المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

إذا وجد الرجل امرأته مجنونه أو مجذومه أو برصاء أو رتقاء وهى التى انسد فرجها أو قرناء وهى التى في فرجها لحم يمنع الجماع، ثبت له الخيار.
وان وجدت المرأة زوجها مجنونا أو مجذوما أو ابرص أو مجبوبا أو عنينا، ثبت لها الخيار، لما روى زيد بن كعب بن عجرة قال (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فرأى بكشحها بياضا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البسى ثيابك والحقى بأهلك)

(16/265)


فثبت الرد بالبرص بالخبر.
وثبت في سائر ما ذكرناه بالقياس على البرص، لانها في معناه في منع الاستمتاع.
وإن وجد أحدهما الآخر وله فرج الرجال وفرج النساء ففيه قولان:
(أحدهما)
يثبت له الخيار، لان النفس تعاف عن مباشرته فهو كالابرص
(والثانى)
لا خيار له، لانه يمكنه الاستمتاع به.
وإن وجدت المرأة زوجها خصيا ففيه قولان.

(أحدهما)
لها الخيار، لان النفس تعافه
(والثانى)
لا خيار لها لانها تقدر على الاستمتاع به، وإن وجد أحدهما بالآخر عيبا وبه مثله، بأن وجده أبرص وهو أبرص ففيه وجهان.

(أحدهما)
له الخيار، لان النفس تعاف من عيب غيرها وإن كان بها مثله
(والثانى)
لا خيار له لانهما متساويان في النقص فلم يثبت لهما الخيار، كما لو تزوج عبد بأمة.
وإن حدث بعد العقد عيب يثبت به الخيار، فإن كان بالزوج، ثبت لها الخيار، لان ما ثبت به الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالمهر والنفقة.
وإن كان بالزوجة ففيه قولان.

(أحدهما)
يثبت به الخيار، وهو قوله في الجديد، وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار في ابتداء العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعده كالعيب في الزوج

(والثانى)
وهو قوله في القديم أنه لا خيار له، لانه يملك أن يطلقها.
(الشرح) خبر زيد بن كعب بن عجرة رواه أحمد هكذا: حدثنا القاسم المزني قال أخبرني جميل بن زيد قال: صحبت شيخا من الانصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب، فحدثني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج امرأة من غفار فلما دخل عليها وضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضا، فانحاز عن الفراش ثم قال: خذى عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا (وهذا يدور سنده على رجلين هما موضع نظر، أولهما جميل بن زيد وثانيهما زيد بن كعب أو كعب بن زيد، ونتكلم عن الثاني لشرف الصحبة فنقول:

(16/266)


رواية أحمد كما عرفت زيد بن كعب ولم تعرف من الصحابة سوى زيد بن كعب البهزى ثم السلمى صاحب الظبى الحاقف وكان صائده، وقد سقناه في اللقطة، ومن قبل ساقه النووي في الصيد، وليس هو الذى حدث جميلا، وإن كان كعب ابن زيد فليس عندنا مصدر يعرفنا به سوى جميل بن زيد.
ولذلك جاء التعريف به في الاستيعاب هكذا: كعب بن زيد ويقال زيد بن كعب.
روى قصة الغفارية التى وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البياض بكشحها.
روى عنه جميل بن زيد وفى الخبر اضطراب.
اه ويأتى الحاكم فيروى عن جميل هذا فيقول عن جميل بن زيد الطائى عن زيد ابن كعب بن عجرة عن أبيه، فيكون الصحابي هنا كعب بن عجرة الانصاري وهو من مشاهير الصحابة فلا يناسبه ما في رواية أحمد صحبت شيخا ذكر أنه كانت له صحبة يقال له الخ.
ويأتى اسماعيل بن زكريا فيقول: حدثنا جميل بن زيد، حدثنا ابن عمر قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وخلى سبيلها.
الحديث
فهو تارة يرويه عن زيد بن كعب أو كعب بن زيد شيخ ذكر أن له صحبة، وتاوة يرويه عن زيد بن كعب بن عجرة الانصاري عن أبيه، وتارة يرويه عن ابن عمر مع أن ابن حبان يقول روى عن ابن عمر ولم ير ابن عمر.
وقال ابن معين جميل بن زيد ليس بثقة.
وقال البخاري لم يصح حديثه.
وروى أبو بكر بن عياش عن جميل قال (هذه أحاديث ابن عمر، ما سمعت من ابن عمر شيئا، انما قالوا لى اكتب أحاديث بن عمر فقدمت المدينة فكتبتها.
وقال أبو القاسم البغوي في معجمه الاضطراب في حديث الغفاريه منه، يعنى تارة عن ابن عمر وتارة عن هذا وتارة عن ذاك.
قال وقدر روى أحاديث عن ابن عمر يقول فيها (سألت ابن عمر، مع أنه لم يسمع من ابن عمر شيئا) وقال أبو حاتم والبغوى (ضعيف الحديث) وقال النسائي (ليس بثقة) وقد قال العلامة السفاربنى في كتابه نفثات صدر المكمد وقوة عين الارمد لشرح ثلاثيات مسند الامام أحمد قال ابن حبان (جميل بن زيد دخل المدينة بعد موت ابن عمر رضى الله عنهما.

(16/267)


فجمع أحاديثه ثم رجع إلى البصرة فرواها، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك، وكذا قال الامام ابن القيم في الهدى: زيد بن كعب بن عجرة.
اه والحاصل أن الحديث لم يثبت من طريق آخر فآفته في جميع الكتب جميل ابن زيد.
ولذلك لا نستطيع أن نجزم بواقعة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من الغفارية.
أما أحكام الرد بالعيب في النكاح فإنها ثبتت بالقواعد الكلية في العقود والمعاوضات وغير ذلك على ما سيأتي، ولكن ابن حجر بصحح رواية الشافعي من طريق مالك وابن أبى شيبة عن أبى إدريس عن يحيى قال: ورجاله ثقات أما اللغات فقوله (أبصر بكشحها) أي خصرها أو بطنها، والكشح ما بين
الخاصرة إلى الضلع الخلف.
وفى حديث سعد: إن أميركم هذا لاهضم الكشحين أي دقيق الخصرين.
وقوله (بياضا) يحتمل أن يكون بهقا ويحتمل أن يكون برصا، وهو الاصح وإن كان كل منهما تكرهه النفس.
قوله (امرأة من غفار) قيل اسمها الغالية، وقيل أسماء بنت النعمان، قاله الحاكم، يعنى الجونية.
وقال الحافظ بن حجر.
الحق أنها غيرها.
أما الاحكام فإنه إذا وجد أحد الزوجين عيبا بالآخر ثبت له الخيار في فسخ النكاح، والعيوب التى يثبت لاجلها الخيار في النكاح خمسة، ثلاثة يشترك فيها الزوجان، وينفرد كل واحد منهما باثنين، فأما الثلاثة التى يشتركان فيها، فالجنون والجذام والبرص، وينفرد الرجل بالجب والعنة وتنفرد المرأة بالرتق والقرن، فالرتق أن يكون فرج المرأة مسدودا يمنع من دخول الذكر، والقرن قيل هو عظم يكون في فرج المرأة يمنع من الوطئ.
والمحققون يقولون هو لحم ينبت في الفرج يمنع من دخول الذكر، مثل أن يتورم الرحم وتنشأ عليه أورام سرطانية تسد مدخل فرجها، وإنما يصيب المرأة ذلك في بعض حالات الولادة، هذه العيوب يثبت بها الخيار.
هذا مذهبنا وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس رضى الله عنهما ومالك وأحمد وإسحاق.
وقال على كرم الله وجهه وابن مسعود رضى الله عنه لا ينفسخ النكاح بالعيب

(16/268)


واليه صار النخعي والثوري وأبو حنيفة، إلا أنه قال إذا وجدت المرأة زوجها مجبوبا أو عنينا كان لها الخيار، فإن اختارت فرق بينهما الحاكم بتطليقها.
دليلنا الخبر المذكور وما قاله عمر رضى الله عنه فيما روى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب عنه رضى الله عنه: أيما امرأة زوجت وبها جنون أو جذام
أو برص فدخل بها، ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولى الصداق بما دلس كما غره.
وكذا روى الشعبى عن على رضى الله عنه (أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك والا طلق.
وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
ولان المجنون منهما يخاف منه على الآخر وعلى الولد، والجب والعنة والرتق والقرن يتعذر معها مقصود الوطئ والجذام والبرص تعاف النفوس من مباشرته.
قال الشافعي رضى الله عنه (ويخاف منهما العدوى للآخر والى النسل (فإن قيل فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى ولا هامة ولا صفر.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا يعدى شئ شيئا) فقال أعرابي يا رسول الله ان الثفر قد تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الابل العظيمة فتجرب كلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أجرب الاول.
قال أصحابنا وقد وردت أيضا أخبار بالعدوى، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم لا يوردن ذو عاهة على مصح.
وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تديموا النظر إلى المجذومين، فمن كلمه منكم فليكن بينهم وبينه قدر رمح.
وروى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبايعه فأخرج يده فإذا هي جذماء، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضم يدك قد بايعتك، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم المصافحة فامتنع من مصافحته لاجل الجذام، وقال صلى الله عليه وسلم (فر من المجذوم فرارك من الاسد) قال العمرانى في البيان وانما نفى النبي صلى الله عليه وسلم العدوى الذى يعتقده الملاحدة، وهو أنهما يعتقدون أن الادواء تعدى بأنفسها وطباعها.
وليس هذا بشئ وانما العدوى الذى نريده أن يقول إن الداء جرت العادة أن يخلق الداء عند ملاقاة الجسم الذى فيه الداء، كما أنه أجرى العادة أن يخلق الابيض بين

(16/269)


الابيضين والاسود بين الاسودين، وإن كان في قدرته أن يخلق الابيض من الاسودين لا أن هذه الادواء تعدى بنفسها.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا هامة ولا صفر) فإن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إذا قتل الانسان ولم يؤخذ بثأره خرج من رأسه طائر يصرخ ويقول اسقوني دم قاتلي.
هكذا حكاه ابن الصباغ.
وأما الصفر فان أهل الجاهلية كانوا يقولون في الجوف دابة تسمى الصفر إذا تحركت جاع الانسان وهى أعداء من الجرب عند العرب، وقيل هو تأخير حرمة المحرم إلى صفر، فأبطل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذَلِكَ.
وقد بسط الشافعي رضى الله عنه في أحكام العيب فقال: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الاربع التى سمينا فيها الخيار يعنى الجذماء والبرصاء والرتقاء والمجنونة فلا خيار له، وقد ظلم من شرط هذا نفسه.
إلى أن قال: وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع.
أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال، وهذا مانع للجماع الذى له عامة ما نكحها، فان كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له، أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج، وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال.
وإن سألها أن يشقه هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك، لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار.
وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا، ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة، ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا، فأما الزعر في
الحاجب أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما.
وقال الجنون ضربان، فضرب خنق وله الخيار بقليله وكثيره، وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا.
وهذا أكثر من الذى يخنق ويفيق.
اه وذهب بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه أصحابنا، إلا أنهم جعلوا خيار العيوب

(16/270)


على التراخي، لا يسقط الا أن يوجد منه دلالة على الرضى من قول أو وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب أو يأتي بصريح الرضا، فان ادعى الجهل بالخيار ومثله يجهله فالاظهر ثبوت الفسخ، هكذا أفاده ابن تيمية.
وقال في شرح الثلاثيات العلامة السفارينى الحنبلى: لابد لصحة فسخ النكاح بأحد العيوب لذكورة من حكم حاكم خلافا لشيخ الاسلام ابن تيميه.
وقال داود الظاهرى وابن حزم ومن وافقهما: لا يفسخ النكاح بعيب البنة، قال السفارينى، وقال الامام ابن القيم من علمائنا بسوغ الفسخ بكل عيب ترد به الجارية في البيع من العمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما أو كون الرجل كذلك، لان هذه الامور من أعظم المنفرات والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش وهو مناف للدين، والا طلاق ينصرف إلى السلامة فهو كالمشروط عرفا.
قال والقياس أن كل عيب ينفر أحد الزوجين منه ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع اه (فرع)
إن وجد كل واحد من الزوجين بصاحبه عيبا فان كان العيبان من جنسين بأن كان أحدهما أجذم والاخر أبرص ثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من داء غيره.
وإن كانا من جنس واحد بأن كان كل واحد
منهما أجذم أو أبرص ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا يثبت لواحد منهما الخيار لانهما متساويان في النقص فهو كما لو تزوج عبد امرأة فكانت أمة
(والثانى)
يثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من عيب غيره وان كان به مثله.
وان أصاب الرجل امرأته قرناء أو رتقاء وأصابنه عنينا أو مجبوبا ففيه وجهان.
أحدهما يثبت لكل واحد منهما الخيار لوجود النقص الذى يثبت لاجله الخيار.
والثانى لا خيار لواحد منهما، لان الرتق والقرن يمنع الاستمتاع والمجبوب والعنين لا يمكنه الاستمتاع فلم يثبت الخيار.
هذا الكلام في العيوب الموجودة حال العقد التى لم يعلم بها الاخر.
فأما إذا حدث شئ من هذه العيوب بأحد الزوجين بعد العقد نظرت، فان كان ذلك

(16/271)


بالزوج ويتصور فيه حدوث العيوب كلها إلا العنة فانه لا يتصور أن يكون غير عنين قبله ثم يكون عنينا بعده، فإذا حدث فيه أحد العيوب الاربعة ثبت للزوجة الخيار، لان كل عيب ثبت لاجله الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت لاجله الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالفقة والمهر.
وإن كان ذلك حادثا في الزوجة فإنه يتصور بها جميع العيوب الخمسة، فإذا حدث منها شئ فهل يثبت للزوج فسخ النكاح؟ فيه قولان.
قال في القديم: لا يثبت له الفسخ.
وبه قال مالك رضى الله عنه لانها لم تدلس عليه، ولانه يمكن التخلص من ذلك بالطلاق.
وقال في الجديد: يثبت له الخيار في الفسخ، وهو الصحيح، وقد استدل أصحابنا لصحة هذا بخبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالغفاريه وردها لما وجد في كشحها بياضا.
ولان كل عيب يثبت لاجله الفسخ إذا كان موجوا حال العقد
يثبت لاجله الفسخ إذا حدث كالعيب بالزوج، والقول الاول يمكنه أن يطلق يبطل بالعيب الموجود حال العقد فإنه يمكنه أن يطلق ومع هذا فثبت له الفسخ.
(فرع)
قال في الاملاء: إذا علم بالعيب حال العقد فلا خيار له لانه عيب رضى به فلم يكن له الفسخ لاجله، كما لو اشترى شيئا معيبا مع العلم بعيبه.
فإن أصاب أحد الزوجين بالآخر عيبا فرضى به سقط حقه من الفسخ لاجله، فإن وجد عيبا غيره بعد ذلك ثبت له الفسخ لاجله لانه لم يرض به، وإن زاد العيب الذى رآه ورضى به نظرت، فإن حدث في موضع آخر بأن رأى البرص والجذام في موضع من البدن فرضى به، ثم حدث البرص في موضع آخر من البدن كان له الخيار في الفسخ، لان هذا غير الذى رضى به، وإن اتسع ذلك الموضع الذى رضى به لم يثبت له الخيار لاجله، لان رضاه به رضاه بما تولد منه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
والخيار في هذه العيوب على الفور، لانه خيار ثبت بالعيب فكان على الفور، كخيار العيب في البيع، ولا يجوز الفسخ إلا عند الحاكم لانه مختلف فيه.

(16/272)


(فصل)
وإن فسخ قبل الدخول سقط المهر، لانه إن كانت المرأة فسخت كانت الفرقة من جهتها فسقط مهرها، وإن كان الرجل هو الذى فسخ إلا أنه فسخ لمعنى من جهة المرأة وهو التدنيس بالعيب فصار كأنها اختارت الفسخ، وإن كان الفسخ بعد الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل، لانه يستند الفسخ إلى سبب قبل العقد فيصير الوطئ كالحاصل في نكاح فاسد فوجب مهر المثل، وهل يرجع به على من غره؟ فيه قولان.
قال في القديم: يرجع لانه غره حتى دخل في العقد.
وقال في الجديد: لا يرجع لانه حصل له في مقابلته الوطئ، فإن قلنا يرجع فإن كان الرجوع على الولى رجع بجميعه، وان كان على المرأة ففيه وجهان.

(أحدهما)
يرجع بجميعه كالولي
(والثانى)
يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل.
وإن طلقها قبل الدخول ثم علم أن كان بها عيب لم يرجع بالنصف، لانه رضى بإزالة الملك والتزام نصف المهر فلم يرجع به
(فصل)
ولا يجوز لولى المرأة الحرة ولا لسيد الامة ولا لولى الطفل تزويج المولى عليه ممن به هذه العيوب، لان في ذلك إضرارا بالمولى عليه، فإن خالف وزوج فعلى ما ذكرناه فيمن زوج المرأة من غير كفء، وإن دعت المرأة الولى أن يزوجها بمجنون لم يلزمه تزويجها لان عليه في ذلك عارا، وان دعت إلى نكاح مجبوب أو عنين، لم يكن له أن يمتنع، لانه لا ضرر عليه في ذلك، وان دعت إلى نكاح مجذوم أو أبرص ففيه وجهان.

(أحدهما)
له أن يمتنع لان عليه في ذلك عارا
(والثانى)
ليس له أن يمتنع لان الضرر عليها دونه.

(فصل)
وإن حدث العيب بالزوج ورضيت به المرأة لم يجبرها الولى على الفسخ، لان حق الولى في ابتداء العقد دون الاستدامة، ولهذا لو دعت المرأة إلى نكاح عبد كان للولى أن يمتنع، ولو أعتقت تحت عبد فاختارت المقام معه لم يكن للولى اجبارها على الفسخ.

(16/273)


(الشرح) كل موضع قلنا لاحد الزوجين أن يفسخ النكاح بالعيب فإن ذلك الخيار يثبت له على الفور لا على التراخي لانه خيار عيب لا يحتاج إلى نظر وتأمل فكان على الفور، كما لو اشترى عينا فوجد بها عيبا، فقولنا خيار عيب
احتراز من خيار الاب في رجوعه بهبته لابنه ومن خيار الولى في القصاص والعفو.
وقولنا (لا يحتاج إلى نظر وتأمل) احتراز من المعتقة تحت عبد إذا قلنا يثبت لها الخيار على التراخي ولسنا نريد الفسخ يكون على الفور بل نريد المطالبة وهو أن أحد الزوجين إذا علم بالآخر عيبا فإنه يرفع ذلك إلى الحاكم، فيستدعى الحاكم الاخر ويسأله، فإن اقر به أو كان ظاهرا انفسخ النكاح بينهما، وان أنكر وكان خفيا فعلى المدعى البينة، فإذا أقام البينة فسخ النكاح بينهما وقال أصحاب أحمد: إن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى به من القول والاستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة أفاده الخرقى في ظاهر كلامه، وذكر القاضى من الحنابلة أنه على الفور، كما أن ظاهر مذهب الحنابلة أن الفسخ يحتاج إلى الحاكم لانه مجتهد فيه، وذهب السفارينى من الحنابلة إلى أن الفسخ لا يحتاج إلى الحاكم كالرد بالعيب في البيع.
ويرى ابن تيمية فسخه بالحاكم كما في الفتاوى له.
وقد رأيت في البيان للعمراني من الشافعية (مخطوطة دار الكتب العربية) بهامش الجزء السابع ما يأتي: وفيه وجه أنه ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ من غير مرافعة الحاكم، كفسخ البيع بالعيب ينفرد به كل واحد من المتبايعين اه وقال قاضيخان من أصحاب أبى حنيفة: إذا كان الزوج عنينا والمرأة رتقاء لم يكن لها حق الفرقة لوجود المانع من جهتها.
كذا في حاشية جلبى وفى ملتقى الابحر أنه لو أقر أنه عنين يؤجله الحاكم سنه قمريه ولا يحتسب منها مدة مرضه ومرضها، ويحتسب منها رمضان وأيام حيضها.
اه قال الشيخ أبو حامد: ولا يجوز لاحد الزوجين أن يتولى الفسخ بنفسه بحال، وقال ابن الصباغ: إذا رفعت الامر إلى الحاكم فالحاكم أولى به، وهو بالخيار ان شاء فسخ بنفسه وان شاء أمرها بالفسخ.
وقال القفال: إذا رفعت الامر إلى
لحاكم وأثبتت العيب عنده خيرت بين أن تفسخ بنفسها وبين أن يفسخ الحاكم بمسألتها

(16/274)


(مسألة) وإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبا ففسخ النكاح نظرت، فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط جميع المهر لان المرأة ان كانت هي التى فسخت بالفرقة جاءت من جهتها، وان كان الزوج الذى فسخ فهو بمعنى من جهتها وهو تدنيسها بالعيب، فصار كما لو فسخت بنفسها، وان كان الفسخ بعد الدخول فإن كان الفسخ لعيب كان موجودا حال العقد فالمشهور من المذهب أنه يلزم الزوج مهر المثل سواء كان العيب بالزوج أو بالزوجة، لان الفسخ مستند إلى العيب الموجود حال العقد فصار كما لو كان النكاح فاسدا.
وحكى المسعودي قولا آخر مخرجا أنه يجب المسمى، لان الفسخ رفع العقد في حالة لا من أصله وليس بشئ، وان كان الفسخ بعيب حدث بعد العقد بالزوج أو بالزوجة على القول الجديد فيه ثلاثة أوجه.
(أحدها) يجب لها المسمى؟ لانه قد وجب المسمى بالعقد فلا يتغير بما يحدث بعده بالعيب
(والثانى)
لها مهر المثل، وان حدث بعد الوطئ وجب لها المسمى لانه إذا حدث قبل الوطئ فقد حدث قبل استقرار المسمى، فإذا فسخ العقد ارتفع من أصله فصار كما لو وطئها بشبهة، وإذا حدث العيب بعد الوطئ فقد حدث بعد استقرار المسمى بالدخول فلا يتغير بما طرأ بعده.
(فرع)
فإن تزوج رجل امرأة وبها عيب فلم تعلم به حتى وطئها ثم علم به فسخ النكاح، وقد قلنا: انه يجب لها مهر المثل، وهل للزوج أن يرجع به على الولى، فيه قولان، قال في القديم: يرجع عليه، وبه قال مالك رضى الله عنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أيما رجل تزوج بإمرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها الصداق ولزوجها غرم على وليها (ولان الولى هو الذى أتلف
على الزوج المهر لانه أدخله في العقد حتى لزمه مهر المثل فوجب أن يلزمه الضمان كالشهود إذا شهدوا عليه بقتل أو غيره ثم رجعوا.
وقال في الجديد " لا يرجع عليه، وبه قال على كرم الله وجهه، وهو قول أبى حنيفه وهو الاصح لانه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأتلفه، فإذا قلنا بهذا فلا تفريع عليه، وإذا قلنا بالاول فإن كان الولى ممن يجوز له

(16/275)


النظر إلى وليته كالاب والجد والعم رجع الزوج عليه سواء علم الولى بالعيب أو لم يعلم، لانه فرط بترك الاستعلام بالعيب، ولان الظاهر أنه يعلم ذلك، وإن كان الولى ممن لا يجوز له النظر إليها كان العم والحاكم فإن علم الولى بعيبها رجع عليه الزوج، وإن لم يعلم الولى بالعيب لم يرجع عليه الزوج، ويرجع الزوج على المرأة لانها هي التى عرفت، فإن ادعى الزوج على الولى أنه علم بالعيب فأنكر فإن أقام الزوج بينة على إقرار الولى بالعيب رجع عليه، وإن لم يقم عليه بينة حلف الولى أنه لم يعلم بالعيب، ورجع الزوج على الزوجة، وإن كان لها جماعة أولياء في درجة واحدة ممن لهم النظر إليها، رجع الزوج عليهم إذا علموا فإن كان بعضهم عالما بالعيب، وبعضهم جاهلا ففيه وجهان، حكاهما الطبري في العدة.
أحدهما: يرجع على العالم لانه هو الذى غره.
والثانى: يرجع على الجميع لان ضمان الاحوال لا يختلف بالخطأ والعمد، هكذا نقل البغداديون.
وقال المسعودي: إذا كان الولى غير محرم لها فهل يرجع عليه الزوج؟ فيه قولان، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الولى، فانه يرجع عليه بجميع مهر المثل، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الزوجة، فبكم يرجع عليها؟ فيه قولان، ومنهم من قال: هما وجهان.

(أحدهما)
لا يرجع عليها بجميع مهر المثل، وإنما يبقى قدرا إذ يمكن أن
يكون صادقا لئلا يعرى الوطئ عن بدل.

(والثانى)
يرجع عليها بالجميع، لانه قد حصل لها بدل الوطئ وهو المهر، وإنما رجع إليه بسبب آخر فهو كما لو وهبته منه، والاول أصح.
وحكى المسعودي أن القولين في الولى.
والمشهور أنه يرجع عليه بالجميع قولا واحدا.
(فرع)
قال في الام: إذا تزوج إمراة ثم طلقها قبل الدخول، وعلم بعد ذلك أنه كان بها عيب يثبت به خيار الفسخ لزمه نصف المهر لانه رضى بازالة الملك والتزام نصف الصداق بالطلاق فلم يرجع إليه.
(فرع)
وإن دعت المرأة وليها لتزويجها إلى مجنون كان له الامتناع من ذلك لان عليه عار أن تكون وليته تحت مجنون، لانه لا يشهد ولا يحضر الجمعة

(16/276)


والجماعة، وان دعا الولى وليته إلى تزويجها بمجنون أو خصى فلها أن تمتنع لان عليها ضررا به وعارا يلحقها.
وإن دعت المرأة وليها إلى أن يزوجها بمجذوم أو أبرص فهل له أن يمتنع؟ فيه وجهان، أحدهما: ليس له أن يمتنع لان الخيار إنما يثبت لها في النكاح لان النفس تعاف من مباشرتهم، وذلك نقص عليها دون الولى فهو كالمجبوب والخصى والثانى: له أن يمتنع لان على الولى عارا في ذلك، وربما أعداها أو أعدى ولدها فيلتحق العار بأهل نسبها وإن دعاها الولى إلى تزويجها بمجذوم أو أبرص كان لها أن تمتنع لان عليها في ذلك عارا ونقصا، وإن تزوجت إمرأة برجل سليم لا عيب فيه ثم حدث فيه عيب يثبت لاجله الخيار، فإن فسخت النكاح لم يعترض عليها وليها بذلك، فإن اختارت المقام معه على ذلك جاز ولا اعتراض للولى عليها بذلك لان حق الولى إنما هو في ابتداء العقد دون استدامته، ولهذا لو دعت الحرة وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه اجابتها، ولو اعتقت تحت عبد واختارت المقام معه لم
يجبر على الفسخ والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
إذا ادعت المرأة على الزوج أنه عنين وأنكر الزوج، فالقول قوله مع يمينه، فان نكل ردت اليمين على المرأة، وقال أبو سعيد الاصطخرى: يقضى عليه بنكوله.
ولا تحلف المرأة، لانه أمر لا تعلمه، والمذهب الاول، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فردت على المدعى كسائر الحقوق، وقوله: انها لا تعلمه يبطل باليمين في كناية الطلاق وكناية القذف، فإذا حلفت الرأة أو اعترف الزوج أجله الحاكم سنة، لما روى سعيد بن المسيب (أن عمر رضى الله عنه قضى في العنين أن يؤجل سنه (وعن علي عليه السلام وعبد الله والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهم نحوه، ولان العجز عن الوطئ قد يكون بالتعنين، وقد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو رطوبة أويبوسة، فإذا مضت عليه الفصول الاربعة، واختلفت عليه

(16/277)


الاهوبة ولم يزل، دل على أنه خلقة، ولا تثبت المدة إلا بالحاكم، لانه يختلف فيها بخلاف مدة الايلاء، فان جامعها في الفرج سقطت المدة، وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج، لان أحكام الوطئ تتعلق به ولا تتعلق بما دونه، فان كان بعض الذكر مقطوعا لم يخرج من التعنين إلا بتغييب جميع ما بقى.
ومن أصحابنا من قال: إذا غيب من الباقي بقدر الحشفة خرج من حكم التعنين لان الباقي قائم مقام الذكر، والمذهب الاول، لانه إذا كان الذكر سليما فهناك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، وإذا كان مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره فاعتبر الجميع، وان وطئها في الدبر لم يخرج من حمكم التعنين لانه ليس بمحل للوطئ ولهذا لا يحصل به الاحلال للزوج الاول، وان وطئ في الفرج وهى حائض
سقطت المدة لانه محل للوطئ، وان ادعى أنه وطئها فان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينة، وان كانت بكرا فالقول قولها لان الظاهر أنه لم يطأها، فان قال الزوج: وطئت ولكن عادت البكارة حلفت لجواز أن يكون قد ذهبت البكارة ثم عادت.

(فصل)
وان اختارت المقام معه قبل انقضاء الاجل ففيه وجهان.
أحدهما يسقط خيارها لانها رضيت بالعيب مع العلم.
والثانى: لا يسقط خيارها، لانه اسقاط حق قبل ثبوته فلم يصح، كالعفو عن الشفعة قبل البيع، وان اختارت المقام بعد انقضاء الاجل سقط حقها لانه اسقاط حق بعد ثبوته، وان أرادت بعد ذلك أن ترجع وتطالب بالفسخ لم يكن لها، لانه خيار ثبت بعيب وقد أسقطنه فلم يجز أن ترجع فيه، فان لم يجامعها حتى انقضى الاجل وطالبت بالفرقة فرق الحاكم بينهما، لانه مختلف فيه، وتكون الفرقة فسخا لانه فرقة لا تقف على ايقاع الزوج ولا من ينوب عنه: فكانت فسخا كفرقة الرضاع، وان تزوج امرأة ووطئها ثم عن منها لم تضرب المدة، لان القدرة يقين فلا تترك بالاجتهاد (الشرح) خبر عمر رضى الله عنه رواه الدارقطني باسناده عن عمر ورواه عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم، ورواه أبو حفص عن علي كرم الله وجهه، أما العنين فهو الرجل العاجز عن الجماع، وربما يشتهى الجماع

(16/278)


ولا يناله، واشتقاقه من عن الشئ إذا اعترض من أحد الجانبين والعنه بفتح العين وضمها الاعتراض بالفضول، وعن عن الشئ من باب ضرب إذا أعرض عنه وانصرف، وعنان الفرس جمعه أعنة وقد مضى بعض هذه المادة في الشركة حيث شركة العنان، وهو هنا من عن ذكره إذا اعترض عن يمين الفرج وشماله فلا يقصده، وقيل مشتق من عنان الدابة أي أنه يشبهه في اللين.
إذا ثبت هذا
فالعنة في الرجل عيب يثبت الخيار لزوجته في فسخ النكاح لاجلها على ما نبينه وبه قال عامة أهل العلم.
وقال الحكم بن عيينة وداود وأهل الظاهر ليست بعيب.
دليلنا قوله تعالى (الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فخير الله الازواج بين أن يمسكوا النساء بمعروف أو يسرحوهن باحسان، والامساك بمعروف لا يكون بغير وطئ، لانه هو المقصود بالنكاح، فإذا تعذر عليه الامساك بمعروف من هذا الوجه تعين عليه التسريح باحسان، لان من خير بين شيئين إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وقد أجمع الصحابة رضى الله عنهم على تأجيل العنين سنة، فان جامعها والا فرق بينهما روينا ذلك عمن ذكرنا من الصحابة ولا مخالف لهم، ولان الله تعالى أوجب على المؤلى أن يقر أو يطلق لما يلحقها بامتناعه من الوطئ، والضرر الذى يلحق امرأة العنين أعظم من امرأة المؤلى لان المؤلى ربما وطئها، فإذا ثبت الفسخ لامرأة المؤلى، فلان يثبت لامرأة العنين أولى.
إذا ثبت هذا: فان المرأة إذا جاءت إلى الحاكم وادعت على زوجها أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها استدعاه الحاكم وسأله، فان أقر أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها ثبت أنه عنين، وان أنكر وقال: لست بعنين فان كان مع المرأة بينة على اقراره تقول: انه عنين وأقامتها ثبت أنه عنين، وان لم يكن معها بينة فالقول قوله مع يمينه أنه ليس بعنين، فإذا حلف سقطت دعواها، وإذا ثبت أنه قادر على وطئها فهل يجبره الحاكم على وطئها ليتقرر مهرها؟ فيه وجهان حكاهما المسعوى.
وان نكل عن اليمين حلفت أنه عنين، ولا يقضى عليه بنكوله من غير يمين.

(16/279)


وحكى الشيخ أبو إسحاق عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يقضى عليه بنكوله من غير أن تحلف، لانه أمر لا تعلمه وليس بشئ، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعى كسائر الحقوق.
وقوله: أمر لا تعلمه يبطل بكنايات الطلاق والقذف، فإذا ثبت أنه عنين باقراره أو بيمينها بعد نكوله فإن الحاكم يؤجله سنة سواء كان الزوج حرا أو عبدا.
وحكى عن مالك أنه قال: يؤجل العبد نصف سنة.
دليلنا ما رويناه عن الصحابة عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وعلي، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبى سليمان، وعليه فتوى فقهاء الامصار منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد ولم يفرق هؤلاء بين العبد والحر.
ولان العجز عن الوطئ قد يكون من أصل الخلقة، وقد يكون لعارض، فإذا مضت عليه سنة اختلفت الاهوية (جمع هواء) فان كان ذلك قد أصابه من الحرارة انحل في الشتاء، وان أصابه من الرطوبة انحل في الصيف وشدة الحر، وان كان طبعه يميل إلى هواء معتدل أمكنه ذلك في الفصلين الآخرين، فان مضت عليه سنة ولم يقدر على الوطئ علم أن عجزه من أصل الخلقة، ولان بعضهم قال: الداء لا يستكن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر ولا يضرب المدة له الا الحاكم، لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه ولان من الناس من قال يؤجل.
ومنهم من قال: لا يؤجل، وكل حكم مختلف فيه فلا يثبت الا بالحاكم كالفسخ بالعيوب والاعسار بالنفقه، ولا يضرب الحاكم له المدة الا من حين ترافعا إليه بعد ثبوت العنه، فأما إذا أفر الزوج بالعنه وأقاما على ذلك زمانا فلا يحكم عليه بالتأجيل لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه والظاهر أنه انما ضرب له المدة من حين ترافعا إليه.
(فرع)
فإذا ضرب للعنين المدة ثم جامع امرأته قبل انقضاء السنه أو بعدها وقبل الفسخ سقط حقها من الفسخ، لانه قد ثبتت قدرته على الوطئ، وان كان ذكره سليما خرج من العنه بتغييب الحشفه (والحشفة ما فوق الختان) في فرجها ولا يخرج بما دون ذلك، ولا يلزمه أكثر من ذلك لان احكام الوطئ من وجوب

(16/280)


الغسل والحد والعدة واستقرار المهر يتعلق بذلك: وإن كان بعض ذكره مقطوعا وبقى منه ما يمكنه به الجماع، فإن غيب جميعه في فرجها خرج من العنة، وإن غيب منه أقل من الحشفة لم يخرج من العنة بذلك لانه لو كان ذكره سليما فغيب منه هذا القدر خرج من العنة، وكذلك لم يخرج من العنة بذلك، وكذلك إذا كان بعضه مقطوعا، والثانى - وهو ظاهر النص - أنه لا يخرج من العنة إلا يتغييب جميع ما بقى من الذكر في الفرج، ولانه إذا كان سليما فهنالك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، فإذا كان بعضه مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره، فاعتبر كله، وعندي أن الغسل وسائر أحكام الوطئ على هذين الوجهين.
وإن وطئها في الموضع المكروه لم يخرج من العنة، لانه ليس محل الوطئ في الشرع ولهذا لا يجعل به الاحلال للزوج الاول، وإن أصابها بالفرج وهى حائض أو نفساء أو صائمة عن فرض أو محرمه خرج من العنة، لانه محل للوطئ في الشرع وإنما حرم الوطئ لعارض.
(فرع)
وان ادعى الزوج أنه وطئها أنكرت فان كانت ثيبا فالقول قول الزوج مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينه، وان كانت بكرا عرضت على أربع من القوابل، فان قلن: ان بكارتها قد زالت فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الظاهر أن البكارة لا تزول الا بالوطئ، وان قلن: ان البكارة باقيه، فان قال الزوج: اننى قد أصبتها وهى ثيب لم يلتفت إلى قوله، لان ذلك طعن على
البينه، فثبت عجزه، وان قال: صدقت كنت قد أصبتها وزالت بكارتها ثم عادت فالقول قول الزوجه، لان الظاهر أن البكارة لا تعود.
قال الشافعي رضى الله عنه: وتحلف المرأة على ذلك، لان ما يدعيه الزوج ممكن لانه قد قال أهل الخبرة: ان الرجل إذا وطئ البكر ولم يبالغ، فان البكارة ربما زالت ثم عادت، فحلفت عليه، هذا مذهبنا.
وقال الاوزاعي: يترك الزوج معها، ويكون هناك امرأتان جالستين خلف ستر قريب منهما، فإذا قام الرجل عن جماعها بادرتا فنظرتا إلى فرجها، فان رأتا فيه الماء علمتا أنه أصابها، وان لم تريا فيه الماء علمتا أنه لم يصبها.

(16/281)


وقال مالك: يفعل ذلك ولكن يقتصر على إمراة واحدة، وحكى أن إمرأة ادعت على زوجها العنة، فكتب سمرة بن جندب رضى الله عنه بذلك إلى معاوية رضى الله عنه فكتب إليه أن يزوج الرجل إمرأة ذات حسن وجمال يذكر عنها الصلاح ويساق إليها صداقها من بيت المال لتختبر حاله، فإن أصابها فقد كذبت يعنى زوجته المدعية وإن لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك ثم سألها عنه فقالت: ما عندي شئ، فقال سمرة رضى الله عنه ما دنا ولا انتشر عليه؟ فقالت بلى دنا وانتشر عليه، ولكن جاءه سره أي أنزل قبل أن يولج هذه رواية الشيخ أبى حامد وسائر أصحابنا.
وأما أبو عبيد فذكر أن معاوية رضى الله عنه كتب إليه أن اشتر له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، ثم اسألها عنه، ففعل سمرة رضى الله عنه فلما أصبح قال.
ما صنعت؟ فقال فعلت حتى حصحص فيه، فسأل الجارية فقالت لم يصنع شيئا فقال.
خل سبيلها ما محصحص، والحصحصة الحركة في الشئ حتى يستقر، وما ذكره الاوزاعي ومالك غير صحيح، لان العنين قد ينزل من غير
ايلاج وقد يولج من غير انزال، وما ذكره معاوية غير صحيح، لان الرجل قد يعن عن إمرأة ولا يعن عن غيرها.
(مسألة) وإذا انقضت السنة ولم يقدر على وطئها كانت بالخيار بين الاقامة والفسخ، فإن اختارت الاقامة سقط حقها من الفسخ لانها أسقطت ما ثبت لها من الفسخ، فإن أرادت بعد ذلك أن ترجع فتطالب بالفسخ لم يكن لها ذلك لانه عيب رضيت به، فهو كما لو وجدته مجذوما أو أبرص فرضيت به ثم أرادت أن تفسخ بعد ذلك فإن اختارت الفسخ - لم يصح الا بالحاكم لانه مجتهد فيه.
قال ابن الصباغ ويفسخ الحاكم النكاح، ويجعله إليها فتفسخ.
قال الشيخ أبو حامد لا تفسخه المرأة بنفسها لان الصحابة رضى الله عنهم، قالوا فان جامعها والا فرق بينهما، فأخبر أنها لا تنولاه، ويكون ذلك فسخا لا طلاقا.
وقال مالك والثوري وأبو حنيفة رضى الله عنهم تكون طلقة بائنة.
دليلنا أنه فسخ بعيب كفسخ المشترى لاجل العيب في المبيع، وكالامة إذا أعتقت

(16/282)


تحت عبد فاختارت الفسخ، فان رضيت بالمقام معه قبل أن يضرب له المدة وفى اثباتها فيه وجهان وحكاهما ابن الصباغ قولين.

(أحدهما)
يسقط حقها من الفسخ لانها رضيت بعيبه فهو كما لو رضيت به بعد انقضاء المدة
(والثانى)
لا يسقط حقها من الفسخ وهو الاصح، لانها أسقطت حقها من الفسخ.
قبل جوازه فلم يسقط كالشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل الشراء.
(فرع)
إذا تزوج رجل امرأة فوطئها ثم عجز عن وطئها لم يثبت لها الخيار ولا يحكم لها عليه بالعنة.
وقال أبو ثور: يضرب لها المدة، ويثبت لها الخيار كما لو وطئها ثم جب ذكره.
دليلنا أن العنة يتوصل إليها بالاستدلال والاجتهاد
فإذا تحققنا قدرته على الوطئ في هذا النكاح لم يرجع فيه إلى الاستدلال، ومضى الزمان لانه رجوع من اليقين إلى الظن، ويخالف إذا وطئها ثم جب، لان الجب أمر مشاهد متحقق فجاز أن تدفع قدرته على الوطئ بالامر المتحقق، فان تزوج امرأة ثم وطئها ثم طلقها فبانت منه ثم تزوجها فادعت عليه بالعنة سمعت دعواها عليه، فان أقر بذلك ضربت له المدة لان كل نكاح له حكم نفسه، ويجوز أن يثبت في نكاح دون نكاح، كما يثبت من امرأة دون امرأة.
(فرع)
وان تزوج رجل امرأة مع علمها أنه عنين بأن أخبرها أنه عنين أو تزوجها فأصابته عنينا فسخت النكاح ثم تزوجها ثانيا.
فيه قولان.
قال في الام: لا يثبت لها الخيار لانها تزوجته مع العلم بحاله فلم يثبت لها الفسخ كما لو اشترى سلعه مع العلم بعيبها.
وقال في الجديد: يثبت لها الفسخ لان كل نكاح له حكم نفسه، ولانها انما تحققت عنته في النكاح الاول، ويجوز أن يكون عنينا في نكاح دون نكاح.
(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: فان فارقها بعد ذلك ثم راجعها ثم سألت أن يؤجل لها لم يكن لها ذلك، وجملة ذلك أن امرأة إذا أصابت زوجها عنينا فضربت له المدة ورضيت بالمقام معه ثم طلقها وعادت إليه نظرت، فان طلقها طلاقا رجعيا ثم راجعها وأرادت أن تضرب له المدة ثانيا لم يكن لها ذلك لان الرجعيه استصلاح النكاح الاول وليس بتجديد عقد النكاح، وقد رضيت

(16/283)


بمقامها معه في هذا النكاح فلم يكن لها أن تطالب بضرب المدة، فاعترض المزني على الشافعي وقال: لا تجتمع الرجعية مع العنة، لانه إن كان قد وطئها في هذا النكاح، فإنه لا تضرب له مدة العنة لانه وإن لم يصبها فيه فلا عدة عليها له ولا رجعة، قال أصحابنا: يحتمل أن يكون الشافعي رضى الله عنه بنى هذا على
القول القديم أن الخلوة تثبت العدة، فكأنه فرضها فيمن خلا بإمرأته ولم يطأها فأصابته عنينا فضربت له المدة ثم اختارت المقام معه ثم طلقها ولم يبنها، فإن له الرجعة عليها لان الخلوة كالدخول في استقرار المهر بوجوب العدة والرجعة على هذا ويحتمل أنه بناها على القول الجديد وهو إذا وطئها ولم يغيب الحشفة في الفرج وأنزل واستدخلت ماءه من غير جماع، فإنه يجب عليها العدة وله عليها الرجعة.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا أصح، لان الشافعي رحمه الله ذكرها في الام، وقوله في الام: إن الخلوة لا تقر المهر، ولا توجب العدة.
وقال المسعودي: يحتمل أن يكون الشافعي رحمه الله أراد إذا وطئها في دبرها وإن كان الطلاق بائنا ثم تزوجها بعده فقد تزوجته مع العلم بعيبه، وهل لها الخيار؟ فيه قولان مضى بيانهما.
(فرع)
فرع إذا تزوج إمرأتين فعن عد إحداهما دون الاخرى ضربت له المدة التى عن عنها لان لكل واحدة حكم بعنتتها فاعتبر حكمها بانفرادها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن وجدت المرأة زوجها مجبوبا ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، فإن كان بعضه مجبوبا وبقى ما يمكن الجماع به فقالت المرأة: لا يتمكن من الجماع به.
وقال الزوج: أتمكن، ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن القول قوله، لان له ما يمكن الجماع بمثله، فقبل قوله.
كما لو اختلفا وله ذكر قصير.

(والثانى)
وهو قول أبى إسحاق: أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن الذكر إذا قطع بعضه ضعف، وإن اختلفا في القدر الباقي هل يمكن الجماع به فالقول قول المرأة، لان الاصل عدم الامكان،

(16/284)


(فصل)
إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها، أو على نسب فخرج بخلافه، ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن العقد باطل، لان الصفة مقصودة كالعين، ثم اختلاف العين يبطل العقد، فكذلك اختلاف الصفة، ولانها لم ترض بنكاح هذا الزوج فلم يصح، كما لو أذنت في نكاح رجل على صفة فزوجت ممن هو على غير تلك الصفة (والقول الثاني) أنه يصح العقد وهو الصحيح، لان ما لا يفتقر العقد إلى ذكره إذا ذكره وخرج بخلافه لم يبطل العقد كالمهر، فعلى هذا إن خرج أعلى من المشروط لم يثبت الخيار، لان الخيار يثبت للنقصان لا للزيادة، فإن خرج دونها فإن كان عليها في ذلك نقص بأن شرط أنه حر فخرج عبدا أو أنه جميل فخرج قبيحا أو أنه عربي فخرج عجميا، ثبت لها الخيار لانه نقص لم ترض به، وإن لم يكن عليها نقص بأن شرطت أنه عربي فخرج عجميا وهى عجميه، ففيه وجهان، أحدهما لها الخيار لانها ما رضيت أن يكون مثلها، والثانى: لا خيار لها لانها لا نقص عليها في حق ولا كفاءة: (الشرح) وإن أصابت المرأة زوجها مجبوبا، فإن جب ذكره من أصله ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، وإن بقى بعضه فإن كان الباقي مما لا يمكن الجماع به فهو كما لو لم يبق منه شئ، لان وجود الباقي كعدمه، وإن كان الباقي مما يمكن الجماع به، فإن اتفق الزوجان على أن الزوج يقدر على الجماع به فلا خيار لها، وإن اختلفا فقالت الزوجه، لا يقدر على الجماع به، وقال الزوج بل أقدر على الجماع به، ففيه وجهان.
أحدهما: أن القول قول الزوج مع يمينه كما لو كان الذكر سليما.
والثانى: هو قول أبى إسحاق، أن القول قول الزوجه مع يمينها، لان الظاهر ممن قطع بعض ذكره أنه لا يقدر على الجماع به، فان ثبت عجزه عن الجماع
باقراره أو يمينها ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ
(أحدهما)
حكاه عن الشيخ أبى حامد أن الخيار يثبت لها في الحال، لان عجزه متحقق
(والثانى)
وهو قول القاضى ابى الطيب ولم أجد له الا ذلك انه يضرب له مدة العنين، لان

(16/285)


عجزه غير متحقق، لانه يقدر على الجماع به فهو كالعنين، فأما إذا اختلفا في القدر الباقي هل هو مما يمكن الجماع به أو مما لا يمكن الجماع به، فذكر الشيخ أبو حامد والشيخ أبو إسحاق المروزى والمحاملى أن القول قول الزوجة وجها واحدا، لان الاصل عدم الامكان.
وقال ابن الصباغ: ينبغى أن لا يرجع في ذلك إليها، وإنما يرجع إلى من يعرف ذلك بصغره أو كبره كما لو ادعت أنه مجبوب وأنكر ذلك.
وإن أصابت زوجها خصيا أو خنثى قد زال إشكاله فإن قلنا: لها الخيار كان لها الخيار في الحال، سواء كان قادرا على الوطئ أو عاجزا عنه، لان العلة فيه أن النفس تعاف من مباشرته، وإن قلنا: لا خيار لها وادعت عجزه عن الجماع فأقر بذلك ضربت له مدة العنين وهى سنه.
(فرع)
روى المزني عن الشافعي: فان لم يجامعها الصبى أجل.
قال المزني معناه عندي صبى قد بلغ أن يجامع مثله قال أصحابنا: المزني أخطأ في النقل والتأويل، أما النقل فان الشافعي قال في القديم، وإن لم يجامعها الخصى أجل وثنى الشافعي هذا، إذا قلنا لا خيار في الخصى وادعت عجزه في الجماع فانه يؤجل فغلط المزني من الخصى إلى الصبى، وأما تأويله فغلط أيضا لان الصبى لا تثبت العنة في حقه، لان العنة لا تثبت إلا باعترافه أو بنكوله عن اليمين، ونكول ويمين الزوجة، وهذا متعذر في حقه قبل أن يبلغ، لان دعوى المرأة لا تسمع عليه بذلك قبل بلوغه، وإن ادعت إمرأة المجنون على زوجها العنة لم تسمع
دعواها عليه، لانه لا يمكنه الجواب على دعواها، وان ثبتت عنته قبل الجنون فضربت له المدة وانقضت وهو مجنون فلا يجوز للحاكم أن يفسخ النكاح بينهما، لانه لو كان عاقلا لجاز أن يدعى الاصابة ويحلف عليها إن كانت ثيبا، وهذا متعذر منه في حال جنونه، وإن كانت بكرا فيجوز أن يكون وطئها وزالت بكارتها ثم عادت البكارة أو منعته عن نفسها فلم يحكم عليه قبل إفاقته.
(مسألة) إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها.
أو على نسب فخرج بخلافه، سواء خرج أعلى مما شرط أو دون ما شرط فالحكم واحد

(16/286)


بأن تتزوج رجلا بشرط أنه طويل، فيخرج قصيرا: وبشرط أنه قصير فيخرج طويلا، أو أنه أسود فيأتى أبيض، أو أنه أبيض فيأتى أسود، أو أنه موسر فيخرج فقيرا، أو أنه فقير فيخرج موسرا أو على أنه قرشي فيخرج غير قرشي، أو على أنه ليس بقرشي فيخرج قرشيا، أو على أنه حر فكان عبدا وكان نكاحه باذن مولاه، أو على أنه عبد فخرج حرا وكان هذا الشرط في حال العقد، فهل يصح العقد؟ فيه قولان.

(أحدهما)
أن النكاح باطل، لان الاعتماد في النكاح على الصفات والاسماء كما أن الاعتماد في البيوع على المشاهدة، بدليل أنه لو قال: زوجتك أختى أو ابنتى صح وان لم يشاهدها الزوج، كما أنه إذا باعه سلعة شاهداها صح، ثم اختلاف الاعيان يوجب بطلان النكاح البيع بدليل أنه لو قال: زوجتك ابنتى يا زيد فقبل نكاحها وهو عمر، أو قال: بعتك عبدى هذا فقال المشترى: قبلت البيع في الجارية لم يصح النكاح والبيع، فوجب أن يكون اختلاف الصفة يوجب بطلان العقد، فعلى هذا يفرق بينهما، فان لم يدخل بها فلا شئ عليه، وإن دخل بها وجب لها مهر مثلها.
(والقول الثاني) أن النكاح صحيح، وبه قال أبو حنيفة وهو الاصح، لانه معنى لا يفتقر العقد إلى ذكره، ولو ذكره وكان كما شرط صح العقد، فان ذكره وخرج بخلاف ما شرطه لم يبطل العقد كالمهر.
فإذا قلنا بهذا نظرت، فان كان الشرط في الصفة، فان خرج الزوج أعلى منها شرط في الصفة بأن شرط كونه فقيرا فكان موسرا، أو أنه شيخ فكان شابا، لم يكن لها الخيار في فسخ النكاح لان الخيار يثبت للنقص، وهذا زيادة لا نقصان فيه، وإن خرج أدنى مما شرط ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه دون ما شرط وإن كان في النسب نظرت، فان شرط أنه حر فخرج عبدا وهى حرة ثيب لها الخيار في فسخ النكاح قولا واحدا، لان العبد لا يكافئ الحرة، وكذلك إذا شرط أنه عربي فخرج عجميا، وهو من كان من أبوين عجميين وهى عربية ثبت لها الخيار، لانه لا يكافئها، وإن خرج نسبه أعلى من نسبها بأن شرط أنه ليس

(16/287)


من قريش فكان قرشيا فلا خيار لها لانه أعلى مما شرط، وإن خرج نسبه دون نسبه الذى انتسب إليه ودون نسبها ثبت لها الخيار، وإن كان مثل نسبها أو أعلى منه ففيه وجهان (أحداهما) لها الخيار، لانها لم ترض بكفؤ لها
(والثانى)
وهو المنصوص في الام: أنه لا خيار لها لانه كفؤ لها ولا نقص عليها في ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن كان الغرر من جهة المرأة نظرت، فان تزوجها على أنها حرة فكانت أمة وهو ممن يحل له نكاح الامة ففى صحة النكاح قولان.
فان قلنا: أنه باطل فوطئها لزمه مهر المثل، وهل يرجع به على الغار فيه قولان، أحدهما لا يرجع، لانه حصل له في مقابلته الوطئ، والثانى: يرجع، لان الغار ألجأه إليه فان كان الذى غره غير الزوجة رجع عليه، وان كانت هي الزوجة رجع عليها
إذا عتقت، وان كان وكيل السيد رجع عليه في الحال، وان أحبلها فضمن قيمة الولد رجع بها على من غره.
وان قلنا انه صحيح فهل يثبت له الخيار فيه قولان.
أحدهما لا خيار له لانه يمكنه أن يطلق.
والثانى له الخيار وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار للمرأة ثبت به الخيار للرجل كالجنون.
وقال أبو إسحاق: ان كان الزوج عبدا فلا خيار له قولا واحدا، لانه مثلها والصحيح أنه لا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا، لان عليه ضررا لم يرض به، وهو استرقاق ولده منها وعدم الاستمتاع بها في النهار.
فان فسخ فالحكم فيها كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل.
(وان قلنا) لا خيار له أو له الخيار ولم يفسخ فهو كالنكاح الصحيح، فان وطئها قبل العلم بالرق فالولد حر، لانه لم يرض برقه، وان وطئها بعد العلم بالرق فالولد مملوك، لانه رضى برقه، وان غرته بصفة غير الرق أو بنسب ففى صحة النكاح قولان.
فان قلنا انه باطل ودخل بها وجب مهر المثل.
وهل يرجع به على من غره؟ على القولين، فان قلنا يرجع فان كان الغرور من غيرها رجع بالجميع وان كان منها ففيه وجهان.

(16/288)


(أحداهما) يرجع بالجميع كما يرجع على غيرها
(والثانى)
يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل.
وان قلنا: انه صحيح، فان كان الغرور بنسب فخرجت أعلى منه، لم يثبت الخيار، وان خرجت دونه ولكنه مثل نسبه أو أعلى منه لم يثبت الخيار، وان كان دون نسبه ففيه وجهان.
أحدهما: له الخيار، لانه لم يرض أن تكون دونه.
والثانى: لا خيار له، لانه لا نقص على الزوج بأن تكون المرأة دونه في الكفاءة، فإن قلنا أن له
الخيار فاختار الفسخ، فالحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل، وان اختار المقام فهو كما قلنا انه صحيح وقد بيناه.
(الشرح) وان تزوج رجل امرأة على أنها حرة فكانت أمة فهل يصح النكاح فيه وجهان وجههما ما ذكرناه في التى قبلها، وانما يتصور القولان مع وجود أربع شرائط (أحداها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة
(والثانى)
أن يكون القولان مع وجود أربع شرائط.
(أحدها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة (الثاني) أن يكون الشرط في حال العقد فاما قبله أو بعده فلا يؤثر.
(الثالث) أن يكون الغرور من جهة الامة أو من وكيل السيد: فأما ان كان من السيد فإنها تعتق.
(الرابع) أن يكون النكاح بإذن السيد: إذا ثبت هذا فإن قلنا ان النكاح باطل فإن لم يدخل بها فرق بينهما، ولا شئ عليه، وان دخل بها لزمه مهر المثل لسيدها، فإذا غرمه فهل يرجع به على من غرة؟ فيه قولان مضى توجيههما، وان حبلت منه وخرج الولد حيا كان حرا للشبهة سواء كان الزوج حرا أو عبدا ويلزمه قيمته لسيدها، وما قاله المصنف في استرقاق الولد والغرور بالرق فعلى وجهه (فرع)
وان تزوجها على أنها على صفة فخرجت بخلافها، أو أنها من نسب فخرجت بخلافه، وكان هذا الشرط حال العقد، فهل يصح النكاح؟ فيه قولان سواء خرجت أعلى من الشرط أو دونه، فإن قلنا ان النكاح باطل، فان لم يدخل بها فرق بينهما ولا شئ عليه.
وان دخل بها لزمه مهر مثلها.
وهل يرجع به

(16/289)


على من غره؟ فيه قولان مضى يوجيههما، فإن قلنا: لا يرجع فلا كلام، وإن قلنا: يرجع على من غره فغرم، فان كان الذى غره وليها وهو واحد رجع عليه
بالجميع، وإن كانوا جماعة فان غروه بالنسب رجع على جميعهم بالسوية بجميع المهر، لان نسبها لا يخفى عليهم، وإن غروه بصفة غير النسب فان كانوا كلهم عالمين بحالها أو كلهم جاهلين بحالها رجع على جميعهم بالسوية، لانه لا مزية لبعضهم على بعض، وان كانوا بعضهم عالمين بحالها وبعضهم جاهلين بحالها، ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد.

(أحدهما)
يرجع على الجميع لان الجميع منهم زوجوه، وحقوق الاموال لا يسقط بالخطأ،
(والثانى)
يرجع على العالم منهم بحالها دون الجاهل، لان العالم بحالها هو الذى غره، وان كان الذى غره هي الزوجة ففيه وجهان.
أحدهما: يرجع عليها بجميع المهر كما قلنا في الاولياء.
والثانى: لا يرجع عليها بالجميع بل يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بذل، فان قلنا: يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضته منه ردته إليه، وان لم تقبضه منه لم يقبضه، بل يسقط أحدهما بالآخر، وان قلنا لا يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضت الجميع رجع عليها بما قبضت منه، وبقى منه بعضه، وان لم يقبضه منه أقبضها منه شيئا وسقط الباقي عنه، وان قلنا ان النكاح صحيح، لانه لا نقص عليه، فان غرته بصفة فخرجت أعلا مما شرطت فلا خيار للزوج لانه لا نقص عليه، وان خرج نسبها دون النسب الذى شرطت ودون نسب الزوج، أو كان الغرور بصفة فخرجت صفتها دون الصفة التى شرطت فهل له الخيار في فسخ النكاح، فيه قولان.

(أحدهما)
له الخيار لانه معنى لو شرط بنفسه وخرج بخلافه لثبت لها الخيار فيثبت للزوج الخيار كالعيوب.

(والثانى)
لا يثبت له الخيار، لانه يمكنه أن يطلقها، ولانه لا عار على الزوج بكون نسب الزوجه دون نسبه ودون صفته بخلاف الزوجة فان قلنا:
له الخيار، فاختار الفسخ فهو كما لو قلنا: انه باطل، وان قلنا لا خيار له أو له الخيار، فاختار امساكها لزمه أحكام العقد الصحيح.

(16/290)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان تزوج امرأة من غير شرط يظنها حرة فوجدها أمة فالنكاح صحيح، والمنصوص أنه لا خيار له.
وقال فيمن تزوج حرة يظنها مسلمة فخرجت كتابية أن له الخيار.
فمن أصحابنا من نقل جوابه فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وجعلهما على قولين.

(أحدهما)
له الخيار، لان الحرة الكتابية أحسن حالا من الامة، لان الولد منها حر، والاستمتاع بها تام، فإذا جعل له الخيار فيها كان في الامة والولد منها رقيق، والاستمتاع بها ناقص أولى.
(والقول الثاني) لا خيار له لان العقد وقع مطلقا فهو كما لو ابتاع شيئا يظنه على صفة فخرج بخلافها.
فانه لا يثبت له الخيار.
فكذلك ههنا، وإذا لم يجعل له الخيار في الامة ففى الكتابية أولى.
ومنهم من حملهما على ظاهر النص فقال له الخيار في الكتابية.
ولا خيار له في الامة.
لان في الكتابية ليس من جهة الزوج تفريط.
لان الظاهر ممن لا خيار عليه أنه ولى مسلمة، وانما التفريط من جهة الولى في ترك الخيار.
وفى الامة التفريط من جهة الزوج في ترك السؤال.

(فصل)
إذا أعتقت الامة وزوجها حر لم يثبت لها الخيار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أعتقت بريرة فخيرها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زوجها.
وكان عبدا فاختارت نفسها.
ولو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولانه لا ضرر عليها في كونها حرة تحت حر.
ولهذا لا يثبت به الخيار في ابتداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته.
وان أعتقت تحت عبد
ثبت لها الخيار.
لحديث عائشة رضى الله عنها ولان عليها عارا وضررا في كونها تحت عبد.
ولهذا لو كان ذلك في ابتداء النكاح ثبت لها الخيار.
فثبت به الخيار في استدامته.
ولها أن تفسخ بنفسها لانه خيار ثابت بالنص.
فلم يفتقر إلى الحاكم.
وفى وقت الخيار قولان.

(أحدهما)
أنه على الفور، لانه خيار لنقص فكان على الفور كخيار العيب

(16/291)


في البيع
(والثانى)
أنة على التراخي، لانا لو جعلناه على الفور لم نأمن أن تختار المقام أو الفسخ ثم تندم، فعلى هذا في وقته قولان.

(أحدهما)
يتقدر بثلاثة أيام، لانه جعل حدا لمعرفة الحظ في الخيار في البيع
(والثانى)
أن لها الخيار إلى أن تمكنه من وطئها لانه روى ذلك عن ابن عمر وحفصة بنت عمر رضى الله عنهما، وهو قول الفقهاء السبعة سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بن محمد وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بن هشام وخارجة بن زيد بن ثابت وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن مسعود وسليمان بن يسار رضى الله عنهم، فإن أعتقت ولم تختر الفسخ حتى وطئها ثم ادعت الجهل بالعتق فإن كان في موضع يجوز أن يخفى عليها العتق فالقول قولها مع يمينها، لان الظاهر أنها لم تعلم، وإن كان في موضع لا يجوز أن يخفى عليها لم يقبل قولها لان ما تدعيه خلاف الظاهر، وإن علمت بالعتق ولكن ادعت أنها لم تعلم بأن لها الخيار، ففيه قولان.

(أحدهما)
لا خيار لها كما لو اشترى سلعة فيها عيب، وادعى أنه لم يعلم أن له الخيار.

(والثانى)
أن لها الخيار، لان الخيار بالعتق لا يعرفه غير أهل العلم، وإن أعتقت وهى صغيرة ثبت لها الخيار إذا بلغت، وإن كانت مجنونة ثبت لها الخيار
إذا عقلت وليس للولى أن يختار، لان هذه طريقة الشهوة فلا ينوب عنها الولى كالطلاق، وإن أعتقت فلم تختر حتى عتق الزوج ففيه قولان.

(أحدهما)
لا يسقط خيارها لانه حق ثبت في حال الرق فلم يتغير بالعتق كما لو وجب عليه حد ثم أعتق.

(والثانى)
يسقط لان الخيار ثبت للنقص وقد زال، فإن أعتقت وهى في العدة من طلاق رجعى فلها أن تترك الفسخ، لانتظار البينونة بانقضاء العدة ولها أن تفسخ لانها إذا لم تفسخ ربما راجعها إذا قارب انقضاء العدة فإذا فسخت احتاجت أن تستأنف العدة وإن اختارت المقام في العدة لم يسقط خيارها لانها جارية إلى بينونه، فلا يصح منها اختيار المقام مع ما ينافيه، وإن أعتقت تحت عبد فطلقها قبل ان تختار الفسخ ففيه قولان.

(16/292)


أحدهما: أن الطلاق ينفذ، لانه صادف الملك.
والثانى: لا ينفذ لانه يسقط حقها من الفسخ، فعلى هذا إن فسخت لم يقع الطلاق، وإن لم تفسخ حكمنا بوقوع الطلاق من حين طلق.

(فصل)
وان أعتقت وفسخت النكاح، فان كان قبل الدخول سقط المهر لان الفرقة من جهتها، وان كان بعد الدخول نظرت، فان كان العتق بعد الدخول استقر المسمى، وان كان قبله ودخل بها ولم تعلم بالعتق سقط المسمى ووجب مهر المثل لان العتق وجد قبل الدخول فصار كما لو وجد الفسخ قبل الدخول ويجب المهر للمولى لانه وجب بالعقد في ملكه، وان كانت مفوضة فأعتقت فاختارت الزوج وفرض لها المهر بعد العتق ففى المهر قولان ان قلنا يجب بالعقد كان للمولى لانه وجب قبل العتق.
وان قلنا: يجب بالفرض كان لها لانه وجب بعد العتق.

(فصل)
وان تزوج عبد مشرك حرة مشركة ثم أسلما ففيه وجهان.
أحدهما لا خيار لها لانها دخلت في العقد مع العلم برقه.
والثانى: وهو ظاهر النص أن لها أن تفسخ النكاح لان الرق ليس بنقص في الكفر وانما هو نقص في الاسلام فيصير كنقص حدث بالزوج، فيثبت لها الخيار، وان تزوج العبد المشرك أمة فدخل بها ثم أسلمت وتخلف العبد فأعتقت الامة ثبت لها الخيار، لانها عتقت تحت عبد، وان أسلم العبد وتخلفت المرأة ففيه وجهان.

(أحدهما)
وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه لا يثبت لها الخيار، وهو ظاهر ما نقله المزني، والفرق بينها وبين ما قبلها أن هناك الامر موقوف على اسلام الزوج فإذا لم تفسخ لم تأمن أن لا يسلم حتى يقارب انقضاء العدة ثم يسلم فتفسخ النكاح فتطول العدة.
وههنا الامر موقوف على اسلامها فأى وقت شائت أسلمت وثبت النكاح فلم يثبت له الفسخ
(والثانى)
وهو قول أبى اسحاق أنه يثبت لها الخيار كالمسألة قبلها، وأنكر ما نقله المزني.

(فصل)
إذا ملك مائة دينار وأمة قيمتها مائة دينار وزوجها من عبد بمائة ووصى بعتقها فأعتقت قبل الدخول لم يثبت لها الخيار لانها إذا فسخت سقط

(16/293)


مهرها، وإذا سقط المهر عجز الثلث عن عتقها فسقط خيارها فيؤدى إثبات الخيار إلى اسقاطه فسقط.

(فصل)
وإن أعتق عبد وتحته أمة ففيه وجهان.
أحدهما: يثبت له الخيار كما يثبت للامة إذا كان زوجها عبدا، والثانى: لا يثبت لان رقها لا يثبت به الخيار في ابداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته.
(الشرح) خبر بريرة بلفظ المصنف أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه من طريق عروة عن عائشة، وقال ابن القيم في الهدى: حديث عائشة
رواه ثلاثة الاسود وعروة والقاسم، وهو يرجح كون زوج بريرة حرا بيد أن الروايات الثابته عندنا تخالف ابن القيم فيما ذهب إليه.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت الخيار للزوجة أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت، وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لان المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكن كفؤا لها، ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب، ولو كان حرا لم يخيرها، ولكنه تعقب بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه، وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك، ولو سلم انه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة، وذهبت العترة والشعبى والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التى فيها أنه كان زوج بريرة حرا، وقد عرفنا عدم صلاحية ذلك للتمسك به.
وما بقى من فروع المسائل في هذه الفصول فعلى وجهه لمن أراد أن يحيط بها إجمالا إذ لا حاجة بنا إلى بسطها لانها تقوم على أساس الرق وقد تلاشى الرق اليوم وصار الناس يتساوون اليوم في حقوقهم وواجباتهم، وقد ضاقت فوارق التكافؤ بينهم الا قليلا، والله الموفق للصواب،

(16/294)