المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله:
باب نكاح المشرك

إذا أسلم الزوجان المشركان على صفة لو لم يكن بينهما نكاح جاز لهما عقد النكاح أقرا على النكاح، وان عقد بغير ولى ولا شهود، لانه أسلم خلق كثير فأقرهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنكحتهم، ولم يسألهم عن شروطه وان أسلما والمرأة ممن لا تحل له كالام والاخت لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز الاقرار على نكاحها، وان أسلم أحد الزوجين
الوثنيين أو المجوسيين أو أسلمت المرأة والزوج يهودى أو نصراني فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وان لم يسلم حتى انقضت العدة حكم بالفرقة.
وقال أبو ثور: ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة وهذا خطأ، لما روى عبد الله بن شبرمة (أن الناس كانوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح بينما) والفرقة الواقعة باختلاف الدين فسخ لانها فرقه عريت عن لفظ الطلاق ونيته فكانت فسخا، كسائر الفسوخ.
(الشرح) خبر عبد الله بن شبرمه مرسل لانه من الطبقة الخامسه في التابعين ومن ثم يؤخذ على المصنف استدلاله به مع استفاضة الروايات المرفوعة وكثرة طرقها، من ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس قال (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركى أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه.
وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح.
وان جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه) .

(16/295)


وأخرج أحمد وأبو داود وصححه الحاكم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها ابى العاص بن الربيع بالنكاح الاول لم يحدث شيئا) وفى لفظ (رد ابنته زينب على أبى العاص زوجها بنكاحها الاول بعد سنتين ولم يحدث صداقا) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفى لفظ (رد ابنته زينب
على أبى العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الاول، ولم يحدث شهادة لا صداقا) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال فيه (لم يحدث نكاحا) وقال ليس بإسناده بأس.
وقد روى بإسناد ضعيف عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ابنته على أبى العاص بمهر جديد ونكاح جديد) قال الترمذي في إسناده مقال، وقال أحمد: هذا حديث ضعيف والحديث الصحيح أنه أقرهما على النكاح الاول.
وقال الدارقطني: هذا حديث لا يثبت، والصواب حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ردها بالنكاح الاول) وقال الخطابى: حديث ابن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب.
وقال ابن كثير في الارشاد: هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن اسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ضعف أمرها على بن المدينى، وابن إسحاق فيه مقال معروف، وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ابن ماجه أيضا، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمى وهو ضعيف، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم.
وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب صفوان من الاسلام، فبعث إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانا، وشهد حنينا والطائف وهو كافر وإمرأته مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح.
قال ابن شهاب: وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحوا من شهر)

(16/296)


وفى الموطأ عن ابن شهاب (أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبى جهل من الاسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الاسلام فأسلم، وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك.
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أن إمرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها، وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهى في عدتها) .
وروى البيهقى عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازى وغيرهم عن عدد مثلهم (أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكه، ومكه يومئذ دار حرب، وكذلك حكيم بن حزام، ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وسلم النكاح) .
وقد استشكل بعض علماء الحديث والفقه ما جاء في روايات ابن عباس من قوله (بعد سنتين) وفى الرواية الثانية (بست سنين) ووقع في رواية (بعد ثلاث سنين) وأشار ابن حجر في الفتح إلى الجمع فقال: المراد بالست ما بين هجر ة زينب واسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى (لا هن حل لهم) وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا.
قال الترمذي في حديث ابن عباس انه لا يعرف وجهه.
قال الحافظ: وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة، قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها، وممن نقل الاجماع في
ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع المذكور، وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما، فقد أخرجه ابن أبى شيبه عن على وابراهيم النخعي بطرق قوية، وأفتى به حماد شيخ أبى حنيفة، وأجاب الخطابى عن الاشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن.
وان لم تجربه عادة في الغالب،

(16/297)


ولا سيم ان كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر، فان الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض، وبمثل هذا أجاب البيهقى.
قال الحافظ: وهو أولى ما يعتمد في ذلك.
وقال السهيلي في شرح السيرة: ان حديث عمرو بن شعيب هو الذى عليه العمل، وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء، لان الاسلام قد كان فرق بينهما، قال الله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ومن جمع بين الحديثين قال: معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الاول في الصداق والحباء، ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره اه.
وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر، وقيل: إن زينب لما أسلمت وبقى زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه بينهما إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر، فلما نزل قوله تعالى (لا هن حل لهم) الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة، فقررها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاول فيندفع الاشكال، وحديث عمرو بن شعيب تعضده الاصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد، والاخذ بالصريح أولى من الاخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الائمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية
التحريم واسلام أبى العاص، ولا مانع من ذلك، وأغرب ابن حزم فقال: إن قوله: ردها إليه بعد كذا، مراده جمع بينهما، وإلا فاسلام أبى العاص گان قبل الحديبية، وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم.
قال الحافظ ابن حجر: وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازى أن إسلامه كان بعد نزول آية التحريم.
وقال ابن القيم في الهدى ما حاصله: إن اعتبار العدة لم يعرف في شئ من الاحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولو كان الاسلام بمجرده فرقة، لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها، فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم، وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف

(16/298)


فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهى زوجته، وان انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وان أحبت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح، قال: ولا نعلم أحدا جدد بعد الاسلام نكاحه ألبتة، بل كان الواقع أحد الامرين اما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤهما على النكاح الاول إذا أسلم الزوج، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده، وهذا كلام في غاية الحسن والمنانة.
قال: وهذا اختيار الخلال وأبى بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم، وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم.
قال ابن حزم: وهو قول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وابن عباس ثم عد آخرين، وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر واليه جنح البخاري، وشرط أهل الكوفه ومن وافقهم
أن يعرض على زوجها الاسلام في تلك المدة فيمتنع ان كانا معا في دار الاسلام وقد روى عن أحمد أن الفرقه تقع بمجرد الاسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقه من رضاع أو خلع أو طلاق.
قال في البحر: إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح اجماعا ثم قال بعد ذلك: ومذهب الشافعي ومالك وأبى يوسف على أن الفرقه بإسلام أحدهما فسخ لا طلاق إذا العلة اختلاف الدين كالردة.
وقال ابو العباس وابو حنيفة ومحمد: بل طلاق حيث اسلمت وابى الزوج، إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة اه.
وجملة ما اوردنا في هذا البحث ان اهل الشرك انكحتهم صحيحه وطلاقهم واقع وينبنى على هذا انه إذا نكح مشرك مشركة وطلقها ثلاثا لم تحل له الا بعد زوج، ولو نكح مسلم ذميه ثم طلقها ثلاثا ثم نكحها ذمى ودخل بها وطلقها الذمي حلت للمسلم الذى طلقها بعد انقضاء عدتها، فيتعلق بأنكحتهم سائر الاحكام التى تتعلق بأنكحة المسلمين، وبه قال الزهري والاوزاعي وابو حنيفة واصحابه.
وقال مالك: انكحة اهل الشرك باطله فلا يتعلق بها حكم من احكام النكاح الصحيح، وحكاه اصحابنا الخراسانيون قولا آخر للشافعي.

(16/299)


دليلنا قوله تعالى (وقالت إمرأة فرعون) وقوله تعالى (تبت يدا أبى لهب وتب إلى قوله وإمرأته حمالة الحطب) فأضاف إمرأتيهما اليهما وحقيقة الاضافة تقتضي الملك، وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ولدت من نكاح لا من سفاح) وكان مولودا في الشرك.
إذا ثبت هذا فان أسلم الزوجان المشركان معا فإن كانا عند إسلامهما يجوز ابتداء النكاح بينهما أقرا على نكاحهما الاول، وإن كانا عقدا بغير ولى ولا شهود لانه أسلم خلق كبير وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنكحتهم، ولم يسأل عن
شروطها، وإن كان لا يجوز لهما ابتداء النكاح بينهما، فإن كانت محرمة عليه بنسب أو رضاع أو صهارة أو معتدة عنه لانه لا يجوز لهما ابتداء النكاح فلا يجوز إقرارهما عليه.
قال أصحابنا: فإن أسلم الزوج والزوجة كتابية أقرا على النكاح لانه يجوز للمسلم ابتداء النكاح على الكتابية فأقرا عليه، وإن أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو أسلم الزوج ولم تسلم الزوجة، فان كان قبل الدخول انفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول وقف النكاح، وإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء عدة الزوجة أقرا على النكاح، وأن لم يسلم الكافر منهما حتى انقضت عدة الزوجة بانت منه من وقت إسلام المسلم منهما، ولا فرق بين أن يكون ذلك في دار الاسلام أو في دار الحرب، وبه قال أحمد.
وقال مالك: إن كانت هي المسلمة فكما قلنا، وإن كان هو المسلم عرض عليها الاسلام في الحال، فإن أسلمت والا انفسخ نكاحها، وقال أبو بكر رضى الله عنه ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة بكل حال.
وقال أبو حنيفة: ان كان في دار الحرب وكان ذلك بعد الدخول فالنكاح موقوف على انقضاء العدة كقولنا، وان كان في دار الاسلام فسواء كان قبل الدخول أو بعده فإن النكاح لا ينفسخ بل يعرض على المتأخر منهما الاسلام، فإن اسلم فهما على الزوجية، وان لم يسلم فرق بينهما بتطليقة، وان لم يعرض الاسلام على المتأخر منهما وأقاما على الزوجية مدة طويلة فهما على النكاح.
دليلنا ما رويناه من الاخبار التى تفيد بمنطوقها أن الناس كانوا يسلمون على

(16/300)


عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح
بينهما، والعدة لا تكون الا بعد الدخول، ولم يفرق بين أن أسلم الرجل أو لا أو المرأة، وبين أن يكون في دار الاسلام أو في دار الحرب، فإن اسلم الزوجان في حالة واحدة قبل الدخول لم ينفسخ نكاحهما لانه لم يسبق أحدهما الآخر.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، لزمه أن يختار أربعا منهن، لما روى ابن عمر رضى الله عنه (أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن أربعا) ولان ما زاد على أربع لا يجوز اقرار المسلم عليه، فإن امتنع أجبر عليه بالحبس والتعزير، لانه حق توجه عليه لا تدخله النيابة فأجبر عليه، فإن أغمى عليه في الحبس خلى إلى أن يفيق لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فخلى كما يخلى من عليه دين إذا أعسر به، فان أفاق أعيد إلى الحبس والتعزير إلى أن يختار، ويؤخذ بنفقة جميعهن إلى أن يختار لانهن محبوسات عليه بحكم النكاح، والاختيار أن يقول: اخترت نكاح هؤلاء الاربع، فينفسخ نكاح البواقى، أو يقول: اخترت فراق هؤلاء، فيثبت نكاح البواقى: وان طلق واحدة منهن كان ذلك اختيارا لنكاحها، لان الطلاق لا يكون الا في زوجة، وان ظاهر منها أو آلى لم يكن ذلك اختيارا لانه قد يخاطب به غير الزوج، وان وطئ واحدة ففيه وجهان.

(أحدهما)
أنه اختيار لان الوطئ لا يجوز الا في ملك فدل على الاختيار كوطئ البائع الجارية المبيعة بشرط الخيار.

(والثانى)
وهو الصحيح أنه ليس باختيار لانه اختيار للنكاح فلم يجز بالوطئ كالرجعة، وان قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح لان الاختيار كالنكاح فلم يجز تعليقه على الصفة ولا في غير معين، وان قال: كلما اسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يصح، لان الفسخ لا يجوز

(16/301)


تعليقه على الصفة، ولان الفسخ انما يستحق فيما زاد على أربع، وقد يجوز أن لا يسلم أكثر من أربع فلا يستحق فيها الفسخ، وان قال: كلما أسلمت واحدة فهى طالق ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح، وهو ظاهر النص، لانه قال: وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكف شيئا الا أن يريد به الطلاق.
فدل على أنه إذا أراد الطلاق صح، ووجهه أن الطلاق يصح تعليقه على الصفات
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه لا يصح، لان الطلاق ههنا يتضمن اختيار الزوجية، والاختيار لا يجوز تعليقه على الصفة، وحمل قول الشافعي رحمه الله على من أسلم وله أربع نسوة في الشرك، وأراد بهذا القول الطلاق فانه يصح، لانه طلاق لا يتضمن اختيارا فجاز تعليقه على الصفة، وان أسلم ثم ارتد لم يصح اختياره، لان الاختيار كالنكاح فلم يصح مع الردة، وان أسلم وأحرم، فالمنصوص أنه يصح اختياره، فمن أصحابنا من جعلها على قولين.
أحدهما، لا يصح كما لا يصح نكاحه.
والثانى: يصح كما تصح رجعته، ومنهم من قال: ان اسلم ثم احرم ثم اسلمن لم يجز ان يختار قولا واحدا، لانه لا يجوز ان يبتدئ النكاح وهو محرم، فلا يجوز ان يختاره، وحمل النص عليه، وإذا اسلم ثم اسلمن ثم احرم فان له الخيار، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الخيار.
(الشرح) حديث ابن عمر اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وزاد احمد في رواية (فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: انى لاظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث الا قليلا، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لاورثنك منك، ولآمرن بقبرك ان يرجم
كما رجم قبر ابى رغال (وابو رغال ككتاب ففى سنن ابى داود ودلائل النبوة عن ابن عمر (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر ابى رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود، وكان بهذا

(16/302)


الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه) الحديث.
أما قول الجوهرى بأنه كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكه فمات في الطريق غير معتد به، وكذا قول ابن سيدة في المخصص أنه كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا، وقد سبق لنا الكلام على إسناد الحديث وما في وهم معمر وتفرده والعلل في الخبر.
أما الاحكام: فإذا أسلم الرجل وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه في العدة أو كن كتابيات، لزمه أن يختار أربعا منهن، ويفارق ما زاد سواء تزوجهن بعقد واحد أو بعقود، وسواء اختار من نكاحها أولا أو آخرا، وبه قال مالك وأحمد ومحمد بن الحسن.
وقال الزهري وأبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح التخيير بحال، بل ان كان تزوجهن بعقد واحد بطل نكاح الجميع، ولا يحل له واحدة منهن إلا بعقد مستأنف، فإن تزوجهن بعقود لزمه نكاح الاربع الاوائل، وبطل نكاح من بعدهن.
دليلنا ما روى عن غيلان بن سلمة في قصة إسلامه التى أتينا عليها قبل.
(فرع)
إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن فقد ذكرنا أنه يجب عليه أن يختار الاربع منهن لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان: اختر أربعا، وهذا أمر، والامر يدل على الوجوب، فان لم يختر أجبره الحاكم على الاختيار، لانه لا يجوز له أن يمسك أكثر من أربع ويحبسه ليختار، فان لم يفعل اخرجه وضربه
جلدات دون اقل الجلد، فان لم يختر اعاده إلى الحبس، فان لم يفعل اخرجه وضربه ثانيا وعلى هذا يتكرر عليه الحبس والضرب إلى ان يختار، لان هذا حق يتعين عليه، فهو كما لو كان عليه دين وله مال ناض اخفاه فانه يحبس ويعزر إلى ان يظهره ليقضى به الدين، ويجب عليه ان ينفق على جميعهن إلى ان يختار لانهن محبوسات عليه، فان جن في حال الحبس اطلق سراحه لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فإذا افاق اعيد إلى الحبس والتعزير، ولا ينوب الحاكم عنه في الاختيار، لانه اختيار شهوة فلم يثب عنه الحاكم.
فان قال لاربع منهن: اخترتكن أو اخترت نكاحكن أو اخترت حبسكن

(16/303)


أو أمسكنكن أو أمسكت نكاحكن أو أثبت نكاحكن أو أثبت عقدكن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح ما زاد عليهن.
وإن قال لواحده أو لما زاد على أربع: فسخت نكاحكن انفسخ نكاحهن ولزم نكاح الاربع الباقيات.
وإن طلق واحدة أو أربعا وقع عليها وكان ذلك اختيار لها للزوجية، لان ذلك يتضمن الاختيار لان الطلاق لا يقع إلا في زوجة وإن قال لواحدة فارقتك أو اخترت فراقك فذكر الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق أن ذلك يكون اختيارا لفسخ نكاحها.
وقال القاضى أبو الطيب: يكون ذلك اختيارا لها الزوجية فيقع عليها الفرقة ويعتد بها من الاربع الزوجات، لان الفراق صريح في الطلاق، فلما كان الطلاق في واحدة منهن اختيارا لزوجيتها فكذلك لفظ الطلاق صريح في الطلاق.
قال ابن الصباغ: وهذا وإن كان مبنيا على هذا الاصل إلا أنه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لغيلان اختر منهن أربعا وفارق سائرهن.
وكذلك حديث نوفل بن معاوية حيث قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمسك أربعا وفارق
الاخرى رواه الشافعي وفى إسناده مجهول لان الشافعي يقول حدثنا بعض أصحابنا عن أبى الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية.
وهل يكون لفظ الفراق صحيحا كما قلنا إنه صريح في الطلاق، فيكون صريحا في الطلاق وفى الفسخ لانه حقيقة فيهما ويتخصص بالموضع الذى يقع فيه، فإن كان ظاهر من واحدة منهن أو آلى منها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة.
وإن وطئ واحدة ففيه وجهان:
(أحدهما)
يكون ذلك اختيارا للنكاح، لان الظاهر أنه لا يطأ إلا من يختارها للنكاح كما قلنا في البائع إذا وطئ الجارية المبيعة في حال الخيار فإنه فسخ للبيع،
(والثانى)
لا يكون ذلك اختيارا لها، لان ما يتعلق به اصطلاح النكاح لا يكون بالوطئ كالرجعية، فإذا قلنا إنه اختيار للموطوءة للنكاح فوطئ أربعا منهن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح البواقى.
وإذا قلنا لا يكون اختيارا للنكاح

(16/304)


قلنا له: اختر أربعا، فإن اختار الموطوءة فلا شئ عليه، وإن اختار أربعا غير الموطوءة لزمه للموطوءة مهر مثلها (فرع)
وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح، لان الاختيار كابتداء العقد، فلا يجوز تعليقه على صفة.
قال الشافعي رضى الله عنه: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها.
لم يكن شيئا إلا أنه يريده طلاقا، وجملة ذلك أن الرجل إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات فقال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح تعليقه بالصفات، فهو كما لو أسلمن وقال لكل واحدة (إذا طلعت الشمس فقد فسخت نكاحك)
وإن نوى به الطلاق، أو قال كلما أسلمت واحدة منكن فهى طالق، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال بظاهر كلام الشافعي، وقال يصح ذلك لان الطلاق يصح تعليقه على الصفات، فإذا أسلم أربع منهن وقع عليهن الطلاق، وكان ذلك اختيار الزوجتين، ومنهم من قال لا يصح ولا يتعلق بهذا حكم.
قال الشيخ أبو حامد، وهو المذهب، لان هذا يتضمن اختيارا للزوجة.
والاختيار لا يصح تعليقه بالصفة، ومن قال بهذا تأول كلام الشافعي ثلاثة تأويلات.

(أحدهما)
أنه إذا أسلم الرجل وليس عنده إلا أربع زوجات حرائر وتأخر إسلامهن فقال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح الا فيمن تفضل عن الاربع، وان أراد به الطلاق صح لانه يلزمه نكاح جميعهن والطلاق يصح تعليقه بالصفات (والتأويل الثاني) أنه أراد إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات، فكلما أسلمت واحده منهن قال لها فسخت نكاحك ونوى به الطلاق فيصح ذلك ويكون طلاقا واختيارا لها، فيكون الشرط من كلام الشافعي لا من كلام الزوج،

(16/305)


والتأويل الثالث: أنه أراد إذا أسلم رجل وعنده ثمانى زوجات فأسلم أربغ منهن فاختار نكاحهن لزمه نكاحهن، ثم قال بعد ذلك الباقيات: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاح واحدة من زوجاتي اللاتى اخترت نكاحهن فإن أراد به الفسخ لم يصح، وإن أراد به الطلاق صح، فكلما أسلمت واحدة من الباقيات طلقت واحدة من الزوجات.
قال ابن الصباغ: والطريقة الاوله أظهر والتأويل يبعد، لان الطلاق يصح تعليقه بالصفات والاختيار تابع.
(فرع)
وان أسلم وأسلمن ثم ارتد لم يصح اختياره، وكذلك إذا رجعن إلى الردة لم يصح اختيارهن ولا واحدة منهن، لان الردة تنافى ابتداء النكاح فكذلك الاختيار، وان أسلم وأحرم فالمنصوص أنه يصح اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم فالمنصوص في الام أنه يصح اختياره، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يصح اختياره كما لا يصح نكاحه.
والثانى: يصع اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم ثم أسلمن لم يصح اختياره كما لا يصح نكاحه، وإن أسلم وأسلمن ثم أحرم صح اختياره، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الاختيار.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه، لان الاختيار يتعلق بالشهوة فلا يقوم فيه غيره مقامه، وتجب على جميعهن العدة، لان كل واحدة منهن يجوز أن تكون من الزوجات، فمن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل ومن كانت من ذوات الشهر اعتدت بأربعة أشهر وعشر، ومن كانت من ذوات الاقراء اعتدت بالاقصى من الاجلين من ثلاثة أقراء، أو أربعة أشهر وعشر، ليسقط الفرض بيقين وبوقف ميراث أربع نسوة إلى أن يصطلحن، لانا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وإن كان عددهن ثمانية فجاء أربع يطلبن الميراث لم يدفع اليهن شئ لجواز أن تكون الزوجات غيرهن، وإن جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لان فيهن زوجة بيقين، ولا يدفع اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق ليمكن

(16/306)


صرف الباقي إلى باقى الورثة، وإن جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف لان فيهن زوجتين بيقين، وعلى هذا القياس، وإن كان فيهن أربع كتابيات ففيه وجهان.

(أحدهما)
وهو قول ابى القاسم الداركى انه لا يوقف شئ، لانه لا يوقف
إلا ما يتحقق استحقاقه ويجهل مستحقه، وههنا لا يتحقق الاستحقاق لجواز ان تكون الزوجات الكتابيات فلا يرثن.

(والثانى)
يوقف لانه لا يجوز ان يدفع إلى باقى الورثة إلا ما يتحقق انهم يستحقونه، ويجوز ان يكون المسلمات زوجاته فلا يكون الجميع لباقي الورثة.
(الشرح) الاحكام: إذا اسلم رجل حر وعنده اكثر من اربع زوجات حرائر واسلمن معه، فمات قبل ان يختار اربعا، فإن الوارث لا يقوم مقامه في الاختيار لانه اختيار شهوة، والوارث لا ينوب منابه في الشهوة فلزمهن العدة فإن كن حوامل لم تنقض عدتهن إلا بوضع الحمل، لان من كانت منهن زوجة فهى متوفى عنها زوجها، وعدة المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، وإن كن حوائل فإن كن من ذوات الشهور لم تنقض عدتهن الا بأربعة اشهر وعشر لان من كانت منهن زوجة فهى موطوءة بشبهة فعدتها ثلاثة اشهر، ولا تنقص الزوجات من غيرهن فلزمهن اربعة اشهر وعشر ليسقط الفرض بيقين، وان كن من ذوات الافراء لزم كل واحدة منهن ان تعتد بأقصى الاجلين من اربعة اشهر وعشر أو ثلاثة اقراء، لان عدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا وعدة الموطوءة بشبهة ثلاثة اقراء.
فإن كانت قبل مضى اربعة اشهر وعشرا لزمها استكمال العدة اربعة اشهر وعشرا ليسقط الفرض بيقين كما قلنا فيمن نسى صلاة من خمس صلوات لا يعرفها بعينها،، وان كان بعضهن حوامل وبعضهن من ذوات الشهور، وبعضهن من ذوات الاقراء لزم كل واحدة حكم نفسها فيما ذكرنا من ذلك ويوقف لهن من ماله ميراث اربع زوجات وهو الربع مع عدم الولد والثمن مع الولد، لان فيهن أربع زوجات بيقين، وان لم يعرفهن بأعيانهن، فإن اصطلحن فيه، فإن كن ثمان نسوة فأخذت كل واحدة منهن ثمن الموقوف أو تفاضلن فيه برضاهن صح عن

(16/307)


الشافعي رضى الله عنه، فإن كان فيهن مولاة عليها إما لانها صغيرة أو مجنونة لم يصح لوليها أن يصالح عنها بأقل من ثمن الموقوف لانها تستحق هذا القدر في الظاهر، فلا يجوز أن يصالح عنها على أقل منه.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن جاءت منهن واحدة إلى الحاكم تطلب حقها من الميراث لم يدفع إليها شئ لانه يمكن أن لا تكون زوجة وكذلك إن جاء اثنتان أو ثلاث أو أربع فان جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لانا نتيقن أن فيهن زوجة.
قال أكثر أصحابنا: إلا أنه لا يدفع ذلك اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق في الباقي من الموقوف ليمكن صرفه إلى الثلاث الباقيات إن طلبنه لانه إذا لم يشرط عليهن ذلك كان حقهن متعلقا به فيؤدى إلى أن يأخذن نصيب زوجة بيقين، وحقهن بالباقي، وكذلك ان جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي إلى الاخيرتين ان طلبتاه وان جاء سبع منهن دفع اليهن ثلاثة أرباع الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي منه إلى الثامنة ان طلبت ذلك.
قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر، وذلك أن من يعطى من الميراث اليقين لا يسقط بذلك حقه مما يجوز أن يستحقه كما لو خلف زوجة وحملا فانا نعطى الزوجة اليقين، ونوقف الباقي، ولا يسقط حقها منه، وان أسلم وتحته أربع زوجات كتابيات وأربع وثنيات فأسلم الوثنيات معه ثم مات قبل أن يختار، ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يوقف شئ من تركته بل يدفع الجميع إلى باقى ورثته لانه لا يوقف الا ما يتيقن استحقاقه على باقى الورثة، ويجهل من يستحقه، وههنا يجوز ان يكون الزوجات هن الكتابيات
(والثانى)
يجوز ان يكون المسلمات هن الزوجات.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان اسلم وتحته اختان، أو امرأة وعمتها، أو امرأة وخالتها، واسلمتا معه لزمه ان يختار احداهما، لما روى (ان ابن الديلمى اسلم وتحته اختان فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختر أيتهما شئت وفارق الاخرى) وان اسلم

(16/308)


وتحته أم وبنت وأسلمتا معه، لم يخل إما أن لا يكون قد دخل بواحدة منهما أو دخل بهما أو دخل بالام دون البنت أو بالبنت دون الام، فإن لم يكن دخل بواحدة منهما ففيه قولان.

(أحدهما)
يمسك البنت وتحرم الام، وهو اختيار المزني، لان النكاح في الشرك كالنكاح الصحيح، بدليل أنه يقر عليه والام تحرم بالعقد على البنت: وقد وجد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بالام، ولم يوجد الدخول.
(والقول الثاني) وهو الصحيح أنه يختار من شاء منهما، لان عقد الشرك إنما تثبت له الصحة إذا انضم إليه الاختيار، فإذا لم ينضم إليه الاختيار فهو كالمعدوم، ولهذا لو أسلم وعنده أختان واختار إحداهما جعل كأنه عقد عليها ولم يعقد على الاخرى، فإذا اختار الام صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على البنت، وإذا اختار البنت صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على الام، فعلى هذا إذا اختار البنت حرمت الام على التأبيد، لانها أم إمرأته، وان اختار الام حرمت البنت تحريم جمع لانها بنت إمرأة لم يدخل بها، وإن دخل بها حرمت البنت بدخوله بالام وأما الام فان قلنا: إنها تحرم بالعقد على البنت حرمت لعلتين بالعقد على البنت وبالدخول بها.
وإن قلنا: إنها لا تحرم بالعقد حرمت بعلة وهى الدخول، وإن دخل بالام دون البنت فان قلنا: إن الام تحرم بالعقد على البنت حرمت الام بالعقد
على البنت وحرمت البنت بالدخول بالام، وان قلنا: ان الام لا تحرم بالعقد على البنت حرمت البنت بالدخول بالام وثبت نكاح الام، وان دخل بالبنت دون الام ثبت نكاح البنت وانفسخ نكاح الام وحرمت في أحد القولين بالعقد وبالدخول، وفى القول الاخر بالدخول.
(الشرح) حديث ابن الديلمى لعله فيروز في رواية ابنه الضحاك عند الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه والدارقطني وابن حبان وصححه، عن الضحاك عن أبيه قال (أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق احداهما) وفى لفظ الترمذي (اختر أيتهما شئت) .

(16/309)


فإذا أسلم وعنده أختان اختار احداهما وفارق الاخرى وكذلك إذا أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها وأسلمتا اختار احداهما لانه لا يجوز الجمع بينهما فهما كالاختين، وقد مضى كلامنا على الاحاديث الواردة في ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان أسلم وتحته أربع اماء فأسلمن معه فان كان ممن يحل له نكاح الامة اختار واحدة منهن لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها فجاز له اختيارها كالحرة وان كان ممن لا يحل له نكاح الامة لم يجز أن يمسك واحدة منهن.
وقال أبو ثور: يجوز لانه ليس بابتداء النكاح فلا يعتبر فيه عدم الطول وخوف العنت كالرجعة وهذا خطأ، لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلا يجوز له اختيارها كالام والاخت ويخالف الرجعة، لان الرجعة سد ثلمة في النكاح والاختيار اثبات النكاح في المرأة، فصار كابتداء العقد، وان أسلم وتحته اماء وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار واحدة منهن، لان وقت الاختيار عند اجتماع اسلامه واسلامهن، وهو في هذا الحال ممن يجوز له نكاح
الامة، فكان له اختيارها، وان أسلم بعضهن وهو موسر وأسلم بعضهن وهو معسر، فله أن يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو معسر، ولا يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو موسر اعتبارا بوقت الاختيار.

(فصل)
وان أسلم وعنده أربع اماء فأسلمت منهن واحدة، وهو ممن يجوز له نكاح الاماء فله أن يختار المسلمة وله أن ينتظر اسلام البواقى ليختار من شاء منهن، فان اختار فسخ نكاح المسلمة لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحها، وليس ههنا فضل، فان خالف وفسخ ولم يسلم البواقى لزم نكاح المسلمة، وبطل الفسخ، وان أسلمن فله أن يختار واحدة، فان اختار نكاح المسلمة التى اختار فسخ نكاحها، ففيه وجهان.

(أحدهما)
ليس له ذلك لانا منعنا الفسخ فيها لانها لم تكن فاضلة عمن يلزم فيها النكاح، وباسلام غيرها صارت فاضلة عمن يلزم نكاحها، فثبت فيها الفسخ

(16/310)


(والثانى)
وهو المذهب أن له أن يختار نكاحها لان اختيار الفسخ كان قبل وقته، فكان وجوده كعدمه، كما لو اختار نكاح مشركة قبل إسلامها.

(فصل)
وإن أسلم وعنده حرة وأمة وأسلمتا معه ثبت نكاح الحرة وبطل نكاح الامة، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاح الامة مع وجود حرة، فلا يجوز أن يختارها، فإن أسلم وأسلمت الامة معه وتخلفت الحرة فان أسلمت قبل انقضاء العدة ثبت نكاحها وبطل نكاح الامة كما لو أسلمتا معا، وان انقضت العدة ولم تسلم بانت باختلاف الدين، فإن كان ممن يحل له نكاح الامة فله أن يمسكها.

(فصل)
وإن أسلم عبد وتحته أربع فأسلمن معه لزمه أن يختار اثنتين فان أعتق بعد إسلامه وإسلامهن لم تجز له الزيادة على اثنتين لانه ثبت له الاختيار وهو عبد وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن وأعتق ثم أسلم لزم نكاح الاربع
لانه جاء وقت الاختيار وهو ممن يجوز له أن ينكح أربع نسوة.
(الشرح) قوله: سد الثلمة يعنى جبر الخلل يقال ثلمته أثلمه وبابه ضرب وفى السيف ثلم وفى الاناء ثلم إذا كسر من شفته.
أما الاحكام: فإنه إذا أسلم الحر وتحته أربع زوجات اماء وأسلمن معه بعد الدخول، فان كان عادما لطول حرة خائفا للعنت لزمه أن يختار واحدة منهن، وان كان واجدا لطول حرة أو آمنا من العنت لم يجز له ان يختار منهن واحدة.
وقال ابو ثور: له أن يختار واحدة منهن بكل حال، لان الاختيار ليس بابتداء نكاح وانما هو كالرجعة، وهذا ليس بصحيح لانه لا يجوز له النكاح للامة، فلا يحل له اختيار نكاحها كالمعتدة.
إذا ثبت هذا: فإن اسلم وهو موسر فلم يسلمن معه حتى اعسر فله ان يختار واحدة منهن اعتبارا بوقت اجتماع اسلامه واسلامهن، وان اسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى ايسر لم يكن له ان يختار واحدة منهن، وان اجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو موسر واجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو معسر فله ان يختار ممن اجتمع اسلامه واسلامهن في حال الاعسار دون يساره، وان اسلم واسلمت واحدة منهن وتخلف ثلاث في الشرك فله ان يختار المسلمة، وله ان ينتظر اسلام

(16/311)


الثلاث الباقيات، لانه قد يكون له غرض في ذلك، فإن اختار نكاح المسلمة لزمه نكاحها، فان لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن انفسخ نكاحهن من وقت اسلامهن وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن انفسخ نكاحهن وقت اختيار الاولة، وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، فان ماتت المسلمة بعد اختيار نكاحها فليس له أن يختار واحدة من الباقيات، وان لم يختر المسلمة الاولة نظرت، فإن لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن لزمه نكاح
المسلمة وانفسخ نكاح الباقيات من وقت اسلامه وابتداء عدتهن من ذلك الوقت وهكذا لو أسلم وتحته ثمان نسوة دخل بهن وأسلم منهن أربع وتخلف أربع فله أن يختار نكاح الاربع المسلمات، وله أن ينتظر اسلام الباقيات، فإذا اختار كان الحكم في وقت الفسخ ووقت العدة ما ذكرناه في التى قبلها، فان طلق الامة المسلمة أولا أو الاربع الحرائر المسلمات قبل اسلام الباقيات صح طلاقه، وكان ذلك اختيارا لمن طلق، وان أراد أن يفسخ نكاح المسلمه أولا أو الاربع المسلمات قبل اسلام الباقيات لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحه، ويجوز أن لا يسلم الباقيات، فيلزمه نكاح من قد أسلم، فان خالف وفسخ نكاح من أسلم نظرت، فان لم يسلم الباقيات لم يصح الفسخ ولزمه نكاح من فسخ نكاحه، وان أسلم الباقيات نظرت، فان اختار نكاح واحدة من الثلاث الاماء أو الاربع الحرائر المسلمات لزمه نكاح من اختار نكاحه وانفسخ نكاح الباقيات، وان اختار نكاح الامة المسلمة أو الاربع الحرائر أولا ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح اختياره، لان فسخه الاول لم يحكم بصحته
(والثانى)
لا يصح، لانا انما لم نحكم بصحة فسخه لانها لم تكن فاضله عمن يلزمه نكاحها، وباسلام الباقيات صار من فسخ نكاحها فاضلا والاول أصح.
(مسألة) إذا نكح الحر ثمانى زوجات في الشرك، فأسلم وأسلم منهن أربع وتخلف أربع، ثم مات الاربع المسلمات أو بعضهن ثم أسلم الاربع الباقيات قبل انقضاء عدتهن، فله أن يختار الاربع الموتى للنكاح، لان الاختيار ليس هو

(16/312)


ابتداء عقد، وإنما يتعين به من كانت زوجة ولان الاعتبار بالاختيار حال ثبوته وقد كن أحياء ذلك الوقت.
(فرع)
إذا تزوج وثنية ثم أسلمت وتخلف الزوج في الشرك فتزوج أختها فان أسلم بعد انقضاء عدة الاولة انفسخ نكاح الاولة وثبت نكاح الثانية إن أسلمت معه قبل انقضاء عدتها، وإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدة الاولة وأسلمت معه الثانية، اختار أيتهما شاء.
(فرع)
إذا كان تحته ثمان زوجات فأسلم وأسلمن معه فقد قلنا: إذا طلق واحدة كان ذلك اختيارا لزوجيتها، وإن ظاهر من واحدة أو آلى منها أو قذفها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة، فيكون ذلك موقوفا فإن لم يختر التى ظاهر منها أو آلى لم يصح ظهاره ولا إيلاؤه، وإن اختارها للنكاح تبينا أن ظهاره أو إيلاؤه صحيح.
وأما المقذوفة: فإن لم يخترها للنكاح، وجب عليه الحد بقذفها، ولا يسقط إلا بالبينة، وان اختارها للنكاح تبينا أنها كانت زوجة، وله أن يسقط حد قذفها بالبينة أو باللعان، وان أسلم وتخلفن في الشرك فطلق واحدة منهن أو ظاهر منها أوآلى أو قذفها، فان لم يسلمن حتى انقضت عدتهن لم يكن لطلاقه وظهاره وايلائه حكم، ويجب عليه التعزير للمقذوفه، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن.
قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: فان اختار التى طلق أو ظاهر منها أو آلى وقع عليها الطلاق والظهار والايلاء.
ويلزمه التعزير بقذفها، وله أن يسقطه بالبينة أو باللعان، وان لم يخترها فانها أجنبية منه فلا يقع عليها طلاق ولا ظهار ولا ايلاء ويلزمه بقذفها التعزير، ولا يسقط الا بالبينة.
قال ابن الصباغ في الشامل: وفى هذا عندي نظر، بل يجب إذا أسلمت المطلقة أن يقع عليها الطلاق، ويكون ذلك اختيارا لها لان هذا الطلاق إذا كان يقع عليها مع اختياره وقع عليها باسلامها.

(16/313)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان تزوج امرأة معتدة من غيره وأسلما فان كان قبل انقضاء العدة لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز له أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز اقراره على نكاحها، وان كان بعد انقضاء العدة أقرا عليه، لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها، وان أسلما وبينهما نكاح متعة لم يقرا عليه، لانه ان كان بعد انقضاء المدة لم يبق نكاح، وان كان قبله لم يعتقدا تأبيده، والنكاح عقد مؤبد، وان أسلما على نكاح شرط فيه الخيار لهما ألا حدهما متى شاء لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه والنكاح عقد لازم، وان أسلما على نكاح شرط فيه فيه خيار ثلاثة أيام فان كان قبل انقضاء المدة لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان كان بعد انقضاء المدة اقرار عليه لانهما يعتقدان لزومه، وان طلق المشرك امرأته ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما لم يقرا عليه، لانها لا تحل له قبل زوج، فلم يقرا عليه كما لو أسلم وعنده ذات رحم محرم، وان قهر حربى حربية ثم أسلما فان اعتقدا ذلك نكاحا أقرا عليه لانه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه، كالنكاح بلا ولى ولا شهود، وان لم يعتقدا ذلك نكاحا لم يقرا عليه لانه ليس بنكاح.

(فصل)
إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فان كان قبل الدخول وقعت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة، فان اجتمعا على الاسلام قبل انقضاء العدة فهما على النكاح، وان لم يجتمعا وقعت الفرقة، لانه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح، فكان حكمه ما ذكرناه كما لو أسلم أحد الوثنيين.

(فصل)
وان انتقل الكتابى إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه، لانه لو كان على هذا الدين في الاصل لم يقر عليه، فكذلك إذا انتقل إليه، وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثة أقوال.
(أحدها) يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، أو دين يقر عليه أهله، لان كل واحد من ذلك مما يجوز الاقرار عليه.

(والثانى)
لا يقبل منه الا الاسلام لانه دين حق، أو الدين الذى كان عليه

(16/314)


لانا أقررناه عليه (والثالث) لا يقبل منه إلا الاسلام وهو الصحيح، لانه اعترف ببطلان كل دين سوى دينه، ثم بالانتقال عنه اعترف ببطلانه، فلم يبق إلا الاسلام، وإن انتقل الكتابى إلى دين يقر أهله عليه ففيه قولان.

(أحدهما)
يقر عليه، لانه دين يقر أهله عليه فأقر عليه كالاسلام.

(والثانى)
لا يقر عليه لقوله عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه) فعلى هذا فيما يقبل منه قولان.
أحدهما: يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، والثانى: لا يقبل منه إلا الاسلام لما ذكرناه.
وكل من انتقل من الكفار إلى دين لا يقر عليه فحكمه في بطلان نكاحه حكم المسلم إذا ارتد.

(فصل)
وان تزوج كتابي وثنية ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه لا يقر عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الذمي كنكاح المرتدة.
والثانى: وهو المذهب أنه يقر عليه لان كل نكاح أقر عليه بعد الاسلام أقر عليه قبله كنكاح الكتابية.
(الشرح) إذا تزوج مرتدة من غيره، فان أسلما قبل انقضاء عدتها من الاول لم يقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلم يجز إقراره عليه كذوات محارمه، وإن أسلما بعد انقضاء عدتها من الاول أقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فأقرا عليه.
(فرع)
إذا نكح مشرك مشركة نكاح متعة ثم أسلما لم يقرا عليه لانهما ان أسلما قبل انقضاء المدة التى شرطها فهما لا يعتقدان لزومه الآن بعد انقضائها
وإن أسلما بعد انقضائها فهما لا يعتقدان لزومه.
قال الشافعي رضى الله عنه: فان أبطلا بعد العقد المتعة وجعلا العقد مطلقا لم يؤثر ذلك، لانه حالما عقداه كانا يعتقدان أنه لا يدوم بينهما فلم يتغير ذلك الحكم بما طرأ من الشرط، وهكذا لو تزوجها على أن لهما أو لاحدهما الخيار في فسخ النكاح متى شاء ثم أسلم لم يجز إقرارهما عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، فان اتفقا على إسقاط الشرط لم يؤثر ذلك، ولم يقرا عليه لما ذكرناه، وان شرطا بينهما خيار ثلاثة أيام، فإن أسلما قبل الثلاث لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان أسلما بعد الثلاث أقرا عليه لانهما بعتقدان لزومه.

(16/315)


(فرع)
قال في الام: وان قهر حربى حربية على نفسها فوطئها أو طاوعته فوطئها ثم أسلما لم يقر على ذلك إذا كانا لا يعتقدان ذلك نكاحا.
قال أصحابنا: فإن اعتقدا ذلك نكاحا وأسلما أقرا عليه لانه لا يجوز لبعض أهل الذمة أن يقهر بعضا، لان على الامام الذب عنهم.
(مسألة) إذا ارتد أحد الزوجين فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحهما وقال داود: لا ينفسخ.
دليلنا قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان هذا اختلاف دين يمنع الاصابة فانفسخ به النكاح كما لو أسلمت الذمية تحت كافر وان ارتد أحدهما بعد الدخول وقف النكاح على انقضاء عدة الزوجه، فإن رجع المرتد منهما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح.
وان انقضت عدتها قبل أن يسلم المرتد منهما بانت منه بردة المرتد منهما، وبه قال أحمد وإحدى الروايتين عن مالك وقال أبو حنيفة: ينفسخ النكاح في الحال، وهى الرواية الاخرى عن مالك دليلنا أن هذا اختلاف دين بعد الدخول فلا يوجب الفسخ في الحال كما لو أسلمت الحربية تحت الحربى، وإن ارتدا معا فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح
بينهما، وان كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء عدة الزوجة، فإن رجعا إلى الاسلام قبل انقضائها فهما على النكاح، وان انقضت قبل إسلامهما بانت منه بالردة، وبه قال مالك وأحمد رضى الله عنهما.
وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ العقد استحسانا، دليلنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما.
(فرع)
إذا ارتدت الزوجة بعد الدخول فطلقها الزوج ثلاثا فإن انقضت العدة قبل أن ترجع إلى الاسلام تبينا أنها بانت بالردة، ولم يقع عليها طلاق، وإن رجعت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا أنها كانت زوجة وقت الطلاق ووقع عليها، وإن تزوج أختها أو عمتها بعد الطلاق أو خالتها بعد الطلاق صح بكل حال، لانها إما بائن منه بالردة أو بالطلاق، وان تزوج أختها أو عمتها بعد الردة وقبل الطلاق في العدة لم يصح، لجواز أن ترجع إلى الاسلام فتكون زوجة.
(فرع)
وان ارتدت زوجة رجل بعد الدخول عليه، وله امرأة صغيرة فأرضعتها أم المرتدة قبل انقضاء عدة المرتدة خمس رضعات متفرقات، فإن رجعت

(16/316)


المرتدة إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها انفسخ نكاح الصغيرة وفى الكبيرة قولان وان لم ترجع إلى الاسلام بانت بالردة، ولم ينفسخ نكاح الصغيرة، وان أرضعتها الكبيرة أو بنتها انفسخ نكاح الصغيرة بكل حال.
(مسألة) إذا انتقل اليهودي أو النصراني إلى دين لا يقر أهله عليه، لم يقر عليه، كما لا يقر أهله عليه وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثه أقوال.
(أحدها) الاسلام أو الدين الذى كان عليه أو دين يقرا أهله عليه، لان كل دين من ذلك يقر أهله عليه.

(والثانى)
لا يقبل منه الا الاسلام، لانه الدين الحق، أو الدين الذى كان
عليه، لانا قد أقررناه عليه.
(والثالث) وهو الاصح، أنه لا يقبل منه الا الاسلام، لانه قد اعترف ببطلان كل دين فلم بقبل الا الاسلام فإن انتقل إلى دين يقر أهله عليه فهل يقر عليه فيه قولان مضى توجيههما، فإن قلنا: لا يقر عليه فهل يقبل منه الدين الذى كان عليه أو لا يقبل منه الا دين الاسلام، فيه قولان مضى توجيههما، وكل موضع قلنا: لا يقبل منه ما انتقل إليه فحكمه في النكاح حكم المرتد وقد مضى بيانه.
(مسألة) إذا تزوج الكتابى بكتابية أقرا عليه قبل اسلامهما وبعد اسلامهما وان تزوج الكتابى وثنية أو مجوسية فإن أسلما أقرا عليه بلا خلاف، لان غيلان بن سلمة اسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن اربعا، ولم يسأله هل هن كتابيات أو غير كتابيات، فدل على ان الحكم لا يختلف، وان ترافعا الينا قبل الاسلام فَفِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يقران عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الكتابى كالمرتد.
والثانى وهو المذهب انهما يقران عليه، لان كل نكاح اقرا عليه إذا أسلما أقرا عليه إذا لم يسلما كنكاح الكتابية ويخالف المسلم فإن الكافر انقص من المسلم فجاز له استدامة نكاح المجوسية والوثنية وان لم يجز ذلك للمسلم كما قلنا في العبد: يجوز له تزويج الامة ولا يعتبر فيه خوف العنت، وعدم الطول، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(16/317)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
إذا أسلم الوثنيان قبل الدخول ثم اختلفا فقالت المرأة: أسلم أحدنا قبل صاحبه فانفسخ النكاح، وقال الزوج: بل أسلمنا معا، فالنكاح على حاله، ففيه قولان.

(أحدهما)
أن القول قول الزوج، وهو اختيار المزني، لان الاصل بقاء النكاح
(والثانى)
أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن اجتماع اسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر متعذر.
قال في الام: إذا أقام الزوج بينة أنهما أسلما حين طلعت الشمس، أو حين غربت الشمس، لم ينفسخ النكاح لا تفاق إسلامهما في وقت واحد، وهو عند تكامل الطلوع أو الغروب، فإن أقام البينة أنهما أسلما حال طلوع الشمس أو حال غروبها انفسخ نكاحهما، لان حال الطلوع والغروب من حين يبتدئ بالطلوع والغروب إلى أن يتكامل وذلك مجهول.
وإن أسلم الوثنيان بعد الدخول واختلفا، فقال الزوج: أسلمت قبل انقضاء عدتك فالنكاح باق.
وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء عدتي، فلا نكاح بيننا، فقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن القول قول الزوج، ونص في مسألتين على أن القول قول الزوجة إحداهما إذا قال الزوج للرجعية: راجعتك قبل انقضاء العدة، فنحن على النكاح وقالت الزوجة: بل راجعتني بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة.
والثانية إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم أسلم.
فقال: أسلمت قبل انقضاء العدة فالنكاح باق.
وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء العدة فالقول قول المرأة.
فمن أصحابنا من نقل جواب بعضها إلى بعض، وجعل في المسائل كلها قولين.

(أحدهما)
أن القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح.

(والثانى)
أن القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة.
ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين، فالذي قال: إن القول قول الزوج إذا سبق بالدعوى، والذى قال: القول قول الزوجة إذا سبقت بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما سبق إليه، فلا يجوز ابطاله بقول غيره.

(16/318)


ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين على وجه آخر، فالذي قال: القول قول الزوج، أراد إذا اتفقا على صدقه في زمان ما ادعاه لنفسه، بأن قال أسلمت وراجعت في رمضان، فقالت المرأة صدقت، لكن انقضت عدتي في شعبان، فالقول قول الزوج باتفاقهما على الاسلام بالرجعة في رمضان، واختلافهما في انقضاء العدة، والذى قال: القول قول المرأة إذا اتفقا على صدقها في زمان ما ادعته لنفسها، بأن قالت: انقضت عدتي في شهر رمضان، فقال الزوج لكن راجعت أو أسلمت في شعبان، فالقول قول المرأة لاتفاقهما على انقضاء العدة في رمضان، واختلافهما في الرجعة والاسلام.
(الشرح) إذا أسلم الزوج بعد الدخول وتخلفت الزوجة فلا نفقة لها، وإن أسلمت الزوجة ولم يسلم فعليه نفقتها، فإن اختلفا فقالت الزوجة: أسلمت أنا وأقمت أنت على الشرك فأنا استحق عليك النفقة، وقال الزوج: بل أسلمت أنا ولم تسلمي أنت فلا نفقة لك على، ففيه وجهان.

(أحدهما)
القول قول الزوجة، لانه قد ثبت استحقاقها للنفقة بالزوجية، والاصل بقاؤها.

(والثانى)
أن القول قول الزوج، لان نفقة كل يوم يجب بيومه، والاصل عدم الوجوب.
(مسألة) إذا أسلم الزوج قبل الزوجة وقبل الدخول وجب عليه نصف المسمى ان سمى لها مهرا صحيحا، وإن سمى لها مهرا باطلا ولم تقبضه في لشرك وجب لها نصف مهر المثل، وان أسلمت الزوجة قبله قبل الدخول لم يجب لها شئ.
إذا ثبت هذا: فان اتفقا أنهما أسلما قبل الدخول وقالا: لا نعلم السابق منا بالاسلام انفسخ النكاح بينهما، لان الحال لا يختلف في انفساخ النكاح.
وأما الصداق: فإن كان في يد الزوج لم تقبض منه الزوجه شيئا، لانها إن كانت أسلمت أولا فإنها لا تستحق منه شيئا، وإن أسلم الزوج أولا فلها نصفه، فإذا
لم تعلم على أي وجه كان لم يتيقن استحقاقها بشئ من المهر، وان كان الصداق في يد الزوجة لم يكن للزوج أن يقبض منه الا النصف، لانه لا يتيقن أنه يستحق

(16/319)


إلا ذلك، وإن اختلفا فقالت الزوجة أسلمت أنت أولا فأنا استحق عليك نصف الصداق، وقال الزوج: بل أسلمت أنت أولا فلا تستحقين على شيئا، فالقول قول الزوجه مع يمينها، لانا تيقنا استحقاقها لنصف المهر، والاصل بقاء ذلك الاستحقاق، وان اختلفا في انفساخ النكاح، فقالت الزوجة أسلم أحدنا قبل صاحبه قبل الدخول فانفسخ النكاح.
وقال الزوج بل أسلمنا معا في حالة واحدة ففيه قولان.

(أحدهما)
القول قول الزوج مع يمينه وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى لان الاصل بقاء النكاح.

(والثانى)
القول قول الزوجة مع يمينها، لان الظاهر معها لان الظاهر أنه لا يتفق اسلامهما في حالة واحدة الا نادرا، وان قال الزوج: أسلم أحدنا قبل صاحبه.
وقالت الزوجة بل أسلمنا معا في حالة واحدة فانه يحكم على الزوج بانفساخ النكاح لانه أقر بذلك.
وأما المهر فيحتمل أن يكون على القولين كالاولة، وان أقام الزوج البينة أنهما أسلما قبل الدخول حين طلعت الشمس أو حين زالت أو حين غربت، لم ينفسخ النكاح، وان قال الزوجان أسلمنا معا مع طلوع الشمس أو مع زوالها أو مع غروبها أو حال طلوعها أو حال زوالها أو حال غروبها لم يثبت اسلامهما معا فينفسخ، والفرق بينهما ان حين طلوعها وحين زوالها وحين غروبها هو حين تكامل الطلوع والزوال والغروب إلى استكماله، فيجوز أن يكون اسلام احدهما قبل الآخر.
(فرع)
وان اسلمت الزوجة بعد الدخول ثم اسلم الزوج بعدها ثم اختلفا
فقال الزوج: اسلمت قبل انقضاء العدة، وقالت الزوجة: بل اسلمت بعد انقضاء العدة.
قال الشافعي رحمه الله: فالقول قول الزوج.
وقال الشافعي رحمه الله: إذا طلق زوجته طلقة رجعية ثم راجعها فقال الزوج: راجعت قبل انقضاء العدة.
وقالت الزوجة: بل راجعت بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة.
وقال: إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم اسلم فقالت الزوجة: اسلمت بعد انقضاء العدة.
وقال الزوج اسلمت قبل انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة، واختلف أصحابنا في هذه المسائل الثلاث على ثلاث طرق.

(16/320)


فمنهم من قال: فيها قولان.
أحدهما: القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح.
والثانى: القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة.
ومنهم من قال: هي على حالين، فحيث قال: القول قول الزوجة إذا كانت هي السابقة بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما أظهره وسبق إليه.
ومنهم من قال: هي على حالين آخرين، فحيث قال، القول قول الزوج إذا اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في وقت انقضاء عدتها بأن قال.
أسلمت أو راجعت في شعبان، فقالت صدقت لكن انقضت عدتي في رجب، وحيث قال القول قول الزوجة، أراد إذا اتفقا على وقت انقضاء عدتها، واختلفا في وقت إسلامه ورجعته، فأن قالت انقضت عدتي في شعبان فقال صدقت لكن أسلمت أو راجعت في رجب، لان الاصل بقاء العدة إلى شعبان وعدم الاسلام أو الرجعة في رجب.
(فرع)
وان تزوج الكتابى بالكتابية صغيرة وأسلم أحد أبويها قبل الدخول انفسخ نكاحها، لانها صارت مسلمة تبعا لمن أسلم من أبويها قبل الدخول فهو كما لو قال أسلمت بعد بلوغها وقبل الدخول، وهل يجب لها من المهر شئ.
قال
ابن الحداد، سقط جميع المهر، لان الفرقه وقعت بينهما قبل الدخول، ولم يكن من الزوج صنع فيها فسقط المهر، كما لو اشترت المرأة زوجها قبل الدخول، فمن أصحابنا من صوبه، ومنهم من خطأه وقال.
يجب لها المهر لانها لم يكن من جهتها صنع في الفرقه، فهو كما لو أرضعتها أم الزوج، فإذا قلنا بهذا فإن الزوج لا يرجع على من أسلم من أبويها بشئ، ويرجع على المرضعة، والفرق بينهما أن الاسلام واجب فلم يكن فعله جناية، وليس كذلك الارضاع فانه ليس بواجب، غير أنه إن وجدت هذه المرضعة الصغيرة عطشانة قد أشرفت على الموت، ولم تجد أحدا يرضعها أو يسقيها لبنا، ولم تتمكن من إحيائها إلا بالرضاع فانه يجب عليها إرضاعها وإذا أرضعتها انفسح النكاح ولم يجب عليها شئ للزوج، هكذا ذكر القاضى أبو الطيب والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.

(16/321)


قال المصنف رحمه الله: كتاب الصداق المستحب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق لما روى سعد بن سهل رضى الله عنه (أن إمرأة قالت: قد وهبت نفسي لك يا رسول الله صلى الله عليك، فر في رأيك فقال رجل: زوجنيها، قال: اطلب ولو خاتما من حديد، فذهب فلم يجئ بشئ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ معك من القرآن شئ، فقال: نعم فزوجه بما معه من القرآن) ولان ذلك أقطع الخصومة، ويجوز من غير صداق، لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فأثبت الطلاق مع عدم الفرض.
وروى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: إنى أزوجك فلانة، قال: نعم قال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا،
قالت: نعم فزوج أحدهما من صاحبه، فدخل عليها ولم يفرض لها به صداق، فلما حضرته الوفاة قَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجنى فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإنى قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف) ولان القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير صداق.

(فصل)
ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقوله صلى الله عليه وسلم (اطلب ولو خاتما من حديد) ولانه بدل منفعتها فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها ويجوز أن يكون كبيرا لقوله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال معاذ رضى الله عنه القنطار ألف ومائتا أوقية.
وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: ملء مسك ثور ذهبا.
والمستحب أن يخفف لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) ولانه إذا كبر أجحف وأضر ودعى إلى المقت والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ

(16/322)


(كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه إثنتى عشرة أوقية ونشا أتدرون ما النش، نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم) والمستحب الاقتداء به والتبرك بما بعته، فإن ذكر صداق في السر وصداق في العلانية فالواجب ما عقد به العقد، لان الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به، وإن قال زوجتك ابنتى بألف، وقال الزوج قبلت نكاحها بخمسمائة، وجب مهر المثل لان الزوج لم يقبل بألف والولى لم يوجب بخسمائة فسقط الجميع ووجب مهر المثل.
(الشرح) خبر سهل بن سعد في التى وهبت نفسها أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وقد مضى ذكره في غيره موضع، وحديث عقبة بن عامر أخرجه أبو داود
والحاكم، وقد استشهد به المحدثون لصحة حديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن حبان (أن عبد الله ابن مسعود أتى في إمرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا، ولم يكن دخل بها، فاختلفوا إليه فقال.
أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة، فشهد معقل بن سنان الاشجعى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى) .
وقال الشافعي لا أحفظة من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقال ابن حزم، لا مغمز فيه لصحة إسناده، وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى انه قال.
سمعت الشافعي يقول إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به.
قال الحاكم، قال شيخنا أبو عبيد الله لو حضرت الشافعي لقمت على رؤس الناس وقلت قد صح الحديث فقل به.
أما حديث عائشة رضى الله عنها باللفظ الذى ساقه المصنف رواه أحمد ورواه الطبراني في الاوسط بلفظ (أخف النساء صداقا أعظمهن بركة) وفى إسناده الحرث بن شبل، وأخرجه الطبراني في الكبير والاوسط بنحوه، وأخرج نحوه الحاكم وأبو داود عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير الصداق أيسره) .

(16/323)


وأما حديث عائشة الثاني فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن أبى سلمة قال (سألت عائشة رضى الله عنها كم كان صداق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كان صداقه لازواجه اثنتى عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدرى ما النش، قلت.
لا.
قالت نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم) قوله (فر) فعل أمر من رأى محذوف الوسط المهموز كحذف همزة
الوسط في سأل فيقال: سل، ولانه معتل الآخر فهو مبنى على حذف حرف العلة وبذلك حذفت الالف المهموزة والالف المقصورة فكان فعل الامر (ر) راء مفتوحة فقط.
والصداق فيه لغات أولها بفتح الصاد، والثانية كسرها، والجمع صدق بضمتين والثالثة لغة الحجاز، صدقة بفتح الصاد وضم الدال وجمعها صدقات على لفظها وفى التنزيل (وآتوا النساء صدقاتهن) والرابعة لغة تميم صدقه بضم الصاد وإسكان الدال والجمع صدقات مثل غرفه وغرفات في وجوهها، والخامسه صدقه وجمعها صدق مثل قرية وقرى، وأصدقتها أعطيتها صداقها وأصدقتها تزوجتها على صداق وشئ صدق وزان فلس أي صلب.
(أما الاحكام) الصداق هو ما تستحقه المرأة بدلا في النكاح وله سبعة أسماء الصداق والنحلة والاجرة والفريضة والمهر والعليقة والعقد، لان الله تعالى سماه الصداق والنحلة والفريضة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم المهر والعليقة، وسماه عمر بن الخطاب رضى الله عنه العقد، قال تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقال تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآيه، وقال صلى الله عليه وسلم (فان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها) وقال صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق، قيل وما العلائق قال ما تراضى عليه الاهلون) فان قيل لم سماه نحلة، والنحلة العطية بغير عوض، والمهر ليس بعطية وإنما هو عوض عن الاستمتاع، ففيه ثلاثة تأويلات.
أحدها: أنه لم يرد بالنحله العطيه، وإنما أراد بالنحله من الانحال وهو التدين

(16/324)


لانه يقال: انتحل فلان مذهب كذا أي دان به، فكأنه تبارك وتعالى قال (وآتوا
النساء صدقاتهن نحلة) أي تدينا.

(والثانى)
أن المهر يشبه العطية لانه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج وأكثر، لانها أجلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنها تأخذه بغير عوض.
(والثالث) أنه عطية من الله تعالى في شرعنا للنساء، لان في شرع من قبلنا كان المهر للاولياء، ولهذا قال تعالى في قصة شعيب (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) الآية.
إذا ثبت هذا: فالمستحب أن يسمى الصداق في العقد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوج أحدا من نسائه عليهن السلام ولا زوج أحدا من بناته عليهن السلام إلا بصداق سماه في العقد، وحديث المرأة التى جاءت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله قد وهبت نفسي منك فصعد النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم صوبه ثم قال ما لى إلى النساء من حاجة، فقام رجل فقال زوجنيها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها، قال: إزارى، قال: إن أصدقنها إزارك جلست ولا إزار لك، التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس ولم يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمعك شئ من القرآن، قال نعم سورة كذا وسورة كذا، فقال صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن.
ولانه إذا زوجه بالمهر كان أقطع للخصومة، فإن عقد النكاح بغير صداق انعقد النكاح لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) والآية.
فأثبت الطلاق من غير فرض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، وخير الرجل الذى تزوج إمرأة ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة أعطاها عن صداقها سهمه بخيبر، ولان المقصود في النكاح أعيان الزوجين دون المهر، ولهذا يجب ذكر الزوجين في
العقد، وانما العوض فيه تبع بخلاف البيع، فإن المقصود فيه العوض، ولهذا لا يجب ذكر لبائع والمشترى في العقد إذا وقع من وكيليهما.

(16/325)


(مسألة) وليس لاقل الصداق حد عندنا، بل كل ما يتمول وجاز أن يكون ثمنا لشئ أو أجرة جاز أن يكون صداقا، وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس وابن المسيب والحسن وربيعة والاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رضى الله عنهم قال القاضى أبو القاسم الصيمري: ولا يصح أن يكون الصداق نواة أو قشرة بصلة أو قمع باذنجان أو ليطة أو حصاة.
هذا مذهبنا.
وقال مالك وأبو حنيفة: أقل الصداق ما تقطع به يد السارق، إلا أن ما تقطع به يد السارق عند مالك ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وعند أبى حنيفة دينار أو عدة دراهم، فإن أصدقها دون العشرة دراهم.
قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: كملت العشرة.
وقال زفر يسقط المسمى ويجب مهر المثل، وقال ابن شبرمة أقله خمسة دراهم، وقال النخعي أقله أربعون درهما.
وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما.
دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الاية، وقوله صلى الله عليه وسلم: أدوا العلائق، ثم قال صلى الله عليه وسلم: والعلائق ما تراضوا عليه الاهلون.
وقوله صلى الله عليه وسلم التمس شيئا، التمس ولو خاتما من حديد، وهذه عمومات تقع على القليل والكثير، وروى أن عبد الرحمن بن عوف أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه علامات التزويج وقال: تزوجت إمرأة من الانصار قال صلى الله عليه وسلم: ما سقت إليها، قال: نواة من ذهب فقال صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة.
والنواة خمسة دراهم.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من استحل بدرهمين فقد استحل.
ولان كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا كالمجمع عليه، وأما أكثر الصداق فليس له حد، وهو إجماع لقوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا) الاية فأخبر تعالى أن القنطار يجوز أن يكون صداقا.
قال ابن عباس: القنطار سبعون ألف مثقال، وقال أبو صالح: مائة رطل وقال معاذ ألف ومائتا أوقية.
وقال أبو سعيد الخدرى القنطار ملء مسك ثور ذهبا، ومسك الثور جلده.
وروى عن عمر رضى الله عنه أنه خطب الناس وقال يا معاشر الناس لا تغالوا

(16/326)


في صدقات النساء، فوالله لا يبلغني أحد زاد على مهر أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا جعلت الفضل في بيت المال، فعرضت له إمرأة من قريش، فقالت كتاب الله أولى أن يتبع، إن الله يعطينا ويمنعنا ابن الخطاب، فقال: أبن، قالت: قال الله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الاية.
فقال: فليضع الرجل ماله حيث شاء.
وفى رواية كل الناس أفقه من عمر، فرجع عن ذلك، وروى أنه رضى الله عنه تزوج أم كلثوم بنت على كرم الله وجهه وأصدقها أربعين ألف درهم.
وروى أن عبد الله بن عمر زوج بنات أخيه عبيد الله على صداق عشرة آلاف درهم، وتزوج أنس رضى الله عنه إمرأة وأصدقها عشرة آلاف درهم، وتزوج الحسن عليه السلام إمرأة وبعث إليها مائة جارية ومع كل جارية ألف درهم، ثم طلقها وتزوجها رجل من بنى تميم فأصدقها مائة ألف درهم، وتزوج مصعب ابن الزبير بعائشة بنت طلحة واصدقها مائة ألف درهم.
قال الشافعي رضى الله عنه: والاقتصاد في المهر أحب إلى من المغالاة فيه لما روت عائشة ام المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعظم
النكاح بركة اخفه مؤنة.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خيرهن ايسرهن مهرا.
وروى سهل بن سنان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ايما رجل اصدق صداقا ونوى انه لا يؤديه لقى الله وهو زان، وإيما رجل ادان دينارا ونوى ان لا يؤديه لقى الله وهو سارق.
والمستحب ان لا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته عليهن سلام الله ورحمته لما روي عن عائشة قالت: كان صداق أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنا عشر اوقيه ونشأ قالت والنش نصف اوقيه، والاوقيه اربعون درهما.
(فرع)
ولو تواعدوا في السر على ان الصداق مائه، وعلى انهم يظهرون للناس انه ألف كما يشيع ذلك في زماننا هذا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: المهر مهر السر.
وقال في موضع: المهر مهر العلانية.
قال اصحابنا البغداديون ليست على قولين وإنما هي على حالين، فالموضع الذى قال المهر مهر السر، اراد إذا عقدوا النكاح اولا في العلانيه بألف ثم عقدوا ثانيا في السر بمائه

(16/327)


ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: في المهر قولان والاول هو المشهور، فان قال الولى: زوجتك ابنتى بألف فقال الزوج: قبلت نكاحها بخمسمائة وجب لها مهر مثلها لان الايجاب والقبول لم يتفقا على مهر واحد.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ويجوز أن يكون الصداق دينا وعينا وحالا ومؤجلا لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة.

(فصل)
ويجوز أن يكون منفعه كالخدمه وتعليم القرآن وغيرهما من المنافع المباحة لقوله عز وجل (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فجعل الرعى صداقا وزوج النبي صلى الله عليه وسلم الواهبة من الذى
خطبها بما معه من القرآن، ولا يجوز أن يكون محرما كالخمر وتعليم التوراة وتعليم القرآن للذميه، لا تتعلمه للرغبه في الاسلام، ولا ما فيه غرر كالمعدوم والمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض، ولا ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الابق والطير الطائر، لانه عوض في عقد فلا يجوز بما ذكرناه كالعوض في البيع والاجارة، فإن تزوج على شئ من ذلك لم يبطل النكاح، لان فساده ليس بأكثر من عدمه، فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده، ويجب مهر المثل لانها لم ترض من غير بدل، ولم يسلم لها البدل، وتعذر رد المعوض فوجب رد بدله كما لو باع سلعه بمحرم وتلفت في يد المشترى.
(الشرح) يصح أن يكون الصداق دينا وعينا، فإذا كان دينا صح أن يكون حالا ومؤجلا، فإن أطلق كان حالا كما قلنا في الثمن، ويصح أن يكون الصداق منفعه يصح عقد الاجارة عليها كمنفعة العبيد والبهائم والارض والدور لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة.
(فرع)
ويصح أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطه والبناء وتعليم القرآن وما أشبه ذلك مما يصح استئجاره عليه، وبه قال مالك رحمه الله إلا أنه قال: يكره ذلك.
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح.

(16/328)


دليلنا قوله تعالى (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فذكر أن الرعى صداق في شرع من قبلنا ولم يعقبه بنكير، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التى وهبت نفسها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى خطبها بما معه من القرآن، تقديره على تعليم ما معه من القرآن، لان القرآن لا يجوز أن يكون صداقا، ولان كل منفعة جاز أن يستحق بعقد الاجارة جاز أن يستحق بعقد النكاح كمنفعة العبيد والارض.
(فرع)
وما لا يصح بيعه كالكلب والخنزير والسرجين والمجهول والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه والمنافع التى لا يصح الاستئجار عليها لا يصح أن يكون شئ من ذلك صداقا لانه عوض في عقد فلم يصح فيها ذكره، كالبيع والاجارة إذا ثبت هذا فان عقد النكاح لمهر باطل أو مجهول لم يبطل النكاح، وبه قال أبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وقال مالك رحمه الله لا يصح النكاح.
وحكى المسعودي أنه قول الشافعي رحمه الله في القديم، وليس بمشهور.
دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نِكَاحَ إلَّا بولي مرشد وشاهدي عدل.
ولم يفصل بين أن يكون المهر صحيحا أو فاسدا ولانه عقد نكاح فلم يبطل بفساد المهر كما لو تزوجها على دراهم مغصوبة، فإن مالكا وافقنا على هذا، ولان النكاح إذا انعقد مع عدم ذكر المهر فلان ينعقد مع فساده أولى، فإذا عقد النكاح بمهر باطل وجب لها مهر المثل أو المسمى.
دليلنا أنها دخلت في العقد على أن يكون لها المسمى، فإذا لم يسلم وتعذر رجوعها إلى بعضها رجعت إلى قيمته، كما لو اشترى عبدا شراء فاسدا وقبضه وتلف في يده.
وإن تزوجها على شئ موصوف في ذمته لزمه تسليم ذلك على ما وصف.
وقال أبو حنيفة وأحمد: إن شاء سلم الموصوف بصفته وان شاء دفع قيمته وعن أبى حنيفة في الثوب صداقا روايتان، إحداهما كقولنا أنه يسلم الثوب الموصوف الذى في ذمته، والثانية دفع قيمته، دليلنا أن هذه تسمية صحيحه فلم يخير بين دفع المسمى وبين دفع قيمته كالمكيل والموزون

(16/329)


(فرع)
إذا قالت المرأة لوليها: زوجنى بلا مهر أو بأقل من مهر مثله فنقل أصحابنا البغداديون أن النكاح صحيح في جميع هذه المسائل ولها مهر مثلها.
وقال
المسعودي: هل ينعقد النكاح في جميع هذه المسائل؟ فيه قولان.
قال ومن أصحابنا من قال لا ينعقد النكاح من الوكيل قولا واحدا، لانه يزوج بالنيابة عن الولى والاصح الطريق الاول، لان النكاح لا يفسد عندنا بفساد المهر، هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: إذا زوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها وكان ذلك المهر لا ينقص عن أقل المهر، وهى عشرة دراهم صح المهر.
دليلنا أن البنت إذا أذنت لعمها في العقد فزوجها بأقل من مهر مثلها بغير إذنها استحقت مهر مثلها، فكذلك الاب والجد، ولان الاب والجد لا يجوز أن يبيعا مال الصغيرة بأقل من ثمن مثله، فكذلك لا يجوز لهما تزويجها بأقل من مهر مثلها.
وإن زوج الرجل وليته بأرض أو عرض أو بغير نقد البلد فهل يصح المهر؟ لا أعلم فيه نصا، بمعنى أنها في مصر وأصدقها بالدولار أو بالاسترليني أو بالدينار العراقى أو بالليرة السورية أو بريال تريزة أو بالجنيه السعودي، فالذي يقتضى القياس إن كان الولى أبا أو جدا، أو كانت المنكوحة صغيرة أو مجنونة صح المهر إذا كان قيمة ذلك مثل مهر مثلها، كما يجوز أن ببتاع لها ذلك بمالها.
وان كان الولى غيرهما من العصبات، أو كان الولى أبا أو جدا والمنكوحة بالغة عاقلة لم يصح ذلك المهر إلا ان كان بإذنها ونطقها لانه لا ولاية له على مالها، وانما ولايته على عقد نكاحها بنقد البلد.
وإن كانت المنكوحة مجنونه وكان وليها الحاكم، ورأى أن يزوجها بشئ من العروض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك لانه يجوز له التصرف بمالها.
(مسأله) إذا تزوجها وأصدقها تعليم القرآن مدة معلومة صح ذلك إذا كانت المدة متصلة بالعقد، وتطالبه بالتعليم في تلك المدة على حسب عادة التعليم، ولها أن تطالبه بتعليم ما شاءت من القرآن وإن كان الصداق تعليم شئ القرآن
فيشترط أن يذكر السورة التى يعلمها.

(16/330)


فان أصدقها تعليم عشرين من سورة كذا ولم تبين الاعشار ففيه وجهان
(أحدهما)
يصح لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للرجل الذى خطب الواهبة (ما معك من القرآن؟ قال سورة البقرة والتى تليها، فقال صلى الله عليه وسلم: زوجتك بما معك على أن تعلمها عشرين آية) ولم يفصل.

(والثانى)
لا يصح، لان الاعشار تختلف.
وأما الخبر فانما نقل الراوى جواز تعليم القرآن في الصداق ولم ينقل غير الصداق، ولا يجوز في صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقد الصداق على مجهول.
وهل من شرطه أن يبين الحرف الذى يعلمها كحرف نافع وابن كثير وغيرهما.
فيه وجهان مضى بيانهما في الاجارة.
فان أصدقها تعليم سورة وهو لا يحفظها فان كان على أن يحصل لها تعليمها صح ذلك ويستأجر محرما لها أو امرأة تعلمها أو يتعلمها هو بنفسه ثم يعلمها وان كان على أن يعلمها هو بنفسه ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح كما لو أصدقها ألف درهم في ذمته ولا يملك شيئا.

(والثانى)
لا يصح، كما لو أصدقها خدمة عبد لا يملكه، وإن أصدقها تعليم سورة فأتت بامرأة غيرها لتعلمها مكانها فهل يلزمه تعليمها.
فيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه كما لو أكترت منه دابة لتركبها إلى بلد فأرادت أن تركبها مثلها
(والثانى)
لا يلزمه، لان له غرضا في تعليمها لانه أطيب له لانه يلتذ بكلام غيرها، ولانه أصدقها ايفاع منفعه في عين فلا يلزمه ايقاعها في غيرها، كما لو أصدقها خياطة ثوب بعينه فأتت بثوب غيره ليخيطه فلا يلزمه ذلك، وان لقنها
فحفظت ثم نسيت، قال الشيخ أبو حامد فينظر فيها، فان علمها دون آيه فنسينها لم يعتد له بذلك، وكم القدر الذى إذا علمها اياه خرج من عهدة التعليم، فيه وجهان
(أحدهما)
أقله آيه، لانه يطلق عليه اسم التعليم، فعلى هذا إذا علمها آيه فنسيتها لم يلزمه تعليمها اياها ثانيا
(والثانى)
أقله سورة، لان ما دونها ليس بتعليم في العادة.
وذكر ابن الصباغ أنه إذا علمها ثلاث آيات سقط عنه عهدة التعليم وجهان واحدا، وهل يسقط عنه تعليم آيه أو آيتين.
فيه وجهان

(16/331)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
فان تزوج كافر بكافرة على محرم كالخمر والخنزير ثم أسلما أو تحاكما الينا قبل الاسلام نظرت فان كان قبل القبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لانه لا يمكن اجباره على تسليم المحرم، وإن كان بعد القبض برئت ذمته منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا، وإن قبض البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقدر ما بقى من مهر المثل، فإن كان الصداق عشرة أزقاق خمر فقبضت منها خمسة ففيه وجهان.

(أحدهما)
بعتبر بالعدد فيبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا فيها فسقط نصف الصداق، ويجب نصف مهر المثل
(والثانى)
يعتبر بالكيل لانه أحصر، وان أصدقها عشرة من الخنازير وقبضت منها خمسة ففيه وجهان.
أحدهما: يعتبر بالعدد فتبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا.
والثانى: يعتبر بما له قيمة وهو الغنم فيقال: لو كانت غنما كم كانت قيمة ما قبض منها فيبرأ منه بقدره، ويجب بحصة ما بقى من مهر المثل، لانه لما لم تكن له قيمة
اعتبر بماله قيمة، كما يعتبر الحر بالعبد فيما ليس له أرش مقدر من الجنايات.

(فصل)
وإن أعتق رجل أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها وقبلت لم يلزمها ان تتزوج به لانه سلف في عقد فلم يلزم كما لو قال لامرأة خذى هذا الالف على أن تتزوجى بى وتعتق الامة لانه اعتقها على شرط باطل فسقط الشرط وثبت العتق كما لو قال لعبده ان ضمنت لى خمرا فأنت حر فضمن ويرجع عليها بقيمتها لانه لم يرض في عتقها إلا بعوض ولم يسلم له وتعذر الرجوع إليها فوجبت قيمتها كما لو باع عبدا بعوض محرم وتلف العبد في يد المشترى، وان تزوجها بعد العتق على قيمتها وهما لا يعلمان قدرها فالمهر فاسد.
وقال أبو على بن خيران: يصح كما لو تزوجها على عبد لا يعلمان قيمته وهذا خطأ لان المهر هناك هو العبد وهو معلوم والمهر ههنا هو القيمة وهى مجهولة

(16/332)


فلم يجز وان أراد حيلة يقع بها العتق وتتزوج به ففيه وجهان
(أحدهما)
وهو قول أبى على بن خيران أنه يمكنه ذلك بأن يقول ان كان في معلوم الله تعالى إنى إذا أعتقتك تزوجت بى فانت حرة فإذا تزوجت به علمنا أنه قد وجد شرط العتق وإن لم تتزوج به علمنا أنه لم يوجد شرط العتق
(والثانى)
وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يصح ذلك ولا يقع العتق ولا يصح النكاح لانه حال ما تتزوج به نشك أنها حرة أو أمة والنكاح مع الشك لا يصح فإذا لم يصح النكاح لم تعتق لانه لم يوجد شرط العتق، وان أعتقت إمرأة عبدا على أن يتزوج بها وقبل العبد عتق ولا يلزمه أن يتزوج بها لما ذكرناه في الامة ولا يلزمه قيمته لان النكاح حق للعبد فيصير كما لو أعتقته بشرط أن تعطيه مع العتق شيئا آخر ويخالف الامة فان نكاحها حق للمولى فإذا لم يسلم له رجع عليها بقيمتها.
وإن قال رجل لآخر أعتق عبدك عن نفسك على أن أزوجك ابنتى فأعتقه لم يلزمه التزويج لما ذكرناه، وهل تلزمه
قيمة العبد فيه وجهان بناء على القولين فيمن قال لغيره أعتق عبدك عن نفسك وعلى ألف فأعتقه، أحدهما يلزمه كما لو قال أعتق عبدك عنى على ألف، والثانى لا يلزمه لانه بذل العوض على ما لا منفعة له فيه.
(الشرح) إذا ترافع ذميان إلى حاكم المسلمين ليحكم بينهما في ابتداء العقد لم يحكم به بين المسلمين، فإن كانت المنكوحة بكرا أجبرها الاب والجد، وإن كانت ثيبا لم يصح تزويجها إلا بإذنها، وإن عضلها الولى زوجها حاكم المسلمين لانه يلى عليها بالحكم، وإن تحاكما في استدامته فإنه لا اعتبار بانعقاده على أي وجه كان، ولكن ينظر فيها، فان كانت ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها في هذه الحال فرق بينهما، فان كانت ممن يجوز له ابتداء نكاحها أقرهما على نكاحها وان كان قد عقد لها بولي غير مرشد أو بغير شهود لانه عقد مضى في الشرك، فلا يجوز تتبعه ومراعاته، لان في ذلك إلحاق مشقة، وتنفيرا لهم عن الدخول في الطاعة، وفى هذا المعنى نزل قوله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا) فأمر بترك ما بقى في أيديهم من الربا وعفى عما قبض في الشرك،

(16/333)


وإن تحاكما في الصداق أو أسلما وتحاكما، فإن كان قد أصدقها صداقا صحيحا حكم بصحته، وإن أصدقها صداقا فاسدا كالخمر والخنزير، فإن كانت قد قبضت جميعه في الشرك فقد سقط عنه جميعه وبرئت ذمته من الصداق، لان ما قبض في الشرك لا يجوز نقضه لما ذكرناه من الآية، ولقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) الآية.
وإن كانت لم تقبض شيئا حكم الحاكم بفساد المسمى، وأوجب لها مهر مثلها من نقد البلد.
وقال أبو حنيفة: لا يحكم لها إلا بما سمى لها.
دليلنا أنه لا يمكن أن يحكم عليها بتسليم المسمى لفساده فحكم لها بمهر صحيح.
وإن قبضت
بعضه في حال الشرك وبقى البعض سقط من المهر بقسط ما قبضته من المسمى، ووجب لها مهر المثل بقسط ما تقبضه من المسمى، لانها لو قبضت الجميع لم يحكم لها بشئ، ولو لم تقبض شيئا لحكم لها بمهر مثلها، فإذا قبضت البعض وبقى البعض فيقسط مهر المثل على المقبوض وعلى ما لم تقبض.
إذا ثبت هذا فإن كان أصدقها عشرة أزقاق خمر فقبضت منها بعضها فان كانت متساوية لا يفضل بعضها على بعض قسم المهر على أعدادها، فان قبضت خمسة سقط عنه نصف المهر ووجب لها نصف مهر مثلها، وإن كانت مختلفة فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أن المهر يقسط على أعدادها، لانه لا قيمة للخمر، فاستوى الصغير والكبير.

(والثانى)
يقسط على كيلها.
قال ابن الصباغ: وهو الاقيس، لانه لا يمكن اعتبار كيلها، وإن أصدقها عشرة خنازير أو عشرة كلاب وقبضت خمسة ففيه ثلاثة أوجه.
قال أبو إسحاق يعتبر بالعدد، سواء في ذلك الصغير والكبير فيسقط نصف المهر ويجب لها نصف مهر مثلها، لان الجميع لا قيمة له، فكان الجميع واحدا
(والثانى)
يعتبر التفاوت فيها، فيضم صغيران ويجعلان بإزاء كبير أو صغير ويجعلان بإزاء وسطين، ويقسط المهر على ذلك (والثالث) وهو قول أبى العباس بن صريح أنه يقال: لو كانت هذه الخنازير أو الكلاب مما يجوز بيعها كم كانت قيمتها فيقسط المهر على ذلك، لانه لا يمكن اعتبارها بأنفسها، فاعتبرت بغيرها كما قلنا في الجناية على الحر التى لا أرش لهما

(16/334)


فقدر أنها تعتبر بالجناية على العبد، قال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: فعلى هذا تقدر لو كانت غنما، لانها أقرب إليها.
قالل ابن الصباغ: وهذا ليس بصحيح لان الغنم ليست من جنس الخنازير
والكلاب، فتعتبر بها بخلاف الحر والعبد، وينبغى على هذا أن تقوم بما يتبايعونها بينهم ليقدر ذلك، لان لها قيمة في الشرح كما يقدر أن لو جاز بيعها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب، لان إطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب، فثبت فيه خيار الرد كالعوض في البيع، ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار المجلس، لانه أحد عوضي النكاح فلم يثبت فيه خيار الشرط وخيار المجلس كالبضع، ولان خيار الشرط وخيار المجلس جعلا لدفع الغين، والصداق لم يبن على المغابنة، فإن شرط فيه خيار الشرط فقد قال الشافعي رحمه الله: يبطل النكاح، فمن أصحابنا من جعله قولا لانه أحد عوضي النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كالبضع.
ومنهم من قال لا يبطل وهو الصحيح.
كما لا يبطل إذا جعل المهر خمرا أو خنزيرا، وما قال الشافعي رحمه الله محمول على ما إذا شرط في المهر والنكاح، ويجب مهر المثل لان شرط الخيار لا يكون الا بزيادة.
جزء أو نقصان جزء، فإذا سقط الشرط وجب اسقاط ما في مقابلته، فيصير الباقي مجهولا فوجب مهر المثل.
وان تزوجها بألف على أن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها بطل الصداق لانه شرط باطل أضيف إلى الصداق فأبطله، ويجب مهر المثل لما ذكرناه في شرط الخيار.
(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (إذا كان النكاح بألف على أن لابيها ألفا فالمهر فاسد) وجملة ذلك أنه إذا تزوج امرأة بألف على أن لابيها أو لعمها ألفا أخرى فالنكاح صحيح والمهر فاسد ولها مهر مثلها.
وانما صح النكاح لانه لا تفتقر صحته إلى صحة المهر، وانما فسد المهر لان قوله على ان لابيها ألفا ان أراد أن ذلك جميع الالفين صداقا فالصداق لا تستحقه غير الزوجة،

(16/335)


فإذا فسد الشرط سقط المهر وقد نقصت المرأة من صداقها جبرا لاجل الشرط وإذا سقط الشرط وجب أن يرد إلى المهر الجزء الذى نقصته لاجل الشَّرْطِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى معلوم صار الجميع مجهولا، ولو أصدقها صداقا مجهولا لم يصح ووجب لها مهر مثلها بالغا ما بلغ.
وقال الشافعي في القديم: إذا تزوجها على ألف على أن لابيها ألفا ولامها ألفا صح النكاح واستحقت الثلاثة الاف، وبه قال مالك.
قال أبو على بن أبى هريرة فيجئ على هذا أن الالفين في الاولة للزوجة وهذا مخالف لما نقله المزني، وذكره الشافعي في الام في التى قبلها، والاول أصح لانه إنما أصدقها ألفا لا غير، وما شرطه وأمها لا يستحقانه ولا تستحقه الزوجة لما قدمناه في التى قبلها.
إذا ثبت هذا فذكر المزني بعد الاولة، ولو نكح امرأة على ألف وعلى أن يعطى أباها ألفا كان جائزا ولها منعه وأخذها منه لانها هبة لم تقبض أو وكالة.
قال أصحابنا: أخطأ المزني في النقل، لا فرق بين هذه والاولة، ويكون المهر فاسدا، وانما نقل المزني جواب مسألة ثالثه، ذكرها الشافعي رضى الله عنه في الام، وهو إذا تزوجها بألفين على أن تعطى أباها منها ألفا فيكون المهر جائزا لانها قد ملكت الالفين بالعقد وما شرطه عليها من دفعها لابيها ألفا لا يلزمها لانه ان كان هبة منها فلا يلزم عليها قبل القبض أو على سبيل الوكالة منها لابيها بالقبض، وذلك لا يلزم عليها، وإذا لم يلزمها سقط ولا يؤثر ذلك في المهر.
لان المرأة لم ينقص من مهرها شئ لاجل هذا الشرط ولا الزوج زاد في مهرها لكى تعطى أباها، لانه لا منفعة له في ذلك.
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك إذا أصدقها ألفين على أن يعطى الزوج منها ألفا لابيها لم يؤثر ذلك: لان ذلك هبة منها أو توكيل في قبضها والتصرف لها
لا حق للزوج في ذلك.
قال الشيخ أبو حامد: ومعنى هذا عندي أنه لم يرد به الشرط، وانما أراد به أنه تزوجها على ألفين على أن لها أن تعطى أباها ألفا ويعطى هو أباها ألفا فالحكم ما ذكرنا، فأما إذا أخرج ذلك مخرج الشرط فينبغي ان يفسد المهر، لانه لم يملكها المهر ملكا تاما فيبطل.
وقد حكى الصيمري هذا عن بعض أصحابنا،

(16/336)


ثم قال الصيمري هو قياس التحقيق لو كان من عقود المعاوضات وما الغرض فيه العتق.
فأما ما هو خلاف ذلك فلا.
(فرع)
إذا تزوج امرأة بألف على أن يطأها ليلا ونهارا، أو على أن ينفق عليها ويكسوها ويسافر بها على أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه صح ذلك ولم يؤثر في الصداق، لان ذلك من مقتضى العقد، وإن شرط على أن له أن يتزوج عليها أو يتسرى صح ولم يؤثر لانه لا ينافى مقتضاه وإن تزوجها بمائة على أن لا يتزوج أو لا يتسرى عليها، أو على أن لا يسافر بها أو على أن لا يكلم أباها وأمها أو على أن لا يكسوها ولا ينفق عليها أو على أن لها أن تخرج من بيتها متى شاءت فالنكاح صحيح والشرط والمهر فاسدان، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال أحمد: الشرط صحيح ومتى لم يف لها به ثبت لها الخيار في فسخ النكاح وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه ومعاوية وعمر بن عبد العزيز وشريح وأبى الشعثاء رضى الله عنهم.
دليلنا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل، وهذا الشرط ليس في كتاب الله، ويجب لها مهر مثلها، لانها تركت لاجل الشرط جزءا من المهر، فإذا سقط الشرط وجب رد الجزء وهو مجهول، وإذا صار الصداق مجهولا وجب لها مهر مثلها.
وقال أبو على بن خيران: يجب لها أقل الامرين من المسمى أو مهر المثل والمذهب الاول، لان المسمى قد سقط اعتباره، وإنما الاعتبار بمهر المثل، وإن تزوجها على ألف ان لم يخرجها من بلدها وعلى ألفين إن أخرجها فالمهر فاسد ويجب لها مهر مثلها.
وقال أبو حنيفة: إن وفى لها بالشرط الاول كان لها الالف وان لم يف لها كان لها مهر مثلها.
وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان.
دليلنا انه دخل في العقد على التخيير بين عوضين فكان العوض فاسدا كما لو قال: بعتك بألف نقدا وبألفين نسيئة.
(فرع)
إذا اشترطت المرأة على الزوج حال العقد أن لا يطأها أو على أن يطأها في الليل دون النهار، أو على أن لا يدخل عليها سنة بطل النكاح لان ذلك

(16/337)


شرط ينافى مقتضى العقد وان شرط الزوج ذلك عليها في العقد لم يبطل النكاح لان ذلك حق له يجوز له تركه فلم يؤثر شرطه ولا يلزمه الوفاء بالشرط لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل.
وليس هذا في كتاب الله فكان باطلا.
(فرع)
إذا تزوج امرأة بمهر وشرط خيار المجلس أو خيار الثلاث في عقد النكاح فسد النكاح، لان النكاح لا يقع إلا لازما، فإذا شرط فيه الخيار نافى ذلك مقتضاه فأبطله.
وإن شرط الخيار في الصداق فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: كان المهر فاسدا.
وظاهر هذا أن النكاح صحيح.
وقال في الاملاء ان المهر والنكاح باطلان.
واختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال هي على حالين، فحيث قال يبطلان أراد إذا شرط الخيار في النكاح والمهر أو في النكاح وحده، وحيث قال لا يبطل النكاح أراد إذا شرط الخيار في المهر وحده، فهل يصح
النكاح.
فيه قولان.

(أحدهما)
لا يصح لانه أحد عوض النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كما لو شرطه في البضع
(والثانى)
يصح النكاح وهو الصحيح لانه لو جعل الصداق خمرا أو خنزيرا لم يبطل النكاح، فلان لا يفسد إذا شرط الخيار في المهر أولى، فإذا قلنا بهذا ففى المهر والخيار ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد (أحدها) أن المهر والخيار صحيحان، لان المهر كالثمن في البيع، فلما ثبت جواز الخيار في الثمن ثبت جوازه في المهر
(والثانى)
أن المهر صحيح والخيار باطل، لان المقصود هو الصداق والخيار تابع، فثبت المقصود وبطل التابع (والثالث) أن المهر والخيار باطلان وهو المنصوص في الام لان الخيار لما لم يثبت في العوض وهو البضع لم يثبت في المعوض، وإذا سقط الخيار فقد ترك لاجله جزء من المهر فيجب رده وذلك مجهول.
وإذا كان المهر مجهولا وجب مهر المثل.
قال الشيخ أبو حامد: الوجهان الاولان لا يساويان استماعهما.
(فرع)
ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب الفاحش واليسير وما يعد عيبا في مثله.
وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: يرد بالفاحش دون اليسير.
دليلنا أن إطلاق العقد يقتضى سلامة المهر من العيب، فإذا رد بالفاحش رد باليسير كالمبيع

(16/338)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وتملك المرأة المسمى بالعقد ان كان صحيحا، ومهر المثل إن كان فاسدا، لانه عقد يملك المعوض فيه بالعقد فملك العوض فيه بالعقد كالبيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو غير رشيدة سلم المهر إلى من ينظر في مالها، وان كانت بالغة رشيدة وجب تسليمه إليها، ومن أصحابنا من خرج في البكر البالغة قولا آخر أنه يجوز أن يدفع إليها أو إلى أبيها وجدها، لانه يجوز إجبارها على النكاح
فجاز للولى قبض صداقها بغير إذنها كالصغيرة، فان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها، فقالت المرأة: لا أسلم نفسي حتى أقبض الصداق ففيه قولان.

(أحدهما)
لا يجبر واحد منهما بل يقال: من سلم منكما أجبرنا الاخر.

(والثانى)
يؤمر الزوج بتسليم الصداق إلى عدل وتؤمر المرأة بتسليم نفسها فإذا سلمت نفسها أمر العدل بدفع الصداق إليها كالقولين فيمن باع سلعه بثمن معين، وقد بينا وجه القولين في البيوع، فان قلنا: بالقول الاول لم تجب لها النفقة في حال امتناعها، لانها ممتنعه بغير حق، وان قلنا بالقول الثاني وجبت لها النفقة لانها ممتنعة بحق وان تبرعت وسلمت نفسها ووطئها الزوج أجبر على دفع الصداق وسقط حقها من الامتناع، لان بالوطئ استقر لها جميع البدل فسقط حق المنع كالبائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن.
(الشرح) الاحكام: تملك المرأة جميع المهر المسمى لها بنفس العقد إن كان ما سماه صحيحا، وان كان باطلا ملكت مهر المثل، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضى الله عنه وقال مالك رضى الله عنه: تملك نصف المسمى بالعقد والنصف الباقي أمانة في يدها للزوج فإن دخل بها استقر ملكها على الجميع.
دليلنا قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فلولا أنهن ملكنه لما أمر بتسليمه اليهن، ولانه عوض عن مقابلة معوض فملك في الوقت التى تملك به المعوض كالاثمان في البيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو كبيرة.
مجنونة أو سفيهة فللاب والجد أن يقبض صداقها لان له ولاية على مالها، وإن كانت بالغة

(16/339)


عاقلة رشيدة سلم المهر إليها أو إلى وكيلها، وليس لوليها قبضه بغير إذنها.
ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والجد جاز له أن يقبض المهر بغير إذنها لانه إذا جاز له العفو عنه فلان يجوز له قبضه أولى،
والاول أصح، لانه إنما يجوز له العفو على هذا القول عن مهر الصغيرة أو المجنونة فأما الكبيرة العاقلة فليس له العفو عن مهرها بلا خلاف، هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة ان كانت المنكوحة ثيبا لم يكن له قبض صداقها بغير اذنها، وان كانت بكرا فله قبض صداقها بغير اذنها الا أن تنهاه عن قبضه.
دليلنا أنها بالغة رشيدة فلم يكن له قبض صداقها بغير اذنها كالبنت.
(فرع)
إذا كان الصداق حالا فطالبته الزوجة بتسليمه فقال الزوج: لا، وطلب امهاله إلى أن يجمعه، وطالب بتسليم الزوجة إليه لم يجبر الزوجة على تسليم نفسها إليه إلى أن يجمع صداقها ويسلمه إليها لان المهر في مقابلة البضع وعوض عنه، فإذا امتنع الزوج من تسليم العوض لم تجبر المرأة على تسليم المعوض كما لا يجبر البائع على تسليم المبيع إذا امتنع المشترى من تسليم الثمن، وان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها.
وقالت الزوجة لا أسلم نفسي حتى يسلم إلى الصداق فقد ذكر المصنف فيمن اشترى سلعة بثمن في ذمته، فقال البائع لا أسلم السلعة حتى أقبض الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أقبض السلعة ثلاثة اقوال مشهورة أتى عليها الامام تقى الدين السبكى في شرح المهذب في شروعه في تكملة المجموع.
(أحدها) لا يجبر واحد منهما على التسليم، بل أيهما تطوع بالتسليم.
أجبر الآخر.

(والثانى)
أنهما يجبران معا، فيجبر البائع على تسليم السلعه إلى عدل، بجبر المشترى على تسليم الثمن إلى عدل، ثم يسلم السلعه إلى المشترى والثمن إلى البائع، وبأيهما بدأ جاز.
(والثالث) أن البائع يجبر على تسليم السلعة إلى المشترى ثم يجبر المشترى على تسليم الثمن إلى البائع.
وأما الصداق فلا يجئ فيه الا القولان الاولان.

(أحدهما)
لا يجبر واحد منهما على التسليم بل يقال لهما: أيكما تطوع بالتسليم

(16/340)


أجبر الآخر على التسليم
(والثانى)
يجبر الزوج على تسليم الصداق إلى عدل، فإذا حصل الصداق في يد عدل أجبرت الزوجة على تسليم نفسها إلى الزوج، ولا يجئ في هذا القول أن تسلم المرأة نفسها إلى عدل كما قلنا في البائع، لان معنى قولنا: تسلم نفسها نعنى به يطؤها الزوج، وهذا لا يحصل بتسليمها نفسها إلى العدل، ويسقط ههنا القول الثالث في البيع وهو قولنا: يجبر البائع على تسليم السلعه أولا إلى المشترى لانا إذا أجبرنا البائع على هذا التسليم تسلم السلعه وأخذ الثمن من المشترى ان كان حاضرا، وان كان غائبا حجرنا على المشترى في السلعه في جميع أمواله إلى أن يسلم الثمن، والزوجه ههنا بمعنى البائع، فلو أجبرناها على تسليم نفسها وهو تمكينها الزوج من وطئها ربما أتلف ماله بعد وطئها أو أفلس، وقد أتلف بضعها لانه لا يتأتى فيه ما ذكرناه في السلعه، هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي: بل في الصداق ثلاثة أقوال أيضا (أحدها) لا يجبران
(والثانى)
يجبران بأن يوضع الصداق على يد عدل، وتجبر المرأة على التمكين.
(والثالث) يجبر الزوج، والاول هو المشهور.
فإذا قلنا لا يجبران لم يجب لها نفقه في حال امتناعها، لان الزوج لا يختص بالامتناع.
وان قلنا يجبر الزوج أولا فلها النفقه في حال امتناعها قبل تسليم الزوج بالمهر، لان المنع من جهته وان تبرعت المرأة وسلمت نفسها إليه ووطئها الزوج لم يكن لها أن تمتنع بعد ذلك حتى تقبض صداقها.
دليلنا أن التسليم الاول تسليم استقر به المسمى برضاها فلم يكن لها الامتناع بعد ذلك، كما لو سلم البائع سلعه قبل قبض الثمن ثم أراد أخذها، وان أكرهها الزوج فوطئها فهل لها أن تمتنع بعد ذلك إلى ان تقبض المهر؟ فيه وجهان
حكاهما في الابانه.

(أحدهما)
لها ان تمتنع كما لو قبض المشترى العين المبيعة واكره البائع على ذلك قبل قبض الثمن.

(والثانى)
ليس لها ان تمتنع لان المهر قد تقرر بذلك والبائع إذا استرد

(16/341)


المبيع ارتفع التقرير، وإن كان الصداق مؤجلا فطلب الزوج تسليمه إليه قبل حلول الاجل لم يكن لها أن تمتنع، فإن امتنعت أجبرت لانها رضيت بتأخير حقها إلى الاجل فلم يكن لها الامتناع من التسليم كما لو باع سلعة بثمن مؤجل فليس له الامتناع من تسليمها قبل حلول الاجل، فإن تأخر تسليمها لنفسها حتى حل الاجل فهل لها الامتناع من تسليمها إلى أن تقبض الصداق؟ فيه وجهان، قال الشيخ أبو حامد: ليس لها أن تمتنع لان التسليم مستحق عليها قبل المحل فلم يسقط ما وجب عليها بحلول دينها.
وقال القاضى أبو الطيب: لها أن تمتنع، وقد ذكر المزني في المنثور أنه إذا باع سلعه بثمن مؤجل فلم يقبض السلعة حتى حل الاجل فإن للبائع الامتناع من تسليم السلعة حتى يقبض الثمن، ووجهه أن لها المطالبة بالمهر فكان لها الامتناع كما لو كانت حالا، وإن كان بعض الصداق مؤجلا وبعضه حالا فلها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض المؤجل كما لو كان جميعه مؤجلا.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
فان كان الصداق عينا لم تملك التصرف فيه قبل القبض كالمبيع، وإن كان دينا فعلى القولين في الثمن، وإن كان عينا فهلكت قبل القبض هلك من ضمان الزوج كما يهلك المبيع قبل القبض من ضمان البائع، وهل ترجع إلى مهر المثل، أو إلى بدل العين، فيه قولان.
قال في القديم: ترجع إلى بدل العين لانه عين يجب تسليمها لا يسقط الحق بتلفها، فوجب الرجوع إلى بدلها كالمغصوب، فعلى هذا ان كان مما له مثل وجب مثله وان لم يكن له مثل وجبت قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى أن تلف كالمغصوب، ومن أصحابنا من قال: تجب قيمته يوم التلف، لانه وقت الفوات والصحيح هو الاول، لان هذا يبطل بالمغصوب.
وقال في الجديد: ترجع إلى مهر المثل لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض، فوجب الرجوع إلى بدل المعوض كما لو اشترى ثوبا بعبد فقبض الثوب ولم يسلم العبد وتلف عنده، فانه يجب قيمة الثوب،

(16/342)


وان قبضت الصداق ووجدت به عيبا فردته أو خرج مستحقا رجعت في قوله القديم إلى بدله، وفى قوله الجديد إلى مهر المثل، وان كان الصداق تعليم سورة من القرآن فتعلمت من غيره أو لم تتعلم لسوء حفظها فهو كالعين إذا تلفت فترجع في قوله القديم إلى أجرة المثل: وفى قوله الجديد إلى مهر المثل.
(الشرح) الاحكام: إذا كان الصداق عينا فأرادت الزوجة أن تتصرف فيها بالبيع والهبة وما اشبههما قبل القبض لم يصح، وقال بعض الناس: يصح هكذا أفاده العمرانى.
دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ما لم يقبض، وهذا لم يقبض وان كان الصداق دينا في الذمة فهل يصح لها بيعه قبل قبضه، فيه قولان كالثمن في الذمة.
هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي: إذا أرادت بيع الصداق قبل أن تقبضه فهل يصح بيعها له فيه قولان ان قلنا: انه مضمون في يد الزوج ضمان العقد لم يصح، وان قلنا ضمان اليد صح وأراد بذلك إذا كان الصداق عينا.
(مسألة) إذا أصدق الرجل امرأته عينا معينة اما حيوانا أو ثوبا أو سيارة فانها تكون مضمونة على الزوج ما لم تقبضها الزوجة، لانها مضمونة عليه بعقد معاوضة فكانت مضمونة كالمبيع، فان قبضتها الزوجة سقط الضمان عنه وصار ضمانها على الزوجة، فان هلكت العين في يد الزوج قبل أن تقبضها الزوجة سقط حقها من العين لانها قد تلفت ولا يبطل النكاح، لان النكاح ينعقد بغير مهر فلا يبطل بتلف الصداق، ويجب على الزوج ضمان الصداق للزوجة لانا قد تبينا أنه مضمون عليه إلى أن تقبضه الزوجة، وفيما يضمنه قولان.
قال في الجديد: ترجع عليه بمهر مثلها وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى والقاضى أبى الطيب، لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب الرجوع إلى بدل المعوض لا إلى بدل العوض كما لو اشترى فرسا بثوب وقبض الفرس وتلف الفرس والثوب عنده، فانه يجب عليه قيمة الفرس لا قيمة الثوب، فقولنا: عوض معين احتراز من العوض في الذمة، وقولنا:

(16/343)


تعذر الرجوع إلى المعوض لان الشرع قد منع الزوجة من الرجوع إلى بضعها بتلف الصداق فرجعت إلى بذله.
وفيه احتراز من المبيع إذا تلف قبل القبض والثمن باق.
وقال في القديم: ترجع عليه ببدل العين التالفة، وهو قول أبى حنيفة وأحمد رضى الله عنهما واختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ لان كل عين يجب تسليمها فلا يسقط ضمانها بتلفها، فإذا تلف ضمنت ببدلها كالعين المغصوبة.
فقولنا عين يجب تسليمها احتراز مما لا يجب تسليمه كالعين المبيعة والثمن قبل البيع.
وقولنا لا يسقط ضمانها بتلفها احتراز من العين المبيعة والثمن إذا تلفا قبل القبض، فإذا قلنا بقوله الجديد إن تلفت العين بآفة سماوية أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها
سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها قمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها.
وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى اتلف.
وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها فمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها، وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى أتلف وبين أن ترجع الزوجة على الأجنبي ببدل ما أتلف.
وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماوية أو بفعل الزوج فهى بالخيار بين أن تأخذ الصداق ناقصا ولا شئ لها وبين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها.
وان نقص بفعل أجنبي فهى بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها ويأخذ الزوج من الأجنبي الارش، وبين أن تأخذ الصداق والارش من الأجنبي وان نقص الصداق بفعل الزوجة أخذته ناقصا ولا شئ لها.
وان قلنا بقوله القديم فحكمه في يد الزوج حكم المغصوب إلا أنه لا يأثم إذا لم يمنعها من أخذه فإذا تلف في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج رجعت عليه بمثله إن كان له مثل، وبقيمته ان لم يكن له مثل، ومتى تعتبر قيمته؟ من أصحابنا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ

(16/344)


ومنهم من قال: هما وجهان، المنصوص أنه تعتبر قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف لانه مضمون على الزوج في جميع هذه الاحوال فهو كالمغصوب.
والثانى يرجع عليه بقيمته يوم التلف، والاول أصح وإن نقص في يد الزوج نظرت فان كان بآفة سماوية كانت بالخيار بين أن
ترد الصداق لاجل النقص وترجع ببدله عليه، وبين أن تأخذه ناقصا وتأخذ منه أرش النقص لانه كالغاصب.
وإن نقص بفعل الزوج فان اختارت رده وأخذ بدله كان لها، وان اختارت أخذه فان لم يكن للجناية أرش مقدر أخذت الصداق وما نقص من قيمته، وان كان لها أرش مقدر بأن كانت إبلا جبت أسنمتها أو عبدا قطعت يده رجعت عليه بأكثر الامرين من نصف قيمة العين أو ما نقص من قيمتها بذلك، لانه اجتمع فيه ضمان اليد والاسنمة والجناية، فان نقص بفعل أجنبي فاختارت رده على الزوج وأخذ بدله منه كان لها ذلك لاجل النقص ورجع الزوج على الأجنبي بالارش، فان اختارت أخذه أخذته، فان كان الارش غير مقدر فان كان مثل أرش النقص أو أكثر من أرش النقص رجعت به على من شاءت منهما.
وان كان الارش المقدر أقل من أرش النقص كانت بالخيار بين ان ترجع بأرش النقص على الزوج وبين ان ترجع على الأجنبي بالارش المقدر وترجع على الزوج بتمام أرش النقص.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ويستقر الصداق بالوطئ في الفرج لقوله عزوجل: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) وفسر الانقضاء بالجماع، وهل يستقر بالوطئ في الدبر؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يستقر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد، فأشبه الفرج
(والثانى)
لا يستقر لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد، والوطئ في الدبر غير مملوك فلم يستقر به المهر ويستقر بالموت قبل الدخول، وقال أبو سعيد الاصطخر: إن كانت أمة لم يستقر بموتها لانها كالسلعة تباع وتبتاع، والسلعة المبيعة إذا تلفت قبل التسليم سقط الثمن.
فكذلك إذا ماتت

(16/345)


الامة وجب ان يسقط المهر، والمذهب انه يستقر، لان النكاح إلى الموت، فإذا ماتت انتهى النكاح فاستقر البدل كالاجارة إذا انقضت مدتها.
واختلف قوله في الخلوة فقال في القديم: تقرر المهر، لانه عقد على المنفعة فكان التمكين فيه كالاستيفاء في تقرر البدل كالاجارة.
وقال في الجديد: لا تقرر لانه خلوة فلا تقرر للمهر كالخلوة في غير النكاح.
(الشرح) الاحكام: يستقر المهر المسمى للزوجة بالوطئ في الفرج لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآيه.
فلما اثبت له الرجوع بنصف الصداق بالطلاق قبل المسيس دل على انه لا يرجع عليها بشئ منه بعد المسيس.
وقال في آية اخرى (وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى بعض) ففسر الافضاء بالجماع.
وان وطئها في دبرها فهل يستقر به المسمى، فيه وجهان.
ومن أصحابنا من قال لا يستقر لها لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد والوطئ في الدبر غير مملوك في العقد فلم يستقر به المهر.
والثانى وهو المذهب انه يستقر به المسمى، وبه قطع صاحب المهذب، ووجهه ان الوطئ في الدبر لا يختلف عن المجامعة فيما يتضمن تكميلا كالاحصان والتحليل، أو يوجب تخفيفا مثل الخروج عن موجب العنة والايلاء.
ووجه انه ذلك يتضمن تغليظا في إلحاقه بالوطئ كما نقول في وجوب الغسل دون الانزال وافساد العبادات، والحكم بتقرير المهر اثبات تغلبظ على الرجل حتى لو انه جامع امرأة في دبرها بالشبهة وجب المهر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد فاستقر به المهر كالفرج.
قال اصحابنا: وجميع الاحكام التى تتعلق بالوطئ في الدبر اربعة احكام: الاحلال للزوج الاول، والاحصان، وايفاء المولى، والخروج من العنة.
وان
وطئ اجنبية في دبرها وجب لها مهر المثل، وان حلف ان لا يطأ امرأة فوطئها في دبرها حنث في يمينه، قال الصيمري: فان إلى امرأته اكثر من اربعة اشهر فوطئها في دبرها لم يسقط بذلك حقها، وينبغى ان يحنث في يمينه،

(16/346)


وإن أتت امرأته بولد يلحقه بالامكان ولم يقر بوطئها فهل يستقر عليه المهر المسمى.
فيه قولان
(أحدهما)
يستقر، لان إلحاق النسب به يقتضى وجود الوطئ
(والثانى)
لا يستقر عليه لان الولد يلحق بالامكان، والمهر لا يستقر إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ.
(فرع)
وإن مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر لها المهر، وهو المذهب لان النكاح إلى الموت فاستقر به المهر كالاجارة إذا انقضت مدتها.
(فرع)
وان خلا الزوج بها ولم يجامعها فهل حكم الخلوة حكم الوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، اختلف العلماء فيها، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه لا تأثير للخلوة في تقرير المهر ولا في وجوب العدة.
وبه قال ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم.
ومن التابعين الشعبى وابن سيرين وطاوس، ومن الفقهاء أبو ثور.
وذهبت طائفة إلى أن الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، وذهب إليه ابن عمر وعلى بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قال الزهري والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: ان خلا بها خلوة تامة بأن يخلو بها في بيته دون بيت أبيها أو أمها رجح بها قول من يدعى الاصابة منهما عند اختلافهما بها، ولا تكون الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة.
وقال الشافعي في القديم: للخلوة تأثير.
وقال الخرقى من الحنابلة: إذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما الا في الرجوع إلى زوج
طلقها ثلاثا أو في الزنا فانهما يجلدان ولا يرجمان.
اه وقال ابن قدامه: إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وان لم يطأ، روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر، وبه قال على ابن الحسين وعروة وعطاء والزهرى والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأى، وهو قديم قولى الشافعي، وقال شريح والشعبى وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد: لا يستقر الا بالوطئ، وحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروى نحو ذلك عن أحمد، وروى عنه يعقوب بن بختان أنه قال: إذا صدقت المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة، وذلك

(16/347)


لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها، وقال تعالى (وكيف تأخذونه وند أفضى بعضكم إلى بعض) ثم قال: ولنا إجماع الصحابة رضى الله عنهم.
روى الامام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أبى أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة.
ورواه أيضا عن الاحنف عن عمر وعلى وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملا، وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا.
وما رووه عن ابن عباس لا يصح.
قال أحمد: يرويه ليث وليس بالقوى، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث، وحنظلة أقوى من ليث، وحديث ابن مسعود منقطع.
قاله ابن المنذر اه قلت: لما كان الشافعي رضى الله عنه قولاه القديم والجديد، فإن من أصحابنا من قال: مذهب الشافعي في القديم في الخلوة كقول مالك في أنه يرجح بها قول من ادعى الاصابة لا غير، إلا أنه لا فرق عندنا على هذا بين أن يخلو بها
في بيته أو في بيت أبيها أو أمها.
ومنهم من قال: مذهب الشافعي في الجديد كقول أبى حنيفة وهو المنصوص في القديم فإذا قلنا بهذا فوجهه مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كشف عن قناع امرأة فقد وجب عليه المهر) وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب المهر.
ما ذنبهن ان جاء العجز من قبلكم، ولانه عقد على المنفعة فكان التمكين منها كالاستيفاء في تقرير البدل كالاجارة وإذا قلنا بقوله الجديد قال العمرانى وأكثر الاصحاب، وهو الاصح، فوجهه قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولم يفرق بين أن يخلو بها أو لا يخلو بها، ولان الخلوة لو كانت كالاصابة في تقرير المهر ووجوب العدة لكانت كالاصابة في وجوب مهر المثل في الشبهة.

(16/348)


وأما الخبر فمحمول على أنه كنى عن الجماع بكشف النقاب، وما روى عن أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقد روينا عن ابن عباس وابن مسعود خلاف ذلك، فإذا قلنا بقوله الجديد فوطئها فيما دون الفرج فسق الماء إلى فرجها وجبت عليها العدة وجها واحدا، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه، وإن أتت من ذلك بولد لحقه نسبه، وهل يستقر بذلك صداقها، فيه وجهان.

(أحدهما)
يستقر، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه فهو كما لو وطئها.

(والثانى)
لا يستقر به المهر لانه لم يوجد الجماع التام فهو كما لو لم يسبق إلى فرجها ماؤه، ولو استدخلت المرأة ماء غير ماء زوجها وظنته ماء زوجها لم يثبت له حكم من الاحكام لان الشبهة تعتبر في الرجل.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن وقعت فرقة بعد الدخول لم يسقط من الصداق شئ لانه استقر فلم يسقط، فإن أصدقها سورة من القرآن وطلقها بعد الدخول وقبل أن يعلمها ففيه وجهان.

(أحدهما)
يعلمها من وراء حجاب كما يستمع منها حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(وَالثَّانِي)
لا يجوز أن يعلمها لانه لا يؤمن الافتتان بها ويخالف الحديث، فإنه ليس له بدل، فلو منعناه من سماعه منها أدى إلى إضاعته، وفى الصداق لا يؤدى إلى ابطاله، لان في قوله الجديد ترجع إلى مهر المثل، وفى قوله القديم ترجع إلى أجرة التعليم، وإن وقعت الفرقة قبل الدخول نظرت فإن كانت بسبب من جهة المرأة، بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه سقط مهرها لانها أتلفت المعوض قبل التسليم، فسقط البدل كالبائع إذا أتلف المبيع قبل التسليم، وإن كانت بسبب من جهته نظرت فإن كان بطلاق سقط نصف المسمى لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وان كان باسلامه أو بردته سقط نصفه، لانه فرقة انفرد الزوج بسببها قبل الدخول، فتنصف بها المهر

(16/349)


كالطلاق، وان كان بسبب منهما نطرت فان كان بخلع سقط نصفه، لان المغلب في الخلع جهة الزوج، بدليل أنه يصح الخلع به دونها وهو إذا خالع مع أجنبي فصار كما لو انفرد به، وان كان بردة منهما ففيه وجهان.

(أحدهما)
يسقط نصفه، لان حال الزوج في النكاح أقوى فسقط نصفه كما لو ارتد وحده.

(والثانى)
يسقط الجميع لان المغلب في المهر جهة المرأة، لان المهر لها فسقط جميعه كما لو انفردت بالردة فان اشترت المرأة زوجها قبل الدخول ففيه وجهان: أحدهما: يسقط النصف، لان البيع تم بالزوجة والسيد وهو قائم مقام الزوج، فصار كالفرقة الواقعة بالخلع.
والثانى: يسقط جميع المهر لان البيع تم بها دون الزوج فسقط جميع المهر كما لو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه
(فصل)
وان قتلت المرأة نفسها فالمنصوص أنه لا يسقط مهرها، وقال في الامة: إذا قتلت نفسها أو قتلها مولاها أنه يسقط مهرها، فنقل أبو العباس جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين.

(أحدهما)
يسقط المهر لانها فرقة حصلت من جهتها قبل الدخول فسقط بها المهر، كما لو أرتدت.

(والثانى)
لا يسقط وهو اختيار المزني وهو الصحيح، لانها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت.
وقال أبو إسحاق لا يسقط في الحرة ويسقط في الامة على ما نص عليه، لان الحرة كالمسلمة نفسها بالعقد، ولهذا يملك منعها من السفر، والامة لا تصير كالمسلمة نفسها بالعقد ولهذا لا يملك منعها من السفر مع المولى: وان قتلها الزوج استقر مهرها لان اتلاف الزوج كالقبض كما أن اتلاف المشترى للمبيع في يد البائع كالقبض في تقرير الثمن.
(الشرح) الاحكام: إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها ثم افترقا لم ترجع إلى الزوج بشئ من المهر سواء كانت الفرقة من جهة الزوج أو من جهة الزوجة أو من جهتهما أو من جهة أجنبي، لان المهر قد استقر بالدخول فلم تؤثر الفرقه

(16/350)


وهذا لا خلاف فيه، وان أصدقها تعليم سورة من القرآن ودخل بها ثم طلقها
قبل أن يعلمها فإن كان الصداق تحصيل التعليم لم يتعذر ذلك بسبب الطلاق بل يستأجر لها إمرأة أو محرما لها ليعلمها، وإن كان الصداق على أن يعلمها بنفسه ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن التعليم لا يتعذر بذلك، بل يعلمها من وراء حجاب كما يجوز أن يسمع أخبار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وراء حجاب، وقد ثبت أن كثيرا من راويات الحديث وحافظاته يسمعهن الاجانب عنهن من وراء حجاب وقد كان أبو الشعثاء جابر بن زيد يسأل عائشة من وراء حجاب وكان يسألها عن أخص أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حتى في جماعه وكانت رضى الله عنها تخجل حتى ليحمر وجهها كما يقول عروة ابن أختها، وهى تقول: سل يا إبناه ومن هؤلاء الراويات أمة الواحد بنت يامين والدة يحيى بن بشير وأمية بنت عبد الله وبهسة الفزارية وحميدة راوية أم سلمة وخيرة أم الحسن البصري وزينب بنت معاوية زوج ابن مسعود وراويته والعالية بنت سويد وثقها العجلى وعمرة بنت قيس عن عائشة روى عنها جعفر بن كيسان في صحيح ابن خزيمه، وأم القلوص عن عائشة وعنها المتوكل بن الفضل في الدارقطني وهن لا يحصين.

(والثانى)
أن تعليمه لها قد تعذر لانه يخاف عليهما الافتتان، ويخالف سماع الاخبار لانا لو لم نجز ذلك لضاع ما عندها من الاخبار، فإذا قلنا بهذا كان كما لو تلف الصداق قبل القبض فيرجع في قوله الجديد إلى مهر مثلها، وفى قوله القديم إلى أجرة التعليم، وان وقعت الفرقه بينهما قبل الدخول نظرت، فان كانت بسبب من جهتها بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعته أو أرضعت زوجة له صغيرة أو وجد أحدهما بالآخر عيبا ففسخ النكاح سقط جميع المهر لان والبضع تلف قبل الدخول بسبب من جهتها، فسقط ما نقابله كالمبيع إذا تلف قبل القبض، وان كان بسبب من جهة الزوج بأن طلقها سقط عنه نصف
المسمى أن كانت لم تقبضه، ووجب عليها رد نصفه ان كانت قبضته لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه فنصف ما فرضتم)

(16/351)


وهكذا إن أسلم أو ارتد فحكمه حكم الطلاق، لان الفرقة من جهته فهو كالطلاق وإن كانت الفرقة بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع فحكمه حكم الطلاق لان المغلب فيه جهة الزوج بدليل أنه يصح خلعه مع الأجنبي، وإن كان بردة منهما بأن ارتدا معا في حالة واحدة ففيه وجهان.

(أحدهما)
حكمه حكم الطلاق لان حال الزوج في النكاح إذا خالع زوجته بعد الدخول بها ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها يتنصف المسمى.
وقال أبو حنيفة: لا يتنصف بل يبقى حقها في الجميع كما كان.
دليلنا ظاهر الآية (فنصف ما فرضتم) ولان الوطئ الموجود في النكاح الاول يقابله المهر الاول، فلو قلنا: لا يتنصف المهر في النكاح الثاني لصار ذلك الوطئ مؤثرا أقوى في تقربر المهرين، والتسليم الواحد لا يقابل بدلين وعلى هذا الخلاف لو وطئ إمرأة بالشبهة أو أعتق أم ولده ونكحها ثم طلقها ينصف المهر عندنا، وعند أبى حنيفة لا ينصف ويجعل دوام شغل الرحم كالوطئ في تقرير المهر كله وتخالف هذه المسألة المخالعة حيث غلبنا جانب الزوج لان الزوج يتصور منه أن ينفرد بالمخالعة عنها بأن تخالع مع أجنبي والمرأة لا يتصور منها الانفراد بالمخالعة عن الزوج فيترجح جانب الزوج، وههنا في المبايعة سواء رجحنا أحد الجانبين بالاستدعاء كما في الحرة إذا قتلت نفسها أو قتلت وليها قبل الدخول أنه لا يسقط شئ من المهر.
واختلف أصحابنا فيهما فذهب أبو العباس بن سريج وبعض أصحابنا إلى أن فيهما قولين
(أحدهما)
يسقط مهرها، لان النكاح انفسخ بسبب من جهتها،
فهو كما لو ارتدت
(والثانى)
لا يسقط وهو الاصح لانها فرقة حصلت بانقضاء أجلها فهو كما لو ماتت، وذهب أبو إسحاق المروزى وبعض أصحابنا إلى أنها على قولين على ظاهرهما، ففى الامة يسقط، وفى الحرة لا يسقط، لان الحرة مسلمة لنفسها في العقد، ولهذا لا يجوز لها السفر بغير إذن الزوج، والامة غير مسلمة لنفسها ولهذا يجوز السفر بها بغير إذن زوجها، لان الزوج للحرة يغنم ميراثها فجاز أن يغرم مهرها، وزوج الامة لا يغنم ميراثها فلم يغرم مهرها، فإذا قلنا: يسقط

(16/352)


المهر بذلك فان الحرة لا يسقط مهرها إلا إذا قتلت نفسها قبل الدخول، وإن قتلها وليها أو زوجها أو أجنبي لم يسقط مهرها.
وأما الامة فان قتلت نفسها قبل الدخول سقط مهرها، وإن قتلها سيدها سقط مهرها لان المهر له، وإن قتلها زوجها أو أجنبي قبل الدخول لم يسقط المهر، خلافا لابي سعيد الاصطخرى الذى قال: إذا قتلها أجنبي قبل الدخول يسقط مهرها لانها كالسلعة المبيعة إذا أتلفها أجنبي قبل القبض انفسخ البيع وسقط الثمن، والمذهب الاول، لانها انما تكون كالسلعة إذا بيعت أما في النكاح فهى كالحرة كما قررنا في غير موضع.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ومتى ثبت الرجوع في النصف لم يخل اما أن يكون الصداق تالفا أو باقيا، فان كان تالفا فان كان مما له مثل رجع بنصف مثله، وان لم يكن له مثل رجع بقيمة نصفه أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، لانه ان كانت قيمته يوم العقد أقل ثم زادت، كانت الزيادة في ملكها فلم يرجع بنصفها وان كانت قيمته يوم العقد أكثر ثم نقص، كان النقصان مضمونا عليه، فلم يرجع بما هو مضمون عليه، وان كان باقيا لم يخل اما أن يكون باقيا على حالته
أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وجه ناقصا من وجه فان كان على حالته رجع في نصفه، ومتى يملك؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه لا يملك الا باختيار التملك، لان الانسان لا يملك شيئا بغير اختياره الا الميراث، فعلى هذا ان حدثت منه زيادة قبل الاختيار كانت لها.

(والثانى)
وهو المنصوص أنه يملك بنفس الفرقة لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فعلق استحقاق النصف بالطلاق، فعلى هذا أن حدثت منه زيادة كانت بينهما، وان طلقها والصداق زائد نظرت فان كانت زيادة متميزة كالثمرة والنتاج واللبن رجع بنصف الاصل، وكانت الزيادة لها لانها زيادة متميزة حدثت في ملكها،

(16/353)


فلم تتبع الاصل في الرد، كما قلنا في الرد بالعيب في البيع، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم الصنعة فالمرأة بالخيار بين أن تدفع النصف بزيادته وبين أن تدفع قيمة النصف، فإن دفعت النصف أجبر الزوج على أخذه لانه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز، وان دفعت قيمة النصف أجبر على أخدها لان حقه في نصف المفروض والزائد غير المفروض فوجب أخذ البدل، وان كانت المرأة مفلسه فَفِيهِ وَجْهَانِ.

(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه يجوز للزوج أن يرجع بنصف العين مع الزيادة، لانه لا يصل إلى حقه من البدل، فرجع بالعين مع الزيادة كما يرجع البائع في المبيع مع الزيادة عند افلاس المشترى.

(والثانى)
وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يرجع لانه ليس من جهة المرأة تفريط فلا يؤخذ منها ما زاد في ملكها بغير رضاها، ويخالف إذا أفلس المشترى
فإن المشترى فرط في حبس الثمن إلى أن أفلس فرجع البائع في العين مع الزيادة.
فإن كان الصداق نخلا وعليها طلع غير مؤبر فبذلت المرأة نصفها مع الطلع، ففيه وجهان:
(أحدهما)
لا يجبر الزوج على أخذها لانها هبة فلا يجبر على قبولها.

(والثانى)
يجبر وهو المنصوص لانه نماء غير متميز فأجبر على أخذها كالسمن وإن بذلت نصف النخل دون الثمرة لم يجبر الزوج على أخذها.
وقال المزني: يلزمه ان يرجع فيه وعليه ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ كما يلزم المشترى ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ، وهذا خطأ، لانه قد صار حقه في القيمة فلا يجبر على أخذ العين، ولان عليه ضررا في ترك الثمرة على نخله فلم يجبر، ويخالف المشترى فإنه دخل في العقد عن تراض فأقرا على ما تراضيا عليه، فان طلب الزوج الرجوع بنصف النخل وترك الثمرة إلى أوان الجذاذ ففيه وجهان.

(أحدهما)
لا تجبر المرأة لانه صار حقه في القيمه.

(والثانى)
تجبر عليه لان الضرر زال عنها ورضى الزوج بما يدخل عليه من الضرر.
وان طلقها والصداق ناقص بأن كان عبدا فعمى أو مرض، فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصفه ناقصا وبين أن يأخذ قيمة النصف، فان رجع في

(16/354)


النصف أجبرت المرأة على دفعه لانه رضى بأخذ حقه ناقصا، وإن طلب القيمة أجبرت على الدفع، لان الناقص دون حقه.
وإن طلقها والصداق زائد من وجه ناقص من وجه بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض، فان تراضيا على أخذ نصفه جاز لان الحق لهما، وإن امتنع الزوج من أخذه لم يجبر عليه لنقصانه، وإن امتنعت المرأة من دفعه لم تجبر عليه لزيادته، وان كان الصداق جارية فحبلت فهى كالعبد إذا تعلم صنعة ومرض، لان الحمل زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر
لانه يخاف منه عليها فكان حكمه حكم العبد.
وان كان بهيمة فحملت ففيه وجهان
(أحدهما)
أن المرأة بالخيار بين أن تسلم النصف مع الحمل، وبين أن تدفع القيمة لانه زيادة من غير نقص، لان الحمل لا يخاف منه على البهيمة
(والثانى)
وهو ظاهر النص أنه كالجارية لانه زيادة من وجه ونقصان من وجه، فانه ينقص به اللحم فيما يؤكل، ويمنع من الحمل عليه فيما يحمل فكان كالجاريه.
وان باعته ثم رجع إليها ثم طلقها الزوج رجع بنصفه لانه يمكن الرجوع إلى عين ماله فلم يرجع إلى القيمة، وان وصت به أو وهبته ولم يقبض ثم طلقها رجع بنصفه، لانه باق على ملكها وتصرفها.
وان كاتبته أو وهبته وأقبضته ثم طلقها رجع بقيمة النصف، لانه تعلق به حق لازم لغيرها، فان كان عبدا فدبرته ثم طلقها فقد روى المزني أنه يرجع، فمن أصحابنا من قال يرجع لانه باق على ملكها ومنهم من قال لا يرجع لانه لا يملك نقض تصرفها، ومنهم من قال فيه قولان، ان قلنا ان التدبير وصية فله الرجوع، وان قلنا انه عتق بصفة رجع بنصف قيمته (الشرح) الاحكام: إذا طلق الرجل امرأة قبل الدخول وقد قبضت الصداق فقد ذكرنا أن الزوج يرجع عليها بنصفه، فان كان قد تلف بيدها فان كان له مثل رجع عليها بنصف مثله لانه أقرب، وان كان لا مثل له رجع عليها بنصف قيمته، لان ما لا مثل له يضمن بالقيمة، فان اختلفت قيمته من حين العقد إلى حين قبضه رجع بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان قيمته ان كانت حين العقد أقل ثم ازدادت، فان الزيادة حدثت في ملكها

(16/355)


فلا يلزمها ضمانها، وإن كانت قيمته وقت العقد أكثر ثم نقصت فالنقص مضمون على الزوج لها فلا تضمنه الزوجة له، وإن كان الصداق باقيا في يدها فلا يخلو من
أربعة أحوال: إما أن يكون باقيا على حاله من حين القبض إلى حين الطلاق، أو يكون ناقصا من جميع الوجوه عن حالته التى قبضته عليها أو يكون زائدا على حالته التى قبضته عليها من جميع الوجوه، أو يكون زائدا من وجه ناقصا من وجه فإن كان باقيا على حالته رجع بنصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت جارية سمينة فهزلت أو مرضت أو ما أشبه ذلك فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت بهيمة سمينة فهزلت أو مرضت فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإذا كان ناقصا فليس هو المفروض.
وان كان الصداق زائدا من جميع الوجوه فلا تخلو الزيادة إما أن تكون متميزة أو غير متميزة، فإن كانت متميزة بأن أصدقها بهيمة حائلا فحملت وولدت ثم طلقها.
أو شجره لا ثمرة عليها فأثمرت وجدت، ثم طلقها رجع عليها بنصف الصداق دون النماء لانه نماء حدث في ملكها وتميز فلم يكن له فيه حق كما قلنا في المشترى إذا حدث في ملكه نماء مميز ثم وجد بالمبيع عيبا فرده.
وإن كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم القرآن والعلم والصنعة، فان اختارت الزوجة تسليم نصفه أجبر الزوج على أخذه لانه يرجع أكمل ما دفع إليها وان لم يختر تسليم نصفه لم يجبر عليه، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله.
وقال محمد بن الحسن: يجبر على تسليم نصفه مع زيادته المتصلة.
دليلنا أن هذه زيادة حدثت في ملكها فلم يلزمها تسليمها كما لو كانت الزيادة
متميزة، ويلزمها نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، فان كان على الزوجة ديون فأفلست وحجر عليها فهل للزوج أن يرجع في نصف

(16/356)


الصداق مع زيادته المتصلة به؟ فيه وجهان.
قال أبو إسحاق يرجع بنصف الصداق مع زيادته المتصلة به لانا إنما لا نوجب الرجوع إلى نصف الصداق مع زيادته إذا كانت غير مفلسة لان ذمتها عامرة فيتوصل الزوج إلى استيفاء حقه من القيمة، وإذا كانت مفلسة فذمتها خربة فلا يمكنه الوصول إلى استيفاء حقه بالقيمة فليس له الرجوع إلى نصفه.
وقال أكثر أصحابنا: لا يرجع الزوج إلى نصف الصداق مع زيادته المتصلة، لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) والزائد غير مفروض.
ولم يفرق بين المفلسة وغير المفلسة.
وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه، بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض فإن اتفقا على أن يأخذ الزوج نصفه جاز لان الحق لهما وإن طلب الزوج نصفه فامتنعت الزوجة من ذلك لم يجبر على ذلك لزيادته، وان بذلت المرأة نصفه وامتنع الزوج من أخذه لم يجبر على ذلك لنقصانه ويرجع إلى نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، وان طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فان كان الصداق بحاله لم يزد ولم ينقص كان لها النصف، وان كان ناقصا من جميع الوجوه بأن مرض في يده أو عمى، فالزوجة بالخيار بين أن تأخذ نصفه ناقصا ولا شئ لها كالمبيع إذا نقص في يد البائع.
وبين أن يفسخ الصداق لاجل نقصه، فإذا فسخت الصداق لم ينفسخ النكاح وإلام يرجع، فيه قولان كما لو تلف قبل القبض.
قوله الجديد يرجع إلى نصف مهر المثل.
وقوله القديم يرجع إلى بدل نصف الصداق.
وإن كان الصداق زائدا نظرت فان كانت زيادة متميزة كالولد واللبن
والثمرة كان لها نصف أصل الصداق وجميع الزيادة.
وحكى المسعودي أن أبا حنيفة رحمه الله قال للزوج نصف الزيادة المنفصلة الحادثة في يده.
دليلنا أنها زيادة حدثت في ملكها فلم يكن للزوج فيها حق كما لو حدثت في يدها، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن والصبغة فالمرأة بالخيار بين أن تأخذ نصف الصداق وتدفع إلى الزوج نصفه مع زيادته فيجبر على قبوله، وبين أن تأخذ جميع الصداق وتدفع للزوج نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض،

(16/357)


وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه بأن كانت جارية تعلمت صنعة ونسيت أخرى فهى بالخيار بين أن تأخذ نصفه وتسلم إلى الزوج نصفه، فيجبر الزوج على ذلك، لان النقص في يده مضمون عليه، وبين أن تفسخ الصداق لاجل النقص، فإذا فسخت رجعت عليه في قوله الجديد بنصف مهر المثل وفى قوله القديم بنصف بدل الصداق.
(فرع)
كل موضع قلنا يرجع إلى الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول، فمتى يملك الزوج ذلك النصف، فيه وجهان: قال أبو إسحاق لا يملكه إلا بالطلاق واختيار التملك، وهو قول أبى حنيفة رحمه الله لان الملك من غير اختيار لا يقع إلا بالارث، وهذا ليس بإرث.

(والثانى)
وبه قال زفر، وهو المنصوص أنه يملك بنفس الطلاق، وإن لم يختر التملك لقوله (وإن طلقتموهن) ولم يفرق بين أن يختار التملك أو لا يختار وما ذكره الاول أن الانسان لا يملك شيئا غير الميراث إلا باختيار التملك غير مسلم، فان الانسان لو أخذ صيدا لينظر إليه لا ليتملكه لملكه بالاخذ من غير اختيار التملك، وان زاد الصداق بعد الطلاق وقبل اختيار التملك، فان قلنا بقول أبى إسحاق كانت الزيادة للزوجة وحدها، وان قلنا بالمنصوص كانت الزيادة
بينهما، وان نقص في يدها بعد الطلاق وقبل الاختيار، فان قلنا بقول أبى إسحق لم يلزمها ضمان النقص.
وان قلنا بالمنصوص لزمها ضمان النقص.
إذا ثبت هذا فان الشافعي رضى الله عنه قال وهذا كله ما لم يقض القاضى بنصفه فتكون هي حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، فقال الصيمري هل يشترط قضاء القاضى في تملك الزوج نصف الصداق.
فيه وجهان ظاهر كلام الشافعي أن ذلك شرط.
والثانى وهو الاصح أن ذلك ليس بشرط، وسائر أصحابنا قالوا لا خلاف في أن قضاء القاضى ليس بشرط لان الرجوع بنصف الصداق ثبت له بنص الكتاب والاجماع، فلم يشترط قضاء القاضى فيه، فعلى هذا اختلف أصحابنا في تأويل كلام الشافعي، فمنهم من قال أراد إذا اختلفا في وقت ملك الزوج بأن قال الزوج ملكته من شهرين ثم نقص بعد ما ملكته فعليك ضمان النقص.
وقالت بل ملكته من شهر ونقص قبل أن أملكه فلا يلزمنى ضمان النقص فانهما

(16/358)


يرافعان إلى القاضى، فإذا قضى له القاضى بملكه من وقت.
كانت ضامنة لما حدث بعد من النقص،.
وقال أبو إسحق وأكثر أصحابنا عطف الشافعي رحمه الله بهذا الكلام عليه إذا طلقها قبل الدخول وقبل النقص في يدها في جميع الوجوه فان الزوج بالخيار بين أن يرجع في نصفه ناقصا ولا أرش له وبين أن يرجع بقيمة نصفه، ومتى يملك نصفه، على قول أبى اسحق يملكه بالطلاق واختيار التملك، وعلى المنصوص يملكه بالطلاق ولا يفتقر إلى قضاء القاضى.
وانما عبر الشافعي رحمه الله عن وقت الملك بقضاء القاضى لانه أوضح ما يعلم به عود نصف الصداق فمتى علم وقت عوده إليه ثم نقص بعد ذلك وجب عليها ضمان النقص لانها قبضت الصداق بعقد المعاوضة، وقد انفسخت المعاوضة فكان عليها ضمان ما نقص في يدها، كما لو اشترى سلعة فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فانه يجب
عليه ضمان النقص.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فمنعته إياه كان عليها ضمان ما يحدث فيه من النقص، فمن أصحابنا من قال بظاهر هذا وأنها إذا لم تمنعه لا يلزمها ضمان ما نقص، بل هو أمانة في يدها، لانه حصل في يدها من غير تفريط ومنهم من قال يجب عليها ضمان ما نقص في يدها، سواء منعته أو لم تمنعه وهو الاصح كما قلنا فيمن اشترى عينا فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فان عليه ضمان النقص بكل حال وتأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه في الام على أنه أراد ضمان الغصب، لان ضمان الغصب يطرأ على ما هو مضمون بالقيمة كالعارية إذا منعها صاحبها.
وقال أبو العباس بل عطف الشافعي رحمه الله بهذا إذا زاد الصداق في يد الزوجة من جميع الوجوه، فقد قلنا ان الزيادة كلها لها، فقال الشافعي رحمه الله ما لم يقض القاضى بنصفه، يعنى ما لم يقض له قاضى مالكى بنصفه مع زيادته، لان مالكا رحمه الله يقول نصف الصداق باق على ملك الزوج إلى أن يدخل بها، فإذا قضى له مالكى بنصفه مع زيادته كان بينها، ولا ينقص حكمه لانه موضع اجتهاد.

(16/359)


قال الشيخ أبو حامد: وهذا تأويل حسن الا أن الشافعي رحمه الله قال بعده فتكون حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، ولا يمكن حمله على مذهب مالك رحمه الله لانه يقول: هو أمانة في يدها لا يلزمها ضمان النصف ولا زيادته.
(مسألة) إذا أصدقها نخلا لا ثمرة فيه فأثمرت في يدها ثم طلقها قبل الدخول ففيها ست مسائل: 1 إذا أراد الزوج أن يرجع في نصف النخل بنصف ثمرتها فامتنعت
الزوجة من ذلك فإنها لا تجبر على ذلك لان الثمرة ان كانت غير مؤبرة فهى زيادة متصلة بالنخل، وان كانت مؤبرة فهى كالزيادة المنفصلة، وقد تبينا أن الجميع لها.
2 إذا بذلت نصف النخل مع نصف الثمرة فهل يجبر على قبوله؟ فيه وجهان أحدهما، لا يجبر على قبوله، لان هذه الزيادة ملك لها فلا يجبر على قبولها كما لو وهبت له شيئا فإنه لا يجبر على قبوله.
والثانى وهو المذهب أنه يجبر لانها زيادة متصلة بالصداق فأجبر الزوج على قبولها.
قال الشيخ أبو حامد: الوجهان انما هما في الثمرة المؤبرة، فأما غير المؤبرة فيجبر الزوج على قبولها وجها واحدا، وذكر المصنف أن الوجهين في غير المؤبرة، ولم يذكر المؤبرة، فإذا قلنا: يجبر على القبول فانه يجبر الا أن يطول النخل وتكون قحاما وهو الذى قل سعفه ودق أصله فلا يجبر الزوج على قبولها لما فيها من النقص بذلك.
3 إذا قال لها الزوج: اقطعي الثمرة لارجع في نصف النخل بلا ثمرة فلا تجبر المرأة على ذلك، لان في قطع الثمرة قبل أوان قطعها اضرارا بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم.
ليس لعرق ظالم حق.
وهذه ليست بظالمة.
4 أن تقول المرأة للزوج اصبر عن الرجوع حتى تدرك الثمرة فتجد ثم ترجع في نصف النخل فلا يجبر الزوج على ذلك، لان حقه متعجل، وقد تعجل بالقيمة فلا يجبر على التأخير، ولانه لا يأمن أن يتلف النخل فلا يمكنه الرجوع فيها، فان صبر باختياره إلى أن جدت الثمرة أو قطعت المرأة الثمرة قبل أوان جدادها لم يكن للزوج الا نصف النخل الا أن يحدث بها نقص فلا يجبر على نصفها.

(16/360)


5 أن يقول الزوج: أنا أصبر إلى أن تدرك الثمرة فتجد ثم أرجع في نصف
النخل، فإن المرأة لا تجبر على ذلك بعد أن رجع إليه نصفها فيكون في ضمانها فيلزمها الضرر بدخوله في ضمانها، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها ونصف زيادتها المتصلة، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها وفى نصف زيادتها المتصلة الحادثة في يدها، ولان حقه قد تعلق بالقيمة فلا ينتقل إلى النخل إلا برضا المرأة.
6 إذا قال الزوج: أنا أرجع في نصف النخل في الحال مشاعا وأترك الثمرة لها إلى أن تجد ففيه وجهان.
قال أبو إسحاق: له ذلك وتجبر المرأة على ذلك لانه لا ضرر على المرأة بذلك، ومن أصحابنا من قال: لا تجبر المرأة على ذلك لان حقه قد صار بالقيمة فلا يجبر على تسليم نصف النخل.
(فرع)
إذا أصدقها أرضا فحرثتها ثم طلقها قبل الدخول، فإن بذلت له نصفها أجبر على قبولها، لان الحرث زيادة من نقصان، وان امتنعت من بذلها نصفها لم تجبر على ذلك وكان له نصف قيمتها لانها قد زادت في يدها وإن زرعت أو غرستها وطلقها قبل الدخول والزرع والغرس فيها، فإن بذلت له نصف الارض ونصف الزرع ونصف الغرس، وكانت قيمة الارض قبل الزرع والغرس كقيمتها بعد الزرع والغرس.
قال الشيخ أبو حامد: أجبر على قبول ذلك على المذهب كما قلنا في النخل والثمرة وفى الارض المحروثة.
وقال ابن الصباغ: لا يجبر لان الثمرة لا ينقص بها النخل، والزرع تنقص به الارض وتضعف، ولان الثمرة متولدة من النخل فهى تابعة لها والزرع والغرس ملك لها أودعته في الارض فلا يجبر على قبوله، وإن نقصت قيمة الارض بالزرع والغرس لم يجبر على قبول نصفها، فان طلقها وقد استحصد الزرع ولم يحصده بعد فقالت: أنا أحصده وأسلم نصف الارض فارغة أجبر على قبول ذلك
إلا أن يحدث بالارض نقص، وإن حصدت الزرع ثم طلقها أو طلقها ثم حصدت

(16/361)


الزرع كان له الرجوع في نصف الارض إلا أن تكون قد نقصت بالزرع فلا يجبر على قبولها لان المانع من الرجوع الزرع وقد زال.
(مسألة) إذا أصدقها خشبة فصنعتها أبوابا فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادة قيمتها بذلك، وإن بذلت له نصفها بزيادته لم يجبر الزوج على قبوله لانها كانت تصلح وهى خشب لما لا تصلح له الآن، وإن أصدقها فضة أو ذهبا فصاغتها آنية فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادته، فان بذلت النصف بزيادته أجبر على القبول لانه يصلح وهو مصوغ لجميع ما كان يصلح له قبل ذلك، هكذا ذكر الطبري في العدة، وعندي إذا قلنا: لا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة أن المرأة تجبر على تسليم نصفها، وإن كانت قيمتها زائدة لان صنعتها لا قيمة لها.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن كان الصداق عينا فوهبته من الزوج ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان
(أحدهما)
لا يرجع عليها، وهو اختيار المزني، لان النصف تعجل له بالهبة
(والثانى)
يرجع وهو الصحيح، لانه عاد إليه بغير الطلاق فلم يسقط حقه من النصف بالطلاق، كما لو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه، وان كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: انه لا يرجع في الهبة لم يرجع في الابراء، وان قلنا يرجع في الهبة ففى الابراء وجهان.

(أحدهما)
يرجع كما يرجع في الهبة.

(والثانى)
لا يرجع لان الابراء اسقاط لا يفتقر إلى القبول، والهبة تمليك تفتقر إلى القبول، فان أصدقها عينا فوهبتها منه ثم ارتدت قبل الدخول فهل
يرجع بالجميع؟ فيه قولان، لان الرجوع بالجميع في الردة كالرجوع بالنصف في الطلاق، وان اشترى سلعة بثمن وسلم الثمن ووهب البائع الثمن منه ثم وجد بالسلعة عيبا ففى ردها والرجوع بالثمن وجهان، بناء على القولين، فان وجد به عيبا وحدث به عنده عيب آخر فهل يرجع بالارش؟ فيه وجهان بناء على القولين

(16/362)


وان اشترى سلعة ووهبها من البائع ثم أفلس المشترى، فللبائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن قولا واحدا لان حقه في الثمن، ولم يرجع إليه الثمن.
(الشرح) الاحكام: قال الشافعي رضى الله عنه: ولو وهبت له صداقها قبل أو بعده ثم طلقها قبل أن يمسها ففيه قولان.
وجملة ذلك أنه إذا اصدقها عينا ثم وهبتها من الزوج وأقبضته إياها ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان.
أحدهما: لا يرجع عليها بشئ لانه قد تعجل له ما كان يستحقه بالطلاق قبل محله فلا يستحقه عند محله كما لو تعجل دينه المؤجل قبل محله ثم جاء وقت محله والثانى: يرجع عليها بنصف مثله إن كان له مثل أو بنصف قيمته إن لم يكن له مثل وهو الاصح، لانه عاد إليه بعقد، فلا يمنع ذلك رجوعه ببدل نصفه كما لو اشتراه منها أو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه.
قال المحامل وابن الصباغ: وسواء قبضت الصداق أو لم تقبضه،، وان كان الصداق دينا فإن عينه الزوج في شئ وأقبضه اياها ثم وهبته منه فهى كالاولة، وان أبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: لا يرجع عليها إذا كان عينا فوهبتها منه فههنا أولى أن لا يرجع عليها، وان قلنا: يرجع عليها في العين فهل يرجع عليها في الدين؟ فيه قولان، ومنهم من يقول: هما وجهان.

(أحدهما)
يرجع عليها بنصفه لانها قد ملكت الصداق بالعقد فهو كالعين.

(والثانى)
لا يرجع عليها بشئء، وهو الصحيح، والفرق بينهما أن الصداق
إذا كان عينا فقد ضمنته بالقبض، وفى الدين لم تضمنه بالقبض فلم يرجع عليها بشئ، ألا ترى أن الصداق لو نقص في يده ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا لا يرجع عليها في العين ففى الدين قولان، والفرق بينهما أن هناك عاد إليه بعقد جديد بخلاف هذا، وان قبضت نصف الصداق ثم وهبته النصف الباقي ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا هناك: لا يرجع عليها بشئء فههنا قولان.
قال في الام: لا يرجع عليها بشئ لانه انما يرجع عليها، وقد تعجل له ذلك

(16/363)


النصف فلم يرجع عليها بشئ.
وقال في الاملاء: يرجع عليها لانها لو وهبته جميعه لم يرجع عليها بشئ فإذا وهبته نصفه كان ذلك في حقها وحقه، لان حقهما شائع في الجميع، فإذا قلنا بهذا ففى كيفية رجوعه ثلاثة أقوال.
(أحدها) يرجع عليها بالنصف الباقي لانه يستحق عليها النصف وقد وجده
(والثانى)
يرجع عليها بنصف النصف الباقي وقيمته نصف الموهوب، لان حقهما شائع في الجميع فصار الموهوب كالتالف.
(والثالث) أنه بالخيار بين أن يرجع بالنصف الباقي وبين أن يرجع بنصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب لانه تبعض عليه حقه.
(فرع)
وإن وهبته إمرأته الصداق أو أبرأته منه ثم ارتدت قبل الدخول فحكم الرجوع عليها بجميع الصداق كالحكم في رجوعه عليها بالنصف عند الطلاق لانه يستحق عليها الرجوع بالجميع عند ردتها كما يستحق عليها الرجوع بالنصف عند الطلاق.
قال المصنف رحمه الله:

(فصل)
إذا طلقت المرأة قبل الدخول ووجب لها نصف المهر جاز للذى بيده عقدة النكاح أن يعفو عن النصف، لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وفيمن بيده عقدة النكاح قولان.
قال في القديم: هو الولى فيعفو عن النصف الذى لها، لان الله تعالى خاطب الازواج فقال سبحانه وتعالى (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) ولو كان هو الزوج لقال الا أن يعفون أو تعفوا لانه تقدم ذكر الازواج وخاطبهم بخطاب الحاضر، فلما عدل عن خطابهم دل على أن الذى بيده عقدة النكاح غير الزوج، فوجب أن يكون هو الولى، وقال في الجديد: هو الزوج فيعفو عن النصف الذى وجب له بالطلاق، فأما الولى فلا يملك العفو لانه حق لها فلا يملك الولى العفو عنه كسائر ديونها،

(16/364)


وأما الآية فتحتمل أن يكون المراد به الازواج، فخاطبهم بخطاب الحاضر، ثم خاطبهم بخطاب الغائب، كما قال الله عز وجل (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) فإذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح العفو منه إلا بخمسة شروط (أحدها) أن يكون أبا أو جدا لانهما لا يتهمان فيما يريان من حظ الولد ومن سواهما منهم
(والثانى)
أن تكون المنكوحة بكرا، فأما الثيب فلا يجوز العفو عن مالها لانه لا يملك الولى تزويجها (والثالث) أن يكون العفو بعد الطلاق وأما قبله فلا يجوز لانه لا حظ لها في العفو قبل الطلاق، لان البضع معرض للتلف، فإذا عفا ربما دخل بها فتلفت منفعة بضعها من غير بدل (والرابع) أن يكون قبل الدخول، فأما بعد الدخول فقد أتلف بضعها فلم يجز إسقاط بدله (والخامس) أن تكون صغيرة أو مجنونة، فأما البالغة الرشيدة فلا يملك العفو
عن مهرها لانه لا ولاية عليها في المال.
(الشرح) اللغات.
قوله (وقد فرضتم لهن فريضة) جملة حالية من فاعل طلقتموهن أو من مفعوله، ونفس الفرض من المبنى للفاعل أو للمفعول وان لم يفارق حالة التطليق لكن اتصاف المطلق بالفارضية فيما سبق مما لا ريب في مقارنته لها، وكذا الحال في اتصاف المطلقة بكونها مفروضا فيما سبق.
قوله (إلا أن يعفون) استثناء مفرغ من أعم الاحوال، أي فلهن نصف المفروض معينا في كل حال إلا حال عفوهن، أي المطلقات المذكورات فإنه يسقط ذلك حينئذ بعد وجوبه، والصيغة تحتمل التذكير والتأنيث والفرق بالاعتبار، فإن الواو في التذكير ضمير والنون علامة الرفع، وفى التأنيث الواو لام الفعل والنون ضمير النسوة والفعل مبنى، ولذلك لم تؤثر فيه (أن) هنا مع أنها ناصبة لا مخففة بدليل عطف المنصوب عليه من قوله تعالى (أو يعفو الذى.
إلخ) أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو خالعته على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه.
وجملة ذلك أنه إذا خالعها على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه.
وجملة ذلك أنه إذا خالعها على نصف مهر قبل الدخول نظرت

(16/365)


فان كان الصداق عينا فخالعها على نصفها فان قلنا ان الزوج يملك نصف الصداق بالطلاق لم يصح الخلع على نصف ما سماه في الخلع، لان الخلع بمنزلة الطلاق الذى يوقعه ابتداء فلم يصح خلعها على النصف الذى يملك الزوج، وهل يصح في نصف ما سماه في الخلع.
فيه قولان بقاء على القولين في تفريق الصفقة، وما فسد من المسمى في الخلع فهل يرجع الزوج عليها ببدله أو بمهر المثل، فيه قولان كما قلنا فيه إذا تلف الصداق قبل القبض.
وإن قلنا إن الزوج لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على النصف المسمى في الخلع ورجع عليها بالنصف.
وهل يرجع عليها بجميع النصف الباقي في يدها أو بنصفه أو بنصف قيمته.
على الاقوال الثلاثة التى مضت قبلها، وإن كان الصداق ألفا في الذمة فخالعها على خمسمائة منه قبل الدخول.
قال ابن الصباغ فان قلنا انه يملك نصف الصداق بالطلاق فسدت التسميه في الخلع في نصف الخمسمائة، ولا ينصرف ذلك إلى نصيبها من الالف بعد الطلاق لان وقت التسميه هي مالكة لجميعه، فكان ما سميته من الجملة، وهل تفسد التسميه في نصف الباقي؟ على القولين.
وهل يرجع عليها ببدلها أو بمهر مثلها.
على القولين.
وان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على ما سمى فيه، ويسقط الباقي من ذمته باختيار التملك.
إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضى الله عنه وما بقى فعليه نصفه، وظاهر هذا أن الخلع يصح بخمسمائة ويسقط عن ذمته من الخمسمائة الباقيه ما ئتان وخمسون واختلف أصحابنا في تأويل هذا، فقال أبو على بن خيران أراد الشافعي رحمه الله إذا تخالعا على خمسمائه من الالف وهما يعلمان أن الخلع لا يصح الا على مائتين وخمسين منها لان نصفها يسقط عنه بالطلاق قبل الدخول، فإذا علما بذلك فقد رضيا أن يكون عوض الخلع مائتين وخمسين لا غير، فإذا بقى على الزوج خمسمائه سقط عنه نصفها بالطلاق قبل الدخول.
ومن أصحابنا من قال من قال أراد الشافعي رحمه الله إذا قالت اخلعني بما يخصنى من خمسمائه فصرحا بذلك.
وقال أبو إسحاق تأويلها أن العقد وقع على جميع الخمسمائه لانها كانت ملكا

(16/366)


للزوجة، وأما ما يعود نصفها إلى الزوج بعد الطلاق فإذا تم الخلع رجع
إلى الزوج نصفها فيكون هذا النصف كالتالف قبل القبض فيرجع الزوج إلى بدل هذا النصف في القول القديم وبدل الدراهم دراهم فيستحق عليها في ذمتها بدل المائتين والخمسين التى كانت تستحقها بالطلاق، وبقى عليه خمسمائة فيسقط عنه نصفها بالطلاق، ويبقى لها عليه مائتان وخمسون فيتقاصان، فيكون معنى قوله فما بقى عليه نصفه، يعنى الخمسمائة التى لم يقع بها الخلع فذكر ما بقى لها عليه، ولم يذكر ماله عليها، ولا ذكر المقاصة أيضا.
قال الشيخ أبو حامد: وهذه طريقة صالحة.
وقال القاضى أبو الطيب: إن الذى قاله الشافعي رحمه الله إنما قاله على أن الزوج لا يملك بالطلاق، وإنما يملك بالطلاق والاختيار فقد صح الخلع بالخمسمائة، ويرجع عليها بنصف الباقي وبقيمة ما خالعها به.
وإنما لم يذكر قيمة ما خالعها به.
وقال الشيخ أبو حامد: لا يمكن حمل كلام الشافعي رحمه الله على هذا، لانه قال: فما بقى فعليه نصفه، ولو أراد أنه لا يملك الا بالاختيار لقال: فعليه كل ما بقى إلا أن يختار تملك نصفه قال أصحابنا: وإن أرادت الخلاص خالعته على خمسمائة في ذمتها ويسقط عنه خمسمائة من الالف ويبقى عليه لها خمسمائة فيتقاصان وتقول: اخلعني على ما يسلم لى من الالف أو على أن لا يبقى بيننا علقة ولا تبعة.
(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: قال الله تعالى (إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة) الآية.
وجملة ذلك أنه إذا طلق امرأته قبل الدخول جاز لها أن تعفو عن نصف المهر الذى وجب لها لقوله تعالى (إلا أن يعفون) ولا خلاف أن المراد به النساء وجاز للزوج أن يعفو عن النصف الذى له الرجوع فيه لقوله تعالى (وان تعفو أقرب للتقوى) ولا خلاف أن المراد به الازواج وفى الذى بيده عقدة النكاح قولان.
قال في القديم: المراد به ولى المرأة وبه قال ابن عباس والحسن البصري والزهرى وطاوس وربيعة ومالك وأحمد، فيكون تقدير الايه
على هذا (إلا أن يعفون) يعنى الزوجات عن النصف الذى وجب لهن فيكون جميع الصداق للزوج أو يعفو الولى عن نصيب الزوجه، فيكون الجميع للزوج.
وان تعفوا أقرب للتقوى، يعنى الازواج، فيكون الجميع للزوجه، لان الله تعالى

(16/367)


قال (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وهذا ورد فيما بعد الطلاق، والذى بيده عقدة النكاح عليها هو الولى دون الزوج، ولان الكناية ترجع إلى أقرب مذكور قبله، وأقرب مذكور قبل هذا هو نصف المرأة، ولان الله تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع، فإذا حمل هذا على الولى حصل لكل عفو فائدة، وإذا حمل على غير جعل أحدهما مكررا.
وقال في الجديد الذى بيده عقدة النكاح هو الزَّوْجِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بن مطعم وابن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وشريح وأهل الكوفة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، فيكون تقدير الايه (الا أن يعفون) يعنى الزوجات أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح، يعنى الزوج وأن يعفوا أقرب للتقوى، يعنى أن عفو الازواج أفضل من عفو الزوجات، لقوله تعالى (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وقال العلامه صديق خان في كتابه نيل المرام (ومعنى: أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) قيل هو الزوج.
ثم ذكر جماعة من القائلين به إلى أن قال (وفى هذا القول قوة وضعف.
اما قوته فلكون الذى بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج لانه الذى إليه رفعه بالطلاق.
وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول، وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر، لان العفو لا يطلق على الزيادة.
وقيل المراد بقوله (أو يعفو الخ) هو الولى، إلى أن قال وفيه أيضا قوة وضعف، أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا.
وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد
الزوج لا بيده.
ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولى أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه وقد حكى القرطبى الاجماع على أن الولى لا يملك شيئا من مالها، والمهر مالها، فالراجح ما قاله الاولون لوجهين.
الاول أن الزوج هو الذى بيده عقدة النكاح حقيقة، الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن مالك مطلق التصرف بخلاف الولى، وتسميته الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر، لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد، كان العفو معقولا، لانه تركه لها ولم يسترجع النصف منه، ولا يحتاج لهذا أن يقال انه من باب المشاكلة كما في الكشاف

(16/368)


لانه عفو حقيقي، أي ترك ما تستحق المطالبة به، إلا أن يقال إنه مشاكلة أو تغليب في توفيته المهر قبل أن يسوقه الزوج، فإذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح إلا بالشروط الخمسة التى ساقها المصنف.
(فرع)
فإذا كان الصداق دينا في ذمة الزوج وطلقها قبل الدخول، وأرادت المرأة العفو عن النصف الذى لها صح عفوها بأحد ستة ألفاظ بأن تقول أبرأتك عن كذا أو وهبته لك أو ملكتك أو تركت لك أو أسقطت عنك أو عفوت عن مالى في ذمتك، وهل يفتقر إلى قبول الزوج؟ فيه وجهان مضى ذكرهما.
المنصوص أنه لا يفتقر، فإن أراد الزوج أن يعفو عن النصف الذى رجع إليه بالطلاق، فإن قلنا انه لا يملك ذلك إلا بالطلاق واختيار التملك ولم يختر بعد، فله أن يسقط حقه، وان قلنا انه يملك النصف بالطلاق لم يصح عفوها عنه لانه قد هلك على ملكها، وفى يدها.
وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق والاختيار صح عفوه قبل الاختيار بكل لفظ يتضمن إسقاط حقه كالعفو والاسقاط والترك كما قلنا فيمن له شفعة فأسقطها.
ولا يفتقر إلى قبولها وجها واحدا.
وان قلنا بالمنصوص وأنه يملك نصفه بالطلاق صح عفوه عنها بأحد الالفاظ الستة: الهبة والعفو والابراء والتمليك والاسقاط والترك، وهل يفتقر إلى قبولها على الوجهين.
وان كان الصداق عينا في يد الزوج وأرادت أن تعفو عن النصف الذى لها صح بلفظ الهبة أو التمليك ولا بد من قبول الزوج، ولا بد من مضى مدة القبض وهل يفتقر إلى اذنها بالقبض، فيه طريقان مضيا في الرهن، ولا يصح عفوها بلفظ الابراء والاسقاط لان ذلك انما صح عما في الذمم، وهل يصح بلفظ العفو فيه وجهان حكاهما في التعليق، الصحيح لا يصح، وان أراد الزوج ان يعفو عن النصف الذى له، فان قلنا بقول أبى اسحاق انه لا يملك الا بالطلاق والاختيار.
ولم يختر بعد صح عفوه بكل لفظ يتضمن اسقاط الخيار، وان قلنا بالمذهب أنه يملك بنفس الطلاق احتاج إلى ثلاث شرائط: الهبة من الايجاب والقبول، والاذن بالقبض، والقبض

(16/369)


وإن كان الصداق عينا في يد الزوجة فأرادت أن تعفو عن نصفها افنقر إلى شروط الهبة، وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فإن قلنا: إنه يملك بنفس الطلاق فهو يهبها شيئا في يدها فلا بد فيه من الايجاب والقبول، ومضى مدة القبض.
(فرع)
إذا تزوج إمرأة بمهر حرام أو مجهول وجب لها مهر مثلها، فإن أبرأته عنه وكانت تعلم قدره صحت البراءة.
وإن كانت لا تعلم قدره وأبرأته عنه لم تصح البراءة.
وقال أبو حنيفة تصح، دليلنا أنه إزالة ملك بلفظ لا يسرى فلم يصح مع الجهل به كالبيع، وفيه احتراز من العتق، وإذا ثبت أن الابراء في الكل لا يصح فهل يصح في قدر ما يتحققه؟
قال الشيخ أبو حامد: المعروف أنه لا يصح، وقال أبو إسحاق: يصح، لانا إنما منعنا صحة البراءة في كله لاجل الغرر، وهذا لا يوجد فيما يتحقق أنه لها، وان كانت تعلم أن المهر يزيد على مائة ولا يبلغ ألفا فقالت: أبرأتك من مائة إلى ألف صح، لان الغرر قد زال والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان فوضت بضعها بأن تزوجت وسكت عن المهر أو تزوجت على أن لا مهر لها ففيه قولان
(أحدهما)
لا يجب لها المهر بالعقد وهو الصحيح لانه لو وجب لها المهر بالعقد لتنصف بالطلاق
(والثانى)
يجب لانه لو لم يجب لما استقر بالدخول ولها أن تطالب بالفرض لان اخلاء العقد عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان قلنا يجب بالعقد فرض لها مهر المثل لان البضع كالمستهلك فضمن بقيمته كالسلعة المستهلكة في يد المشترى ببيع فاسد، وان قلنا لا يجب لها المهر بالعقد فرض لها ما يتفقان عليه لانه ابتداء ايجاب فكان اليهما كالفرض في العقد ومتى فرض لها مهر المثل أو ما يتفقان عليه صار ذلك كالمسمى في الاستقرار بالدخول والموت والتنصف بالطلاق لانه مهر مفروض فصار كالمفروض في العقد، وان لم يفرض لها حتى طلقها لم يجب لها شئ من المهر لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فدل على أنه إذا لم يفرض لم يجب النصف وان لم

(16/370)


يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان ماتا أو أحدهما قبل الفرض ففيه قولان.
أحدهما: لا يجب لها المهر لانها مفوضة فارقت زوجها قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها المهر كما لو طلقت.

(والثانى)
يجب لها المهر لما روى علقمة قال أتى عبد الله في رجل تزوج إمرأة فمات عنها ولم يكن فرض لها شيئا ولم يدخل بها فقال أقول فيها برأيى لها صداق نسائها وعليها العدة ولها الميراث فقال معقل بن سنان الاشجعى قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تزويج بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بذلك ولان الموت معنى يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالوطئ، وان تزوجت على أن لا مهر لها في الحال ولا في الثاني ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن النكاح باطل لان النكاح من غير مهر لم يكن إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصير كما لو نكح نكاحا ليس له.

(والثانى)
يصح لانه يلغى قولها لا مهر لى في الثاني لانه شرط باطل في الصداق فسقط وبقى العقد فعلى هذا يكون حكمه حكم القسم قبله.
(الشرح) اللغات: قال في البيان: التفويض في اللغة أن يكل الرجل أمره إلى غيره.
وقال ابن بطال: المفوضة المرأة تنكح بغير صداق من قولهم فوضت الامر إلى فلان أي رددته، إلى أن قال: والتفويض أن تفوض المرأة أمرها إلى الزوج فلا تقدر معه مهرا، وقيل: التفويض الاهمال.
كأنها أهملت أمر المهر فلم قسمه ويقال المرأة مفوضة بالكسر لتفويضها لانها أذنت وبالفتح لان وليها فوضها بعقده.
وأما التفويض في الشرع فهو تفويض البضع في النكاح، يقال: امرأة مفوضة بكسر الواو إذا أضفت التفويض إليها، ومفوضه بفتح الواو إذا أسند التفويض إلى غيرها، والتفويض على ضربين، تفويض مهر وتفويض بضع، فأما تفويض المهر فمثل أن يقول تزوجتك على أي مهر شئت أو شئت أو شئنا فالنكاح صحيح، ويجب لها مهر مثلها في العقد، وأما تفويض البضع فبأن يقول

(16/371)


زوجتكها وتسكت عن المهر أو زوجتكها بلا مهر في الحال وكان ذلك بإذن المرأة لوليها وهى من أهل الاذن، فإن النكاح ينعقد، وأما المهر فقد قال الشيخ أبو حامد لا يجب لها مهر في العقد قولا واحدا، ولكنها قد ملكت بالعقد أن تملك مهرا لان لها المطالبة بفرضه، فهى كالشفيع ملك أن يملك الشقص أو أي مهر ملكت تملكه فيه قولان.

(أحدهما)
مهر المثل والمفروض بدل عنه.

(والثانى)
ما يتفقان عليه.
وقال أبو حنيفة يجب لها مهر المثل بالعقد، وحكى الشيخ أبو إسحاق أنه أحد قولينا لانه لو لم يجب بالعقد لما استحقت المطالبة به، ولما استقر بالدخول، ودليلنا على أنه لا يجب بالعقد أنه لو وجب لها المهر بالعقد ليتصف بالطلاق كالمسمى في العقد، فإذا قلنا: إنها ملكت أن تملك مهر المثل ويكون المفروض بدلا منه فلانه إذا عقد عليها النكاح فقد استهلك بضعها فوجب أن يكون لها بدله، وبدله هو مهر المثل، وإذا قلنا ملكت أن تملك مهرا ما، وانما يتقدر ذلك بالفرض.
قال أبو إسحاق وهو أقواهما ولان المهر الذى تملكه المرأة بعقد النكاح مهران مهر تملكه بالتسمية، ومهر تملكه بالفرض، ثم ثبت أن المهر الذى تملكه بالتسمية لا يقدر الا بالتسمية، فكذلك المهر الذى تملكه بالفرض لا يتقدر الا بالفرض، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أنهما إذا فرضا لها أكثر من مهر المثل لزم لها الجميع، ولو كانت الزيادة على مهر المثل هبة لم يلزم بالفرض، وانما يلزم بالقبض.
(فرع)
وللمفوضة أن تطالب بفرض المهر لان اخلاء العقد عن المهر خاص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر مثلها لان زيادته على ذلك ميل على الزوج، ونقصانه عنه ميلا عليها ولا يصح فرضه الا بعد
معرفته بقدر مهر مثلها لانه لا يملك الفرض الا بذلك، وان تراضى الزوجان ففرضاه بينهما فإن كانا عالمين بقدر مهر مثلها صح فرضهما، فإن فرضا مهر مثلها صح، وان فرضا أكثر منه صح ولزم، وقد سمح الزوج، وان فرضا أقل منه صح ولم يلزم الزوج أكثر منه لانها سمحت، وان كانا جاهلين بقدر مهر مثلها

(16/372)


أو أحدهما فإن قلنا: إنها ملكت بالعقد أن تملك مهر المثل لم تصح فرضهما، لان المفروض بدل عن مهر المثل، فلا بد أن يكون المبدل معلوما عندهما، وإن قلنا: ملكت بالعقد أن تملك مهرا ما صح فرضهما، وإذا فرض لها الحاكم لم يفرض لها إلا من نقد البلد، لانه بدل بضعها التالف فهو كما لو أتلف عليها عينا من مالها، وان فرضه الزوجان بينهما جاز أن يفرضا نقدا أو عرضا مما يجوز تسميته في العقد، ولا يلزم إلا ما اتفقا عليه من ذلك، وإذا فرض لها مهر صحيح كان ذلك كالمسمى في العقد يستقر بالدخول أو بالموت وينتصف بالطلاق قبل الدخول.
وقال أبو حنيفة: إذا طلقها قبل الدخول سقط المفروض ووجب لها المتعة، دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) الآية.
ولانه مهر واجب قبل الطلاق فينصف بالطلاق كالمسمى لها في العقد.
(فرع)
ويستحب أن لا يدخل بها حتى يفرض لها لئلا يشتبه بالموهوبة، فإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر عليه مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن طلقها قبل القبض والمسيس لم يجب لها المهر لقوله تعالى (نصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآية، وهذا لم يفرض شيئا، وإن مات أحدهما قبل القبض والمسيس توارثا ووجب عليها عدة الوفاة إن مات الزوج قبلها بلا خلاف، لان الزوجية ثابتة بينهما إلى الموت، وهل لها مهر المثل؟ فيه قولان.
أحدهما: يجب لها مهر مثلها، وبه قال ابن مسعود رضى الله عنه وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق إلا أن أبا حنيفة يقول: يجب لها مهر مثلها بالعقد، ووجه هذا القول ما روى عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج إمرأة ولم يسم لها مهرا فمات عنها قبل الدخول فقال عبد الله: أقول فيها برأيى، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، لها الميراث وعليها العدة ولها مهر مثلها، لا وكس ولا شطط، فقام إليه معقل بن سنان الاشجعى وقال: أشهد لقضيت

(16/373)


مثل ما قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بروع بنت واشق، ففرح عبد الله بذلك، ولان الموت سبب يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالدخول.
والثانى: لا يجب لها مهر، وبه قال على وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم وأهل المدينة والزهرى وربيعة ومالك والاوزاعي من أهل الشام ولانها فرقة وردت على المفوضة قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها مهر كالطلاق فأما خبر ابن مسعود رضى الله عنه فهو مضطرب، وروى أنه قام إليه ناس من أشجع، وروى أنه قام إليه رجل من أشجع، وروى أنه قام إليه معقل بن سنان وروى أنه قام إليه معقل بن يسار، وروى أنه قام إليه أبو سنان، ويجوز أن تكون بروع مفوضة المهر لا مفوضة البضع.
(فرع)
وإن زوج الولى وليته بإذنها وهى من أهل الاذن على أن لا مهر لها في الحال ولا فيما بعد، فهل يصح النكاح؟ فيه وجهان.
أحدهما: لا يصح النكاح لانها في معنى الموهوبة، وذلك لا يصح إلا للنبى صلى الله عليه وسلم والثانى: يصح النكاح ويبطل الشرط، لان النكاح لا يخلو من مهر، فإذا
شرط أن لا مهر لها بحال ألغى الشرط لبطلانه، ولا يبطل النكاح لانه لا يبطل لبطلان المهر، فعلى هذا تكون مفوضة البضع، وقد مضى حكمها، فإن زوج الاب أو الجد الصغيرة أو الكبيرة المجنونة أو البكر البالغة العاقلة وفوض بضعها أو أذنت المرأة لوليها في تزويجها ففوض بضعها بغير إذنها لم تكن مفوضة، بل يجب لها مهر مثلها، لان التفويض إنما يتصور باذنها إذا كانت من أهل الاذن، هذا هو المشهور من المذهب.
وقال أبو على بن أبى هريرة: إذا قلنا: ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والحد صح تفويضه لبضع الصغيرة والمجنونة، كما يصح عفوه، والاول أصح، لانه انما يصح على أحد القولين بعد الطلاق فأما مع بقاء النكاح فلا يصح.
(فرع)
قال ابن الصباغ: إذا وطئ الزوج المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها فانه يجب لها مهر المثل معتبرا بحال العقد، لان سبب وجوب ذلك انما هو بالعقد واعتبر به.

(16/374)


وقال القاضى أبو الطيب: يعتبر مهرها أكثر ماكان من حين العقد إلى حين الوطئ، لان لها أن تطالبه بفرض المهر في كل وقت من ذلك، وان نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها اعتبر مهرها حال وطئها، وان أبرأته من مهرها قبل الفرض لم تصح البراءة، لان المهر لم يجب والبراءة من الدين قبل وجوبه لا تصح، وان أسقطت حقها من المطالبة بالمهر قال ابن الصباغ: لم يصح اسقاطه عندي لان اثبات المهر ابتداء حق لها يتعلق به حق الله تعالى، لان الشرع منعها من هبة بضعها، وانما خص به النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يصح أن يطأها بغير عوض، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

(فصل)
ويعتبر مهر المثل بمهر نساء العصبات لحديث علقمة عن عبد الله وتعتبر بالاقرب فالاقرب منهن وأقربهن الاخوات وبنات الاخوة والعمات وبنات الاعمام) فان لم يكن لها نساء عصبات اعتبر بأقرب النساء إليها من الامهات والخالات لانهن أقرب إليها، فان لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها ويعتبر بمهر من هي على صفتها في الحسن والعقل والعفة واليسار، لانه قيمة متلف فاعتبر فيها الصفات التى يختلف بها العوض والمهر يختلف بهذه الصفات ويجب من نقد البلد كقيم المتلفات.
(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ومتى قلت لها مهر نسائها فانما أعنى نساء عصبتها وليس أمها من نسائها.
وجملة ذلك أن أصحابنا قالوا يجب لها مهر مثلها في سبعة مواضع (1) مفوضة المهر (2) مفوضة البضع إذا دخل بها الزوج قبل الفرض أو مات عنها في أحد القولين.
(3) إذا فوض الولى بضعها بغير اذنها (4) إذا نكحت المرأة بمهر فاسد أو مجهول (5) إذا نكحها نكاحا فاسدا ووطئها (6) إذا وطئ امرأة بشبهة (7) إذا أكره المرأة على الزنا، وكل موضع وجب للمرأة مهر

(16/375)


مثلها تعتبر بنساء عصبتها كالاخوات وبنات الاخوات والعمات وبنات الاعمام، ولا يعتبر بنساء ذوى أرحامها كأمهاتها وخالاتها، ولا بنساء بلدها.
وقال ابن أبى ليلى وأبو حنيفة: يعتبر بنساء عصباتها وبنساء ذوى أرحامها.
دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع بنت واشق أن لها مهر نساء قومها وهذا يقتضى قومها الذين تنسب إليهم، ولانه إذا لم يكن بد من اعتبارها بغيرها من النساء فاعتبارها بنساء عصباتها أولى لانها تساويهن في النسب، ويعتبر
بمن هي في مثل حالها في الجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والدين وصراحة النسب.
وإنما اعتبر الجمال لان له تأثيرا في الاستمتاع وهو المقصود بالنكاح، والعقل والادب يعتبران، لان مهر العاقلة الاديبة أكثر من مهر من لا عقل لها ولا أدب.
وكذلك مهر الشابة والبكر أكثر من مهر العجوز والثيب ومهر العفيفة أكثر من مهر الفاسقة.
قال الشافعي وصراحتها، فمن أصحابنا من قال: أراد الفصاحة في اللسان.
وقال أكثرهم أراد صراحة النسب، لان العرب أكمل من العجم فإن كانت بين عربيين لم يعتبر بمن هي بين عربي وعجمية، لان الولد بين عربي وعجمية هجين، والولد بين عربية وعجمي مقرف ومدرع، قال الشاعر في المقرف: وما هند إلا مهرة عربية
* سليلة أفراس تجللها بغل فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى
* وإن يك أقرافا فما أنجب الفحل وقال في المدرع: إن المدرع لا تغنى خؤولته
* كالبغل يعجز عن شوط المحاضير ويعتبر بالاقرب فالاقرب، فإن لم يكن في أخواتها مثلها صعد إلى بنات أخيها ثم إلى عماتها ثم إلى بنات عمها، فإن لم يكن نساء عصباتها في بلدها متفرقة، ومهور ذلك البلد تختلف اعتبرت بنساء عصباتها من أهل بلدها لانها أقرب اليهن فإن لم يكن لها عصبات أو كان لها نساء عصبة ولم يوجد فيهن مثلها اعتبرت بأقرب النساء إليها من ذوى أرحامها كأمهاتها، وخالاتها، فان لم يكن لها من يشبهها منهن اعتبرت بنساء بلدها، ثم بنساء أقرب بلد إلى بلدها.
(فرع)
فان كان من عادتهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا المهر، وإذا

(16/376)


زوجوا من الاجانب نقلوا المهر حمل الامر على ذلك فإن كان زوجها من
عشيرتها خفف المهر.
وإن كان الاجانب نقل، لان المهر يختلف بذلك.
قال ابن الصباغ: وينبغى على هذا إذا كان الزوج شريفا والعادة أن يخفف مهر الشريف لشرف الزوج أن يعتبر ذلك.
(فرع)
ويجب مهر المثل حالا من نقد البلد.
وقال الصيمري: إن جرت عادتهم في ناحية بالثياب وغير ذلك قضى لها بذلك، والمنصوص هو الاول لانه بذل متلف فأشبه سائر المتلفات.
قال أبو على الطبري: وإن كان عادة نساء عصباتها التأجيل في المهر فإنه لا يجب لها المهر المؤجل بل يجب حالا: وينقص منه لاجل التأجيل، لان القيم لا تكون مؤجلة.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإذا أعسر الرجل بالمهر ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه معاوضة يلحقه الفسخ، فجاز فسخه بالافلاس بالعوض كالبيع، وان كان بعد الدخول لم يجز الفسخ لان البضع صار كالمستهلك بالوطئ، فلم تفسخ بالافلاس كالبيع بعد هلاك السلعة.
ومن أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت الفسخ، وإن كان بعد الدخول ففيه قولان
(أحدهما)
لا يثبت لها الفسخ لما ذكرناه
(والثانى)
يثبت لها الفسخ وهو الصحيح، لان البضع لا يتلف بوطئ واحد فجاز الفسخ والرجوع إليه، ولا يجوز الفسخ الا بالحاكم، لانه مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم، كفسخ النكاح بالعيب.

(فصل)
إذا زوج الرجل إبنه الصغير وهو معسر ففيه قولان، قال في القديم يجب المهر على الاب لانه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والاعسار كان ذلك رضا بالتزامه.
وقال في الجديد يجب على الابن وهو الصحيح، لان
البضع له فكان المهر عليه.

(فصل)
وان تزوج العبد بإذن المولى فإن كان مكتسبا وجب المهر والنفقة.

(16/377)


في كسبه لانه لا يمكن إيجاب ذلك على المولى لانه لم يضمن، ولا في رقبة العبد لانه وجب برضا من له الحق، ولا يمكن إيجابه في ذمته لانه في مقابلة الاستمتاع فلا يجوز تأخيره عنه، فلم يبق إلا الكسب فتعلق به ولا يتعلق إلا بالكسب الحادث بعد العقد، فان كان المهر مؤجلا تعلق بالكسب الحادث بعد حلوله، لان ما كسبه قبله للمولى، ويلزم المولى تمكينه من الكسب بالنهار ومن الاستمتاع بالليل، لان إذنه في النكاح يقتضى ذلك، فإن لم يكن مكتسبا وكان مأذونا له في التجارة فقد قال في الام: يتعق بما في يده، فمن أصحابنا من حمله على ظاهره، لانه دين لزمه بعقد أذن فيه المولى فقضى مما في يده كدين التجارة.
ومن أصحابنا من قال: يتعلق بما يحصل من فضل المال، لان ما في يده للمولى فلا يتعلق به كما لا يتعلق بما في يده من الكسب، وإنما يتعلق بما يحدث وحمل كلام الشافعي رحمه الله على ذلك، وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له في التجارة ففيه قولان.

(أحدهما)
يتعلق المهر والنفقة بذمته يتبع به إذا أعتق، لانه دين لزمه برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض، فعلى هذا للمرأة أن تفسخ إذا أرادت
(والثانى)
يجب في ذمة السيد لانه لما أذن له في النكاح مع العلم بالحال صار ضامنا للمهر والنفقة، وإن تزوج بغير إذن المولى ووطئ فقد قال في الجديد يجب في ذمته يتبع به إذا أعتق، لانه حق وجب برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض.
وقال في القديم: يتعلق برقبته لان الوطئ كالجناية، وان أذن له في النكاح فنكح نكاحا فاسدا ووطئ ففيه قولان.

(أحدهما)
أن الاذن يتضمن الصحيح والفاسد، لان الفاسد كالصحيح في المهر والعدة والنسب، فعلى هذا حكمه حكم الصحيح وقد بيناه
(والثانى)
وهو الصحيح أنه لا يتضمن الفاسد لان الاذن يقتضى عقدا يملك به، فعلى هذا حكمه حكم ما لو تزوج بغير إذنه وقد بيناه (الشرح) إذا أعسر الرجل بالصداق فهل يثبت لها الخيار في فسخ النكاح؟ فيه ثلاثة طرق حكاها ابن الصباغ، من أصحابنا من قال: إن كان بعد الدخول لم يثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان قبل الدخول ففيه قولان، أحدهما يثبت

(16/378)


لها الخيار لانه تعذر عليها تسليم العوض والمعوض باق بحاله فكان لها الرجوع إلى المعوض كما لو أفلس المشترى بالثمن والمبيع باق بحاله.
والثانى: لا يثبت لها الخيار، لان تأخير المهر ليس فيه ضرر متحقق فهو بمنزلة نفقة الخادم إذا أعسر بها الزوج.
ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا.
وان كان بعد الدخول ففيه قولان
(أحدهما)
لا يثبت لها الخيار قولا واحدا.
وإن كان بعد الدخول ففيه قولان
(أحدهما)
لا يثبت لها الخيار لان المعقود عليه قد تلف فهو كما لو أتلف المبيع في يد المشترى ثم أفلس
(والثانى)
لا يثبت لها الخيار وهو اختيار الشيخ أبى إسحاق، لان المرأة يجب عليها التمكين من الوطئ وجميعه في مقابلة الصداق، وإنما سلمت بعضه فكان لها الفسخ في الباقي فهو كما لو وجد البائع بعض المبيع في يد المفلس.
ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان بعده لم يثبت لها الخيار قولا واحدا.
لان قبل الدخول لم يتلف البضع، وبعد الدخول قد تلف البضع، لان المسمى يستقر بالوطئ الاول كما يستقر الثمن بتسليم جميع المبيع، وباقى الوطئات تبع للاولة، فإذا تزوجت امرأة رجلا مع العلم بإعساره بالمهر، وقلنا لها الخيار إذا لم تعلم به
فهل يثبت لها الخيار ههنا؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ.

(أحدهما)
لا يثبت لها الخيار لانها رضيت بتأخيره بخلاف النفقة فان النفقة لا تجب العقد ولانه قد يتمكن المعسر من النفقة بالكسب والاجتهاد بخلاف الصداق
(والثانى)
يثبت لها الخيار لانه يجوز أن يقدر عليه بعد العقد، فلا يكون باعساره رضا بتأخير الصداق كالنفقة، وإذا أعسر بالصداق فرضيت بالمقام معه لم يكن لها الخيار بعد ذلك، لان حق الصداق لم ينجدد بخلاف النفقة.
هذا ترتيب البغداديين.
وقال المسعودي إذا رضيت باعساره بالمهر ثم رجعت، فان كان قبل الدخول، كان لها الامتناع، وان كان بعد الدخول لم يكن لها الامتناع، وان رضيت بالمقام معه بعدما أعسر بالصداق سقط حقها من الفسخ ولا يلزمها أن تسلم نفسها بل لها أن تمتنع حتى يسلم صداقها، لان رضاها انما يؤثر في إسقاط الفسخ دون الامتناع، ولا يصح الفسخ للاعسار بالصداق إلا باذن الحاكم لانه مجتهد فيه كفسخ النكاح بالعيب.

(16/379)