المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب اللقطة

إذا وجد الحر الرشيد لقطة يمكن حفظها وتعريفها كالذهب والفضة والجواهر والثياب - فان كان ذلك في غير الحرم - جاز التقاطه للتملك، لما روى عبد الله ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال (ما كان منها في طريق مئاء فعرفها حولا، فان جاء صاحبها والا فهى لك، وما كان منها في خراب ففيها وفى الركاز الخمس) وله ان يلتقطها للحفظ على صاحبها، لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا.
كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه) وان كانت في الحرم لم يمر أن يأخذها الا للحفظ على صاحبها.
ومن أصحابنا من قال: يجوز التقاطها للتملك لانها أرض مباحة فجاز اخذ لقطتها للتملك كغير الحرم، والمذهب الاول، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض، فهو حرام إلى يوم القيامة، لم يحل لاحد قبلى، ولا يحل لاحد بعدى ولم يحل لى الا ساعة من نهار، وهو حرام إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها، ولا
يعضد شجرها، ولا تلتقط لقطتها الا لمعرف) ويلزمه المقام للتعريف، وان لم يمكنه المقام دفعها إلى الحاكم ليعرفها من سهم المصالح
(فصل)
وهل يجب أخذها؟ روى المزني أنه قال: لا أحب تركها.
وقال

(15/249)


في الام: لا يجوز تركها.
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يجب لانها أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة
(والثانى)
يجب، لما روى ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حرمة مال المؤمن كحرمة دمه) ولو خاف على نفسه لوجب حفظها، فكذلك إذا خاف على ماله.
وقال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما (ان كانت في موضع لا يخاف عليها لامانة أهله لم يجب عليه.
لان غيره يقوم مقامه في حفظها، وإن كان في موضع يخاف عليها لقلة أمانة أهله وجب، لان غيره لا يقوم مقامه، فتعين عليه، وحمل القولين على هذين الحالين، فإن تركها ولم يأخذها لم يضمن، لان المال انما يضمن باليد أو بالاتلاف.
ولم يوجد شئ من ذلك، ولهذا لا يضمن الوديعة إذا ترك أخذها فكذلك اللقطة،
(فصل)
وان أخذها اثنان كانت بينهما، كما لو أخذا صيدا كان بينهما، فإن أخذها واحد وضاعت منه ووجدها غيره وجب عليه ردها إلى الاول لانه سبق إليها فقدم، كما لو سبق إلى موات فتحجره (الشرح) حديث عبد الله بن عمر مروى من طريق عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وقد مضى للنووي تخريجه في زكاة الركاز.
وقد روى الجوزجانى والاثرم في كتابيهما قال، حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد قال حدثنى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال (أتى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
يا رسول الله كيف ترى من متاع يرى في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة؟ فقال عرفه سنه، فإن جاء صاحبه والا فشأنك به) وحديث (من كشف عن مسلم كربة الخ) سبق في غير موضع، وحديث ابن عباس مضى في الحج، وحديث ابن مسعود مضى في البيوع في غير موضع أما لغات الفصل فإن اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط.
قال الخليل بن أحمد لان ما جاء عل فعلة فهو اسم للفاعل، كقولهم همزة ولمزة وضحكة وهزأة.
واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل الضحكة الذى يضحك منه والهزأة

(15/250)


الذى يهزأ به وقال الاصمعي وابن الاعرابي والفراء: هي بفتح القاف اسم المال الملقوط أيضا وتعريفها عند الفقهاء المال الضائع من ربه يلتقطه غيره وقال الزمخشري، اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها وأصله من لفظ الشئ والتقطه إذا اخذه من الارض.
وأصل فعله في الكلام اسم الفاعل وفعلة اسم المفعول، غير أن كلام العرب جاء في اللقطة على غير قياس.
أجمع اهل اللغة ورواة الاخبار على أن اللقطة الشئ الملتقط.
ذكره الازهرى.
قال ابن عرفة الالتقاط وجود الشئ من غير طلب.
قوله (مئتاء) أي مسلوك مفعول من الاتيان، وقد تبدل التاء دالا لمجاورة النطق فتكون ميداء، ولا يزال العامة ينطقونها محرفة فيقولون المدأ.
وفى الحديث: لولا أنه طريق مئتاء لحزنا عليك يا إبراهيم أما الاحكام فإن اللقطة إذا وجدت بمضيعة وأمن نفسه عليها أخذها.
وهذا قول الشافعي رضى الله عنه.
وقال أحمد رضى الله عنه: الافضل ترك الالتقاط.
وروى معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال جابر وابن زيد والربيع بن خيثم وعطاه، ومر
شريح بدرهم فلم يعرض له.
وقال الشافعي رضى الله عنه: انه يجب أخذها لقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فإن كان وليه وجب عليه حفظ ماله وقال في الام في اللقطة الصغيرة في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهى لك فكلها، فإذا جاء صاحبها فاغرمها له.
وقال في المال يعرفه سنة ثم يأكله ان شاء، فإن جاء صاحبه غرمها له، وقال يعرفها سنة ثم يأكلها، موسرا كان أو معسرا إن شاء، إلا أنى لا أرى له أن يخلطها بماله ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له الخ.
اه وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب والحسن بن صالح وأبو حنيفة، وأخذها

(15/251)


أبى بن كعب وسويد بن غفلة.
وقال مالك ان كان شيئا له بال يأخذه أحب إلى ويعرفه، لان فيه حفظ مال المسلم عليه، فكان أولى من تضييعه وتخليصه من الغرق وقال ابن قدامة من الحنابلة في المغنى: ولنا قول ابن عمر وابن عابس ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة، ولانه تعريض لنفسه لاكل الحرام، وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الامانة فيها، فكان تركه أولى وأسلم، كولاية مال اليتيم وتخليل الخمر.
فإذا ثبت هذا فان اللقطة والضوال مختلفات في الجنس والحكم، فالضوال الحيوان، لانه يضل بنفسه، واللقطة غير الحيوان، سميت بذلك لالتقاط واجدها لها، ولها حالتان.
(إحداهما) أن توجد في أرض مملوكة، فلا يجوز لواجدها التعرض لاخذها
وهى في الظاهر لمالك الارض إن ادعاها، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عبد الله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال ما كان منها في طريق ميتاء فعرفها حولا، فإن جاء صاحبها والا فهى لك، وما كان في خراب ففيها وفى الركاز الخمس) والحال الثانية: أن توجد في أرض غير مملوكة من مسجد أو طريق أو موات فلا يخلو ذلك من أحد أمرين: إما أن يكون بمكة أو بغير مكة، فإن كان بغير مكة من سائر البلاد فعلى ضربين، ظاهر ومدفون، فإن كان ظاهرا فعلى ضربين أحدهما ما لا يبقى كالطعام الرطب فله حكم نذكره من بعد
(والثانى)
أن يكون مما يبقى كالدراهم والدنانير والثياب والحلى والقماش فهذه هي اللقطة التى قال فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حديث زيد بن خالد قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللقطة الذهب والورق فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه، وسأله عن ضالة الابل، فقال: مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها،

(15/252)


وسأله عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب) متفق عليه.
فعليه أن يقوم بشروط تعريفها ثم له بعد الحول إن لم يأت صاحبها أن يتملكها وإن كان مدفونا فضربان جاهلي وإسلامى، فإن كان إسلاميا فلقطة أيضا وهى على ما ذكرنا، وإن كان جاهليا فهو ركاز يملكه واجده وعليه وإخراج خمسه في مصرف الزكوات للحديث (وفى الركاز الخمس) .
وإن كانت اللقطة بمكة فمذهب الشافعي رضى الله عنه أنه ليس لواجدها أن يتملكها، وعليه إن أخذها أن يقيم بتعريفها أبدا بخلاف سائر البلاد، وقال بعض
أصحابنا: مكة وغيرها سواء في اللقطة استدلالا بعموم الخبر، وهذا خطأ لقوله صلى الله عليه وسلم (إن أبى إبراهيم حرم مكة، فلا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) وفى المنشد تأويلان: أحدهما وهو قول أبى عبيد: إنه صاحبها الطالب، والناشد هو المعرف الواجد لها.
قال الشاعر: يصيخ للبناة أسماعه
* إصاخة الناشد للمنشد فكأن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يحل أن يتملكها إلا صاحبها التى هي له دون الواجد، والتأويل الثاني وهو للشافعي رضى الله عنه أن المنشد الواجد المعرف، والناشد هو المالك الطالب، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال (أيها الناشد غيرك الواجد) يعنى لا وجدت كأنه دعا عليه، فعلى هذا التأويل معنى قوله: لا تحل لقطتها إلا لمنشد أي لمعرف يقيم على تعريفها ولا يتملكها، فكان في كلا التأويلين دليل على تحريم تملكها، ولان مكة لما باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها تغليظا لحرمتها باينت غيرها في ملك اللقطة، ولان مكة لا يعود الخارج منها غالبا الا بعد حول ان عاد، فلم ينتشر انشادها في البلاد كلها، فلذلك وجب عليه مداومة تعريفها، ولا فرق بين مكه وبين سائر الحرم لاستواء جميع ذلك في الحرمه.

(15/253)


فأما عرفة ومصلى ابراهيم عليه السلام ففيه وجهان.
أحدهما: أنه حل تحل لقطته قياسا على جميع الحل.
والثانى: أنه كالحرم لا تحل لقطته الا لمنشد لان ذلك مجمع الحاج، ثم اختلفوا في جواز انشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم انشادها في غيره من المساجد على وجهين (أصحهما) جوازه اعتبارا بالعرف وأنه مجمع الناس.
(فرع)
إذا ضاعت اللقطه من ملتقطها بغير تفريط فلا ضمان عليه لانها أمانه في يده فأشبهت الوديعة، فإن التقطها آخر فعرف أنها ضاعت من الاول فعليه ردها إليه لانه قد ثبت له حق التمول، وولاية التعريف والحفظ، فلا يزول ذلك بالضياع.
فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها، لان سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك به كالاول، ولا يملك الاول انتزاعها.
لان الملك مقدم على حق التملك، وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني، وليس له مطالبة الاول لانه لم يفرط، وان علم الثاني بالاول فردها إليه فأبى أخذها وقال عرفها أنت فعرفها ملكها إيضا، لان الاول ترك حقه فسقط، وان قال: عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لانه أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي، وان قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الاول احتمل وجهين.
(الاول) يملكها، لان سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الاول في تعريفها لنفسه.

(والثانى)
لا يملكها لان ولاية التعريف للاول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها، وكذلك الحكم إذا علم الثاني بالاول فرفعها ولم يعلمه بها، ويشبه هذا المتحجر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير اذنه، فأما ان غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجها واحدا، لانه معتد بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها، فإن الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه، ويفارق هذا ما إذا التقطها ثان فإنه وجد منه الالتقاط والتعريف.
(فرع)
إذا التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها جميعا، وإن قلنا بوقوف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها دون الآخر

(15/254)


وإن رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها
فهى لآخذها، لان استحقاق اللقطة بالاخذ لا بالرؤية كالاصطياد.
وإن قال أحدهما لصاحبه: هاتها فأخذها نظرت، فان أخذها لنفسه فهى له دون الآمر، وإن أخذها للآمر فهى له كما لو وكله في الاصطياد له.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإذا أخذها عرف عفاصها، وهو الوعاء الذى تكون فيه، ووكاءها وهو الذى تشد به وجنسها وقدرها، لما روى زيد بن خالد الجهنى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال (اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة، فان جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك) فنص على العفاص والوكاء، وقسنا عليهما الجنس والقدر، ولانه إذا عرف هذه الاشياء لم تختلط بماله، وتعرف به صدق من يدعيها، وهل يلزمه أن يشهد عليها وعلى اللقيط؟ فيه ثلاثة أوجه.

(أحدهما)
لا يجب لانه دخول في أمانة فلم يجب الاشهاد عليه كقبول الوديعة
(والثانى)
يجب لما روى عياض بن حمار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (من التقط لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب) ولانه إذا لم يشهد لم يؤمن أن يموت فتضيع اللقطة أو يسترق اللقيط.
(والثالث) أنه لا يجب لانه اكتساب مال فلم يجب الاشهاد عليه كالبيع، ويجب على اللقيط لانه يحفظ به النسب فوجب الاشهاد عليه كالنكاح، وإن أخذها وأراد الحفظ على صاحبها لم يلزمه التعريف، لان التعريف للتملك فإذا لم يرد التملك لم يجب التعريف.
فان أراد أن يتملكها نظرت، فان كان مالا له قدر يرجع من ضاع منه في طلبه لزمه أن يعرفه سنة لحديث عبد الله بن عمرو.
وحديث زيد بن خالد، وهل يجوز تعريفها سنة متفرقة؟ فيه وجهان.

(أحدهما)
لا يجوز، ومتى قطع استأنف، لانه إذا قطع لم يظهر أمرها
ولم يظهر طالبها.

(15/255)


(والثانى)
يجوز لان اسم السنة يقع عليها، ولهذا لو نذر صوم سنه جاز أن يصوم سنه متفرقه.
ويجب أن يكون التعريف في أوقات اجتماع الناس كأوقات الصلوات وغيرها، وفى المواضع التى يجتمع الناس فيها كالاسواق وأبواب المساجد لان المقصود لا يحصل إلا بذلك ويكثر منه في الموضع الذى وجدها فيه، لان من ضاع منه شئ يطلبه في الموضع الذى ضاع فيه، ولا يعرفها في المساجد، لما روى جابر قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا ينشد ضالة في المسجد فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا وجدت) وذلك لانه كان يكره أن ترفع فيه الاصوات، ويقول: من ضاع منه شئ، أو من ضاع منه دنانير، ولا يزيد عليها حتى لا يضبطها رجل فيدعيها، فان ذكر النوع والقدر والعفاص والوكاء، ففيه وجهان.
أحدهما: لا يضمن، لان بمجرد الصفه لا يجب الدفع، والثانى: يضمن لانه لا يؤمن أن يحفظ ذلك رجل ثم يرافعه إلى من يوجب الدفع بالصفة، فان لم يوجد من يتطوع بالنداء كانت الاجرة على الملتقط، لانه يتملك به، وان كانت اللقطة مما لا يطلب كالتمرة واللقمه لم تعرف، لما روى أنس قَالَ: مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تمرة في الطريق مطروحه فقال (لولا أن أخشى أن تكون من الصدقة لاكلتها) وان كان مما يطلب الا أنه قليل، ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: يعرف القليل والكثير سنه وهو ظاهر النص لعموم الاخبار.
والثانى: لا يعرف الدينار، لما روى أن عليا كرم الله وجهه وجد دينارا فعرفه ثلاثا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كله أو شأنك به) .
والثالث: يعرف ما يقطع فيه السارق، ولا يعرف ما دونه، لانه تافه، ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها: ما كانت اليد تقطع عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الشئ التافه.
(الشرح) حديث زيد بن خالد الجهنى رواه البخاري ومسلم وأحمد، واللفظ الذى ساقه المصنف أقرب إلى رواية أحمد.
ولفظ الشيخين (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللقطة الذهب والورق فقال: اعرف وكائها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها

(15/256)


يوما من الدهر فأدها إليه.
وسأله عن ضالة الابل فقال: مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
وسأله عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب) ولم يقل فيه أحمد (الذهب أو الورق) وفى رواية لمسلم (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهى لك) وحديث عياض بن حمار رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود النسائي وابن حبان، وفى لفظ للبيهقي (ثم لا يكتم وليعرف) وصححه ابن الجارود وبان حبان وقد رواه الشافعي أورده الربيع في اختلاف مالك والشافعي في اللقطة ليلزم مالكا بما رواه فقال: أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهنى الخ.
أما حديث جابر فقد مضى تخريجه في كتاب الصلاة من المجموع.
أما حديث أنس فقد أخرجه الشيخان.
أما حديث على فقد أخرجه أبو داود عن بلال بن يحيى العبسى عنه وفيه (أنه التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه على فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما.
قال المنذرى: في سماع بلال بن يحيى من على نظر.
وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن، ورواه أبو داود أيضا
عن أبى سعيد الخدرى أن على بن أبى طالب وجد دينارا، فأتى به فاطمة عسألت عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (هو رزق الله فأكل مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكل على وفاطمة، فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا على أد الدينار) وفى إسناده رجل مجهول.
وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبى سعيد، وذكره مطولا وفى إسناده موسى بن يعقوب الزمعى وثقه ابن معين.
وقال ابن عدى لا بأس به، وقال النسائي ليس بالقوى.
وروى هذا الحديث الشافعي عن الدراوردى عن شريك بن أبى نمر عن عطاء ابن يسار عن أبى سعيد الخدرى وزاد (أنه أمره أن يعرفه) ورواه عبد الرزاق

(15/257)


من هذا الوجه، وزاد فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام، وفى إسناده هذه الزيادة أبو بكر بن أبى سبرة وهو ضعيف جدا.
وقد أعل البيهقى هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لاحاديث اشتراط السنة في التعريف، قال ويحتمل أن يكون إنما أباح له الاكل قبل التعريف للاضطرار، وأما خبر عائشة فقد رواه الشيخان وأحمد، وسيأتى في الحدود إن شاء الله تعالى.
قولهن (فليشهد) ظاهر الامر يدل على وجوب الاشهاد، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وفى كيفية الاشهاد قولان، أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها، والثانى يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار بعض أصحابنا إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات، ولكن يذكر بعضها، قال النووي وهو الاصح، والثانى من قولى الشافعي أنه لا يجب الاشهاد
وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، وقالوا إنما يستحب احتياطا، لان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به في حديث زيد بن خالد، ولو كان واجبا لبينه أما العفاص بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء، وهو الوعاء الذى تكون فيه النفقة جلدا أو غيرة أخذا من العفص وهو الثنى لانثنائه على ما فيه، وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن احمد في حديث لابي بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال عرفها فان جاء أحد يخبرك بعدتها ووعائها ووكائها وفرقتها فأعطها إياه وإلا فاستمتع بها) والعفاص يكون على رأس القارورة لسدها وأما الذى يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام، فحيث يذكر الوعاء مع العفاص فالمراد الاول، وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد الثاني، أفاده في فتح الباري قوله (ولا يكتم) يعنى لا يحل كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وجاء من أوصافها ما يغلب الظن بصدقة، والمقصود من معرفة الآلات التى تحفظ فيها ويلتحق بذلك معرفة جنسها ونوعها وقدرها، فقد قال النووي: يجمع بين الروايات بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط

(15/258)


حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء بعد ذلك فردها إليه قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون في الروايتين (يشير إلى رواية البخاري، عرفها سنة ثم عرف عفاصها ووكاءها) ورواية البخاري أيضا (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة)) ثم بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبا، فلا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع، ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة، وإنما يحسن الجمع بما تقدم لو كان المخرج مختلفا أو تعددت القصة، وليس الغرض إلا أن يقع
التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما يسبق.
قال واختلف العملاء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الامر.
وقبل يستحب، وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده.
وقال أيضا في الفتح عند قوله (ثم عرفها) محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والاسواق ونحو ذلك.
قلت: كبرامج الاذاعة المخصصة للاشياء المفقودة كبرنامج طريق السلامه الذى توفر له إذاعة القاهرة عشر دقائق من صباح كل يوم في زماننا هذا.
قوله (سنه) الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب، فلا يلزمه التعريف بالليل، ولا استيعاب الايام بل على المعتاد، فيعرف في الابتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة، ثم في كل شهر مرة، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه، بل يجوز له توكيل غيره، ويعرفها في مكان وجودها وفى غيره.
كذا قال العلماء، وظاهره أن التعريف واجد لاقتضاء الامر الوجوب، لا سيما وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من لم يعرفها بالضلال في حديث لزيد بن خالد عند أحمد ومسلم (قال: لا يأوى الضالة إلا ضال ما لم يعرفها) هكذا جاءت (لا يأوى) من الثلاثي اللازم، وقد يتعدى كما في هذا الحديث.
وفى المبادرة إلى التعريف خلاف مبناه هل الامر يقتضى الفور أم على التراخي وظاهره أنه لا يجب التعريف بعد السنه، وبه قال الجمهور وادعى صاحب البحر الاجماع، على أنه وردت رواية عند البخاري عن أبى بن كعب بلفظ: وجدت

(15/259)


صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال (عرفها حولا، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد، ثم أتيته ثالثا فقال احفظ
وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت، فلقيته بعد بمكه فقال: لا ادرى ثلاثة أحوال أو حولا واحدا) وذكر البخاري الحديث في موضع آخر من صحيحه فزاد (ثم أتيته الرابعة فقال: اعرف وعاءها الخ) قال في فتح الباري: القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة، والذى قال لا ادرى هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الراوى لهذا الحديث عن سويد عن أبى، قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عاما واحدا، وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل: فلقيته والقائل لا أدرى، فقال في آخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدرى ثلاثة أحوال أو حولا واحدا، وبهذا يتبين بطلان قول ابن بطال أن الذى شك هو أبى بن كعب، والقائل هو سويد ابن غفلة، وقد رواه عن شعبة عن سلمه بن كهيل بغير شك جماعه، وفيه ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمه فإن في حديثه عامين أو ثلاثة، وجمع بعضهم بين حديث أبى هذا وحديث خالد بن زيد المذكور فيه سنه فقط بأن حديث أبى محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها، وحديث زيد على ما لا بد منه.
وجزم ابن حزم وابن الجوزى بأن الزيادة في حديث أبى غلط.
قال ابن الجوزى: والذى يظهر لى أن سلمه أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه، لا بما يشك فيه راويه.
وقال أيضا: يحتمل أن يكون صلى الهل عليه وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذى ينبغى، فأمر ثانيا بإعادة التعريف، كما قال للمسئ صلاته (ارجع فصل فإنك لم تصل) قال الحافظ بن حجر: ولا يخفى بعد هذا على مثل أبى مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم.
قال المنذرى (لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطه تعرف ثلاثه أعوام إلا شريح عن عمر أربعة أقوال يعرف بها، ثلاثة أحوال،
عاما واحدا، ثلاثة أشهر، ثلاثة أيام، وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر.

(15/260)


قال في الفتح: ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها.
وأما قوله في الحديث (فإن لم تعرف فاستنفقها) فقد قال يحيى بن سعيد الانصاري: لا ادرى هذا في الحديث أم هو شئ من عند يزيد مولى المنبعث (وهو الراوى عن زيد بن خالد) كما حكى البخاري ذلك عن يحيى، وتعقب ابن حجر هذا في الفتح فقال: شك يحيى هل قوله (ولتكن وديعة عنده) مرفوع أم لا، وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات، وخلوها عن ذكر الوديعة، وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ (فاستنفقها ولتكن وديعة عندك) وكذلك جزم برفها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعه عند مسلم، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لانها وديعة عنده، والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق، لا أنها وديعة حقيقة يجب رد عينها، لان المأذون في استنفاقه لا تبقى عينه، كذا أفاده ابن دقيق العيد قال: ويحتمل أن تكون الواو في قوله (ولتكن وديعة) بمعنى أو، أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها، وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجئ صاحبها فتعطيها إياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف.
(فرع)
روينا عن أحمد وأبى داود عن جابر بن عبد الله قَالَ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العصا والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) وفى إسناده
المغيرة بن زياد، قال المنذرى.
تكل فيه غير واحد، وفى التقريب: صدوق له أوهام وفى الخلاصة: وثقة وكيع وابن عدى وغيرهم.
وقال أبو حاتم: شيخ لا يحتج به، وفيه جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا سيما إذا كان هذا الشئ الحقير مأكولا لما في حديث أنس الذى ساقه المصنف، فإنه يجوز أكله ولا يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بين أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة، ولولا ذلك لاكلها.

(15/261)


وقد روى ابن أبى شيبة عن ميمونة أم المؤمنين أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد.
قال في الفتح: يعنى أنها لو تركها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت ثم قال: وجواز الاكل هو المجزوم به عند الاكثر.
وعندنا أن القليل إذا كان يطلب في العادة وجب التعريف به كالكثير مدة التعريف المنصوص عليها وهى سنة لعموم الاحاديث الواردة.
وعند أبى حنيفة أنه يعرف بالقليل ثلاثة أيام.
وذلك لحديث يعلى بن مرة مرفوعا (من التقط لقطه يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام، فإم كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام) رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وزاد الطبراني (فإن جاء صاحبها والا فليتصدق بها) وفى اسناده عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد صرح جماعه ضعفه، وزعم ابن حزم أنه مجهول وقد دافع عنه ابن حجر وابن رسلان والله تعالى أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
فان عرفها فلم يجد صاحبها ففيه وجهان
(أحدهما)
تدخل في ملكه بالتعريف لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فان جاء صاحباه والا فهى لك ولانه كسب مال بفعل فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد
(والثانى)
أنه يملكه باختيار التملك، لما روى في حديث زيد بن خالد الجهنى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فان جاء صاحبها والا فشأنك بها فجعله إلى اخياره ولانه تملك ببدل فاعتبر فيه اختيار التملك كالملك بالبيع.
وحكى فيه وجهان آخران.
أحدهما: أنه يملك بمجرد النية.
والثانى يملكه بالتصرف ولا وجه لواحد منهما، ولا فرق في ملكها بين الغنى والفقير لقوله صلى الله عليه وسلم (فان جاء صاحبها والا فشأنك بها) ولم يفرق لانه ملك بعوض فاستوى فيه الغنى والفقير كالملك في القرض والبيع.

(فصل)
فان حضر صاحبها قبل أن يملكها نظرت، فان كانت العين باقيه وجب ردها مع الزيادة المتصلة والمنفصلة، لانها باقيه على ملكه، وان كانت تالفه لم يلزم الملتقط ضمانها، لانه يحفظ لصاحبها، فلم يلزم ضمانها من غير تفريط

(15/262)


كالوديعة، وإن حضر بعد ما ملكها فان كانت باقية وجب ردها، وإن كانت تالفة وجب عليه بدلها، وقال الكرابيسى: لا يلزمه ردها ولا ضمان بدلها لانه مال لا يعرف له مالك: فإذا ملكه لم يلزمه رده ولا ضمان بدله كالركاز، والمذهب الاول، لما روى أبو سعيد الخدرى أن عليا كرم الله وجهه وجد دينارا فجاء صاحبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أده قال على: قد أكلته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاءنا شئ أديناه) ويخالف الركاز فإنه مال لكافر لا حرمة له، وهذا مال مسلم، ولهذا لا يلزمه تعريف الركاز، ويلزمه تعريف اللقطة، فان كانت العين باقية فقال الملتقط: أنا أعطيك البدل، لم يجبر المالك على قبوله، لانه يمكنه الرجوع إلى عين ماله، فلا يجبر على قبول البدل، وإن حضر وقد باعها الملتقط وبينهما خيار ففيه وجهان.

(أحدهما)
يفسخ البيع، ويأخذ لانه يستحق العين والعين باقية.

(والثانى)
لا يجوز له أن يفسخ، لان الفسخ حق للعاقد، فلا يجوز لغيره من غير إذنه، وإن حضر وقد زادت العين، فان كانت زيادة متصلة رجع فيها مع الزيادة، وان كانت زيادة منفصلة رجع فيها دون الزيادة، لانه فسخ ملك فاختلفت فيه الزيادة المتصلة والمنفصلة كالرد بالعيب (الشرح) الاحاديث المذكورة في هذين الفصلين سبق استيفاء الكلام عليها في الفصل قبلهما.
أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ويأكل اللقطة الغنى والفقير ومن تحل له الصدقة وتحرم عليه.
وهذا كما قال: يجوز لواجد اللقطة بعد تعريفها حولا أن يتملكها ويأكلها غنيا كان أو فقيرا.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك ان كان فقيرا، ولا يجوز إن كان غنيا أن يتملكها، ويكون مخيرا بين أمرين: إما أن تكون في يده أمانة لصاحبها أبدا كالوديعة، وإما أن يتصدق بها، فان جاء صاحبها وأمضى صدقته فله ثوابها ولا غرم على الواجد، وإن لم يمض الصدقة فثوابها للواجد وعليه غرمها استدلالا بما رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: فان جاء صاحبنا وإلا تصدق بها، وهو حديث في إسناده عمر بن عبد الله

(15/263)


ابن يعلى، قال أبو حنيفة وهذا نص، ولانه مال يعتبر فيه الحول فوجب أن يختلف فيه حال الغنى والفقير كالزكاة، ولانه مال مسلم فوجب أن لا يحل إلا لمضطر قياسا على غير اللقطة.
ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم (فان جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) وهو يقتضى التسوية بين الغنى والفقير، وروى أن أبى بن كعب وجد صرة فيها ثمانون دينارا أو مائة دينار فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يعرفها حولا (فان
جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) .
قال الشافعي رضى الله عنه: وأبى من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم، ولو لم يكن موسرا لصار بعشرين دينارا منها موسرا على قول أبى حنيفة.
فدل على أن الفقر غير معتبر فيها وأن الغنى لا يمنع منها.
وروى عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن على بن أبى طالب وجد دينارا فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره أن يعرف به ثلاثا فعرفه فلم يجد من يعرفه، فرجع به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: كله حتى إذا أكله جاء صاحب الدينار يتعرفه فقال على رضى الله عنه: قد أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكله فانطلق صاحب الدينار وكان يهوديا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جاءنا شئ أديناه اليك.
قال الشافعي رضى الله عنه: وعلى ممن يحرم عليهم الصدقة، لانه من طينة بنى هاشم، فلو كانت اللقطه تستباح بالفقر دون الغنى لحظرها عليه، ولان كل من كان من أهل الالتقاط جاز أن يرتفق بالكل والتملق كالفقير، ولان ما ثبت للفقير في اللقطه ثبت للغنى كالنسك والصدقة، ولان كل مال استباح الفقير اتلافه بشرط الضمان استباح الغنى اتلافه بشرط الضمان كالقرض، ولا يدخل عليه طعام المضطر لاستوائهما فيه، وقد يجعل المضطر أصلا فيقول: كل ارتفاق بمال الغير إذا كان مضمونا استوى فيه الغنى والفقير كأكل مال الغير المضطر، ولانه استباحه اتلاف مال لغيره لمعنى في المال فوجب أن يستوى فيه حكم الغنى والفقير كالفحل الصائل، ولان كل ما استبيح تناوله عند الاياس من مالكه في الاغلب استوى فيه حكم الغنى والفقير كالركاز، ولان حال اللقطة في يد واجدها لا يخلو

(15/264)


من أن تكون في حكم المغصوب فيجب انتزاعها قبل الحول وبعده من مال الغنى
والفقير، أو في حكم الودائع فلا يجوز أن يتملكها فقير ولا أن يتصدق بها غنى أو في حكم الكسب فيجوز أن يتملكها الغنى والفقير.
ومذهب أبى حنيفة مخالف لاصول هذه الاحكام الثلاثه فكان فاسدا: ثم يقال لابي حنيفة الثواب إنما يستحق على المقاصد بالاعمال لا على أعيان الافعال لان صورها في الطاعه والمعصية على سواء كالمرائي بصلاته، ثم لا يصح أن يكون ثواب العمل موقوفا على غير العامل في استحقاقه أو إحباطه فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصدق بها فمحمول على فرض صحة الرواية على أن الواجد سأله عن ذلك فأذن له فيه، وأما الزكاة فلا معنى للجمع بينها وبين اللقطه، لان الزكاة تملك غير مضمون ببدل، واللقطه تؤخذ مضمونه ببدل فكان الغنى أحق بتملكها، لانه أوفى ذمة، وأما ما ذكروه من المضطر فقد جعلناه أصلا.
(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه ولا أحب لاحد ترك اللقطة إذا وجدها وكان أمينا عليها، وظاهر قوله يقتضى استحباب أخذها دون إيجابه، وقال أيضا ولا يجوز لاحد ترك اللقطه إذا وجدها، فكان ظاهر هذا القول يدل على إيجاب أخذها، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذين الظاهرين، فكان أبو الحسن بن القطان وطائفة يخرجون ذلك على اختلاف قولين
(أحدهما)
أن أخذها استحباب وليس بواجب على ظاهر ما نص عليه في هذا الموضع لانه غير مؤتمن عليها ولا مستودع لها.
(والقول الثاني) أن أخذها واجب وتركها مأثم، لانه لما وجب عليه حراسة نفس أخيه المسلم وجب عليه حراسة مال أخيه المسلم وقال جمهور أصحابنا، ليس ذلك على قولين، انما هو على اختلاف حالين، فالموضع الذى لا يأخذها إذا كانت يؤمن عليها ويأخذها غيره ممن يؤدى الامانه
فيها، والموضع الذى أوجب عليه أخذها إذا كانت في موضع لا يؤمن عليها ويأخذها غيره ممن لا يؤدى الامانة فيها، لما في ذلك من التعاون، وعلى كلتا

(15/265)


الحالتين لا يكره له أخذها إذا كان أمينا عليها، بل يدور أخذها بين الاستحباب والوجوب.
وحكى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أخذها.
وروى أن شريحا مر بدرهم فلم يعرض له.
وفى هذا القول إبطال التعاون وقطع المعروف.
وقد أخذ أبى الصرة وأخذ على الدينار.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليهما ولا كرهه لهما، ويجوز أن يكون المحكى عن ابن عباس وابن عمر فيمن كان غير مأمون عليها، أو ضعيفا عن القيام بها.
ونحن نكره لغير الامين عليها والضعيف عن القيام بها أن يتعرف لاخذها، وإنما يؤمر به من كان أمينا قويا، فلو تركها القوى الامين حتى هلكت فلا ضمان عليه وإن أساء.
وإن أخذها لزمه القيام بها، وإن تركها بعد الاخذ لزمه الضمان.
ولو ردها على الحاكم فلا ضمان عليه بخلاف الضوال في أحد الوجهين لانه ممنوع من أخذ الضوال فضمنها.
وغير ممنوع من أخذ اللقطة فلم يضمنها وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا؟ فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت قد استهلكت.
وخالف في ذلك الكرابيسى صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن على الظاهرى إمام المذهب المعروف لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة.
ومن أدلة الجمهور مما تقدم من الاحاديث (ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فإن جاء صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها) وفى رواية للبخاري (فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فان جاء صاحبها فأدها
إليه) أي بدلها لان العين لا تبقى بعد أكلها.
وفى رواية لابي داود (فان جاء باغيها فأدها إليه، والا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فان جاء باغيرها فأدها إليه) فأمر بأدائها قبل الاذن في أكلها وبعده.
قال الماوردى في الحاوى الكبير: أن الواجد لو منع بعد الحول من تملكها أدى ذلك إلى أحد أمرين، اما أن لا يرغب الواجد في أخذها، واما أن تدخل

(15/266)


المشقة عليه في استدامة امساكها، فكان اباحة التمليك لها بعد التعريف أحث على أخذها وأحفظ لها على مالكها لثبوت غرمها في ذمته، فلا تكون معرضة للتلف، وليكون ارتفاق الواجد بمنفعتها في مقابلة ما عاناه في حفظها وتعريفها وهذه كلها معان استوى فيها الغنى والفقير، ثم مذهب الشافعي لا فرق بين المسلم والذمى في أخذها للتعريف، وتملكها بعد الحول، لانها كسب يستوى فيه المسلم والذمى.
فإذا ثبت جواز تملكها بعد الحول لكل واجد من غنى أو فقير فقد اختلف أصحابنا بماذا يصير مالكا؟ على ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يصير مالكا لها بمضي الحول وحده إلا أن يختار أن تكون أمانة فلا تدخل في ملكه.
وهذا قول أبى حفص بن الوكيل لانه كسب على غير بدل فأشبه الركاز والاصطياد والوجه الثاني: أنه يملكها بعد مضى الحول باختيار التملك، فإن لم يختر التملك لم يملك.
وهذا قول أبى إسحاق المروزى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فان جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) فرد أمرها إلى اختياره، ولانه أبيح له التملك بعد الحول بعد أن كان مؤتمنا.
فاقتضى أن لا ينتقل عما كان عليه الا باختيار ما أبيح له والوجه الثالث: أنه لا يملكها بعد مضى الحول الا بالاختيار والتصرف،
وهو ما لم يتصرف غير مالك، لان التصرف منه كالقبض فأشبه الهبة.
فإذا صار مالكها بما ذكرنا فقد ضمنها لصاحبها فمن جاء طالبا لها رجع بها ان كانت باقية، وليس للمتملك أن يعدل به مع بقائها إلى بدلها، فإن كانت ذا مثل رجع بمثلها، وان كانت غير ذى مثل رجع لقيمتها حين تملكها، لانه إذ ذاك صار ضامنا لها.
فإن اختلفا في القيمة فالقول قول متملكها لانه غارم، فلو كانت عند مجئ صاحبها باقية لكن حدث منها نماء منفصل رجع بالاصل دون النماء لحدوث النماء بعد ملك الواجد فلو عرف الواجد صاحبها وجب عليه اعلامه بها.
ثم ينظر فإن كان ذلك قبل أن يملكها الواجد فمؤنة ردها على صاحبها دون الواجد كالوديعة، وفى هذه

(15/267)


الحال ترد بنمائها متصلا ومنفصلا لان ذلك قبل زمن التملك.
وان كان بعد تملكها فمؤنة ردها على الواجد دون صاحبها لبقائها على ملكه.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن جاء من يدعيها ووصفها، فإن غلب على ظنه أنها له جاز له أن يدفع إليه ولا يلزمه الدفع لانه مال للغير فلا يجب تسليمه بالوصف كالوديعة فإن دفع إليه بالوصف ثم جاء غيره وأقام البينة انها له قضى بالبينة لانها حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف، فان كانت باقية ردت على صاحب البينة، وان كانت تالفة فله أن يضمن الملتقط لانه دفع ماله بغير حق وله أن يضمن الآخذ لانه أخذ ماله بغير حق، فان ضمن الآخذ لم يرجع على الملتقط، لانه إن كان مستحقا عليه فقد دفع ما وجب عليه فلم يرجع، وإن كان مظلوما لم يجز أن يرجع على غير من ظلمه.
وإن ضمن الملتقط نظرت فان كان قد أقر للآخذ بالملك بأن قال هي لك لم
يرجع عليه، لانه اعترف أنه أخذ ماله وأن صاحب البينة ظلمه فلا يرجع على من لم يظلمه، وان لم يقر له ولكنه قال يغلب على ظنى أنها لك فله الرجوع لانه بان أنه لم يكن له، وقد تلف في يده فاستقر الضمان عليه.
(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول، فإذا التقط الرجل لقطة قلت أو كثرت عرفها سنة، ويعرفها على أبواب المساجد والاسواق ومواضع العامة، ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التى أصابها فيها، ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه، فإن جاء صاحبها وإلا فهى له بعد سنة.
على أن صاحبها متى جاء غرمها، وان لم يأت فهى مال من ماله.
وان جاء بعد السنة وقد استهلكها والملتقط حى أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء

(15/268)


فإن جاء ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق، فإن ادعاها واحد أو اثنان فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه.
وقال أيضا: ونفتى الملتقط إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن، ووقع في نفسه أنه صادق أن يعطيه، ولا أجبره عليه إلا ببينة لانه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها.
قلت: وصورتها في رجل ادعى لقطة في يد واجدها، فان أقام البينة العادلة على ملكها وجب تسليمها، وإن لم يقم بينة لكن وصفها فان أخطأ في صفتها لم يجز دفعها إليه، وإن أصاب في جميع صفاتها من العفاص والوكاء والجنس والنعت والعدد والوزن، فان لم يقع في نفسه صدقه لم يدفعها إليه، وان وقع في نفسه أنه صادق وأفتياه بدفعها إليه جوازا لا واجبا فان امتنع من الدفع لم يجبر عليه، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يجبر على دفعها إليه بالصفة استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة.
فان جاء طالبها فادفعها إليه) فلما أخبر بمعرفة العفاص والوكاء دل على أنه كالبينة في الاستحقاق.
وروى سويد بن غفله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فان جاء باغيها فعرفك عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) وهذا نص.
قالوا: ولان كل إمارة غلب بها في الشرع صدق المدعى جاز أن يوجب قبول قوله كالبينات.
قالوا: ولان البينات في الاصول مختلفه، وما تعذر منها في الغائب يخفف كالنساء المنفردات في الولادة وإقامه البينه على اللقطه متعذر لا سيما على الدنانير والدراهم التى لا تضبط أعيانها فجاز أن تكون الصفه التى هي غاية الاحوال الممكنة أن يكون بينة فيها.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم، لو أعطى الناس بدعاواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينه على المدعى، واليمين على المدعى عليه.
فلم يجعل الدعوى حجه، ولا جعل مجرد القول حجه بينة، ولان الصفه للمطلوب من تمام الدعوى، فلم يجز أن تكون بينة للطالب قياسا على الطلب.
قال الشافعي رضى الله عنه محتجا عليهم.
أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها،

(15/269)


ونحن نعلم أن كلهم كذبة إلا واحدة بغير عينه، فرد عليه ابن داود فقال: كما لو ادعاها عشرة واقام كل واحد منهم بينة عليها، قسمتها بينهم، وان صدق جميعهم مستحيلا، كذلك إذا وصفوها كلهم.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن كذب المدعى أسقط الدعوى من كذب الشهود، ألا ترى أن إكذاب المدعى لنفسه مبطل للدعوى وإكذاب الشهود لانفسهم غير مبطل للدعوى.
والثانى أن البينة هي أقصى ما يقدر عليه المدعى وأقوى ما يحكم به الحاكم، فدعت ضرورة الحاكم في البينة إلى ما لم
يدعه من الصفة.
وأما الجواب عن قولهم: اعرف عفاصها ووكاءها فهو أن ذلك منه لا لدفعها بصفة العفاص والوكاء ووجوب رده معه، ولكن لمعان هي أخص بمقصود اللقط، منها أن بينته بحفظ العفاص والوكاء ووجوب رده مع قلته ونزارته على حفظ ما فيه ووجوده مع كثرته.
ومنها أن يتميز بذلك عن ماله ومنها جواز دفعها بالصفة، وإن لم يجب، وعلى هذا المعنى نحمل حديث سويد بن غفله الذى جعلوه نصا.
وأما استدلالهم فنحن ما جعلنا الامارة على الصدق حجة في قبول الدعوى وإنما جعلنا الايمان بعدها حجة، وأما استدلالهم بأن البينات في الاصول مختلفة فصحيح، وليس في جميعها بينة تكون بمجرد الصفة، ولا يكون تعذر البينة موجبا ان تكون الصفة بينه.
الا ترى أن السارق تتعذر إقامة البينه عليه، ولا يكون صفة ما بيده لمدعى سرقته حجة.
فإذا ثبت أن دفعها بالصفة لا يجب فدفعها بالصفة وسعه ذلك إذا لم يقع في نفسه كذبه، فان أقام غيره البينه عليها بشاهدين أو شاهد وإمرأتين أو شاهد ويمين كان مقيم البينة أحق بها من الآخذ لها بالصفة، فان كانت باقية في يد الواصف انتزعت منه لمقيم البينه، وان كان قد استهلكها نظر في الدافع لها فان كان قد دفعها بحكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة، وان كان قد دفعها بغير حكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع

(15/270)


بغرمها على من شاء من الدافع الملتقط أو الآخذ الوصف، فان رجع بها على الاخذ لها بالصفة فله ذلك لضمانه لها باليد، واستحقاق غرمها بالاتلاف، وقد برئ الدافع لها من الضمان لوصول الغرم إلى مستحقه، وليس للغارم أن
يرجع بما غرمه على الدافع، لانه إن كان مستحقا عليه فمن وجب عليه حق لم يرجع به على أحد، وان كان مظلوما به فالمظلوم بالشئ لا يجوز أن يرجع به على غير ظالمه.
وان رجع مقيم البينه بغرمها على الدافع الملتقط نظر في الدافع، فان كان قد صدق الواصف لها على ملكها وأكذب الشهود لصاحب البينه عليها فليس له الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة، لانه مقر أنه مظلوم بالمأخوذ منه، فلا يرجع به على غير من ظلمه، وان لم يكن قد صدق الواصف ولا أكذب الشهود فله الرجوع بالغرم على الآخذ لها بالصفة لضمانه لها بالاستهلاك وتكون البينه موجبة عليه وله، والله تعالى أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان وجد ضالة لم يخل اما أن تكون في برية أو بلد، فان كانت في بريه نظرت، فان كانت مما يمتنع على صغار السباع بقوته كالابل والبقر والخيل والبغال والحمير، أو ببعد أثره لسرعته كالظباء والارانب، أو بجناحه كالحمام والدراج، لم يجز التقاطه للتملك، لما روى زيد بن خالد الجهنى قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضالة الابل فغضب واحمرت عيناه.
وقال مالك ولها معها الحذاء وللشقاء، تأكل من الشجر وترد الماء حتى يأتي ربها، وسئل عن ضالة الغنم فقال: خذها هي لك أو لاخيك أو للذئب) وهل يجوز أخذها للحفظ؟ ينظر فيه، فان كان الواجد هو السلطان جاز، لان للسلطان ولايه في حفظ أموال المسلمين، ولهذا روى أنه كان لعمر حظيرة يجمع فيها الضوال، فان كان له حمى تركها في الحمى وأشهد عليها ويسمها بسمة الضوال لتتميز عن غيرها من الاموال، وان لم يكن له حمى، فان كان يطمع في مجئ صاحبها، بأن يعرف أنها من نعم قوم يعرفهم، حفظها اليومين والثلاثة، وان لم يعرف أو عرف

(15/271)


ولم يجئ صاحبها باعها وحفظ ثمنها، لانه إذا تركها احتاجت إلى نفقة، وفى ذلك إضرار.
وإن كان الواجد لها من الرعية ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لانه يأخذها للحفظ على صاحبها فجاز كالسلطان
(والثانى)
لا يجوز لانه لا ولاية له على صاحبها بخلاف السلطان، فإن أخذها للتملك أو للحفظ وقلنا: إنه لا يجوز ضمنها لانه تعدى بأخذها فضمنها كالغاصب، وان دفعها إلى السلطان ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا يبرأ من الضمان لانه لا ولاية للسلطان على رشيد.

(والثانى)
يبرأ، وهو المذهب، لان للسلطان ولاية على الغائب في حفظ ما يخاف عليه من ماله، ولهذا لو وجدها السلطان جاز له أخذها للحفظ على مالكها، فإذا أخذها غيره وسلمها إليه برئ من الضمان، وإن كان مما لا يمتنع من صغار السباع كالغنم وصغار الابل والبقر أخذها، لحديث زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال في ضالة الغنم (خذها هي لك أو لاخيك أو للذئب) ولانه إذا تركها أخذها غيره أو أكلها الذئب، فكان أخذها أحوط لصاحبها، وإذا أخذها فهو بالخيار بين أن يمسكها ويتطوع بالانفاق عليها ويعرفها حولا ثم يملكها وبين ان يبيعها ويحفظ ثمنها ويعرفها ثم يملك الثمن، وبين أن يأكلها ويغرم بدلها ويعرفها، لانه إذا لم يفعل ذلك احتاج إلى نفقة دائمه، وفى ذلك إضرار بصاحبها، والامساك أولى من البيع والاكل لانه يحفظ العين على صاحبها ويجرى فيها على سنة الالتقاط في التعريف والتملك، والبيع أولى من الاكل، لانه إذا أكل استباحها قبل الحول، وإذا باع لم يملك الثمن إلا بعد الحول، فكان البيع أشبه بأحكام اللقطة، فإن أراد البيع ولم يقدر على الحاكم باعها بنفسه، لانه موضع ضرورة، وإن قدر على الحاكم ففيه وجهان.
أحدهما: لا يبيع إلا بإذنه، لان الحاكم له ولاية ن ولا ولاية للملتقط.
والثانى: يبيع من غير اذنه لانه قد قام مقام المالك فقالم مقامه في البيع، وان أكل فهل يلزمه أن يعزل البدل مدة التعريف؟ فيه وجهان.

(أحدهما)
لا يلزمه، لان كل حالة جاز أن يستبيح أكل اللقطة لم يلزمه عزل

(15/272)


البدل كما بعد الحول، ولانه إذا لم يعزل كان البدل قرضا في ذمته، وإذا عزله كان أمانة والقرض أحوط من الامانة.

(والثانى)
يلزمه عزل البدل لانه أشبه بأحكام اللقطة، فإن من حكم اللقطة أن تكون أمانة قبل الحول، وقرضا بعد الحول، فيصير البدل كاللقطة ان شاء حفظها له وان شاء عرفها ثم تملك.
وان أفلس الملتقط كان صاحبها أحق بها من سائر الغرماء، وان وجد ذلك في بلد.
فقد روى المزني أن الصغار والكبار في البلد لقطة، فمن أصحابنا من قال: المذهب ما رواه المزني، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فرق بين الصغار والكبار في البرية، لان الكبار لا يخاف عليها لانها ترد الماء وترعى الشجر وتتحفظ بنفسها، والصغار يخاف عليها لانها لا ترد الماء والشجر فتهلك، وأما في البلد فالكبار كالصغار في الخوف عليها، فكان الجميع لقطة.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أن البلد كالبرية، فالصغار فيه لقطة، والكبار ليست بلقطة لعموم الخبر، فإن قلنا: ان البلد كالبرية فالحكم فيه على ما ذكرناه الا في الاكل، فله أن يأكل الصغار في البرية، وليس له أكلها في البلد، لان في البرية إذا لم يأكل الصغار هلكت، لانه لا يمكن بيعها، وفى البلد يمكن بيعها، فلم يجز الاكل، وان قلنا: ان الجميع في البلد لقطه فالحكم في الكبار كالحكم في الصغار في البرية الا في الاكل، فإن لا يأكل في البلد ويأكل الصغار في البريه لما ذكرناه.

(فصل)
وان وجد عبدا صغيرا لا تمييز له أن يلتقطه، لانه كالغنم يعرفه حولا ثم يملكه، وان وجد جاريه صغيرة لا تمييز لها، فان كان لا يحل له وطؤها جاز له أن يلتقطها للتملك، كما يجوز أن يقترضها، وان كانت تحل له لم يجز أن يلتقطها للتملك كما لا يجوز أن يقترضها.
(الشرح) حديث زيد بن خالد الجعفي متفق عليه، وقد مضى الكلام عليه في الفصل قبله.
أما الاحكام: فان ضوال الحيون إذا وجدت لم يخل حالها من أحد أمرين، اما أن توجد في صحراء أو في مصر، فان وجدت في صحراء فعلى ضربين:

(15/273)


(أحدهما)
أن يكون مما يصل بنفسه إلى الماء والرعى، ويدفع عن نفسه صغار السباع، اما لقوة جسمه كالابل والبقر والخيل والبغال والحمير.
واما لبعد أثره كالغزال والارنب والطير، فهذا الانواع كلها لا يجوز لواجدها أن يتعرض لاخذها إذا لم يعرف مالكها لقوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الابل: مالك ولها معها حذاؤها، أي خفها الذى يقيها العثرات وتعتمد عليه في السعي إلى المرعى بدون أن يتجشم أحد تقديم الطعام إليها، ومعها سقاؤها، اشارة إلى طول عنقها، فتمد عنقها إلى الماء فلا تحتاج إلى من يقدمه لها.
ولذا قال: ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها ولانها تحفظ أنفسها فلم يكن لصاحبها حظ في أخذها فإن أخذها لم يخل من أحد أمرين، أما أن يأخذها لقطة ليتملكها ان لم يأت صاحبها، فهطا متعد وعلى ضمانها، فإن أرسلها لم يسقط الضمان.
وقال أبو حنيفة ومالك: قد سقط الضمان عنه بالارسال بناء على أن من تعدى في وديعة ثم كف عن التعدي فعندهما يسقط عنه الضمان.
وعند الشافعي وأصحابه لا يسقط، فان لم يرسلها ودفعها إلى مالكها فقد سقط عنه ضمانها بأدائها
إلى مستحقها، وان دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك ففى سقوط الضمان وجهان:
(أحدهما)
قد سقط لان الحاكم نائب عمن غاب
(والثانى)
لا يسقط لانها قد تكون لحاضر لا يولى عليه.
والامر الثاني: أن لا يأخذها لقطة ولكن يأخذها حفظا لها على مالكها، فان كان عارفا بمالكها لم يضمن ويده يد أمانة حتى تصل إلى المالك.
وان كان غير عارف للمالك ففى وجوب الضمان وجهان
(أحدهما)
لا ضمان لانه من التعاون على البر والتقوى (والوجه الثاني) عليه الضمان لانه لا ولاية له على غائب، فان كان واليا كالامام أو الحاكم فلا ضمان عليه، فقد روى أن عمر رضى الله عنه كانت له حظيرة يحظر فيها ضوال المسلمين.
فهذا حكم أحد الضربين والضرب الثاني: ما لا يدفع عن نفسه ويعجز عن الوصول إلى الماء والرعى كالغنم والدجاج، فلو أخذه وأكله في الحال من غير تعريف، غنيا كان أو فقيرا

(15/274)


فعليه غرمه لمالكه إذا وجده، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك وداود: هو غير مضمون عليه ويأكله إباحة ولا غرم عليه في استهلاكه استدلالا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (هي لك أو لاخيك أو للذئب) ومعلوم أن ما استهلكه الذئب هدر لا يضمن، وإنما أراد بيان حكم الآخذ في سقوط الضمان، ولان ما استباح أخذه من غير ضرورة إذا لم يلزمه تعريفه لم يلزمه غرمه كالدراهم وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) ولانها لقطة يلزمه ردها مع بقائها، فوجب أن يلزمه غرمها عند استهلاكها قياسا على اللقطة في الاموال، ولانها ضالة فوجب أن تضمن بالاستهلاك كالابل.
فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هي لك أو لاخيك أو للذئب) فهو أنه نبه بذلك على إباحة الاخذ وجواز الاكل دون الغرم.
وأما الركاز فإنه لا يلزم رده فلذلك سقط غرمه، وليس كذلك الشاة، لان ردها واجب فصار غرمها واجبا.
فإذا ثبت جواز أخذ الشاة وما لا يدلع عن نفسه وإباحة أكله ووجوب غرمه فكذلك صغار الابل والبقر، لانها لا تمنع عن أنفسها كالغنم ثم لا يخلو حال واجد الشاة وما في معناها من أربعة أحوال (أحدها) أن يأكلها فيلزمه غرم قيمتها قبل الذبح عند الاخذ في استهلاكها ويكون ذلك مباحا لا يأثم به وان غرم (والحال الثانية) أن يتملكها ليستبقيها حية لدر أو نسل فذلك له، لانه لما استباح تملكها مع استهلاكها فأولى أن يستبيح تملكها مع استبقائها ثم في صحة ضمانها وجهان كالعارية مخرجا.
وفى الاختلاف قولين في ضمان الصداق، أحدهما أنه ضامن لقيمها أكثر ما كانت من حين وقت التملك إلى وقت التلف، فإن جاء صاحبها وهى باقية وقد أخذ الواجد درهما ونشلها كان الدر والنسل للواجد لحدوثه على ملكه، وللمالك أن يرجع بها دون قيمتها، فإن بذلك له الواجد قيمتها لم يجبر على أخذها مع بقاء عينها إلا أن يتراضيا على ذلك فيجوز، فلو كانت

(15/275)


الشاة حين رجع بها المالك زائدة في بدنها أو قيمتها لم يكن للواجد حق في الزيادة وكانت للمالك تبعا للاصل، ولو كانت ناقصة رجع المالك بنقصها على الواجد لانها مضمونة بالتلف فكانت مضمونة بالنقص.
والحال الثالثة: أن يستبقيها في يديه أمانة لصاحبها فذلك له، لانه لما جاز أن يتملكها على صاحبها فأولى أن يحفظها لصحابها.
ولا يلزمه تعريفها، لان ما جاز
تملكه سقط تعريفه، ولا يلزمه إخبار الحاكم بها ولا الاشهاد عليها، بل إذا وجد صاحبها سلمها إليه، ولا ضمان عليه مدة إمساكها لصاحبها لو تلفت أو نقصت لان يده يد أمانة كالمعرف.
وقال بعض أصحابنا وجها آخر أنه يضمنها لان إباحة أخذها مقصور على الاكل الموجب للضمان دون الائتمان.
وهكذا القول فيما حدث من درها ونسلها على المذهب لا يضمنه.
وعلى هذا الوجه يضمنه، فان أنفق عليها أكثر من مؤنة علوفتها، فإن كان ذلك منه مع وجود حمى للمسلمين ترعى فيه فهو متطوع بالنفقة وليس له الرجوع بها، وإن كان مع عدم الحمى، فان كان عن إذن الحاكم رجع بما أتفق، وإن كان عن غير إذنه، فان كان قادرا على استئذانه لم يرجع بها وان لم يقدر عل استئذانه، فان لم يشهد لم يرجع.
وان أشهد ففى رجوعه بها وجهان
(أحدهما)
يرجع للضرورة
(والثانى)
لا يرجع لئلا يكون حاكم نفسه فلو أراد بعد امساكها أمانة، أن يتملكها ففى جوازه وجهان
(أحدهما)
له ذلك كالابتداء
(والثانى)
ليس له ذلك لاستقرار حكمها فأما ان أراد أن يتملك درها وتسلمها من غير أن يتملك أصلها لم يكن له ذلك وجها واحدا، لانه فرع يتبع أصله، فلو أرسلها بعد امساكها أمانة لزمه الضمان الا أن يرفعها إلى حاكم فلا يضمن.
ولو نوى تملكها ثم أراد أن يرفع ملكه عنها لتكون أمانة لصاحبها لم يسقط عنه ضمانها.
وفى ارتفاع ملكه عنها وجهان (احدهما) لا يرتفع ملكه لان الملك لا يزول الا بقبول المتملك، فعلى هذا يكون مالكا لما حدث من درها ونسلها لبقائها على ملكه.

(15/276)


والوجه الثاني: يرتفع ملكه عنها مع بقاء ضمانها وذلك أحوط لمالكها، ووجه
ذلك أنه لما جاز أن يتملكها من غير بذل مالكها جاز أن يزول ملكه عنها من غير قبول متملكها، فعلى هذا يكون الحادث من درها ونسلها ملك لربها تبعا لاصلها وعليه ضمانها كالاصل.
والحال الرابعة: أن يريد بيعها فلا يخلو ذلك من أحد أمرين: إما أن يبيعها قبل أن يملكها فذلك له ويكون ضامنا بقيمتها دون ثمنها.
وفى هذه الحال تفصيل مضى للمصنف في فصل مضى.
قال المزني فيما وصفه بخطه: إذا وجد الشاة أو البعير أو الدابة ما كانت في المصر أو في قرية فهى لقطة يعرفها سنة.
قد مضى حكم ضوال الابل والغنم إذا وجدها في الصحراء، فأما إذا وجدها في البلد أو المصر فالذي حكاه المزني فيما وجده بخط الشافعي أنها لقطة له أخذها وعليه تعريفها حولا وحكى عن الشافعي في الام أنها في المصر والصحراء سواء، يأكل الغنم ولا ولا يعرض للابل، فاختلف أصحابنا فمنهم من خرج ذلك على قولين
(أحدهما)
أن المصر كالبادية يأكل الغنم ولا يعرض للابل، وهى المحكى في الام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (ضالة المؤن حرق النار) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والطبراني والطحاوى من حديث عبد الله بن الشخير والقول الثاني: أنها لقطة يأخذها الغنم والابل جميعا، ويعرفها كسائر اللقطة حولا كاملا، وهو الذى حكاه المزني عنه فيما لم يسمع منه، لان قوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الابل: معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر يختص بالبادية التى يكون فيها الماء والشجر دون المصر، وهى تمنع صغار السباع عن أنفسها في البادية، ولا يقدر على منع الناس في المصر، والشاة تؤكل في البادية لان الذئب يأكلها وهو لا يأكلها في المصر، فاختلف معناهما في البادية
والمصر فاختلف حكمهما.
ومن أصحابنا من يحمل جواز أحدهما على تسليمها إلى الامام وحمل المنع من أخذها على سبيل التملك.
هذا وبقية ما جاء في الفصل على وجهه.
والله أعلم.

(15/277)


قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وإن وجد كلب صيد لم يجز أن ينتفع به قبل الحول فإن عرفه حولا ولم يجد صاحبه جاز له أن ينتفع به: لان الانتفاع بالكلب كالتصرف في المال والتصرف في المال يقف على التعريف في الحول، فكذلك الانتفاع بالكلب.

(فصل)
وإن وجد ما لا يبقى كالشواء والطبيخ والخيار والبطيخ فهو بالخيار بين أن يأكله ويغرم البدل، وبين أن يبيعه ويحفظ الثمن على ما ذكرناه في الغنم في بيعه وحفظ ثمنه وأكله وعزل بدله، وخرج المزني فيه قولا آخر أنه يلزمه البيع، ولا يجوز الاكل، والمذهب الاول، لانه معرض للهلاك فخير فيه بين البيع والاكل كالغنم، وان وجد ما لا يبقى ولكن يمكن التوصل إلى حفظه كالرطب والعنب - فان كان الانفع لصاحبه أن يباع - بيع، وإن كان الانفع أن يجفف جفف، وإن احتاج إلى مؤنة في تجفيفه ولم يوجد من يتطوع بيع بعضه وأنفق عليه.

(فصل)
وإن وجد خمرا أراقها صاحبها لم يلزمه تعريفها، لان اراقتها مستحقة فلم يجز التعريف، فإن صارت عنده خلا ففيه وجهان.
أحدهما: أنها لمن أراقها لانها عادت إلى الملك السابق، والملك السابق الذى أراق، فعاد إليه كما لو غصبه من رجل فصار في يده خلا.
والثانى: أنه للملتقط لان الاول أسقط حقه منها فصارت في يد الثاني، ويخالف المغصوبة لانها أخذت بغير رضاه فوجب ردها إليه.

(فصل)
فاما العبد إذا وجد لقطة ففيه قولان
(أحدهما)
له أن يلتقط لانه كسب بفعل فجاز للعبد كالاصطياد
(والثانى)
لا يجوز لان الالتقاط يقتضى ولاية قبل الحول وضمانا بعد الحول والعبد ليس من أهل الولاية ولا له ذمة يستوفى منها الحق إلى أن يعتق ويوسر، فان قلنا: انه يجوز أن يلتقط فالتقط فهلك في يده من غير تفريط لم يضمن، وان هلك بتفريط ضمنها في رقبته فتباع فيها، وان عرفها صح تعريفه ولا يملك به لانه في أحد القولين لا يملك المال،

(15/278)


وفى الثاني: يملك إذا ملكه السيد، وههنا لم يملكه السيد، فان قلنا: ان الملتقط يملك بالتعريف من غير اختيار التملك دخل في ملك السيد كما يدخل في ملكه ما التقطه وعرفه، وان قلنا: لا يملك الا باختيار التملك وقف على اختياره، فان تملكها العبد وتصرف فيها ففيه وجهان.

(أحدهما)
يضمنها في ذمته ويتبع بها إذا عتق كما لو اقترض شيئا.

(والثانى)
يضمنها في رقبته لانه مال لزمه بغير رضا من له الحق، فتعلق برقبته كأرش الجناية.
وان علم السيد نظرت فان لم يكن عرفها العبد عرفها السيد حولا ثم تملك وان عرفها العبد تملكها السيد في الحال لان تعريف العبد كتعريفه فان عرفها العبد بعض الحول عرفها السيد ما بقى ثم تملك، وان أقرها في يد العبد نظرت، فان كان العبد أمينا لم يضمن كما لا يضمن ما التقطه بنفسه وسلمه إلى عبده، وان كان خائنا ضمنها كما لو التقطها بنفسه وسلمها إليه وهو خائن.
وان قلنا: أنه لا يجوز أن يلتقط فالتقط ضمنها في رقبته لانه أخذ مال غيره بغير حق فأشبه إذا غصبه، وان عرفها لم يصح تعريفه لانها ليست في يده بحكم اللقطة، فان علم السيد نظرت، فان أخذها صارت في يده أمانة لانه أخذ ما يجوز
له أخذه بحكم الالتقاط فصار كما لو وجد لقطة فالتقطها ويبرأ العبد من الضمان لانه دفعها إلى من يجوز الدفع إليه فبرئ من الضمان كما لو دفعها إلى الحاكم.
وان أراد أن يتملك ابتدأ التعريف ثم تملك، فان أقرها في يد العبد ليعرفها فان كان أمينا لم يضمن كما لو استعان به في تعريف ما التقطه بنفسه وان لم يأخذها ولا أقرها في يده ولكنه أهملها، فقد روى المزني أنه يضمنها في رقبة العبد.
وروى الربيع أنه يضمنها في ذمته ورقبه العبد، فمن أصحابنا من قال: الصحيح.
ما رواه المزني أنه يختص برقبته لان الذى أخذ هو العبد فاختص الضمان برقبته فعلى هذا ان تلف العبد سقط الضمان.
وقال أبو إسحاق: الصحيح ما رواه الربيع وأنه يتعلق بذمة السيد ورقبة العبد لان العبد تعدى بالاخذ والسيد تعدى بالترك فاشتركا في الضمان، فعلى هذا ان

(15/279)


تلف العبد لم يسقط الضمان وان التقط العبد لقطة ولم يعلم السيد بها حتى أعتقه، فعلى القولين، إن قلنا: أنه يجوز للعبد أن يلتقط.
كان للسيد أن يأخذها منه لانه كسب له حصل له في حال الرق فكان للسيد كسائر أكسابه، وان قلنا: لا يجوز له أن يلتقط لم يكن للسيد أن يأخذها منه لانه لم يثبت للعبد عليه يد الالتقاط، فعلى هذا يكون العبد أحق بها لانها في يده وهو من أهل الالتقاط (1) ، ويحتمل أن لا يكون أحق بها لان يده يد ضمان فلا تصير يد أمانة.

(فصل)
وإن وجد المكاتب لقطة فالمنصوص أنه كالحر، واختلف اصحابنا فيه، فمنهم من قال: انه كالحر قولا واحدا لانه يملك التصرف في المال وله ذمة يستوفى منها الحق فهو كالحر، ومنهم من قال: هو كالعبد لانه ناقص بالرق كالعبد فيكون في التقاطه قولان، فان قلنا: أنه كالحر أو قلنا أنه كالعبد وجوزنا التقاطه صح تعريفه فإذا عرفها ملكها لانه من أهل الملك، وإذا قلنا أنه كالعبد ولم نجوز التقاطه صار ضامنا لانه تعدى بالاخذ ويجب أن يسلمها إلى السلطان
لانه لا يمكن اقرارها في يده لانها في يده بغير حق ولا يمكن تسليمها إلى السيد لانه لا حق له في أكسابه فوجب تسليمها إلى السلطان فان أخذها السلطان برئ المكاتب من الضمان فتكون في يد السلطان أبدا إلى أن يجد صاحبها.

(فصل)
وان وجد اللقطة من نصفه حر ونصفه عبد فالمنصوص أنه كالحر فمن أصحابنا من قال: هو كالحر قولا واحدا لانه تملك ملكا تاما وله ذمة صحيحة فهو كالحر، ومنهم من قال هو كالعبد القن لما فيه من نقص الرق فيكون على قولين فإذا قلنا: انه كالحر نظرت، فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة كانا شريكين فيها كسائر أكسابه، وان كان بينهما مهايأة، فإن قلنا: ان الكسب النادر لا يدخل في المهايأة كانت اللقطة بينهما لانه بمنزلة ما لم يكن بينهما مهايأة، وان قلنا: ان الكسب النادر يدخل في المهايأة كانت اللقطة لمن وجدها في يومه.

(فصل)
وإن وجد المحجور عليه لسفه أو جنونه أو صغر لقطة صح التقاطه
__________
(1) هكذا بالاصل ولينظر فيه فانه جعله من غير أهل الالتقاط اه مصححه

(15/280)


لانه كسب بفعل فصح من المحجوز عليه كالاصطياد وعلى الناظر أمره أن ينتزعها منه ويعرفها لان اللقطة في مدة التعريف أمانة والمحجور عليه ليس من أهل الامانة فان كان ممن يجوز الاقتراض عليه تملكها له، وإن كان ممن لا يجوز الاقتراض عليه لم يتملك له لان التملك بالالتقاط كالتملك بالاقتراض في ضمان البدل.

(فصل)
وان وجد الفاسق لقطة لم يأخذها لانه لا يؤمن أن لا يؤدى الامانة فيها فان التقطها ففيه قولان.

(أحدهما)
لا تقر في يده وهو الصحيح لان الملتقط قبل الحول كالموالي في حق الصغير.
والفاسق ليس من أهل الولاية في المال
(والثانى)
تقر في يده لانه كسب بفعل فاقر في يده كالصيد، فعلى هذا يضم
إليه من يشرف عليه وهل يجوز أن ينفرد بالتعريف فيه قولان
(أحدهما)
يجوز لان التعريف لا يفتقر إلى الامانة
(والثانى)
لا يجوز حتى يكون معه من يشرف عليه لانه لا يؤمن أن يفرط في التعريف فإذا عرفه ملكه لانه من أهل التملك.

(فصل)
وان التقط كافر لقطة في دار الاسلام ففيه وجهان
(أحدهما)
يملك بالتعريف لانه كسب بالفعل فاستوى فيه الكافر والمسلم كالصيد
(والثانى)
لا يملك لان تصرفه بالحفظ والتعريف بالولاية.
والكافر لا ولاية له على المسلم (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: فإن كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى فله أن يأكله إذا خاف فساده ويغرمه لربه.
وقال فيما وضع خطه لا أعلمه سمع منه إذا خاف فساده أحببت أن يبيعه ويقيم على تعريفه.
قال المزني: هذا أولى القولين به اه.
قلت: أما الطعام الرطب فضربان: أحدهما أن يكون مما يبس فيبقى كالرطب الذى يصير تمرا، والعنب الذى يصير زبيبا فهذا حكمه حكم غير الطعام في وجب تعريفه واستبقائه، فإن احتاج تجفيفه إلى مؤنة كانت على مالكه، ويفعل الحاكم أحفظ الامرين للمالك من بيعه أو الانفاق عليه.
(والضرب الثاني) أن يكون مما لا يبقى كالطعام الذى يفسد بالامساك كالهريسة والفواكه والبقول التى لا تبقى على الايام، فقد حكى المزني عن الشافعي ههنا أنه

(15/281)


قال في موضع: يألكه الواجد، وقال في موضع آخر: أحببت أن يبيعه، فاختلف أصحابنا فكان أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة وطائفة من أصحابنا يخرجون على قولين.

(أحدهما)
لواجده أكله كالشاة التى لما تعذر استبقاؤها أبيح لواجدها أكلها (والقول الثاني) ليس لواجده أكله بخلاف الشاة لا يجب تعريفها فأبيح له
أكلها، والطعام وان كان رطبا يجب تعريفه فلم يستبح واجده أكله.
وحكى أبو على بن أبى هريرة أن ذلك على اختلاف حالين ان كان الحاكم موجودا يقدر على بيعه لم يكن لواجده أكله، وان كان معدوما جاز أكله.
وكان أبو القاسم الصيمري يقول: اختلاف حاليه في إباحة أكله معتبر بحال واجده، فإن كان فقيرا محتاجا استباح أكله، وان كان غنيا لم يستبحه، فإن قلنا بجواز أكله فاكله صار ضامنا لقيمته وعليه تعريف الطعام حولا، وهل يلزمه عزل قيمته من ماله عند أكله أم لا؟ على قولين.

(أحدهما)
يلزمه عزل القيمة لئلا يصير متملك اللقطة.
(والقول الثاني) لا يجب عليه عزلها لانه لو عزلها فهلكت كانت من ماله، فكانت ذمته أحظ لها، ولم يكن عزلها مفيدا، ومن قال بالاول جعل فائدة عزلها أنه لو أفلس بعد عزل قيمتها ثم حضر المالك كان أولى بالمعزول من قيمتها من جميع الغرماء، وزعم أن تلفها من يده بعد وجوب عزلها لا يوجب عليه غرمها فصار في ضمانه للثمن أن تلف بعد وجوب عزله وجهين.
أحدهما - وهو قول ابن أبى هريرة انه يكون مضمونا عليه.
والثانى وهو الاشبه: أنه لا ضمان عليه لان الثمن مع وجوب عزله يقوم مقام الاصل مع بقائه.
وإذا قلنا: لا يجوز له أكله فعليه ان يأتي الحاكم حتى يأذن له في بيبعه، ولا يجوز أن يتولى بنفسه مع القدرة على استئذان الحاكم بخلاف الشاة إذا وجدها وأراد بيعها لان يده على الشاة اقوى لما استحقه عاجلا من أكلها ويده على الطعام أضعف لما وجب عليه من تعريفه، فان أعوزه اذن الحاكم جاز بيعه فلو باعه باذن الحاكم كان الثمن في يده امانة، وعليه تعريف الطعام حولا،

(15/282)


فان جاء صاحبه فليس له الا الثمن دون القيمة، ولو لم يأت صاحبه فللواجد أن
يتملك الثمن.
ولو هلك الثمن في يده قبل الحول أو بعده وقبل التملك له كان تالفا من مال ربه ولا ضمان على الملتقط، وهكذا حكم الثمن لو كان الواجد هو البائع عند إعواز الحاكم.
فاما ان باعه مع وجود الحاكم فبيعه باطل وللمالك القيمة دون الثمن لفساد العقد، فان تلف الثمن من يد الواجد قبل الحول عليه غرمه لتعديه بقبضه مع فساد بيعه، فان حضر المالك والثمن بقدر القيمة من غير زيادة ولا نقص أخذه وهو مبلغ حقه، وان كان أقل فله المطالبة بتمام القيمة ويرجع على المشترى لان المشترى اشترى شراء فاسدا فكان ضامنا للقيمة دون المسمى الا أن يشاء.
المالك ان يسامح بفاضل القيمة ويكون الباقي منه مردودا على المشترى، إذ ليس يلزمه الا القيمة.
وما ساقه المصنف من مسائل فعلى وجهه، هذا وما ذكر في الفصل من كلب الصيد إذا التقط فقد وفاه في المجموع في الصيد فاشدد به يديك (فرع)
مذهبا لا فرق بين المسلم والذمى في أخذها للتعريف والتملك بعد الحول لانها كسب يستوى فيه المسلم والذمى.
وقال بعض أصحابنا: لاحق للذمي فيها وهو ممنوع من أخذها وتملكها لانه ليس من أهل التعريف لعدم ولايته على مسلم، ولا ممن يملك مرافق دار الاسلام كإحياء الموات.
ولاحمد وأصحابه انه كالصبى والمجنون فانه يصح التقاطهما مع عدم الامانة، فإذا التقطها الذمي وعرفها حولا ملكها كالمسلم، وإن علم بها الحاكم أو السلطان اقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا (حارسا) يشرف عليه ويعرفها قالوا لاننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولانا منه ان يخل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه.
ويحتمل عندهم أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يد عدل، لانه غير مأمون عليها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(15/283)