَعْنِي مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ يَعْنِي كَلَامًا عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا (فَائِدَةٌ) إنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ تَأْخِيرِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَنْ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَشْبَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الاولى (قلت) المرتبتان الاولتان الِاخْتِلَاطُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ إمَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ في الرتبة الْأُولَى وَإِمَّا اخْتِلَاطُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فِي الرتبة الثَّانِيَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّطْبَةِ بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَالنِّزَاعُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمُخْتَلَطِ فِيهَا هَلْ هُوَ كَالْمُخْتَلَطِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أولا وَالنِّزَاعُ فِي الِاخْتِلَاطِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَاطَ الْمُحَقَّقَ بِقِسْمَيْهِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ذَكَرَ مَا يَقْبَلُ النزاع في كونه اختلاطا أولا لكن اجراء القولين هنا أَظُنُّهُ أَوْلَى مِنْ إجْرَائِهِمَا فِي

(11/490)


الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ حَقِيقِيٌّ وَإِنْكَارُ مَا فِيهِ ارْتِكَابُ ضَرْبٍ فِي الْمَجَازِ أَوْ الْقِيَاسِ وَكَوْنُ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ أَقُلْ الثَّالِثَةُ وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ كَأَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ اخْتَارُوا إجْرَاءَ الْقَوْلَيْنِ هُنَا دُونَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى وَدِيًّا فَكَبُرَ فَإِنَّهُ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُمَيَّزَةٍ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَاعِدَةً عَامَّةً أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً وَتَرَكَهَا حَتَّى تَكْبُرَ وَتَطُولَ وَتَزْدَادَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ وَأَنْوَاعِهِ فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ الْخِلَافِ وَالْقَصَبِ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ تُقْطَعْ حَتَّى نَمَا وَكَبُرَ إطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ثُمَّ قَالَ جَامِعُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ عَنْ القاضي وانه ينبغي ان تكون لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهَا كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا لَا يُخَلِّفُ فَلِلْمُشْتَرِي كَالصَّنَوْبَرِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ يُخَلِّفُ كَالْقَتِّ فَقَوْلَانِ (قُلْتُ) وَسَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَأَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهَا كَاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ

(11/491)


بِغَيْرِهِ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ بَاقِي الْفَتَاوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا فانه فيما لا يسخلف لايجتاج إلى شرط الْقَطْعِ وَتَكُونُ أُصُولُهُ لِلْمُشْتَرِي (فَائِدَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُكَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الظَّاهِرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الْجُذَّةَ الْمُرَادُ بِهَا الظَّاهِرُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِجَذِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عين في فرض هذه المسألة ان لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْبَاطِنِ.
(فَرْعٌ)
الزُّرُوعُ الَّتِي تُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الرَّطْبَةِ وَاخْتِلَاطِهَا قَالَ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أُصُولَ الزَّرْعِ الَّتِي مِنْهَا تَحْصُلُ الزيادة هكذ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السَّنَابِلَ لَيْسَتْ حَادِثَةً مِنْ خَاصِّ مِلْكِهِ بَلْ هِيَ مِنْهَا

(11/492)


عَلَى رَأْيِهِ وَجَعْلُهَا لِلْمُشْتَرِي أَقْرَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ فَهَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) الْقَلْعُ بِاللَّامِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ من أصوله كانت الاصول ملكه فكلما حَدَثَ مِنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْقُرْطَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَلَمْ يُقْلَعْ حَتَّى ازْدَادَ يَكُونُ مَا حَدَثَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى أُصُولَ الْبِطِّيخِ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ الْقَلْعِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أُصُولَ النَّبَاتِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ اسْتَعَارَ وَلَمْ تَبْلُغْ الْأُصُولُ فَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ أصل مملوك وهذا من صاحب التتمة بناء عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى مِلْكِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِطِّيخِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ بل لابد مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَلْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَجْزُومًا بِهِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَاعَ أُصُولَ النَّبَاتِ

(11/493)


مطلقا قال المتولي لايدخل الْبِطِّيخُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ حَتَّى ان الذي هو يرى ولم ينعقد لايتبع الْأُصُولَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَظْهَرْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَالنَّمَاءُ تَبَعٌ لَهُ فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ النَّمَاءِ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا هُنَا أَصْلُ النَّبْتِ لَيْسَ بمقصود وانما المقصود المثار فَلَا يُجْعَلُ الْمَقْصُودُ تَبَعًا.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يستخلف أولا يَسْتَخْلِفُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ بغير شرطه وَقَطَعَهُ بِمَكِنَةٍ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِ الْقَصِيلِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ فَهَذَا النَّصُّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَخْلَفَ خَاصَّةً فَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ وَإِنْ كان شاملا لما يستخلف ولما يَسْتَخْلِفُ وَلِمَا لَا يَسْتَخْلِفُ فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَا يَسْتَخْلِفُ لِلْبَائِعِ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَصِيلَ أَوْ الشَّجَرَ الْمُخَلِّفَ كَالْخِلَافِ وَالْقَصَبِ أَوْ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ
كُلِّهِ فَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى زَادَ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَالْقَتِّ قَالَ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً مِثْلَ أَغْصَانِ الْفَرَاصِيدِ يُبَيِّنُ مُقَاطِعَهَا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وفوق المقطع والطول يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الْقَتِّ وَالْكُرَّاثِ إنَّمَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ يبع غير متميز عما باع لانه لايعرف مَقَاطِعُهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ.

(11/494)


(فَرْعٌ)
فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إذَا اشْتَرَى وَرَقَ الْفِرْصَادِ مَعَ أَغْصَانِهِ فَتَرَاخَى الْقَطْعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ فَلَهُ الْقَطْعُ وَإِنْ اشْتَرَى الْوَرَقَ فَقَطْ فَتَأَخَّرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي قَوْلٍ لانه اختلط المبيع بغيره.
(فرع)
مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالرَّطْبَةِ وَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالطُّرَفَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْبَرْدِيِّ فِي خَرَابِزِهِ ذَكَرَهُ ابن خيران في اللطيف.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
.
(وَإِنْ كَانَ له شجرة تحمل حملين فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ به ولا يتميز فالبيع باطل وقال الربيع فيه قول آخر أن البيع يصح ولعله أخذه من أحد القولين فيمن باع جذة من الرطبة فلم يأخذ حتى حدث شئ آخر أن البيع يصح في أحد القولين والصحيح هو الاول لانه باع ما لا يقدر على تسليمه لان العادة فيها الترك فإذا ترك اختلط به غيره فتعذر التسليم بخلاف الرطبة فانه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم) (الشَّرْحُ) ضَبَطَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ حَمْلَيْنِ بِفَتْحِ الْحَاء قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَمْلُ بِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ وَحَمْلُ الشَّجَرَةِ مَرَّتَيْنِ

(11/495)


يقال ان ذلك التِّينِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْأُتْرُجِّ تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا أَوْ كَانَ غَالِبًا وَلَكِنْ شُرِطَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَّفِقْ حَتَّى وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا وَلَمْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَاكَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلٌ أَنَّهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا زَادَ مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَهَذَا
لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الرَّبِيعُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يجذه المشترى حتى حدثت أعيان أخرفان الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَلِطَ فِي هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّطْبَةَ إنَّمَا تُبَاعُ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُخَافُ تَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى رُبَّمَا حَدَثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَحْدُثْ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَهَهُنَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي تَبْقِيَتَهَا إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ فَإِذَا

(11/496)


عُلِمَ اخْتِلَاطُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُعْلَمُ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ حَالَ اسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ انْتَهَى وَشَبَّهُوهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَقَدْ أَطْبَقَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بالفساد ورد ماقاله الرَّبِيعُ قَالُوا وَإِنَّمَا وِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلًا بَعِيدًا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ سَمَحَ الْبَائِعُ بِبَذْلِ حَقِّهِ تَبَيَّنَّا انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي أَصْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْمَصِيرِ إلَى وَقْفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنْ طَرَدُوا هَذَا فَهُوَ عَلَى فَسَادٍ مُطَّرِدٌ وَمَا أَرَاهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِالْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَقْفِ الْعُقُودِ بَلْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي حِكَايَةِ

(11/497)


هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ حقك فان سمح والافسخ الْعَقْدُ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّبِيعِ فِي الْأُمِّ الَّتِي حَكَيْتُ بَعْضَهَا فِي صَدْرِ كَلَامِي مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَلَا يَتَبَيَّنُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ أَوْ عَدَمَ انْعِقَادِهِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ لَكِنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الرَّطْبَةَ لِأَجْلِ شَرْطِ الْقَطْعِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا وَهَهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَكَوْنُهُ تَسْلِيمُهُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَا يَكْفِي لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّذِي لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ اذفا لا أن الاختلاط
بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ أَنْ يَقُولَا بِالصِّحَّةِ هَهُنَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِلْبَائِعِ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ

(11/498)


وَحِينَئِذٍ تُسَاوِي مَسْأَلَةَ الرَّطْبَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يُمْكِنُ فِي حَالٍ إلَّا مَعَ الاختلاط لم يصح ذلك وذلك في جمة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا الماء يملك وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ حُدُوثَ مَا تَخْتَلِطُ بِهِ الثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا تَرَكَهَا فينبغي أن يجب القطع للمعذر الْمُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ نَقْلُ الرَّبِيعِ (قُلْتُ) وَإِيجَابُ الْقَطْعِ بِدُونِ شَرْطِهِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أولا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَلِهَذَا مَنَعُوا الاب من نكاح جارية ابن إذَا قُلْنَا لَوْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَشَاهِدُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ) وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا فِي إلْزَامِهِمْ الْعِرَاقِيِّينَ طَرْدَهُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ أَنَّهُ أَبْدَى فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ احْتِمَالًا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرُ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الرِّفَاقِ وَعَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِهِ

(11/499)


عَنْ الْكَفَّارَةِ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ أَنَّا إذَا مَنَعْنَا الْبَيْعَ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْعَبْدِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي نُفُوذُ الْبَيْعِ وَإِنْ كان يلتفت على الوقف وَلَكِنْ إذَا بَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَظَنُّ التَّعَذُّرِ لَا يَبْقَى أَثَرُهُ مَعَ تَبَيُّنِ خِلَافِهِ وَكَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُضَاهِي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ سَوَادٍ يَحْسِبَهُ عَدُوًّا ثُمَّ بَانَ خِلَافَهُ.
(فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الشَّجَرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ ظُهُورِ أَحَدِ الْحَمْلَيْنِ وَتَأْبِيرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ بِهِ فَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا بِشَرْطِ القطع وقال انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ يَعْنِي خِلَافُ الرَّبِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ وَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالصِّحَّةِ الْحُكْمُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِلَافِ يَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ الْحَمْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) إذا بَاعَ شَجَرَةً وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ
__________
(1) بياض الاصل فحرر

(11/500)


فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ (1) وَإِذَا بَاعَ شَجَرَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا جَزْمًا (2) وَإِذَا بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَعَلِمَ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ (3) وَلَوْ بَاعَ رَطْبَةً أَوْ شَبَهَهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (4) وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا رَطْبَةٌ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَيَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْتُهُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَظَهَرَ لَكَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالشَّرْطِ أَوْ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِالْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذا لم يكن تلاحق المثار غَالِبًا أَمَّا لَوْ كَانَ غَالِبًا فَمُقْتَضَى مَا تقرر بطلانه كما إذا باع
__________
(من 1 إلى 4) بياض بالاصلل فليحرر

(11/501)


ثَمَرَةً يَعْلَمُ تَلَاحُقَهَا بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَاكَ مَبِيعَةٌ فَتَعَذُّرُ تَسْلِيمِهَا مُوجِبٌ لِلْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ إمَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ شَرَطْنَاهُ أَوْ بِدُونِهِ فَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ مَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَيُجْرَى فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الطَّلْعَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ نَقُولُ هُنَا إنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ إنَّمَا بَقِيَتْ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ الطَّلَبُ الْحَادِثَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الطَّلْعَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَالِبُ تَلَاحُقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يعلم اختلاطها

(11/502)


بِغَيْرِهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةَ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ ثَمَرَتِهَا اُشْتُرِطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ كَالزَّرْعِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ القطع حتى خرج شئ آخَرُ فَالْخَارِجُ وَالْمَوْجُودُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَحْصِيلِ كُلِّ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَغَيْرِهَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْقَطْعِ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الارض مطالبته بالقطع قاله الروياني وغيره.
بعون الله تعالى قد تم طبع الجزء الحادي عشر..

(11/503)